نقد الدولة _ دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) (١_٣)

وليد المسعودي

الحوار المتمدن-العدد: 7342 - 2022 / 8 / 16 - 14:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

نقد الدولة _ دولة النقد

البحث عن دولة حديثة ناقدة (١_٣)



علي عبد الرزاق وشروط الحياة الدنيا



ومع الاسلام واصول الحكم يتقدم الشيخ علي عبد الرزاق خطوات مهمة في النقد تتمثل في نزع اي سلطة سياسيّة من اثرها الديني السماوي بالرغم من المجاولات التاريخية الماكثة في فرض صورة الله على الارض لدى ممثليهم الحكام ، وعلي عبد الرزاق ينفي في بحثه الموسوم اعلاه بتأسيس او وجود الخلافة والامامة ضمن عقد شرعي او الهي ، بل هي مؤسسة ضمن شروط الحياة الدنيا الظاهر فيها جميع اشكال الصراع والرغبة في الهيمنة والاستحواذ والحصول او الوصول إلى الحكم ، فاكثر " الخلفاء الراشدين " لديه قامت سلطتهم على اثر القوة المادية او على اثر قواعد الغلبة والقهر كما يقول حيث للخليفة احاطة تامة بالرماح والسيوف والجيش المدجج والبأس الشديد ، وبهذه القوة وليس غيرها يرتكن الحاكم الى الامان والاستقرار والاطمئنان على مركزه (٥)
حتى ان فكرة اهل الحل والعقد والخلافة على أساس البيعة الاختيارية لا تستقيم عنده ، اذ دائما ما يؤكد على الخلافة ضمن شروطها المسلحة ماديا في تثبيت نظام الحكم متأثرا هنا بلغة الفلاسفة حول طبيعة الحكم وتكوين الملكية بحماية الجنود او كما يقول ارسطو " الملك نظام يعضده الجند " (٦)
وهذه الحماية المسلحة ذات استمرارية زمنية طيلة التاريخ الاسلامي ولا تكاد تخرج فترة زمنية من حلبة الصراع هذه وامتلاك السلطة بالقوة المادية المسلحة لتأتي بعدها المثل والمعنويات اللازمة لتثبيت الحكم وبالطبع بمساعدة الانصار والموالين من رجال الدين والفاعليين السياسيين القبليين .

ونزع السلطة السياسية من جذورها الدينية يساعد على تجاوز حقب الاستبداد وذلك ما حاول الشيخ علي عبد الرزاق الكشف عنه من خلال تبينة إن ربط السياسة بالدين يولد الاستبداد والاخير يخلق هيمنة على العلم والعلماء والحريات كافة .


نقد الدولة _ دولة النقد

البحث عن دولة حديثة ناقدة (٢_٥)

ولا يكتفي الشيخ علي عبد الرزاق بنزع الديني من السياسي الاسلامي فحسب بل يصل إلى نزع الاجتماعي منه ذلك الذي يقول إن الأمة او المجتمع الاسلامي هو الاساس في اختيار الحاكم من خلال شروط البيعة ، وهنا ينفيها نفيا كبيرا ، حيث دائما ما تأتي شروط البيعة بالاكراه والتخويف والترغيب وبالتالي تخرج من شروطها الاختيارية البشرية ، وهكذا يتقدم الشيخ علي في الكشف عن مضامين الحكم في الاسلام ضمن صور نقديّة مغايرة للتقليد الاجتماعي واصلا الى اعتبار عهد النبوة ذاته عهدا سلطويا من اجل تكوين الحكومة الاسلامية حيث لا يمكن ان تقوم حكومة إلا من خلال اثر السيف وبحكم القهر والغلبة ، اذ يعد ذلك هو سر الجهاد النبوي ومعناه كما يقول (٧)
وما وجود الغنائم والسبايا والارقاء وكثرة الاموال المستحصلة إلا وسيلة في دعم وتثبيت نظام الحكم بالشكل الذي لا يجعل إطار ومحتوى الرسالة قائما على مفاهيم التبليغ والدعوة الى الحكمة والموعظة والايمان بالإسلام بل يضاف إليها إطار ومحتوى مفاهيم الجهاد واستخدام القوة والعنف في تحقيق المآرب والاهداف ، وهنا تكتمل ثنائيّة المادة والمعنى ، السيف والقلم في الانطلاقة الواحدة او " فيما بعد الفوهة الواحدة بعد ان استبدل السيف بالبندقية " التي ظلت راسخة لدى العربي الغازي المحتل بشكل مصغر داخل القبيلة او بشكل مضخم لدى الامم والبلدان الاخرى .

بالرغم من تخلي الشيخ علي عبد الرزاق من فكرة الزعامة السياسية للنبي فيما بعد وحصرها ضمن شكلها الديني القائم على التبليغ وايصال الرسالة من خلال ادوات السلم والحكمة والموعظة ، نقول ذلك من اجل ان ينزع من الحكام اللاحقين اي اثر ديني لهم ، حيث يتمسك بدعوى الرسول للمسلمين بحرية اختيار نظام الحكم فهم ادرى بشؤون دنياهم ، يبقى اثره الموسوم في كتابة الاسلام واصول الحكم دعوة إلى نزع الديني من كل اثر سياسي ما عدا دعوة الرسول التي وضح في بعض الفصول بانها بم تكن منفصلة عن اثرها السياسي ضمن خيارات الجهاد الاسلامي ، ورغم ذلك يبقى هذا الاثر مهم جدا في تصفية الماضي السياسي من كل بعد روحي زائف ما زال يسوغ هنا وهناك ويؤسس للمزيد من استخدام عواطف الكذب الاجتماعي والسياسي لدى هذه الدولة الدينية او الطائفية او العرقيّة في البلدان العربية الاسلامية .




المصادر :-

٥_ علي ، عبد الرزاق / الاسلام واصول الحكم / مطبعة مصر شركة مساهمة مصرية / الطبعة الثانية ، ١٩٢٥ / ص ٢٥

٦_ المصدر ، نفسه / ص ٢٦
٧ _ المصدر ، نفسه / ص ٥٣

#وليد_المسعودي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل