أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء موفق رشيدي - طعم الإسمنت لزياد كلثوم شعرية البناؤون السوريون في لبنان















المزيد.....

طعم الإسمنت لزياد كلثوم شعرية البناؤون السوريون في لبنان


علاء موفق رشيدي

الحوار المتمدن-العدد: 7340 - 2022 / 8 / 14 - 00:54
المحور: الادب والفن
    


طعم الإسمنت (زياد كلثوم) : شعرية البناؤن السوريون

فيلم (طعم الإسمنت، 2018) للمخرج السوري (زياد كلثوم)، الفيلم من إنتاج مؤسسة بدايات للإنتاج السمعي بصري، و Basis للفيلم الألماني، وبدعم من آفاق الصندوق العربي للثقافة والفنون، هذا التعاون على مستوى الإنتاج أثمر (طعم الإسمنت ) الذي حاز جائزة على 22 جائزة عالمية، أهمها جائزة أفضل فيلم وثائقي في سويسرا، وفي مهرجان دبي السينمائي.

منذ اللقطات الإفتتاحية الأولى على تضاريس صخرية، وبحركة كاميرا بإيقاع بطيء، يعلن المخرج كثلوم بأننا أمام فيلم يحمل الكثير على مستوى التشكيل البصري للصورة. كأن اللقطات الأولى تعلن عن نوع سينمائي ينتمي إلى المتعة البصرية التشكيلية؛ لقطات حيث الإسمنت ينتشر كمياه نهر ليغطي كامل الكاميرا، تشابك أسلاك الحديدية التأسيسية في البناء والعمارة، انعكاسات الظل والنور على وجوه الشخصيات الأساسية في الفيلم، والإضاءة والعتم في المساحات التي تصورها الكاميرا كمكان إقامة الشخصيات الرئيسية. إذاً، إنها الجمالية الشعرية تلك التي يقترحها المخرج من مشهدية اللقطات الأولى، لكنها لا تعتمد على الصورة فحسب، فجهود ممتازة قدمت أيضاً لأجل الشريط السمعي للفيلم، تجعل من الأسلوبية السمعية مجالاً هاماً أيضاً للحديث عن جماليات الفيلم، سنتطرق إليها لاحقاً.

مع الشريط البصري للفيلم، الغير مبني على تتالية سردية بالضرورة، يرافقنا صوت لسارد وحيد يروي ذكرياته عن والده الذي كان عامل بناء في بيروت، بينما يعيل أسرته التي يعود إليها بين الفترة والأخرى في سورية. اللقاءات العابرة مع الأب العائد من السفر هي ذكريات السارد، والتي ترافقها في الذاكرة رائحة وآثار الإسمنت على الأصابع واليدين. يرافقنا صوت السارد على طيلة دقائق الفيلم ال 85 د، هو يقدم تنويعات على طعم ورائحة الإسمنت، على الربط بين الذكرى والحاضر، على معنى رائحة الإسمنت في العمران والبناء وعلى أثره في التدمير والحروب والخراب.

الشخصيات التي نتابع حياتها اليومية، أي الأبطال الصامتون دوماً للفيلم، هم العمال البناؤن السوريون العاملون في قطاع البناء في لبنان والذي تقدم الإحصائيات أعدادهم بين 600 – 800 ألف، وهو ما يقدر ب 85 % من اليد الأجنبية العاملة في لبنان.

كأي فيلم وثائقي من تيار الإلتزام الفني، يضيء ( طعم الإسمنت ) على الشروط الإنسانية لهذه المهنة، مثلاً على التمييز الممارس على هؤلاء العمال في الأحياء المجاورة لأماكن عملهم، حيث توضع التحذيرات الرسمية التي تمنع على العامل السوري التجول بعد الساعة السابعة ليلاً، لافتات تحذيرية تلتقطها عدسة كاميرا الفيلم معلقة قرب أماكن عملهم.

رمز الفيلم لحياة هؤلاء العمال اليومية بلقطة تبينهم يخرجون صباحاً إلى عملهم من حفرة تحت الأرض حيث ينامون، ومن ثم لقطة ثانية تبين عودتهم للدخول تحت هذه الحفرة عند نهاية النهار. تجاور لقطات يرمز إلى رتابة حياتهم واقتصارها على العمل، أما الليل فهو لمتابعة أخبار وفيديوهات الخراب الذي يحل بمنازلهم في سورية، هذه المفارقة التي يلعب الفيلم عليها بذكاء طويلاً، إن العمال السوريون يتفرجون على دمار منازلهم في سورية، بينما يبنون أبراجاً ليست لهم في لبنان.

