أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد حسن خليل - قراءة في الموازنة العامة لمصر للعام المالي 2022- 2023















المزيد.....



قراءة في الموازنة العامة لمصر للعام المالي 2022- 2023


محمد حسن خليل

الحوار المتمدن-العدد: 7316 - 2022 / 7 / 21 - 16:02
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


نتناول هنا موضوع الموازنة العامة للدولة في مصر عن الفترة من أول يوليو 2022 إلى آخر يونيو 2023 كما قدمتها وزارة المالية وأقرها مجلس النواب. ونتناولها هنا من خلال العناوين التالية:
• الهيكل العام للموازنة
• عجز وفائض الموازنة
• مستهدفات الموازنة ومنطقها
• أثر السياسات التقشفية على الأجور
• أثر السياسات التقشفية على الدعم
• التقشف والتعليم والصحة في الموازنة
• السياسات الضريبية والدور الاجتماعي للموازنة
• كلمات حول الديون
• اقتراحات بديلة للسياسة المالية الحالية من أجل الخروج من الأزمة
الهيكل العام للموازنة
بداية نوضح أن الناتج المحلي الإجمالي المتوقع للعام المالي القادم يبلغ حوالي تسعة ترليون ومائتي مليار جنيه (هنا وفيما سيلي سيكون هناك مستوى من التقريب لتوضيح الصورة، والأرقام التفصيلية الدقيقة سنوردها في الجدول الختامي في هذه الدراسة)، مقابل نحو ثمانية ترليون في العام السابق (1).
أما إجمالي الاستخدامات، أي إجمالي الإنفاق الحكومي، أو التزامات الدولة المتمثلة في الموازنة العامة للدولة في عام 22- 23 فتبلغ نحو ثلاثة ترليون جنيه (بدقة 3066 بليون) مقابل نحو 2.5 ترليون في العام السابق. أي أن نسبة ما يجب أن تحصل عليه الدولة من موارد لكي تعيد إنفاقه على الحاجات العامة، هو تلك الترليونات الثلاثة، أي أن إجمالي مواردها يجب أن تتمثل في نفس هذا الرقم. ونرى هنا أن نسبة الموازنة العامة للدولة (حوالي 3 ترليون) تساوي نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي (حوالي 9 ترليون)، وهي تقريبا نفس النسبة في العام الماضي.
وكما هو معروف تنقسم الموازنة إلى موازنة جارية، وتبلغ 2071 ب ج وموازنة تحويلات تتمثل أساسا في هذه الموازنة في سداد أقساط الديون وتبلغ 965 ب ج (ونغض النظر هنا مؤقتا عما يسمى بالموازنة الاستثمارية لضآلتها، بصافي عجز حيازة الأصول المالية نحو خمسة ب ج يمثل الفارق بين موارد 25 ب ج واستخدامات نحو 30 ب ج).
أما إيرادات الموازنة العامة للدولة فتبلغ 1518 ب ج، والمصدران الرئيسيان للموارد هما الضرائب، وتبلغ 1169 ب ج، والموارد السيادية التي تتحصل عليها الدولة مثل فائض قطاع البترول وقناة السويس وموارد المناجم والمحاجر وفائض الهيئات والقطاع العام وقطاع الأعمال العام، وإيرادات الخدمات التي تقدمها الدولة، ويبلغ إجمالي إيراداتها 348 ب ج.
إذن يفترض أن ميزانية الدولة تمثل نحو ثلث الناتج المحلي تتحصل عليها الدولة من مختلف المصادر، لكي تنفقها على الاحتياجات العامة للمجتمع المتمثلة في الأمن (الجيش والشرطة والقضاء)، وفي المرافق العامة من كهرباء ومياه شرب وصرف صحي وطرق ومواصلات واتصالات، وفي الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة. فالمفروض أن تتناسب تلك الإيرادات مع المصروفات العمومية كما يقال. ولكن كما رأينا فإن موارد الموازنة العامة للدولة، نحو ترليون ونصف ترليون جنيه، لا تمثل سوى نحو نصف النفقات أو الاستخدامات العامة (نحو ثلاثة ترليون جنيه)، فمن أين تتدبر الحكومة هذا الفرق الضخم؟ بالطبع بالاستدانة، الداخلية والخارجية؛ فيبلغ إجمالي الاستدانة في مشروع الموازنة لهذا العام نحو ترليون ونصف ترليون جنيه (1524 ب ج)، وهو ما يمثل العجز الكلي في الموازنة.
"عجز" و"فائض" الموازنة
ولكن الحكومة "تلطف" تلك الصورة عن الموازنة فتعتبر أن عجز الموازنة يقتصر على 558 ب ج، وليس 1524 ب ج كما أوضحنا، تمثل الفارق بين إيرادات الموازنة (1517 ب ج) وبين النفقات الجارية والاستثمارية في الموازنة فقط (2071 ب ج). فهي لا تحتسب ضمنه عجز موازنة التحويلات، أي أقساط الديون الخارجية والداخلية، البالغة 965 ب ج. لماذا؟ لأن هذا المبلغ لا يعد مصروفا في نظر الموازنة ولكنه إهلاك للدين.
هل هناك إهلاك حقيقي للدين، بمعنى سداد للديون وتقليل من ديون البلد، وبالتالي لا يدخل في الإنفاق الحكومي؟ ربما جاز أن نعتبره كذلك لو كان هناك فائضا في إيرادات الدولة عن مصروفاتها وبالتالي يستخدم فائض الموازنة فعلا في السداد والتقليل من حجم الديون. ولكن الحال ليس كذلك بالقطع، بل إن الوسيلة الوحيدة لسداد أصل الدين وفوائده هي الاستمرار في الاستدانة لسداد الديون القديمة!
وتضطر الموازنة نفسها إلى أن تعود للاعتراف بالعجز الكبير، نحو ترليون ونصف، عندما تتحدث عن إجمالي الاقتراض الكلي لسداد احتياجات الموازنة، فتعود للرقم الذي ذكرناه، وهو نحو ترليون ونصف ترليون جنيه، وتقدر الحجم الكلي للاستدانة المطلوب لسداد الفرق (العجز) بين الإيرادات (ترليون ونصف) وبين المصروفات الإجمالية (ثلاثة ترليون)!
ونلاحظ أن الموازنة الجارية تحتوي فقط على فوائد الدين العام، وتبلغ في الموازنة كما قلنا 690 ب ج، أما سداد أقساط الديون فهي تدخل في موازنة التحويلات وتبلغ 965 ب ج كما أسلفنا. وبالتالي فإن إجمالي أعباء خدمة الدين، أي الفوائد زائد أقساط الديون تبلغ حوالي 1656 ب ج، أي أكبر بند في الموازنة على الإطلاق، ليلتهم وحده 54% من الموازنة، مقابل 1173 ب ج في العام الماضي مثلت وقتها 57% من إجمالي استخدامات الموازنة.
ولنقارن بين هذين الرقمين: إجمالي أعباء خدمة الدين البالغة 1656 ب ج (أكثر من ترليون ونصف!) وبين إجمالي الفجوة التمويلية أو إجمالي العجز، كما تقول الموازنة نفسها، والبالغ 1524 ب ج، لنلاحظ التقارب الشديد بينهما!
وبعد فك الارتباط بين مفهوم عجز الموازنة والعجز الإجمالي الذي هو ليس شيئا آخر غير إجمالي الاستدانة كما أوضحنا، من المهم تناول مفهوم الفائض الأولي للموازنة. والفائض الأولي للموازنة يتمثل في المصروفات الجارية (2071 ب ج) مطروحا منها فوائد الديون (690 ب ج)، أي 1381 ب ج. ولما كان هذا الإنفاق أقل من إجمالي الإيرادات (1518 ب ج)، (ونطرح أيضا هنا مبلغ 5 ب ج عجز الموازنة الاستثمارية) فتكون النتيجة هي الفائض الأولي، ويبلغ 132 ب ج.
هل هناك قيمة عملية لحساب الفائض الأولي؟ هناك قيمة نظرية لهذا الحساب، لأنه كلما كان هناك فائض أولي بمعنى زيادة الإيرادات الجارية (بدون أقساط الديون) عن المصروفات الجارية، أمكن استخدام هذا الفائض لخفض مقدار الديون. ولكن لما كان هذا الفائض شديد المحدودية منسوبا للناتج المحلي الإجمالي (0.1%) فإنه يتمخض عن انخفاض حجم الدين العام الإجمالي من 6.2% من ن م أ في آخر يونيو 2022 إلى 6.1% من ن م أ في آخر يونيو 2023، وهذا بالطبع في حالة تحقيق مشروع الموازنة لإيراداته ووفائه بالتزاماته كما أتت بها الموازنة!
أي نظريا لو استمر الحال على هذا المنوال نستطيع تسديد كامل ديوننا (6.1% من ن م أ) على واحد وستين عاما! ولكن، نظرا لأنه ليس هناك دائنين يستطيعون الانتظار طويلا هكذا (!) فلابد من وسيلة أخرى للسداد، وهي ما طرحته الموازنة بالصياغة التالية "كما تهدف الحكومة لتعظيم العائد على أصول الدولة من خـلال تبنـى سياسـات اقتصادية سـليمة مثل التسعير الذي يغطى تكلفـة إتاحـة السـلع والخـدمات ومـدخلات الإنتـاج، والمضـي بقـوة فـي برامج إعادة هيكلة الأصول المالية للدولة واستمرار التعامل مـع التشـابكات الماليـة بـين جهـات الدولـة بشـكل يضـمن تحقيـق تحسـن تـدريجي فـي الأوضـاع الماليـة لأجهـزة الدولـة وتحسـين الخـدمات المقدمـة، والتوسـع في بـرامج المشـاركة بـين القطـاع العـام والخـاص فـى المجـالات الاستثمارية وإدارة أصول الدولة". والمقصود بعبارات "إعادة هيكلة ألأصول المالية للدولة" و"التوسع في برامج المشاركة بين القطاع الخاص" هو ما تم شرحه بجلاء في وثيقة ملكية الدولة (2)، أي عن طريق الخصخصة الواسعة لأملاك الدولة، والتي نصت على إن الدولة ستتخارج من تسعة وسبعين مجالا، وأنها ستبيع وتخصخص ما قيمته 40 مليار دولار من أملاك الدولة (أي ثلاثة أرباع ترليون جنيه بالقيمة الحالية للجنيه مقابل الدولار) خلال أربع سنوات، هذا غير أوعية أخرى للخصخصة. وبالطبع هذا هو قدر ومصير من يسرف في الاستدانة، حيث يجبر على الوفاء بشروط الدائن، لكي يقوم بسداد أصل الديون ببيع "عفش البيت"، أو ما راكمته الأجيال السابقة من استثمارات تتمثل في أصول الدولة المطروح خصخصتها!
مستهدفات الموازنة ومنطقها
تضع الحكومة في صدر كتاب الموازنة "البيان المالي" ص 11 وما بعدها، تضع بوضوح أهداف الموازنة العامة للدولة لهذا العام وللفترة المقبلة. وتضع الحكومة في صدارة الأهداف:
1. الحفاظ على التوازن المالي، وتخفيض الدين الإجمالي من نحو 85% من ن م أ حاليا إلى أقل من 75% في يونيو 2026، أي خلال أربع سنوات (يوليو 2022- يونيو 2026).
2. الاستمرار في سياسة التسعير السليم للسلع والخدمات لضمان كفاءة تخصيص الموارد.
3. زيادة الضرائب كنسبة من ن م أ، وذلك بزيادة الحصيلة سنويا بنسبة 0.5% من ن م أ، وتكون الزيادة من جهات غير سيادية.
4. تعظيم العائد من إدارة أصول الدولة ... من خلال زيادة الفوائض المرحلة إلى الخزانة العامة للدولة.
بالطبع لا تخطئ العين في إعراب تلك السياسات كسياسات انكماشية تقشفية، تعد جزءا من الرؤية النيوليبرالية للسياسات الاقتصادية التي توصي بها دائما مؤسسات التمويل الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي. وسوف نركز فيما سيلي على استعراض جانب هام من جوانب السياسة النيوليبرالية، وهو السياسات التقشفية، ودلائلها في الموازنات المتكررة وآثارها الاجتماعية السلبية. ونحاول قرب النهاية أن نمس سياسات نيوليبرالية أخرى تتعلق بالذات بتقليل دور الدولة في الإنتاج، وأولوية الحفاظ على التوازن المالي وتقليل عجز الموازنة، وسياسات التسعير التي تهدف كما يقولون إلى كفاءة تخصيص الموارد، لكي نتحقق من آثارها السلبية من منظور التنمية الاقتصادية. وسيكون خارج نطاق تلك الدراسة السياسات النقدية النيوليبرالية التقشفية مثل رفع سعر الفائدة وتخفيض سعر صرف العملة وتحرير تبادل العملة المحلية مع العملات الدولية.
ويذكر صندوق النقد الدولي على موقعه استشهادا مطولا من النسخة الإنجليزية من الأهرام في تغطيته للمؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي بالإنجليزية في 15 مايو الماضي، ويقتطف من حديثه في معرض استعراض خطة الحكومة للتكيف مع الأزمة الاقتصادية، حول تأكيد رئيس الوزراء على طلب مجلس الوزراء المصري من الصندوق لبدء مناقشة معه من أجل عقد اتفاق قرض جديد مع الصندوق (هو الرابع منذ عام 2016) أواخر مارس بعد شهر بدء الحرب الروسية الأوكرانية من أجل مواجهة عواقبها على مصر (3).
وتعليقا على حديث مصطفى مدبولي يقول مقال الصندوق أن طاقم الصندوق يعد لبرنامج جديد، ويقول إنه من الملاحظ أن مجموعة من الإجراءات الهيكلية الاقتصادية الكلية Macroeconomic and structural measures سوف تساعد على التلطيف من أثر الصدمة على الاقتصاد المصري وتحافظ على مرونة مصر وآفاق النمو على المدى المتوسط. (4)
ويضيف الصندوق أن مصر قد عقدت اتفاقا للإصلاح الاقتصادي مع الصندوق بقرض قيمته 12 بليون دولار عام 2016 انتهى عام 2019. وفي عام 2020 تلقت مصر قرضان من الصندوق(5) بقيمة 8 بليون دولار لمواجهة تحديات وباء كوفيد 19 استمرا طوال عامي 2020 و2021 قبل أن تتقدم في أواخر مارس 2022 بطلب قرض رابع خلال ست سنوات.(6)
وبالطبع تتضمن تلك القروض شروطا اقتصادية في مجالات اقتصادية متعددة.
ومن المعروف أن السياسات الاقتصادية تشتمل أساسا على السياسات الإنتاجية (الاقتصاد الحقيقي) كما تشتمل على السياسات المالية الخاصة بموازنة الدولة وإيراداتها ومصروفاتها، والسياسات النقدية الخاصة بميزان المدفوعات خاصة سياسات سعر الصرف ومدى حرية تداول العملة المحلية وسعر الفائدة. كما تشتمل تلك السياسات على سياسات الادخار والاستثمار، وسياسات الأجور والأسعار، وغيرها من السياسات. إلا إننا في سياق هذا المقال سوف نركز فقط على السياسات المالية باعتبارنا نتناول الموازنة العامة للدولة، ولن نتطرق إلا بشكل محدود جدا إلى سياسات أخرى خارج السياسات المالية أشارت لها الموازنة نفسها، وترتبط بها ارتباطا وثيقا.
والزاوية التي نقيم (أو بالأصح لغويا نقوم) تلك السياسات المالية تكمن في علاقتها بما نستهدفه من سياسات تنموية تحقق تقدما حقيقيا في حياة الشعب المصري.
فتستهدف السياسـة الماليـة معـدلات نمـو للمصـروفات العامـة مسـتدامة تقل عن معدلات نمو الإيرادات العامة، حيث تذكر الموازنة نصا أهداف: "خفـض معـدلات ديـن أجهـزة الموازنـة العامـة الهـدف الرئيسـي للسياسة المالية على المدى المتوسط، حيث تسـتهدف وزارة الماليـة خفـض نسـبة ديـن أجهـزة الموازنة العامة والوصول بها إلى معدلات أكثر اسـتدامة تتـراوح عنـد حـوالي 75% مـن النـاتج المحلـى مـع نهايـة العـام 2025/2026 المـالي، مقارنـة بنسـبة مديونيـة بلغـت 102.8% مـن الناتج فى نهاية عـام 2015/2016 ومتوقـع أن يصـل إلـى 85% فـي يونيـو 2022."
وتنص الموازنة أيضا على: "كما يستهدف برنامج الاصلاح المالي الاستمرار تدريجياً في خفض معـدلات نمـو الإنفـاق العام ليبلغ نحو 13.7% من ن م أ، لاستمرار جهـود إصـلاح هيكـل الإنفـاق والحد من زيادة أعباء فاتورة خدمـة الـدين".
ويوضح النص هنا بجلاء الهدف والوسيلة: الهدف الحد من إنفاق الموازنة على الأجور والدعم والخدمات الاجتماعية من تعليم وصحة، من أجل تعظيم القدرة على سداد الديون. وقد رأينا أن موازنة العام الحالي تنقسم تقريبا النصف بالنصف بين سداد أعباء خدمة الدين من أقساط وقروض بنحو 1.7 ترليون جنيه، وبين باقي أوجه الإنفاق الحكومي التي تقتصر على نحو 1.4 ترليون جنيه. ومن المنطقي بالطبع أن تكون مصلحة صندوق النقد الدولي، كدائن وكممثل لدول أخرى دائنة لمصر، تقليل كل بنود إنفاق الموازنة الجاري على الأجور والمرافق والخدمات الاجتماعية من أجل تعظيم القدرة على سداد الديون. وهذا هو جوهر السياسات التقشفية التي تتبعها الحكومة.
ويدفعنا هذا إلى التأمل في صندوق النقد الدولي كمؤسسة إقراض، هل هو جهة محايدة تقدم مساعدات فنية وقروضا من أجل تدعيم ميزانية الدولة، أم إن للصندوق هو الآخر مصلحة في سياسات معينة؟ من البديهي أن سياسة الصندوق، مع كل مؤسسات التمويل الدولية، تنطلق من المحافظة على مصالح الغرب، وتقترح علينا من السياسات ما يتوافق مع تلك المصالح. والاقتصاد الغربي يعاني من الركود وفائض الإنتاج الكاسد، كما يعاني من تراكم السيولة وضعف مجالات الاستثمار المربحة. لهذا فإن منطق إصلاحات الصندوق يركز فقط على علاج المظهر المالي والنقدي للإصلاح. أما في المجال الإنتاجي فهو يحض بقوة دائما على تحجيم تدخل الدولة في الاستثمار والتصنيع، وخصخصة وتصفية جوانب مهمة من قطاع الدولة، فهذا يساهم في تسويق فائض الإنتاج الراكد لديه. كما يشجع الاستثمار، الخاص أساسا، في الصناعات الملوثة للبيئة مثل صناعات تكرير البترول، والأسمنت، والسيراميك، والأسمدة.
وفي مجال السياسات المالية يؤكد على السياسات التقشفية بتقليل نسبة الإنفاق الحكومي من الناتج المحلي الإجمالي كما سبق القول، وما يعنيه هذا من تخفيض للدعم، ولقيمة الأجور (كليهما كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي)، والإنفاق الحكومي على الخدمات مثل التعليم والصحة؛ فإن هذا يضمن تخصيص المزيد من الموارد لسداد خدمة الديون. ويكفي في هذا المجال استعراض أثر مشروعات الاتفاقات والاتفاقات الفعلية بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي منذ مشروع اتفاق عام 1977 الذي فجر انتفاضة الخبز الشهيرة، وعام 1987، ثم برنامج التثبيت والتكيف الهيكلي مع الصندوق والبنك الدوليين عام 1991، وحتى الاتفاقات الثلاثة ومشروع الاتفاق الرابع منذ عام 2016 وحتى الآن.
ويكفينا رؤية النتائج العملية لسياسات الصندوق في الاتفاقات، فتصفية شركة المراجل البخارية قادت إلى زيادة وارداتنا من المراجل الضرورية للصناعات الغذائية وغيرها بمليارات تبني مصانع متعددة، وتصفية مصنع الحديد والصلب مؤخرا ستقود إلى الاعتماد على الاستيراد لاحتياجاتنا الضخمة المتوقعة من قضبان السكك الحديدية لمترو الأنفاق وإصلاح السكك الحديدية، ومن كمر التسليح وحديد التسليح ذي الأقطار الكبيرة، وكلاهما ضروري لكل مشروعات الكباري، مع تصفية مصنع الحديد والصلب، المصنع المصري الوحيد الذي كان يصنع تلك المستلزمات. وأعتقد أن الفاتورة السنوية أو في بضع سنوات لتلك الواردات، نظرا لفرق السعر بين الإنتاج المحلي والسعر العالمي للاستيراد، كانت تكفي لأصلاح أحوال ذلك المصنع.
كما أن عرض المصانع والشركات الحكومية للخصخصة، وعادة بأسعار بخسة، توفر لرؤوس الأموال الأجنبية مجالا ضخما ناجحا للاستثمار مع ملاحظة تركيز الاستثمارات الأجنبية الكبرى على الاستيلاء على أصول مصرية منتجة وليس إطلاقا على خلق أصول إنتاجية جديدة. لقد اضطررنا لهذا الاستطراد الطويل حول أشياء تقع في مجالات السياسات الإنتاجية لارتباطها الشديد بكل السياسات الأخرى، ولذكر ما يخصها في الموازنة من ناحية "تعظيم الاستفادة من الأصول الحكومية"، والمقصود الخصخصة، وهو ما فصلته وثيقة ملكية الدولة كما يعرف الجميع. ولكن نعود لنركز على السياسات المالية الواردة في الموازنة ومشاكلها.
أثر السياسة التقشفية على الأجور
نبدأ بسياسات الأجور، حيث تؤدي السياسات التقشفية إلى التقليل التدريجي لها. والحكومة تركز على استعراض زيادة الرقم المطلق لميزانية الأجور في كل سنة، ولكن الحقيقة هي أن ما يحدث هو تقليل نسبة الأجور إلى كل من الموازنة العامة للدولة والناتج المحلي الإجمالي.
