أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسان عشاق - الحصار















المزيد.....

الحصار


الحسان عشاق
روائي وكاتب صحفي


الحوار المتمدن-العدد: 7309 - 2022 / 7 / 14 - 17:51
المحور: الادب والفن
    


القرص الملتهب ينحني نحو الافق البعيد متهالكا، مستسلما في بلادة، ينسلخ لونه يتحول إلى برتقالة كبيرة مشدودة في الهواء بقدرة قادر، تهبط في تثاقل داخل قعر عميق، ثمة عصافير تسبح في الفضاء الواسع، تتجه جماعات وفرادى نحو الشرق، تسرع إلى أوكارها، الظلام ينشر مالائته يلبسها قهرا للمدينة الرابضة، سيارات تنهب الطريق، راجلون يركضون في كل اتجاه، الاعمدة الكهربائية القليلة عند مدخل المدينة فترت مصابيحها عن ضوء خافت، بعضها معطل مند زمن بعيد إصلاحها مرتبط بمناسبة ما ....مزابل منتشرة على جنبات الطرقات والازقة يقتات منها الانسان والحيوان.
الظلام غلف المدينة، الشوارع لم يعد لها معنى في هذه الاوقات، الخوف يسكنها يتجول فيها لابسا البسة و أقنعة قاسية، صوت الاحذية تسرقه الجدران المتلصصة، دقات القلب أحسها أجراس كنائس معلقة على الصدر، اجساد مكومة،الاسفلت والبرودة تأكل أشلائها المتحللة،من ثقب الاغطية البالية والبيوت المهجورة والازقة المعتمة عيون ماكرة ووقحة تعريني بشدة، تنفد في خبت إلى ملابسي الداخلية، دمي يغلي يفور، أفكار عميقة تعبر مخيلتي، أفكار في حجم حبات القرنفل تكبر وتكبر حتى تصبح بركانا مائيا ينزه جسدي.
من رصيف إلى رصيف، انقل بصري في كل جهة، أدمن الالتفات إلى الخلف، اعرف أن الالتفات إلى الخلف يؤكد عجزي وخوفي، احتمي بالاضواء الخافتة في هذه المدينة، أحسها تبتلعني ،تجرني من التفاحة إلى اللزوجة وبرك الدم، الطريق مظلم وطويل، كل يوم أعايش نفس المخاوف،خائف من اللا شيئ، من المصابيح من الليل، والحركة المجهولة، من الراجل الذي لا اعرفه، أتفادى النظرات العابسة والمقتحمة، أتخيل ظالال طويلة تلا حقني، في راسي تنموا آلاف التصورات لحادث مباغت يضع حدا لحياتي ،شيء مقرف أن تظل قسماتنا تحمل أختام الخوف وغشاوة العبوس.
في ممر جانبي التقت عيوني بغتة بعيون فولاذية طأطأة راسي، عادة ألفناها مند القديم نخاف ولا نحشم، محطة الاتوبيس مقفرة الا من بعض الوجوه، وقفت انتظر، ما أصعب الانتظار في زمن السفالة والغدر، كل شيء فيه يمشي في اتجاه معاكس لارادتنا، نبتت في راسي فكرة، أن ادخل في حديث هامشي مع الشخص الواقف على مقربة مني، نذيب حرقة الانتظار، خواطر غريبة انزلقت إلى جمجمتي، لجمت لساني وزممت شفتي، الاحتمالات الخبيثة تتأرجح في صلابة ،نيران الخوف تستعر في دواخلي،الشخص الواقف بقربي تبدو على محياه حالات التوتر يبدد مخاوفه بالضربات المتلاحقة للجريدة على فخده، شخص آخر غير بعيد، يدخن بعصبية، كلنا يمضغ مخاوفه في صمت، الخوف يحاصرنا مند عام الفيل، في الاساطير في حكايات الجدة ، في كتب التاريخ في الراديو في التلفزة في جرائد الفضائح والدخان المر في متاهات تحديد النسل ومنظفات الغسيل ومساحيق التجميل .
أصوات الحافلات القليلة يقتل وحشة المكان، تقيأ الاتوبيس بعض الاجساد المتهالكة، لم نكن سوى ثلاثة ركاب، نراقب حركات بعضنا، الجابي يمسك جيوبه بشدة، يبحلق في وجوهنا ينفد إلى أعماقنا، السائق ينقل نظره موزعا بين الطريق والمرآة الداخلية،مثلما ابتلعنا الحصان الحديدي تقيانا،لامست قدماي الاسفلت، صفعني فراغ الصمت بالظنون، قدماي متعبتان من كثرة المشي، تلامسان الارض برفق وحذر، في الهواء احسبني امشي،مع الفراشات أطير، هدير السيارات يأتيني متقطعا،ثمة عربة يجرها حصان غير بعيد، صراخ الحوذي يرتفع، تطمسه قعقعة العجلات، صورة أعادت إلى دهني وضع العمال داخل المعمل، الماكنات تصم أصواتها الاذان،الحديث مع عامل يصبح عسيرا،غالبا ما اخرج وبي بحة، صوت المدير ينفذ إلى عمق الجمجمة، يخدشها، يتسلقها بفجور، تهديدات ووعيد، خصم في المرتبات الهزيلة، توقيف طرد جماعي، كل يوم تنمو في مخيلتي آلاف الاسئلة الحارقة، الكلمات القبيحة تتكور في سريرتي بلوعة وفجيعة، تكبر مثل سيقان النبتات الوحشية، وتغدو كوابيس تلاحقني أثناء خلوتي وممارستي لابسط حق من حقوقي الطبيعية، انتشلني من شرودي وتيهاني مواء قطة، شبيه ببكاء رضيع،ارتعدت فرائصي تخمر الدم في عروقي،راودتني فكرة الهرب،تخيلت أن ثمة مومس تخلصت من وليدها للتو،تهرب من الفضيحة لترتكب فضيحة اكبر،رايتها منبطحة على الارض تنقلب يمنة ويسرة،غير بعيد قط اسود فاحم غاص في صفيحة القمامة، ذيله يتراقص في الهواء، يحركه ذات اليمين وذات الشمال، مثل ثعبان يتدلى من الصفيحة،انسحب بخفة ونشاط عندما أحس بوقع خطواتي ظل واقفا متسمرا في مكانه وعيناه تعدان حركاتي.