تتشابه القضايا الإنسانية في شروط عمال البناء في الكثير من دول العالم، حيث شروط العمل اللا إنسانية، والإستغلال، وغياب أي حق في الحصول على الأوراق الرسمية الضامنة لحقوقه. لكن الموضوعة التي ركز عليها الفيلم والتي تميز تجربة العامل السوري في لبنان، هي تجربة مشاهدة التدمير التي يعيشها كل السوريين ومن بينهم عمال البناء. فالعامل السوري شهد كيف دمرت مدن وبلدات وأحياء كاملة في سورية، بناءاً بناءاً، فكيف كان تأثير ذلك عليه ؟ كيف يفكر البناء السوري في مهنته بعد أن عرف ماذا يعني أن تدمر قوىً مناطقة كاملة من الأبنية والعمارات ؟ كيف أصبح يفكر مهنته بعد هذه التجربة ؟ هذا السؤال الذي يتمنى المتلقي في الفيلم لو أن بإمكانه الدخول إلى ذهن الشخصيات للحصول على إجابته. لكن الكاميرا تجيبنا أكثر من مرة، بأن تصور مشاهد وفيديوهات الدمار معكوسة في داخل حدقة العين المشاهدة، تصور الكاميرا الكثير من بوتريهات الوجوه بالكلوز آب المقرب، ليستشف المتلقي من التعابير، وإضاءة الظل والنور، وتضاريس الوجوه، ما يتمنى الحصول عليه فضولاً من أجوبة. وهنا يكون الفيلم قد بلغ أعلى درجات السرد المعتمد على العنصر البصري وحده.

المتعة البصرية التي يقدمها الفيلم، كاميرا (طلال خوري)، هي تلك الزوايا التي توضع فيها الكاميرا عند أعلى نقطة في رافعات البناء و ترك الكاميرا تتحرك صعوداً ونزولاً مع سقالات الأبراج التي تطل من أبنية بإرتفاعات شاهقة على كامل مدينة بيروت، وكذلك البحر يحضر في الحكاية وفي متعة بصريات الصورة، لأن النص الذي يرويه السارد يحوي حكايةً عن البحر، بالنسبة لطفل سوري لا يعرف البحر إلا من صورة يعلقها أبوه في مطبخ البيت جالباً إياها كهدية من بيروت.

المؤلف الصوتي للفيلم (سباستيان تيش)، يقدم عملاً استثنائي الجودة في تخصيص مساحة واسعة للتجربة السمعية في الفيلم، بدءاً من تمرير الوقت لأذن المستمع مع أصوات الآلات المعدنية، المناشير الكهربائية، أصوات عواميد رافعات البناء، وأصوات المصاعد المعدنية الصاعدة والمتحركة. أما على مستوى الموسيقي، فموسيقى إلكترونية مينمالية، تبدأ من أدنى العلامات الموسيقية، لترافق مجموعة اللقطات البصرية المصممة لمرافقتها، وصولاً إلى أعلى والأكثر حدة من العلامات الموسيقية. هذا الأسلوب في العمل الموسيقي والصوتي بالترافق مع الإيقاع البصري، ينتمي إلى تيار فني يجعل من الفيلم السينمائي كتجربة وجدانية – سمعية – بصرية يعيشها المتلقي.

تجربة شاقة للمتلقي أيضاً تلك الجرعات العالية من القسوة الذي يتجرأ المخرج على الذهاب إلى أقصاها. تتجلى جرعات العنف في موضعين : الموضع الأول حيث تتجاور لقطات من جدلية التهديم والتعمير، لقطات لأعمال البناء بالمطارق والمعاول، لقطات للعمال يرصفون الحجر فوق الآخر، تليها لقطات توضع فيها الكاميرا على فوهة دبابة، تطلق النار من الفوهة، وكأن القذيفة تسقط على ما بني للتو في اللقطات السابقة. هذا التجاور بين العمران والهدم يقدم بتقنيات سمعية بصرية تجبر المتلقي على التفكير الذهني بما تحاول الصورة والصوت بمجاورته من مفاهيم.

الموضع الثاني حيث يقسو الفيلم على المتلقي، في تلك اللقطات التي اختارها المخرج من عمليات إنقاذ العالقين تحت ركام الأبنية في الأحياء والمدن المدمرة في سورية، صرخات الأطفال من تحت الأنقاض، صراخ عمال الإنقاذ للتواصل معهم، عويل، بكاء مفجوع، مع كاميرا تجول في عتمة ما تحت الركام والأنقاض حيث محاولات إنقاذ المنكوبين.

