|
مَنْحُ الجِنْسِيَة لِلْإِسْرَائِيلِيِّين جَرِيمَة
عبد الرحمان النوضة
(Rahman Nouda)
الحوار المتمدن-العدد: 7346 - 2022 / 8 / 20 - 16:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في 10 ديسمبر 2020، وَقُبَيْلَ خُرُوجِه من البَيْت الأَبْيَض بِقَلِيل، أَعْلَنَ الرئيس الأمريكي دُونَالْد تْرَامْبْ (D. Trumpe)، عَبْرَ عِدَّةِ تَغْرِيدَات على تَطْبِيـق "تْوِيتَرْ"، أن الولايات المُتّحدة الأمريكية «تَعْتَرِفُ» بِسِيَّادة المغرب على الصحراء الغَرْبِيَة. وَمُقَابِل ذلك، أَقْدَمَت دولةُ المغرب على «تَطْبِيع» عَلَاقَاتِهَا مع إِسْرَائِيل. وَأَكَّد الدِيوَان المَلَكِي، وَوِزَارَة الخَارِجِيَة المغربيَّان، صِحَّةَ إِبْرَامِ هذه الاِتِفَاقِيَة. وَيَتَضَمَّنُ هذا العَقْدُ جَوَانِبَ دِبْلُومَاسِيَة، واقتصادية، وَمَالِيَة، وَتِكْنُولُوجِيَة، وَعَسْكَرِيَة، وَمُخَابَرَاتِيَة، وَأَمْنِيَة. وَمِن بَيْن الدول العربية الأربعة (الإمارات، البحرين، مصر، الأردن) التي سبق لها أن «طَبَّـعَت» بِشَكْل مِنَ الأَشْكَال علاقاتها مع إسرائيل، نَجِدُ أن دولة المغرب هي التي ذَهَبَت أكثر عُمْقًا في اِنْبِطَاحِهَا لِتَنْـفِيذِ رَغَبَات وَمَصَالِح إسرائيل. وهذا المقال الحالِي (الذي هو مُقْتَطَف مِن دِفْتَر لِرَحْمَان النُوضَة، يَحْمِلُ عُنْوَانَ «نَـقْد الصَّهْيُونِيَة»، وَيَتَكَوَّنُ مِن قُرَابَة 65 صفحة)، يَتَنَاوَلُ جَانِبًا واحدًا فـقط مِن هذه القَضِيَة، هو «مَنْح السُلْطَة السياسية في المَغْرِب لِلْجِنْسِيَة المَغْرِبِيَة لِلْإِسْرَائِيلِيِّين مِن أَصْل مَغْرِبِي». (بَيْنَمَا الجَوَانِب الأُخْرَى هي مُتَنَاوَلَة في بَـقِيَةِ ذلك الدِفْتَر(1)). والمَقْصُود هُنَا بِـعِبَارَة «التَطْبِيع» (naturalisation) مع إِسْرَائِيل، هو تَحْوِيل العَلَاقات معها مِن الشِّـقَاق، أو المُقَاطَعَة، أو المُخَاصَمَة، أو المُقَاوَمَة، أو النِزَاع، إلى علاقات قانونية، وَمُبَاحَة، وَعَادِيَة، وَمَأْلُوفَة، وَمُشَابِهَة لِلْعَلَاقات مع مُجْمَل دُوَل العَالَم التي تَرْبِطُنَا معها علاقات تَرَابُط، أو تَعَلُّق، أو تَوَاصُل، أو تَعَاوُن، أو تَكَامُل. وَمَـعْنَى «الجِنْسِيَّةُ» (nationality)، أو التَجْنِيس (naturalization)، هو الصِّفة التي تَلْحَقُ بِالشَّخْص من جهة اِنْتِسَابِِه لِشَعْب، أو وَطَن، أو أمَّة، أو دَوْلَة. وَ«الجِنْسِيَة» عَلَاقةٌ قانونيةٌ تربط فرداً معيَّناً بِدَوْلَةٍ مُعيَّنةٍ. وقد تـكون «الجِنْسِيَة» أَصِيلةً، أو مُكْتَسَبَة. وَيُـفْتَرَضُ في «الجِنْسِيَة» أَنَّهَا تُوَفِّرُ، أو تَضْمَنُ، لِمُخْتَلَـف المُواطِنِين الحَامِلِين لِهَذه