صرير الباب له وقع خاص في أذني يشعرني بالامان المؤقت أوصدته بعناية قبل أن اخلع حذائي ارتميت فوق السرير ليس سريرا بالمعنى المتعارف عليه للكلمة، قطع كبيرة من الكارتون لمنتجات صناعية متنوعة أكياس قديمة للقمح والدقيق وضعت فوق ألواح خشبية جلبتها من الدور المهجورة لففت الجميع في غطاء صوفي بعناية واستعنت ببعض الاحجار المستطيلة لخلق التوازن كل شهر امني نفسي بشيئين سرير حقيقي من خشب الاكاجو وحشايا من أجود ما يوجد في السوق ألريح ضلوعي ودراجة عادية تنقلني الى المعمل لكن ولا أمل المشاكل الكبرى أثقلت كاهلي في دائرة مغلقة أراني أدور يصفعني المكري والبقال وتكبس علي فواتير الكهرباء والماء ويجلد خلدي المدير بوقاحة أما الزقاق فتلك أم المشاكل،أولاد الحرام يتربصون في كل زاوية، لا اولاد لي عزفت عن الزواج حتى لا أزيد من معدل البطالة والجريمة ثم من هي المرأة التي تقبل أن تعيش مع رجل مثقوبة جيوبه أثاث رخيص راتب شهري هزيل جامد وحتى لو افترضنا أن المرأة موجودة فمادا سنقدم لذلك القادم من الغيب..؟.أراقب السقف فوق جبيني تركض أشرطة بالية وحيد أراني مند زمن المخاض أقاتل الزمن والزمن يقاتلني بشراسة وبأساليب متطورة موصوم جبيني بالهزيمة رايتي منكصة جراحي احملها بين ضلوعي أعرضها في مقاهي النسيان، النسيان بلسم، ضمادة مؤقتة، تنكاها الهزات العصبية.
في العام الماضي أدمنت المخدرات، تعلقت بالسيجارة وقبلات السيجارة، إلى حد الذوبان لفافات الحشيش دفعت إليها دفعا دون مقاومة وجوه خسيفة وأفواه مطاطية تشبه فروج الحيوانات، الاسنان الصدئة تجيد في الوصف وغسل الدماغ، أوصاف رائعة لمفعول اللفافة، جنات عدن تفتح دون عناء حيوية ونشاط مخاوفي تذوب في لحظات تجتاحني أحاسيس رائعة تؤرجحني، عوالم خرافية أسافر إليها، بحور وشطآن،مدن فاضلة أفض بكارتها، وجوه عابسة تبتسم، كلمات أكثر رقة وعذوبة، الورود تملا بأريجها وجه المدينة، تغسلها، شجرات توزع الثمور على المارة، أياد حنونة تمسح الحزن على الحزانى، الذئاب تحرس الاغنام، المدير يربت على أكتاف العمال، يخاطبهم برفق، يوزع الابتسامات يمينا وشمالا ،جوائز تحفيزية...
الليل يغازلني ، أفقت في الصباح صدري لم يعد مني كل شبر من جسدي تاكله الحمى اللعينة، تقضم الاشلاء قضما، لم أبدل لها مطارف ولا حشايا،لاني لا املكها،أسبوع كامل احمل جراثيم الوباء في خلايا الجسد،ابتلعت عقاقير لا حصر لها، منشطات، مهدئات، منومات، مقويات، بدون فائدة، في السماء أتمدد على السرير ، ارمق السقف، انتظر الملاك الذي سيمر في تلك اللحظات،لابث له شكواي ، لعله يخلصني من العذاب والفوران الذي يتسلقني من أخمص قدمي حتى راسي،أسبوع واحد خس فيه وزني، وجهي شاحب مثل تفاحة سقطت مند زمن بعيد في حقل مهجور، كان سنين عديدة مرت عليه، الدوار يصيبني عند كل حركة، بعد أيام وجدتني أشيد معبدا من الكتب، ادخله مدججا بالخوف، واخرج منه متعافى إلى حين.

