أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد الفهري - الرؤية النقدية في -حديث الأربعاء-















المزيد.....



الرؤية النقدية في -حديث الأربعاء-


محمد الفهري
أستاذ باحث


الحوار المتمدن-العدد: 7412 - 2022 / 10 / 25 - 23:13
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


الرؤية النقدية في "حديث الأربعاء"
د. محمد الفهري
تعتبر سنة 1919 تاريخا له أكثر من دلالة، فهو يعد منعطفا في التاريخ الحديث لمصر، بحيث شهدت ثورة عارمة، كان من نتائجها ذلك الانفتاح السياسي، والتزايد في الإحساس بالهوية والشخصية المصرية، وازدهار العقلانية والنزعة الليبرالية([1]). وفي هذه السنة عينها سيعود طه حسين من فرنسا، ليشتغل أستاذا للتاريخ القديم اليوناني والروماني بالجامعة المصرية (الأهلية) بعد حصوله على دبلوم الدراسات العليا في القانون المدني الروماني، وظل يشغل هذه المهمة حتى سنة 1925، وهو التاريخ الذي ستصبح فيه الجامعة المصرية حكومية، وسيصبح طه حسين أستاذا للأدب العربي القديم ومناهج الدراسات الأدبية.
وقد شرع طه حسين في دجنبر من سنة 1922 في نشر مقالات عن الشعر العربي القديم في صحيفة "السياسة" التي أصدرها حزب الأحرار الدستوريين. وإن كان قد نشر – في حقيقة الأمر- دراسات في هذا المجال قبل هذا التاريخ، فقد كان "يكتب في مختلف الصحف والمجلات منذ دخوله الجامعة، كتب في "الجريدة"، في "مصر الفتاة" وفي "الوطن"، وفي مجلة "الهداية" لسان الحزب الوطني مع الجاويش، وكتب في "السفور" وفي "البيان" للبرقوقي..."([2]).
وقد كانت هذه المقالات التي ينشرها تثير حفيظة الكثير من الأدباء والقراء وتغضبهم لما تثيره من قضايا تخلخل جملة من المفاهيم المتجذرة في الثقافة العربية، كالقذف في بعض الشخصيات، والشك في الوجود الفعلي لشخصيات أخرى، وقلب للمعايير الجمالية، وغير ذلك. وقد دفعهم هذا إلى اعتباره مشوّها لتاريخ العرب في حقبة باهرة من حقب تاريخهم([3]).
وهذه المقالات كانت إفرازا لفترة تميزت بتوازن الصراع بين أنصار القديم وأنصار الجديد، وهي الفترة التي انطلقت عقب الثورة المصرية 1919 حسب التحقيب السياسي، أو عقب صدور كتاب "الديوان" 1921 حسب التحقيب الأدبي([4]). وقد جمعت هذه المقالات أو الدراسات في كتاب "حديث الأربعاء" الذي يتكون من ثلاثة أجزاء([5])، وهو من الكتب المهمة في المسير النقدي لطه حسين، حيث نعثر فيه على لمحات نقدية متفرقة تبدو أنها غير منسجمة في أجزاء الكتاب مع بعضها البعض، وهو الأمر الذي دفعنا إلى محاولة استجلاء الرؤية النقدية في هذا الكتاب.
لقد كان طه حسين في الجزأين الأول والثاني من "حديث الأربعاء"، (الأحاديث التي نشرها ما بين 1922 - 1924 بجريدة "السياسة")، يمتلك طموحا كبيرا لإعادة قراءة الشعر العربي وفق معايير موضوعية، وإن كانت طبيعة المقالة لا تسمح باستجلاء ذلك بشكل دقيق، وقد استطاع أن يبث هذه المعايير في مواضع متفرقة من مقالاته، فمثلا نراه في الجزء الأول ينتقد دارسا سبق له أن نشر مقالا بجريدة "السياسة" حول الشاعر المجنون، فيعمل على تقويم خطاه بتزويده بمجموعة من القواعد والأدوات التي من شأنها أن تساعد الناقد في دراسته الأدبية، ويفترض أنه لو كان قد حكم هذه القواعد لانتهى إلى نتائج مخالفة، وقريبة إلى الموضوعية، ويعني بذلك الشك في الوجود الفعلي لهذا الشاعر، على اعتبار أن صورته تبدو من خلال شعره باهتة إن لم نقل غير مطابقة له. ومن هنا يرى طه حسين  أن "الشاعر يجب أن يُتمثل في شعره إلى حد ما، فإذا كان شاعرا مجيدا حقا، فشعره مرآة نفسه وعواطفه، ومظهر شخصيته كلّها، بحيث تستطيع أن تقرأ قصائده المختلفة فتشعر فيها بروح واحد ونفس واحد وقوة واحدة. وقد يختلف هذا الشعر شدة ولينا، ويتباين عنفا ولطفا، ولكن شخصية الشاعر ظاهرة فيه محققة للوحدة الشعرية التي تمكنك من أن تقول: هذا الشعر لفلان، أو هو مصنوع على طريقة فلان"([6]).
