أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - أسطرة النص الديني تحريف للقضية أم تقريب للصورة؟















المزيد.....

أسطرة النص الديني تحريف للقضية أم تقريب للصورة؟


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7380 - 2022 / 9 / 23 - 20:42
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الكثير من الأفكار الدينية التي وردت في تفصيلات النص الديني الأصلي لا تخلو من جذور لها في الذاكرة الأسطورية للشعوب والثقافات والحضارات التي سبقت هذا الدين أو ذاك، وأحيانا تتحول هذه الجذور إلى تطابق في الموضوع وأختلاف بالشكلية التي يعرضها النص الديني، فمثلا رواية الخلق والخليقة وأسطورة الطوفان وقضية سفينة نوح والأسراء والمعراج وقصص أخرى تجدها حاضرة في جزء مهم من البنيان الفكري في الدين، فهي لا تنقطع عن واقع مدون ومسجل بشكله الأسطوري في حضارات وأمم قد تكون متباعدة في الجغرافية المكانية، مع أحتمال أن التواصل لم يكن ميسرا كما هو الحال الآن، السؤال هل هذا التوافق مردود إلى حقائق دينية أسبق من الدين الذي نؤمن به مما يشكل وحدة حقيقية في المصدر؟ أم أننا ما زلنا نجهل حقيقة التواصل القديم بين الشعوب والحضارات القديمة؟ وما لدينا من حقائق تبدو ضئيلة جدا بما لا يسمح لنا تفسير هذا التوافق بينها مع وجود عامل المكان والزمان؟
الحقيقة عندما ندرس الأفكار الدينية عموما وخاصة عندما نقارن الفكرة الواحدة مع ما مكتشف ومدون من حضارات سبقت يدهشنا التوافق الوصفي والتفصيلي وكأن الراوي واحد، هذا فضلا على أن لكل حضارة أو ثقافة تستعين برموزها ورمزيتها الخاصة لتحيل الموضوع إلى وجودها المعرفي الخاص، وهذا لا يغني عن أن نربط الفكرة بجوهرها من حيث أنها فكرة خاصة ومقاربتها ومقارنتها خالية من الرموز الخاصة، مثلا قصة الإسراء والمعراج وجدت مدونة ومحفوظة بشكلها الحالي في الأدب الديني الفارسي واسمها " أرتا ويراث " وكتبت قبل الإسلام سنة 400 م، كما أن نفس القصة وبذات المحتويات الفكرية والمشاهد التكوينية موجوده بكل تفاصيلها في الأدب الديني العبري، هل هذا الأمر يشير إلى حقائق تاريخية يجب فهمها من سياق الوجود الديني العام وعلاقته بالذاكرة الإنسانية التي تحفظ الرمز وتنسى المناسبة، منها على سبيل المثال:
• أن كل الأنبياء قد مروا بنفس الرحلة وبنفس التفاصيل ليثبت الله لهم ووفقا للمنطق الديني ذاته أنهم أصحاب الحق من جهة، ويكشف لهم الكثير مما يمتنع عقلا ومنطقا على البشر الأعتيادي أن يكون له ما يشابه اميز الأنبياء والرسل، ليؤكد من جهة أخرى أيضا وحدة المنهج في التعامل مع الرسل والأنبياء وطبعا مع نفس المنطق الديني، وثانيا ليؤكد على وحدة الدين من آدم إلى محمد على أنه حلقات متكررة من تجربة معادة بكل تفاصيلها وقضاياها والموضوع الذي تتحدث به .
• إن قصة الإسراء والمعراج مثلا بالصورة المعروفة والمشهورة بين الناس وخاصة المسلمون مع عدم جزمنا القاطع بصحتها بالشكل المطروح روائيا وليس بالنص، قد دست فيها أفكار خرافية وأسطورية ليست من روح النص ولا من قصديات السرد، وقد فسرت على غير ما حدث فعلا وخاصة بالتفاصيل والمسميات والأحداث والوقائع التي جرت في الرحلة بتأويلها وربطها بالذاكرة الأسطورية التي عرفها المسلمون لاحقا من أهل الكتاب، لا سيما أن النص القرآني لم يذكر سوى حدوث عملية إسراء ومعراج للنبي بلا تفاصيل كيفية ولا شرح تفصيلي للحادثة، ودون أن يكشف أو يوضح أو ينص على تركيبة الحدث ولا منهج ما سابق للحادث أو معلل لهذا الفعل الذي يفسره البعض بالخارقية، مما حدا بالمخيال الديني الشعبي وما لعبه الرواة من نقل لأحداث كانت متوفرة في الساحة الفكرية الراهنة في زمنهم بتأثرهم بالديانات الأخرى، فضموا هذه على هذه وأخترعوا الحكاية التي نتعامل بها اليوم على أنها رحلة الإسراء والمعراج كاملة.
