|
سياسة الحكومات وأثرها على القيم الأخلاقية والاجتماعية
سالم روضان الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 7372 - 2022 / 9 / 15 - 15:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لفت انتباهي مقطع فيديو في احد مواقع التواصل الاجتماعي لرجل يكاد يكون في الستين من عمره او اكثر بقليل، أجرت معه قناة آسيا الفضائية عبر برنامج "بدون حذف" لقاء من داخل محل إقامته في مستشفى الأمراض العقلية في بغداد، وكان هذا الرجل ، الذي يزعمون بأنه مريض، قد نطق بكلام لربما كان غائب عن ذهن الغالبية وأنا منهم، عندما سأله مقدم البرنامج عن طول إقامته في المستشفى التي قاربت على سبع وثلاثين سنة، فانه أجاب بان واقع الإقامة في المستشفى طول فترة إقامته يختلف عن واقع المجتمع خارج أسوار المستشفى وأردف بان هذا العزل الذي هو فيه، له فوائد منها انه لم يتأثر بما عليه المجتمع من تردي في قيمه الأخلاقية والاجتماعية، وبين بان سبب هذا التردي هو تأثير سياسة الحكومات التي تعاقبت على حكم البلد وتأثيرها على القيم الاجتماعية والأخلاقية كما أوضح (بان تلك الحكومات كانت تطبيق تلك السياسات) وهذه العبارة دقيقة جداً لأنها تدل على إن الأمر ممنهج ومخطط له وليس اعتباطاً وأعطى صور كثيرة لتلك السياسات ومنها السياسة الاقتصادية والثقافية والنفسية وغيرها، هذا الكلام استفز خاطري كثيراً لان مشاغل الحياة وضجيجها قد غيبته عنا، ولربما تعمد الحكومات إلى إشغال أذهاننا بأمور جانبية حتى لا نلتفت إلى تلك السياسات قد غيبنا عنها، أو لأنها استعملت معنا الأفيون الذي يسمى (أفيون الشعوب) لحصر تفكيرنا في نطاق ضيق ومحدود حتى لا ندرك تلك الحقيقة، فنبقى وعاء تفرغ فيه مآربهم ومطامعهم ويملؤنه من القيء الذي تمتلئ به بطونهم ، وما يعزز ما أشار إليه ذلك الرجل العاقل والجليل المبجل إن الخط البياني للقيم الأخلاقية كان وما زال في نزول عما كان عليه المجتمع، ولربما يمتد ذلك عبر العصور او منذ ان انتهى عصر الرسالة المحمدية في صدرها الأول، وحتى الأمثلة العاشورائية واستشهاد الإمام الحسين في واقعة الطف الخالدة التي نعيش أيامها وفي كنف طقوسها، فانها خطوة سعى إليها الثائر الحسين لإعادة نهج الإسلام المحمدي إلى حقيقته بوجه الطاغوت والفساد، لكن سياسة الحكومة القائمة آنذاك كان لها نهجها في تدمير تلك القيم الأخلاقية السليمة وامتد إثرها حتى يومنا هذا، فإنها تطبق ذات السياسة في معناها ومضمونها وان اختلفت في جوهرها سواء باستغلال تلك المناسبة لصالحها كما فعل بنو العباس ومن ثم انقلبوا عليها بعد السيطرة على زمام الحكم، أو الآن عندما نوظف تلك الشعائر والطقوس للتغطية على نهج الفساد الأخلاقي وعبر شراء الذمم تحت عباءة الثورة الحسينية الخالدة، لذلك فان من الواجب أن نلتفت إلى ما ذكره هذا الرجل العاقل وان نحاول إلى التصدي لتلك السياسات الحكومية التي تنهج نهجاً واحداً منذ إن تولت الاحزاب السلطة في العراق و منذ أول حكومة شكلها الانكليز وحتى يومنا هذا، وفي الوقت الحاضر نجد إن سياسة الحكومات، وهو تعبير مجازي عن "السلطة القابضة"، فإنها تسعى إلى تغيير قيم المجتمع عبر التشريعات التي تعزز النفعية الشخصية والانتهازية في الحصول على اكبر قدر ممكن من المغانم او عبر اقتراح تشريعات تكرس الهيمنة على مركز القرار وحصره بيد مجموعة أو فرد واحد مثلما يفعل أي ديكتاتور متسلط عبر اقتراح تشريعات تقصي الأخر المخالف له وتمنحه السلطة المطلقة، معنه سينتهي آجلاً أم عاجلاً لأنه محدود العمر الزمني، مثلما محدود القوة التي يتمتع بها بسبب طبيعة خلقه او بسبب لعبة التوازن السياسي ، وفي الختام أرى إن هذا الرجل العاقل الجليل اشار الى الأسباب بوجهتها الصحية في معرفة ومن ثم علينا طرح المعالجة الحقيقية بالتصدي للسياسات الحكومية ومحاولة تغيير مسارها نحو الارتقاء بالقيم الأخلاقية والاجتماعية بدلاً من الانحدار بها نحو الهاوية وارى ان نقطة البداية تكمن في آليات التشريع وسن القوانين لان هالة الشرعية التي تحيط بسلطة القانون مرتبطة بالاعتقاد بالتزام أخلاقي لطاعة القانون وعلى وفق ما ذكره الكاتب الانكليزي اللورد دينيس لويد بكتابه الموسوم "فكرة القانون" كما يرى بعض الكتاب بان هذه الهالة الشرعية لسلطة القانون هي المعضلة الأليمة وسبق وان