أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - نحو رؤية وسياسات حول الأمن الغذائي والاقتصاد الفلسطيني .. خروجاً من المأزق الراهن















المزيد.....



نحو رؤية وسياسات حول الأمن الغذائي والاقتصاد الفلسطيني .. خروجاً من المأزق الراهن


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 7322 - 2022 / 7 / 27 - 11:02
المحور: القضية الفلسطينية
    


(ورقة مقدمة الى ورشة دائرة العمل والتخطيط الفلسطيني المعقودة بتاريخ 27/7/2022 في مقر مركز التخطيط الفلسطيني)
 
- بداية أشير إلى أن وعي الواقع الراهن بكل أبعاده وتفاصيله ، يحتاج إلى تفاؤل الإرادة وتشاؤم العقل الذي من شأنه أن يكون محفزاً للإرادة المتفائلة.
-  وحينما نتحدث عن الواقع الراهن أو المستقبل ، فإننا جميعا ندرك أننا نتحدث عن أحوال ومتغيرات تحققت أو مستجدات ومتغيرات مستقبلية لم تتحقق بعد ، ولكنها ستحدث بالضرورة بشرط دراسة كافة احتمالاتها منهيجاً وعلمياً، بما يضمن تحقيق الأهداف والنتائج التي نريد لها أن تتحقق من خلال دراستنا المستقبلية لكافة الاحتمالات والمتغيرات في الظروف السياسية والاقتصادية  والاجتماعية، وفق طبيعة الدور الإنساني وإرادته وموقفه تجاه عمليات التغير والمستجدات ، وبالتالي فإن السؤال هنا ، ما هو دورنا فيما يحدث من حولنا ، وما سيحدث ؟ مدركين أن هذا الدور مرهون دوما بحجم القوة المتاحة وبالرؤية الموضوعية العلمية التي ينظر إليها وينطلق منها كل فريق نحو عملية التغيير والظروف المحيطة بها .
وها نحن اليوم في رحاب مركز التخطيط الفلسطيني التابع لمنظمه التحرير الفلسطينية مدعوين لمناقشه تحديات الامن الغذائي وارتفاع الاسعار في فلسطين، الأمر الذي يفرض علينا بقوة مناقشة هذا الموضوع الهام بالترابط مع الاطار الاوسع والاشمل للتحديات الكبرى الوطنية والاقتصادية والمجتمعية الفلسطينية ، لم يتفكك خلالها اقتصادنا فحسب ، بل تفككت هوية شعبنا الوطنية وتفككت قضيتنا وتفكك مجتمعنا ، خاصة مع قضايا تندرج تحت عنوان التحدي سواء كان تحدي الامن الغذائي او تحدي العديد من القضايا المطلبية مثل تحدي البطالة والفقر وتحدي المياه والكهرباء وتحدي الاستبداد والفساد ..الخ (على سبيل المثال منذ عام 2016 تم تعطيل تنفيذ مشروعي تحلية المياه بمساحة 100 دونم لتأمين 110 مليون متر مكعب، كما تم تعطيل مشروع الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء لتشغيل محطة التحلية على مساحة 80 دونم بطاقة 14 ميغا ، وقد جرى تعطيل المشروعين الاستراتيجيين على الرغم من الموازنة المخصصة بكلفة 600 مليون دولار ، وعلى الرغم من ان تنفيذ المشروعين سيوفر آلاف فرص العمل ، ولا أعرف أن أحداً من فصائل المعارضة اطلع على التفاصيل أو طالب جدياً بضرورة تنفيذ المشروعين)[1] .
على أي حال ، إن الاشكالية الضخمة في حديثنا اليوم تتعلق بعدد من التحديات التي شكلت – ومازالت – مخاطر جدية على  راهن ومستقبل شعبنا وقضيته ونضاله ، أقصد بذلك تحدي الانقسام الكارثي الذي مازال جاثماً على الصدور ، وتحدي التفكك الذي اصاب قضيتنا ومجتمعنا وشعبنا واقتصادنا ، الى جانب تحدي الصلف العدواني الصهيوني وغطرسته وعنصريته ، وكذلك الامر تحدي النظام العربي الذي بات في حاله من التطبيع والخضوع للشروط الامبريالية الصهيونية لم يتخيلها أحد في أسوأ الكوابيس ، وتحدي العولمة في المرحلة الراهنة التي بات فيها كوكبنا الان بلا فكر وبلا مواقف للصراع الايديولوجي بين اطرافه ، حيث حلت المصالح الكبرى بين الإمبرياليات الكبرى والصغرى ، محل الصراع الايديولوجي دون اي اهتمام بقضايا الشعوب المضطهدة وحقها في الحرية والاستقلال كما هو الحال مع قضيتنا الوطنية ، بل بالعكس بات من الواضح ان النظام الامبريالي المعولم في اللحظة الراهنة سنداً وداعماً للاحتلال الصهيوني دون اي اعتبار للحق التاريخي لقرارات الشرعية الدولية .
-          المسألة الثانية ، التي أرى وجوب الإشارة إليها ، هي أننا لا يجب أن نتحدث أو نتناول قضايا الحاضر عموما ، والمستقبل خصوصا، بصيغة الإنباء أو التوقعات الافتراضية التي لا تستند على الواقع وحركته ، أو بصيغة التنبؤ بالغيب ، فهذه مهمة ساحر القبيلة أو كاهنها في عصور سابقة مضت، ولم يعد لها دور في الظروف المعاصرة ، أو في المستقبل رغم كل ما يتبدى – هنا أو هناك- من علامات أو مظاهر أتاحتها ووفرت مقومات صعودها عوامل التخلف والهزيمة والواقع المأزوم  .
-          لذلك فإن الحديث عن مستقبل الاقتصاد الفلسطيني في ظروفنا المعقدة ، هو في جوهره رؤية تقوم على قاعدة الاستشراف الملتزمة بالمنهج العلمي الذي لا يترك مجالا واسعا للاحتمالات وتنوعها ، ويوفر القدرة على تفسير الظواهر والأحداث استنادا إلى أسبابها الواقعية الملموسة المحددة بعيدا عن أية عوامل لا تمت لهذا الواقع أو ترتبط معه بصلة ، وأهم هذه العوامل او العقبات تتجلى في استمرار الانقسام الكارثي منذ خمسة عشر عاماً .
وبالتالي لا مستقبل لاقتصادنا الفلسطيني، وبالطبع لا مستقبل أبداً لقطاع غزة دون تحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام واستعادة وحدة شعبنا الوطنية التعددية في اطار م.ت.ف رغم كل ما أصابها من تراجعات بسبب أوسلو وما تلاه، ورغم كل ما تعرضت وتتعرض له من مظاهر التمزق والتفكك، إلا أنها تظل بالنسبة لنا الإطار الجبهوي السياسي والطبيعي والتنظيمي لوحدة كافة القوى السياسية الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا، التي تحتاج بالضرورة إلى عمليات قاسية وديمقراطية لاصلاحها واستعادة ثوابتنا الوطنية وفق ميثاقها، ذلك ان المكان الطبيعي لتحقيق النظام الديمقراطي لمجتمعنا الفلسطيني في المرحلة الراهنة هو منظمة التحرير وليس السلطة مهما كانت مسمياتها، وذلك لأن البديل في الظروف الراهنة هو استمرار انقسام قضيتنا وهويتنا واستمرار غرق مجتمعنا في حالة من الردة والانحطاط المرعبة، عبر همجية داخلية انقسامية تحفزها همجية خارجية تتجلى في مخططات التحالف الامبريالي الصهيوني بمساندة صريحة من معظم أطراف النظام العربي وبالتالي فإن انهاء الانقسام الكارثي واستعادة وحدتنا الوطنية التعددية تحت راية م.ت.ف، ستعزز إمكانيات شعبنا في مجابهة المخططات الصهيونية وتمكنه من مواصلة نضاله من أجل الحرية والاستقلال والدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس كحل مرحلي لا يلغي حقوق شعبنا التاريخية في ارض وطنه فلسطين.
