ابراهيم الداقوقي
الحوار المتمدن-العدد: 1692 - 2006 / 10 / 3 - 10:00
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تؤكد التقارير المتتالية الواردة عن سير الحرب الاستباقية التي خططت لها واشنطن ويقودها الثلاثي المتجانس والمغرم بالحرب من اجل الهيمنة والاستغلال : واشنطن – لندن – تل ابيب ، على " الارهاب " في الشرق – ومعظم تلك التقارير غربية وليست عربية - بان تلك الحرب لم تفشل في القضاء على الارهاب فحسب بل ساهمت في ازدهار الارهاب وفتح آفاق مستقبلية له ، ليس في العالم الاسلامي فقط وانما في معظم انحاء العالم ، رغم الوحشية الفظيعة لآلة القمع العنصرية وممارستها إرهاب الدولة وارتكابها لجرائم الحرب بامتياز ، في كل من فلسطين وافغانستان والعراق ولبنان . فقد اكدت تقارير الاستخبارات الاميركية ، ما معناه " ان الحرب على العراق ولّدت جيلا جديدا من الارهابيين ، ولكن يبدو ان الرئيس جورج بوش غير معني بالامر " .
نعم .... هو غير معني بذلك ، لان الارهاب المستشري في العراق ليس مصدره الزرقاوي – او الزرقاويون التابعون لاطراف النزاع - او المصري او القاعدة فحسب ، بل ثمة مصادر متعددة الان في العراق ، تمارس الارهاب والقتل على الهوية في جميع انحاء البلاد :
1 – الارهاب الاصولي من جميع الاديان والمذاهب الدينية من خلال المليشيات المسلحة الناجمة عن المحاصصة الطائفية والعنصرية ، التي ادت الى ازمة ثقة بين السياسيين العراقيين ، نتيجة عدم ايمان معظمهم بالديموقراطية والتعددية . فكان الاعتماد على تلك المليشيات ، العاملة على انفراد او من خلال ما يسمى بـ ( المقاومة ) التي تفتك بالعراقيين اولا .
2 – بقايا فلول النظام الصدامي المنهار ، من النفعيين والاستخباراتيين ومافيا التجارة والارتزاق .
3 – مخابرات كافة الدول ذات المصلحة في تدمير العراق وشعبه ، فقفد اكد الصحفي البريطاني ( روبرت فيسك ) منذ اواخر العام 2003 ثم بعد القاء القبض على الدكتاتور المهزوم ، وجود عشرين الف مجند مرتزق تابع لدائرة المخابرات المركزية الامريكية ، تعمل في العراق وتتولى اختطاف معارضي الاحتلال وتعذيبهم وقتلهم .
4 – قوات الاحتلال ، غير الجادة في مكافحة الفساد والانتهاكات والمافيات ، وفي تقوية النظام الجديد لكي يتمكن من إقرار الامن والنظام في البلاد من جهة ، ولتشريع القوانين التي تسهل عملية الانتقال السلمي الى المرحلة الديموقراطية في البلاد ، من جهة اخرى . لان قوات الاحتلال لا تزال تنفذ القاعدة الاستعمارية القديمة ( فرق تسد ) باساليب جديدة وخبيثة ، لفرض الاستسلام على الشعب العراقي من اجل تحقيق مخططه الموضوع منذ العام 1992 ولتنفيذ استراتيجية "إعادة هيكلة الشرق الأوسط الكبير ". بل ان " لجنة الأزمات الأمريكية " أعدت تقريرا ، اكدت فيه أن القوات الامريكية المحتلة قد قامت بتشكيل ميليشيا للقتل في صفوف المذهبيين الإسلاميين (شيعة وسنة) حتى يثيروا فتنة طائفية في العراق... فكانت النتائج كارثية على الشعبين العراقي والامريكي ( 2711 قتيل وعشرين الف جريح ) معا . لان بوش كان معنيا بشئ آخر ، هو : تحقيق المغانم السياسية لحكومة امريكا الخفية ( المحافظين الجدد ) المسيطرين على مقاليد الامور في واشنطن من جهة ، ومن جهة اخرى ... تحقيق مليارات الدولارات من الارباح لشركاتها العابرة للقارات ، على حساب الحريات والديموقراطية