أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آزاد أحمد علي - بداية نهاية الدور المركزي لأوربا؟















المزيد.....

بداية نهاية الدور المركزي لأوربا؟


آزاد أحمد علي

الحوار المتمدن-العدد: 7338 - 2022 / 8 / 12 - 14:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


آزاد احمد علي
تفاعلت مجموعة من العوامل والمؤثرات على الساحة الدولية، وكذلك جملة من التراكمات الاقليمية لإزاحة أوربا نسبيا عن موقعها الجيوتاريخي، وبالتالي عن صدارة المشهد، مشهد قيادة وتحديث وحتى توجيه عالمنا المعاصر. لدرجة أن بات الدور الأوربي موضوع تقييم وشك، خاصة من زاوية، القدرة على أداء وظيفتها الريادية المركزية، كما كان طوال القرون والعهود الماضية. حدثت هذه الإزاحة في سياق إعادة تموضع وتمركز القوة والسلطة والرأسمال، فضلا عن تقنية انتاج السلاح على أطراف الساحة الدولية. فأوربا كانت ومنذ القرن السادس عشر مركزاً للفكر والعلم، للطباعة والأهم مركزاً للصناعة.
عملية التقييم هذه تنبثق بصيغة ما من الحدث الأوربي الراهن، والأبرز، أي الغزو الروسي لأوكرانيا، وبالتالي سعي روسيا لتحطيم جدار السلم الاعتباري بينها وبين دول الغرب الرأسمالي. فالحرب الروسية الأوكرانية أفصحت بيسر عن أنها حرب بين ما تبقى من النظام الشرقي المتبلور خارج سياقات المنظومة الليبرالية الأوربية بقيادة روسيا من جهة، والنظام الأوروأمريكي المركزي الذي وصل الى ذروة قوته المعنوية والعسكرية ابان انهيار الحكم السوفيتي (المعسكر الاشتراكي) مطلع تسعينيات القرن العشرين. فالارتداد الروسي العسكري جاء كصيغة من صيغ الرفض لحالة الركون والستاتيكية التي صبغت علاقة الشرق الناهض (الصين – روسيا) مع الغرب المهيمن، المستظل بمظلة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وكذلك بالتحالف المدني - السياسي بين الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية.
يمكن مقاربة وتوصيف الحالة المتولدة في الأشهر الأخيرة بخلاصات ومقدمات نظرية بسيطة، تكمن في حقيقة أن كل المعطيات والمؤشرات على الساحة الدولية قد تغيرت تماماً في الثلاثين السنة الأخيرة التي تلت تفكك النظام الشيوعي في روسيا وانفكاك رابطة دول أوربا الشرقية من حولها. ولم يكن التغيير نصيب هذه المنظومة التي توزعت على الليبرالية وأنظمة حكم برلمانية شبه ديمقراطية، بل أوربا نفسها قد تغيرت اقتصاديا وتكنولوجياً وفكرياً، فقد تصاعدت تيارات الاشتراكيين الديمقراطيين والخضر، وانشغلت مجتمعات اوربا بتفاصيل ترفيهية عالية النخبوية. بالتوازي مع ذلك ازداد الشرق تنظيما وسكاناً وسلاحاً وتماسكاً داخلياً، خاصة الصين، الصخرة الكبيرة الساندة للنهوض الروسي الجديد.
من هذه المقدمات والاختلالات يستشف ولادة الاضطرابات. لقد انسحبت بريطانيا من الاتحاد الأوربي، وأهانت إدارة ترامب الأوربيين في جزئية حمايتهم من القوة الروسية، كما ظلت المانيا منشغلة باقتصادها... هذه العوامل والكثير غيرها تفتح أبواب التغيير والتصادم، في الوقت الذي كنا نعتقد بأن أوربا قد طوت صفحة الحروب والصراعات الى الأبد. ربما توهم الكثير منا بهذا الافتراض، لكن القارة والمجتمع الذي فجر حروب عديدة كان آخرها الحربين العالميتين بضحاياها الذين تجاوزوا عشرات الملايين بين قتيل ومعوق، ورثتها مجتمعات أوربا اليوم. للأوربيين أيضاً دولهم العميقة، منظوماتهم الأمنية والعسكرية، مصالحهم الاقتصادية، تناقضاتهم الداخلية والخارجية، وبالتالي استعدادهم وقابليتهم على خوض الحرب.
الشرارة الأوكرانية، شكلت صدمة لتستفيق أوربا على واقعها الجديد، قارة قد تراجعت ديمغرافيا وعسكريا وباتت تستند على دعم دولة عسكرية كبرى كأمريكا، ودولة أخرى هي من تراث الماضي الإسلامي الاستبدادي المناهض تاريخيا لأوربا، أي تركيا. وهنا أيضا يكمن جانب من المأزق الأوربي.
أوربا الحائرة:
اكتشفت أوربا ربما ليس فجأة وانما بصيغة صادمة أن مركزيتها ودورها التاريخي الريادي على المحك، وربما بات من الماضي المجيد. لذلك ستعمل للمحافظة على امنها وسلم مجتمعاتها الداخلي في المقام الأول، فالمعارك تدور بالقرب من شورع اوربا الوسطى وحتى الغربية، وحرب أوكرانيا ليس مجرد حدث عابر، ولا خطأ في حسابات دولة، أو مجرد نزوة لرئيس يفكر بأمجاد القيصرية. الحرب الأوكرانية تعبير عن نهاية منظومة توزان وتفاهم سياسي على الصعيد الدولي، وهي بداية لتفعيل مرحلة جديدة، سواء من الصراعات أو التفاهمات، وصولاً الى ضرورة صياغة نظام عالمي سياسي وقانوني جديد.
