أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسان عشاق - رواية ( حفيان الراس والفيلة)















المزيد.....



رواية ( حفيان الراس والفيلة)


الحسان عشاق
روائي وكاتب صحفي


الحوار المتمدن-العدد: 6757 - 2020 / 12 / 10 - 17:40
المحور: الادب والفن
    


من حي لأخر يطارد فجوات الامكنة المنهكة من عراء موحش وضجيج يتناسل فوق عروش الاجساد المصابة بطاعون التجاهل ، السماء تمطر جفافا واوقاتا صعبة على الخارجين من حمولة احلام اليقظة المسورة بالروائح الكريهة، دور مخربة وبشر يعيش خارج الزمن والحسابات ، بريق الفقر في العيون صارخ الشعاع ، يطوف بين شواهد الآهات سابحا في العدم مبتلعا مورفين التسكع ، يستنشق دخان نار هربا من الضياع إلى الضياع ، حائرا ويداه تقبض اللحظات وترميه بين كماشة السمو والانحدار الى ما تحت الحضيض ، الخطر الذي يتهدد الاوطان الجهل إن لبس البدلة وربطة العنق واللحية والجبة ان زاوجت بين الدين والسياسة وصعود الصعاليك واللوطيين الى كراسي المسؤولية، اقبح شيئ تعاينه في المجالس المنتخبة ان جاهلا يفك شيفرة الحروف بالكاد يتحكم في مهندس وطبيب واستاذ باسم ديمقراطية الصناديق المزورة ، لكي نتقدم ونبني وطنا عصريا يجب اعادة النظر في الدساتير التي تسمح للجهلة بتولي المسؤوليات والتقرير في مصير الشعوب.
فوق الكتف ترتاح حقيبة سوداء تؤرجح ذات اليمين وذات الشمال ، يتعقب الايدي الملوحة الغارقة في الاذى الباحثة عن النجدة ، النشيد الحماسي اليومي لا يبرح لازمة ( الله اجيب شي همزة) ، لازمة مقدودة من قاموس الشغب والذل والهوان ، الخاصرة ترتوي من اجساد الضحايا الحالمة بالشمس والحرية ، يرتشف كل صبيحة من دلو الامنيات مواسم الخصوبة ويضبط توقيت الاحتيال مع حكايات مفخخة ليتلاشى في الامه واحباطاته ، في الفم هسيس اغنية فارغة تمجد أبطالا من ورق تشتكي اوجاعا الى الالهة ، لا يكل من الاستيقاظ في بطون أفيون التسول المقنع ، لا يحمر خجلا حين يمد اليد للاستعطاء ، مزخرف منذ المهد بجينات الوضاعة ، التسول المتحضر الأنيق ليس عيبا لا شيء أقبح من الجوع والعراء ، يخاف ان يحقن بالازدراء السالب للوعي والهمة والحماسة ، هدير الشيطنة يدهس الفراغات ويغتال جرعات الأوهام الطازجة قبل ان تتفتح ، والانشوطة المثبتة في عنق الايام تزيد من معدلات نوبات الاختناق ، لا تنبني في المخيلة قصورا ولا تشق طرقا الى تخوم المجد ، يمشي في الأحياء بحثا عن رعشة الولادة الجديدة تجنبا لكماشة الحقيقة ،شحاذ يتسكع في جنازات الشوارع ، في الصف الأول من الشحاذة امامه رزمة من اختبارات الكتابة ليجتاز نهاية السنة بتفوق ، كل المؤشرات توحي بانه تلميذ نجيب ، ساهما يراقب ضجيج السكون وطبول الحشر تقرع في المصارين ، يحدق بعيدا محترسا بشدة من استنشاق الأوغاد ، ألة الصور تحنط الامكنة و الوجوه المنسكبة بدون بوصلة في ثقوب الحياة ، تئن في صرخة الحرمان ، القافلة ستنحني اجلالا لصائد الاحلام ، سيحفر للحالمين جنات عدن بمساحة الافئدة ، يحس بالعظمة والقيمة ويذوب الخوف المطرز في الفراغ ، يتمجد في مسالك الاهمية العابرة للوقت ، امرأة منهمكة في تزرير قمصان الابناء تضاحكهم ، تسوي حقائب المدرسة على الظهور ، تحمل في الوجه مباهج الحياة وترسم ازقة مزدحمة بالدعوات ، يلمع في العيون خنجر الصمت ، اينما وجد الصمت ينبت الخطر وتنهق جحافل الغربان ، مجرد نبات شوكي استطال بالخطأ في حقل الفكر والفهم ، احتضن السخام ولهث خلف النهايات المرة ، امتهن جميع الحرف لكن بدون قيمة ، عاش على الهامش سنين طويلة، تعرض لكبوات عدة واقبحها الاغتصاب الجماعي في محيط المدرسة ، اختفى بالمرة من الحي والشارع ليداوي وجع الامس ، لم يشتد ولم يتصلب العود فتعرض لهزات اخرى وظل نحيفا اشبه برسم في الحائط بثقب كبير في منبث الاسرار، ارتمى في مزرعة الحروف بدون علم أبو الأسود الدؤلي ولا الفراهيدي ولا سيبويه ، ابواب العجز اللفظي والمعرفي معلقة على دماغ متكلس ، ترك مهمشا على ارصفة المدينة ، شظايا الجهل تمزق تلابيب الرغبات ، عيناه ملتصقة بثقوب الاقفال طيلة النهارات ، يشتهي اياما مباركة لا تفسدها رشقات الحساد وتحمي عظاما من المهانة ، لم يزهر في الدراسة ظل عقيما كسلانا مغلفا عالقا في الامية ، المخيلة مضطربة مفتوحة على نزق الاحاجي وخرافات الارتجال والارتماء في الصفوف الامامية ، تقبيل الايادي وتملق كبار القوم لعبة مشتهاة ، ينقل الاخبار الى الاجهزة السرية والعلنية ليخيط فجوات الضعف المحفورة على اشلاء مهجورة الابتسامة ، ينكمش امام المسؤول وتتلعثم اللغة من صهيل مفردات متنطعة مسكونة بالعي والقصور ، أحاديث تغمس برجفات الكذب والادعاءات الفارغة ، الجسد النحيل مرمي تحت معطف المسكنة والمعدة خاوية تحتاج الى وقود لتصفو الصور في الذهن.

الطفل المنسي على باب التهميش يجتهد لإعادة تركيب شظايا الذات المشروخة ليعيد ترتيب الصورة ، ذات تنمحي ، تضمحل، تتقوقع ، تصاب بالشلل في انتظار زغاريد الانتصار ليرسم الربيع وينشر في الفضاء الوان قوس قزح ، عاجز عن اقتحام المهن المحصنة بالفكر والمستوى ، لا يريد أن يتمدد قرب مصير مجهول ، يبحث عن هوية مشرقة تكسر اغلال الفقر الجاثم على الصدر بمشيئة العشق الكبير للحياة والتنكر ، ادعاء العلم والمعرفة لعبة تمارس بفضل عادات التجاهل والتسامح ، دعه يمر دعه ينصب ويحتال ، اغلب المهن العلمية والفكرية والثقافية اخترقت من الفاشلين وقطاع الطرق، نستفيق على نعيق البوم ، اختفى المثقف الحامل لرسالات كونية، رحل مضطرب التنهيدات في خيبات الأضغاث، ونبتت الميوعة في الهواء على قارعة الابتذال.
يسير بحكم الفوضى على رؤوس الحروف ، يرفس زمرد ومرجان الضاد مثل بغل اجرب ، لا يفهم اطلاقا في اسرار ومكنونات الضاد ، يرقص بسيف العبث في ذات الميدان على شرف الكلمة وتأخذه العزة والفخامة بدياته التمكن ، يلبس الحقيقة ثوب العار من زفرات تلوث الجمال، الواهمون يصدقون اكاذيب المهزومين المتأنقين ، اغلب ممارسي النصب مهندمون بعناية ، مراوغون يلعبون على حبال الكلمات المنتقاة بعناية، كذابون بالفطرة ، يبيعون الوهم للمغفلين ساطعا على منصة تتويج الخراب . يرفع في الهواء بطاقة مزورة لجريدة مجهولة ، الفرحة العارمة تركض على المحيا، يدلس على الاجهل من الجهل بأهمية مفتعلة ليفجر ينابيع الارتواء والشبع ، جرعات من اكسير الاسترزاق حاضرة في الدماغ ، يستطيع مسد الابدان المعلولة بكمشة تخاريف عابرة للتمويه من بوح استوطن في الرئة، يتقبل من المفجوع والمريض القرابين ، ليضمد جفاف الحلق الناشف على الدوام ، والاستعطاء ترياق بارد يعلن نفسه في الثانية الواحدة عشرات المرات ، ينبثق من قسوة الوقت ورماد السكرات حب الحياة الرغدة التي تصطك في معاصم التملص من الوضع المزرى ، يراقص في الخيال هيجان المتعة، هربا من قصفات الزمن الكسيح وانسكاب العمر وتكدس الخيبات . يكد في ملاحقة السراب الوهمي شاهرا يافطة اعلامي في شبكات التواصل الاجتماعي ، يستنفر حفنة اتباع مهزومين لترتفع نسب الزغاريد (لكي يقال عظيم الشأن مقصود) . اليأس همس يبعثر الارادة ويثبط العزيمة بإرادة الشياطين البشرية المتربصة . العبرة في الطيور التي تغدو خماصا، وتروح بطانا.

- كيف الحال حفيان الراس...؟

- الحمد لله
- فين راك غادي في السروية...؟
- شي خدمة مستعجلة
- الله المعين
-امين يا رب العالمين

في الصباح ارتدى البدلة الزرقاء وربطة العنق الصفراء المخططة بالأحمر والابيض ، تضمخ بعطر نسائي رخيص واقفل الباب بحذر شديدة ، الزوجة اشبه بفيل ينقصها الذيل والخرطوم لتستوي الصورة ، تغط في النوم العميق ، شخير متقطع يرتفع وينخفض كمحرك شاحنة في مرتفع طويل ، تنفس الصعداء كمن القى بالحمل الاهوج من على ظهر محدودب في الحظائر المفعمة بالروث والهواجس . ضحكة صفراء على وجه النخاس الذي غادره ماء الحياء ، قلم عاجز مكبل بالإسفاف والضحالة والجفاف ، سيف مفلول صدأ يحنطه تكلس لا ينتهي ، اقوى ان يتحمله الجسد النحيل المتهالك ، هناك عوالم تجيش بالأغبياء واخرى تملئها الكراهية والحقد ، وقلة قليلة تنشر الحب والتسامح ، حفيان الراس محترس جدا من قوى الظلام المتعطشة لركله الى الجحيم ، الكائنات السمجة تتربع فوق الآهات ، يقف امام منزل متهاوي مسور بالبراز البشري ، كلاب ضالة وقطط ترعى في كومات القمامة ، يسحب الكاميرا ويثبتها على الارض فوق منصة معدة سلفا يضع الميكرو على بعد مسافة من الفم ، يقرا من الورقة كلاما مرتجلا ، لغة مفككة الاوصال والاضلع ومزيج من العامية ، يعيد المشهد اكثر من مرة ، اللقطة لا تنسجم مع التعليق المرافق ، يقطر عرقا ويجف الحلق ، لحظة من فضلكم ايها المتحلقون ليغسل الخوف عن الوجه ، يبحث بين ركام الكلام على ديباجة تصلح للموقف تختفي الثقوب السوداء من خميلة الارتباك الارعن ، يدهن الوجه بلمسة مساحيق لتدثر الاحمرار ، حفيان الراس ينفخ الروح في الصورة العابسة ، حشد يتموج بالغباء والترقب الاجرب ، بشر يغلي من الظلم والنواح وتنقذف المواجع ، تدور الاحاديث مختومة بالعتب ، تقشر جلد الصبر في الافئدة لسنوات طوال ، المشهد يغرق في الضبابية والعبثية ، دور مهددة بالهدم وساكنة ستبيت في العراء ، استحضر من تلافيف الدماغ الاسطر المهلهلة ، اتسعت الحلقة بالفضوليين والمهزومين والشحاذين والقوادين والعاهرات ، يتمسكون بالقشة بحثا عن الخلاص ، باللهاث والسراب البعيد المضمخ بعبارات متأكلة يشدخ الاسماع عن الحرية التي ستاتي على ظهر سلحفاة ، الصور المعبرة تعيد احياء التمرد والغضب ، تلوي اذرع اولياء الامور القاسية كالفولاذ ، الصورة الحية تصمد امام الواقع او تتلاشى مع معاول الهدم ، يتكاثر التأثر الملوث للجماجم ، قرار هدم الحي السكني لا رجعة فيه ، حفيان الراس حائر مرتبك التغلب على العجز اللغوي اصعب كثيرا من التقاط الصور ، لا يملك قضية سوى مقاومة الجوع والافراد الاقرب اليه من حبل الوريد ، هناك خدش كبير في الصورة المتقمصة ، ضروري من فكرة متلألئة تفتح امالا جديدة وترقع ذاكرة مثقوبة ، ذكريات الارض والناس لا تعود من الماضي الكل يرحل بلا رجعة ، الآلات وحدها تزرع الحياة في الانقاض تنفخ الروح في المشاهد المنسية ، الانسان في طاحونة التمدن والانصهار والحداثة والاستمرار مثل كومة تبن قابلة للاشتعال ، كرات من نار تحتاج الى قطرات المطر لتبرد ، الناس يشعرون بالخسارة ويقبلون بالتعويض ، تكبر الجمهرة والضجيج ، نساء واطفال وشيوخ يقفون فوق خمائل الاحتضار ، سديم الفجيعة ينفث سخطا عارما ، ماذا يجدي القول واللعنات..؟ يزداد اللغط والضجيج، المخبر يقف غير بعيد يسجل الحركات والسكنات ، الكاميرا تحنط بنعومة الوجوه الغاضبة ، يلتقط الحي انفاسه المنهكة ، البقع الارضية ستوزع على الغرباء وستضيع حقوق الموعودين بقبر الحياة ، حدث الامر في تجزءات كثيرة ، يطرق باب القضاء وتهترئ الحقوق في نهاية المطاف على الرفوف ، يطلق الغضب في الكوة الصغيرة ويرجم السافل الغاصب للحقوق وينغرز الوتد في خاصرة المسؤول اللامبالي ، جامدين يقفون واحدا، واحدا في حضرة الميلاد ، يتوسل الكلمات ان تأتي ليدون رسالة احتجاج فلا تأتي .

- صاوب الكاميرا خليهم اهدرو



- حنا مالين الارض ورثنها ابا عن جد مافيا العقار دات لينا البقع وتباعو للبراني...