وتقول الموازنة نصا: "كمـا نتوقـع أن يشـهد العـام المـالي ٢٠٢٢/٢٠٢١ استمرار فاتورة الأجور في حدود نسبتها إلى ن م أ لتصل إلى 4.5% من الناتج المحلى". وخلال الموازنات الأربع الماضية، وفي ظل التقشف الذي تفرضه اتفاقيات الصندوق، قلت نسبة الأجور إلى الناتج المحلي الإجمالي من 4.65% إلى 4.35%؛ كما قلت نسبتها إلى إجمالي مصروفات الموازنة من 16.31% إلى 13.05%، كما يتضح من الجدول التالي:
السنة 22-23 21-22 20-21 20-19 19-18
ن م أ 9193 7963 6923 6295 5724
الموازنة 3066 2461 2140 1911 1631
الأجور 400 361 319 289 266
أجور/ن م ا %4.35 %4.53 %4.61 %4.59 %4.65
نسبة الأجور/الموازنة %13.05 %14.67 %14.91 %15.12 %16.31
(الأرقام بليون دولار، وهي من واقع الموازنة الأخيرة، ويقتصر دورنا على إجراء حسابات النسب)
وبالطبع هذا هو السبب في الحقيقة المعروفة وهي أنه رغم رفع إجمالي رقم الأجور تظل الأجور في مصر هي الخاسر الأعظم أمام ارتفاع الأسعار فترتفع نسبة الفقر وينخفض مستوى المعيشة الحقيقي. ولكن هناك عامل آخر مولد للأوضاع المعيشية الصعبة للعاملين شديد الأهمية غير تقليل نسبة الأجور، ألا وهو التوزيع الداخلي لمخصصات الأجور بين فئات العاملين المختلفة.
في أول عام بعد ثورة يناير 2011 وفي المناخ الديمقراطي القائم وقتها بحكم الأمر الواقع، نشرت مجموعة من العاملين بالجهاز المركزي للمحاسبات أرقاما مرعبة عن توزيع الأجور. كان وقتها ميزانية الأجور 136 مليار جنيه، وبين هؤلاء العاملين أن إجمالي أجور وبدلات الإدارة العليا، وعددهم عشرين ألفا، يصل إلى 54 بليون جنيه، بينما يبلغ إجمالي أجور الباقين من العاملين في مختلف جوانب العمل الحكومي، وعددهم 5.9 مليون، يبلغ 82 بليون جنيه! أي أن 99.6% من العاملين يحصلون على 60% من إجمالي بند الأجور، بينما يحصل نحو ثلث في المائة من العاملين على 40% من ميزانية الأجور!
لم يتم أي تكذيب رسمي لتلك الأرقام المنشورة في الصحافة اليومية وقتها، ولم يتم إعمال الشفافية بشأن نشر الأرقام الحقيقية لتوزيع الأجور بين فئة الإدارة العليا وباقي الفئات. وبالطبع نذكر أن شعارات الثورة تضمنت تحديد نسبة بين الحد الأدنى والأقصى للأجور، واقترحت ا: 20. ثم جاء القانون ليجعلها 1: 35، ولكن ليس بين الحد الأدنى والأقصى، مرتب الدرجة السادسة وأعلى مرتب في الإدارة العليا، ولكن 1: 35 بين أجر الدرجة الثالثة (خريجو الجامعات) وبين أعلى أجر، وجعل هذا النسبة بين الحد الأدنى الفعلي للأجور، أي أجر الدرجة السادسة، والحد الأعلى للأجور 1: 50! وبالرغم من ذلك لم توضع ضمانات لتنفيذ تلك النسبة من نوع ما تم اقتراحه بربط كل ما يحصل عليه الموظف برقمه القومي لكيلا يتم صرف بدلات إذا ما وصل دخله إلى الحد الأقصى. وحتى هذا الحد الأقصى تم تجاهله بعد ذلك وأصبحنا لا نعرف حقيقة توزيع بند الأجور على الفئات المختلفة ومدى عدالة ذلك الهيكل.
أثر السياسة التقشفية على الدعم
بالضبط كما في بند الأجور تنص السياسات التقشفية على تخفيض نسبة الدعم والمنح والإنفاق الاجتماعي إلى الناتج المحلي الإجمالي والموازنة، فقد انخفضت نسبة الدعم إلى ن م أ عبر السنوات من 2018/2019 وحتى موازنة 2022/2023 من 5.01% إلى 3.87%، كما انخفضت نسبته إلى إجمالي مصروفات الموازنة من 17.6% إلى 11.61%. يتضح هذا من الجدول التالي:
السنة 22-23 21-22 20-21 20-19 19-18
ن م أ 9193 7963 6923 6295 5724
الموازنة 3066 2461 2140 1911 1631
الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية 356.00 311.00 264.00 229.00 287.00
نسبة دعم، منح، مزايا/ن م أ 3.87 3.91 3.81 3.64 5.01
نسبة الدعم وإجمالي الموازنة 11.61 12.64 12.34 11.98 17.60
(الأرقام بليون دولار، وهي من واقع الموازنة الأخيرة، ويقتصر دورنا على إجراء حسابات النسب)
وهكذا فبينما تقتصر الموازنة على القول بأن الدعم ارتفع سنويا لكي يصل في آخر عام من الأعوام الخمسة المعنية (بما فيها موازنة العام 22/23) من رقم مطلق 287 ب ج إلى 356 ب ج، فإنه في الحقيقة قلَّ كنسبة من ن م أ في آخر عام إلى نحو ثلاثة أرباع قيمته فقط، أو قل ليصبح نسبتة 77% من قيمته الأصلية في أول عام.
التقشف والتعليم والصحة في الموازنة
وللتعليم والصحة أهمية شديدة في الموازنة، ليس فقط باعتبارهما أهم مقومات التنمية البشرية والضمان لزيادة إنتاجية المواطن وحل معضلة التنمية، ولكن أيضا من الهام التعرض لهما نظرا لما تثيره الموازنة من لبس لا داعي له نتيجة لتضارب أرقام الموازنة نفسها!
نبدأ بالصحة؛ والإنفاق الصحي يبلغ في الموازنة 128 ب ج، بشكل لا لبس فيه، وهو ما يمثل 1.4% من إجمالي ن م أ. ويوضح تفصيل الموازنة إجمالي نصيب كل عنصر من عناصر الإنفاق، من أجور ومستلزمات وغيرها، من هذا المبلغ. ولكن فجأة، يعود نص الموازنة، عند الحديث عن أهداف الموازنة، فيقول في ص 51 من البيان المالي، عن استيفاء الاستحقاق الدستوري، حيث يقول: "تبلغ مخصصات الصحة 310 ب ج" وهو يمثل 3.4% من ن م أ. ورغم الارتباك الذي يثيره ورود الرقمين في أحاديث وزير المالية والمسئولين المختلفة عن الموازنة في الصحف، إلا أن الرقم "المحسن" الأعلى يظهر بشكل أكثر تواترا! فما علة هذا التناقض؟
بشكل غامض يورد نص الميزانية عن الرقم الأدنى، الحقيقي، 128 بليون جنيه، مسمى الإنفاق الوظيفي على الصحة؛ بينما يسمي الرقم الأعلى، 310 ب ج، مخصصات الصحة، فماذا يعني ذلك؟ وردت بعض التفسيرات غير الكاملة في الصحافة، ولكن لعل الشرح الأكثر تفصيلية للموضوع نجدها في تقرير التنمية البشرية لعام 2021 الصادر عن وزارة المالية والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة. هذا وقد صدر التقرير المذكور عام 2021 وبياناته تخص ميزانية 2020- 2021، ولكن ما يهمنا منه هو شرحه لمفهوم الفارق بين ما يسميه الإنفاق الوظيفي على الصحة وما يسميه مخصصات الصحة.
يفرق التقرير بين "الإنفاق الوظيفي على الصحة"، وهو 128 م ج في العام الحالي، وبين ما يسميه "المخصصات للبنود الأخرى ذات الصلة بخلاف القطاع الوظيفي". البنود الجديدة هي: نصيب القطاع الوظيفي من فوائد خدمة الدين العام(!). ويضيف أيضا خدمات توفير مياه الشرب والصرف الصحي باعتبارهما مقومان أساسيان في تحقيق معدلات صحية(!!)، بالإضافة إلى بنود ثانوية أخرى لم يذكرها! ولكن ما هو أثر تضخم الدين العام وتزايد أعبائه في الموازنة على الصحة حتى يصير (نصيب الإنفاق الصحي من الديون) داخلا في ميزانية الصحة؟؟؟
أيضا في كل أرجاء العالم هناك فارق بين الإنفاق الصحي، وهو الإنفاق المباشر على عناصر الصحة الأربعة، الوقاية والتشخيص والعلاج والتأهيل، وبين الإنفاق على ما يسمى بالمحددات الاجتماعية للصحة. والمحددات الاجتماعية للصحة تشتمل على المياه النقية والصرف الصحي، وعلى عناصر أخرى مثل جودة الغذاء، ومرافق الكهرباء، والطرق والنقل والمواصلات، والاتصالات وغيرها. ورغم الأثر البالغ لهذه العوامل على الصحة، إلا أن أحدا لا يضمها إلى الإنفاق الصحي، خصوصا وكلا منها يدخل في بند آخر في الموازنة مثل ميزانية المرافق والدعم وغيرها؛ وبالتالي فذكرها هنا يعد تكرارا واحتسابا لنفس الرقم مرتين! وبرهانا على هذا إن تقرير التنمية البشرية يقارن في مختلف الأرقام بين مصر ودول أخرى، إلا أن ما يسمى "مخصصات الصحة" لا تتم مقارنته مع أي دولة أخرى، لأنه يصعب تصور وجود دولة أخرى في العالم تطبق مثل ذلك المعيار العجيب!
وأعتقد أننا لا نحتاج هنا إلى أن نعيد كل ما سبق بالنسبة للتعليم، الذي تورد الموازنة "الرقم الحقيقي" الذي تسميه الإنفاق الوظيفي، ويبلغ في موازنة هذا العام 193 ب ج، كما تورد الرقم "المحسن" الذي يبلغ 476 ب ج. والسبب واضح بالطبع، فالإنفاق "الحقيقي" على الصحة لا يتجاوز 1.4% من ن م أ، كما أن الإنفاق "الحقيقي" على التعليم يبلغ كما قلنا 193 ب ج، تساوي فقط 2.1% من ن م أ. ويوضح الجدول التالي كيف إن نسبة الإنفاق على التعليم والصحة لم تتغير تقريبا خلال الموازنات الخمس، إذ بدأت نسبة الإنفاق على الصحة ب1.45% من ن م أ وانتهت بنسبة 1.39%، رغم ارتفاعها قليلا إلى 1.55% في عام أزمة وباء كوفيد 19، أي ظلت النسبة اقل قليلا من نصف الحد الأدنى للنسبة الدستورية 3%. كما أن نسبة الإنفاق على التعليم قد بدأت ب 2.15% من ن م أ وانتهت ب2.1%، أي نحو ثلث الحد الأدنى للنسبة الدستورية 6%. ويوضح الجول التالي تفاصيل الأرقام.
موازنة التعليم والصحة
السنة 22-23 21-22 20-21 20-19 19-18
ن م أ 9139 7963 6923 6295 5724
الموازنة 3066 2461 2140 1911 1631
موازنة الصحة 128.00 109.00 107.00 87.00 83.00
نسبة الصحة/ن م أ% 1.39 1.37 1.55 1.38 1.45
نسبة الصحة/إجمالي الموازنة 4.17 4.43 5.00 4.55 5.09
موازنة التعليم 193.00 173.00 158.00 125.00 123.00
نسبة التعليم/ن م أ% 2.10 2.17 2.28 1.99 2.15
نسبة التعليم/إجمالي الموازنة 6.29 7.03 7.38 6.54 7.54
(كل الأرقام الوردة هنا هي من واقع الموازنة الأخيرة، ويقتصر دورنا على إجراء حسابات النسب)