تحركت قيادات أوربية لتطويق الحرب الأوكرانية ولمواجهة تمدد روسيا، وللتأكيد للحليف الأمريكي وحتى البريطاني بأنه لدى أوربا من القوة والوحدة والإرادة ما يؤهلها أن تبقى صاحبة المبادرة والدور المركزي. لذلك عقد اجتماع مهم في كييف عاصمة أكرانيا، بين كل من المستشار الألماني أولف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، وكذلك الرئيس الروماني كلاوس يوهانيس يوم 16 حزيران الماضي. دلالة الاجتماع كانت واضحة ومتعددة الجوانب: قد أشارت شكلاً الى أجواء الحرب، حيث لا استقبال ولا مراسم ولا سجاد أحمر في المطارات. كم شكلت خطوة سياسية أولى منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في أواخر شباط 2022، خطوة أوربية جماعية متأخرة نسبياً، الا انها خطوة جادة للتضامن السياسي الميداني مع أوكرانيا، ومحاولة انقاذها ولو جزئياً من بين أذرع النمر الروسي بوتين. وهذا ما تبين من مؤتمرهم الصحفي اذ لم يبدو أي من الرؤساء متفائلا أو حتى متوعداً حازماً في التعامل مع الانعطافة الكبرى التي تتجه نحوها أوربا. لدرجة أن عبر عن ذلك المناخ المتشائم الرئيس الأوكراني ملخصاً المشهد: ليس هنالك زعيم أوربي قادر أن يوقف بوتين عند حده. وفي اليوم التالي لم تضيف زيارة رئيس وزراء بريطانيا جونسون أي جديد، سوى تشجيع المقاومة الأوكرانية ضد روسيا. وحتى اجتماع الناتو الأخير في مدريد لم يكن ذات وزن عملي الا من زاوية تحديد العدو بدقة.
يمكن تلخيص والتكثيف بأن الحرب التي تجري على أرض أوربا وتتعرض أحد أكبر دولها مساحة للقضم والضم وإعادة التشكيل على يد قوة عسكرية ودولة اسيوية وشبه أوربية هي روسيا ستؤثر على كل أوربا، وعندما تؤثر أي ظاهرة سياسية أو عسكرية أو حتى فكرية على اوربا فبالضرورة سيتأثر العلم كله به، وسيترجم عملياً كتغيير عميق في البنى والنظم السياسية على الصعيد الدولي.
لذلك نفترض أن دور أوربا المركزي منذ معاهدة ويستفاليا سنة 1648م وحتى الحرب العالمية الأولى قد بدأ في الانتهاء، بمعنى قدرتها على التجديد والريادة منذ القرون الوسطى، والتأسيس للدول القومية والتأثير على العالم وصياغته مطلع القرن العشرين.
أوربا ليست موحدة تماماً في الموقف من كيفية مواجهة روسيا، لكن أغلب نخبها وقادتها أدركوا اليوم بصيغ متفاوتة أنهم أمام جار قوي وجديد، جديد بمسعاه الانقلابي، اذ لم تعد روسيا حجرا ثقيلاً وباردا في توازن القوى العالمية، وانما صخرة ملتهبة تتدرج وقد تحرق وتهدم الكثير من بنيان النظام الأوربي فالعالمي.
تبدو أوربا وكأنها لم تقرأ المشهد المعقد بدقة، لذلك تبدو حائرة وخائفة، فهي على مفترق طرق صعبة. لقد تركتها بريطانيا وادارت ظهرها، حتى أغلقت الحدود في وجه المواطن الأوربي الا بالفيزا... وأمريكا طبخت (الطبخة - اللعبة)، وقد يسرها أن يظل الصراع أوربياً - روسيا لحين استثماره لصالح خططها المستقبلية.
أوربا والعالم أمام عهد جديد، وقد بدأت مرحلة خطرة بالنسبة للمجتمعات الأوربية التي ركنت للسلم والسكينة وحياة الرخاء لعهود طويلة. الساسة الأوربيين محتارون اليوم، فثمة صعوبة في اختيار اتجاه ومسار الحركة؟ لأن كل الخيارات صعبة، العسكرة، أو الاستسلام للإرادة الأمريكية والانضواء التام تحت راية الحلف الأطلسي الذي وصفه ماكرون منذ عدة سنوات بأنها (ميتة سريرياً). الخيار الأصعب السماح لروسيا البوتينية بدعم صامت من الصين التمدد غرباً والتوغل داخل أوربا عن طريق تحقيق النصر عسكرياً.
مهما تكن الخيارات الأوربية فقد انتفضت روسيا في وجه النظام العالمي المهيمن واختارت التوقيت والمكان المناسبين. قالها بوتين بوضوح شديد قبل أيام: "ان زمن الهيمنة ونظام الأحادي القطب قد انتهى". وقالها ثانية (ان العالم قد تغير). فضريبة مواجهة الآلة الحربية الروسية باهظة بالنسبة لأوربا منفردة. واحتمالات الحرب والعسكرة واردة، باقي القرارات والخيارات كلها صعبة، فالمواقف التاريخية صعبة الصياغة، خاصة في ظل غياب أحزاب جماهيرية وقادة سياسيين كبار.
ان كانت اوربا مصدومة وحائرة فهذه مشكلة، لكن المشكلة الأكبر أن الرئيس الشاب زيلينسكي الذي مارس الكوميديا والدراما، يتحرك بأدوات غير سياسية، وغير معرفية وكأنه لم يفهم ولم يستوعب (الجيوبوليتيك التاريخي) لأوربا ولروسيا بشكل خاص، ويفترض أن جوهر الصراع ثنائي وعسكري ومن الممكن ردع أو هزيمة روسيا التي أعدت نفسها ربع قرن لهذا المنعطف والانقلاب التاريخي الكبير. فسواء كان بوتين مريضاً بالسرطان وعمره الجسدي قصير، أو مختلاً نفسياً ويتقمص شخصية بطرس الأكبر، فقد نفخ في روح القومية الروسية وزعزع النظام العالمي الرتيب تحت قيادة اوربية – أمريكية، وقد لا يكتفي بهذا القدر.
مع افتراض انتهاء أو تراجع دور أوربا المركزي المشكلة تكمن في أن مركز العالم المستقبلي لم يعد واضحاً في ظل التخبط الأمريكي، والصمت الصيني المريب.
تظل أزمة أوربا هي أزمة آليات اتخاذ القرار، فالقرار في الدول الأوربية ليست محصورة بيد الرئيس أو زعيم هذا الحزب أو ذاك. بالتالي تفاقم الأزمة قد توحي، حتى للمفكرين والقادة المدنيين من أنصار السلام، أن التسلح والعسكرة والعودة الى المصالح الوطنية وحمياتها هي الخيار الذي لا بديل عنه وعندئذ يكون الطريق الى الحرب سالكة وان لن تتضح الاتجاهات تماماً. وأوربا التي تدخل الحرب ليست هي التي ستخرج منه. وعلى الأرجح بدأ زمن القارة المريضة، وطويت صفحة القارة العجوز.



