أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - إدريس ولد القابلة - من أين أتت عبارة-معاداة السامية-؟















المزيد.....

من أين أتت عبارة-معاداة السامية-؟


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 7414 - 2022 / 10 / 27 - 04:33
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


كانت كراهية اليهود موجودة منذ قرون ، ولكن فقط في القرن التاسع عشر بدأ يطلق عليها "معاداة السامية".
لطالما كانت كراهية اليهود سمة من سمات تاريخ العالم لعدة قرون. ولكن فقط في أواخر القرن التاسع عشر ظهرت كلمة محددة جديدة لوصفها.

إن ما دفع إلى صياغة مصطلح "معاداة السامية" الجديد، هو تصور العلاقة المتغيرة بين اليهود والشعوب التي يعيشون بينهم والتي لا يمكن وصفها بدقة على أنها مجرد "رهاب اليهود" - Judeophobia - أو "كراهية اليهود"- Jew-hatred. إن الشعور بالحاجة إلى كلمة جديدة لم يؤثر فقط على المعادين للسامية. فقد تم الاعتراف بهذا المصطلح من قبل اليهود وغير اليهود في جميع أنحاء أوروبا وفي أي مكان استقر فيه الأوروبيون في أنحاء العالم.

كانت معاداة السامية ، كمفهوم وحركة ، ردًا على ما سمي بـ "المسألة اليهودية" ، والتي نشأت في حد ذاتها مع الصعود الاقتصادي والثقافي والسياسي الملحوظ لليهود خلال القرن التاسع عشر واندماجهم في الحياة الأوروبية السائدة. بالنسبة لبعض الشعوب التي كانوا يعيشون بينهم ، كان هذا التراكم السريع للسلطة في يد اليهود بمثابة تهديد ينذر بالسوء. لقد اعتادوا على رؤية اليهود كحرفيين صغار ، وزنادقة ، وباعة متجولين ، وطفيليين ، وأصبحوا يواجهون الآن قادة سياسيين يهود ، وعلماء، ومثقفين من مستوى عال جدا ، ومصرفيين ، ونقباء صناعة ، وضباط جيش ، وأساتذة ، ورؤساء. فلم يعد اليهود "أجانب" لا حول لهم ولا قوة ، وإنما أضحى يُنظر إليهم على أنهم ماهرون في مجال السلطة المكتسبة خلسة ومن خلف الستار أو من تحت الطاولة.

لقد تم التركيز على قصص النجاح الباهرة لقلة قليلة من اليهود فقط وقتئذ ، وتم تجاهل الآلاف من اليهود الذين ما ظلوا فقراء معوزين والذين يعيشون في أوروبا الشرقية وفي الأحياء الفقيرة في مدن وسط وغرب أوروبا. ومع ذلك ، برز الشعور بالخوف مما قد يفعله اليهود بقوتهم "المبالغ فيها" بشكل كبير، وهذا ما حفز الجهود المبذولة لنزع " قوتهم المكتسبة هذه" قبل فوات الأوان - أولاً في ألمانيا ، ثم في العديد من البلدان الأخرى.

إن المسيحيين المحافظون والديمقراطيين الساخطين والليبراليين والقوميون والمثقفين والأكاديميين المحبطين والمصلحين الاجتماعيين ... كل هؤلاء اتخذوا - آنذاك- إجراءات ضد "العدو اليهودي"، كل بطريقته. وكان البعض من هؤلاء ، على قناعة تامة بأن الحركة الجماهيرية المنظمة على أساس كراهية اليهود هي أفضل طريقة للمضي قدمًا ، سيما وأن الغالبية العظمى كانت ترى اليهود ب بالاستياء أو الشك أو الازدراء.

في هذه الأجواء ظهر مصطلح "معاداة السامية" لوصف الجهود المشار إليها أعلاه.
ففي ألمانيا ، كان "فيلهلم مار" (1) - Wilhelm Marr - قد لا يكون مبتكر المصطلح - لكنه من أوائل المدافعين عليه . وكان وقتئذ، طالبًا في مجال التاريخ والعلوم. سمحت له موجة معاداة السامية بتمييز الحزب الذي أسسه في أواخر 1879 ، "رابطة معاداة السامية" - Antisemites’ League - عن التعصب الديني لكراهية اليهود السائد في العصور الوسطى. وقد عرّف "مار" "المسألة اليهودية" بأنها مسألة عرقية وليست انحرافًا دينيًا.
_________________
(1) - (1819 - 1904) كان صحفيًا ألمانيًا ، في السياق السياسي للقرن التاسع عشر ، صاغ مصطلح – Antisemitismus - (معاداة السامية) ليحل محل ("كراهية اليهود")، وذلك لجعل كراهية اليهود تبدو عقلانية وموافقة للمعرفة العلمية.