حديثي عن الأوضاع الاقتصادية الفلسطينية إذاً ، هو في جوهره حديث عن وحدة الأبعاد الاقتصادية والسياسية والمجتمعية والجغرافية للأراضي الفلسطينية المحتلة ، الكفيلة  بتحقيق مفهوم الأمن الغذائي وفق الخطط التنموية، والامكانيات الاقتصادية المرتبطة  بقدرة القوى الاقتصادية المنتجة ، خاصة قطاعي الزراعة والصناعة عموماً  مع التركيز في الحالة الفلسطينية على ضرورة التوجه الفعال من اجل توسيع فعالية القطاع الزراعي خصوصاً ، ومواجهة التحديات التي تواجه القطاع الزراعي خاصة في الضفة الغربية (مساحة الأراضي الزراعية في الضفة 1.5 مليون دونم مقابل أقل من 100 ألف دونم في قطاع غزة) ، ومن ثم العمل على بناء القدرات البشرية والعمل على تحسين المنظومة والحوافز المادية للعاملين في القطاع الزراعي ، الى جانب التركيز على إعداد الدراسات الخاصة بالبحث العلمي الزراعي التطبيقي في كل مجالات الانواع النباتيه واشجار الفاكهة المروية وقطاع الخضراوات، الى جانب الاهتمام الشديد بالنباتات الرعويه التي تكفل مضاعفة قطاع الثروة الحيوانية وانتاجيته ومساهمته في الناتج الاجمالي .
في هذا السياق لابد من حل اشكالية التحديات الرئيسية في هذا الجانب ، وأهمها تحديات ندرة الموارد المائية ، وتحديات ندرة الموارد الطبيعية خاصة في قطاع غزة والضفة الغربية، الى جانب التحدي المرتبط بحالة التشوه في قطاع التسويق الزراعي المحتكر من مجموعة من التجار ، بسبب قصور او عدم وجود التعاونيات الزراعية ، وضعف فعالية الشركات المتخصصة  في الصناعات الغذائية ، أما التحدي الرئيسي فيتعلق بتطوير القدرات والموارد البشرية عبر تطوير جامعاتنا الفلسطينية، إلى جانب الاهتمام بالعماله الماهرة بشكل خاص وبأجور مرتفعة تحقق المردود الانتاجي العالي في القطاع الزراعي خصوصاً، وهو هدف قابل للتحقق بحيث يمكن توفير السلع الغذائية الاساسية من ناحية تطبيقاً لمفهوم الامن الغذائي الذي يتلخص في تأمين المواد الغذائية اللازمة لتغذية الانسان بشكل يلبي الاحتياجات الضرورية الاساسية لنمو الانسان وبقائه في صحه جيدة ، وكذلك مقدرة السلطة  أو الدولة على توفير مخزون من المواد الغذائية الاساسية (المُنتجة محلياً أو المستوردة في حال عدم توفرها) يمكن اللجوء إليه في حالة حدوث كوارث طبيعية تقلل من انتاج الغذاء او في حالة تعذر حصول الدولة أو السلطة على المواد.
الامن الغذائي إذاً هو حجر الاساس في الامن القومي الوطني الذي يمكن تعريفه بانه (تأمين كيان الدولة والمجتمع ضد الاخطار التي تهددها داخليا وخارجيا وتأمين مصالحها وتهيئة الظروف المناسبة اقتصاديا واجتماعيا لتحقيق الاهداف والغايات التي تعبر عن الرضاء العام في المجتمع) لأي دوله فتوفير السلع الغذائية بانتظام في المجتمع عامل مهم في الاستقرار الداخلي ولتوحيد الجبهة الداخلية في اي مجتمع من المجتمعات .
بناءً على ما تقدّم ، لابد من مجابهة العقبتين الرئيسيتين اللتان تحولان دون تحقيق الوحدة الاقتصادية والسياسية والمجتمعية  الفلسطينية وهما الاحتلال الصهيوني والانقسام الكارثي .
بالطبع يمكن تحقيق الوحدة بمضامينها المعنوية والمادية والسياسية إذا ما تم تجاوز الانقسام ودفنه ، حيث سنتمكن من توفير المقومات السياسية للوحدة الوطنية التعددية ضمن اطار ممثلنا الشرعي الوحيد م.ت.ف ، باعتبار  الالتزام بهذا الاطار عنصراً أساسياً – إن لم يكن شرطاً أولياً في مواصلة المقاومة بكل اشكالها الكفاحية والشعبية ضد الاحتلال-  وتوفير مقومات النضال من أجل حق تقرير المصير والاستقلال والعودة.
الأمن الغذائي وتقدير معدل الفقر :
الأمن الغذائي في الاراضي المحتلة 1967 : قامت منظمة الاغذية والزراعة بالتعاون مع الاونروا وجهاز الاحصاء الفلسطيني بتقسيم الأسر الفلسطينية أربع مجموعات في اطار الأمن الغذائي :
1.       أسر أمنة غذائياً : الأسر القادرة على تأمين استهلاك غذائي كاف دون الحاجة إلى استخدام استراتيجيات التكيف والمواجهة، مع القدرة على تأمين الاحتياجات الضرورية العالية وغير الغذائية.
2.        أسر آمنة غذائياً بشكل جزئي : الأسر التي تواجه خطر عدم القدرة على الحفاظ على استهلاك ما يكفي من الغذاء، والأسر التي لديها موارد مالية كافية ولكنها لا تستطيع توفير ظام غذائي بالمستوى المقبول.
3.       أسر تعاني انعدام الأمن الغذائي بدرجة متوسطة: الأسر التي تواجه صعوبات في توفير كمية أو نوعية الطعام المستهلك، وذلك بسبب محدودية الموارد المالية، وهذه الأسر غالبا متد إلى استراتيجيات التكيف والمواجهة لتأمين احتياجات الغذاء الضرورية.
4.       أسر تعاني انعدام الأمن الغذائي الشديد: الأسر التي تعاني فجوة استهلاك كبيرة ولا تستطيع في نفس الوقت ردم هذه الفجوة من خلال سبل التقنين أو آليات التكيف.
الفقر في الضفة الغربية وقطاع غزة : يعرف الجهاز المركزي للإحصاء الفقر باستخدام ميزانية الأسرة القياسية خمسة أعضاء : (اثنان بالغان وثلاثة أطفال) ، ويقدم مستويين للفقر في الضفة والقطاع كما يلي :
الفقر: تعتبر الأسرة فقيرة حينما تقل ميزانيتها الشهرية عن 2293 شيكل لتغطية تكاليف المأكل والمسكن والرعاية الصحية والتعليم والمواصلات والنفقات المنزلية الأخرى.
 الفقر المدقع : تعتبر الاسرة ضمن خط الفقر المدقع حينما تقل ميزانيتها الشهرية عن 1832 شيكل لتغطية تكاليف المأكل والملبس والمسكن .