الجِنْسِيَة، تَطَابُقًا، أو تَمَاثُلًا، في وَاجِبَات، وَفي حُقُوق المُوَاطَنَة. وَمَعْنَى «تَجَنَّسَ»، هو صَارَ مُتَجَنِّسًا بِجِنْسِيَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، أَيْ أنه تَجَنَّسَ بِجِنْسِيَّةِ بِلاَدٍ أُخْرَى غَيْرِ بِلاَدِهِ الأصلية. وَقَدْ تَـفَاجَأَ مُجْمَل أفراد شَعْب المغرب بِإِعْلَان هذه الاتفاقية. خاصّةً وأن بعض اِسْتِطْلَاعَات الرَأْي كانـت قد أشَارَت إلى أن أكثر من 90 % من شَعْب المَغْرب يُعَارِضُون بِحَزْم «التَطْبِيع» مع إسرائيل. بَل يَشْعُرُ المَغَارِبَة بِـ «التَطْبِيع» كَخِيَّانَة لِشَعْب فَلَسْطِين المَظْلُوم. وَتَظْهَر هذه الاتـفاقية «المُطَبِّعَة» مع إِسْرَائِيل، مِثْلَ مُقَايَضَة «اِعْتِرَاف» أمريكا بِـ «مَغْرِبِيَة الصحراء الغَرْبِيَة»، مُـقَابِل «التَطْبِيع» مع إِسْرَائِيل المُعْتَدِيَة. وَتَبْدُو هذه الاتفاقية كَأَنَّهَا نَتِيجَة لِدِفَاع «وَطَنِي» عَنِيد لَدَى السُلْطَات السِيَاسِيَة في المغرب عَنْ «مَغْرِبِيَة» الصحراء الغَربية. بَيْنَمَا «تَطْبِيع» النظام السياسي المغربي مع إِسْرَائِيل كَانَ سَيَحْدُثُ حتّى لَوْ لَمْ يُوجَد النِزَاعُ حَوْلَ قَضِيَة الصَّحْرَاء الغَرْبِيَة. بَلْ اِتِـفَاقِيَة «التَطْبِيع» هي في الوَاقِع تَحَايُل، وَاسْتِغْلَال لِلنِّزَاع حول الصحراء الغربية، بهدف تَبْرِير الْاِرْتِمَاء الْاِسْتْرَاتِيجِي التَامّ في التَـبَـعِيَة لِلْإِمْبِرْيَالِيَة الأَمْرِيكِيَة، ولِإِسْرَائِيل. لأن النظام السياسي في المغرب يُدْرِكُ أن غَالِبِيَة أَفْرَاد الشعب، في قَرَارَة أَنْفُسِهِم السِرِّيَة، يَرْفُضُون هذا النظام السياسي الاستبدادي، وَيَنْتَظِرُون المُنَاسَبَة المُلَائِمَة لِتَغْيِيرِه. لِذَلِك نَرَى النظام السياسي المغربي يَخَاف مِن ثَوْرَة الشَعْب المُحْتَمَلَة، وَيَبْحَثُ عن حِمَايَة مُفْتَرَضَة مِن طَرف الإِمْبِرْيَالِيَّات الغَرْبِيَة وَإِسْرَائِيل. وَلَا يُدْرِكُ كَثِير من المُواطنين المَغَارِبَة البُسَطَاء كَمْ أَنَّ طَبَقَة المُسْتَـغِـلِّين الكِبَار في المغرب، التَبَـعِـيِّين لِلْإِمْبِرْيَالِيَة، تَجْـعَـلُهُم مَصَالِحُهُم الرَأْسَمَالِيَة مُسْتَـعِـدِّين إلى خِدَاعِ الشَّعْب، وإلى خِيَانَة الوَطَن، بِهَدَف تَنْمِيَة أَرْبَاحِهِم الخُصُوصِيَة، مِنْ خِلَال تَعْمِيق عَمَالَتِهِم لِلْـإِمْبِرْيَالِيَة الغَرْبِيَة، وَلِـإِسْرَائِيل. وَبَعدما اِتَّخَذَت السُلْطَة السياسية بِالمَغْرِب قَرَار «تَطْبِيع» العَلَاقات بين دولة المَغرب ودولة إسرائيل، دُونَ اِسْتِـفْتَاء شَعْب المَغْرِب، وَدُونَ تَصْوِيت البَرْلَمَان، وَدُونَ حتّى إِخْبَار أَوْ إِشْرَاك الحُكُومَة الشَكْلِيَة في اِتِّخَاذِ هذا القَرَار، زَعَمَ بعض المسؤولين في دولة المَغْرب، المُنَاصِرِين لِأَمْرِيكَا وَلِِإسرائيل، أنه «يَحِقُّ لِلْإِسْرَائِيلِيِّين مِن أصل مغربي أن يَحْمِلُوا جِنْسِيَة مُزْدَوَجَة، إسرائيلية ومغربية». كَمَا اِدَّعَى هؤلاء المسؤولين في دولة المغرب أن «الجِنْسِيَة المَغْرِبِيَة لَا تُـفْـتَـقَـد، بَلْ تَبْقَى أَبَدِيَة»، مَهْمَا فَعَلَ الشخص الحَامِل لهذه الجِنْسِيَة المَغْرِبِيَة. وَزَعَمَ أيضًا هؤلاء المسؤولين في دولة المغرب أنه «يَحِقُّ لِلْإِسْرَائِيلِيِّين مِن أَصْل مَغْرِبِي أن يَحْصُلُوا أُتُومَاتِيكِيًّا على الجِنْسِيَة المَغْرِبِيَة، وَعلى كُلّ حُـقُوقِهَا». وهذه المَزَاعِم، وَالـقَرَارَات، هي كُلُّهَا مُغالطَات، وتَزْوِير، وَتَحَايُل على القانون، وتحريف لِدُستُور المغرب. بَلْ هي خَطِيئَة كُبْرَى مُرْتَكَبَة ضِدَّ شعب المغرب المَقْهُور، والعَاجِز حَالِيًّا على النَـقْد، وَعَلى المُقَاوَمَة. والحَـقِيـقَة هي أنه لَا يُوجَد شيء في قانون المغرب، وَلَا في دُسْتُوره، يَسْمَح لِلْمَسْؤُولِين في دولة المغرب بِأن يَمْنَحُوا جِنْسِيَة المغرب لِأَشْخَاص إِسْرَائِيلِيّين، حَتَّى وَلَوْ اِدَّعَوْا أنهم «مِن أَصْل مَغْرِبِي». وَمُنْذُ سَنَوَات 1960، وَمُنْذُ أن اِنْدَمَجَ هؤلاء «اليَهُود مِن أَصْل مَغْرِبِي» في إِسْرَائِيل الاِسْتِعْمَارِيَة، والعُنْصُرِيَة، والتَوَسُّعِيَة، وَمُنْذُ أن اِعْتَنَـقُوا المَشْرُوع الصَّهْيُونِي الاِسْتِيطَانِي في فَلَسْطِين المُحْتَلَّة، فَـقَـدُوا قَانُونِيًّا جِنْسِيَتَهُم المَغْرِبِيَة، وَأَصْبَحُوا أَجَانِبَ، بَلْ غَدَوْا مُجْرِمِين، وَأَعْدَاء لِشَعْب فَلَسْطِين، وَلِشَعْب المَغْرِب، وَلِكُلّ شُعُوب العَالَم التَـوَّاقَة لِلحُرِّيَة، والاستـقلال، والديموقراطية، والعَدَالَة، وَحُـقُوق الإنسان. وَالعَرِيب أنه، حِينَمَا يَمْنَحُ حُكَّام المغرب «الجِنْسِيَة» المغربية لِإِسْرَائِيلِيِّين، بِدَعْوَى أنهم «مِن أَصْل مَغْرِبِي»، فإنهم لَا يَشْتَرِطُون تَخَلِّيَ هؤلاء اليَهُود المُتَصَهْيِنِين عن جِنْسِيَتِهِم الإسرائيلية، بَلْ يَـقْبَلُون بِأَن يَـبْـقَـوْا مُوَاطِنِين مُجَنَّدِين في خِدْمَة إِسْرَائِيل، وَفي خِدْمَة مَشَارِيعِهَا الاِسْتِيطَانِيَة والاِسْتِعْمَارِيَة. بِمَعْنَى أن حُكَّام المغرب لَا يَرَوْا أَيَّ تَنَاقُض بَيْن حَمْل الجِنْسِيَة الإسرائيلية، وَحَمْل الجِنْسِيَة المَغْرِبِيَة، كأنّ دَوْلَة المَغْرِب تَتَشَابَهُ، أو تَنْسَجِم، مَع دولة إسرائيل. وَيَشْعُرُ مُوَاطِنُو المَغْرِب بهذا «التَطْبِيع» بين دولة المغرب ودولة