• مع أفتراض غير جازم بأن قضية الإسراء وما ذكر في النص القرآني مرتبط بقضية أكبر ربما لا تنتسب بمجملها للحقيقة، وهي أن النبي محمد كان له علم ومعرفة سابقة بالأساطير والروايات الدينية المتوارثة من قبل، وقد حاول أن يزج هذا الموضوع توظيفيا في ثقافة فكر بدائي أو ما زال في طور التكوين المعرفي الكامل، وهو ما يناسب فكر العرب الذي يعتمد الخيالات الروائية والإبهار وصنع الدهشة مما يفعل المعجز من أثر فوق المادي، ليقنعهم بأنه نبي حقيقي ومبعوث من السماء ودليله بذلك ما حدث في الرواية.
وأن هذه المحاولة اللافتة للنظر هي جزء من ما يسمى اليوم "بشرية القرآن" وأن القرآن والدين الذي أرتبط به ليس إلا مجرد أفكار عبقرية صاغها عقل فذ وخارج منطق عصره وثقافة قومه، وبالتالي نفي الصفة الإلهية عنه على أعتبار أن العقل البشري في ذلك الوقت أستساغ وصدق الرواية وجعلها من جزء من منظومة الدين، وهذا الأمر مع عدم جزمنا وتبنينا له يشير إلى أن النبي الذي صاغ هذه الفكرة ونفذها كان يملك رؤية وفهم علمي ومنهج حقيقي قادر على إعادة مفاهيم مستهلكة وصياغتها بشكل جديد ومهذب، من اللا ضروري أو الأسطوري ليقدمه كفكر كامل، وهذا وحده ما يحسب له ولا تحتسب عليه وفقا لأي معيار معرفي أو منطقي.
• لو كانت القضية كما يقال بهذا الشكل الذي ورد بالثقافة الدينية الإسلامية كرواية موثقة، هل من الواجب العقلي أن تترك تعشعش في عقولنا على مر هذه السنين وتتخذ شكلها الراهن على أنها من المعجزات النبوية، ولم يذكر من كتب هذه القصة وأرخها كيفية تلقيها والمصدر الراوي، خاصة وأن زمن كتابتها كما معروف تأريخيا في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة على أقل تقدير، في الوقت الذي غاب كل الشهود الذين حضروا الواقعة أو سمعوا بها، كما أن الكثير من الكتب التي نقلت أجزاء من الرواية، أما في كتب الحديث أو كتب السيرة تذكر سلسلة من الرواة لا يمكننا بأي حال أن نجزم بصحة السند مع عدم توفر الأتفاق على الكثير من الأسماء والشخصيات، بل أن البحث المتأخر في حقيقية وجود هذه الأسماء تنكر الكثير منهم على أنهم شخصيات حقيقية.
هنا لا بد لنا من القول أن الكثير من الإشارات التي ترد في النص الديني إلى حدث ما أو قضية ما مثل قضية أغراق قوم نوح بسبب تكذيبهم لنبيهم، ربطها الراوي التأريخي بفكرة الطوفان التاريخية في الوقت الذي لم يرد في النص الديني إشارة لطوفان خاص كامل أو حتى جزئي واحد، بل هناك إشارة لأكثر من طوفان أحدهم كان طوفان نوح الوارد في النص التالي (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) ﴿١٤ العنكبوت﴾، والأخر كان على عهد موسى من ضمن آياته التي جاء بها إلى فرعون (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ) ﴿١٣٣ الأعراف﴾.
وبخلاف الفكرة التي يتداولها الناس اليوم من التركيز على طوفان نوح على أنه هو الطوفان التاريخي التي يتردد في الأساطير والميثولوجيا الدينية، وأنه طوفان عام شامل غطى الكرة الأرضية بأجمعها متجاهلين مثلا حقيقية أن الكرة الأرضية مرت بظروف بيئية مشابهة للطوفان خاصة في نهاية العصر الجليدي الأخير وما تركه من أدلة أركولوجية متنوعة في بقاع كثيرة من الأرض، مع ملاحظة أن نهاية العصر الجليدي المتأخر حمل معه بداية الحياة المنتظمة والجديدة للمجموعة البشرية التي كانت تقطن الأرض في ذلك الوقت، هذا لا يعني أن كل ترسبات في طبقات الأرض حدثت نتيجة فيضان أو طوفان أو ذوبان الجليد قد حصلت لمرة واحدة وهي المرة التي سجلتها الذاكرة البشرية بشكلها الأسطوري المعروف.