يستفاد من إحصائيات منظمة الفاو أن 27.6% من السكان البالغين في الضفة الغربية وقطاع غزة  يعانون من مستويات متوسطة إلى شديدة من انعدام الأمن الغذائي ، مما يعني أن حوالي 709 ألف شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي وان حوالي 1.303 مليون شخص (60% منهم في قطاع غزة) يعيشون في أسر يعاني واحد من أفرادها البالغين على الأقل من انعدام الأمن الغذائي المتوسط إلى الشديد.  وأما انعدام الأمن الغذائي الشديد ، فقد بلغت نسبته في الضفة والقطاع 10% من السكان البالغين (ما يعادل 250.000 نسمة بنسبة 30% في الضفة و70% في قطاع غزة) ، ووفقا لبيانات الفاو يعاني 258 ألفاً من البالغين الفلسطينيين من انعدام الأمن الغذائي الحاد حوالي 70% منهم في قطاع غزة بسبب ارتفاع نسبة البطالة ، كما أن حوالي 495 ألف شخص يعيشون في أسر يعاني واحد من أفرادها البالغين على الأقل من انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد (وبنسبه لا تقل عن 70% في قطاع غزة).
في كتابه " سنوات التنمية الضائعة " يتناول الصديق د.مازن العجلة موضوع الفقر وإنعدام الامن الغذائي بقوله : ربما تكون مستويات المعيشة في المجتمع الفلسطيني عموماً وقطاع غزة على وجه الخصوص، من أكثر القضايا الاقتصادية والاجتماعية تأثراً بعدم الاستقرار السياسي وما تركه من ضعف في البنية الاقتصادية.
   ويضيف د.مازن قائلا :  أن الوضع في قطاع غزة  بالنسبة للفقر والامن الغذائي 2017أصبح أسوء بكثير مما كان عليه في العام 2011، فقد ارتفعت نسبة الفقر في قطاع غزة لتصل إلى 53% عام 2017، أي انها ارتفعت مقارنة بعام 2011 بحوالي 37% (من 38% إلى 53%)صاحب ذلك تزايد في معدلات انعدام الأمن الغذائي حيث وصل الى 54.8%.  .
كذلك ارتفعت نسب الفقر المدقع بين الأفراد في قطاع غزة، فقد بلغت 33.8% عام 2017 بينما كانت 21.1% عام 2011. أي انها زادت بنسبة 60% وبناء عليه، فقد بلغ خط الفقر للأسر الفلسطينية المكونة من 5 أفراد (2 بالغين 3 أطفال) 2470 شيكل ، بينما حدد خط الفقر المدقع لنفس الأسرة بمبلغ 1974 شيكل.
•    تبلغ نسبة الفقر عام 2016  في القطاع وفقاً للدخل 70.4% ،  بينما كانت 67% عام 2011. بلغت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر في القطاع حوالي 52% وذلك عام 2015، في حين وصلت نسبة من يعيشون في فقر مدقع 21.1%، وبذلك حل قطاع غزة في المرتبة الثالثة عربياً كأعلى معدل فقر بعد السودان واليمن.
•    إن هذه النسبة التي توصلنا اليها (70.4%) قد تكون أقل من النسبة الحقيقية، إذ ان كلا الجهتين ( الاونروا ووزارة التنمية الاجتماعية) تتشددان في تقدير من يخضع من الفقراء للدعم لاعتبارات تتعلق بمدى توفر التمويل اللازم لذلك. يشهد بذلك أن مغظم العاملين في القطاع الخاص يُصنفون فقراء وفقاً لمستويات الدخول التي يحصلون عليها، وغالباً ما يتم استبعاد معظمهم من فئة متلقي المساعدات، وفيما يلي نقدم بعضاً من البيانات الخاصة بأجور القطاع الخاص للتأكيد على ما أسلفنا من القول:
§        بلغت نسبة من يعملون في القطاع الخاص في قطاع غزة، 63.3%، أي 184.4 ألف عامل.
§        متوسط الاجر الشهري بالشيكل لهؤلاء العاملين 48.2 (كان 52 شيكل عام 2011).
§        بلغ عدد المستخدمين بأجر في القطاع الخاص 122.3 ألف عامل، منهم حوالي 70% ( 85 ألف) يتقاضون أقل من الحد الادنى للأجور البالغ 1450 شيكل.
§        يبلغ متوسط الاجر الشهري للعاملين لحسابهم الخاص 822 شيكل، وتبلغ نسبتهم من اجمالي العاملين 14%، أي 41 ألف عامل لحسابه.
‌وحول معدلات إنعدام الأمن الغذائي ، يقول د.مازن  "إن أهم ما يؤثر في إرتفاع مستويات الامن الغذائي في قطاع غزة هو معدلات الفقر المرتفعة الناجمة عن مجموعة من عوامل نكوص التنمية وعلى رأسها البطالة وتداعيات منظومتي الانقسام والحصار، فضلاً عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والصدمات الاقتصادية التي يتعرض لها الاقتصاد" .
هذا ويبلغ معدل انعدام الامن الغذائي في القطاع حوالي 55% من عدد السكان (مليون ومائة وخمسون ألف) ما يعادل ثلاثة أضعاف مستوى انعدام الامن الغذائي في الضفة الفلسطينية ، ما يعني الاهتمام الجاد بنشر ثقافة الغذاء المرتبطة بكيفية استخدام الأراضي الزراعية لانتاج المواد الغذائية ، وكيف تزرع وتحصد وكيف ومتى تُعَد أو تباع للأسواق .
آثار ونتائج الفقر وانعدام الأمن الغذائي :
دفع الفقر وإنعدام الأمن الغذائي العديد من الأسر في قطاع غزة، للاعتماد على استراتيجيات للتأقلم والتخفيف من أثر الصدمات التي تزيد من إنعدام الأمن الغذائي، والتي هي بمثابة موارد يتم اللجوء اليها بالإضافة الى المصدر الرئيسي لدخل الأسرة.
كانت أكثر الاستراتيجيات انتشاراً شراء واستهلاك عدد أقل من السلع الغذائية، خاصة مرتفعة الثمن ( اضطرت 81.7% من الاسر الى اللجوء لهذه الاستراتيجية). وقد لوحظ أن هناك سُبل أُخرى للتأقلم مثل شراء الطعام بالدين (69.9% من الاسر فعلت ذلك)، شراء من أسواق ذات جودة منخفضة (58.5%)، وتناول المواد الغذائية المخزنة(56.6%) ..
ويشير تقرير للاونكتاد الى أن هذه الاستراتيجيات شملت، بالاضافة الى الإقتراض، تلقي الدعم الغذائي من الأُسرة والأصدقاء، تقليص كمية الغذاء المقدمة الى الكبار من أجل تغذية الأطفال، خفض الإنفاق على التعليم والصحة، وقف الإدخار، بيع المجوهرات والأثاث والأصول الإنتاجية.
إن كل هذه السمات التي تميز بؤس الأوضاع المجتمعية والاقتصادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة 1967 عموما ، وفي قطاع غزة خصوصاً ، خلقت وتخلق في ظل الحصار والانقسام  –بصورة مستمرة- العديد من معوقات النمو والتنمية، لحساب المزيد من تراكم عوامل البطالة والإفقار، وما يترتب على كل ذلك من تزايد ارتفاع حالة انعدام الامن الغذائي ، وبالتالي ارتفاع مستويات الجريمة بكل أنواعها ، إلى جانب المزيد من التفكك الإجتماعي وإنتشار الأمراض النفسية والاجتماعية التي تعزّز مشاعر الإحباط واليأس في نفوس حوالي 2.2 مليون نسمة يعيشون في قطاع غزة، أكثر من 80% منهم دون خط الفقر والفقر المدقع، يعتمدون بنسبة عالية في تأمين مستلزماتهم المعيشية على ما تقدمه الوكالات الدولية والأونروا من كوبونات –مواد غذائية- تستهدف مراكمة المزيد من عوامل إحباطهم ويأسهم، خاصة في نفوس الشباب العاطلين عن العمل، وفي نفوس الشباب الذين تخرّجوا من الجامعات دون أي فرصة للعمل، الأمر الذي عزّز من سعيهم إلى الهروب من واقع غزة البائس صوب الهجرة إلى أي بلد آخر بغض النظر عن المخاطر التي تعترضهم، الأمر الذي يفاقم مظاهر وعوامل الإحباط واليأس التي ستدفع معظم سكان القطاع إلى القبول بأي شروط مذلة تحط من كرامتهم في سبيل تحصيل لقمة العيش، ومن ثم استغلال هذه الأوضاع الحياتية البائسة لتمرير المخططات العدوانية الأمريكية/الصهيونية بدعم وقح من دول التطبيع والعمالة العرب .