                      ويرى طه حسين في موضع آخر أن الشعر ينبغي أن يكون – أيضا- مرآة للمجتمع كما هو الشأن بالنسبة لشعر عمر بن أبي ربيعة الذي يعد صورة صادقة لحياة الحجاز، مثلما يعتبر شعر أبي نواس صورة صادقة للعراق في صدر الدولة العباسية، ولمدينة بغداد أيام الرشيد والأمين خاصة ([7]).
               ولعل الباحث عن الرؤية النقدية ومصادرها في "حديث الأربعاء" في جزأيه الأول والثاني لن يجد تفصيلا أدق مما بينه الناقد نفسه في المقالة السابعة من الجزء الثاني التي اختار لها عنوان "القدماء والمحدثون"، حيث يتحدث فيها عن الغاية من نقد الشعر ويحصرها في إدراك شخصية المبدع وعصره وبيئته، بالإضافة إلى تحقيق لذة عند القارئ. ويرجع طه حسين هذه القواعد التي تبدو غير منسجمة مع بعضها إلى أصولها ومصادرها، فيحيلنا على "سانت بوف" في استجماع ملامح الشخصية، وعلى "تين" في معرفة العصر والمزاج والبيئة، وعلى "جول لمتر" في مسألة الأثر، أي ما يثيره النص الإبداعي من عواطف مختلفة في نفس القارئ أو السامع([8]).
               وتأسيسا على هذا، فإن الرؤية النقدية عند طه حسين تتشكل من هذه العناصر مجتمعة، وهو نفسه يذكر "أن الناقد لا يقنع بما كان يقنع به "سانت بوف" أو "تين" أو "جول لمتر" أو غيرهم من النقاد، وإنما يودّ لو استطاع أن يوفَّق إلى هذا كله، ويستخلص منه غرضا شاملا يطلبه ويسمو إليه حين ينقد، فيفهم شخصية الشاعر أو الكاتب وعصره وفنه"([9]).
               وهذه المفاهيم المشار إليها سبق لطه حسين أن طبقها في دراسته القيمة التي أنجزها سنة 1914 تحت عنوان "تجديد ذكرى أبي العلاء" والتي يقول عنها الدكتور شوقي ضيف: " إن هذه الرسالة تعد بدء التاريخ الدقيق لوضع الأسس القويمة لتاريخ الأدب العربي بحيث يدرس دراسة علمية سديدة كما تدرس أعلامه دراسة تحليلية نتبين فيها روح العصر بكل مشخصاته الزمانية والمكانية"([10]).
كما قام بتطبيقها – أيضا- بشكل أكثر عمقا في كتابه "في الأدب الجاهلي" (1927) الذي كان قد نشره – سابقا- تحت عنوان "في الشعر الجاهلي". وهذا الكتاب الأخير هو في أصله جماع للمحاضرات التي كان يلقيها طه حسين على طلاب السنتين الأولى والثانية في كلية الآداب بالجامعة المصرية خلال سنة 1925.  ونظرا للضجة الكبيرة التي أثيرت حوله فقد حذف منه فصلا، وأضاف إليه فصولا مع تحوير طفيف في العنوان.
               وتأسيسا على هذا يتبين لنا أن الأستاذ طه حسين كان يهدف من خلال مشروعه النقدي إلى تأصيل نقد متحرر من كل قيد، لولا أنه اصطدم بمجموعة من الموانع والظروف حالت دون إتمام غاياته، فأجهض عقب ولادته. هذا النقد الذي كان يشترط في العمل الأدبي أن تتجلى فيه وحدة الأسلوب وتتبين فيه وحدة الشخصية، وتتمثل فيه وحدة العصر. إضافة إلى توفره على عناصر الجمال والفن حتى يؤثر في نفسية المتلقي.
               لا شك أن طريقة المحدثين تختلف في كثير من المناحي عن طريقة القدماء في تناول الأثر الأدبي، وقد استطاع طه حسين أن يكشف عن بعض ملامح طريقة القدماء أثناء حديثه عن شعر عمر بن أبي ربيعة حيث يقول:
"وأنا أعلم حق العلم أن طريقة القدماء في فهم الشعر والحكم عليه لا ترضينا ولا تنفعنا ولا تلائم ذوقنا الحديث وأطماعنا العلمية الواسعة، فهم كانوا يتعجلون الحكم تعجلا، ويجتزئونه اجتزاء، ويعممون في غير موضع التعميم، وهم كانوا لا يستطيعون أن يتصوروا أن لشعر الشاعر وحدة يجب أن تدرس، ويجب أن يتبين فيها الناقد شخصية الشاعر وقوّته، وهم كانوا يجهلون أو يكادون هذه الشخصية، وينظرون لا إلى القصيدة ولا إلى المقطوعة، بل إلى البيت أو البيتين، فيحكمون بأن الشاعر أشعر الناس في هذا المعنى، وربما حكموا بأنه أشعر الناس في كل شيء، لا لأنه قال بيتا راقهم أو شطرا وقع منهم موقعا حسنا. وهم كانوا إلى هذا كله يغمضون ويعمدون إلى معان مبهمة بحيث لا تستطيع أن تتبين آراءهم كما هي، فهم يذكرون الديباجة والحاشية، والأديم وما إلى ذلك من ألفاظ مستعارة يعجبك وقعها ويخطئك معناها الدقيق"([11]).
