أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الفهري - -ظاهرة الشعر الحديث- لأحمد المجاطي عرض للقضايا النقدية















المزيد.....

-ظاهرة الشعر الحديث- لأحمد المجاطي عرض للقضايا النقدية


محمد الفهري
أستاذ باحث


الحوار المتمدن-العدد: 7408 - 2022 / 10 / 21 - 16:04
المحور: الادب والفن
    


تروم هذه الدراسة إلى عرض أهم المضامين التي تتشكل منها بنية كتاب "ظاهرة الشعر الحديث " لأحمد المجاطي، وذلك من خلال فصوله الأربعة وما ينضوي تحت كل فصل من قضايا نقدية.

الفصل الأول: التطور التدريجي في الشعر الحديث:
1ـ نحو مضمون ذاتي:
يمهد الكاتب في هذا الفصل بالتعريف بالتيار الإحيائي، فيقرر أن نقطة التحول الأولى في الشعر الحديث كانت انطلاقة تقليدية تحاول محاكاة الأقدمين؛ إن على مستوى اللغة أو الأساليب أو المعاني أو الأفكار، ويرجع سبب ذلك إلى كون ثقافة هؤلاء كانت تقليدية.
وسرعان ما تم تجاوز شعار العودة إلى التراث بفعل عدة عوامل: سياسية، واجتماعية، وتاريخية، للأخذ بشعار جديد يقوم على البحث عن الذات الفردية، فيعلي شأنها، الأمر الذي أفرز عدة جماعات أدبي، مثل:
أ ـ جماعة الديوان:
تضم كلا من عبد الرحمن شكري، وعباس محمود العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازني، وكلهم من المبشِّرين بقيم جديدة تتناغم مع شعار العودة إلى الذات. لقد اجتمع هؤلاء الشعراء على فكرة واحدة ألا وهي أن الشعر وجدان، غير أن تصريف هذه الفكرة كان مختلفا فيما بينهم، إذ أثمر اختلافا واضحا في المضامين الشعرية. فقد لازم الطابع الفكري جل شعر العقاد بما في ذلك الموضوعات الغنائية كالغزل، وعلى العكس من ذلك نجد شكري يستمد طابعه المظلم من أغوار نفسه الجريحة، وهي نظرة لا تخالف نظرة العقاد وحده، بل تخالف أيضا المازني الذي يتعامل مع الأشياء تعاملا أساسه الانفعال المباشر لما تنطوي عليه تلك الأشياء من مظاهر مفجعة دون تدخل من العقل، كما هو الشأن عند العقاد، أو توغل في أعماق النفس (كما عند عبد الرحمن شكري)، لأن طبيعة الشعر عنده أن ينطلق من النفس بصورة طبيعية. إن العودة إلى الذات لدى جماعة الديوان لم تكن دعوى لإنتاج شعر متشابه في وسائله وغاياته بمقدار ما هي دعوة للتفرد والاختلاف والتمايز.
ب ـ تيار الرابطة القلمية:
ويضم شعراء المهجر، ولاسيما جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي، فهؤلاء أرادوا أن يوسعوا مفهوم الوجدان حتى يشمل الحياة والكون، لأنهم آمنوا بفكرة وحدة الوجود، وهم يرون أن الذات تختزل العالم، وأن العودة إلى الذات هي عبارة عن تفتح على العالم بكلياته وجزئياته. على هذا النحو أحب شعراء الرابطة القلمية أن يفهموا الوجدان:
← الوجدان هو النفس والحياة والكون:
غير أن الفهم تحول إلى هروب الناس من الواقع والحضارة؛ هروب خليل جبران بأحلامه إلى الغاب، كما انقطع ميخائيل نعيمة إلى التأمل في نفسه إيمانا منه بأن ملكوت الله في داخل الإنسان، بينما اعتصم إيليا أبو ماضي بالخيال، وركن إلى القناعة والرضا، أو تجاوز ذلك إلى الخضوع والاستسلام، فإن لم يصل من ذلك كله إلى شيء عمد إلى الفرار من الناس والحضارة.
إن المرحلة التي كتب فيها شعراء الرابطة القلمية شعرهم هي تلك المرحلة التي أخذ الوعي القومي ينتشر فيها فيعكس على الأفراد إحساسا قويا متوازنا ورغبة صارمة في تأكيد تلك الخطوات، خاصة عندما اضطلعوا على الآداب الفرنسية والشعر العربي بالذات.
ج ـ جماعة أبولو:
هي جماعة أسسها أحمد زكي أبو شادي سنة 1932م، وترى في ذات الشاعر مصدر ما ينتج من شعره بشكل يسمح بتعرف هذه الذات من خلال النظر إلى شعر صاحبها. وقد ضمت هذه الجماعة عددا من الشعراء، من بينهم: إبراهيم ناجي، وأبو القاسم الشابي، وعلي محمود طه، وعبد المعطي الهمشري والصيرفي وغيرهم.
← أما يعتد به من شعر هذه الجماعة فهو الشعر الذاتي الذي يدور حول المرأة وما يثيره الحديث عنها من معاني الحنين والشوق واليأس والأمل والارتماء بين أحضان الطبيعة، أو الزهد في الحياة والاستسلام للموت حتى لَيَلُوحُ للناظر في دواوينهم أن الحياة عندهم قد تتراوح بين السعادة المطلقة والشقاء المطلق، والحق أن نزعة الانطواء والهروب من مواجهة الحياة كانت صفة بارزة في شعرهم.