وفي هذا الجانب، ونحن نمارس عملية التشخيص أو التحليل لواقعنا الاقتصادي في قطاع غزة، علينا أن نثير العديد من الأسئلة: هل هناك إمكانية لتوفير عناصر الصمود، الاقتصادي والسياسي، في ظل استمرار الانقسام؟ وجوابنا لا كبيرة، وهذا يعني اعتبار الانقسام نوعاً من التناقض الرئيسي لابد من مجابهته وانهائه لكي نستعيد وحدتنا الوطنية التعددية في اطار م.ت.ف ، وبناء نظام سياسي يوفر عوامل الصمود الاقتصادي والسياسي في مجابهة المخططات العدوانية .
 والسؤال المهم هنا هو ما إذا كانت الضفة والقطاع قابلين للحياة اقتصادياً، وما اذا كانت تلك القابلية ممكنة من دون سيادة كاملة على الأرض والموارد ؟
ففي ظل الوضع الفلسطيني المنقسم الراهن، من الصعب الحديث عن الجدوى الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بسبب أنه ليس لدينا اقتصاداً فلسطينياً في نظام سياسي وطني موحد، فمع أنه بات من المتفق عليه أن يغطي الاقتصاد الفلسطيني كامل أرضنا في الضفة والقطاع، لكن حدودهما -حتى اللحظة-ليست واضحة، والروابط بينهما ليست ثابتة بسبب سياسات العدو الصهيوني أولاً، وبسبب الانقسام ثانياً الذي عزّز وجود رؤيتين وبرنامجين متناقضين ساهما في المزيد من تفكيك وحدة الاقتصاد في الضفة والقطاع ارتباطاً بتفكيك النظام السياسي، وإضعاف وإعاقة وعرقلة نمو الاقتصاد الفلسطيني وامكانيات صعوده وتكامله ، وبالتالي توفير واستعادة ومراكمة الناتج المحلي المهدور بسبب إجراءات العدو الصهيوني .
وهنا ، أشير الى موضوع البطالة المتفاقمة في قطاع غزة ، فلكي يصل مستوى البطالة في قطاع غزة كما هو عليه في الضفة الفلسطينية (17%) ينبغي توفير (42) ألف فرصة عمل في قطاع غزة تتطلب توفير 630 مليون دولار على أساس أن كل فرصة عمل تتطلب توفير (15) ألف دولار، إلى جانب تأمين الاستثمارات المطلوبة للضفة والقطاع معاً بملغ 1.5 مليار دولار بمجموع إجمالي يصل إلى 2 مليار دولار سنوياً أي ما يعادل أقل من نصف بالمئة من إيرادات النفط العربي ، لكن ارتهان النظام العربي عموماً وبلدان النفط خصوصاً للسياسات الأمريكية ، والتطبيع والاعتراف بدولة العدو الصهيوني يجعل من امكانية توفير متطلبات الدعم المالي من الدول العربية النفطية مسألة أقرب إلى الوهم من ناحية أو أنها تكون مشروطة باستسلام شعبنا الفلسطيني لمخططات العدو الصهيوني من ناحية ثانية، الأمر الذي يجعل من النضال لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية التعددية الفلسطينية في اطار م.ت.ف رئيسياً لابد من تحقيقه بما يمكننا من بلورة الأسس والمقومات الاقتصادية والتنموية ضمن الحد الأدنى اللازم للخروج من المأزق الراهن .
في هذا الجانب، أشير إلى "تقرير فلسطين 2030" الصادر عن صندوق الأمم المتحدة للاسكان والسلطة الفلسطينية بتاريخ ديسمبر 2016، حيث يتوقع التقرير أن ينمو عدد السكان في فلسطين من 4.7 مليون في سنة 2015 إلى 6.9  في سنة 2030، ويتوقع أن يتضاعف إلى 9.5 مليون في سنة 2050، وسيتضاعف عدد السكان خلال هذه الفترة، على الرغم من الانخفاض الحاد المتوقع في الخصوبة من 4.06 طفل لكل امرأة إلى 2.17 في سنة 2050. وهذا سبب الزخم السكاني الداخلي الناتج عن كون الهيكلية العمرية لا تزال فتية جدا وعن النسبة الكبيرة للنساء في سن الإنجاب فمن المحتم أن يكون هناك على المدى المتوسط عدد متزايد من الولادات بسبب النسبة الكبيرة للنساء اللواتي سيبلغن سن الإنجاب، وهذا يعني أن القطاعات الاجتماعية الاقتصادية ستحتاج للتدبر مع العدد المتزايد للسكان ومع احتياجاتهم.
بالنسبة لقطاع غزة، سيزداد عدد السكان فيه حسب التقرير المشار إليه بأكثر من الضعف ( 2.4 مرة ) بسبب خصوبته الأعلى وزخمه السكاني الداخلي، إذ يتوقع أن يرتفع العدد من 2 مليون في سنة 2020 إلى 3.1 مليون في سنة 2030 ثم 4.8 مليون في سنة 2050، في المقابل،  سينمو سكان الضفة الغربية من 2.9 مليون الى 3.8 مليون في سنة 2030 ثم إلى 4.7 مليون في سنة 2050، بالتالي، سيشكل عدد سكان غزة 50.3% من الفلسطينيين، متجاوزاً عدد سكان الضفة الغربية بقليل وسيظل فتيا بالمتوسط
المتغيرات حتى سنة 2030:
سيزداد عدد سكان قطاع غزة بمقدار 1.3 مليون نسمة إضافية ، وسيزداد عدد سكان الضفة الغربية بمقدار 860.000 شخص إضافي.
خلال 35 سنة، سيشكل عدد سكان غزة 50.3٪ من الفلسطينيين، متجاوزاً عدد سكان الضفة الغربية (49.7%) بقليل، وسيظل فتياً بالمتوسط.
النمو السكاني و سوق القوى العاملة في سنة 2030:
يعد النمو السكاني في دولة سريعة النمو كفلسطين مكونا بارزا في الإمداد بالموارد البشرية، وإذ يتوقع أن ينمو عدد الفئة السكانية في المرحلة العمرية النشطة فوق عمر 15 سنة من 3 مليون في سنة 2020 الى 7.2 مليون في سنة 2050 أي ستتضاعف بمقدار 2.5 مرّة. إن هذا التحول في الهيكلية العمرية والانخفاض النسبي للمعالين بالمقارنة مع الفئات السكانية النشطة يولد فرصة لتحقيق عائد ديمغرافي (فرصة لتعزيز النمو الاقتصادي)، ولكنها بحاجة لأن تترافق مع تدابير اجتماعية اقتصادية حتى تكون فعالة.
يتوقع أن يزيد حجم القوى العاملة في فلسطين من 1.5 مليون عامل عام 2020 الى 2.3 مليون في 2030 وإلى 3.8 مليون في سنة 2050.