(2) - "الرابطة المعادية للسامية" هي أول جمعية سياسية توحد معادي السامية داخل الإمبراطورية الألمانية. كما أنها أول من جعل مصطلح "معاداة السامية" شعارًا وبرنامجًا سياسيًا. تأسست في 26 سبتمبر 1879 من قبل الصحفي "فيلهلم مار" في برلين واستمرت حتى نهاية ثمانينيات القرن التاسع عشر.
_____________________

في الماضي ، كان الاضطهاد عرضيًا، وتناوبت نوبات العنف الرهيب مع فترات طويلة من العلاقات الهادئة بين اليهود وجيرانهم. من وجهة نظر "مار" ، سمحت مثل هذه الكراهية الضعيفة لليهود بأن يصبحوا أقوى ، وفي الواقع ، أطلقوا خططًا لغزو العالم غير اليهودي. إذ أن مجرد التحيز الديني قد فشل في وقف صعودهم، وأصبح اليهود أقوياء للغاية ، وترسخوا في المجتمع ، بحيث لا يمكن هزيمتهم من خلال " التصفية أوالمذبحة العرضية".

رفضت حركة "معاداة السامية" ما وصفته بأخطاء الماضي هذه. لذا كان المطلوب هو "النضال المنضبط والمنهجي" ، لإضفاء الطابع المؤسسي على معاداة السامية في الأحزاب السياسية ، والمنظمات الشعبية ، وجماعات الضغط ، والصحف ، والمجلات العلمية ، والجمعيات التطوعية ، وذلك – بداية - عن طريق التحريض المستمر. وكان على المعادين للسامية أن يكونوا مستعدين للنضال طويل النفس، الذي كان سيستمر إلى حين "حل المسألة اليهودية". فقد كان العالم الحديث وقتئذ، منهمكًا في "حرب عرقية" ، حرب لا يمكن أن يكون لها نهاية سلمية أبدا.

رغم اتفاق الكثيرين مع أهداف وأساليب "مار" ، لم يتم تبني مصطلح "معاداة السامية" بحد ذاته. إذ وجده البعض فضفاضا للغاية ، والبعض الآخر رآه غير علمي بل زائف. اعترض الفيلسوف الألماني يوجين دوهرينغ (3) - Eugen Duhring - (1833-1921) على تجنب تسمية العدو مباشرة. لم يتم اعتبار جميع الساميين أعداء. فعلى سبيل المثال ، عندما سعى النازيون إلى حلفاء عرب قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية ، وجدوا أنه من المستحسن التنصل من استخدام المصطلح في الدعاية الموجهة للشرق الأوسط ، وطمأنة الحلفاء المحتملين بالقول أن العرب هم عرق نبيل (4). بل وحتى اليوم ، العرب - الساميون أنفسهم - يعارضون الارتباط بالمسألة اليهودية. في حين يزعم آخرون ، معادون تمامًا لليهود ، أنه لا يمكن اتهامهم بمعاداة السامية لأنهم ساميون أيضا.
_________________
(3) - (1833-1921) فيلسوف وخبير اقتصادي ألماني. حافظ "دوهرينغ" على وجهة النظر المتفائلة القائلة بأن البشر يمتلكون الغرائز التي تولد التعاطف مع الآخرين بشكل طبيعي. دفع هذا الموقف بعض النقاد إلى وصف "اشتراكيته" بالطوباوية. تم انتقاد نظرياته من قبل "فريدريك إنجلز" في مقالً بعنوان "السيد "دوهرينغ" يقلب العلم رأساً على عقب" ، والمعروف باسم Anti-Dühring.

(4) - تمثلت العلاقة بين ألمانيا النازية (1933-1945) وحكام العالم العربي في التعاون في نشر الدعاية والمنافسة في بعض الأحيان. بُنيت العلاقات السياسية والعسكرية التعاونية على الأعمال العدائية المشتركة تجاه الأعداء المشتركين من جهة، ومن أخرى معاداة السامية للنازيين، والتي كانت موضع إعجاب بعض الزعماء العرب والمسلمين، وعلى الأخص الحاج أمين الحسيني. وقد أدلى "هتلر" و"هملر" بـ " تصريحات إيجابية " عن الإسلام كديانة وأيديولوجية ، واصفين إياه بأنه شكل أكثر انضباطًا عسكريًا وسياسيًا وعمليًا من الديانة المسيحية، وأثنوا على ما اعتبروه مهارة النبي محمد في السياسة والقيادة العسكرية. لكن من ناحية أخرى اعتبرت الإيديولوجية العنصرية النازية الرسمية، العرب والشمال الإفريقيين عرقاً أقل امتيازاً من الألمان.
________________