في حين أن الطوفان علميا وعقليا لا يمكن حدوثه على الأرض لمرة واحدة وبالشكل الذي جاء بالأسطورة المثيولوجية لأسباب جيوفيزيائية وفيزيائية بحته، لأن القوانين العلمية الموثوق منها تنافي إمكانية حدوث الطوفان على كامل وجه الأرض وبهذا الشكل الأسطوري، إضافة إلى أن النص الديني لم يقل ولم يجزم بالطوفان العام الذي أغرق الأرض بكاملها، وإنما أشار لقضية جزئية هي إغراق قوم نوح لوحدهم كعقاب ولم يشر ولا بنص أو تلميح إلى إغراق البشرية، الإيمان بالنص الديني لا بد أن يكون كاملا وغير مجزأ ولا يمكن تقديم الأسطورة والذاكرة التاريخية على نص يتحدث عن عقاب لشعب أو مجموعة أو أمه حددها النص تماما لرفع الجهالة وذكرهم "قوم نوح" (وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً ۖ وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا) ﴿٣٧ الفرقان﴾.
لقد حملت الثقافات الأسطورية القديمة للديانات الشرقية خصوصا تأثيراتها على صياغة الفكر الإسلامي الروائي بقوة من خلال ما أضافته إلى التعميم والإيجاز النصي في القرآن، لم يكن النص الموجز والعمومي قادرا على إشباع الرغبة في التعرف على تفاصيل الحدث المرموز له في النصوص، ولم يشرح بشكل كامل ومؤكد من قبل الرسول ماهية الحدث وملابستها، وقد يكون فعل ذلك في وقته ولكنه نسي أو لم يدون خوفا من أختلاطه مع النص كما هو مشهور في الروايات التي تذكر منع كتابة الحديث عن النبي، هذا السبب جعل العقلية الدينية العاشقة للفضول والتي تبحث في التفاصيل ولا تكتفي بالعبرة من الحدث، أن تلجأ هذه العقلية للتزود من أي مصدر يناسب بين الفكرة النصية وبين ذاكرة تاريخية غير موثوق منها، ففي الوقت الذي تفاجأ العقل العربي بهذا النوع المركب من الأفكار الأسطورية وأدهشته، ظن أن ذكرها بما حملت من أفكار جانبية ربما لا تتوافق مع الحقيقة ولا مع مبادئ الدين شيء وجودي وبه يقدم خدمة للنص ويكمل ما لم يكمله النبي من قبل، للحد أنه زجها بالدين الإسلامي وإعادة أنتاجها بثوب وطعم جديد تحت مسمى قصص الأنبياء، وبالأخر سلم أن ما سرده وأثبته هنا أصبح جزأ من الإسلام كدين وليس كفكر منبثق عن رؤية دينية، وحاول لي عنق النصوص الدينية كي تتناسب مع إعجابه ورغبته بتكوين رواية تعزز من وجوده الثقافي بين الأمم.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التناقض الفكري في منظومة الفكر التعبدي
- الحقيقة وفلسفة السؤال ح3
- الحقيقة وفلسفة السؤال ح2
- الحقيقة وفلسفة السؤال
- العروج إلى الله دراسة في المعنى اللغوي ح1
- سورة يوسف جمالية الأداء اللغوي وعلمية الطرح الفكري ح2
- ديني .. دين الذرة
- سورة يوسف جمالية الأداء اللغوي وعلمية الطرح الفكري ح1
- -يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ-
- قصاصات الكهنة وشعار -مت أيها الإنسان-
- ممالك وأمارات تحكمنا سقف الله وباسمه .
- حروب المعبد الفاشي
- المزاج العراقي وتوظيفه الديني.. الحسين ع إنموذجا
- حرب النجوم الإلهية
- التحول الأول .....في الدين والأخلاق ح1
- التحول الأول .....في الدين والأخلاق ح2
- الحركة في نص كل يوم هو في شأن
- تقريب أم حوار أم تنقية الخلافات بين المذاهب والأديان ح1
- تقريب أم حوار أم تنقية الخلافات بين المذاهب والأديان ح2
- تقريب أم حوار أم تنقية الخلافات بين المذاهب والأديان ح3


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - أسطرة النص الديني تحريف للقضية أم تقريب للصورة؟