أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منذر ابو حلتم - وجهي والمدينة ..














المزيد.....

وجهي والمدينة ..


منذر ابو حلتم
قاص وشاعر ، عضو رابطة الكتاب الاردنيين

()


الحوار المتمدن-العدد: 7395 - 2022 / 10 / 8 - 17:50
المحور: الادب والفن
    


هناك شيء خطأ .. شيء غير طبيعي .. يشبه رائحة غريبة تتسرب في الهواء ، وتخترق الجدران .. ! صمت غريب يلف المدينة وشوارعها .. لا أعرف كم ساعة نمت .. لكنني استيقظ الآن وشعور بالغربة يجتاحني .. أنظر في ساعتي .. إنها متوقفة .. كم الساعة الآن ؟!..
انظر من النافذة نحو الجبل البعيد .. وراء المدينة ، حيث تعودت الشمس أن تغيب كل مساء ، لكن السماء بلونها الرمادي تضفي على مشاعري مزيداًمن الاغتراب .
أغسل وجهي .. ألمح على الطاولة صحيفة الأمس .. أمر على عناوينها بسرعة ، شعور بالغثيان يدفعني إلى إلقائها بعيداً . عطش شديد يرتفع في صدري كموجة حر صحراوية .. أبتسم و أتمتم :
صدري صحراء .. ! بداية تصلح لقصيدة مملة -
أذهب إلى المطبخ وأفتح الثلاجة .. ألمح على الثلاجة كتاباً مفتوحاً .. متى وضعته هنا ؟ .. أتصفح الكتاب .. الغثيان يعاودني ، فألقيه بعيداً ..
البيت ضيق يكاد يخنقني .. أتنفس بعمق ، ولكن تلك الرائحة الغريبة تنتشر في كل مكان .. يجب أن اخرج .. تنبثق صورتها في مخيلتي كوردة تشق صحراء الإسمنت التي تحاصرني ، وحدها هي القادرة على تمزيق هذا الركود الرطب الممل .. كانت تقول لي : - أنت دائماً متحمس ..
لكنها كانت تتابع ضاحكة : - ولهذا فأنا أحبك ..!
أخرج مسرعاً .. الشارع مقفر ، أسير ببطء مندهشاً .. ما هذا الهدوء الغريب الذي يلف الشارع ؟ .. اقترب من موقف الباصات ، إنه مقفر هو الآخر .. يبدو إنني نمت كثيراً .. ولكن كم الساعة الآن ؟ .. أنظر إلى السماء .. سقف رصاصي يمتد من الأفق إلى الأفق ..
انتظر قليلاً ثم أسير حتى الشارع الرئيس .. هناك خطأ ما ..! فحتى في أيام الشتاء الموحلة لا يكون الشارع مقفراً هكذا .. القلق بدأ يساورني .. أنظر حولي بخوف .. أشاهد شخصاً من بعيد ، يسير ببطء قاطعاً الشارع بخطوات آلية .. أناديه لكنه يمضي دون أن يلتفت ! .. شيء غريب يتنفس في شوارع المدينة ..
شخص آخر يمر قربي .. أناديه ، أمسك بكتفه وأديره نحوي بعنف .. أنظر إلى وجهه .. فأكاد اسقط ميتاً ..
كان رأسه بلا وجه .. مجرد مساحة فارغة بلا عينين أو فم أو أنف ..!! .. يفلت ذراعه من يدي ويمضي ..
شخص آخر .. وآخر .. الجميع يسيرون بحركات آلية وقد فقدوا وجوههم .. أفكر بالهرب ، ولكن إلى أين ؟! وكل شوارع المدينة مقفرة .. غريبة
أصرخ بكل قوتي .. يخرج صوتي غريباً متحشرجاً .. تردد صداه جدران المدينة الصامتة .. أي كابوس هذا ؟ أحاول أن أفكر ، أن أتذكر .. أن أفسر هذه الظاهرة .. لكن الضباب الرمادي يغلف كل شيء ..
تنبثق صورتها الجميلة في مخيلتي .. وردة تشق صحراء الإسمنت التي تحاصرني .. يشلني الرعب ، يجب أن أراها .. أن اطمئن عليها ..! اركض بجنون بين فاقدي الوجوه ، أقطع شارعاً أثر شارع .. هاهو منزلها ، أقف قرب الباب .. لا أستطيع أن أتصورها بلا وجه ..
أدق الباب بيد مرتجفة ، ثم أدفع الباب .. أكسره وأدخل .. أناديها بصوت بدا كالصراخ .. أسمع صوت خطواتها قادمة من الغرفة المجاورة .. التفت إليها بلهفة .. فيغوص قلبي في صدري كتلة من رصاص .. وأصرخ :
مستحيل .. !! .. حتى أنت ؟-
أمسك بيدها : - ماذا يحدث ؟ .. أكاد أجن .. هل تسمعينني ؟
لكنها تسحب يدها ببطء ، وتدير وجهها الفارغ .. أبتعد ببطء ، ثم أخرج راكضاً
أي وباء هذا ؟ أي جنون ؟ .. الجميع يفقدون وجوههم .. يفقدون عيونهم وأفواههم ..أقف فجأة .. ولكن أنا ..!
ماذا عني أنا؟ هل يمكن ؟ ولكن لا .. فها هي عيناي أرى بهما .. وها هو فمي .. ما زلت قادراً على الصراخ ..
أنظر إلى صورة وجهي في زجاج أحد المحلات .. ضباب خفيف بدأ يغطي ملامحي .. لكن وجهي ما زال فيه بقية من وضوح ..!
أصرخ بقوة : - لن أفقد وجهي .. هل تسمعون ؟ لن أسمح لكم بسرقة وجهي !!
لكن صدى صوتي تردده جدران المدينة ، ثم يخيم الصمت من جديد ..
أضع يدي على وجهي لأتأكد من وجوده .. انظر حولي باحثاً عن مخرج .. لا بد أن هناك مخرج ما .. أتذكر .. الجبل .. الشمس كانت تغيب دائماً وراء الجبل .. في الأمس .. وقبل شهر .. وقبل آلاف السنين ، دائماً كانت الشمس تغيب هناك لا أعرف لماذا ..لكنني أمسك وجهي بكلتا يدي .. وأسرع راكضاً نحو الجبل .