◄ نحو شكل جديد:
لم يكن تطور القصيدة العربية ينفصل في الشكل عن المضمون، بل كان تطورا متكاملا، وقد أصبحت السهولة صفة أساسية في أسلوب الشاعر الوجداني لا يحيد عنها إلا عندما يلجأ للتعبير بالصورة، وقد درج على توظيف الصور البيانية لغاية تخص التجربة وليست زخارف وأصباغا تراد لذاتها.
لقد أراد الشاعر الوجداني أن يجعل للصورة وظيفة نابعة من تجربته الذاتية، ومن رؤيته للحياة عبر تلك التجربة، كما أصبحت الوظيفة ذات علاقة بوظائف العناصر الشعرية الأخرى من أفكار وعواطف وأحاسيس، ومن هذه العلاقة تنشأ خاصية أخرى هي خاصية الوحدة الموضوعية التي تجلت بشكل واضح في قصائدهم.
ولعل أهم ما التفت إليه الشاعر الوجداني أيضا هو ربط القافية بالأفكار والعواطف الجزئية، لا بموضوع القصيدة بوصفه كلا موحدا، ذلك أن العواطف والأفكار قد تتبدل، ومن المناسب تغيير القافية بما يناسب ذلك وعدم بقائها على صورة واحدة.
خاتمة:
هذه جملة من المكاسب التي تحققت للقصيدة على مستوى الشكل على أنها لم تتحقق في كل ما كتبه الشعراء الوجدانيون، بل بقيت حكرا على بعض القصائد والمقطوعات المتفرقة.

الفصل الثاني: "ظاهرة الشعر الحديث"
تجربة الغربة والضياع:
نشأ الشعر العربي وترعرع متصلا بواقعه، منفتحا على آفاق معرفية متنوعة، متفاعلا مع نماذج من التراث الشعري القديم، لكن وفق رؤية نقدية متبصرة، غير أن واقع هزيمة الجيوش العربية أمام إسرائيل سنة 1948م ونكستهم أمامها أيضا سنة 1967م خلفا جرحا عميقا في كيان الإنسان العربي وزجا به في دوامة التيه واليأس والشك.
وتعتبر الغربة والضياع والكآبة والتمزق من المعاني المستفيضة في الشعر العربي الحديث، وهي حصيلة أسباب وعوامل مختلفة يمكن اختزالها فيما يأتي:
ــ التأثر بأعمال بعض الشعراء الغربيين (خاصة إليوت في قصيدته "الأرض والخراب")، وببعض الروائيين والمسرحيين والوجوديين كـ "ألبير كامو" (الغريب)، وسارتر، وبعض النقاد أمثال "كولن ويلسون" الذي أشاعت كتابته موجة من القلق والضجر لدى الشباب العربي.
ــ عامل المعرفة الذي تحول على لسان الشعراء إلى أسئلة مرهقة تقود الذات إلى اتخاذ مواقف صارمة من نفسها ومن المجتمع ومن الكون.
وقد تنوعت موضوعات الغربة وتشعبت، فكانت هناك الغربة في الكون، وهي تعبير عن الإحساس بالغبن، إذ نجد الإنسان العربي قد طرد من أرضه ونفي من أمجاد تاريخه، فحاصرته المهانة والذل من كل جانب.
وهناك الغربة في المدينة، إذ سيطرت على الشاعر أحاسيس المدن الكبرى، فصور المدينة في صورتها المادية المزعجة وحقيقتها المفرغة من كل محتوى إنساني.
وهناك الغربة في الحب، فقد فشل الشاعر العربي الحديث في تحقيق سكينة نفسه عن طريق الحب: فشل في معرفة كنه جسد المرأة، ولم تستطع المرأة أن تخلص الرجل من عذاباته الكثيرة، وكان الحب مجرد جرعة وقتية، بل لقد ربط الشاعر العربي الحديث بين الفشل في الحب وبين هزيمة يونيو 1967م.
كما تحولت الغربة في الكلمة إلى سجن داخلي، فَلَطَالَمَا اعتبَر الشاعر الكلمة سيفا له كامل القوة والحركة والفعل، لكن فداحة الواقع وخراب الذات حَوَّلا الكلمة إلى سيف خشبي أو إلى حجر.
خاتمة:
عموما، فإن الفصل الثاني هو تدبير مباشر من لدن أحمد المجاطي لقضية جوهرية شغلت بال الشعراء المحدثين وأخذت منهم اهتمامهم الفكري والجمالي، فتجربة الغربة كانت وليدة واقع تميز بالفداحة والهزيمة والشك، فتمادى الشاعر الحديث مع هذا الواقع وأغناه برؤيته الشعرية وروحه القلقة، وقد تبين لنا أثر نكبة 1948م في النفس العربية وفي الواقع العربي والصلة القائمة بينهما، مما حول النكبة إلى مساحة مظلمة تعج بمعاني الحزن والضياع والسأم والقلق.