               من خلال هذا النص الذي سقناه في سياق الحديث عن طريقة القدماء، يمكننا أن ندرك طريقة المحدثين التي أشار إليها في مواضع أخرى، بحيث إنهم لا يجازفون بإصدار حكم إلا بعد إنجاز تحقيق للنصوص، والقيام بقراءة مستوفية لجميع الأشعار بغية تلمس الوحدة، ثم استجماع صورة واضحة المعالم للشاعر بحيث يمكن للقارئ أن يتمثلها بيسر في شعره، وأخيرا يمكن إطلاق العنان للذوق ليصدر ما شاء من الأحكام على قدر ما استطاع هذا الأثر أن يهز المشاعر ويحركها، ويثير فيها إحساسات الرضا والارتياح.
               بعد استعراضنا أهم الخطوط العريضة للرؤية النقدية عند طه حسين، يحق لنا أن نتساءل: إلى أي حد استطاع طه حسين أن يلتزم بخطوط هذا المنهج في دراسته التي أتت بعد هذه المرحلة؟
               إن الإجابة عن هذا التساؤل تقتضي استقراء مجموعة من النصوص التي كتبها الناقد، لكننا سنكتفي فقط بالوقوف على هذا الأمر من خلال كتاب له أهميته في المسيرة النقدية لطه حسين، ألا وهو الجزء الثالث من كتاب "حديث الأربعاء"، بحيث يلحظ المتأمل في مقالات هذا الجزء أنها تتباين موضوعا وغرضا، ويندرج في إطار ذلك ما كتبه عن القديم والجديد وهو الأمر الذي يعكس جانبا من تلك المساجلات النقدية والمعارك الأدبية التي دارت بينه وبين مصطفى صادق الرافعي الذي كان قد بعث برسالة إلى جريدة "السياسة" حول موضوع "أسلوب في العتب" محاولا فيه محاكاة الأساليب القديمة. ولقد كان الأسلوب الذي كتبت به الرسالة هو تلك الشرارة التي أشعلت فتيل هذه المعركة التي سيتعدد أبطالها، وتتسع دائرتها؛ لينضم كل من هيكل وسلامة موسى ووحيد وخليل السكاكيني إلى جانب طه حسين مشكلين بذلك أنصار الجديد، بينما سينضم شكيب أرسلان إلى جهة الرافعي مشكلين أنصار القديم. وإذا استثنينا بعض الآثار السيئة لهذه الخصومة من شتم وتنابز، يبقى لهذا الصراع آثاره الحسنة على أدبنا العربي بحيث أثيرت إلى جانب قضية الأسلوب قضايا أخرى لها أهميتها في النقد الأدبي مثل قضية الذوق الأدبي وقضية الصدق الفني...إلخ.
               نكتفي بهذه الإشارة ونحن على وعي بأننا لم نوف هذه القضية حقها لأن ذلك يحتاج إلى بحث مستقل، وبالتالي إن هدفنا من هذا الجزء ليس تلك القضايا المتعلقة بأعمال المفكرين والباحثين، بقدر ما هو متعلق بالقضايا التي تهم نقد الشعر.
               تطرق الأستاذ طه حسين إلى مجموعة من الأعمال الشعرية تتوزع بين قصائد ودواوين شعرية لشعراء معاصرين لم يكونوا على مذهب واحد في الشعر، كما أنهم لم يكونوا من بيئة واحدة، فقد تناول ثلاثة منهم في مقال واحد لنظمهم قصائد بمناسبة صدور كتاب "الأخلاق" لأرسطو مترجما إلى اللغة العربية بقلم الأستاذ لطفي السيد. وهؤلاء الشعراء هم: أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأحمد نسيم. وقد اتخذ طه حسين هذه القصائد وسيلة للحديث عن اتجاههم ومذاهبهم في الشعر، فأثبت - في البداية- أنهم صادقون في عواطفهم، غير متكلفين فيما ذهبوا إليه، لأن شعرهم أتى استجابة لرغبة الإنصاف والإكبار لمن يستحقون ذلك، ثم أثني عليهم جميعا لما حققت قصائدهم من فنية عالية وإجادة لا بأس بها من حيث إحكام الألفاظ وتخيّرها، وإقرار القافية، وتقصي المعاني التي تتسم بالغرابة والطرافة في الآن عينه، لكن سرعان ما ستتغير هذه النغمة التي كشفت لنا عن شيء من الرضا والإعجاب اللذين حظيت بهما هذه القصائد عنده لتبدأ نغمة جديدة تتخذ من العتاب أسلوبا لها، فيأخذ عليهم بشكل عام جهلهم بكتاب "الأخلاق" الذي حرك ألسنتهم وأنطقهم هذه القصائد حيث يقول متخذا أسلوبا يشوبه الكثير من السخرية: "قد أفهم أن يقول الشعراء ما لا يفعلون، ولكني لا أفهم أن يقول الشعراء ما لا يعلمون"([12]).