- كلشي شفار الباب لي دقينا عليه كيتسد في وجهنا

- هدمو لينا ديورنا وخلاونا في لخلا باش غدي نكري انا مخدامش وعندي دراري


مواجع تهيج افئدة الارض والسماء، تحمل على الملل والتثاؤب ، لاتهم المعاناة الاهم الأضرفة المالية ، الشروط المهووسة وضعت مسبقا، عمليات النشر في مواقع التواصل تحتاج الى تشحيم لتصل الرسالة الى المسؤول الاصغر والاكبر والاعلى ، الادارة طبقات ولكل طبقة دور في هرم السلطة، ولكي يصل الصوت الى السلطات العليا يلزم احترام التراتبية.

في المساء أفرد العطايا على طاولة مهترئة من القصب ، تهتز الارض تحت الاقدام ، الزوجة الغليظة تدك الاسفلت دكا ، عقد نكاح جاء بالغصب خوفا من الاعتقال ، في الاشهر الاولى انهزم امام الكتلة اللحمية المغيبة الانوثة ، رمى على الوجه آيات التبرم وفتح الباب للسفر في منعرجات الخيانة ، ورث جينات الدياثة من الاب الذي امتهن النجارة ولم يفلح ، ذبلت شجرة الحرفة وتلوثت الحكمة القديمة ( الحرفة ان لم تجلب الثراء تعيش بعزة وكرامة) هكذا علموه ورسخت الفكرة في المخيلات وتوارثتها الاجيال ، حكمة تترنح على جمرات خرساء كلما اطلق شهقة الانتماء الى النجارين المهرة ، الزبون يبحث عن الجاهز باقل تكلفة، الصناعة الحديثة قتلت الحرف والمهن التقليدية، كثير من الحرف التي تعد مكونات ثقافية وتراثية وحضارية اندثرت واخرى في طور الانقراض ، على مدارج التقشف والفقر قوافل الجوع تبحر نحو موجات اللطم ، اغلق الدكان لم يعد يقوى على تسديد السومة الكرائية، استوطنت الحنجرة ابتهالات وتوسلات لمضغ لقمة العطف والحنو مستجيرا من رصاصات السماء ، مناجيا الرب لولادة فجر يحمي من الضياع وسفر الى فراديس القحط ، مسويا سرج الشيخوخة على ظهر بغل مريض ينزف اوجاعه، المارة يعبرون من فوق الاجساد المتفسخة، الركود والبوار استوقفاه عشرات المرات في مفترقات الجحيم ، الوقت تغير والناس غير الناس ، تنتفض غصة الحرمان في العيون ، باع مطارف وكراسي وحلل ، حين اشتد الضيق دفع الزوجة الى العمل منظفة في الادارات ، بكاء في حضرة المعارف هربا من الزمن الكسيح والمتقلب ، ومن الغفلة الغارقة في ثنائية الحلال والمحرم ، القت على الفحول مفاتيح الخزين وغاصت في الشط المفعم بالقاذورات ، اتقنوا فن لعبة الاستدراج ، يفهمون بالمران الطويل من أين تأكل كتف الزانية ، لم تكن ورقة صامدة تأبى السقوط في منحنيات الخريف ، تزدحم المفردات التافهة في صحراء الدماغ الفارغ ، همس غير مسموع من كثرة البحث عن عطاء لا ينضب و صدر مخنوق بالأوجاع والعفن ، الحمل ثقيل لسنوات طوال وزاد ثقلا ، وظل ثقيلا في محنة اختلاط الهزات، ثقل لا يطاق و لا يخف ، ابواه استنبتا فيه الهزائم وجلست القرفصاء على ربوة الغبار والسخام ، لا يعرف معنى القيم و القمم ، و الفقر ينشد ترنيمة على اوتار تحديد النسل ، فلا شيء يضيئ في الافق .

يمشي في الازقة محملا بالمحفظة على الظهر منقبض الاسارير، الاعدادية على بعد خطوات من المنزل ، مطرق الرأس خائف من النظرات الثاقبة، تدفق النظرات من كل اتجاه يشعره بالهلع ، لأول مرة يذهب الى المدرسة بدون رفقة ، يحاول التحليق خارج النفس المضطربة ، الصمود في وجه المخاوف محاولة محفوفة بالمخاطر ، الطريق تعج بالمنحرفين والحشاشين والحمقى ، عفاريت وأبالسة ينشرون الرعب في الدور المهجورة ، قالت له الام في الصباح انه اصبح رجلا ، نامت دعواتها الدافئة بين الضلوع لكنه متردد بالمجازفة ، في شوارع الذاكرة تتمدد الاف القصص المرعبة ، سمع كثيرا من تلاميذ القسم عن غزوات السكير عبيطة ، اغتصب العشرات من الاطفال ، يستدرجهم بعلب السجائر والمخدرات ، دخل السجن اكثر من مرة ، سيئ بما فيه الكفاية ، كل يوم يطوف على الخضارين والجزارين بمعية رفيقيه في الانحراف والجريمة عبيقة وبويمجان ، التقيا في السجن وكونوا عصابة ، لا تسطو على مال الناس في جنح الظلام ، مدججين بالأسلحة البيضاء، يتدحرجون في الخطيئة النابتة في العروق ، يتلعثمون أمام الله ، منحازين بجنون للجحيم ، الطعن بالسكاكين لعبة مفضلة ، العراكات الدامية تنشب لأتفه الاشياء ، تنثر الكلمات التي توجع المسامع ، طوفان الشتائم والكلام النابي يندلع قبل الحريق ، يعبرون طريقا متشحا بالبقاء ، يفرضون المكس على التجار ، يد عبيطة تمتد الى الخضر الطازجة يختار ما يشاء ، سيد المكان والشرطي المدجج بالشك استقال من المرافق العمومية واستعار ملامح اخرى.

الطعنات المباغتة أقوى من الموت ، لا تذمر ولا احتجاج ، كل تاجر يدفع دراهم مقابل الحماية اليومية ، الثلاثي جاهز لمسح الارض ببقايا الرجولة ساعة الرفض ، تجحظ العيون وتشتد القبضات ، لحظة من الفتوة لجمع المصروف اليومي لتسكين دودة الادمان ، لا احد يحمي الضعفاء من عسف مجرمي الاحياء ، الخوف من لعق دم الطعنات وتحسس الندبة لسنوات اطول من زفرات الكسب الحلال ، الهواء المضغوط في الرئة معقم بالخوف ، عبيطة يتنفس الاجرام مند الصغر ، السجن او الحرية سيان ، دخل السجن بجريمة هتك العرض ، اعترف امام القاضي بتفاصيل الجريمة الشنعاء ، تربص بالطفل ذي العشرة سنوات في الحي اغراه بالهدايا والاموال ، اعطاه مشروبا غازيا وغيبه عن الوعي ، حين استفاق المغتصب في اليوم الثاني لم يقو على الوقوف ، عبيطة اختفى عن الانظار، وجدته الشرطة في دار مهجورة في حالة سكر طافح بمعية منحرف ، حكم عليه بخمسة سنوات سجنا نافذا ، قضى نصف العقوبة منضبطا متعاونا، الادارة منحته شهادة حسن السيرة والسلوك ، خرج محترفا لجميع فنون السرقة واكثر ادمانا على الجنس المحرم ، يشتهي الاجساد البضة في الحي ، يرمقهم يتصايحون ويقهقهون تثار في الدماء الشهوة و الاعجاب ، مستعد ان يدخل السجن ان يشنق امام الجماهير في سبيل قضمة من جسد ينبض بالحياة، مسه هوس المعاصي مند زمان.

- شوف وليدات اليوم تبارك الله بحال الورد

- تفرق على ولاد الناس واش باغي تجيب شي سانكة اخرى

- كيف الحبس كيف برة...

يشتهي لحم الخروف والفواكه حين يستيقظ على شخير الجوع ، العيون تعبر فوق الجسد المنهك المدد على الرصيف ، افترش الحجر وتلحف السماء ، قنينة خمر فارغة مرمية وبقايا علبة سمك ، لا شيئ يعرضه لسهام الملامة سيد نفسه ، دوريات الشرطة لا تكترث ، السوق الشعبي شمس ترتوي منه عناقيد النفس ، الوجهة المفضلة كل صباح للتزود بالمؤونة ، في الدار المهجورة يفرش لقداس التحرش طوابير الغواية ، تحترق بالحوباء مشاعر ازلية وتلتهب اوتار الوجد ، لا تخمد الا بقطرات من عرق الفخذين ، لإرضاء اله الحب في مملكة سدوم ، على قارعة الصبابة يسترق السمع ويطيل السكوت والاصغاء ، عبر الثقوب العديدة في الدار المهجورة يلاحق بشغف وجنون التلاميذ يدخلون الى باحة المدرسة ، متسمر في المكان مثل سبورة خشبية مهترئة ، يشتهي التفاح والاجاص النابت في الاجساد ، الاشتهاء لا يغني من سغب متكلس في الضلوع ، يلتهم بأناة موسيقى الاحذية تعزف الاناشيد اليومية على الارصفة، شاهد حفيان الراس قادما وئيد الخطوات ، تحركت في الدواخل الغريزة الحيوانية ، يشمه عطر رغبة من بعيد ، حائر متكئ على الصمت ، خرج من المخبأ وامطره بوابل من الكلمات المبتذلة ، شيعه يسرع الخطى الى مدخل الباب الكبير والكئيب ، ضيع في الخطوات السريعة البوصلة بين الحضن الاول والاخير ، الدخان يتصاعد من الموقد ، عبيقة القصير القامة ينفخ في النار بفمه ، عيناه تدمعان ويرسل كمشة سعال ، الطنجرة تبقبق ، الديك الرومي يتحمر يقطر زيتا ، سرقوه في الصباح ، غافلوا امرأة عجوز تعرض بضعة دجاجات مكبلة من الارجل وبيض في سلة قصب امام السوق ، كل لعب دوره بإتقان ، حمل عبيقة الديك الرومي كأنما يعاينه ويقف على الوزن، دس يداه في بطن الديك الاسود الفاحم ، دخل مع المرأة في نقاش هادئ عن الثمن ، اخذ ورد من الخلف عبيطة يهدد ويتوعد ، في رمشه عين خطف بويمجان الديك الرومي وغاص وسط الزحمة ، الشهم الذي ركض خلف السارق لاسترداد الديك الرومي جزء من المقلب ، جلست العجوز تبكي بحرقة والم ، عبيطة يهدد ويتوعد شاهرا سكينا، يصرخ عاليا يغطي على ولولة المرأة العجوز ، لم يأت لنجدتها اي شخص سوى متحلقين عجزة خانعين من ردات الفعل ، حملت الدجاج وقفة البيض واتجهت شرقا ، الطنجرة تبقبق ورائحة المرق تطبق على المكان ، عبيطة ممد فوق علب الكرتون يتوسد حجرا ، بويمجان يبرم لفافات الحشيش ، يمزق اوصال السيجارة الشقراء ، يضع التبغ في كف اليد ويسحب قطعة حشيش من الجيب، يشعل الولاعة ويسخن القطعة ، دخان المخدر يصعد في الفضاء، يخلط المسحوق البني مع التبغ ، يسحب ورقة رقيقة بيضاء ويلف الخليط بعد وضع مصفاة في المؤخرة ، كف الخيال الفيروزي ممتد مثل أرجوحة ، يستوطن السفر صهوة الحدقة ، يندثر الحنق المعلق كالمشانق في الراس وتذوب فجوات الوجع ، تمزق شرائح اللحم ، يسحب عبيطة فخدا ممرقا، يدفعه في الفم ويقضم قضمات متتالية ، ينبت فوق جلد الدروب شغبا واجساما بضة.