طرحت أمام مواطني اثينا في القرن الرابع الميلادي حيث كانت الفكرة السائدة "بان العيش وفق القانون هو القانون الأسمى غير المدون، حتى لو نتج عن ذلك إصدار الحكم على أكثر الرجال حكمة في ذاك الزمان وهو سقراط بان يموت، وقدم أفلاطون بعد ذلك رؤيته بان يكون هناك تماثل بين القانون والأخلاق يستند إلى الحكمة والعقل وليس الإيمان الأعمى" نقلا عن اللورد لويد دينس في كتابه المشار إليه، وارى أول خطوات المعالجة بتغيير آليات الانتخابات التشريعية لمجلس النواب وفتحها لاختيار صاحب أعلى الأصوات وليس عبر القوائم المغلقة التي يتحكم بها بعض الأفراد، أما عن ذلك الرجل العاقل الذي لفت انتباهي المقيم في مستشفى الأمراض العقلية في بغداد، لربما يكون مثال لبقية نقية صافية من العقول الإنسانية ، إلا إن المجتمع لم يرحمه عندما اضفى عليه صفة المريض عقلياً، ويبدو ان ذلك الرجل مثله مثل الكثير من العقلاء والحكماء لم يأخذ بنصيحة موليير في مسرحيته "مدرسة الأزواج" التي يقول فيها على لسان احد شخوصها ( كن مجنوناً بين المجانين ولا تكن العاقل الوحيد) القاضي المتقاعد / سالم روضان الموسوي
#سالم_روضان_الموسوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انقاص نفقة الأولاد بين قضاء محكمة التمييز وتفسير المحكمة الا
...
-
صلاحية التعيين بوجود مجلس الخدمة الاتحادي
-
خبراء الشريعة وفقهاء القانون في المحكمة الاتحادية العليا
-
تفسير قرار المحكمة الاتحادية العليا
-
هل يشكل تعيين المحامي او الموظف الحقوقي في القضاء مخالفة دست
...
-
هل في العمل القضائي خطورة على صحة القاضي؟
-
أعضاء الادعاء العام اسمى من افتراءات السياسيين ومواليهم (توض
...
-
مَّنْ يتحقق مِن صحة أدلة الإدانة في المحاكمة الغيابية؟
-
الشفافية في العمل افضل توضيح للرأي العام
-
هل توفر مبدأ سبق الفصل في دعوى الطعن بقرار تغيير سعر صرف الد
...
-
هل يجوز ابطال عريضة الدعوى في القضاء الدستوري؟
-
آليات حل مجلس النواب في ضوء ما عرضه القاضي فائق زيدان
-
هل يجوز إضافة اختصاص إلى المحكمة الاتحادية العليا لم ينص علي
...
-
اتجاهات المحكمة الاتحادية العليا والمرشحون لمنصب رئيس الجمهو
...
-
النواب المستقلون تسمية في غير محلها
-
الحضانة ومصلحة المحضون بين الشريعة والقانون
-
من هي الجهة المختصة بتفسير الدستور والمعنية بإمكانية حل البر
...
-
المخالفة الدستورية في قانون المحكمة الاتحادية العليا والعزوف
...
-
المشورة القانونية والاجتهاد القضائي المتغير
-
هل يجوز ان تفصل محكمة البداءة في طعن قدم ضد قرار لمحكمة التم
...
المزيد.....
-
إسرائيل: رصد قذيفة صاروخية من سوريا واستهداف مصدر الإطلاق
-
الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية: لا يزال هناك نح
...
-
الجيش الإسرائيلي: رصدنا عملية إطلاق واحدة من الأراضي السورية
...
-
حفتر يجتمع مع نائب وزير الدفاع الروسي يفكوروف في بنغازي
-
-القسام- تستهدف دبابة إسرائيلية غرب جباليا وسرايا القدس تقصف
...
-
في مطار ميونيخ .. ثقل الثلوج ألصق ذيلها بالأرض
-
حكومة غزة: مقتل أكثر من 700 فلسطيني خلال الساعات الـ 24 الما
...
-
تقرير: موسكو تدفع مبالغ نقدية لزوجات الجنود مقابل عدم الاحتج
...
-
مقتل ألماني وإصابة شخصين جراء هجوم بسكين في باريس
-
إنه طفل وليس دمية.. صدقت الجزيرة واعترفت الصحيفة الإسرائيلية
...
المزيد.....
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو جبريل
-
كتاب مصر بين الأصولية والعلمانية
/ عبدالجواد سيد
-
العدد 55 من «كراسات ملف»: « المسألة اليهودية ونشوء الصهيونية
...
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
الموسيقى والسياسة: لغة الموسيقى - بين التعبير الموضوعي والوا
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
العدد السادس من مجلة التحالف
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
السودان .. أبعاد الأزمة الراهنة وجذورها العميقة
/ فيصل علوش
-
القومية العربية من التكوين إلى الثورة
/ حسن خليل غريب
-
سيمون دو بوفوار - ديبرا بيرجوفن وميجان بيرك
/ ليزا سعيد أبوزيد
-
: رؤية مستقبلية :: حول واقع وأفاق تطور المجتمع والاقتصاد الو
...
/ نجم الدليمي
-
یومیات وأحداث 31 آب 1996 في اربيل
/ دلشاد خدر
المزيد.....
|