               بعد ذلك يشرع الناقد في إصدار أحكامه النقدية متناولا كل شاعر على حدة، فيفتتح حديثه بشوقي باعتباره شاعرا له مكانته المميزة بين شعراء العربية، مشيرا إلى أنه قد أتى بمعان بعيدة كل البعد عن الصواب، ويتمثل ذلك في إشارة الشاعر إلى أن أرسطو كان سباقا إلى إعلان التوحيد. وهذه مغالطة خطيرة وقع فيها الشاعر بحيث جعلته ينزلق من حيث لا يدري من مدح أرسطو إلى مدح أفلاطون.
               بعد هذه الإشارة سيبدي مجموعة من الملاحظات المتعلقة بمكون القافية في القصيدة، موردا بعض الأبيات التي يوضح من خلالها تكلف الشاعر للقافية. وينهي حديثه عن شوقي بالثناء مجددا على قصيدته لما تتميز به من جودة المعنى وجمال اللفظ؛ لينتقل إلى قصيدة حافظ، وليأخذ عليه المأخذ ذاته، ألا وهو أن الشاعر لم يقرأ ترجمة كتاب "الأخلاق" على الرغم من ادعائه ذلك في أحد أبيات قصيدته، لكن تبقى - مع ذلك- لحافظ أفضاله لأنه لم يصنع صنيع شوقي الذي نسب لأرسطو ما ليس له، وإنما اكتفى بما توفر له فقط. ثم يأخذ عليه تكلّفه القافية وعدم عنايته بألفاظه، بحيث يبدو بعضها قلقا أو مبتذلا، والبعض الأخر غير ملائم للغة الشعرية.
               بعد ذلك ينتقل إلى قصيدة نسيم ليقف عندها في مساحة ورقية أقل من سابقتيها، فيقوّم فكرة وردت في قصيدته وهي أن "هوميروسا" ليس شاعر مدح كما ادعى ذلك نسيم، بل هو شاعر ملاحم. أما شعراء المدح عند اليونان فهم "بسندار" وتلامذته، وشعراء الإسكندرية خاصة ككاليماك وتيوكريت وغيرهما.
               ولا يشذ الشاعر عن صاحبيه في تكلّفه القافية، وإن كان يبقى –حسب الناقد- أقل الثلاثة تكلّفا في إقرارها. وينتهي طه حسين إلى حكم يشوبه الكثير من الانطباعية والتأثرية، وهو أن قصيدة هذا الشاعر قد أصابت حظّا وافرا من إعجابه لما تتميز به من خفة وأفكار جريئة، وهذا ما جعله يقدمها على قصيدتي كل من حافظ وشوقي. غير أن هذه الانطباعية ستتجلى بشكل أكثر وضوحا في المقالة الموالية المعنونة بـ"الملاح التائه: لعلي محمود طه" حيث سيلمّح طه حسين نفسه في بداية حديثه عن ديوان هذا الشاعر إلى المنهج الذي سيتبعه في أحاديثه أو مقالاته بعد أن توقف عن نشرها مدة تبلغ عشر سنوات حيث يقول:
" وأريد أن أمضي في هذا الحديث كما كنت أمضي فيه من قبل، حرا طليقا، لا أقيد نفسي بزمان، ولا بمكان، ولا بلون من ألوان الأدب، ولا بفن من فنون البحث... لا أتبع في ذلك إلا ظروف القراءة وأهواءها، وظروف القراءة غير المنظمة ولا المضطردة..." ([13]).
               نلحظ أن طه حسين قد تحرر من كل القواعد التي كان قد رسمها في المرحلة السابقة، ففي اللحظة التي كنا نأمل منه، في إطار تجديد مواقفه النقدية وبلورتها وبحثه المستمر عن الوسائل والأدوات قصد تشكيل وإعداد منهج أكثر تكاملا وملاءمة واقترابا من العملية الإبداعية، نجده يرتدّ إلى منهج ينحصر نشاطه في التعبير عن المتعة التي تولدها الصور الكامنة في النتاج الأدبي، وإبراز التأملات أو الانطباعات الحرة التي تتفتق عنها، أي القيم الناتجة عن لذة القراءة.
               لا نودّ أن نناقش فعالية هذا "المنهج" في استجلاء النص الأدبي وإطاره العام الذي يحيط به، لكن إذا ما راودتنا هذه الرغبة، فسيغنينا حكم الناقد نفسه الذي أفصح عنه في كتابه "في الأدب الجاهلي" عن أية مناقشة، وذلك عندما يتحدث عن مقاييس التأريخ الأدبي، وتحديدا عن المقياس الأدبي حيث يلح على أن لا يصبح تاريخ الأدب فنا كله، وأن يتجنب الإغراق في الفن([14]). وفي هذا السياق يمكن أن نتساءل مع أنفسنا عن السبب الذي يحمل الناقد على أن يعترض على نفسه ويتناقض مع مواقفه.
               مهما اجتهدنا في إيجاد مبررات لهذا التحول، فسوف لن نظفر بإجابة مقنعة. فقد يعزى ذلك إلى كثرة المشاغل التي أصبحت للدكتور طه حسين، أو لطبيعة المجال الذي يتحرك في إطاره أي المقالة الصحفية، أو طبيعة محور المواضيع التي لها صبغة المعاصرة...إلخ.