- كول بشوية مالك جارين عليك دابا تقج لينا

- ما تخافش القرجوطة واسعة

- راه قادر ياكل فروج في ربعة دغمات

- ما كدبتيش

يتمددون على قطع الكرطون يمررون لفافات الحشيش وكؤوس الخمر الرخيص ( بولبادر) وسمي كذلك للصورة الموضوعة على غلاف القنينة لرجل شبه عاري بعضلات قوية يرفع في الهواء عنقود عنب اسود ، تركض المخيلات بعيدا ، بعيدا حتى تفتض خط النهاية ، تذوب الجماجم في الرياح والطرقات الطويلة ، في الليل طرقا باب ماخور في حي شعبي جميع الابنية بالطين ، لا مراحيض ولا ماء شروب ولا اضواء، اضواء الشموع خافتة، جاءت الضحكات متهتكة من الداخل ، تتدلى خيالات الضوء من الحجرات ، يسقطون على حصير مرقع بأثواب مختلفة ، الحجرة فارغة الا من بعض الوسادات المتسخة والعطنة ، تدلف ثلاثة نسوة شارفن على العقد الرابع او اكثر ، اكثر تبرجا وعريا ،قبضن الاتعاب مسبقا، عبيقة لا يمل من اطلاق غازات القفاشات، و الوسادات ندية بقيح الشهوات ، لا صوت يعلو في الغرفة البائسة سوى قرقعة كؤوس الخمر الرخيص تحفر لليل فرحا على المقاسات . شربوا حتى الثمالة ، اوعية التفريغ بارعات في ارضاء الزبون ، المعلمة الباتول ثخينة العجيزة في حجم فرس النهر ، حجم اسال لعاب عبيطة ، جميلة هي المرأة حين تبحث في جسدها المنهك عن تاريخ نشر الفرح والسرور ، حين تتعرى وتسجى على الظهر ، تنشر البهجة في فراش الدعك ، تفتح للعابثين الجرح لتسكن المغص المتكلس في الزوايا، تستدفي من نبض الصقيع في الجلود ، تدفن الغضب والقلق في انهار راكدة الموج ، لا سؤال عن سنوات العهر والطهر ، الماخور عالم غريب وعجيب ، الباتول تفرد اضمامة صور للباحثين عن الرقيق الابيض ، كل واحدة تحمل اسما رمزيا ، تطرق الباب وتسال عن قطعة سكر لا نه نفذ ، ملعقة لشرب الدواء ، مشط لتسريح الشعر ، بعضا من الزعتر لتسكين المغص في الامعاء، حين تسمع الانثى الموعودة للايلاج الاسم الرمز تخرج على عجل ، من الحجرات الاخرى تسمع ترانيم اللذة واناة وصهيلا مجنونا حد الشهقات ، يداعب الصعيد الطيب بالأصابع الحافية ، يمتص ويبوس ويلعق بقايا خمر في الكاس ، يجف حبر القلم بعد جولات قصيرة ، يتقاعس الوقت في الشرايين ،عبيطة يبحث عن رعشة دسمة على فراش المنغصات . راودها ولاطفها ليقد القميص من دبر ، اجزل لها العطاء فرفضت ، السرج هو الخلاص والحرية المشتهاة ، تشتعل الشرارة في الذرات ، الرفض مرغ الفتوة والكبرياء في الوحل ، يغلي الدم في العروق مستعد ان يحرق الكوخ وقاطني الكوخ ان يهدمه على الرؤوس ، تملكه الغضب وزمجرت العفاريت كما البرق في بطن السحب ، العاهرة تلقنه دروس الممانعة، سحب السكين من السترة المطوية بعناية بجانبه ، وضعها على العنق ضغط ضغطة كافية لتولد جرعات الصمت الطويل ، لا وقت للذهول والصراخ والانين غير الذوبان في جسد الخيبة ، فتح السحاب وانتصب السيف وسط الفجين، من الفجين مرت قوافل ونشبت معارك وسافرت حشود الى مقابر الهدوء ، وقادت في المخيلات حركات التحرر، بين المنبت والحشفة تضج المغارة بالدفيء اللذيذ، وتأججت حرقة الطريق ، وانحنى صريعا فوق سيف البطولة ، وفي خضم الرحلة اللاهثة بحثا عن المعنى للوجود تلاشت اللحظات القاحلة من تدفق الالم ، يعصر النشوة من ركب الاغتصاب ويثب الى قمة المجد ، عبيطة لا يرى ما وراء النفوس المكسرة ، وانخمدت الجذوة المتورمة ولم تنسكب في الحوباء نجوم الندم ولا آيات من وخز الضمير على الطقوس الوحشية ، يمضغ بقايا الليل بالانتشاء والغبطة ، الجسد العاري يغسله البكاء وينخرس الصمت في صدر البائسة وتلتهم الحركات المهددة امواج الانين ،يمتلئ الجوار بنباح الكلاب ، يراقب السقف ويشعل سيجارة شقراء ، يسحب الوعاء من النهد ويقرص الحلمة ، تتألم وتستجيب وتلعن الرغيف المتعفن ، يتدحرج الجسد المدهون بألوان الانكسار على قشعريرة من مخاض التوبة ، شاردة هربا من الوجع وليست بشاردة ، لا يأسي على كسر الاجنحة ، يبحث عن الاذعان التام والولاء الارعن ، عبيطة جاء من عوالم خرافية قديمة تحركه المواجع من نسل مملكة عمورة ، لا يرتوي ابدا فالعطش جاثم في الروابي القاحلة ومنعرجات القهر ، يغوص في كؤوس الممنوع ليعب الفرح ويلوث اشلاء لا تحتمل الاحتراق ، بويمجان وعبيقة ينامان في حضن بائعتي الهوى ، تثمر عناقيد الهدوء ، يتمدد الصفاء ويعزف الانشراح ، ازدهرت حدائق القلب ، تتحرر الاجساد الثلاثة من لحظات رعناء وينسحبن الى غرفة مجاورة ، لم يعد في الصدور سوى فوانيس خافتة ، زررت الاقمصة و شدت الاحزمة على السراويل .اجساد مستهلكة نائمة ، مومسات مكورات في محطات الاربعين ضيعن في الايلاج تذاكرهن الرخيصة، الزبناء يذوبون تعبا من تبليط الحفر فوق الافرشة البالية ، في الاشهر الماضية سطوا على ممتلكات سكارى في ماخور حي شعبي ، محفظات نقود وقناني الخمر ، جردوهم من الملابس في لحظة انتشاء ، اغلقوا بالحجارة والاسلاك الباب الخارجي ، لم تنبح كلاب حراسة الماخور.

- خليناهم عريانين فصباح البسو كساوي لعيالات

- بغاو اقصرو ...قصرنا عليهم...

- شكون غيحل عليهم الباب...بحال والو اجيو البوليس اجمعو كلشي

- فين هما البوليس الله يهديك

العطلة الصيفية على الابواب ، يقف بعيدا عن السور الكبير يستمع الى صراخ التلاميذ في الساحة الواسعة ، بلع الريق وعض على الشفة السفلى ، ليس بمقدور الشباك ان تزدهر ، والضمير متصل بالإخفاقات والكسوف ، يرفض ان ينام على سفح الخسران ، يجر رجلاه الى السوق بقامته القصيرة وعضلاته المفتولة ، وذراعيه المليئة بالاوشام ، اسماء غلمان وقلوب تخترقها سهام ، ندوب من توقيع شفرات الحلاقة ، تطوي زمن قبيح متقيح ، تظهر هندسة الرعونة والشقاوة ، تضاريس طعنات السكاكين مقرفة تزهر رعبا وذعرا في الناس المسالمين ، يمشي بدون اتجاه يتلقى التحايا من شباب الاحياء، كل الازقة والشوارع والاسواق تعرفه ، ولد في حضن الفقر وتخرج من مدرسة الشراسة والالم الايام دائما تكتحل بالدم ، لم يعرف له نسبا، وان ولادته في ماخور حي شعبي شيئ اكيد ، نساء يلثمن رغما عنهن اللهب في سبيل كسرة خبز لشفاء خيبات الطاعنين في القلق ، ادخلوه الكتاب ليتعلم الكتابة والقراءة وحفظ آيات من الكتاب المقدس ، تعلم بضعة حروف وآيات ملغزة تجره من حبال الدموع كلما سمع الفقيه يتلو على المسامع بصوت شجي وهادئ فقرات من القران ، لم تسكن ابدا المشاعر النبيلة بين الضلوع ، في الليل يسترق الهمس للآهات والقهقهات والحشرجات ، في الذاكرة تسبح صور نساء كثيرات عاريات متدليات الاثداء في اسفل السرة تنبث الحشائش ، شاهد امه تتلقى الضربات واللكمات تتورم منها العيون ، تنغرس الاظافر في صفحات الوجه ، ترتفع الصرخات ومطالب النجدة ، في الحجرات تصمت بقية المومسات ، ضربة مركزة على الصدر ولكمة على الخد، يطرحها ارضا وسدد لها ركلات مركزة، اتهمت بسرقة نقود الزبون ، فتش حاملة النهود سحب التبان لم يعثر سوى على ورقة نقدية من فئة خمسون درهما، تصحر القلب وورت نقمة، حقد على الرجال وكبر الحقد مع الايام ، في سن الرابعة عشرة غادر اسوار المدرسة ، تحكمت فيه غرائز الانحراف والرذائل ، مشغول بما بين الفخدين ، ينجذب الى اجساد الاطفال البضة ، نهر من حليب وعسل ، احساس غريب في مراقبة الالهة العارية في الازقة والسقايات والبرك المائية ، تكتسحه ترانيم لذة الشقشقات ، تدفعه العروض المغرية برغبات عارمة باغتصاب الامكان التي لا تراها الشمس ، مثل الوحوش الكاسرة اندفع نحوه ليشبع نهما وشغفا شرسا ، امسكه من الرقبة وضغط على البلعوم بقوة ، اختنق، احمرت وجنتاه، جحظت عيناه، ارسل بضعة ركلات ، خارت قواه بالخنق واستسلم للفعل، سافر في غيبوبة، نزع السروال القصير، ارتشف من جمال التلال والهضاب ، تململت الرغبة احتراسا وداست مساحات التعجب ، اندفع المشرط في الجرح الصغير ، اجتهد في غرس جرثومة الوباء ، من الوجع ينهمر الفرح ، صرخة وحيدة كانت كافية لإفساد اللحظات ، انتشل الطفل من حافة الالام العميقة ، طاردوه في الخلاء مدججين بالعصي ، افلت من قبضة الناقمين والغاضبين على الفعل المشين ، بعد اشهر من الهرب والعيش في الدور الخربة اعتقلته دورية للشرطة ، حكم بالسجن والغرامة ، لكنه لا يرعوي ولا يثوب ففي الدماء هوس شديد لما يغضب الالهة والمخلوقات.
للقلب دقات كطبول الاحتفال الموسمي ، وقف طويلا امام ملصق الفيلم الهندي ، السينما عالم سحري ، البطل والبطلة يتعانقان عناقا اسطوريا، في الصور تختفي الاثقال المحمولة ، البطل الخارق المفتول العضلات يسقط العشرات بالركلات والضربات ، لا يصاب بالعياء ولا تسري في الدماء الشفقة والرحمة ، تعلو التصفيقات داخل القاعة المعتقلة بالدخان والعرق ، يمتزج الانتصار بدقات الطبول والمزامير، الراقصة الجميلة تتلوى مثل حية رقطاء، يعلو الصدر ويهبط ، يطير الوشاح في الفضاء، تتحلب الافواه تسري الرعشة في الأبدان ، عربة تجرها خيول مزركشة بالألوان ، البطلان يضمخان بعطر الخلود ، يرشقان بالأصباغ ، تنزلق الاصابع بتؤدة فوق البطن الحليبي ،يفرد خيام العشق على شفتين باسمة وعلى شجرة تضج بالأنوثة ، بين القبلة الاولى والثانية دائرة مغلقة ، محاولات حثيثة لعبور البوابات المثيرة للذوبان ، يقترب من خطوط التماس ، لكن الربيع لا يزهر بدون ميعاد ، والعزة والشهامة لا تولد في صحن فخدين ، صورة الشرير تخدش الهدوء في ليل شتائي ، تحترق الاكواخ وتصم الصرخات الاذان ، ينفض البطل الخارق جناحية من سكرة الليل ، للصباح قسمات تحترق ، وانزلقت النسوة يهلهلن في انبلاج الفاجعة يوقدن ذاكرة الفقد، القرية تتحول الى رماد ، الحبيبة اختفت مع عشرات الفتيات ، الحصان يقطع الغابات والجبال ، البطل قاتل في مئات المعارك لم يخرج ابدا مهزوما، اثخنته جراحات كثيرة لكنه ينهض كالعنقاء من الرماد فيقاتل من جديد، الخير دائما ينتصر، يرمي الخروف ويقفز فوق السور لاهثا، يحمله فوق الكتف ويعدو بكل قواه، يبتعد عن الصراخ المتخم بالتهديد، مفتول العضلات حمل في السابق كبشا يزن خمسين كيلو وقطع به مسافات بعيدة، بخفة صعد شجرة عالية ، وضع اليد على خياشيم الخروف وتسربل بالصمت ، حشد مدجج بالهراوات تفرق في كل الاتجاهات ، كل يلعن في أخاديد الطريق السارق اللعين ابن الزانية ، الكساب يرغي ويزبد يرفع قبضة في الهواء، يبصق على اشباح.

- يخلف لك الله... الكلب واقيلا هزاتو شي طموبيل
- بحال والو
- راه معروف
- لانه معروف واش غدي يرجع ليا الخروف

دائما ثمة مهرب للطوارئ ، وطرقات كثيرة تفضي الى المجهول ، لا تملا النفس اللجوج اجساد الحسناوات اللواتي يقبلن بتواده جنبات الرصيف ، يمشين امام جمع من الناس كأحلام اليقظة ، تتلوى الاعناق وترعى في المؤخرات ، يستعرضن بضاعة تثير الاشتهاء المترع بالأوجاع ، عري يتحدى المتاهات والخطوط الحمراء، يشعل انتباه الفرجة ويمتع العيون وينشر لهفا عنيدا ، عري عاجز على مشاكسة روح عبيطة المرتدي لثوب الخطيئة المقدود من مملكة سدوم ، تشعل مساحة من النفور في نظرات مملوءة بالقبح والغضب ، يسير محمولا فوق احزمة الشراسة والبذاءة ، يتوسط بويمجان وعبيقة، وسط الطريق يتقدمون ، لا يكترثون لأبواق السيارات، بويجمان يثرثر بدون انقطاع عن ليلة الامس في احضان فتاة قروية افتضت حديثا، تغزل كثيرا بالمهبل الضيق والدافئ ، صرخات الالم عند الايلاج ، في الجسد الطري والمستباح طريق معبدة الى السماء، بويمجان يفكر في الزواج ، انعزال حياة الفتوة والتشرد، عبيقة يطرح اسئلة كثيرة، لم يتعلم الحب على منبهات المعقول ، عبيقة من مواليد الخطيئة، قصير القامة اشبه بأقزام السيرك، كل الحركات التي يقوم بها تهرب من قهقهات الصباح ، قوافل الضحكات تبحر نحو البكاء، مبارزة بين المؤخرات والعيون ، كلمة الحسم بين الشفاه عالقة، ستعلن بعد برهة جولة الانتصار على الكائنات المتبرجة حد السفه، تصفع المسامع شتيمة تفتك بالحمامات الطائشات، على مقربة يصفر حجر في حجم راس قطة، يرتطم بالأسفلت ويتفتت ، يتشتت صف الشابات وتترنح صرخات خرساء، كل واحدة تجهش بنوبات خوف في اخاديد الطرقات المتربة ، عبيقة يتوسط بويمجان وعبيطة ، لم يعرف من الدنيا سوى هذين الصديقين الحميمين ، احتما بهما في وقت الشدة ، حولاه الى عبد يقوم بالسخرة واعمال الطهي ، ارتضى هذه المهمة فليس امامه من خيار، يشير بأصبعيه الى بائع السجائر.