هذه الزيادة تفوق كثيرا في معدلها معدل الزيادة في مجموع السكان والذي سيؤدي الى مضاعفة عددهم.
 وسيكون لارتفاع معدل مشاركة الاناث العامل الرئيسي في هذه الزيادة. مع ذلك ستظل حصة الاناث في القوى العاملة متواضعة الى حد ما وسيكون هناك اكثر من ذكرين نشطين لكل انثى نشطة.
حتى سنة 2030 سيزداد حجم القوى العاملة بمقدار مليون: من 1.5 مليون في سنة 2020 الى 2.3 مليون في سنة 2030 وبحلول سنة 2050 تتكون القوى العاملة من 3.8 مليون شخص مرشح للعمل، ترجع هذه الزيادة الى الدفعة الكبيرة من صغار السن الذين سيلتحقون في سوق العمل.
عدد الوظائف الجديدة المطلوبة:
مع مراعاة التغيرات الديمغرافية في حجم السكان وتركيبتهم والزيادة في معدلات المشاركة وخاصة بين النساء فإن عدد الوظائف التي ينبغي توفيرها كل سنة سيزداد من 58 ألف الان الى 72 ألف في الفترة 2030-2035 حيث سيبقى العدد متراوحا في مكانه عن 76 ألف في الفترة 2045-2050 ولكن يجب أن يأخذ في الاعتبار أيضا الاحتياطي الضخم من الأشخاص في صفوف البطالة والعمالة الناقصة والذين هم أيضا يتطلعون الى توفر فرص العمل.
ستزداد القوى العاملة في غزة بقدر أكبر بكثير مما في الضفة الغربية بسبب ارتفاع الخصوبة في غزة نسبياً. لذلك، سيتمثل أحد التحديات البارزة في كيفية التدبر مع عدم التوازن في سوق العمل في غزة، والذي يعاني من معدلات بطالة متذبذبة (قلما انخفضت عن 30٪ منذ سنة 2001 وبلغت ذروة جديدة عند 41% في سنة 2015) و 50% في سنة 2021.
وفي هذه الأثناء، فإن غالبية الوظائف الجديدة اللازمة (للملتحقين الجدد لسوق العمل فقط وبدون اعتبار الأعداد الكبيرة في صفوف البطالة) ستكون في الضفة الغربية، وهذا الوضع سيتغير بشكل سريع بعد سنة 2030، حيث سيكون الطلب على أكثر من نصف الوظائف اللازمة في قطاع غزة.
النمو السكاني وخدمات التعليم:
يتوقع أن ينمو حجم الفئات السكانية في سن المدرسة في فلسطين بسبب العوامل الديموغرافية والتحسن في معدلات الالتحاق بالتعليم من مرحلة التعليم ما قبل الأساسي إلى التعليم الجامعي لكل من الذكور والإناث، بالتالي، سيزداد حجم الفئات السكانية في سن المدرسة من 2.1 مليون حالياً إلى 2.4 مليون في سنة 2030 وإلى 3.1 مليون في سنة 2050، تبلغ هذه الزيادة نسبياً 48%، وهي أقل من معدل النمو في مجموع السكان، بالنظر إلى أن الانخفاض المتوقع في الخصوبة سيبطئ النمو في عدد الولادات ومن ثم في حجم السكان في سن المدرسة.  لذا فإن تأثير التحول الديموغرافي سيتحقق في التعليم مبكرا قبل أن يتحقق في القطاعات الاجتماعية- الاقتصادية الأخرى.
حتى سنة 2030، سيلتحق بالمدارس حوالي مليوني طالب وطالبة في عمر 4-17 سنة وسيلتحق بالتعليم العالي حوالي 400.000 طالب وطالبة.
سترتفع أعداد الملتحقين بالتعليم في جميع المراحل بشكل معتدل فحسب في الضفة الغربية، ولكنها ستتضاعف بمقدار 2.8 مرة في قطاع غزة، سبب ذلك، أن طبيعة سكان غزة فتية بقدر أكبر في لحظة بدء الإسقاطات وتتسم بمعدل خصوبة وزخم سكاني أعلى مما في الضفة الغربية، وبالتالي ستكون نسبة تراكم الولادات وصغار المتعلمين أعلى في غزة بالمقارنة مع الضفة الغربية.
مع التحسين المتوقع في جودة التعليم على نحو ما ينعكس في نسبة التلاميذ للمعلم الواحد، سينمو العدد اللازم من المعلمين في فلسطين بسرعة، بحيث يكاد يتضاعف بحلول سنة 2050 بالنسبة لمرحلة التعليم قبل الأساسي والمرحلة الثانوية، وسيكون الطلب أعلى في قطاع غزة مما في الضفة الغربية، فحتى سنة 2030، سیلزم وجود 32000 معلم إضافي، بواقع 9000 في الضفة الغربية و 23000 في قطاع غزة، يصل عدد التلاميذ للمدرسة الواحدة في قطاع غزة حاليا إلى أكثر من ضعف نظيره في الضفة الغربية، مما يعني وجود حاجة أكبر إلى الاستثمار حالياً وفي المستقبل.
كما سيتضاعف عدد المعلمين لتلبية احتياجات الطلبة في غزة في سنة 2030، حيث سيلزم 23000 معلم إضافي بالمقارنة مع 9000 معلم إضافي في الضفة الغربية.
للحفاظ على النسبة الراهنة، سيلزم توفير 1620 مدرسة جديدة في فلسطين بحلول سنة 2030، 750 منها في الضفة الغربية و900 في قطاع غزة.
 
رؤية مستقبلية
إن الاقتصاد الفلسطيني ، يواجه – بسبب استمرار الانقسام الكارثي - حالة اللايقين والعجز في رسم السياسات الاقتصادية والتنموية المستقبلية القادرة على تعزيز قدرات وإمكانيات الشعب الفلسطيني الاستثمارية والانتاجية، من أجل بناء اقتصاد قوي مستقل قادر على الحد من الاختلالات الهيكلية والتشوهات البنيوية في الاقتصاد الفلسطيني، والتي تتمثل في عجز الموازنة العامة، والعجز في الميزان التجاري، والاعتماد شبه الكامل على السوق الإسرائيلية، وانخفاض الصادرات، وتراجع حجم الاستثمار في القطاعات الاقتصادية الواعدة، وانخفاض مساهمة القطاعات الإنتاجية (وبالذات الصناعة والزراعة) في الناتج المحلي الإجمالي وفي التشغيل وارتفاع مستويات الفقر والعوز، وبالتالي تراجع القدرة على تنشيط حركة الاقتصاد وزيادة إنتاجية أنشطته الاقتصادية.
كما أن التراجع في كافة القطاعات الإنتاجية وغير الإنتاجية في القطاعين الخاص والعام على حد سواء، يستدعي العمل الجاد لخلق ومواصلة حالة جماهيرية شعبية ضاغطة لإنهاء الانقسام واستعادة مقومات الوحدة الوطنية التعددية في اطار م.ت.ف ، الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا ، بما يمكننا من تفعيل العملية التغييرية الديمقراطية الداخلية التي يجب أن يرتكز محورها أو جانبها الاقتصادي، على المفاهيم والخطوط العامة للاستراتيجية التنموية التي يجب العمل على بلورتها وتبنيها للخروج من هذا المأزق الحاضر إلى المستقبل، وذلك لتحقيق هدفين:
الأول: إيجاد إطار مفهومي يوضح الأولويات الاقتصادية الفلسطينية وفق اسس اقتصاد التقشف.