               إن هذه المبررات أو الأعذار لا تقوم على أساس صلب لأن هذه المقالات من حيث طبيعتها الصحفية لا تختلف عن المقالات السابقة الموجودة في الجزأين الأول والثاني من الكتاب، بيد أن الرؤية مختلفة. ورب قائل قد يقول إن هذه المواضيع تلامس شعراء معاصرين، بحيث إن الناقد قد ينجح في إعطاء صورة متماسكة عن القديم ويصيبه بعض الفشل إذا ما عالج موضوعا حديثا. وهذا – أيضا- رأي غير سليم، فقد كان طه حسين نفسه يشير في الفترة التي كان متحمسا للمنهج التاريخي إلى أن هذا المنهج يصلح لدراسة المحدثين مثلما يصلح لدراسة القدماء([15]).
               لأجل استكشاف هذه القضايا نعود من جديد إلى موضوع المقال الثاني المتعلق بديوان "الملاح التائه"، حيث يكشف الناقد –في البدء- عن الجوانب التي جعلته يرضى بهذا الأثر، ويتمثل ذلك في الشخصية الفنية المتميزة بخفة الروح، وعذوبة النفس والحيرة التي لا مرفأ لها، والتي صورت الشاعر ملاحا تائها، حائرا، مضطربا في هذا الوجود. وقد استوحى الناقد هذه الصورة من خلال قصيدة في ديوان الشاعر بعنوان "الله والشاعر"، ويذكر أن الشاعر يلتقي مصادفة في هذه الحيرة والتيه مع جماعة من الشعراء والفلاسفة، ثم يوصي الشاعر بالإكثار من القراءة حتى يحمي شعره من بعض العيوب، فهو مثلا يستلهم في قصيدته "غرفة الشاعر" روح الشاعر ألفريد دي موسيه مما جعل الأستاذ طه حسين يقف حائرا أمام هذا التوارد. غير أنه لا يسعه –أخيرا- إلا أن يبدي إعجابه وانبهاره بصور القصيدة قائلا إن "هذه الصور المتتابعة المختلفة حسان كلها، ولكنها بعيدة إلى حد ما عن المألوف من حياة شعرائنا الشرقيين"([16])، ثم يعلق أن مسحة التغريب الموجودة في شعر الشاعر تعد خصلة، وليس عيبا كما يذهب البعض. وستتعدد هذه الخصلات لتلامس -أيضا- جوانب أخرى من تجربة الشاعر حيث سيقول: "ما يعجبني في شعره أنه حلو الأسلوب، جزل اللفظ، جيد اختيار الكلام، وأن في شعره موسيقى قلما نظفر بها في شعر كثير من شعرائنا المحدثين، وأنه استطاع أن يلائم إلى حد بعيد لا بين جمال اللفظ وجمال المعنى فحسب، بل بين التجديد والاحتفاظ باللغة في جمالها وروائها وبهجتها وجزالتها"([17]).
               وأخيرا يشير طه حسين إلى بعض الهنات التي وقع فيها الشاعر من مثل إساءته إلى القافية، وتقصيره في النحو واللغة، وغلوه في التجسيم إلى درجة تجاوز المألوف كما هو الحال في قصيدته "ميلاد شاعر"، لكن الناقد يذكر أن هذه المآخذ لا تقلل من قيمة الشاعر خصوصا وأنه ما يزال مبتدئا، وبالتالي إنه يمتلك مؤهلات لأن يكون شاعرا عملاقا.
               ويتناول الناقد في مقالة أخرى الشاعر الشاب الدكتور إبراهيم ناجي ليقدمه إلى القراء إثر صدور ديوانه الأول "وراء الغمام". ويشير - في البدء- إلى أن هذا الشاعر يزاحم أصحاب الأدب مزاحمة الموفّق، بالرغم من اشتغاله بالطب، مثلما كان صديقه السابق علي محمود طه يشتغل بالهندسة، ثم يعدد بأسلوب يسوده بعض الإطراء مزايا شعر الشاعر وخصائصه، فيصف ألفاظه وأساليبه بالجودة والصفاء لا يؤثر فيها الالتواء كثيرا، كما يصف معانيه في معضمها بالجمال. غير أن الناقد سرعان ما سيتحول عن ذلك لأن ديوان الشاعر – حسب ما يبدو- لم يثر في نفسه أحاسيس الرضا والإعجاب بقدر ما أثار فيه مشاعر السخط وعدم الارتياح، فأصبحت لهجته متشددة، وإن كان يدعو – ظاهرا- كل من يتناول هذا الشاعر أن يصطنع في النقد رفقا وإيثارا لأن نفسية الشاعر تتميز بالوداعة والرقة إلى درجة تجعلها لا تتقبل هذه الشدة. وأظن أن هذا الأمر لا ينبغي أن يحمل محمل الجد لأن طه حسين سيكون متشددا وصارما في أحكامه ونقده لهذا الديوان، وإن