ينفلت حفيان الراس من سجن الذاكرة، يبتغي عيش لحظات الحاضر العنيد والشقي، يحاول الهرب من الهوة السحيقة، يغوص في جغرافيا المدينة، بحثا عن موقع صلب لصلب الطول، هربا من صفعات القهر والحرمان، يراجع في دفتر الايام كيف تمضي الايام، والاجنحة مكسرة من الاسفار والتحليق الفج، لا خبز ولا طعام فوق المائدة، ولا من ضربة عود ساحرة ليمتلا الجراب بأشهى المأكولات، يشتهي كل شي لكن البوح مخنوق، والأصابع من الفراغ ترتجف بمجرد التفكير في الوجبات، نكرة يرمى فوق كتف الحاضر، غاب لعشرات السنين مند واقعة الاغتصاب الجماعي، بكى حتى حلول الفجر لم تستطع كلمات الام والاب جمع الاشياء المتناثرة، تحضر بإلحاح صورة عبيطة وبويمجان والقزم عبيقة المخبأة في قاع الحقيبة، في جيوب الاشلاء الممزقة، سحبه من الزقاق الى الدار المهجورة، وضع السكين في العنق وامره بالصمت ، في العقد الثالث طار الشعر الكثيف من فروة الراس ، غيره صقيع الغياب بحثا عن الخبز، وحين ترتعد ساعات المساءات على ارصفة الدماء يتلو بعضا من الآيات القرآنية، اكثر من ندب في اسفل الظهر، لم يثقن اية حرفة، اغترب في دولة عربية لسنوات، انتظرت العائلة ان يحمل حقائب المال والثروات، جاء متأبطا ذراع امرأة غليظة سمينة، طرق باب محامي وضمه الى الفريق، حفظ بضعة كلمات وانتحل الصفة، اشتكى الزبناء من الابتزاز وطرد، يهيم في الأسواق والازقة حائرا، البدلة الزرقاء وربطة العنق والمحفظة السوداء ، الرجل المهم في المدينة المنكوبة، يتعرق تمتد اليد الى المنديل الابيض يمسح قطرات العرق من الجبهة والصلعة، اندس بدون مؤهلات في مهنة المتاعب، اشترى من السوق السوداء بطاقة مزورة، يقتحم بدون تبان منصات الكلمة المقتحمة سهوا بدون استئذان من سوق عكاظ، من سوق المتلاشيات اقتنى كاميرا، علق البطاقة وراح يتجول في الاحياء لاحتواء خراب الأمكنة، يرمم السخط العاري في الابدان، بوصلة العطالة تصنع من الاغبياء مشاجب لتعليق الاحلام، يعدل ربطة عنق الكاميرا، تمتد اليد الى علبة السجائر الشقراء ، يسحب الولاعة من الجيب، الجليس يحدجه بنظرة احتقار، يثرثر بدون انقطاع، يفكك الفساد بفوهات بكماء، ويوسع الهوة بين الخطيئة والهاوية، الجليس يحمل رزما من الاوراق، صاحب المال سرق ارضه، طرق ابواب القضاء فخسر جميع الدعاوى، يتقييء العقل من وحل الواقع المر، الفلاح يقاوم عبثا سياط الوقت القطران، شاهد بأم عينيه الموت البطيء والمؤجل يلتف حول الرقبة، ضاعت الارض وضاع الاولاد، جاؤوا بسيارات الدرك ، رموا الامتعة والملابس والحلل، الجرافة تاتي على المنزل السكني تسويه مع الارض، تقتلع الاشجار المتمرة، بكت الاسرة بحرقة والم، طقس الجنازة حضره موظفون وعمال، تركوهم هناك في العراء، الجار مكنه من خيمة بناها في قطعة ارض تقي الحر والزمهرير، اقسم ان يسترد الارض المنهوبة بالتزوير ، حفيان الراس لا يهتم برواية الفلاح، فكم من فلاح سلبت منه الارض وشرد داخل الوطن، اهتمامه منصب على الاوراق النقدية، مند ساعة ونصف الساعة رسم من الكلمات المطمئنة جلبابا واسعا، يستدرجه بالعلاقات الواسعة والقوة المقتحمة للمواقع المحصنة المرتعبة من سيف الاعلام، مقاطع وحروف وصور ممزقة وسخافات عن المعارك الوهمية مع رجالات السلطة والقضاء والامن، سحابات الدخان ترتفع في الهواء، عينا الفلاح تغطس في المجهول تندفع نحو مشاهد اخرى، يسمع بالإعلام ليل نهار في قنوات التلفزة والراديو والجرائد ، فكر بصوت مسموع ما اخذ بالتزوير والمال يسترد بالدم، القتل يركض داخل الجسد المظلم، كل المنافذ مسدودة باستثناء نصل السكاكين، وحيد واعزل في غابة الحيوانات المفترسة، جميع حبوب التهدئة تسبب المغص.

- انت في عار الله اسي محمد واش باغي تخلي وليداتك يتامى
- ولادي تيتمو نهار مشات الارض وتهدم المسكن ديال اجدادي

- الا تسد باب الله كيفتح باب اخر
- الهدرة ما تشري خضرة...خص الدم اسيل وتطيح رواح باش يتسمع الصوت ديالي في المحكمة والحبس
- الله يهديك
الفلاح المسكين اضاعه الوطن الضرير، الكلمات القاسية تحتضن ملامح الغضب والجنون ، جفت منه الاوردة والشرايين في تعقب المسافات، لم يبق سوى الخراب واليباب ، يحمل نعشا يبحث عن مقبرة ، حين تحرك الفلاح ظهرت السكين لامعة في الجيب الداخلي للمعطف البني القصير، حفيان الراس ارتعب احس بفوران داخلي، تعرق الابطين وصعود سخونة الى الوجه، بحجة افراغ المثانة تسلل من الباب الخلفي للمقهى وتركه وحيدا ، المهزوم والحائر يطلب السعادة ولو في قعر الجحيم ، تخيل النصل ينغرس في القلب ، اقشعر البدن النحيل وجف الحلق ، نيران الجور والظلم لا تطفئها غابات الكذب والنصب ، الكلمات المنتقاة بعناية عاجزة عن ترميم الذات المكسورة ، لا شيئ يخرج المظلوم من طقوس الهذيان وينقشع عنه الغمام سوى الانصاف والعدل ، الصنارة رجعت خاوية لكن المدينة تجيش بالضحايا ، بدون اتجاه يخيط الازقة والدروب والخيال المستفز مشتعل يستعطف الرب ان يستمطر الحنو في القلوب ، الوقت المكفهر يصهل جامحا والوجع يتسلق حوباء لا ترتوي الا بعناقيد الآمال العراض ، الجسم المملح بالأحقاد ما زال ينزف ، امام الادارة الكبيرة محتجون يدثرون الاجساد بالعلم الوطني ، شعارات وتصفيقات مجلجلة تدغدغ الفضاء الواسع ، سحب من الحقيبة السوداء الكاميرا ، الجراحات في المدينة المنهوبة معروضة مند زمان في الصحف الصفراء ، الحالمون تأكلهم برودة دوائر الشرطة بالتهم الثقيلة ، التقط الصور من جميع الزوايا، انحناء، وقوف ، تقريب ، مائل ، مستقيم، تقدم نحوه احد المحتجين يحمل صورة جيفارا، استفسر عن الجريدة او الموقع الذي يعمل به ، اخرج من الحقيبة عشرات البطائق المعتقلة في اشرطة بالوان قوس قزح ، قهقه المحتج عاليا ليس بالتفاهة تقاعس تجاعيد الحرية ولا الدفاع عن الحقوق ، الصحافة تمر بأيام صعبة وتنحدر الى الدرك الاسفل من الميوعة ،الكاميرا تقيس مسافة الحياة ترصف احجار التمرد ، الشعارات الصادقة والمقتحمة لم تعد تكنس الضباب الاسود المنتشر بقوة ، لا تنجب الاذعان من سكرات الاهمال ، كل شيء جميل في الحياة تسفه بأيدي حكام العصر، في انتظار صحوة الضمير المتقهقر الى الوراء، يضرب البرق غير بعيد، ترفع الاعين الى السماء الداكنة ، زخات المطر دائما تحمل البشارة ، وجوه تتابع الضوء المنبلج من الكاميرا عند الضغط ، الضوء العابر من الة العدم يتبرز
تشويشا وعلامات استفهام ، احلام تتزاحم مالحة على الصفحات المسجية على مناشير القهر ، تصرخ على الحاكم المنتخب ليزهر الطين ، امطار قوية تبلل الاجساد المقعية على الاسفلت اغتالت الصراخ في الحناجر ، يهربون مثنى وثلاثة تحت الاشجار المشذبة الاغصان ، الشكل النضالي فشل ، يسرع حفيان الراس الخطى الى بروزات بناية ادارية، يسحب المنديل الابيض يمسح الوجه والصلعة ، ينفض الماء عن البدلة، السروال يلتصق بالأفخاذ من شدة البلل والحذاء منزلق الملبس ، الحقيبة السوداء تقطر ماء ، زفر بقوة وشتم الحظ السيئ الذي يلازمه ، خرج خاوي الوفاض والنهار يزحف نحو الليل ، لم ييأس ولم يرفع راية الاستسلام ، واثقان الحرفة يحتاج الى اشهر من المران والكبوات ، النجاح حتما في لعلعة الاسم وانتشاره بين الناس ، القلب ممتلئ بطموحات غير محدودة ، في الشارع الكبير لطمته روائح الدخان والشواء، جلس فوق الكرسي متعبا، رفرف الجوع في عتمة الاحشاء، يسحبه الى السقوط مثل خروف يساق الى المذبح ، الصحافي النكرة مطوق بمتاهة الفشل ، لاح في الأفق الكئيب ضوء يطوي بؤرة الظلام ، التمعت العيون الصغيرة ببريق امل ، لوح بالبيد واطلق العنان للصرخة.

- اسي المورصو اجي غير شوفنا

- اهلا حفيان الراس كيف الحال...؟

- خوك مقودة عليه ...نهار كامل مصورت حتى ريال والجوع قتلني

- انت صحافي خدام مع 20 جريدة ورقية والكترونية وعندك 20 بطاقة وما صورتي والو ...

- هاد شي لي عطا الله

- خد لك شي حاجة على حسابي..

المورصو يركب سيارة فارهة، في المقعد الخلفي ثمة فتيات صغيرات متبرجات شبه عاريات رغم البرودة، فكر ان مكيف السيارة شغال دفع ثمن الوجبات وترك البقشيش ، مد ورقة نقدية لحفيان الراس ، التقطها بسرعة البرق ، دسها في الجيب وامطره بالدعوات المبهمة من فم يمضغ الطعام بسرعة، المورصو تاجر للرقيق الابيض ، سطع نجمه في السنوات الماضية، ربط علاقات مع اجهزة مختلفة، يصطاد اوجاع المهووسين بالأجساد البضة ، لكل كاعب سعر محدد في سوق الايلاج ، الهاتف لا يكف عن الرنين والبضاعة في المقعد الخلفي تتعجل الحرث ، اجساد غمست مند الولادة رغيف الحرمان في اطباق الخيال ، ضيعتها في الصغر علامات المنع والتخويف من يوم الحشر، لا نور في نهاية النفق سوى اضغاث احلام، الاجساد المنسية في الطقوس البالية تحتاج الى الارتواء، لا حاجة لقضاء العمر في انتظار فارس الاحلام والمشي فوق الجمر ، والاباء لا يشمون قطعا رائحة العهر في عرق الانات ، العائلات لم تعد تبالي بمصير الابناء ، ان يعهروا او ينحرفوا ، مند عقود انهارت الاخلاق والقيم، السيارة تنهب الطريق، الموسيقى الصاخبة تصم الاذان ، والاجاص سكران قبل أن يأكل بالشوكة والسكين ، والتوت البري موبوء بالهوى ، قضمات الليل اشهى واغلى ، يقف امام فيلا فخمة حديثة البناء ، الواجهة الامامية كلها زجاج لماع ، نزلت الفتاة رمت بقبلة في الهواء الى الجالسات في السيارة، ضغطت على الجرس ، اضاء المدخل بالوان زاهية ، انفتح الباب واطل شيخ في العقد السابع او اكثر، دبق محمول على السعال والبصق ، يطارد فتوة ضائعة بتعاويذ متكلسة، والجفاف يقيم في الاوصال لا يبتغي الرحيل ، في الطريق الى الداخل ابتلع حبات لتهييج الفحولة حتى لا يفقد ماء الوجه على حافة السرير، الشيخوخة قلمت شجرة ايامه لكنه لايزال يصارع الظلمة ولا تجبره على احصاء الهزائم ، فاليد دائما على الزناد ، شيعها تختفي وخيم الظلام ، ادار المحرك ضحك كثيرا على الشيخ الذي دفع مبلغا مهما في سبيل عشرات القبل وطبطبات على السيف من المنبت الى الحشفة، الشيخ يكتب بحبر التنهدات خمولا فوق مرايا دمى العاج ، غير قادر على اشعال الفتيل في الجسم ، ابدا لن يتوهج التفاح في القلب .

- هدو هما لهمازي دافع 5000 درهم باش ابوس

- باغي اقصر مع قد الحفيدة نتاعو ولكن المطور عندو خاوي

- الله اكثر بحال هاد العينة

- اللهم امين

في الراس بحار ووديان لا تكف عن الهدير، وكواعب اضعن مفتاح الارعواء في اسرة الزبناء ، الشهوة تعري الجماجم من اوراق الرغبات الجامحة ، وصهيل مهرة شقشقت بالأمس موجوعة بسطوة حصان هرم اظل الطريق في السباقات الطويلة ، المورصو اشهر من نار على علم ، استنبت في الاحياء المتعقبات للزهور المتفتحة ، لكل زهرة ثمن في سوق الرقيق ، الاستدراج بالهدايا وغسل الدماغ ، جميع الكواعب طازجات مهيئات للامتطاء ، المسلسلات الاجنبية المدبلجة مدارس تكثر من الخصوبة الملتهبة ، تفرخ الحالمات بالثروة والجاه ، والذئاب في الطرقات جاحظي العيون ، تنام فوق مطارف الجمال البتول ، يلتهمون بشره ما تحت السرة لفتيات يجربن الطيران بدون اجنحة ، حاملات في الصدور عاصفة الميلاد والموت ، المورصو خبير في القطع المليحة وفي متطلبات الزبون ، عمل في السابق مصلحا للهوائيات المقعرة ، يتسلق السطوح للقبض على القنوات الاجنبية ، يدير الصحون المقعرة حسب مقاييس محددة ، من قنوات العري تكتحل اعين المكبوتين ، وجوه بلا قسمات تقتل الوقت بالتفرج على بنات عيسى وموسى يصطدن لون السراب في اقفاص معبأة بالشبق والاشتهاء ، والملتحي يسوي الهوائي على قنوات فقهاء المضمضة والاستنشاق ، فتاوى خادعة تجعل المتلقي رهينة لحسابات الشك واليقين ، عادات وتقاليد مستوردة من خارج الحدود ، يلبي طلبات الزبائن بدون تردد ، لا يفاوض الثمن على سرير الفحص ، ترتعش نبرات الكلمات الخافتة على نحر عورة الابتسامة ، المرأة وحدها في البيت ، تدعوه ان يسوي جهاز التلفاز في غرفة النوم ، تتعرى الاغصان المزهرة وتصفر الملامح المفخخة ، يظهر مصب الينابيع مسورا بالحشائش ، غابة طاعنة في المجهول ، يخاف ان تفترسه الذئاب وتخرج من الاخاديد الجرذان ، يتعمق اكثر وتطارده ابتهالات المد والجزر ، تتفسح العيون وتتبختر فوق الجراحات المفتوحة، تكسوه النظرات المرتعبة بفوضى الشهوة ، وقفص الاستجداء يرتسم في تقاسيم الوجه ، جاء ليصلح الجهاز لا ليشحم وعاء التفريغ ، مدت على الطاولة ورقات نقدية زرقاء، اطلقت العنان للجام العنة، بددت سحابة التردد وارتمى على حشايا المبارزة، ابحر في انهار مسكونة بالإثم ، جدار الخوف انهار وهبت في الاحشاء امواج الاقدام ، الجسد العاري يرفع يافطات الهمس والشكوى ، يشرع الباب للذنوب والخيانة لتخبئ طعنة الوحدة في قيظ الوحشة ، في الشهقة الاخيرة ترك صدى طيبا، الجثة باردة تضج بالاستزادة والنهم ، الفرحة لم تعبر من نوافذ الغرفة وتلويحة الأهداب تكشف السر، لم ترتو من سمفونية الطلقات والقلب لا يكف عن الخفقان ، ضمخت أسمال صفحات الخد برذاذ الرجاء ، مناجية سلطان الحرب ان يعيد قياس سهول النبض على تخوم الشبق ليمطر الشبع في اعراس الضم ويخبو وهج الاشتياق .
مند اشهر تشكو فرار العصافير من الحقول ، ما تزال شابة في العقد الثالث ، الزوج مهاجر بالديار الاوربية، الاوجاع تنمو في الحوباء تكبس على الدماغ ، وحيدة في شارع فارغ تغادره الجنازات ، كل ليلة تحلم بالحفر في الاماكن المقعرة ، تحفر ، تحفر الى ان تصاب بالتعب ، تسقط فاقدة الوعي والادراك ، تحلم بعشرين حصانا تدوس الجسد تمزقه اربا، اربا، الايادي الحنونة تعيد تشكيله في ثواني محدودة ، ينفخ في الروح رجفات مدوية، ينفض عن المقل بقايا وهن وغضب ، والعمر ضاع في زحام الانتظار ، الاولاد في المدرسة والخواء سيف مسلط على الرقاب ، رجته بالعيون ان يمسك مفاتيح القلعة المغلقة ، سحبته الى السرير والقميص ملقى على وجه الشهوة .