الثاني: تعريف ماهية المراحل المتعاقبة التي من خلالها يمكن تحقيق الأهداف التنموية.
وفي الحالة الفلسطينية الراهنة، فإن هذه المتطلبات لا تتوفر بسبب الانقسام، وحتى ولو تمكنت السلطة الفلسطينية من توفير بعضها، إلا أن افتقارها للسيادة هو أكثر ما يعيقها عن تحقيق تنمية اقتصادية نشطة ومستدامة، لأنها تفتقر إلى السيطرة على مواردها الذاتية وعلى حدودها المادية، وعلى أمنها الداخلي والخارجي، وعلى سكانها وعلى حركة الدخول والخروج من الأراضي الفلسطيني ، الأمر الذي يفرض العمل على ايجاد البديل أو النموذج التنموي الذي يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية للخروج ليس من أزمة الاقتصاد فحسب، بل أيضاً الخروج من أزمة المجتمع الفلسطيني بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والتنموية... إلخ، وفق قواعد الديمقراطية والمشاركة الشعبية، وذلك من خلال تطبيق العناصر الرئيسية التالية للنموذج أو البديل المقترح :
العنصر الأول: إن للدولة الفلسطينية ، ولسياساتها المتناسقة من خلال التخطيط، دوراً حاسماً وحاكماً في نجاح التنمية. والدولة المعنية هنا ليست دولة البيروقراط، ولا الدولة التسلطية الشمولية، ولا الدولة التي يتحكم في مقاديرها الأغنياء، بل هي دولة الديمقراطية والمشاركة الشعبية والعدالة الاجتماعية.
العنصر الثاني: إحداث زيادة كبيرة في معدل الادخار المحلي كشرط لازم للتنمية السريعة والمطردة، فضلاً عن ضرورته لاستقلالية التنمية وتقوية الاعتماد على القوى الذاتية والوقاية من التبعية، وفي هذا النموذج التنموي البديل يقع على الدولة واجب أساسي وهو ضبط الاستهلاك والاستيراد من أجل رفع معدل الادخار المحلي.
العنصر الثالث: المشاركة الديمقراطية والتوزيع العادل للثروة والدخل كمبادئ ومنطلقات وآليات أساسية للتطور الاقتصادي التنموي بين قطاع غزة والضفة الغربية ، لكن الانقسام الكارثي –الذي مضى عليه 15 عاماً – أدى ليس إلى تدمير التجربة الديمقراطية فحسب، بل أيضاً عزز وكرس الكثير من مظاهر الاستبداد والفساد والاستغلال الطبقي وغياب العدالة الاجتماعية.
العنصر الرابع: التعاون فيما بين السلطة أو الدولة الفلسطينية مع الدول العربية في إطار الاتفاقات الاقتصادية الصادرة عن الجامعة العربية ، أو في إطار الاتفاقات الثنائية مع بعض الدول العربية وبعض الدول النامية والمنظمات الدولية بهدف تذليل الكثير من مصاعب التنمية الفلسطينية، وإمكانية تقديم المساعدات والخبرات الممكنة.
وأخيراً فإن التأكيد على دور الدولة ودور التخطيط في إحداث التنمية الشاملة ، لا يعني إن النموذج البديل يناهض القطاع الخاص ولا يعني أيضاً أنه يستبعد آليات السوق كلياً. فثمة مجال للمزج بين دور القطاع العام ودور القطاع الخاص ودور القطاع التعاوني، كما أن ثمة مجالاً للجمع بين آليات التخطيط وآليات السوق، وأن تكون الآلية الرئيسية للتنسيق بين القرارات هي التخطيط والآلية المساعدة هي قوى السوق.
وهنا لابد من أن نواجه أنفسنا بالسؤال التالي: عن أي تنمية نتحدث؟.
لا شك أن الحديث عن التنمية (كمشروع حضاري اقتصادي وثقافي واجتماعي) في الأراضي الفلسطينية هو حديث أقرب إلى الوهم في ظل شروط اوسلو واتفاق باريس ، وفي ظل العلاقات الرأسمالية الرثة والمصالح الطبقية للتحالف البيروقراطي الكمبرادوري المهيمن في كل من الضفة وقطاع غزة من ناحية، وطالما بقي الانقسام والصراع على المصالح الفئوية بين حركتي فتح وحماس قائماً من ناحية ثانية، الأمر الذي يعني بوضوح استحالة الوصول إلى أوضاع اقتصادية تنموية موحدة ومتكاملة وقابلة للنمو والتطور، بمثل ما يعني أيضاً استحالة تحقيق أي إجراءات إصلاحية جذرية في بنية الاقتصاد الفلسطيني في الضفة والقطاع تسهم في تطوير قطاعات الإنتاج (الزراعة والصناعة) والقطاعات الاقتصادية الأخرى.
نخلص من كل ما تقدم ، إلى أن كل حديث عن الاستقلال السياسي والاقتصادي وفق أوهام أوسلو وبروتوكول باريس، ليس سوى تكريساً لمخططات وشروط دولة العدو الصهيوني، ما يعني أن تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي يستحيل بلورته دون مقاومة الاستعمار الصهيوني بكل الأشكال الشعبية والكفاحية خاصة في الضفة الغربية التي باتت اليوم ساحة الصراع السياسي الرئيسية .
وبالتالي فإن الحديث عن استعادة وحدة الاقتصاد للضفة الغربية وقطاع غزة في إطار وحدة النظام السياسي الفلسطيني كهدف مركزي يسدل الستار على الانقسام الراهن ويدفنه إلى الأبد، بما يضمن تحقيق وتنفيذ حزمة من التغييرات الأساسية في النظام السياسي والأطر المؤسسية، بمثل ما يحقق أيضاً كافة الإمكانات لتطبيق القوانين التي تضمن تأمين المصالح الاقتصادية المحلية والمغتربة (المستثمرين) وتوفير الإيرادات (ضريبة الدخل والمقاصة والرسوم بأنواعها)، وبالتالي توفير فرص الاستقرار التي تتيح التطبيق الأمثل للقوانين من ناحية، ومتابعة القضايا الاقتصادية والتنموية من ناحية ثانية، بما يُمَكِّن من ضمان الأسس الكفيلة بتحقيق مبدأ الشفافية والكفاءة والديمقراطية كقاعدة أولية لهذا النظام، بما يؤهله كنظام سياسي وطني ديمقراطي فلسطيني من صياغة رؤية سياسية اقتصادية، بعيداً عن الوصفات والشروط الخارجية الضارة باقتصادنا ومستقبلنا السياسي.
  وبالتالي فإن فكرة الإصلاح السياسي- الاجتماعي – الاقتصادي الشامل  في اطار م.ت.ف هو الهدف المركزي الذي يجب أن تتضافر كافة جهود القوى والفعاليات الوطنية من أجل العمل على بلورته – ارتباطاً بإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية- كإطار ناظم لمجتمعنا الفلسطيني في هذه المرحلة الدقيقة، بما يؤكد على الالتزام بثوابتنا ووحدتنا الوطنية التعددية وتحقيق أهداف شعبنا في الاستقلال والدولة كاملة السيادة على أرضنا المحتلة.
لذلك فإن الحديث عن التنمية في الضفة الغربية وقطاع غزة سيظل دون أي معنى أو أي أفق مستقبلي طالما استمر الانقسام ، ما يعني أن إنهاء هذا الانقسام الكارثي وتحقيق المصالحة وفق الوثائق التي تم الاتفاق عليها خاصة اتفاقيتي القاهرة 2011 و 2017 ، وعند ذلك يمكن استعادة وحدتنا الوطنية التعددية بكل معانيها وابعادها السياسية والاقتصادية والمجتمعية بما يمكننا عندئذ من توفير المناخ المطلوب للتنمية الفلسطينية في الضفة والقطاع.