الفصل الثالث: تجربة الحياة والموت.
تقديم:
اختار الكاتب للفصل الثالث من الكتاب عنوانا موضوعاتيا هو "تجربة الحياة والموت في الشعر الحديث"، حيث عمل على رصد أهم التحولات السياسية والاجتماعية التي عرفها الوطن العربي منذ الأربعينيات وما صاحبها من صراع بين قيم مختلفة، مثل الغربة والحياة والموت، إذ بدأت تتولد في أعماق الشاعر العربي معاني الولادة والتجدد والبعث يسندها من قبل الواقع إيقاع جديد هو إيقاع الأمل الذي يحمل الشاعر مشعله.
المقارنة بين تجربة الحياة والموت في الشعر الحديث ومفهوم الغربة لدى الرومانسيين:
يقارن الكاتب بين تجربة الموت والحياة في الشعر الحديث ومفهوم الغربة لدى الرومانسيين، فيستنتج أن الأولى مشدودة إلى المستقبل، بينما الثانية مشدودة إلى الماضي، ويبين أن التجربة الوحيدة التي سبقت شعر الحداثة في هذا الباب هي محاولة المهجريين في شعر تناسخ الأرواح؛ أي الولادة بعد الموت، مثلما هو الحال في نصوص جبران وميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي.
وقد استوحى الشاعر الحديث الأساطير والرموز التي تدور كلها حول معاني التجدد والانبعاث ليحل مشكلة إيجاد الحياة من العدم، غير أن لكل شاعر أسلوبه المميز، وهذا ما سيوضحه الكاتب من خلال أربعة شعراء، هم: أدونيس وخليل حاول وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي.
أ ـ التحول عبر الحياة والموت:
عني أدونيس أكثر من غيره بموضوع التحول عبر الحياة والموت، خاصة في ديوانيه الصادرين إثر نكسة 1967م "كتاب التحولات والهجرة في أقاليم الليل والنهار" 1967م و"المسرح والمرايا" 1968م، وفيهما يتجلى مدى الارتباط بين ذات أدونيس وذات الأمة العربية في حالتي الموت والبعث، فموته موته، وبعثها بعثه، وهو يحس أنه جزء من هذا الواقع المنهار.
لقد اتخذت موضوعات الحياة والموت في شعر أدونيس مسارين اثنين:
ـ مسار ينطلق فيه الشاعر من الحيرة والسؤال باحثا عن وسيلة البعث، ومسار يكتشف فيه مفهوم التحول بصفته وسيلة لدفع العربي نحو البعث والتجدد، وهذان المساران يتكاملان فيما بينهما، لأن الشاعر مؤمن بالقدرة على التحول.
وتستمد تجربة الحياة والموت قيمتها من المسار الثاني الذي يعتمد مفهوم التحول، وهو مفهوم طَبَعَ شعر أدونيس، خاصة في قصيدته "تيمور ومهيار"، حيث "مهيار" رمز للشعب والحياة، و"تيمور" رمز الاستعباد والقهر والموت.
ب ـ معاناة الموت والحياة (خليل حاوي):
تتردد في دواوين الشاعر خليل حاوي ومقدماتها كلمة (المعاناة) بدل (التحول) الأدونيسي، ففي ديوانه "نهر الرماد" الذي يقوم الناقد بتحليله، نجد في بعض القصائد أن الشاعر يعاني الموت وحده، عن طريق معاناة الموت في الحياة، وفي بعضها يعود إلى معاناة الحياة والموت مجتمعين، حيث تمتزج الأسطورة بالواقع، لتهيئنا لمعاناة التحول الذي سيتم في ديوان "الناي والريح"، حيث إن محتوى النصوص يبرز أن هناك عاملين اثنين تتولد عنهما نظرة يائسة تؤكد عجز الشاعر عن مواكبة البعث العظيم بشعر مماثل، أحد هذين العاملين خارجي وهو التقاليد الاجتماعية، وثانيهما داخلي وهو الرواسب المتبقية من عصر الجليد. (ص 143).