- جلس شوية مالك زربان

- راه عندي شي كليان خصني نخدم ليهم

- داك شي لي غتصورو في نهار نعطيه لك ... شحال...؟

- كل نهار ورزقو

- انا رزقك اليوم

تبادلا ارقام الهواتف ، وعدها بالمجيئ كلما سنحت الظروف ، ضحكت واكدت ان عليها تعطيل اللاقط الهوائي لكي يحضر ، خمن انها متعودة على افراد الضفائر لمواسم الربيع ، تكرر الامر معه مرارا وتكرار، يأتي ليصلح الهوائي فلا يتوانى في سقي المناطق التي لا تراها الشمس ، يرسم ازاهير فوق الهياكل المنسية ، يطلق من مخزن السلاح طلقات الخلاص في وجه العبوس ، ازدهرت الحرفة وتمدد في شرايين المدينة، الهاتف الخلوي لا يكف عن الرنين ، استعان بشاب ينفذ المطلوب ويقدس الصمت ، اقتنى سيارة صغيرة من سوق المستعملات ، قسوة الحياة في المدينة تجز الفحولة والانوثة، المورصو فحل يرقص على جمرات ثورات نساء منسيات ، لم يتعلم الحب على منبهات الاحاسيس ، علموه جمع المال وان القرش الابيض ينفع في اليوم الاسود، المال عاري من النفاق يحمي من الخيبات والكبوات ، استوطن الطمع والجشع واستقاما، يقذفه الموج من شاطئ الى شاطئ ،يسعف الخائفات من هلع و اشباح الليل ، يجس النبض في الصباحات يضع في راس القائمة مرتفعات الضغط من لعاب الحرمان ، القانطات في سراويل الكبت و الافراد ، تهمس في الاذن بتوسل فلنجرب مرة اخرى ، تنتفض العصافير من اعشاش الصمت ، تنبجس اللزوجة بين السيقان ، لم يعد يستطيع تلبية الطلبات لأصوات تقفز من أرخبيل العطش ، اتصلت شابة مطلقة تطلب الصحبة، لم يخجل حين رشح لها فحل من المعارف ، سرد على المسامع المميزات ، شاب هادئ كتوم قادر على اذابة الجليد في الجبال ، على اهبة الاستعداد لإفراغ شحنات الذكورة بين الفجين ، مجرد رغبات في زفاف الاجساد الموعودة بالضمور ، وطقوس التطعيم في سفريات الخيانة حرام ، حرام. صرخ الفقيه في التلفاز ، الحرام ان تموت مضاجعا احلام الامس بأحلام الحاضر و المستقبل ، هضاب لحمية متماوجة تحمل وقع معارك الالتحام القاسي ، انقطعت الانفاس عن نبض الكلمات ، فقد الشاب جواز الانتماء الى بني البشر ، المورصو اللعين اوقعه في الفخ ، لم يكن الاتفاق ان يعاشر فرس النهر ، تبا للورقات النقدية وعري يقطع الانفاس، اندفع نحو القميص ، فتح الباب وغاص في الظلام، تنفس الهواء النقي جلس على الطوار يداه ترتعشان غير قادرة على تزرير القميص . اقله بالسيارة وضحكا كثيرا، الشوارع مزدحمة بالضجيج ، جلسا في اول مقهى ، رفعت الانخاب في بطن الهزيمة ، صعب ترويض فرس نهر متوحش .

- واش صفتيتي ندبر على راسي ولا ننتحر

- واش غلباتك ياك كتدفع مزيان

- هديك جيب لها 10 مفتولي العضلات طيحهم بالكاو

- الا بغيتي لفلوس

- الله يعلن بوهم فلوس

- الهمزة كاينة في صغارات وصلهم لعند الكليان وجيب الصرف صحيح

تبابين الفتيات نشرت على حبال الامتطاء ، يستدرجن الى مواسم التخصيب لإرضاء قلوب مترعة بالهموم ، يتكورن بين احضان شيوخ انتهى عمرهم الافتراضي ، الموت يضاجع وردة تلتهم زوادات الذكورة ، تقدم نحوهما الكيدون تاجر السيارات المزورة، يحمل جثة غليظة ويتحرك في تثاقل ، جلس على الكرسي وفاض لحم المؤخرة، سمعت الطقطقات الكرسي في خطر مهدد بالتهشيم ، يلقي القفاشات كلها ما تحت الحزام، ينمسح الغضب و الوجع من الوجوه ، الكيدون اصبح من الاعيان نزح الى المدينة عاريا جائعا، عمل حمالا للبضائع ، اشترى عربة يد وتفنن في نقل السلع للزبناء ، عاش سنين مثل كلب قذر طريدا شاردا، يلعق تذللا ما تحت الاحذية ، يمرغ الانف في الثرى ، عاش في الازقة والشوارع متسخا يلتقط بقايا الطعام في المقاهي ، بعد اعوام ظهر في سيارة فارهة كريما مزدهرا يبدو كسياسي انيق فارغ الدماغ ، تهامس الناس في الاسواق والاحياء، كيف ارتقى من القذارة والعفن والموت الى الجاه والمال...؟ الكيدون اصبح يمتلك اسطولا من سيارات الاجرة الصغيرة والعقارات ، الثروة لم تنزل عليه من السماء، الكيدون تاجر في المخدرات بتشجيع من رجالات الامن الفاسدين ، جمع رأسمالا مهما واتجه الى اقتناء سيارات مسروقة من اوربا، تدخل الوطن وتختفي من السجالات ، طور اساليب ازالة الارقام التسلسلية للهيكل وتركيب اخرى بديلة، تشترى الوثائق القانونية لسيارات مهشمة في حوادث المرور ، تركب اللوائح المعدنية في السيارة المسروقة. المركبات المسروقة تلبس جنسية بديلة، تمر بشكل عادي امام اجهزة الرصد وتفتيش الفحص التقني ، الجريمة في المدينة تشطب الفقر عن الوجوه ، خارجون من رحم العفن والوسخ يتبولون على اساطير القناعة والعفة ، تاجر الشهوات يتفاخر بعدد الاحواض التي يحوز ، الرزق قابع في طلقات المدافع ، ملايين تسكب في الحساب كل شهر ، تتعرى فضائح النبتة الفاسدة ، ترقص حافية فوق الجرح ، تقدم قرابين على معابد العهر ، لا حديث عن البراءة والنقاء ، في شوارع مدينة مزكومة برائحة الفساد ، يمر صاحب عربة مجرورة باليد ، يشير المورصو الى العربة ويسال الكيدون ان كان ابن عمه في اشارة الى ماضيه، تتعالى القهقهات يمتقع الوجه ، تسرقه عتمة الصمت من اشراقة القهقهات ، تنهق جحافل الغربان في الفضاء ، طبول الاغماء دقت في الاضلع ، مرمي تحت معطف الارتعاش ، يسحب الكيدون حقنة السكري باضطراب شديد من محفظة موضوعة امامه ، يغرز الابرة في القارورة الصغيرة ، يشفط السائل الى خزان الحقنة ، يمتص اكسير الحياة ، يرفع القميص ويغرز الابرة في الجلد بيد مدربة ، يضغط بتؤدة يضخ السائل في العروق الناشفة ، يراقص الانسولين هالات التشنج في الدم ، يستعيد الحرارة وتصفو الصور في الدماغ ، اضاءت قناديل الابتسامة.



- واش جاتك الموت

- نهار غادية تجي ما كتعلمش

- ولكن اخويا الجثة عندك غيتبرع فيها الدود

- كاينة

- كاين شي حديد مدرح ولا السوق ناشفة

- عطا الله خص غير الشاري

يشرب كاس شاي بدون سكر ، تتوسع الحلقة وتنضاف وجوه اخرى ، يحضر الكورفي تاجر الخضر والفواكه المهربة ، ولد عاريا في الازقة والشوارع وتسلق بالأظافر الى المرتفعات ليطل على الحياة الرغدة ، ارتقى في مصارين المدينة صار له اتباع ومريدين بعدما كان تابعا وعبدا مطيعا، بجانبه يلتصق بائع البصل القنبوري ذو الاوجه والاقنعة المتعددة وبوق السلطة المتطوع دوما، نافخ في كير المشاكل، ممتهن لجميع الحرف ، يتواجد في كل الامكنة، التحق بالجوقة الدردام رئيس ودادية سكنية، راسما ابتسامة بلهاء، متورط في ملفات حرمان ذوي الحقوق من قبر الحياة ، اوباش المدينة يشاكسون خيالات الحكمة، عصافير الوقت تصرخ من الضجة الكبيرة التي تلوي الرؤوس ، النادل يضع الاطباق مبتسما يفرك يديه بفرح طفولي ، تطير اسياخ اللحم تلتهم في رمشة عين ، اللحم المفروم يذوب في الالسنة، تبلع سلطة الطماطم والبصل المتبلة، ما بين سكون المضغ المصلوب على الاطباق وصوت الكيدون الحانق على الحرمان من نعمة الاطعمة الشهية ، كم يشتهي هذه الاكلات الدسمة المقطرة دهونا، تمر فتاة شبه عارية ، تتدحرج الجماجم وراء المؤخرة المكتنزة ، تلعقها العيون المشتعلة بالشهوات ، وتعريها عيون النخاس المورصو العابرة لتجاعيد الصمت ،ينتحب صهيل المكسب فوق صخرة التمني، المورصو يشتهي لغيره الحور العين ، خمن ان سعرها في السوق سيكون مرتفعا، اراد ان يلاحقها بالسيارة لكن الشلة منعته ، دون في سجل الصمت الرغبة المحمومة، بائع البصل يوزع صكوك الطهارة والرجولة على رؤوس الاشهاد ، يمص الاصابع ويلحس ما تبقى في الصحون ، يطلق الدردام صفيرا ويحرك الراس ذات اليمين وذات الشمال ، يضع رجلا فوق رجل ، يسوي ربطة العنق منتش بالبدلة الزرقاء الباهتة، اقتناها من سوق المستعملات حين انتعل السياسة ذات خريف واسهال حزبي ، ترشح للانتخابات طمعا في الحماية من الجريمة لكنه فشل ، يتلو على المسامع نصائح مقدودة من ربوة الآراء الطائشة المصابة بالجفاف ، يعلو صوت الخطيئة والتربص ، يرميه الكورفي بقطعة ورق مكورة، الكورفي عاش سنوات متشردا يقتات من بقايا الطعام ، له اسهم كثيرة في خارطة الفقر والرياح ، ينام في مخازن الخضر والمرائب، يفترش علب الكرطون ويتلحف بالأغطية البالية، يستضيئ بضوء الشموع ، يطهو الطعام في الصفائح المعدنية فوق المجامر ، يغسل الملابس في النافورات وفي الحمامات ، يعرق وينشف في حمل صناديق الخضر الى الشاحنات والعربات، ينقش في صخرة الحياة رغيفا، سنين طويلة ظل في الصف الاخير، في خانات الصفر من الدرجات ، منبوذا يراقب ضجيج الحمالة وعمليات البيع ، في الحوباء تئن صرخة الحرمان العميقة، رويدا رويدا اصبح له اسم في السوق ، محمد الكورفي تاجر بالجملة ، يشارك في عمليات التهرب من اداء المكس وينال النصيب ، التحق بعد كد وتعب بقافلة الفارين من الفقر ، اكترى منزلا سكنيا واغطية وملابس تليق بالمكانة ، لم يعد يتردد على الاماكن القديمة ، قطع الصلة نهائيا بالأصدقاء والخلان الذين جمعته بهم ايام الجوع والعطش والعراء والنوم على الحضيض ، محاولة للخلاص من وجع الدماغ واسئلة كيف ومتى ومن اين ، اسئلة داخل حدود ابجدية الحسد ، لم يعد يتسكع في احياء مطرزة بالنفي والنفايات البشرية.