__________
من المجموعة القصصية / للبحر وجه آخر



#منذر_ابو_حلتم (هاشتاغ)       #          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امن .. وقصص اخرى
- قطارات ...
- الكلب والتماثيل ..
- ثلاثة اصداء لصوت واحد ...
- لا تسمحوا لهم باحتلال ارواحنا ..!
- تقدم .. تراجع .. ايها الرقم المدجن !
- الشباب ووهم الحضارة الغربية
- الموتى لا يحلمون ... وقصص اخرى
- دراسة نقدية بقلم الدكتور  عماد علي الخطيب  - المطر في الشعر ...
- انشودة المدن الخاوية ..
- ذات سفر ..
- الشتاء دافئ هناك !
- القطيع والثورة .. وقصص اخرى
- سرب ايائل مذعورة يفر من قلبي !
- ما بين روسيا القومية .. وروسيا الشيوعية
- مرثية لمساء جديد ..
- وكمم عقلك !
- ايها الرقم المدجن ...
- اولغا وفاطمة .. والجنود
- الميتافيرس .. انقراض الانسان العضوي


المزيد.....




- السويد.. هجوم جديد بطائرة مسيرة يستهدف الممثلية التجارية الر ...
- -البحث عن جلادي الأسد-.. فيلم استقصائي يتحول إلى دليل إدانة ...
- تقرير رويترز 2025: الجمهور يفضل الفيديو والصحافة البشرية وهك ...
- هكذا تصوّرت السينما نهاية العالم.. 7 أفلام تناولت الحرب النو ...
- بعد أسابيع من طرح الفيلم ونجاحه.. وفاة نجم -ليلو وستيتش- عن ...
- ابتكار ثوري.. طلاء -يعرق- ليُبرّد المباني!
- كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقاف ...
- بالتزامن مع تصوير فيلم -مازيراتي: الإخوة-.. البابا لاوُن الر ...
- -الدوما- الروسي بصدد تبني قانون يحظر الأفلام المتعارضة مع ال ...
- المرحلة الانتقالية بسوريا.. مجلس شعب جديد وسط جدل التمثيل وا ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منذر ابو حلتم - وجهي والمدينة ..