****

تسللت يدي إلى حدائي، أرحت قدمي، اراقب السقف في تهور، في الليل حلمت بمخلوق غريب ينفث الدخان والنار من فمه، يلاحقني، خطواته تحدث دويا عاليا، الارض ترتج تميد، الاسفلت يتهاوى، قلبي ينقبض، كان يدا خفية تضغط عليه، تعتصره، العرق يغسلني بشدة، اندس بين البنايات العالية، يدكها المخلوق الغريب دكا، السيارات تسرع في كل اتجاه، الهلع يلبس المدينة، بعض الوجوه تركض حائرة دون معرفة الاسباب، الوحش يقذف بكل ما يعرقل تقدمه، عشرات الاجساد تهشمت عظامها، نيران تلتهم الاخضر واليابس، مصانع ومعامل تحترق،أجساد تختنق، تسقط تموت، قذفتني رجالاي إلى محطة القطار،وجوه محنطة، أفواه فاغرة فزعة،بعض الرجال والنساء في ثوب ادم وحواء، عيون جاحظة تخرج من محاجرها،تبتلع مخاوفها في صمت،صفير مدو، اشرأبت الاعناق،عينان تنفثان النار بقوة، اخترقتا الظلمة، صوت شبيه بصوت الرعد، الساعة المعلقة على الحائط أطلقت العنان لجرسها، الجرس طمس كل الاصوات، امتدت يدي نحو الزر، ضغطت عليه، هدوء تام خيم على المكان، حلقي ناشف، فرائصي ترتعد، دقات قلبي تنتظم، فركت عيني بقوة، فتحتهما، تقدمت نحو الصنبور، اغتسلت، ارتديت ملابسي، استقبلتني محطة الاتوبيس بوجه عابس، أمواج البشر تنتظر الحصان الحديدي في تذمر.



#الحسان_عشاق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية ( الارهابي)
- صدور رواية ( الولي الطالح بوتشمعيث)
- زمن الاحتجاج
- صائد المتشردين
- سفاح بحيرة الضفادع
- قاتل اخر الليل
- متناضل في المزاد الانتخابي
- بوشخرا زعيم عصابة مناعي الخير
- الجعواق واعوانه وموقعة شبكات التواصل
- فلفول والنوخو وفوفو حراس مملكة سدوم
- حفار القبور والعجائز الثلاثة
- الطاكسي 69 والديوث
- رواية ( حفيان الراس والفيلة)
- السياسي والحمار
- مول الزرواطة والبائع المتجول
- موعد مع الموت البطيئ
- مسيلمة الكذاب
- المستشار الكارطوني ومسكر الماحيا
- رواية اقطاعية القايد الدانكي
- بولحية ولد رقية


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسان عشاق - الحصار