- من لحمارة للطيارة

- لي عطاك يعطينا

-ياك ما طرطقتي شي بنكة

استعاذ من شر الحساد ، وحاسد ثقيل على العين والفؤاد ، معاول الهدم مشمرة عن السواعد، ربوهات تتوسد الخسة والوقاحة ، لم ينهش لحم الانسان ليستجمع مساحة الانتباه ، صام التفتيش في زلات الاخرين يفترش الكبوات ليشد الانتباه ، ليس كالكلب المسعور المدعو المورصو الخادم الامين لهواة الافخاذ يستدرج الابرياء الى التقطيع لإشفاء غليل ماسورة مشتعلة ،الوجه المتفحم مرحاض متنقل يليق بعنوان عريض للخسة ، الجلساء يكرعون في جميع اللقاءات أقداحا من الهذيان ، من فم يشبه سروج البهائم عند التبول يبدأ القصف واستحضار انشطة الليلة السابقة ورقص الالهة في ثوب ادم، دخل السجن بسبب شريط فيديو سجل داخل السيارة لشابتين تكرعان كؤوس الخمر وتتلفظان بكلام ساقط، حين لعبت الخمرة في الرؤوس نزعتا ما تبقى من اعواد ريشيهما، طاف الشريط على الملايين وتجاوز الحدود ، وضج في المدينة وجه النخاس وغاص في لجة الزحام واستوى في جعبة الاحاديث ، افجعت المشاهد الاباحية العائلات المحافظة وطالبت بالقصاص ، نفس المواويل الممتقعة تمضغ في المقاهي والشوارع والمنازل توقد النيران، الحبال تطل من منصة الاعدام ،المورصو يحصي حجارة اللعنات على الوجه، في انتظار عاصفة هوجاء تقتلعه من الجذور، فتشوا الجيوب والمنزل والمحل التجاري، صنعوا من المداهمات الامنية روايات واحاجي عن غرف المتعة واخرى مجهزة بأحدث الاجهزة والتقنيات لتصوير الاشرطة الاباحية والمتاجرة في الرقيق الابيض خارج الحدود ، الحي متكور على بطنه واخبار تزف بشرى انتهاء التحقيقات، واجتاز المتهم حقولا ملغومة بالاتهامات، وتوارت السكاكين التي حفرت في الخاصرة، وقف امام القاضي بمعية الشابتين، اختفى التبرج الفاضح والقسمات الحادة، مقمطات في جلابيب معصومة الرؤوس بمناديل، المورصو في كامل الاناقة بدلة سوداء وقميص ابيض وربطة عنق زرقاء، الخوف من الجالس فوق المنصة يصهر قضبان الرعب ويشنق الفرح في المقل، تتساقط الكلمات الجمر تهيل الدمار، لعلعت فصول المتابعة ولوحت النيابة العامة بتشديد العقوبة، يضيق جناح الحرية بالقصاص ، الحكم بعد المداولة نثر صاحب البدلة السوداء على المسامع ، رفعت الجلسة وضرب بالمطرقة على اللوح الصغير، نفذت الكلمات الى الدماء واحس بدوار شديد، واشتعلت جيوب الشرايين من عطش ، القاضي يبحث فيه عن معنى العقاب، لم يعد في الحوباء متسع لمفردات تضئ غموضنا، انسلت الانوثة المتمردة من الواقفتين بدون حراك، اه يا وجع القيئ بعد السكر أو نداءات الياسمين في السرير، دفعهم الشرطي الى غرفة مجاورة في انتظار الترحيل، ثمة مومسات طاعنات في العهر يدخنن سجائر شقراء، يرتبن فوضى التهم على مهلهن ،يفتحن من الضوضاء خميلة لعصافير تشقشق في اسفل السرة، مدت لهما لفافة حشيش فرفضتا بحركة من الراس، ظلتا تعانقان القلق النابت، قهقهت احدى المومسات بتهكم وارتجم منها الصدر.

- ما شي نتموما لي خرجتو في داك الفيلم ديال لعرا

- خلي علي لبنات ما زالات طريات

- خليني حتى باغية تحرج فشي فيلم

بحتت احداهما عن صورتها في الطفولة حين ضيعتها في الدهاليز ، فاستسلمت للقدر الغاشم فاهطلت حزنا و دموعا ، راوغت فخاخ المحققين والقاضي لكن الشريط لا يكذب ، الصوت والصورة ينطقان بالجريمة ، احترقت سراديب الاضواء في المقل ، ارتكبتا الفعل الفاضح ، والشهوة اوقعتهما في اسر جنود الظلام كيف تسرب الشريط من هاتف المورصو الى هواتف اخرى ، كل من حام حولهم الشك طالهم التحقيق ، ومصير معلق في اهداب السماء ، ظل الدفاع يرغي ويزبد ويقدم مبررات لسقطة الشابتين في براثن السكر والعري ، ولا مفتاحا لحل طلاسم القضية ، ليمنح الحرية للانثى التائهة في مصارين المغريات والاستمالة ، الجلسة مصابة بهشاشة السمع ، المتفرجون يسترقون النظر يتدحرجون كالبصاق على طين الملامح ، يلعبون على ظهر الغمز، الوقت يطول والتعب يركب السحنات ويحمل نعش الانهزام ،

- معقلش السيد القاضي فاش تصورت عريانة

- شكون صورك...

- المورصو نعام اسي

- هو لي تكلف بنشر الشريط

- اييه نعم اسي

يتعكسر القرف في خنادق ضيقة ، يسمع أنين الاهل من غربة وقرف المكان يزيد نوح القلب المليء بالأوجاع ، الغسيل نشر على حبال الضوء والحياء مصاب بالشلل ، العار يرسم في سبورة الوضوح يدوس على ناصية المتفرجين ، تناور بقصف الاصابع تهما ثقيلة كلما لوح القاضي بنوايا اقسى العقوبة، والحلق يكتظ بالعلقم والاحزان ، وخيوط الرهبة تمتد الى حفرة الظلمات، تلفت صاحبة الجلباب البني الى الوراء، عشرات اجهزة الفحص تسيل منها جمرات الجلد والسحل ، ليستا سوى فروج مستباحة للذي يدفع ، في ركن من القاعة لاحت الام محمرة العيون تكتب الى الله رسائل المغفرة والتوبة، هي الام نفسها التي فردت الغطاء على الجسد المكور من البرد قبل الفجر ، هي الام التي اوصت بالحفاظ على الشرف ، نصائح زرعت السمو في الصدر ، واستنبتت ازهارا بلا مطر ، بكى الطفل الصغير بالجسد المكبل المساق الى البرودة، افرغت القاعة من العائلات والمتطفلين ، حملت الام الهيكل ولعنت في السر من استدرج الابنة الى شاطئ الغواية ، واقامت في الجمجمة حفلا جنائزيا لأخبث السقطات.
الكيدون صاحب شبكة معقدة لسرقة السيارات الفارهة وتزوير الاطارات المعدنية يلقي الكلام على عواهنه، تفيض الجلسة بالأحاجي والمغامرات البخسة، يسدون ثقوب الوقت بصراخ الضحايا، جماجم اينعت على تضاريسها الخلاعة ، واجساد تتمدد على رئة الضجيج والتصفيق ، يشربون من نفس الكاس المتسخة ويتفاخرون ، انه زمن الفساد واذنابه ، ماتت الطرق المسافرة الى النقاء والصفاء ، المخلوقات الغريبة تكتسح جميع القطاعات ، تستحم في اقبح القواميس ، لا تملك من العلم سوى اللهاث والركض خلف سراب الوصول الى الجاه والثروة ، الدردام يختلي برجاحة الصمت ، يستمع الى غزوات تماسيح البر ، تسحب البنادق تحشوها بالرصاص وتستعد لرحلة القنص المقبلة ، تنظم كائنات هلامية اخرى الى المجموعة ، تتوسع الدائرة وتتلمس الوجوه الخطوات في اسرار القاع ، النادل يلبي الطلبات بخفة وحماس يفرك الايدي ، في ليل المدينة مساحات من الجنون تحدث ، الحانة القريبة تفرغ الجوف من السكارى ، يتفرقون في الشارع ،بعضهم يسرع الخطى لإسكات عصافير البطن ، فالعطش المجنون في الاوردة ازيل بقناني الخمر الاحمر، اخرون يتمايلون من شدة السكر، السيارة الموشومة تتوقف امام الخمارة ، صاحب الحانة يفهم في الاصول يعرف كيف يشتري اللامبالاة بمقاسات الارشاء، للخراب والدمار والمستحيل أبواب و مفاتيح ، نام الشرطي فوق المقود كتعويذة مدفونة في الارض ، تفرس في الورقتين البنيتين ، الزمن الفاسد والقاسي والجشع منفتح على طقوس القرابين ، القرابين ضرورية لتدبير المصالح في المدينة المسيجة بالجريمة ، ترتق مزق الوقت وتمسح جبين الغضب ، يحمل صاحب الحانة صينية بها لحم مفروم ومشروبات غازية ، يمد الشرطي يده ويلتقط الصينية ، يختفي اله الخمر في المعبد المحروس ، جهاز التواصل لا يكف عن الثرثرة ، الشرطي يحشو في الوجه اللحم المفروم ، يفرغ المشروب الغازي في الجوف يدير محرك السيارة المتهالكة الموشومة بالخط الاحمر والاخضر ، يتوجه صوب مائدة المورصو والكيدون ، يقدم التحية العسكرية ملوحا بابتسامة عريضة، الروح الامنية تائهة تجول في الحقول المفخخة بالألغام ، تداعب العيون المائدة المملوءة بالصحون والعصائر، يقفز المورصو من على الكرسي ، يضرب اليد في الجيب يسحب ورقة نقدية مطوية ، تدس في يد الامني الذي الف اصطياد الربح من برك الماسي ، يفرش القانون مصيدة للخارجين عنه والغارقين في الجريمة ، يحمل الكيدون الجثة المتهالكة يركب السيارة ويختفي عن الانظار. الفاسدون محصنون في المدينة المغتصبة ، يعرفون بعضهم البعض خفافيش تمص دماء الابرياء. تفرغ المقهى من الزبناء يعود الهدوء الى الشارع الا من اصوات السيارات والشاحنات القليلة ، سحابات الدخان المنبعثة من المجامر بدأت تخف .
يدخل الكيدون الى المزرعة المترامية الاطراف نواحي المدينة، ثمة سيارات وشاحنات رابضة في المراب الواسع ، معدات واليات مختلفة الاحجام ، عربة لقطر وجر المركبات المعطلة ، رافعة لرفع السيارات ، عمال منكبون في طلاء مركبة ، اخرون يستعملون شاحذا كهربائيا يقطع اوصال الحديد ، يطمس ارقام المحرك والهيكل الحديدي ، لحام ينفث النار كالتنين يذيب في لحظات قضيبا حديديا، يصب المعدن المذاب في الحفرة الصغيرة المتشابكة المعدلة على المقاس، تختفي الارقام القديمة وتحل محلها اخرى مزيفة، بضعة رتوشات وبري لإزالة الخشونة عند الملمس ، تضبط ارقام اللوحات الخارجية على تفاصيل الاوراق ، تنذبح الاسئلة الحائرة ، وجوه مدربة تمتطي السكون و تطمر الاسرار ، ترتمي القناعة مذلولة امام الأضرفة الدسمة ، تسقط العفة في شباك الجريمة ، ميكانيكيون وسواقة مهرة في خدمة الجريمة ، سافل من يركب الفضيلة و العيش بالفتات يرتضي الاذلال ، الكسب الحلال يخلف ضحايا الجوع والامراض ، بتثاقل كبير يتحرك الكيدون ينهي ويأمر ، ينادي المقربين جدا ان يتبعوه الى المكتب .

- اليوم عدنا الخدمة بالليل شيافر اكونوا على بال
- وخا نعم سي
- تنوضو مع الفجر وتسافرو للناظور جيبو واحد السلعة
- شحال من حديدة
- شي 4 السيارات مرسديس مكان اللقاء غتعرفوه ملي يوصلكم الاتصال الهاتفي على الرقم السري
- على بركة الله
- كيف ديما الطرق الوطنية ممنوعة ديما لخلا المخزن راه حال عينو...الى حسيتو بالخطر حرقو السيارات وهربو ...اللهم تجي في لحديد ولا فيكم..

ينثر فقاعات التحذير على المسامع ، يمكنهم من مبالغ مالية دسمة ، يتلو عليهم الوصايا الاخيرة ، يقسمون فوق القران ان يظلوا اوفياء ، اي اعتقال يلتزمون الصمت ولا يكشف اسم الزعيم ، من شيم الانسان الغدر والخداع والطمع ، لا احد يدل الغرباء على المكمن ، الجيران لا يعرفون عن النشاط المريب ، يشاهدون يوميا رعاة يسوقون قطيعا من الابقار والغنم الى المراعي القريبة، البيطري يمر لمراقبة الماشية ، عمال شركة جمع الحليب يمرون كل يوم لحمل الصفائح المعبأة ، وتقديم وصل عن الكمية، شاحنات التبن والبرسيم تزور المزرعة تلبي الطلبات ، ابقار تروح واخرى تحل محلها، كل شيئ عادي يمشي وفق الخطط المدروسة ، اعوان السلطة يتلصصون ، الاعين تورق بالحرائق والرماد ، يدسون الانوف في غيمات روث البهائم لإطفاء شهوة الفضول ، من خلال الشقوق والمنافذ واستراق السمع ، يحقنون بأفيون الاتاوة ووعود مزخرفة بعناية مسجية على العطايا السخية ، في كل عيد اضحى يوزع الكيدون بضعة اكباش على رجالات السلطة والاعوان والدرك ، ينكمش حارس الليل والكلمات ، يرحل خاوي الوفاض ، دوريات الدرك جندت الوشاة وتعقبت مركبات عليها علامات استفهام حين تاتي الاوامر من جهة اعلى ، تنسد فوهات المصادر الشحيحة ، الاوراق صحيحة لا غبار عليها، اخطا الشرطي المسربل بالشك، هم دائما على موعد مع الظنون، ينخسف عنق القسوة والقبح المزهو في شوارع وازقة البدلة الكاكي ، يلوي الامني عنق الصبر ويغمس في محبرة الحيرة والفشل الانفة ، وجوه مشوهة بغبار التعليمات ، يرمق ما بداخل المراب الكبير ، يدون في المفكرة التفاصيل الصغيرة، يتراجع على ادراج الفشل حتى لا يسقط في المحظور ، جماجم العمال محشوة بنشيد الثبات والصمود ، السباحة ضد التيار لكسب القوت اليومي ، الشقاوة والمغامرة احلى والاغراءات لا تنتهي ، تتساقط الهمهمات على الرؤوس ، فتنكمش الاشلاء في معاطف الشحوب ، تصطك الركب وتقعقع مفاتيح الزنازين في الحوباء، وليس للعامل ما يخفيه، الايادي تزيل واقيات الغبار عن المركبات ، يفتح غطاء المحركات بحثا عن المعالم التي طمست والشبهات الطازجة، افرش الدركي امام العيون رزمة اوراق ، يجثو طويلا يستحضر التجربة والخبرة في تتبع السيارات المزورة ، ضرب كفا ونفض الغبار عن السروال ، اعتذر واستفرد بالكيدون ، اخبره ان ثمة رسالة مجهولة وردت على القيادة الجهوية تفيد بوجود سيارات ذات ترقيم محدد مسروقة مركونة في المراب ، كل مرة تحدث الاغارة وظلمة القضبان تداعب أعناق الرجال ، وكل مرة يسمع نفس الموال، هناك من يخربش للامني ظلا اعوج، الغربان تحوم حول الكيدون ينصبون الشباك، سبق ان حكم بالسجن ، شهادة مشتري لسيارة مضروبة اوقعته في المصيدة، القاضي يوزع صكوك الاتهامات والبراءة منه الضحية والجلاد، صاحب البدلة السوداء التي يتدلى منها لسان ابيض ، يصرخ بأعلى صوت يحاول صهر دفوعات النيابة العامة الذي ينام على مطارف الشك واليقين ، محاضر الامن تعاني الاعطاب ، السائق ينفي اية علاقة للكيدون بالسيارة .