ويهمنا هنا توضيح خطأ دارج في الحديث عن النسبة التي حددها الدستور للإنفاق على التعليم والصحة. يشيع القول بأن تلك النسبة تبلغ 3% للصحة و6% للتعليم. وبالرجوع إلى مناقشات لجنة الخمسين لوضع الدستور طالب المجتمعون بتخصيص ضعف تلك النسبة، أي 6% للصحة و12% للتعليم من الناتج المحلي الإجمالي، وهي النسبة العالمية المتعارف عليها في الدول الأخرى. ولكن لأن الحكومة أو ممثليها في اللجنة تحدثت عن صعوبة ذلك، تم التوصل إلى حل وسط بأن جاءت صياغة الدستور ب "ألا يقل الإنفاق الصحي عن 3% من الناتج المحلي الإجمالي تزيد تدريجيا حتى تصل إلى النسبة العالمية" أي 6%! وبالمثل بالنسبة للتعليم.
ورغم هذا طلبت الحكومة مهلة 3 سنوات، من 2014 إلى 2017 لتطبيق النسبة الأدنى التي ستزيد تدريجيا، وتمت الموافقة على هذا. وبدأت الحكومة فعلا في زيادة النسبة سنويا حتى تصل إلى 3% في العام المالي 2017- 2018، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهى السفن، حيث تم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي أواخر عام 2016، والمسمى بالإصلاح الاقتصادي، على برنامج قرض الاثني عشر مليار دولار، وما اشتمل عليه من شروط تقشفية، فعادت نسبة الإنفاق على التعليم والصحة من الناتج المحلي الإجمالي لتنخفض من جديد وتصل للحدود الضئيلة التي أوضحناها. وفي دليل أخير على خرافة الوصول بالإنفاق على التعليم والصحة إلى النسب الدستورية كما ادعت الموازنة في أحد مواضعها جاء حديث رئيس الجمهورية في إفطار العائلة المصرية لكي يقر صراحة، وبعد تأكيد الأرقام مع القائم بأعمال وزير الصحة ومع رئيس الوزراء، بأننا لا ننفق سوى نصف النسبة الدستورية على التعليم والصحة. ورغم صحة هذا الإقرار، إلا أنه فيما يبدو كان يستخدم في سياق الخطاب للحديث عن الحل بإشراك القطاع الخاص لعجز الدولة عن الوفاء بتلك الالتزامات.
ولعل أحد أكثر الآثار فداحة لتقليل الإنفاق على التعليم والصحة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي هو قلة عدد الأطباء والمعلمين الشديدة عن المعدلات المثلى. وأثناء تبادل الحوار بين الرئيس في إفطار العائلة المصرية مع القائم بأعمال وزير الصحة أكد الوزير دقة الرقم الذي قاله الرئيس من إن لدينا 0.7 طبيب لكل ألف مواطن، أي نصف النسبة العالمية. وأرجع الخطاب السبب إلى هجرة الأطباء نظرا لضعف المرتبات! كما أعلنت الحكومة في الموازنة تعيين 30 الف مدرس سنويا لمدة 5 سنوات ورصد لهذا الغرض في الموازنة الحالية 1.8 بليون جنيه، بعدما أعلن وزير التعليم (ردا على لوم مجلس الشعب له بخصوص تدني مستوى التعليم) أنه يعاني عجزا في عدد المدرسين يقدر ب 327 ألف مدرس، وأنه ليس لديه ميزانية حتى لاستخدام مدرسين بالحصة. ووعدت الموازنة كذلك بتعيين ثلاثين ألف طبيب وصيدلي بالمثل، وإن لم تخصص لها زيادة في موازنة المرتبات كما فعل مع المدرسين. ولكن السؤال: هل هذا حل فعلا للمشكلة، في ظل أن عدد المعلمين الذين يحالون على المعاش سنويا يتراوح بين خمسة وأربعين إلى خمسين ألف مدرس؟!!! أليس معنى هذا أنه رغم تعيين هذا العدد سيزيد العجز في المعلمين سنويا؟ الا يضع هذا يدنا على أثر نقص الموازنة على تدهور التعليم والصحة وتفاقم هذا الأثر مع الوقت؟؟
السياسات الضريبية والدور الاجتماعي للموازنة
نأتي للسياسات الضريبية. سبق وأن أوضحنا أن الضرائب هي العنصر الرئيسي في إيرادات الدولة إذ يشكل مجموعها 77% منها. والحديث عن الضرائب يقودنا لتوضيح دور هام آخر للموازنة العامة للدولة. سبق القول إن الدولة تتحصل على موارد تساوي نحو ثلث الناتج المحلي الإجمالي على صورة ضرائب وموارد سيادية من أجل أن تقوم بالخدمات العامة للمواطنين من أمن ومرافق وخدمات اجتماعية. إلا أن هذا ليس هو الدور الوحيد للموازنة، فالدور الآخر الهام هو إعادة توزيع الدخل بين فئات وطبقات المجتمع المختلفة؛ فالدولة لا تتحصل على مواردها ولا تقدم خدماتها بالتساوي بين مختلف فئات المواطنين.
ويتضح هذا من الحقيقة البسيطة: من هو الممول الرئيسي للدولة، ومن هي الجهات الأكثر استفادة من الإنفاق الحكومي؟ فإذا كانت الضرائب تأتي أساسا من الفئات الغنية، أي من عائد الأرباح والفوائد والريع التي تحصلها الحكومة من تلك الطبقات، وتطبق بشكل تصاعدي يقع عبؤه أساسا على الأغنياء، وتستخدم تلك الموارد في تقديم الخدمات العامة من خلال تعليم جيد وخدمات صحية جيدة ومرتبات ومعاشات تضمن حياة كريمة، وتقدم تأمينا اجتماعيا واسعا وكافيا، كما تقدم ضمانا اجتماعيا للفئات الفقيرة، وتقدم دعما ومزايا اجتماعية للطبقات الفقيرة فهي إذن تعيد توزيع الدخل في المجتمع بطريقة اجتماعية إيجابية. والعكس صحيح، فإذا كان عبئ الضرائب يقع أساسا على الطبقات الفقيرة، ويعجز عن تقديم الخدمات الكافية لها، ويقدم الخدمات للجمهور محملة برسوم مرتفعة، على مختلف الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة للشعب، ويذهب جزء معتبر منها لدعم الأثرياء والمستثمرين فهي تعيد توزيع الدخل بطريقة سلبية وتخل بالسعي حول المساواة والعدالة الاجتماعية.
ومن النظرة الأولى يتضح أن أكبر ضريبة يتم تحصيلها هي ضريبة القيمة المضافة التي تطبق على السلع والخدمات، وتبلغ حصيلتها 478 ب ج وتمثل وحدها 41% من إجمالي حصيلة الضرائب في مصر التي تبلغ 1169 ب ج. ونلاحظ أن ضريبة المبيعات التي سبقت ضريبة القيمة المضافة وتبلغ 10% قد تم فرضها عام 1991، عام اتفاق التثبيت والتكيف الهيكلي مع الصندوق والبنك الدوليين(7) . ثم تحولت الضريبة إلى الضريبة المضافة بعد أن صارت تشمل الخدمات أيضا بجانب السلع، بقيمة 13% قرب نهاية عام 2016، (8) موعد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على قرض 12 مليار دولار، ثم تم زيادة قيمتها من 13% إلى 14% منذ يوليو 2017.
وضريبة القيمة المضافة وسلفتها ضريبة المبيعات تتميز بسهولة فرضها وارتفاع عائدها، كونها تطبق على كل السلع والخدمات، ومشكلتها أنها، كضريبة غير مباشرة، هي ضريبة غير تمييزية، تطبق على الجميع وتطال كل ما يحصل عليه المواطنون من سلع وخدمات. وهي، رغم تطبيقها في أكثر من مائة دولة في العالم، إلا أنها عندما تطبق في سياق تفاقم نسبة الفقر التي تبلغ، في سنين الاتفاق مع صندوق النقد لعام 2016- 2019، بين 30 و33% من أفراد الشعب. وليست هذه هي الضريبة الوحيدة التي تطال الفقراء ومتوسطي الدخل وتؤثر بالسلب على مستوى حياتهم. هناك أيضا الجمارك التي تبلغ إيراداتها 46 ب ج. يضاف إلى ذلك ضريبة المرتبات وتبلغ 107 ب ج، وضريبة التمغة على المرتبات 3.5 ت ج. مجموع المبالغ السابقة يبلغ نحو 635 ب ج ويمثل 54% من الإيرادات الضريبية بالموازنة. وفي الحقيقة فإن هناك أيضا أوعية أخرى يقع عبؤها على المواطنين، هي الرسوم التي تحصلها الحكومة مقابل الخدمات، وقد رأينا الزيادة الكبيرة في الفترة الأخيرة لرسوم تراخيص القيادة والسيارات، ورسوم الشهر العقاري وغيرها.
أما باقي حصيلة الضرائب، 46% من الحصيلة، فيتوفر من مصدرين: الضرائب التي تدفعها جهات حكومية، والضرائب على عوائد المستثمرين.
والضرائب التي تدفعها الجهات التابعة للحكومة تتمثل في ضرائب البترول المختلفة (41 ب ج ضريبة على البترول، 35 ب ج ضريبة على المنتجات البترولية) وضرائب المفروضة على قناة السويس (40 ب ج بالإضافة إلى إتاوة موارد 6 ب ج)، ضرائب البنك المركزي 25 ب ج. مجموع الضرائب السابقة 147 ب ج تمثل حوالي 13% من إجمالي الإيرادات الضريبية. لا تقتصر الضرائب الواقعة على الجهات الحكومية على هذا فقط، ولكن هناك ضرائب أخرى، مثل ضريبة الشركات وتبلغ 166 ب ج، إلا أنها تضم شركات القطاع الخاص بالإضافة إلى شركات القطاع العام (ماعدا قطاع البترول وقطاع قناة السويس). وينبغي أن ندرك أننا نتحدث هنا عن الضرائب المفروضة على قطاع البترول وقناة السويس، ولكن الفائض المحول من تلك الجهات إلى الخزانة العامة لا يقتصر على ذلك، إذ هناك أيضا الفائض، أو الأرباح المحولة للخزانة العامة من تلك الجهات.
نأتي للضرائب على الأغنياء والثروات وعوائد الملكية. نجد أن ضرائب النشاط التجاري والصناعي على الأشخاص الطبيعيين تبلغ 63 ب ج، وضريبة النشاط المهني 6 ب ج، وضريبة الثروة العقارية 2 ب ج. وهناك أوعية للضرائب تطبق على كل من القطاع الحكومي والقطاع الخاص، والنسبة بينهما غير مبينة مثل الضرائب على سندات وأذون الخزانة وتبلغ 93 ب ج، والحائز الرئيسي لتلك الأذون والسندات هو بنوك القطاعين العام والخاص، بالإضافة إلى ضريبة الأرباح الصناعية على الشركات وقيمتها الإجمالية 166 ب ج كما ذكرنا.
إذن فإن الضرائب التي تمثل 77% من موارد الميزانية يقع عبؤها الرئيسي على المواطنين جميعا، بأغلبيتهم الفقيرة ومتوسطة الدخل. يلي ذلك الضرائب التي تدفعها الجهات التي تديرها الدولة. أما الضرائب على المستثمرين في صورة ضرائب الدخل والأرباح التجارية والصناعية والضريبة على التحويلات الرأسمالية، فلا تمثل سوى القليل من إجمالي متحصلات الضريبة. نلاحظ أن السياسات الضريبية المتبعة للتيسير على رجال الأعمال ساهمت في تقليل الأعباء عليهم. حتى سنة 2005 كان الحد الأقصى للضريبة على دخل الأفراد وعلى الشركات يدور حول 40%، وهذا يماثل ما يحدث في دول متقدمة كثيرة: فالحد الأقصى للضريبة يبلغ 42% في ألمانيا و45% في فرنسا و45% في بريطانيا. وفي أمريكا يبلغ الحد الأقصى للضرائب الفيدرالية 37% ويضاف إليه ضريبة الولاية، وهى تتراوح بين الصفر (حيث لا تطبقها القليل من الولايات) إلى الحد الأقصى 12.3%).
ولكن في عهد لجنة سياسات جمال مبارك ووزارة أحمد نظيف، تم إقرار قانون جديد للضرائب عام 2005 جعل الحد الأقصى للضريبة 20%. ورغم أن الدستور المصري لعام 2014 الذي صدر في مناخ ثورتي 2011 و2013 قد نص على مبدأ الضريبة التصاعدية، إلا أن هذا لم يطبق إلا في أقل القليل حيث زاد الحد الأقصى للضريبة على مرتين إلى 25%. وتم هذا في سياق زيادة الضرائب على جموع الشعب من خلال ضريبة القيمة المضافة وضرائب المرتبات وغيرها. والحجة الرئيسية لتبرير هذا الوضع هو أن التيسير على المستثمرين يقود إلى توسيع مجال الاستثمار وخلق فرص العمل ومقاومة البطالة، وبالتالي تزايد رخاء الشعب، وهو ما عُرِف بنظرية تساقط الثمار، وهو أحد أهم أركان السياسات النيوليبرالية، ويشكل بندا ثابتا في توصيات صندوق النقد الدولي ومؤسسات التمويل الدولية.
إلا أن عقودا من تطبيق تلك السياسات لم تنتج سوى تزايد فجوة الدخول وتصاعد مستوى الفقر حتى وصل إلى ثلث شعبنا كما رأينا. ونلاحظ أيضا مفارقة كبرى، وهي أنه رغم تقليل الضرائب على الأغنياء وزيادتها على الفقراء، فإن هذا ترابط مع تقليل خدمات الدولة المقدمة للفقراء ومتوسطي الدخل من خلال تدهور ميزانيات التعليم والصحة وتقليل نسبة ميزانية الأجور والدعم إلى الناتج المحلي الإجمالي كما رأينا. وهذا أيضا في الحقيقة ركن ثان من أركان السياسات النيوليبرالية التي تمثل ركنا ثابتا في توصيات مؤسسات التمويل الدولية، وهو الخاص بالسياسات التقشفية وتقليل الإنفاق الحكومي من أجل ضمان القدرة على سداد الديون كما أوضحنا من قبل.
كلمات حول الديون