إسرائيل، كَأَنّ حُكَّام المغرب الحالِيِّين بَاعُوا وَطَنَ المغرب إلى أَمْرِيكَا، وَإلى إسرائيل، مُـقَابِلَ الحُصُول على مُسَانَدَة، أو على حِمَايَة، مَوْعُودَة، لكنّها وَهْمِيَة. وَيُحِسُّ مُوَاطِنُو شَعْب المَغْرِب كَأَنّهم تَعَرَّضُوا لِلْخِيَّانَة، وَأَنَّ المَغْرِبَ فَقَدَ اِسْتِـقْلَالَه، وَأَضَاعَ سِيَّادَتَه. وأن المَغرب أَصْبَحَ مَحْمِيَة إِسْرَائِيلِية أَمْرِيكِيَة، وَفَرِيسَة مُخْتَرَقَة، وَمُسْتَبَاحَة، مِن طَرَف الشَرِكَات، والمُؤَسَّـسَات، والمُخَابَرَات، التَابِعَة لِلدُّوَل الإمبريالية الغَرْبِيَة، وَلِـإْسْرَائِيل. ولماذا كُلّ هذا الهَذَيَان السياسي لَدَى حُكَّام المَغْرِب ؟ ■ لأنه لَا تُوجد في قوانين المغرب بُنُود تُـبَرِّرُ المَنْحَ الأُوتُومَاتِيكِي لِلجِنسية المغربية لِمُواطني دولة أجنبية، وَلَوْ كانـت هذه الدولة هي إسرائيل. [وَهُنَا نَدْعُو الأَسَاتِذَة الجَامِعِيِّين المَغَارِبَة، والبَاحِثِين الأَكَادِيمِيِّين، المُتَخَصِّصِين في الـقانون العام، وفي الـقانون الدُسْتُورِي، وَغَيْرِهِمَا، والغَيُورِين على وَطَنِهِم، والمُحِبِّين لِلْعَدَالَة المُجْتَمَعِيَة، إلى التَعْبِير عن آرَائِهِم، وَإِلَى التَعْرِيـف بِاجْتِهَادَاتِهِم، وَإلى نَـقْد هذه الانحرافات الخَطِيرَة، التي يَنْزَلِقُ فيها بعض حُكَّام المَغْرِب، المُنَاصِرِين لِلصَهْيُونِيَة، والمُسْتَلَبِين مِن طرف أَوْثَان الرَأْسَمَالِيَة، والإِمْبِرْيَالِيَة]. ■ ولأنه، حتّى إذا مَا أَسْرَعَ بعض حُـكّام المغرب (المُناصرين لإسرائيل)، فيما بَـعْدُ، إلى وَضْعِ قَوانين جديدة، «تُبيح مَنح الجنسية المغربية لِبعض مُواطني دُوَل أَجنبيّة مِثل إسرائيل»، فإن هذا الإجراء سيكون في تناقض مع مَفَاهِيم «الأُمَّة»، وَ«الدَوْلَة»، وَ«الوَطَن»، و«الشَّعْب»، و«المُوَاطنة»، كما هي مُتَـعَارَفٌ عليها عَالَمِيًّا. ■ ولأنه لَا يُعقل أن يكون لِشَخص واحد، وفي نفس الوقت، وَلَاءٌ صَادِق، وتَامّ، لِـ «وَطَنَيْن»، هُمَا مُتَبَاعِدَيْن، ومُتَنَاقِضَيْن، واحد منهما هو المَغْرِب المُتَوَاضِع والمُسَالِم، والثاني هو إسرائيل المُتَمَيِّز بِكَوْنِه غَازِيًا، وَمُحْتَلًّا، وَاِسْتِعَمَارِيًّا، وَعُنْصُرِيًّا، وَإِمْبِرْيَالِيًّا. ■ ولأنه مِن المُستحيل أن يلتزم أي يَهُودِي مُتَصَهْيِن (juif sioniste)، ولو كان مِن أصل مغربي، بالوَلَاء لِـ «وَطَن المغرب» ! ■ ولأن كلّ يهودي صَهْيُونِـي، هو بالضرورة جُنْدِيّ في الجيش الإسرائيلي (بِمَعْنَاه العَامّ)، وَعُضْوٌ فَاعِل في إِحدى أَجْهِزَة دَوْلَة إِسْرَائِيل، وَعَمِيل لِإِحْدَى أَجْهِزَة المُخَابَرَات الإسرائيلية (مثل «المُوسَاد»، أو «الشِينْ بِيتْ»، الخ). ■ ولأنه كُلَّمَا مَنَحَت دولة المغرب الجِنْسِيَة المغربية لِـ «يَهُودِي إسرائيلي مِن أصل مغربي»، فَإنها تَمْنَحُ في الوَاقِع هذه الجِنْسِيَة المَغْرِبِيَة لِجُنْدِي إِسرائيلي، وَلِعَمِيل في إِحْدَى أَجْهِزَة المُخَابَرَات، أو التَنْظِيمَات الإسرائيلية. وهكذا فإن دولة المغرب تُسَاعِدُ الغُزَاة الصَهَايِنَة على التَسَرُّبِ داخِلَ وَطَن المغرب، وَتُـعَاوِنُهُم على اِحْتِلَالِه، وَالتَحَكُّم في مَصِيرِه، وَالتَلَاعُب بمَصِيرِهِ، وَالسَطْوِ على ثَرَوَاتِه. أَلَيْسَ هذا غَبَاء سيّاسي؟ ■ وَلأن مِيزَة إِسْرَائِيل، هي أنها كُلُّهَا كِيَّان عَسْكَرِيّ، وكُلُّهَا مَنْظُومَة عَسْكَرِيَة، وَهَدَفُهَا الوَحِيد، وَالدَّائِم، هُو الغَزْو، والتَوَسُّع، والاِحْتِلَال، والاِسْتِيطَان، والعُنْصُرِيَة، وَالاِسْتِـغْـلَال، والـقَهْر، وَالقَتْل، وَالتَخْرِيب، والتَطْهِير العِرْقِي، وَطَرْد أو إِبَادَة كُلّ الإِثْنِـيَّـات (éthnies) المُخَالِفَة لِلطَّائِفَة اليَهُودِيَة المُتَصَهْيِنَة. ولَا يَقْدِرُ الحُكَّام العَرَب الرِجْعِيِّين، والمُسْتَبِدِّين، والعُمَلَاء لِلْإِمْبِرْيَالِيَة، على إِدْرَاك هذه الطَبِيعَة المُمَيِّزَة لِـإِسْرَائِيل. ■ ولأن كل شَخْص إِسْرَائِيلِي، وكلّ يَهُودِي مُتَصَهْيِن، حَتّى وَلَوْ كان مِن أَصْل مَغْرِبِي (أو مِن أَصْل عَرَبِي آخر)، هُوَ بِالضَّرُورَة أَجْنَبِي عَن المَغْرِب، بَلْ هُوَ مِن بَيْن أَعْدَاء شَعْب المَغْرِب، وَمِن ضِمْنِ أَعْدَاء كُلّ شُعُوب العَالَم التَوَّاقَة إلى الحُرِّيَة، والدِّيمُوقْرَاطِيَة، والتَحَرُّر، والعَدْل، والاِسْتِـقْلَال، وَحُـقُوق الإنْسَان. ■ وَلِأَنّه، يُمْكِن أن نَجْزِم، أن كُلّ شَخص يُنَاصِرُ إِسْرَائِيل، أو يُنَاصِرُ الصَهْيُونِيَة، وَمَهْمَا كَان دِينُهُ، وَمَهْمَا كَانَت الجِنْسِيَة (nationality) التي يَحْمِلُهَا، هُو عَدُوّ لِكُل شُعُوب العَالَم، وليس فـقط لِشَعْب فَلَسْطِين المَقْهُور. وَعَلَيْه، فَإِن مَنْح جِنْسِيَة المَغْرِب لِأَشْخَاص إِسْرَائِيلِيِّين، أو مُتَصَهْيِنِين، هو تَجْنِيسٌ (بِمَعْنَى مَنْح الجِنْسِيَة) لِـأَعْدَاء شعب المَغْرِب، وَلِـأَعْدَاء بَاقِي شُعُوب العَالَم. فَلَا يَحِقُّ لِأَيِّ قَانُون وَضْعِي، وَلَا لِأَيِّ دُسْتُور، وَلَا لِـأَيَّة إِدَارة مِن إِدَارَات الدولة، لَا في بلاد المَغرب، وَلَا في غَيْرِه، أَنْ يُبِيحَ مَنْحَ الجِنْسِيَة لِأَشْخَاص مِن إِسْرَائِيل، أو مُنَاصِرِين لِلصَّهْيُونِيَة. وَكُلّ مَن يُدَافِع عن عَكْسِ ذلك، فَهُوَ إِمَّا مُرْتَزِق، أَو خَائِن، أَوَ عَمِيل، بَلْ عَدُوّ لِكُل شُعُوب