- هاد السيد ما عندو حتى علاقة بالملف السيارة شريتها وعاودت بعتها



- شكون باع لك السيارة...؟
- كلشي في الاوراق السيد القاضي ...الاسم والعنوان ورقم البطاقة الوطنية
- هذا لي باع لك السيارة كتعرفو فين ساكن
- لا انعم اسي... شريت من سوق وتكاتبنا في الجماعة وسويت اوراقي في مصلحة تسجيل السيارات
- ولكن السيارة مسروقة وتزورو لها لبلايك
- باش غدي نعرفها انعم اسي دوزتها للفحص التقني...تقدمت للإدارة المعنية وسويت الاوراق...

النظرات الحادة تخترق في تحدي المتهمون الخمسة ، يقفون مثل الاصنام في قفص الاتهام، ينعجنون في احشاء الكلمات القاسية والمراوغة ، الكيدون ينعي في خوف وقلق شديد ساعات الاضطراب والانتظار المفخخة ، القاضي يرغي ويزبد يحمل الام المخاض في فصول الادانة ، يضرب بالمطرقة فوق الطاولة ، جرجر القاضي تجاعيد وجوههم بظل الادلة ، يعم السكون المشوب بالحذر والترقب ، سكون موحش وعرق يتلألأ في الجباه ، يدب الخوف في النفوس ، القاعة الواسعة مكتظة عن اخرها بالمتفرجين والفضوليين والباحثين عن حشو بطاريات الادمغة بالاحاديث لنثرها في الشارع والمنزل، تذاكر السفر لغياهب السجن حجزت ، يسمع انات الحرية المذبوحة على الصدر تتمزق ، طعنات التزوير وتكوين عصابة هتكت حجاب الانكار ، يضع الحسرة والكبوة على حافة الصمت ، تبخرت الطمأنينة وحياة البذخ ، سنة وراء القضبان ، سيرقد في أعماق النسيان ،تحت اللسان تكبر مرارة الصفعة ، تهاوت رؤى الاحلام والانفة صارت شوكا في الحلق الناشف ، طقوس الاحتراس تبرجت بالقذارة ، يستنجد الاخ برجالات الاعلام لفضح التهم الملفقة والحكم الجائر، القاضي كان قاسيا لم يدقق بامعان في الادلة واقوال الشهود ، ازجل العطاء لحفيان الراس و عرعور القزم وطابور طويل من المندسين في مهنة المتاعب ، ظهرت كتابات مرتجلة في شبكات التواصل معمدة بضباب الاهات ولعنات لأعداء النجاح ، تنتصر للكيدون المواطن الصالح ضحية الحسابات التجارية ، مولت جمعيات كربونية اصدرت بيانات الشجب والادانة وطالبت بإطلاق سراح الكيدون الذي يتطهر من الآثام من فهرس الاخطاء ، تقلب الزوجة اليدين ذات الشمال وذات البكاء ، تلقي المواعظ وترمي في القاعة كمشة المناقب ، متلحفة بالسواد كأنما عادت من جنازة ، كلما اوغلت في سرد الحكاية استزادت بكاءا ونحيبا وعويلا ، تدق طبول الغياب ويعلن النفير ، عقدت تجمعات والقيت الخطابات النارية ، اعتقال الكيدون مكيدة مدبرة من اجهزة الامن التي الفت التوصل بالهدايا وعندما انقطع العليق نسجت خيوط الجريمة ، على الظل الحاضر ترسم المحاكمات الصورية ويمتحن الوطن ، اتفقت العائلة مع الشحاذين والقوادين والمرتزقة على الخروج في وقفات احتجاج امام المحكمة ، صورة الكيدون تلعلع في شبكات التواصل ، الكيدون حديث المقاهي والصالونات ، حديث الشارع والاحياء والازقة ، تخرج الى العلن ملفات القمع والعسف البوليسي وغياب العدالة، رجالات الامن المرتشون في مرمى القناصة ، يسحبون الى محارق الحقد والضغينة، وقف احد الحضور الذي اجزل له العطاء، لوح باليدين طلبا للصمت ، سرد على المسامع قصة شاب اعتقل بزجاجة خمر ، ادلهم على المركز التجاري الذي اقتنيت منه القنينة، لم يحضروا مدير المركز التجاري لأنه فوق القانون . تعالت التصفيقات والصفير ، شاب يخلع القميص ويدير الظهر للحضور، ندوب كثيرة في الجدع ، ندوب كأنها ثقوب الرصاص ، وجدوه في ساعة متأخرة من الليل متوجها الى منزله بعد يوم عمل شاق في ورشة البناء ، لم يكن يحمل البطاقة الوطنية، صفعه امني واشتبك معه، انهالوا عليه بالضرب والركل بالأحذية العريضة ، خارت قواه وغاب عن الوعي ، حملوه من الاربع ورموه في السيارة ، خوفا من ان يلفظ انفاسه في المخفر نقلوه الى المستشفى . تعالت الصيحات ودعوات الموت للفاسدين وجلادي المخافر . اضواء الكاميرات تحنط ادق التفاصيل . حفيان الراس يثور على شرف الطعنة في الظهر ، تدق عقارب الساعة ابواب الاستعطاء ، يستفرد بالأخ الصغير الكيدون وتتأرجح الانفاس على اوتار الذل والمسكنة.

- راه درنا لي علينا دراري خصهم اتخلصو



- شحال غادي نعطيو لكل واحد
- عينك ميزانك واش باغيهم استمروا في الاحتجاج والكتابة ولا كل واحد يمشي فحالو
- علاه تطلق هداك لي مرمي في السجن...؟
- عطيهم 200 درهم للنهار ...
- شحال من عطاش جبتي معاك
- شي عشرة ...وشي وحديث جاو بوحدهم انا ماشي مسؤول عليهم
- صافي في العشية دوز للدار نعطيك الاجرة ديالهم
- مرحبا

حفيان الراس يروض الايام العارية بكلمات مستغرقة في التملق ، يتربص بالوجوه الحالمة لإرضاع جشع دفنته السماء القاسية تحت الجلد ، كل يوم يطوف على الازقة واحياء لاستدراج المغفلين الى طاولة الحلم ، شاهد عبيطة قرب مسجد ينبش كومات القمامة بحثا عن شيئ يأكل ، سقطت في الدماغ دفعة واحدة صور من الام ووجع الامس ، يحمل الحقيبة المدرسية المثقلة بالكتب والكراسات ، يمشي بتؤدة في صباح مشمس ودافئ ، السماء صافية بعد ايام من التساقطات المطرية ، الارض حبلى بشهقات الربيع ، رفع عيناه الى الافق البعيد، ثمة حمامات تحلق في الفضاء الواسع، طفل يتعلم ركوب الدراجة الهوائية، لا يستطيع الضغط على الدواسات، يشجعه الاب بحنو مبالغ فيه، يفقد التوازن في كل مرة، سارت الدراجة بضعة امتار وسقط ، اختطفته ايادي مدربة وكمم الفم ، لمعت السكين في الوجه ضغط على العنق، انتحب على النفس الآيلة للأغماء، على اغطية ممزقة استبيح الجسد، تضمخ السرج بآيات الاقتحام ، تنابوا على الغنيمة بكل ما أتوا من شهوات ورغبات ومعاصي ، يتمدد عبيطة مثل ملك متوج فوق علب الكرطون ، تنعجن في الدار المهجورة سكاكين الهدوء والفراغ ، بويمجان يبرم لفافة حشيش ، عبيقة يزرر السروال فرحا الرغبة الملحة توارت خلف السيقان المتلألئة، حفيان الراس يطفئ بالبكاء الوقت المرتعش ، معصوب السؤال منقبض القلب ، الساعة شارفت على الرابعة بعد الزوال ، لم يغمض سوى بضعة دقائق حين اغار رجال الشرطة على الوكر ، جاء الفرج كالضوء الساقط من رحمة الله ، حرروا الرهينة من صفعات الاثم، القي القبض على العصابة ، الذاكرة اتسعت والقت بثقل الماضي والروح اقشعرت ، يسحب دجاجة نافقة من صفيحة القمامة ، هرش الاماكن التي لا تراها الشمس ، ابتلع الريق كمن اضاع ظله في الازقة، كمن دله الاغتصاب على نفسه المحطمة ، كمن يفتش عن وصايا الوجع والدم في الاشلاء، شاهد المغتصب يبتعد شبه عاري ممسكا بالدجاجة الجيفة، نهاية مأساوية وحزينة يستحق الذبح ، تمنى ان يراه متدليا في المقصلة ، يرفع الكف في وجه طواحين الرياح، لاحقه بالكاميرا والتقط صورا من زوايا مختلفة، عبيطة يحمل الدجاجة النافقة ، عبيطة ينزع الريش عن الجيفة، عبيطة يشعل النار ويضع الجيفة فوق كومة اوراق ، في الدماغ يكبر نداء الانتقام ، الفجيعة تلهث في مصارين السنين ، اقترب اكثر من الاحمق ، تفرس في الوجه المخربش ، لم يبق سوى الهيكل وبضعة عظام بالية مخلفات من زمن الكبت والسجن والشقاوة ، تحنيط الصور لا يصلح لتضميد الجرح العميق ورتق الانكسارات ، حفيان الراس يغازل خيوط الدخان ، النار تلتهم الجيفة، يرن الهاتف من جيب السروال الامامي اكثر من مرة ولا يرد، يستمر في تأمل الجيفة تحمر وتحترق ، يشطر عبيقة فخدا، تنسكب الامعاء والدود والدم والصديد، يهرب حفيان الراس يتقيئ ما في الاحشاء، منظر مقزز، عبيطة ينتصر مرة اخرى يغتصبه بوقاحة وخبث.

- اش كدير حذا هذاك راه حمق
- راني عارفو...مكرهتش نعلقو في العافية
- داك شي لي فيه يكفيه... راه بقا تابع المؤخرات حتى سطاتو ريحة تقابي...
- يمهل ولا يهمل

الوليمة الدسمة تحلب الافواه ، الايادي تنتظر العض وقطع شرائح لحم شهية ، السكون يحيط بالمائدة المستديرة ، تصيب اللحظة القاسية الجماجم وتعبر الى عالم الصور والخيال ، ترتعش النفوس الجائعة امام كمية الطعام والفواكه، الخروف المشوي لا يزال ملتهبا يقطر دسما، يملا الانوف برائحة زكية تغري بالبلع ، تفرك العيون غير مصدقة الكرم الحاتمي للمورصو ، تنغرز الاظافر في اللحم الشهي ، تنفتح الافواه واسعة تستقبل اللقم اشبه بسروج البهائم عند التبول، تنفتح ،تنغلق ، المضغ اعمق وقعا وأطول ضجيجا، يقل الكلام على تضاريس الخروف المفكك الاوصال، تتعرق الوجوه والابدان ، حفيان الراس مشغول بالأشياء السطحية، يبتغي استعراض العضلات وتأكيد الذات ، يترصد الاغبياء لتعليق الجرس ، يفتح نقاشا ويصاب بالتصحر والانغلاق ، كالذي يجد صعوبة في فك شيفرة من الاسبق الى الوجود الدجاجة ام البيضة، تركله اللامبالاة ويصطنع هيئة تأفف على الشفاه المزمومة، يكشف التمزيق عنق القسوة والقبح ، يكشف عن الشراهة وحب الافتراس القابع في الحوباء ، الانسان المتمدن يحمل جينات الافتراس ، تماما مثل الانسان البدائي ، رؤية الدم وقطع اللحم تخرجه عن الرزانة ينسى التمدن والعلم والمعرفة والفكر، امام اللحم المشوي يستوي المتأنق وغير المتأنق ، تتدلى الرؤوس ويتثاقل المضغ ، بعض الجياد خارت قواها في الجولة الاولى ، ليست مؤهلة لسباقات المسافات الطويلة، اخرى تجرجر القوائم وتتراجع السرعة ، تتلاحق الغرغرات والتجشؤات والتضطرات، ترتخي العضلات وتنتشر الجثث على الكراسي ، بعض الكروش تعرت فوق الفراش الارضي ، اشبه ببالونات على وشك الفرقعة ، والقهر والمسكنة مرسومان على الجباه ، كثر اللغط والضجيج وأختفي حفيان الراس من الصورة ، يندلق السخف والجهل على الموائد وبقايا الطعام ، يغرس الاسنان في التفاحة ، الطعم الحلو يمتزج بالزفرات وشقاء السنين ، يتقدم المورصو يسلم على الحضور ، يطبطب على ظهر حفيان الراس ، يهمس شيئا في الاذن، ينحي صاغرا فالجراب فارغ والجيوب والعقل منخور بعشرات الثقوب ، الذاكرة مظلمة لا ينفذ اليها الضوء، ولم تنسل غيمة من السماء لتغسل الاشلاء والارجل والسيقان ، لتعود البراءة والحماس للوجه الطفولي ، الله شاهد على النكسات والكبوات ، والاخر يتلصص على الشرود والجثة مصلوبة على قارعة الطريق ، تفشل الرؤوس في قراءة الايحاءات والرموز، يعرفون انه ليس متعلما ولا معتوها ولا متعبدا، لكنه ينظر دائما الى الاعلى ، يشعر انه متميز يمتلك ما لا يمتلكون ، افضل بكثير من هؤلاء الفقهاء الذي يملؤون القاعة صراخا يمضغون آيات قرآنية تطفئ لهيب معاصي حفرت في الافئدة خرائط من التقرحات والالام ، يلتهمون الطعام التهاما، يوزعون الدعوات حسب قيمة العطاء، انه يطوع الكلمة وتخرج الحروف متلاصقة، لكنها ابدا لا تفصح عن المعنى كان الكلمات خارجة من مستوطنة الجعلان ، يختلط الترتيل بنبض الاغتصاب والنهب والاختلاس في اخبار مواقع التواصل الاجتماعي ، في القاعة جيش من النسوة يزدردن الاطعمة ، يثرثرن عن صعوبة تربية الاولاد والحميات، لوازم التبرج والالبسة، تحمر زوجة حفيان الراس الغليظة خجلا ، الحديث انعرج طويلا عن النساء الرشيقات مطلب الرجال وشغفهم، تظهر السيقان المحروثة من تحت القفاطين ، بضة و خالية من الزعب، زوجة المورصو خطفت الانظار بكثرة الاساور الذهبية المسيجة للمعاصم والعنق ، قلادة ذهبية على هيئة اليد مدلاة على الصدر، كلهن يعرفن ان الزوج وسيط دعارة، ما يهم سوى الاحتفال واكل اطعمة لذيذة، تلوح في الاعين فضول الكواعب ، ماء الانوثة فيهن لا يزال معتقا.