كانت في جلّها أحكاما لا تخرج عن التأثر، وعما انطبع في الذهن إثر فعل القراءة. ومن جملة هذه الأحكام التي يأخذها على الشاعر – وهي أحكام لم تعد غريبة عنا، لأنها أصبحت أحكاما نمطية متماثلة إلى حد كبير في جميع هذه المقالات- التكلف في إقامة الوزن وإقرار القافية أو الحرص على مجاراة جماعة من الشعراء والمفكرين في مواضيعهم، بحيث تصبح القصيدة نغمة مكرورة أو صدى لأصوات وأفكار ومشاعر الآخرين مثلما هو الأمر في قصيدة "قلب راقصة" إذ لا تعثر فيها على معنى جديد أو غريب، بل إن الألفاظ والصور نفسها تفتقر إلى هذه الجدّة. وقد يلجأ الشاعر كثيرا إلى ضروب من الاحتيال – ولو كان ذلك على حساب اللغة- قصد القبض على القافية، وهو الأمر الذي سيجعل  طه حسين يقف من بعض كلماته موقف الساخر أو الرافض لكونها تنبو في الشعر أو تتنافى مع الجمال الفني. كما يأخذ عليه المبالغة الشديدة في التجسيم، غير أن هذه المآخذ والأحكام المتعلقة بالجانب البلاغي، على قلّتها، تتصف بكثير من الصرامة، لأن الأستاذ يحكم نزعة عقلية منطقية في قراءة الصور تتنافى مع طبيعتها. وتذكرنا هذه الأحكام بالنزوع النقدي الذي يمثل وجها من وجوه النقد في العصر العباسي، والذي كان يعيب على أبي تمام توغله في التجسيم. وتجدر الإشارة إلى أن حظ البلاغة –كما يذكر الأستاذ لطفي عبد البديع- عند مجموعة من الدارسين منهم طه حسين، وكذلك العقاد ضعيف جدا، وإذا تعرضوا لها فيما يتعرضون كان ذلك بقدر ما يتطلبه دراسة الأسلوب([18]).               ويذكر طه حسين – أخيرا- أن الشاعر يهمل معانيه إهمالا مخلا يدفعه أحيانا إلى التناقض في الألفاظ، ولهذا يدعوه إلى أن يعنى بلغته أكثر.
               هؤلاء الشعراء الذين تحدث عنهم طه حسين ينتمون كلّهم إلى البيئة المصرية، لكنه سوف ينتقل في مقالته الموالية إلى بيئة عربية أخرى وهي لبنان التي ظهر فيها شاعر افتقدته العربية وهو لم يتجاوز بعد الثلاثين. إنه الشاعر فوزي المعلوف الذي ترك قصيدة أو بالأحرى ملحمة كانت أول أثر سيقع بين يدي طه حسين لهذا المبدع كما يشير إلى ذلك، ويظهر المنهج التأثري الجمالي واضحا في هذا النقد، وهو نفسه يؤكد أنه لا يستطيع أن يتحدث عن هذه القصيدة حديث الناقد الذي لا يتأثر بالعواطف والميول إلا بمقدار، فيحكم على هذه القصيدة انطلاقا من الأثر الذي تركته في نفسه. وندرك هذا من قوله: "لا أعرف أني تأثرت بهذا الشاعر الشاب حين قرأت قصيدته "على بساط الريح" أمس، فاهتزت لها نفسي اهتزازا، وأشفق لها قلبي إشفاقا، ثم قرأتها اليوم فوجدت لقراءتها مثل ما وجدت أمس، وأكثر مما وجدت أمس، ما أرى إلا أني سأقرؤها وأقرؤها وسأجد في قراءتها هذه اللذة المرة التي يحبها الأديب حين يقرأ الشعر الجيد الرائع الجميل"([19]).
               وكم يبدو طه حسين معجبا بهذا الأثر إلى حد أنه شبهه بالنغم الذي يشنف المسامع، ويؤثر في العواطف كلما أعيد سماعه، ولم يسعه في الأخير إلا أن يقول مستعملا مجموعة من صيغ التعجب التي تعكس انبهاره بهذا النص: " وأخذت أقرأ القصيدة نفسها، فأي روح عذب، وأي فن رائع، وأي موسيقى خليقة بالبقاء !" ([20])، ثم يعمد إلى تحليل مسحة الحزن واليأس التي تتخلل هذه القصيدة، فيربط ذلك بتنشئة الشاعر وهجرته إلى أميركا الجنوبية([21])،  حيث سيعيش على الذكرى والحنين إلى العودة إلى أرض الوطن.
               بعد ذلك يفصل الناقد الحديث عن القصيدة، فيبسط مضمونها الفلسفي العميق الذي يتمحور حول رحلة خيالية قام بها الشاعر في أعالي السماء، حيث كان له فيها مناجاة مع الطيور والنجوم والأرواح، ثم عاد من جديد إلى الأرض موطن العبودية والشقاء والألم والذل.