العالم. ■ زِدْ على ذلك أنه، لَا يُؤمن بِإمكانية وُجُود وَلَاء شخص يَهُودِي مُتَصَهْيِن لِصَالِحِ دَوْلة أخرى غير إسرائيل، سِوَى مَن هُو غَارق في السَّذَاجَة، ولا يَفْـقَهُ شيئًا في السياسة العَامَّة، وَلَا في الصِّرَاعَات الجارية في الواقع العَالَمِي الحَالِي. ■ وَزِدْ على ذلك، أن «مُوَاطِنِي» الكِيَان الإسرائيلي تَلَـقَّوْا تَكْوِينَات مُتَعَدِّدَة وَمُتَنَوِّعَة، تَـفُوق بِدِقَّتِهَا، وَجَوْدَتِهَا، وَعُدْوَانِيَتِهَا، التَكْوِينَات التي يَتَلَـقَّاهَا عَادَةً «مُوَاطِنُو المغرب» المُضْطَهَدِين، والمَحْرُومِين مِن أَيّ تَكْوِين أو تَـثْـقِـيـف عُمُومِي رَزِين. ■ وَزِدْ على ذلك أن «مُوَاطِنِي إِسْرَائِيل» هُم مُنَظَّمُون في عِدّة تَنْظِيمَات مُتَـعَدِّدَة وَمُتَنَوِّعَة، سِرِّيَة وَعَلَنِيَة، مُتَرَابِطَة وَمُتَكَامِلَة، بينما «مُوَاطِنِي المَغْرِب» هُم مَقْمُوعُون، ومُضْطَهَدُون، وَمُشَتَّتُون، وَمَمْنُوعُون مِن حَقِّ التَنْظِيم السِيَاسِي، وَمِن مُجْمَل بَاقِي الحُقُوق السياسية. حيث يَبْقَى «مُوَاطِنُو المَغْرِب» مُتَـفَـرِّقِين كَأَفْرَاد، وَضَعِيـفِين، وَمَغْلُوبِين، بَيْنَمَا الإِسْرَائِيلِيُّون يَتَحَرَّكُون كَدَوْلَة مُوَحَّدَة، وَكَجَيْش مُوَحَّد وَمُنْضَبِط، وَكَتَنْظِيمَات إِسْرَائِيلِيَة سِرِّيَة مُحْكَمَة. وفي مثل هذا الإِطَار، سَيَهْزِمُ حَتْمًا الإسرائيليّون («مِن أَصْل مَغْرِبِي») بَاقِي «مُواطني المغرب» المُتَـفَرِّقِين، وذلك في جميع المَيَادِين. وهكذا، سَيُصْبِح «مُوَاطِنُو المَغْرِب» يَشْتَـغِلُون كَمُسْتَـغَـلِّين، أو كَـعَبِيد، لَدَى «إسرائيليّين من أصل مَغربي». وهكذا فَإِنَّ تَـفْـعِيل «التَطْبِيع» مع إسرائيل هُو قِمَّة الغَبَاء السياسي. ■ وَكُلُّ مَنْ يَسْمَحُ لِـأَشْخَاص يَحْمِلُون جِنْسِيَة إسرائيل بِالدُخُول إلى المَغْرِب، وَيَمْنَحُهُم الجِنْسِيَة المَغْربية، وَيُعْطِيهِم حُقُوق الجِنْسِيَة المغربية، فَهُوَ «كَمَنْ يُدْخِلُ ذِئَابًا في حَظِيرَة غَنَم». حَيْثُ أن هؤلاء الإسرائيليّين، المُكَوَّنِين تَكْوِينًا دَقِيقًا، سَيُنَافِسُون، وَسَيَسْحَـقُون المُوَاطِنِين المَغَارِبَة في جَمِيع الميادين الاقتصادية، والصِنَاعِيَة، والتِجَارِيَة، والخَدَمَاتِيَة، والبَنْكِيَة، والمَالِيَة، وَالمُخَابَرَاتِيَة، والتَجَسُّـسِيَة، والاِعْلَامِيَة، الخ. ■ وَزِدْ على ذلك، أن السُلُطَات السِيَاسِيَة في المَغْرِب، بِسَذَاجَتِهَا أو غَبَاءِهَا المَأْلُوف، لَا تُعْطِي فَقَط «لِلْإِسْرَائِيلِيِّين مِن أَصْل مَغْرِبِي» الجِنْسِيَة المَغْرِبِيَة، بَلْ تَجُودُ عَلَيْهم أَيْضًا بِحُـقُوق