وإذا كان تضخم الديون هو العبء الأكبر والمشكلة الرئيسية في الموازنة بحيث يلتهم 54% من استخدامات موازنة العام الحالي وكان يلتهم 57% من موازنة العام الماضي، لذا يلزم التناول الموجز قدر الإمكان لموضوع الديون. يبلغ الدين الخارجي الإجمالي لمصر 145.5 بليون دولار (ب -$-) في يناير 2022، بل ووصل إلى 157.8 (ب -$-) في نهاية الربع الأول (مارس) 2022 (9)، وتبلغ قيمته بأسعار داليوم حوالي 3 ترليون (2971 بليون) جنيه. أما الدين الداخلي فقد بلغ خلال عام 2021 5500 بليون (خمسة ترليون) جنيه (10). ويتوزع الدين العام بنسبة 40% للدين الخارجي و60% للدين الداخلي. وتتوقع بيانات الموازنة أن يصل الدين العام الإجمالي إلى 85% من ن م أ، أي إلى 7814 مليار جنيه.
النقطة الأولى التي تثير اهتمامنا هي بالطبع أسباب تلك الديون. وترجع الأسباب المباشرة إلى:
• العجز الداخلي أو عجز الموازنة العامة للدولة بمعنى تفوق مصروفاتها على إيراداتها كما رأينا.
• العجز الخارجي أو عجز ميزان المدفوعات مع الخارج.
• الفجوة الاستثمارية بين الادخار والاستثمار.
• وهناك جانب آخر هام من أسباب الديون، وهو الإسراف الشديد في كل من القطاع الحكومي والمجتمع. في ظل تلك الأزمة الخانقة وقلة الإنتاج، وقلة الموارد، نرى الكثير من أوجه الإسراف والترف في الإنفاق الحكومي، وما شراء السيارات الفارهة وتحديث موديلاتها سنويا. وقد سبق أن بينَّا بنود الإسراف الحكومي في الأجور والبدلات الممنوحة لكوادر الإدارة العليا.
وهناك ولكن في خلفية تلك الأسباب المباشرة للديون تقع الأسباب الهيكلية لمشاكل الاقتصاد ككل، ألا وهي أننا ننتج أقل مما نستهلك، كما أننا نصدر أقل مما نستورد، وندخر أقل مما نستثمر. والتدهور الإنتاجي يتضح في زيادة الفجوة الغذائية، والزيادة المستمرة في الواردات الصناعية، ليس فقط من الآلات ومستلزمات الإنتاج والسلع الوسيطة، ولكن أيضا من السلع الاستهلاكية تامة الصنع. ويضاف إلى هذا الخلل الهيكلي في هيكلنا الصناعي باقتصاره أساسا إنتاج سلع الاستهلاك بدون إنتاج وسائل الإنتاج.
ولم ينعكس التضخم الشديد في الديون في زيادة الاستثمارات التي تراوحت في العقد الأخير بين 12% و19% من ن م أ، وهي نسبة شديدة التواضع. لقد تم استخدام قسم هام من تلك القروض في تطوير المرافق والبنية التحتية، وفق نظرية أن دور الدولة هو تطوير تلك البنية حتى يأتي الاستثمار المحلي والأجنبي ليحل مشكلة التنمية وإتاحة فرص العمل. وبالطبع فهذا جزء من السياسات النيوليبرالية ضمن عقيدة مؤسسات التمويل الدولية، وهو ما تطلق عليه "نظرية تساقط الثمار"، بمعنى أن إتاحة التسهيلات الضريبية وغيرها للمستثمرين تؤدى إلى زيادة الإنتاج وتوافر فرص العمل، وبالتالي ينتشر الرخاء في المجتمع ككل. ولكن من الملاحظ أن تطبيق تلك السياسة طوال ما يقرب من نصف قرن منذ بداية الأخذ بسياسة الانفتاح الاقتصادي عام 1974 حتى الآن لم تؤدِ إلى قدوم رأس المال لصنع التنمية، ولكنها قادت بالتأكيد إلى تطور المرافق، وزيادة الديون من أجل تلك المرافق، والاضطرار للخصخصة وبيع الأصول الإنتاجية للمساهمة في سداد تلك الديون (ووثيقة ملكية الدولة هي خطوة ضخمة في ذلك السياق)، أي تطوير المرافق على حساب الأصول المنتجة!
إن خبرة كل الأنظمة التنموية في العالم تبنت التوازن بين تطوير الأصول المنتجة وبين تطوير المرافق، وبالطبع فالأول يوفر الموارد للصرف على الثاني، كما أثبت واقع بلادنا أثر تطبيق تلك السياسة لعقود النتائج المتمثلة في الديون وتقلص الإنتاج.
أما أوجه الإسراف في المجتمع فهي أكثر مما يمكن حصره، وقد رأينا تكلفة الأفراح بملايين كثيرة، وعدد السيارات الفارهة التي يتم اقتناؤها، بل واليخوت والطائرات الخاصة. أليس هذا تبديدا للفائض الاجتماعي على الإنفاق السفيه بدلا من توجيهها للتنمية؟ ألا نرى الفرق بين أنماط الإنفاق للطبقات الغنية السائدة في فترة طلعت حرب مثلا حيث يسود الاستثمار، وبين أوجه إنفاقها الآن حيث يسود الإنفاق السفيه؟ هل يمكن التدخل في وجوه الإنفاق الترفي للأغنياء؟ فلنرى مثل اليابان: هناك تفرض ضريبة خاصة على الإقامة في الفنادق إذا تجاوز أجر الليلة الواحدة عشرة آلاف ين، وكذلك على وجبة العشاء في المطعم إذا تجاوزت خمسة آلاف ين! كما تفرض ضرائب على استخدام ملاعب الجولف وعلى زيارة الينابيع الحارة (11)! أليست هذه وسيلة، ليس فقط إلى زيادة الإيرادات الضريبية، ولكن إلى تشجيع تعبئة الفائض الاجتماعي وإنفاقه على الاستثمار المنتج بدلا من تبديده على الإنفاق السفيه؟
ومادمنا قد استعرضنا أثر السياسات النيوليبرالية في التقشف وتقليل الأجور والدعم والخدمات، وفي التخلص من الكثير من أصول الدولة الإنتاجية والخدمية وتقليل دور الدولة في التنمية للتركيز على المرافق، فإنه يبقى من المهم الإشارة السريعة إلى جانب آخر من جوانب السياسة النيوليبرالية ذو علاقة وثيقة بالسياسات المالية الخاصة بالموازنة، هو سياسة التسعير. ذكرنا من قبل نص الموازنة الذي يقول " سياسة التسعير السليم للسلع والخدمات لضمان كفاءة تخصيص الموارد"، وهو ركن هام من أركان السياسات النيوليبرالية، ومضمونه هو أن الأسعار يجب أن تعكس القيمة السوقية الحقيقية للسلعة، ليس فقط على مستوى الإنتاج المحلي، ولكن السعر العالمي.
بهذه الحجة تطالب السياسات النيوليبرالية بإعمال قوانين السوق الحرة المحلية والدولية، وترفض كل من سياسات التسعيرة الجبرية، وسياسات الدعم إلا في أضيق الحدود، باعتبارها كلها "تشوه قوانين السوق"، وتعتبر أن ممارسة تحرير الأسعار حتى في مستوى السياسات الخارجية بإعمال ما يسمى بالسعر العالمي يفيد فيما تسميه "كفاءة تخصيص الموارد" عن طريق إغلاق الصناعات التي لا تستطيع المنافسة، وبروز الصناعات التي يتفوق فيها البلد المعني أو المنتج المعني داخل البلد. ويغفل هذا عدم عدالة المنافسة بين السوق المحلية والعالمية من ناحية تقدم التكنولوجيا ومستوى العمالة في الدول المتقدمة. حسبنا أن نرى أثر تطبيق تلك السياسات في بلادنا لعقود طويلة.
كانت مصانع الأسمدة في مصر تربح، وتنتج وتبيع إنتاجها للسوق المحلية. وبعد إعمال فتح الأسواق أصبح المنتجون يجدون التصدير أكثر فائدة لهم، وانعكس هذا على ارتفاع أسعار السماد المحلية لمستوى الأسعار العالمية ومعها الغذاء. وحتى الآن تبيع شركات السماد الحكومية جزءا من إنتاجها لوزارة الزراعة بسعر مخفض، وجزءا آخر بالسعر الحر، وتصدر جزءا ثالثا، وتحقق في المحصلة أرباحا عالية. والآن ومع تخارج الحكومة من صناعة السماد وخصخصة الباقي من تلك المصانع ستحدث كارثة المزيد من أسعار الغذاء. لقد كانت عالمية الأسعار مفيدة للمنتجين المرتبطين بالتصدير بقدر ما كانت كارثة على المصريين الذين فُرِض عليهم شراء السلع بالأسعار العالمية التي تباع بها السلع في الخارج بينما تقل دخولهم عن 10% من دخل المواطنين بالخارج!
اقتراحات بديلة للسياسة المالية الحالية من أجل الخروج من الأزمة
تواجه بلادنا أزمة اقتصادية خانقة، ومظهرها المباشر هو تفاقم الديون وضخامة أعبائها التي التهمت وحدها 54% من استخدامات موازنة العام المالي الحالي 2022/2023. وتطرح الحكومة حلا لها يتمثل في مجموعة من السياسات المالية والنقدية وغيرها، وتستند إلى تخارج الدولة من عدد كبير من الأنشطة وخصخصة واسعة لأصول إنتاجية وخدمية، وتجسد تفاصيل ذلك الحل في وثيقة ملكية الدولة. ونحن نرفض ذلك الحل الذي يؤخر التنمية عقودا إلى الوراء، فالتنمية في كل مكان، وبنص الدستور المصري، تعتمد على قطاع الدولة والقطاع الخاص معا وليس على تصفية معظم قطاع الدولة.
الأوضاع الطارئة تقتضي إجراءات طوارئ. ولابد لخطة تقشف عاجلة تستمر لمدة ثلاث سنوات، على أن تستوفي عددا من المعايير:
• تأمين الوفاء بالاحتياجات الأساسية لجماهير الشعب.
• خطة تقشفية شديدة مؤقتة على الطبقات القادرة، إسهاما منها في تحمل الأزمة الحالية، فهي الأقدر على ذلك.
• الحفاظ على أصول الدولة الإنتاجية التي راكمتها الأجيال السابقة وعدم التفريط فيها لإنفاق عائدها إنفاقا استهلاكيا.
أولا: إجراءات الخطة العاجلة، وتطبق لمدة ثلاث سنوات، ويعاد بحث الوضع في نهاية المدة:
1- العمل بمبدأ الضريبة التصاعدية الذي أقره الدستور، مع ملاحظة أن الحد الأقصى للضرائب في مصر، 25% حاليا، كان يدور حول 40% للأفراد والشركات حتى عام 2005؛ (وهذا أقل من ألمانيا (42%) وفرنسا وبريطانيا (45%).
2- عودة ضريبة التركات ورسم الأيلولة، التي تفرضها الدول المتقدمة بشرائح تصل إلى 50% وأكثر من ذلك، وقد كانتا 44% للتركات و22% للأيلولة حتى تم إلغاؤهما تباعا في الثمانينات والتسعينات، وعادت مؤخرا (2018) بشكل خجول كضريبة على بيع العقارات الموروثة 2.5%.
3- فرض ضريبة الثروة على الثروات الكبيرة لمرة واحدة من أجل مساهمة الأغنياء في النهوض بأعباء أزمة الوطن المصيرية.
4- فرض ضريبة مجزية على أرباح البورصة، وهو ما بدأ خجولا ويجب زيادته.
5- وقف كل أوجه الإسراف الحكومي فورا بتجميد شراء السيارات وتجميد إعادة تأسيس مكاتب الإدارات العليا وكل أشكال الترف الحكومي.
6- وقف تبديد الفائض من العملة الصعبة والعملة المحلية بوقف استيراد سلع الترف مؤقتا (وهو ما تسمح به قوانين منظمة التجارة الحرة وغيرها في الأزمات، وبشرط تحديد المدة) مثل السيارات الفارهة ومختلف السلع الأخرى الاستهلاكية والغذائية.
7- فرض ضريبة على أشكال البزخ المترفة مثل الأفراح التي تتكلف الملايين، وملاعب الجولف، وغيرها، قد ذكرنا أنها مطبقة في اليابان.
8- تعبئة الشعب لمواجهة الأزمة بالحرص على توفير احتياجاته الأساسية من خلال حد أدنى عادل للأجور يكفل الوفاء بالمتطلبات الأساسية للحياة
9- فرض حد أعلى للأجور بكل مشتملاتها لا يزيد عن عشرين ضعفا للحد الأدنى ويتم التحقق منه بربط كل ما يصرف لموظفي الدولة بالرقم القومي لكل منهم. ويلاحظ أنه في الولايات المتحدة الأمريكية النسبة بين الحد الأدنى للأجور (حوالي 15000 دولار سنويا) وبين الحد الأقصى (مرتب الوزير، 191000 دولار سنويا) حوالي 1: 14.
10- زيادة الإنفاق الحكومي فورا على التعليم والصحة للوصول إلى الحد الأدنى للنسب الدستورية (6% و3% على التوالي)، لأنها نسب تنبع من الأهمية ولا تتوقف على دخل كل دولة. ولا يعقل أن تكون مصر من أقل دول العالم شاملا العالم العربي، بل وأفريقيا، على التعليم والصحة. إن انسحاب الدولة جزئيا من تلك المجالات وتوسيع إسهام القطاع الخاص كبديل فيها يعني تحويل الحق في التعليم والصحة إلى سلعة، وتؤمن فقط لمن يملك. وفي النهاية فالتعليم والصحة كلاهما حق من حقوق الإنسان، وأداة التنمية البشرية، أهم مقومات التنمية.
11- تطوير قانون حماية المنافسة ومنع الاحتكار، والحرص على التطبيق الحقيقي له، وتحديد الأسعار بتكلفة الإنتاج مع إضافة هامش ربح معقول، فقد فرضت التسعيرة الجبرية في مصر في ظروف الحرب العالمية الثانية، ولا نظن أن أوضاعنا الآن بأقل سوءا.
إن ما سبق يتعلق أساسا بالسياسات المالية لمواجهة الأزمة الراهنة. وبالطبع فلابد وأن يتكامل هذا مع سياسات إنتاجية استراتيجية تركز على توجيه الإنتاج في المحل الأول لإشباع الاحتياجات الاجتماعية وتحقيق أقصى قدر من الاكتفاء الذاتي الغذائي والصناعي وغيره. كما لابد وأن يتكامل مع سياسات نقدية تقوم على استعادة الجنيه المصري لسيادته في بلده والسيطرة على سعر صرف الجنيه أما العملات الأجنبية وعلى سعر الفائدة ليتحدد في المقام الأول حسب احتياجات بلادنا، دون ربطه بعملة واحدة يصعد ويهبط معها. ولكن كل هذا يحتاج معالجة مستقلة بالطبع ويخرج عن حدود السياسات المالية التي عالجناها في سياق استعراض الموازنة العامة للدولة وتقويمها.
دكتور محمد حسن خليل
الحزب الاشتراكي المصري
23 يوليو 2022