               ويرى طه حسين أن هذا الخيال الفلسفي الساذج هو الذي أضفى على القصيدة نوعا من الجمال وروحا حلوا، قويا، وادعا، كما أسهم في ذلك – أيضا- الوزن الذي اختاره الشاعر وهو بحر الخفيف، والموسيقى المؤلّفة من الألفاظ والمعاني، والصور التي يتميز بعضها بالألفة والبعض الآخر بالغرابة، غير أننا نلاحظ أن الدكتور كان يصطنع في نقده الكثير من الرفق الذي لم نألفه من قبل ولن نألفه من بعد، وكان كثير التسامح إلى درجة أنه سيعجب بمسألة تنويع القوافي عند الشاعر. وذهب يؤول ذلك ويذكر أن هذا التنويع يضفي على الأثر جمالا موسيقيا خاصا. وهذه قضية تثير بعض الاستغراب لأن ما عهدناه في طه حسين هو ذلك الناقد الذي تضيق نفسه ويضطرب مزاجه إذا اختار شاعر هذا المذهب، لكن يبدو أن تأثير هذه القصيدة وتأثره بها جعلاه يتراجع عن بعض مواقفه!
                 إذا كانت قصيدة " على بساط الريح" لفوزي المعلوف استطاعت أن تنفذ إلى أعماق طه حسين وتهز مشاعره، ولم يسعه إلا أن يقف منها موقف المعجب المتأثر، فإن ديوان "أنفاس محترقة" لمحمود أبي الوفا قد أثار فيه كثيرا من السخط والغضب. وهذا ما دفعه لأن يخرج هذا الديوان وصاحبه من طبقة الشعر والشعراء، ويدرجهما في إطار النظم والناظمين، فالشاعر محمود أبو الوفا "لا يستطيع أن يرقى بديوانه هذا إلى منزلة الشعراء، ولا أن يجلس معهم على مائدة "أبلون" فالأمد بينه وبين ذلك بعيد إلى أقصى غايات البعد"([22]). ومما زاد سخط طه حسين – كما يذكر- هو تلك الضجة المفتعلة التي أثيرت حول هذا الشاعر، فأصبح قوم يكبرونه ويعجبون بأشعاره، بل ويدعون الشعراء المبتدئين لتتبع خطاه.
               ويظهر تهجم الناقد منذ بداية المقال، حيث يذكر بأسلوب يشوبه السخرية أنه لا يستسيغ عنوان الديوان، فيعمد إلى تقويم الصفة العالقة بالأنفاس مقترحا بأن تستبدل "بالمحرقة" بدلا من "المحترقة"، ثم يشير إلى أن شعر هذا الشاعر لا يثير لذة ولا رضا في النفوس، وينفي عن الديوان توفّره على بيت واحد تجتمع فيه شروط الشعر، فبالأحرى المقطوعة أو القصيدة، فمعانيه بعضها مبتذل ومألوف لا جمال فيه، والبعض الآخر متكلف أقصى ما يكون التكلف، ثم يأخذ عليه – بنوع من التشدد- الأغلاط النحوية والصرفية، وفساد النظم وابتعاد الأفكار عن الصواب، ولا يعذره في ذلك لأنه كان أزهري التكوين. ويذكر في الأخير أن للشاعر ديوانا آخر تحت اسم "الأعشاب" لكنه يعد أنه لن يتناوله إلا إذا وجد فيه ما يستحق الثناء، وترضى عنه النفس.
               أما الشاعر الأخير الذي خصه طه حسين بحديثه أو نقده هو الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي الذي لم يكد يبلغ الحادية عشرة حتى نزل مصر، فمكث فيها سبع سنوات من أجل الدراسة، ثم ارتحل عنها إلى أميركا. ويرى طه حسين أن إعجاب اللبنانيين بصفاء لغة شاعرهم أمر مردود وإن كان لا ينكر عليه قدراته الفائقة ومزاياه المتعددة، ذلك "أن الشاعر مجيد حقا، خصب الذهن، نافذ البصيرة، ذكي القلب، متقن الفهم لما يريد أن يقول، موفّق إلى إجادة التصوير لما يجب أن يصور، فكان خليقا أن تواتيه مع هذه الخلال نغمة صافية، عذبة تعينه على إظهار ما في شعره من قوة وروعة وجمال ليس إلى الشك فيها من سبيل"([23]).
               ثم يناقش الناقد المذهب الشعري عند إيليا أبي ماضي الذي اتخذ من ضعفه وعدم درايته بخبايا اللغة والأوزان منزعا يقلل فيه من شأنهما، بل إنه ذهب إلى حد إمكانية الاستغناء عنهما والتماس المعاني الرائعة والأفكار الجيدة. وقد أثار هذا الأمر حفيظة طه حسين وجعله يستنكر ذلك، ويقرر أنه لن تقوم للشعر قائمة بدون الألفاظ والأوزان، وبالتالي إن الجمال لن يتحقق إلا إذا استطاع المبدع أن يجلو للناس المعنى في لفظ قد أصاب حظا وافرا من الجودة والروعة والرونق.
               وفي الواقع إن ما يثيره طه حسين ليس جديدا، بل كان إحدى انشغالات نقادنا العرب في فترات سابقة. وبالرغم من عناية الشاعر الفائقة بصوره وعدم تورطه في الفاسد منها، فقد وقف طه حسين على بعض المعاني التي لم تخل – حسب ما ذهب إليه- من الزلل، فقد حكم نزعة منطقية صارمة على حد الخيال كما في هذا البيت الشعري:
كلما أفرغت كأسي                       زدت في كأسي دنا
يرفض طه حسين كلمة "دنا" الواردة في البيت لأن "الدن" لا يمكن زيادته في الكأس، ثم يشير إلى أن معاني الشاعر يقل فيها الابتكار، وإن كان يسعى بما أوتي من قدرات إلى إضفاء عليها مسحة من روحه وشخصيته، فتغدو وكأنها من لبنات أفكاره.