الليبرالية الامريكية . بعد ان استطاع الرئيس بوش الابن – وخلال فترتي رئاسته المتتاليتين – تقييد الحريات العامة في بلاده بحجة حماية امنها الوطني بمكافحة الارهاب ، وهو حق يراد به الباطل ، لان واشنطن تقصد بالارهاب : كل شخص او شعب يعارض هيمنة الثلاثي المتجانس والمغرم بالحرب ، في خلط مقصود للاوراق ومخطط وفق مبدأي واشنطن : استعمال المعايير المزدوجة في تحليل الشؤون الدولية ، اعلاميا . والفوضى البناءة العسكرية لتدمير البلدان المحتلة واعادة بنائها – وباموال تلك الدولة المنكوبة – عن طريق شركاتها العابرة للقارات ، بعد ان تحولت واشنطن الى مقاول دولي لاعمار البلدان المحتلة ونشر ديموقراطية الهيمنة الاستعمارية فيها ، و على حساب تلك الشعوب المنكوبة ، مع تنديدنا للارهاب الدولي ، الاصولي الديني والشوفيني لابن لادن المسلم وبوش المسيحي واولمرت اليهودي .
ومن هنا ، نود ان نؤكد على مبدأين اساسيين مستخلصين من الواقع العراقي – بعد الاحتلال الامريكي – ونابعين من طبيعة الاحتلال نفسه ، هما :
الاول - ان امريكا لم تحتل بلدا في العالم – منذ ان تحولت من دولة داعية للحريات الى دولة مستعمرة بعد الحرب العالمية الثانية – وخرجت من ذلك البلد المحتل دون ان تترك فيها قواعد عسكرية وجنودا لحماية مصالحها ، وثمة امثلة عديدة على ذلك : فها هي القوات الامريكية التي احتلت اليابان والمانيا منذ الحرب العالمية الثانية ، لا تزال تحتفظ فيهما بالعديد من القواعد العسكرية ، وبالالاف المؤلفة من جنود المارينز الامريكية. ولهذا ، فان جميع التحليلات السياسية التي تؤكد او تتوقع هزيمة امريكا في العراق سراب سينقشع بعد حين ، او امنيات تصب المياه في طاحونة المقاومة الارهابية وغير الوطنية في العراق .
الثاني – يسعى الاحتلال ، ايا كان وفي أي بلد من بلدان العالم ، الى تطبيق مبدأ ( فرق تسد ) لتهيئة الاوضاع فيها من اجل استقراه هو وضمان امنه وسلامه ، وليس استقرار وسلام البلد المحتل ، من خلال اثارة النعرات الطائفية والمذهبية و / او تشجيع الامال العرقية الشوفينية للاقليات المتآخية في تلك البلدان ، من خلال القوانين والتشريعات التي تضعها قوات الاحتلال او صنائعها من الساسة المحليين . ولذلك لا تقوم في تلك البلدان – وفي ظل الاحتلال – حكومات قوية او رشيدة تعمل لصالح المواطنين او تقوم بمعالجة مشاكلها المزمنة او المتراكمة من عهود الاستبداد والفساد والاستعمار الداخلي للانظمة المنهارة . فقد وضع بريمر – الملك الامريكي غير المتوج على العراق – نظام المحاصصة الطائفية في العراق رسميا ، بينما ارسى السفير خليل زادة ، قواعد تقسيم العراق دستوريا بمنح المحافظات العراقية ، التي استولت عليها الاحزاب الطائفية ، شبه استقلال ذاتي ماليا واداريا ، مما شجعها للمطالبة بالفيدرالية – اسوة بالاكراد الذين اكتسبوا هذا الحق بنضالهم المستمر ضد الدكتاتورية والشوفينية منذ نصف قرن - بعد تشكيل مليشياتها المسلحة وبحق اقامة العلاقات مع الدول الاجنبية . فعمت الفوضى وضربت المحسوبية الحزبية والطائفية والفساد الاداري والمالي اطنابها في طول البلاد وعرضها امام عجز حكومتي الجعفري والمالكي ، رغم ادعائهما بمحاولة اجراء المصالحة الوطنية ، التي لا غنى عنها لمعالجة الاوضاع المتردية في البلاد : سيطرة المافيات والمليشيات والقتل على الهوية .