وفي سياق تناولي للرؤية المستقبلية للاقتصاد الفلسطيني، فإنني أقترح المحورين التاليين كما طرحهما رائد الاقتصاد الفلسطيني المرحوم د.يوسف الصايغ:-
أولاً: الموجب الإنمائي: يدعو في هذا المحور إلى تحديد الأولويات الوطنية الاستراتيجية ذات الأهمية النسبية الكبرى للاقتصاد الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة بما ينسجم والواقع الحالي المأزوم للاقتصاد داخل القطاع، الأمر الذي ندعو فيه كافة المعنيين الفلسطينيين إلى إعادة قراءة البرنامج الإنمائي الفلسطيني الذي أعده مفكرنا د.الصايغ، لكي نتمكن من وضع أسس المستقبل الاقتصادي الفلسطيني بصورة صحيحة قابلة للتقدم.
ثانياً: المنظور الفلسطيني للإنماء:  بمعنى أن يتم التركيز على قضية التنمية وفق مفهومها ورؤيتها الوطنية التي تراعي والأولويات الاستراتيجية من منظور فلسطيني وطني، ينطلق بالأساس من المصالح الاقتصادية للمجتمع الفلسطيني وما يستدعيه هذا التوجه من ضرورات العمل على إلغاء اتفاق/برتوكول باريس، ومتابعة وإيجاد كافة السبل والآليات التي تعزز ترابط الاقتصاد الفلسطيني بمكونات وآليات الاقتصاد العربي.
وفي هذا السياق أقدم فيما يلي اقتراحاً لمجموعة من الأسس المكونة لهذه الاستراتيجية التي يستحيل تطبيقها في ظل استمرار الانقسام وفشل القوى السياسية في الضغط الجاد لتحقيق المصالحة واستعادة وحدة النظام السياسي الفلسطيني ، ذلك إن الحديث عن التطور الاقتصادي والتنمية يتناقض كلياً مع استمرار الانقسام  :-
أولاً : حصر كافة البيانات والمعلومات الخاصة بالموارد الطبيعية والبشرية الفلسطينية عبر فريق وطني اقتصادي متخصص، تمهيدا للسيطرة المباشرة عليها وإدارتها،  كهدف وطني يستحيل بدون تحققه تطبيق أي خطة تنموية فلسطينية
ثانياً : خلق مقومات اقتصاد المقاومة والصمود انسجاماً مع متطلبات هذه المرحلة، وما يعنيه ذلك من العمل الجاد على تطبيق سياسة اقتصاد التقشف، بكل ما يعنيه من إجراءات تلغي – بعد المحاسبة القانونية- امتلاك أي مواطن أو مسئول لأي شكل من أشكال الثروة الطفيلية غير المشروعة وإلغاء كافة مظاهر الإنفاق الباذخ بكل أشكاله وأنواعه وأساليبه عموما وفي مؤسسات السلطة خصوصا.
ثالثاً : العمل على تحقيق فك الارتباط والتبعية والتكيف مع الاقتصاد الإسرائيلي ووقف هذا التضخم في حجم الواردات، وفرض الرسوم الجمركية العالية على الكماليات المستوردة مقابل تخفيف الرسوم على الواردات الأساسية، ووقف عمليات الاستيراد المباشر وغير المباشر من السوق الإسرائيلي، الأمر الذي يعني تجاوز أو إلغاء بروتوكول باريس، على الرغم أن عملية إلغاء البروتوكول في ظل أوضاع السلطة الحالية بما في ذلك المصالح الطبقية للعديد من رموزها وأجهزتها البيروقراطية المتحالفة مع البرجوزاية الكمبرادورية، ليست قابلة للتحقق، علاوة على تذرع السلطة بأنه لا يمكن إلغاء اتفاق باريس بسبب كونه جزءاً لا يتجزأ من اتفاق أوسلو الذي لا تستطيع سلطة الحكم الذاتي إلغاؤه لأن معنى ذلك –من وجهة نظرها- قد يؤدي إلى إلغاء السلطة، وهي ذريعة يرددها بعض المسئولين في السلطة على الرغم من توصيات وقرارات المجلس المركزي الفلسطيني في دوراته المعقودة عامي 2017 / 2018.
لذلك فإن النضال من أجل إلغاء اتفاق أوسلو لا يضمن فحسب إلغاء بروتوكول باريس، بل يضمن أيضاً تحقيق المعنى الجوهري للاستقلال والسيادة الكاملة على أرضنا وحدودنا ومواردنا الاقتصادية، وتحقيق المعنى الجوهري للتنمية بعيداً عن أي شكل من أشكال التبعية ، وكما يقول عميد الاقتصاديين الفلسطينيين الراحل د. يوسف صايغ "ليس أمام الأراضي المحتلة خيار سوى السعي إلى تخليص أنفسها من التبعية، وبناء على ذلك، فإن ما يحرف ويعيق ويشوّه الاقتصاد ليس نتيجة لليد الخفية لقوى السوق، بل بسبب فرض اليد الظاهرة الثقيلة للقوة المحتلة".
رابعاً : التخطيط التأشيري والمركزي لتفعيل العملية الإنتاجية في الصناعة والزراعة، والعمل على تفعيل العلاقة بين هذين القطاعين بما يخدم تطوير المنتجات الصناعية المعتمدة على الإنتاج الزراعي، وإقرار مشروع القانون الزراعي بهدف تحديد وإرساء استراتيجية زراعية فلسطينية تتناسب مع أهمية القطاع الزراعي، في إطار سياسة تنموية زراعية آنية ومستقبلية تقوم على التخطيط و تفعيل دور مؤسسات الإقراض الزراعي والبنوك لتقديم الدعم للمزارعين الفقراء، وتطوير وتوسيع الأراضي الزراعية وأراضي المراعي والثروة الحيوانية والصيد، إلى جانب المبادرة إلى تنفيذ مشاريع اقامة محطات لتحلية مياه الشرب ومعالجة المياه العادمة ، ومشاريع حكومية للطاقة الشمسية وتدوير النفايات.
خامسا: تطوير دور القطاع العام والتعاوني والمختلط بعيداً عن أشكال الاحتكار، بما يدفع إلى توسيع القاعدة الإنتاجية الفلسطينية، والسوق الفلسطيني، ودعم وتشجيع الصناعات الصغيرة، على نحو يؤدي إلى إيجاد المزيد من فرص التشغيل المتواضعة، لليد العاملة، في الإنتاج والسوق المحليين من ناحية، ويسهم في ضمان معدلات عالية – نسبيا- من النمو لقطاعي الإنتاج الرئيسيين – الزراعة والصناعة- من ناحية ثانية. وفي هذا السياق فإن من الواجب والضروري، الأخذ بمقترحات البرنامج العام للتنمية الذي أشرف عليه المفكر الاقتصادي الفلسطيني الراحل د.يوسف صايغ، إذ أن هذه المرحلة وضروراتها الاقتصادية-السياسية معا تقتضي من كافة المسئولين في السلطة الأخذ بتلك المقترحات بعد إهمال طويل وغير مبرر لها.