جدول إجمالي لأهم مؤشرات الموازنة العامة للدولة لعام 2022- 2023
مقارنة بالسنة السابقة عليها 2021- 2022
2022- 2023 2021- 2022
الناتج المحلي الإجمالي ن م أ 9193 بليون ج 7925 ب. ج.
معدل نمو ن م أ 5.5% 5.7%
استخدامات الموازنة العامة للدولة 3066 ب ج 2461 ب ج
نسبة الموازنة % إلى ن م أ 33.4% 31.1%
الاستخدامات الجارية 2071 ب ج 1838 ب ج
صافي حيازة الأصول المالية 5.1 ب ج 2.9 ب ج
فوائد القروض، ضمن موازنة جارية 690 ب ج 580 ب ج
أقساط القروض، ضمن موازنة إجمالية 966 ب ج 593 ب ج
أعباء خدمة الدين (فوائد + قروض) 1656 ب ج 1173 ب ج
خدمة الدين % من الموازنة 54% 57%
خدمة الدين % من ن. م. أ. 18% 15%
إيرادات الموازنة العامة للدولة 1518 ب ج 1365 ب ج
الإيرادات الضريبية 1169 ب ج 983 ب ج
الموارد السيادية 348 ب ج 380 ب ج
حجم الاقتراض (مقدار العجز الكلي الموازنة) 1524 ب ج 1069 ب ج
عجز الموازنة الجارية والاستثمارية 558 ب ج 476 ب ج
"الفائض الأولي" في الموازنة 132 ب ج 105 ب ج
الفائض الأولي % من ن م أ 1.4% 1.3%
ميزانية الصحة أو الإنفاق الوظيفي 128 ب ج 108 ب ج
نسبة ميزانية الصحة من ن م أ 1.4% 1.4%
نسبة ميزانية الصحة من استخدامات الموازنة 4.2% 5.3%
"مخصصات الصحة" 310 ب ج 276 ب ج
نسبة "مخصصات الصحة" من ن م أ 3.4% 3.5%
ميزانية التعليم، أو الإنفاق الوظيفي 193 ب ج 173 ب ج
نسبة ميزانية التعليم من ن م أ 2.1% 2.2%
نسبة ميزانية التعليم من استخدامات الموازنة 6.2% 8.4%
"مخصصات التعليم" 476 ب ج 388 ب ج
نسبة مخصصات التعليم من ن م أ 5.2% 4.9%
مصادر الدراسة:
(1) المصدر هنا وفي كل ما سيأتي من نصوص من الموازنة ومن الأرقام مصدره نص الموازنة المقدم من الحكومة لمجلس النواب، بالذات من كتابي: البيان المالي من مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2022/2023" و"البيان التحليلي من مشروع الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2022/2023". وهو متوفر على موقع وزارة المالية من خلال الرابط: https://www.mof.gov.eg/ar/posts/stateGeneralBudget/627bb3136b2340000aca3b95/%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B2%D9%86%D8%A9%20%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A9%202022%2023