فالى اين ... يسيرالعراق الجديد ؟
ان ضعف الحكومة وعجزها عن حل المليشيات وتجريد كافة المواطنين من الاسلحة ، وعدم رغبة قادة الاحتلال في حل مشاكل العراق المزمنة : الفساد والمحسوبية وسرقة المال العام ، مع عجز المنظمات الشعبية – وعلى راسها منظمات المجتمع المدني – الممثلة في البرلمان من الحراك السياسي ، الناجم عن المحاصصة الطائفية والعنصرية والنظرة الحزبية المصلحية الضيقة ، سيؤدي الى تفاقم الاوضاع والى شلل سياسي ، اذا لم يتحرك البرلمان العراقي بروح متسامحة وبعيدة عن الطائفية والعنصرية ، لاجراء المصالحة الوطنية الاجتماعية بعقلية متفتحة وارادة قوية ، من اجل تشكيل حكومة وحدة وطنية للخروج من نفق الشلل السياسي ، توطئة لانقاذ العراق من الحرب الاهلية التي ذرت بقرنها في ربوعها الغنية بالموارد الطبيعية ، لأن لا احد ينقذ العراق .... غير العراقيين . او ان تقوم مجموعة من البرلمانيين الديموقراطيين المؤمنين بالوحدة الوطنية العراقية ، بترجيح مصالح الشعب العراقي على مصالحهم الذاتية والحزبية الضيقة .... بتقديم استقالاتهم من احزابهم السياسية وتشكيل كتلة برلمانية جديدة ، باسم ( وحدة الاشتراكيين الديموقراطيين ) وفق برنامج عمل يغطي تطلعات الشعب العراقي بكافة اطيافه السياسية ، ويسعى بشجاعة وارادة صلبة من اجل التغيير والاصلاح الاجتماعي ، في معارضة ديموقراطية رشيدة . وبعكسه فان واشنطن سوف تقوم بتنفيذ احد السيناريوهات التالية ، في العراق :
اولا – الانسحاب الى خارج المدن وترك مهمة الحفاظ على الامن للقوات العراقية ، لكي ياكل الاخوة الاعداء بعضهم بعضا ، مع تشديد الحراسة على انابيب النفط بالوسائل الالكترونية المتاحة والمرتزقة الاجانب ، ضمانا لسيلان النفط العراقي للغرب . فيتحول العراق الى لبنان الثمانينات الى ان يحدث الانفجار الكبير الذي لا يلم الا الله نتائجه ، او تتغلب فئة من الاحزاب المتقاتلة ، فتعود الدكتاتورية المقيتة – مرة اخرى – الى العراق ، لتدفع به الى عهود الظلام والاستبداد .
ثانيا – نقل الملف العراقي الى الامم المتحدة لتدويل القضية ، انقاذا لماء وجهها من جهة وحفاظا على ارواح جنودها ، لرعاية مصالحها وارباح شركاتها العابرة للقارات ، من جهة اخرى .
ثالثا – دعوة قوات الحلف الاطلسي للحلول محل القوات الامريكية او المشاركة معها ، في تأديب العراقيين وتنفيذ اهدافها .