لعبة الزمن بين الشريط الصوتي والشريط البصري، تتالي اللقطات المختارة بعناية مع تصاعد موسيقي تراكمي، تسيير إيقاع الفيلم على إيقاع الكاميرا في المصاعد والرافعات، هي التقنيات التي يعمل عليها المخرج لخلق التجربة المشاعراتية والذهنية التي يريد المخرج إيصالها عبر فعل مشاهدة الفيلم.

الشعرية قادت المخرج أحياناً إلى تطويل إيقاع بعض المشاهد، التكرار، وإلى تصوير لقطات تحت سطح البحر لدبابة عسكرية وضعت تحت سطح البحر قرب بيروت، يتابعها المتلقي عبر الشاشة وقد بدأ انتشر المرجان على سطحها المعدني، ليتهشم حديدها من تفاعلها تحت مياه البحر، هذه المجموعة من اللقطات بدت خارج سياق السرد، ولا ترتبط بأياً من تأويلات الفيلم في سياق تتالي مشاهده السردي، إلا إذا كان المخرج يريد القول منها بأنه حتى آلة التدمير المعدنية الدبابة، تأتيها عوامل الزمن فتتحلل تحت مياه البحر حيث دفنت قرب شواطئ بيروت.

( طعم الإسمنت ) هو التجربة الثالثة لمخرجه (زياد كلثوم) الذي حقق سابقاً فيلم (آي دل، أيها القلب، 2011 ) تناول موضوعة الموسيقى الكردية في سورية، ولم يتم السماح بعرض الفيلم في حينها، وفيلمه الثاني ( الرقيب الخالد، 2014 )، الذي اعتبر تجربة مميزة سردياً، حين تابع فيه المخرج وثائقياً موقع تصوير فيلم آخر يعمل فيه الكلثوم كمساعد مصور للمخرج (محمد ملص)، إننا نتابع أسلوب الفيلم داخل الفيلم، كما هو معروف عن المسرح داخل المسرح، ولكن من خلال تصوير موقع تصوير فيلم آخر، حاول زياد كلثوم أن يعكس التضاد والتعارض للآراء السياسية في المجتمع السوري، من خلال لقاءات وأسئلة مع العاملين في موقع التصوير يدمجها مع سرد لحكاية أخرى عن مجند في الجيش يعيش ألماً حاداً من تجارب العنف، ويحاول الفرار من الخدمة العسكرية ليحمل الكاميرا بدلاً من السلاح، ولتصبح مقولة الفيلم أن السينما هي ذلك الرقيب الخالد.

علاء رشيدي

نشر النص على موقع راديو سوريالي ولكنه لم يعد موجوداً بعد.



#علاء_موفق_رشيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجسد في الفن التشكيلي السوري المعاصر للباحث محمد عمران
- شهادات وتجارب موسيقية من الراهن السوري: أثيل حمدان، كنان الع ...
- بين الجزائر وسورية : هل وقع ما حدث فعلاً ؟
- كيف ينشأ الإرهاب من خلال اللغة ؟ عتبات العنف
- أفول الثورات لغاسيت والربيع العربي
- لو أن مسافراً في ليلة شتاء: متاهات القارئ في تأليف الرواية
- الرواية كنسق معرفي، والقراءة كفعل إبداعي
- الثقافة والفن بين الصلابة و السيولة
- الثقافة حاجة بيولوجية للأجيال
- - اللامرئي - في الفكر، الفن، الأدب والموسيقى
- - لماذا الحرب ؟ - بين ألبرت آينشتاين، وسيغموند فرويد.
- - مماثل للحياة الإنسانية - معرض تغريد درغوث : تشكيل موّحد لم ...
- مهرجان حرش بيروت 2018 : الإهتمام بمسرح المقولات السياسية وال ...
- واقع حرية التعبير في لبنان
- الأمسية الثانية للأفلام اللبنانية القصيرة 2018
- - إيروتيكا - باللغة العربية
- عن الفنون الفردية السورية وآليات إنتاجها بين عامي 2012 – 201 ...
- فيلم - الآن: نهاية الموسم -، محطة المهاجر بين البياض والماء
- مسرحية (صاحب الصورة المشهورة ) : تماهي المتلقي بين المنقذ وا ...
- المغامرة السريالية


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علاء موفق رشيدي - طعم الإسمنت لزياد كلثوم شعرية البناؤون السوريون في لبنان