(2) "وثيقة ملكية الدولة" يونيو 2022 النسخة النهائية على الرابط: https://www.masrawy.com/news/news_economy/details/2022/6/13/2241825/%D9%85%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D9%88%D9%8A-%D9%8A%D9%86%D8%B4%D8%B1-%D9%86%D8%B5-%D9%88%D8%AB%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%85%D9%84%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A5%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82%D9%87%D8%A7-%D8%B1%D8%B3%D9%85%D9%8A-%D8%A7

(3) صندوق النقد الدولي "مصر تتوقع التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي خلال أشهر قليلة جدا" بالإنجليزية: " Egypt expected to reach agreement on new IMF programme within ‘very few months’" على موقع صندوق النقد الدولي على الرابط: https://english.ahram.org.eg/NewsContent/3/12/466265/Business/Economy/Egypt-expected-to-reach-agreement-on-new-IMF-progr.aspx

(4) المصدر السابق.
(5) صندوق النقد الدولي "المراجعة الثانية والنهائية لاتفاقية الإصلاح الاقتصادي مع مصر الخاصة بمواجهة وباء كوفيد 19 second and final review of Egypt’s economic reform program supported by a 12-month Stand by arrangements (SBA) على الرابط: https://www.imf.org/en/Countries/EGY/Egypt-qandas#Q6
(6) "مصر تتوقع التوصل ...مصدر سبق ذكره
(7) "الضريبة العامة على المبيعات المصرية وإمكانية الأخذ بالضريبة على القيمة المضافة" د. عبد المنعم عبد الرحمن على الرابط: file:///D:/Data/Economic%20studies/%D8%A7%D9%84%D8%B6%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A9%20%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A8%D9%8A%D8%B9%D8%A7%D8%AA%20%D9%88%D8%A5%D9%85%D9%83%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%B0%20%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B6%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D8%A9%20%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%81%D8%A9.pdf