               بعد هذا يعود الناقد من جديد للحديث عن البنية الإيقاعية بعد أن كان قد أشار إليها بشكل مقتضب، فيذكر أن "الشاعر لا يحفل بالموسيقى لا في وزنه ولا في قوافيه ولا في ألفاظه، ولعل أوزان الشعر تختلط عليه أحيانا، فيلائم بينها ملاءمة لا تستقيم" ([24]). ويضرب مثالا على ذلك بقصيدة "المجنون" التي عبث فيها الشاعر بالأوزان بحيث اختار الرجز قالبا إيقاعيا للقصيدة، لكنه سيخرج عنه إلى الهزج ومجزوء الكامل، لذلك تصبح هذه القصيدة اسما على مسمى. كما يلحظ الناقد أن الشاعر لا يحفل كثيرا بالنحو مما يجعل قصائده تقع في كثير من الفساد.
               وفي نهاية المقال يعبر عن استغرابه من مثل هذا الضرب من الشعراء الذين يمتلكون طاقات هائلة لأن يصبحوا شعراء مجودين، لكنهم يأبون أن يستكملوا أدوات شعرهم ليصعدوا درجات هذا السلم.
               بعد هذا الجرد العام لأهم القضايا المتعلقة بنقد الشعر في كتاب "حديث الأربعاء" نرى أنه من المناسب أن نسجل -هنا- استنتاجا توصل إليه الدكتور حلمي مرزوق في دراسة سابقة مما سيكفينا مؤنة الإكثار من الأحكام المماثلة حيث قال: "كان لنا أن نقول من أول الطريق إن طه حسين رجل تأثري لا تصدر طبيعته على البحث الدقيق المستأني، وإنما هو الذكاء اللماح والطبيعة الفنية المرهفة، وهما عصب التأثرية على وجه العموم "([25]). وتبعا لذلك يمكن أن نقرر بصفة قاطعة أن الأحكام التي ينتهي إليها المنهج التأثري أو الانطباعي لا تكون نهائية على الإطلاق ما دام الناقد التأثري يعتمد على شعوره فقط، والشعور – كما يؤكد أناتول فرانس- هو أقل الأدوات دقة في الكون.
 
 
 
 
 
 


[1] - محمد الكتاني: الصراع بين القديم والجديد. دار الثقافة، ط1/ 1982، ص:496.
[2] - د. حلمي مرزوق: تطور النقد والتفكير الأدبي الحديث. دار النهضة العربية، بيروت، 1983، ص: 463- 464.
[3] - لمزيد من التفصيل انظر مقالة الدكتور شوقي ضيف: منهج طه حسين في الدراسات الأدبية، مجلة مجمع اللغة العربية ،دمشق، المجلد 65، الجزء الثاني، أبريل، 1990، ص: 232.
[4] - لمزيد من التفصيل انظر: الصراع بين القديم والجديد: 496.
[5] - صدر الجزء الأول منه سنة 1925 والجزء الثاني 1926، أما الجزء الثالث فتأخر صدوره إلى سنة 1945.
[6] - طه حسين: حديث الأربعاء، دار المعارف، ط12، 1/179.
[7] - نفسه: 1/ 295
[8] - نفسه: 2/ 52 وما بعدها.
[9] - نفسه: 2/53-54.
[10] - د. شوقي ضيف: منهج طه حسين في الدراسات الأدبية: 231.
[11] - حديث الأربعاء: 1/305- 306.
[12] - نفسه: 3/86.
[13] -  نفسه: 3/140.
[14] - طه حسين: في الأدب الجاهلي: 49
[15] - حديث الأربعاء: 2/49.
[16] - نفسه: 3/146.
[17] - نفسه: 3/ 147.
[18] - لطفي عبد البديع: طه حسين ومصير النقد العربي، مجلة فصول، المجلد التاسع، أكتوبر 1990، ص: 73.
[19] - حديث الأربعاء: 3/ 178- 179.
[20] - نفسه: 3/179.
[21] - هاجر إلى البرازيل سنة 1921 مشتركا مع أشقائه وبعض قرابته في إنشاء مصنع للحرير بمدينة سان باولو.
[22] - نفسه: 3/ 188.
[23] - نفسه: 3/ 195.
[24] - نفسه: 3/ 198- 199.
[25] - حلمي مرزوق: تطور النقد والتفكير الأدبي الحديث: 476.



#محمد_الفهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البنية الإيقاعية في قصيدة -ليلى- لبدر شاكر السياب
- -ظاهرة الشعر الحديث- لأحمد المجاطي عرض للقضايا النقدية
- الكتاب في مواجهة الحدود
- مدخل إلى الديدكتيك
- مشاكل القراءة داخل المدرسة والمجتمع


المزيد.....




- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محمد الفهري - الرؤية النقدية في -حديث الأربعاء-