#آزاد_أحمد_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظاهرة شاهسوار الشعبوية
- في هذا البيت
- 99 سنة على معاهدة الغدر
- أوربا الحائرة في ذكرى ولادة القيصر الأكبر
- مئة مليون لاجئ: المجتمع الدولي في مواجهة كارثة الهجرة
- من سيكتسح العالم بوتين أم بتكوين؟!
- معركة عفرين مستمرة
- الليبرالية والبيروقراطية وزجاجة الويسكي اليابانية
- حكومة ألمانيا اليسارية الى أين؟
- كهوف هايدراهوداهوس: مفرقات سليم بركات اللغوية
- تخليص الجامعات من هيمنة الأحزاب
- تعهد أو اتفاقية الميتان (Methane Pledge) كمدخل لنجاح قمة غلا ...
- اليسار يتقدم أوربيا: أخلاقيات مواجهة الرأسمالية تنتعش
- خطوات ماكرون المتعثرة من لبنان إلى كوردستان
- مؤتمر بغداد خطوة نحو التضامن العربي
- معضلة الهجرات التاريخية لدى النخب السياسية العربية
- وزارة الحب او رواية -ألف وتسعمائة واربع وثمانون-
- هل نستطيع النجاة من دون النساء؟
- الألقاب مؤشرات مهن أم أوسمة: الأكاديمي نموذجا؟
- في حضرة الكناس


المزيد.....




- الاتحاد الأوروبي يخضع -ميتا- للتحقيق.. ويوضح السبب
- مدينة طنجة المغربية تستضيف يوم الجاز العالمي
- ?? مباشر: آمال التوصل إلى هدنة في غزة تنتعش بعد نحو سبعة أشه ...
- -خدعة- تكشف -خيانة- أمريكي حاول بيع أسرار لروسيا
- بريطانيا تعلن تفاصيل أول زيارة -ملكية- لأوكرانيا منذ الغزو ا ...
- محققون من الجنائية الدولية حصلوا على شهادات من طواقم طبية في ...
- مقتل 6 جنود وإصابة 11 في هجوم جديد للقاعدة بجنوب اليمن
- لقاء بكين.. حماس وفتح تؤكدان على الوحدة ومواجهة العدوان
- زيارة إلى ديربورن أول مدينة ذات أغلبية عربية في الولايات الم ...
- الرئيس الصيني يزور فرنسا في أول جولة أوروبية منذ جائحة كورون ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آزاد أحمد علي - بداية نهاية الدور المركزي لأوربا؟