وَاِمْتِيَّازَات إِضَافِيَة خَارِقَة، تَجْعَلُهُم فَوْقَ الـقَانُون المغربي، وَفَوْقَ المُرَاقَبَة، وَفَوْقَ المُحَاسَبَة، وَفَوْقَ المُوَاطِنِين المَغَارِبَة البُسَطَاء. ■ وَنَرَى العَدِيد مِن المسؤولين في دولة المغرب يَتَسَابَـقُون، وَيَتَهَافَتُون، لِتَـقْدِيم اِمْتِيَازَات خَارِقَة إلى الإسرائيليّين، وَيُعَامِلُونَهُم كَضُيُوف مُمْتَازِين لِلْمَلِك، وفي نَفْس الوَقْت، يَتَشَدَّدُ هؤلاء المسؤولين في دولة المَغْرِب في حِرْمَان المُوَاطِنِين المَغَارِبَة مِنْ حُـقُوق المُوَاطَنَة، وَلَوْ كَانَت هذه الحُـقُوق مَنْصُوص عليها في دُسْتُور البِلَاد. ■ وَهَكَذَا فإن النظام السياسي الـقائم في المغرب، بِمَا يُمَارِسُه مِن اِسْتِبْدَاد، وَاضْطِهَاد، وَقَمْع، يُحَوِّلُ المُوَاطِنِين المَغَارِبَة إِلى أَجَانِبَ مَقْهُورِين دَاخِلَ وَطَنِهِم، وَيَـقْلِبُ الأَجَانِب الإسرائيليّين، والمُسْتَغِلِّين الغَرْبِيِّين، إلى مُواطِنِين مَغَارِبَة، أَصْحَاب حُقُوق مُدْهِشَة، وَذَوِي اِمْتِيَّازَات خَارِقَة، لَا تَحُدُّهَا لَا أَعْرَاف وَلَا قَوَانِين. ■ وحتّى إذا اِفْتَرَضْنَا جَدَلًا، إِمكانية وُجود أشخاص يَهُود، يَحْمِلُون «جِنْسِيَة مُزْدَوَجَة»، إسرائيلية ومغربية، ويَحْمِلُون وَلَاءً مُزْدَوَجًا لِإسرائيل ولِلمغرب، فإن هؤلاء الأشخاص سَيُـفَـضِّلُون في كلّ حِين، وَبِدُون أَدْنَى تَرَدُّد، خِدْمَة إسرائيل على خِدْمَة المغرب. ولماذا؟ لأن العَقِيدة الصَّهْيُونِيَة مَبْنِيَة على أساس أَيْدِيُولُوجِيَة دِينِيَة مُتَطَرِّفَة وَمُقَدَّسَة. وَلِأَن إِيمَان هؤلاء الأشخاص بالصَّهْيُونِيَة يجعلهم يُـفَضِّلُون دَائِمًا خِدْمَة المشاريع الصهيونية الاستعمارية على أيّ شيء آخر. ■ والعالم كله يعرف، ومنذ زمان، أن كل يهودي مُناصر للصهيونية، يُصبح بالضرورة مُجْبَرًا على العمل كَجُنْدِي مُجَنَّد لِخِدْمَة الأجهزة العَسْكَرِيَة أو المُخابراتية الإسرائيلية (المُوسَاد، الخ)، وَلِخِدمة الدولة الإسرائيلية وَجَيْشِهَا. والاعتـقاد بِعكس ذلك هو جَهْل فَظِيع، أو سَذَاجَة سَخِيفَة. ■ وَبَعْدَ «تَطْبِيع» دولة المَغْرِب مع إسرائيل، يَزْعُم بعض المسؤولين في دولة المغرب، أن «مَوْقِف الدّولة المغربية القَدِيم تُجَاهَ الشَّعْب الـفلسطيني لم يَتَـغَيَّر». بينما في الواقع، يَسْتَحِيل الجَمْع بين مُتَنَاقِضَيْن، هما من جهة أُولَى مُسَانَدَة الشعب الـفَلَسْطِينِي المُسْتَـعْمَر، والمَقْهُور، وَمِن جِهَة ثَانِيَة «تَطْبِيع» العَلَاقَات مع إسرائيل المُسْتَعْمِرَة، والظَّالِمَة. فَيَتَّضِح إِذَنْ أن كُلُّ مَن «يُطَبِّعُ» عَلَاقَاتِهِ مع إِسْرَائِيل، يُصْبِحُ هُو نَفْسُه