أما ديوان "بيادر الجوع"، فإن القصائد الثلاثة التي يشتمل عليها الديوان تتجه بإيقاعها المعتم في اتجاه معاكس لإيقاع "النهر والرماد" الذي بدأ باليأس وانتهى بالأمل، بينما في الديوان الآخر تبتدئ بالأمل وتنتهي بالخيانة. والخلاصة أن تأرجح الشاعر بين الأمل واليأس يعود إلى تموجات الواقع العربي الذي انفعل الشاعر به ومعه.
ـ طبيعة الفداء في الموت (بدر شاكر السياب):
لقد احتفى بدر شاكر السياب بموضوعة الموت احتفاء قل نظيره، فشدة المرض والمعاناة جعلتاه يرى الموت خَلاصَه، ومن ثم أخذ الموت لديه صيغة الفداء، وهذا ما يقر هيامه بالموت. غير أن السياب لم يجعل الفداء في الموت مجرد معنى خافق في النص، وإنما صاغ له من اللغة والإيقاع والصور ما يزيده قوة ورعبا، فهناك توظيف للصيغ الأسطورية (نموذج السيد المسيح) قصد تشخيص واقع الأمة وصراعها مع أعدائها الذين شبههم الشاعر بـ "يهودا" في صراعه مع السيد المسيح، وتكمن قيمة طبيعة الفداء في الموت في أنها جعلت السياب ينتقل من موته الفردي في مرحلته الذاتية إلى إدراك الصلة بين موته وموت الأمة العربية، وهو ما أسعفه على تتبع معاني الحياة والموت على مستوى الذات والواقع.
ـ جدلية الأمل واليأس (البياتي):
يرى الكاتب أن شعر البياتي ينقسم إلى مرحلتين:
مرحلة ما قبل ديوانه "الذي يأتي ولا يأتي" الصادر سنة 1966م والمرحلة التي تلته. ففي المرحلة الأولى يقدم شعره حقيقتين:
ـ الحقيقة الأولى: استئثار نغمة اليأس بالمضمون العاطفي لقصائده.
ـ الحقيقة الثانية: سيطرة النزعة المتفائلة على مضمون شعره.
بعد ذلك يخلص إلى أن شعر البياتي يسير في ثلاثة منحنيات:
ـ المنحنى الأول: الانتصار الساحق للحياة على الموت، وتمثله الدواوين "كلمات لا تموت" و"النار والكلمات" و"سفر الفقر والثورة"ز
ـ المنحنى الثاني: التكافؤ بينهما، ويمثله ديوانه "الذي يأتي ولا يأتي"ز
ـ المنحنى الثالث: انتصار الموت على الحياة، ويمثله ديوانه "الحياة والموت".
ثم يقف الكاتب عند كل منحنى من هذه المنحنيات:
ـ منحنى الأمل: إن رحلة الفنان المناضل تكون مملوءة بالأمل، ويصبح موته انتصارا على الموت الذي يقود الحياة الحقة.
ـ منحنى الانتظار: يتميز بتعليق الانبعاث الذي تقدمه أربعة خطوط هي:
● خط الحياة: يستمد تألقه من طبيعة عمر الخيام المحكوم عليه بالحياة من خلال عدة مواقف تقدمها قصائده.
خط الموت: يطال الموت كل شيء، بما في ذلك الوسط الأسطوري وحتى الأبطال الأسطوريين يموت معهم الخصب والحياة.
● خط الاستفهام: خط التساؤل والحيرة.
● خط الرجاء والتمني: حيث تنتقل الذات من الفعل إلى الحلم، ومن ساحة النضال إلى ساحة الرغبات.
● منحنى الشك: وفيه يكشف الشاعر عن زيف الواقع وينتهي إلى أن النضال العربي زائف لأنه ليس مرتبطا بالموت.
وأخيرا يصدر الناقد حكما عاما على شعر البياتي، ويعتبر أن قدرته على كشف الواقع هي مصدر ما في شعره من اهتمام بالموت، أما اهتمامه بالحياة فمصدره الإيمان بالثورة والصراع بين الحياة والموت.