رابعا - نقل ملف العراق الى الجامعة العربية ، بعد اخذ موافقة السعودية ومصر والاردن وقطر مقدما على ذلك ، لايجاد الحل الجذري للازمة العراقية ، وفق المنظور الامريكي ، باصدار ( اتفاق طائف ) جديد حول العراق .
خامسا - الايحاء الى المالكي لتكليف قائدين عسكريين من معارضي صدام حسين او المختلفين مع الدكتاتور السابق لتولي وزارتي الدفاع والداخلية ، ثم دفعهما – او احدهما - للقيام بانقلاب عسكري للسيطرة على الوضع وتنفيذ المخططات الموضوعة حول الديموقراطية الليبرالية الامريكية ، ومشروع الشرق الاوسط الكبير ، في دكتاتورية مقنعة وبحماية امريكية .
وهنا يتبادر الى الذهن السؤال الوجيه التالي : وهل يسكت الاكراد – المتنعمين بالفيدرالية والديموقراطية – والشيعة الذين نالوا حصة الاسد في البرلمان والادارة ، على تنفيذ احد هذه السيناريوهات ؟
نقول ... نعم ، لان كلا الجانبين قد فازا بمكاسبهما ، بفضل التدخل الامريكي لاسقاط النظام الدكتاتوري المقيت الذي اذاقهما – بخاصة والعراقيين بشكل عام - الذل والهوان والقتل والتشريد . بل نستطيع التأكيد بان واشنطن مستعدة – في حال تحركما ضدها – لتقوم بتنفيذ مخطط التقسيم الموضوعة عام 1992 باقامة ثلاث كونفيدراليات طائفية – عرقية : كردستان الشمالية – عدا كركوك - ووسط السنية مع كركوك والجنوب الشيعية .... مع احتفاظ واشنطن بالقواعد العسكرية فيها جميعا ، وعقد معاهدات طويلة الامد معها لاستغلال ثرواتها الطبيعية . او ربما تسعى واشنطن – عند تحركهما او معارضتهما – الى الغاء العراق من خارطة الشرق الاوسط برمته ، بالحاق كردستان العراق الى تركيا وفيدرالية الجنوب الى ايران والوسط – وبضمنها كركوك – الى الاردن ، ارضاءا لجارات العراق التي استدعت امريكا لاحتلال العراق او غضت النظر عن هذا الاحتلال من جهة ، وللقضاء على خطر العراق والعراقيين – على جارات العراق - لاسيما وهما القادران على النهضة والتقدم اذا ما اتيحت لهما ، القيادة الوطنية الديموقراطية ، من جهة اخرى .
غير اننا نؤمن ، بان ثمة تيارات ديموقراطية – علمانية مكبوتة في العراق الطائفي – العنصري الجديد ، تتحين الفرص للظهور على الساحة السياسية في تنظيم جديد وبفكر جديد ، اذا ما اتيحت لها قيادة شعبية نابعة من رحم فسيفساء لوحة بلاد الرافدين الرائعة التي اطّـرت هموم وتطلعات العراقيين في الحياة الحرة الكريمة ، منذ اقدم العصور .... لتقوم بتغيير صورة العراقيين : الهمج ، الرعاة الجهلة والمتعطشين لدماء بعضهم البعض والخانعين للاستبداد والدكتاتورية والمساندين للاحتلال وانتهاكاته لحقوقهم وحرياتهم ، عن طريق اعادة رونق وجمال تلك اللوحة الفسيفسائية المتسامحة والمؤمنة بالتعددية وبان الدين لله وحده والوطن للجميع . وقد تلد تلك القيادة النبيلة من ركام اقتتال الاخوة الاعداء ، بانتصار العقل السليم وفضيلة الحوار واحترام الرأي الآخر – غير المجرم بحق العراقيين الاخرين – لاننا يجب ان لا نفقد الامل بارادة الشعب ، الذي يجب ان يستجيب له قدر الاحتلال مهما طال الزمن .
#ابراهيم_الداقوقي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