مُتَصَهْـيِـنًا (sioniste)، وَعَدُوًّا لِلْفَلَسْطِينِيِّين، وَشَرِيكًا في تَنْفِيذ، أو في مُسَانَدَة، الجَرَائِـم الجَسِيمَة التي تَرْتَكِبُهَا إسرائيل، والتي تَتَجَلَّى في غَزْو، وَاحْتِلَال، وَاسْتِعْمَار، وَاسْتِيطَان، أرض فَلَسْطِين وَمَا جَاوَرَهَا، وَتَقْتِيل الـفَلَسْطِينِيِّين، وَتَهْجِيرِهِم، وَتَهْدِيم بُيُوتِهِم. فعلى مَن يضحك أولئك الحُكَّام في المَغْرِب، الذين يريدون أن يفرضوا على شعب المغرب، «التطبيع» مع إسرائيل ؟ رحمان النوضة (تَحْيِين 8 غشت 2022). (1) رابط كتاب: رحمان النوضة، نقد الصهيونية"، نشر 2017، الصفحات 65، الصيغة 12 : https://livreschauds.wordpress.com/2017/08/07/نَـقْد الصَّهْيُونِيَة/
#عبد_الرحمان_النوضة (هاشتاغ)
Rahman_Nouda#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دِكْتَاتُورِيَة البُنُوك
-
مَصْلَحَتِنَا تَعَدُّد أَقْطَاب العَالَم
-
الأَكْثَرُ اِنْبِطَاحًا لِإِسْرَائِيل: المَغْرِب
-
الصِرَاع بين المَلَكِيَّات والجُمْهُورِيَّات
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
-
نَحْنُ المُسْتَـغَـلُّون
-
نَقْد الصِرَاعَات الحَدِيثَة في اليَسَار
-
نَقْد العَمَل بِأُسْلُوب -التِيَّارَات- في الحزب
-
نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة
-
تَجَسُّـس الحُكُومات على المعارضين
-
السُّلْطَة السِّيَاسِيَة
-
أَوْضَاع المُجْتَمَع وَأَدْوَار اليَسَار
-
إِصْلَاح الاقتصاد مَشْرُوط بِإِصْلَاح النِظَام السِّيَاسِي
-
نِقَاش وَثِيقة اليَسار الإلِكْتْرُونِي
-
يَحْتَكِر كِبَار الرَأْسَمَالِيِّين الثَّرْوَة والسُُّلْطَة
-
تُنْتِجُ أَسْلَمَة الدّولة الاِنْحِطَاط
-
نَقْد العَمل بِالتِيَارَات داخل الحِزب
-
حِوَار حَوْلَ قِيَّادَات اليَسَار
-
نَـقـد الاِضْـراب عَن الطَّـعَـام
-
نِدَاء لِتَجْدِيد قِيَّادَات اليَسَار
المزيد.....
-
-سبيس إكس- تطلق مجموعة أقمار صناعية للاتصال المباشر بالهواتف
...
-
صالات فارغة وطائرات مروحية مدمرة.. لقطات من مطار حلب الدولي
...
-
اكتشاف جديد قد يفتح آفاقا لعلاج مرض باركنسون
-
اجتماع ثلاثي في بغداد بشأن سوريا.. ومقتل 20 مدنيا بقصف جوي
-
كيف سيدعم العراق سوريا ضد -جبهة النصرة-؟
-
سكان كاليفورنيا يسجلون مشاهد لمياه مسابح تهتز بشدة بعد الزلز
...
-
-حماس-: تصريحات سموتريتش حول ضم الضفة الغربية انتهاك صارخ لل
...
-
ستيفن سيغال يتمنى للشعب الروسي النصر في العام الجديد
-
الأردن يدعو مواطنيه المتواجدين في سوريا إلى المغادرة في أقر
...
-
ماكرون يستقبل ترامب وزيلينسكي قبل افتتاح نوتردام
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|