انبثقت كلمة "سامية" في مجال الدراسات اللغوية، وربما كانت في يوم من الأيام وصفًا محايدًا – دون حمولات عدائية - لشعوب وثقافات الشرق الأوسط ، وهي في الأساس مجرد وسيلة للتمييز بين المجموعات اللغوية المختلفة. لكن أولئك الذين يفضلون معاداة السامية يلاحظون أن مصطلح - Semitentum - الذي يُنسب عادةً إلى مفكر التنوير الألماني "أ. شلوزير" (5) - A. L. Schlozer - كان جدليًا منذ ابتكاره، إذ تم اختراعه لتأسيس قطبية بين الثقافات المسيحية "البيضاء المتفوقة" وتلك الخاصة بالمسيحيين الأدنى مرتبة، "الشرقية". لكن بعد مرور الوقت أصبح مصطلح "السامية" يستعمل للدلالة على حزمة من السمات السلبية.
_____________________
(5) - (1735 - 1809) كان مؤرخًا وكاتبًا وعالمًا في اللغة الألمانية عاش في ألمانيا وروسيا. تتزامن حياته الفكرية مع فترة Aufklärung ، "عصر التنوير". وهو أول عالم لغوي أوروبي يستخدم تعبير "اللغات السامية".
________________________

anti-Semitism - عادة عادةً ما يؤدي وضع - anti - (أي "ضد" الواصلة) أمام الكلمة إلى عكسها. لكن "معاداة السامية" هي في الأساس مرادف للسامية. نتيجة لذلك ، أصبح من الشائع الآن في الدوائر الأكاديمية إسقاط الواصلة. دافعت مؤرخة "الهولوكوست" الشهيرة - ديبوراه ليبستادت (6) - Deborah Lipstadt - قائلة إن استخدام الواصلة – anti أي ضد - "يشوه تمامًا معنى الكلمة". لكن هذا الرأي لم يلق الإجماع، وظل استعمال مصطلح - anti-Semitism – هو السائد في جميع أرجاء العالم.
__________________________
(6) - مؤرخة أمريكية من مواليد 1947 في نيويورك. وهي أستاذة في الدراسات اليهودية الحديثة ودراسات الهولوكوست في جامعة "إيموري". وهي مؤلفة أعمال شهيرة عن إنكار الهولوكوست ، بما في ذلك كتاب بعنوان "إنكار الهولوكوست" (1993) ، والذي تمت مقاضاتها مع ناشرها من قبل المؤلف البريطاني "ديفيد إيرفينغ" ، الذي وصفته بأنه "منكرالهولوكوست"، لكن الحكم لم يكن في صالحه.
________________________



#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التهديد النووي والتسويف الاستراتيجي
- حرب -بوتين- في أوكرانيا كشفت أن -الدب الروسي من ورق-
- التهديد النووي: خطر التصعيد ... فهل هناك من حل ؟
- وضعية النساء المسنات في اليوم العالمي للأشخاص المسنين
- تحت حكم غورباتشوف ، كان لروسيا صوتا لكن...
- الفصل العنصري الإسرائيلي 6
- الفصل العنصري الإسرائيلي 5
- صونوا شرف قضاة المغرب وامنعوا التطبيع القضائي المغربي مع الص ...
- سترتفع مستويات البحر في جميع أنحاء العالم بأسرع مما كان متوق ...
- كتاب -رافائيل ميدوف- : -أمريكا والهولوكوست: تاريخ وثائقي-
- الفصل العنصري الإسرائيلي 4
- الفصل العنصري الإسرائيلي 3
- الفصل العنصري الإسرائيلي 2
- الفصل العنصري الإسرائيلي 1
- إنهاء استعمار الهوية الإسرائيلية/ -النكبة- في العقلية الإسرا ...
- ما تعلمه الجيش الصيني من حرب أوكرانيا الروسية؟
- -تكنوفوبيا- : أصبحت -الرقمية- Digital - قلب الكارثة البيئية
- لعبة الطب النفسي
- القلق البيئي- ، شر العصر4
- القلق البيئي- ، شر العصر 3


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - إدريس ولد القابلة - من أين أتت عبارة-معاداة السامية-؟