سادساً: العمل على استمرار تحقيق سبل وآليات التكامل بين الضفة الغربية وقطاع غزة- رغم الانقسام- بما يضمن تعزيز الآفاق الاقتصادية فيهما، ومن ثم تحقيق زيادة في الناتج الإجمالي بما لا يقل عن 20% من حجمه في عام 2020، والى أن يتحقق هذا الهدف، لا بد من تطوير آليات واستخدام وسائل تضمن تعزيز العلاقات الاقتصادية بين المنطقتين بالحد الأدنى من المخاطر والتكاليف، والمطلوب إعطاء الأولوية للمشاريع والأنشطة التي تعزز التكامل والمصالح المشتركة بين الضفة والقطاع (من خلال الشركات والمشاريع المشتركة وتفعيل وتنشيط التجارة البينية والمشاريع الصناعية والخدماتية المشتركة وخاصة قطاع السياحة).
سابعاً: العمل على "إنشاء صندوق للإنقاذ الوطني بتمويل من الحكومة ورجال الأعمال والفلسطينيين بالخارج لدعم وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وبدون فوائد وبفترات سماح عالية.
ثامناً: مراعاة الحفاظ على ثبات الأسعار للسلع الأساسية الضرورية للفقراء ورفع أجور الفئات والشرائح الاجتماعية من ذوي الدخل المحدود.
تاسعاً : إنشاء وتفعيل المؤسسات الاقتصادية الكبرى في قطاع الصناعة على نمط الشركات الصناعية المساهمة العامة والشركات القابضة والمختلطة بين القطاعين العام والخاص، لمواجهة هذا الضعف في البنية الصناعية ونقلها من طابعها الحرفي-الفردي- العائلي إلى طابعها الإنتاجي العام الكفيل وحده بتطوير القطاعات الإنتاجية في بلادنا.
عاشراً: العمل بكل جديه، وعبر كافة السبل والضغوط السياسية الممكنة، من اجل تفعيل وتوسيع مجال التبادل التجاري الفلسطيني العربي، ووقف احتكار السوق الإسرائيلي لهذه العملية. وكذلك التركيز على فتح سوق العمالة العربي، في مختلف البلدان، أمام العمالة الفلسطينية، الماهرة وغير الماهرة، وفقا لقوانين وأنظمة التشغيل في تلك البلدان، دون أن يؤثر ذلك إطلاقا في هوية الفلسطيني أو يتخذ أي بعد سياسي يتناقض مع حقه في العودة أو الإقامة الدائمة في وطنه، علما بأن السوق العربي في دول الخليج والسعودية يستوعب أكثر من خمسة ملايين عامل أجنبي سنويا.
حادي عشر: متابعة تنفيذ البرامج والدراسات والتوصيات المتعددة الخاصة بتفعيل دور رأس المال الفلسطيني في الشتات، رغم وعينا بارتباطه برأس المال العالمي المعولم .
إن هذه الرؤية، أو الخطوط العامة الأولية المقترحة، لا بد لها لكي تملك مقومات التغيير الإيجابي المطلوب، أن تتبنى منهجا علميا، وفلسفة ذات مضمون ديمقراطي، وطني وقومي، تقوم على الإيمان العميق، بوجوب تمتع شعبنا الفلسطيني بحقوقه وحرياته الأساسية وممارسته لها، كمقدمة تؤدي إلى وقف تراكمات الأزمة الراهنة، وتفاقم تناقضاتها المحكومة بثنائية غير منطقية أو منسجمة، تتراوح بين فردية القرار وأحادية الخطاب في السلطة وأجهزتها من جهة، وبين جماعية المعاناة والتضحيات والآمال الكبيرة من جهة ثانية، وبالتالي فإن إلغاء هذه الثنائية المتناقضة، هو سبيلنا الوحيد نحو نظام الحكم الديمقراطي الوطني، العادل والقوي، الممتلك للفهم السليم والواضح لوظيفته الجوهرية بشقيها: الوطني والديمقراطي الداخلي بما يضمن رسم السياسات الاستراتيجية المعبرة عن مصالح جماهير شعبنا، بمثل ما يضمن أيضا، توجيه وزارات ومؤسسات وأجهزة السلطة نحو تحقيق تلك السياسات أو الرؤى في الاقتصاد كما في السياسة، بكفاءة عالية تخدم أهدافنا وثوابتنا الوطنية العامة، بمثل ما تخدم وترتقي بأهدافنا المطلبية الداخلية دون أي انفصام بينهما.
أخيـراً : إنني أفترض أن هذا الفهم للاقتصاد الفلسطيني بكل مضامينه التنموية يجب أن يشكل أحد المحاور الرئيسية لنشاط وبرامج الحركة الوطنية الفلسطينية لأنه المحور المكمل عبر علاقة جدلية ومتصلة لعملية التحرر الوطني والاستقلال والدولة، فالانهيار الاقتصادي– الاجتماعي الناتج عن استمرار تفكك وانقسام النظام السياسي الديمقراطي الفلسطيني، واستفحال مظاهر الفساد والاستبداد والهبوط السياسي والتفاوض العبثي وغياب سيادة القانون العادل، يدفع أو يراكم بالضرورة نحو خلـق المزيد من مقومات الانهيار السياسـي والاجتماعي بما يجعل من الفوضى والعشوائية والفلتان الأمني والاقتصادي من ناحية وتزايد تحكم القوى الخارجية (الأمريكية الإسرائيلية) في مستقبلنا من ناحية ثانية، عاملاً مقرراً في أوضاعنا السياسية الاقتصادية المجتمعية، وفي كلا الحالتين يصبح مستقبل شعبنا معلقاً بعوامل لا دخل لإرادة جماهيرنا في تشكيلها أو التأثير فيها، وهذا بالقطع وضع بائس، ما أتعس الأمة التي تجد نفسها فيه . 


[1] قطاع غزة يستهلك 200 مليون متر مكعب سنوياً ، مقابل 110 مليون من مياه الامطار منها 80 مليون متر مكعب يذهب فقط الى الخزان الجوفي ولم تعد المياه صالحه للشرب بسبب تزايد نسب الكلوريد والنيترات التي اصبحت في مياه قطاع غزة من اعلى النسب في العالم .



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان والتاريخ عند ماركس
- مجتمع المعرفة في الوطن العربي في ظل العولمة
- الديمقراطية ومستقبل أحزاب وفصائل اليسار الماركسي في بلادنا
- التدخلات الدولية والإقليمية ودورها في محاولة تصديع الهوية ال ...
- عن مأزق الفكر السياسي الفلسطيني وزيارة بايدن وأوهام الحديث ع ...
- غسان كنفاني ما زال حاضراً في قلوبنا وعقولنا بعد 50 عاما على ...
- ندوة جامعة الاقصى حول أزمة التعليم في الجامعات الفلسطينية
- باختصار شديد عن كتاب الرفيق لينين - المادية و المذهب النقدي ...
- أزمة التعليم في الجامعات الفلسطينية
- حديث عن عصر الحداثة
- مراحل تطور الفلسفة في القرن التاسع عشر
- في مناسبة الأول من أيار 2022....عن العمال والفقراء في الوطن ...
- تطور الاخلاق في إطار الأنماط أو التشكيلات الاجتماعية الاقتصا ...
- في الذكرى السادسة والاربعين ليوم الأرض
- تطور الفلسفة والانقطاع المعرفي في الفلسفة العربية والرؤية ال ...
- النضال الوطني الفلسطيني وإشكالية القطري والقومي
- أزمة حركات التحرر العربية اليسارية وسبل النهوض واستعادة دوره ...
- منطلقات فكرية بحاجة للحوار المعمق وللمراجعة وإعادة الصياغة م ...
- عن المشروع الصهيوني والسيطرة الصهيونية الامبريالية الراهنة و ...
- عيد ميلاد مجيد


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - غازي الصوراني - نحو رؤية وسياسات حول الأمن الغذائي والاقتصاد الفلسطيني .. خروجاً من المأزق الراهن