الفصل الرابع: الشكل الجديد
يقف الفصل الرابع والأخير من كتاب "ظاهرة الشعر الحديث" عند ثلاث قضايا محورية (اللغة ـ الصورة الشعرية ـ الإيقاع)، وذلك برصد أهم التطورات التي شهدتها على يد الشعراء المحدثين.
● تنوع اللغة:
إن فهم الشعراء المحدثين للغة كان متباينا ومختلفا، فمنهم من حافظ على اللغة التقليدية "بدر شاكر السياب"، وتماهى مع مفرداتها وصيغها الصرفية وتراكيبها ودلالاتها، ومنهم من جعل لغة الشعر أقرب من لغة الحديث اليومية بحثا عن مزيد من التواصل مع الجماهير (نظير الشاعر أمل دنقل)، ومنهم من رغب عن لغة الحديث اليومي وكرهها مرها شديدا لأثرها السلبي على لغة الشعر المطلوبة بالتعالي والمثالية (مثل أدونيس وصلاح عبد الصبور).
● توسيع الصورة الشعرية:
اتخذ توسيعها شكلين اثنين:
1ـ استوعب الإطار الذاتي هموما مجتمعية، وجُعِلت الصورة مَعبرا مناسبا لتطوير التجربة الشعرية.
2ـ استخدام الرموز والأساطير استخداما مركزا.
● خلخلة الإيقاع التقليدي:
راهن الشاعر الحديث على إحداث قطيعة مع أُسس العَروض العربي التقليدي، وراهن على ربط القيم الموسيقية باللغة والأفكار والمشاعر؛ فعلى المستوى الأول تخلص الشعراء المحدثون من كثير من القيم العروضية التي افتتن بها الشعراء المحافظون ردحا من الزمن وحولوها مع توالي الأيام إلى قيود ذهبية، فتخلوا عن وحدة البيت الشعري، وأخذوا بالسطر الشعري، وجعلوا تفعيلات السطر الواحد تتفاوت عددا، واقتصروا على ستة بحور شعرية معدودات، واستخلصوا عددا هائلا من الأبنية الموسيقية من البحر الواحد، كما مزجوا بين أكثر من بحر، وأخذوا بنظام الجملة الشعرية بدل الوقفة الدلالية والتركيبية التي كانت مستحوذة على البيت التقليدي، ولم يَفُتهم الانتباه إلى ما تزخر به الطاقات الموسيقية للأبحر المختلطة. ومن أجل تجنب الرتابة والملل الناجمين عن تكرار التفعيلة نفسها استثمروا ما يتيحه الزحاف من حرية في تنويع إيقاعات التفعيلة الواحدة، ونوعوا الأضرب تنويعا أضفى على موسيقى الشعر الحديث براعة وإيقاعا.
أما على المستوى الثاني، فقد نظروا إلى القافية التي كانت سدا منيعا أمام تدفق المشاعر وحرية الأخيلة نظرة جديدة، إذ أضحت نظاما إيقاعيا جديدا ولبنة من لبنات الموسيقى العام وجزءا لا يتجزأ من الدفقة الشعورية، فربطوا بين التلوين الإيقاعي والحالات الشعورية والفكرية المتضاربة. لقد كانت القافية في شكلها المتكرر القديم تحول دون حرية الشعر في التعبير عن أفراحهم وأتراحهم، فغير الشعر الحديث من طبيعتها ومصطلحاتها ومن وظائفها، حتى أضحت أساسا جديدا من أسس ثورة هذا الشعر على القواعد العروضية الصارمة.
خاتمة:
يكشف الفصل الرابع إذن عن الشكل الشعري الجديد الذي أمده الشعراء المحدثون بكل ما يحتاج من ثورة وتجديد على المستويات اللغوية والتصويرية والإيقاعية. إن التجديد مكن الشعر العربي الحديث من تشكيل ظاهرة متفردة حررت اللغة من قيود المعجم التقليدي وربطها بالهموم الذاتية والجماعية، وطورت الصور الشعرية لتكون معبرة عن هموم الجماهير الشعبية ومستوعبة لمواد رمزية وأسطورية ، ومخلخلة للإيقاع التقليدي والرتيب والمتكرر.



#محمد_الفهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتاب في مواجهة الحدود
- مدخل إلى الديدكتيك
- مشاكل القراءة داخل المدرسة والمجتمع


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الفهري - -ظاهرة الشعر الحديث- لأحمد المجاطي عرض للقضايا النقدية