(8) "ضريبة القيمة المضافة" أمل عبد الحميد ومنى عبد القادر, على الرابط التالي:
file:///C:/Users/Mohamed%20Khalil/Downloads/%D8%B6%D8%B1%D9%8A%D8%A8%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%81%D8%A9.pdf

ا(9) لدين الخارجي المصري، بالإنجليزية "Egypt External Debt" https://www.ceicdata.com/en/indicator/egypt/external-debt

(10) ديون مصر الخارجية تقفز إلى 317 في المئة" خالد المنشاوي، على الرابط: https://www.independentarabia.com/node/337096/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF/%D8%AF%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%82%D9%81%D8%B2-%D8%A5%D9%84%D9%89-317-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A6%D8%A9

(11) " الضرائب في اليابان: رسوم الفائدة، أنواع الضرائب" على الرابط:
https://ar.campwaltblog.com/4235364-taxes-in-japan-interest-charges-types-of-taxes



#محمد_حسن_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطاب الرئيس السيسي والأزمة المجتمعية والحل المطروح
- الحرب في أوكرانيا وعلى ساحة العالم
- الجزر النيلية في مصر والاستثمار العقاري
- القاهرة من جديد وتخطيط المدن
- ميزان المدفوعات المصري بين الديون والخصخصة
- بدايات خصخصة شركة أبو قير للأسمدة
- قراءة في تقرير التنمية البشرية في مصر 2021 مع التركيز على ال ...
- مرحلة حرجة من عمر الثورة السودانية
- إيران والغرب والعرب
- أفغانستان بين النجاح والفشل
- نظرة سريعة على وباء كوفيد 19 في منتصف عام 2021
- حرائق، فيضانات، أعاصير
- الحق في الحياة والأجور في مصر
- ملاحظات على أثر أزمة كورونا على السياسات الاقتصادية العالمية
- تصاعد الإرهاب والاستهانة بالمشاعر الدينية
- السلام مقابل السلام والسلام الأمريكي الإسرائيلي
- المواجهة بين مصر وأثيوبيا
- السباق على المركز العاشر- إيران والنادي النووي
- أولاد الناس- ثلاثية المماليك لريم بسيوني
- المأزق اللبناني وآفاق الحلول


المزيد.....




- هتكسب أضعاف الفلوس اللي معاك في شهر واحدة بس .. مع أفضل 6 شه ...
- حرب السودان.. كلفة اقتصادية هائلة ومعاناة مستمرة
- -قضية الذهب الكبرى-.. قرار جديد من هيئة مصرية بحق رجل الأعما ...
- ستاندرد أند بورز? ?تخفض تصنيف إسرائيل طويل الأجل 
- اعملي ألذ صوص شوكولاته للحلويات والتورتات بسيط جدا واقتصادي ...
- تباين أداء بورصات الخليج مع اتجاه الأنظار للفائدة الأميركية ...
- صندوق النقد: حرب غزة تواصل كبح النمو بالشرق الأوسط في 2024
- لماذا تعزز البنوك المركزية حيازاتها من الذهب؟
- كيف حافظت روسيا على نمو اقتصادها رغم العقوبات الغربية؟
- شركات تأمين تستخدم الذكاء الاصطناعي لرصد عمليات الاحتيال


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد حسن خليل - قراءة في الموازنة العامة لمصر للعام المالي 2022- 2023