- تبارك الله شحال زوينات هاد لبنيات...بنات من يا لالة فطومة
- بنات الجيران
- الله يحجبهن
- امين

يسمع صراخ طفل في غرفة مجاورة، الختان اصبح عملية سهلة، في الصباح احضر المورصو طبيب جراح ، البسوه جلبابا ابيضا وطربوشا ونعلا اصفرا، اوهموه انه سيرى عصافير تطير في السماء، ضمخوا رجلاه ويديه بالحناء، الطفل يلهو ببراءة غير مبالي بالذي يدبر له في الخفاء ، اجلسوه في قصعة مدرجة بالورد، استلقت الطمأنينة في القلب واستظلت بالأضلع جميع الفصول ، امسكه الاب فلذة الكبد وباعد بين الرجلين ، تقدم الطبيب حاملا مقصا معقما، سحب راس الحلزون من الجحر، صرخ الطفل وضمد الجرح على عجل ، زغردت النساء في الغرفة المجاورة وضربت الدفوف ، شنف الفقهاء الثمانية اسماع الضيوف بآيات من الكتاب المقدس ، تطير قطع الحلوى وكؤوس الشاي المنعنع، كل الآيات احتارت في فتح اقفال السكارى والحشاشين ، التائهون في سفريات اللاوعي ، رائحة المخدر تستدرج فقيه مدمن، يسحب الدخان بقوة تشتعل اللفافة يتحول الراس الى جمرة ملتهبة، حشاش يلتمس منه التدخين بروية، السلعة من النوع الممتاز، يسعل الفقيه وتدمع عيناه، عاود الكرة مرة اخرى ، خبا الدخان في الرئة لوقت وجيز، عاد الى مكانه وسط الفقهاء بصعوبة كبيرة، لم يعد قادرا على مجاراة الزملاء، اخطآ اكثر من مرة ، نصحوه ان يصمت ويحرك الشفاه فقط ، الوجه مصفر من اثر صعقة لفافة الحشيش القوي، يبدو كموزة فقدت اللون بفعل الشمس ، كان المورصو مشغولا بنسج اساطير حول اجداده المقاومين الاشداء، عن الثروة التي خلفها الاب ، المشجعون يملؤون الكراسي غير ابهين بالسير والاحاجي ، منشغل بما سيوضع فوق المائدة من مأكولات ، من آداب الولائم في الحاضر غالبا يسلك الضيوف الصمت، وتحريك الرؤوس كأنهم يستمعون الى الكلام ويهضمون كل ما يسمعون، الكرامة لا تباع والاحترام لا يشترى، في المدينة الحفرة كل يعلق يافطة فوق الظهر ويحمل عدسة مكبرة، لا حاجة للكذب على الذين سلخت وجوههم من كثرة البحلقة والتلصص ، في كل شارع وزقاق يولد لصوص الفرح، تقيس بالرصد شجرات العائلات، والافتراء لا يسقي الشجرة الملوثة ولا تنمو الاغصان ، تطوف سيدة عجوز على الحضور بصينية يتوسطها قالب سكر، بدأت الاوراق النقدية تخرج من الجيوب ، الاوراق الزرقاء والبنية تنثر على شرف جز عضو الطفل بالمقص ، لم ير الطير المغرد في السقف ، لكن طار الدم بين الفخدين واطلق العنان للصراخ والبكاء.
منزل المورصو واحة للترف والخير العميم ، اياما عصيبة ابتلعته شوارع الحضيض اللاهبة وتمرغ مثل جرو في القار والدم والصديد ، قضى سنوات من العمر الشقي عبدا ذليلا يستجدي الصدقات ويصطاد الفراشات في صدور النساء الحالمات باستعادة النظارة وكشط التجاعيد حول الجفون ، اصعب شيء يدمر المرأة تواقيع الكهولة التي تزحف مسرعة والانحدار الشقي نحو الشيخوخة الباردة واللعينة ، والمرايا تفقد لذة الاندهاش والتمتع امام الجمال ، وسيط يفهم الغاز الزفرات والآهات ، اقتفى الطرقات البخسة والوقحة ، رجع ذو مال بفضل عرق الافخاذ ، صورة مصغرة حين يستجير اللص بالملمعين هربا من دعوات مستغرقة في اللعنات ، بحثا عن الشرف وعن فضاء لغفران وتساهل وتسامح لا متناهي ، قرفص على ناصية الحشو الملفوف بقشيب الخراب ، يسدل متاهات الاستماع على اشرعة التمني ، العيون تلعق البذخ والاثاث الفاخر في فيلا المورصو ، غرفة الضيوف بحجم قاعة للحفلات تتسع لمئات الجماجم ، ينظر إلى الزرابي والثريات والكراسي من خشب الاكاجو ، صينيات واباريق من الفضة وكؤوس مزخرفة ،الكنبات و الوسادات اكثر من مريحة، رائحة البخور الزكية تداوي الصدور ، يحس بالغصص في الحلق ويلملم حمم البركان ويكتشف انه بلا معنى ، الخادمة التي تلبي الطلبات اية في الجمال، تنمل الجسد من الصدر المهتز بالقبرات الطائشة ، جميع الخدم شابات ذوات اعمار متقاربة، فكر ان المورصو يثق في النساء ولا يثق في الرجال ، بالنساء صعد الى القمة ، الوهم اللذيذ يصرخ في أقبية الحرمان ، يغرس ما اطلق من آهات في الحسرات لأنه ولد في مصارين الفقر ، الخروف المشوي أطفأ كوة النور العابرة لكمشة الأفكار ، تربض النفوس المتلهفة للأطعمة المجانية ، ترفع الاكف الى السماء، تفجر الآيات الخوف والدموع في تلابيب الظلام ، تمسح الخزي العالق من صهيل الروح ، ومن ركام الخطايا المنسوجة من ترانيم القبح ، تتخشغ القلوب وتبحث عن بقايا الله في النفس الامارة بالسوء، و الذنوب تغادر ناصية الراس وتجلس عارية فوق الاوردة ، الوقت مأساة والساعة تتحدث بالتكتكات الى الجدار.

- اللهم هذه سنتك وسنة نبيك (صلى الله عليه وآله) اللهم تبت اقدامه وانبته نباتا حسنا
- امين
-اللهم فطهره من الذنوب وزد في عمره وادفع الآفات عن بدنه والاوجاع عن جسمه.
- امين
- اللهم احمي والديه من الحسد والحساد وزدهما من الغنى وادفع عنهما الفقر فإنك تعلم ولا نعلم.
- امين
- اللهم بارك جمعنا هذا واهدنا وارحمنا يا ارحم الراحمين...
- امين

فرحان يمشيان في الشوارع متجهين الى المنزل، محملان بقفف الاطعمة والفواكه، حفيان الراس والفيلة تدبرا طعام اسبوع ، المورصو كان كريما معه ومع الزوجة الموعودة بالسعادة مند الخديعة و الافتضاض في بلاد الغربة، اوته الخالة من التسول والجوع و النوم في العراء ، شبع غدر بالدم والثقة وولغ في ربيع المفاتن، وجدتهما في كامل العري فوق سرير الزوجية، يضع الحروف على النقاط ، ينتظر لحظة الانصهار والذوبان، المشهد يبصق في الوجه بلا حياء ، لطمت الخدود خدشت الجدران على الهياكل المسجية على فراش سن المراهقة ، الدهشة لجمت العقل فانهارت بالبكاء والعويل ، رمته به الى الزقاق ، تمسكت الابنة بفارس الاحلام ، رجعا الى الوطن وعقدا القران ، عمل في مهن وضيعة خلع الملامح الاصلية وانتحل صفات متعددة في سبيل لقمة العيش والتباهي ، ادعى انه رجل سلطة ، محامي ، قاضي... لبس جبة مسؤوليات ممنوعة من الصرف لابتزاز المواطنين ، اكاذيب سابقت صخب الريح تلتف حول العنق ، تتمزق الاوهام وتحتضر التهيؤات ، دخل الى دائرة الضوء والمساحة تضيق ، الارض تدور دورانا متسارعا في الراس ، رأى الوجه في المرأة بدون ظل ، كان قاب قوسين او ادنى من الاعتقال ، قفل راجعا الى بيت الاهل حين ارتفعت في المدينة ضوضاء الاسئلة ، هاربا من رصاص القناص الذي يجيد التصويب ، الامية منه تجهش بالتلبك فوق الحروف في غرفة التفتيش ، والعقل مكبل بالجهل مصاب بانحباس الفهم والاستيعاب ، الحمل ثقيل والمشهد ثقيل يطل على الهاوية، الاب النجار فقد الزبائن بسبب الخداع ، في بحور الكلام يأتي التذمر وبكاء البدايات المتشنجة ، لا وقت للانزواء في صومعة الانكفاء ، ما الحاجة الى مفاتيح الكبرياء والزمن يتبول الركلات ، الكبرياء كلمة تثير الشفقة في نفوس الهاربين من سباق الضياع ، كل سنة يتلوى في احضان الخريف والجفاف ، مختوما بطقوس التشكي والادعاءات ، ترجل من سماء المكابرة ودفع الزوجة الفيلة الى العمل في مقهى مجاور ، قايض العرض ببضعة دراهم ، لا عيب في تقديم الزوجة قربانا لتدور العجلة ، يحتشد التذمر والقرف على بوابة الحي ، يخرج العفن من دوائر الظلمة، ثمة من يتلصص على وقع الاخطاء ويحصي سكرات الموتى ، المدينة مسيجة بهواة جمع الاكاذيب والتشفي وتدبيج الاشاعة، وجوه مطلية برذاذ التحذيرات تنصب علامة استفهام ، الطرق المشبوه على الباب تسقط في بركة الظنون والتكهنات ، سيارات وعربات خضر تحمل الفيلة الى وجهات مختلفة ، عمليات التلقيح لا تستمر طويلا والزوج شاهد على دقة الالتزام بالوقت والدفع المسبق ، في حضن الايلاج يلوح عرين امل لقطع المسافات الجاحدة ، ولا اكتراث لألسنة حقودة مشحوذة للتقطيع ، والعيش من ثمالة القذف مؤقتا افضل من الكفر ، الضرورات تبيح المحظورات ، الامام صاح من فوق المنبر (إذا ابتليتم فاستتروا) وفي لمسة اخرى ( من ستر مسلمًا؛ ستره الله في الدنيا والآخرة ) كل يوم يمر النهار حاملا وقاحة من لحظات السقوط الارعن ، تجاوز الامر ايماءات العيون المدججة بالامتعاض والتشكي ، استفرد الجار الخارج من تحت قناع العفة والزهد بالأب النجار، يخفي من القلق والوجوم بضعة انفاس ،تهشمت عقارب الزمن الدبقة على الراس ، انكمش وطاطا الراس وارتمى في احضان الاستسماح ، زوجة الابن جلبت العار .

- قول لمراتك تمشي للتساع وتستر راسها ريحتها عطات

- راه غير الهدرة ا الواليد...

- الجيران كيتشكاو ...ما بغينا صداع مع حد

- اوف.... اوف ما يرحمو ما يخليو الرحمة تنزل


لا مكان للهرب من خرائط الفضول وبوصلة الازدراء ، في الحي اصبحت العائلة من المغضوب عليها والرحيل الحل الامثل هربا من هواة القيل والقال وتجار الثرثرة القابعين في الزوايا ، بعيدا عن الاعين وقرع الطبول، المورصو قال يوما امام جمع من الاتباع ان اغلب الواعظين والناصحين والتائبين هم اكبر الزناة ، يلتهمون النساء التهاما ويطلبون المزيد ، المورصو تسلق الثراء بفضل عرق الافخاذ وبات من علية القوم ، يقدمون له التحايا ويطلبون التقرب و تقديم الخدمة ، حين يكون لديك المال ستشتري الشرف والاحترام ، الشرف اشبه بممارسات اقدم مهنة في التاريخ حين يطرق العرسان الباب يسرعون الى اطباء التجميل لشراء بكارة اصطناعية ، خرجات فجرت الطمع في تلابيب المخيلة الخرقاء ، استدرج الفيلة ذات ليلة الى الكلام عن الشرف والخيانة ، روى قصصا وحكايات عن نساء ضحين من اجل الازواج ، ورجالا ضحوا بالشرف في سبيل السعادة الدائمة ، أكمل بمزلاج الخيبات والهزائم الكلام ، واردف ان المرأة يجب ان تعمل لتساعد في اعباء المنزل ، احبت الفكرة وامطرته بالعديد من الاسئلة ، التحقت بقافلة الفارين من ظلال الجدران ، كل صباح تخرج ملفوفة في جلباب احمر واسع ، الراس مغطى بقطعة قماش خضراء، المقهى على بعد ازقة، تغسل الكؤوس والصحون في المخيلة الاف المطالب ، تجهز الخبز البلدي، زبائن كثر متسكعون على موائد الانتظار، العيون ترعى في المؤخرة المندلقة بالهضاب اللحمية، ثمة زبون يجزل العطاء يرشقها كل يوم بكلمات غزل ، رات مسافات الاشتهاء في منافي الاشلاء ، والجرح ينفتح على الكلمات الندية ، ترتجف الخلايا في جفون الغيمات ، تتلمس الطريق للتخلص من ترانيم القيد، والنادل زميل العمل يلعق السرج في الذهاب والرواح يحتسي في لهفة الشهوة الصاخبة، طاردها كقديس يقرع اجراس الهيام ، ابتلعت آخر قرص من أكسير الصبر ، اصعب شيئ في الخيانات الزوجية سقوط المرة الاولى.

- راه كلشي باغي ينعس معايا
- عادي جدا لانك امراة كاملة مكمولة اي واحد يتشهاك
- اشنو غندير نخرج من الخدمة...؟
- وشكون غيصرف علينا...الوقت محتاجة لعوين
- لي فيه لفلوس مرحبا...كيف لحلال كيف لحرام في هاد الوقت غير الله يرزق الصحة والسلامة

ظلت فاغرة الفم وظل يلتقط التنهيدات المرتجفة ، فشل في اختبار قياسات ردة الفعل ، انفرجت الاسارير وسقطت ضحكة من تجاعيد الوجه ، منحت تأشيرة الهرب من قيود وتلال الاخلاق ، لم يعد هناك شرطي لاقامة الحد على المرتد عن صلوات الشرف ، حفيان الراس يدفعها للدعارة ليهش بها وخزات الفقر ، اعترف بالعجز في اشباع ظمأ الصحراء العطشى وتمتمات النداء ، غير قادر على توفير مصاريف الاكل والشرب واللباس ، الفيلة اصبحت اشهر من نار على علم في بضعة اشهر ، تجز صباح مساء على فراش اللذة ، النادل يضبط المواعيد حين ارتوى وشبع ، والزبون يدقق في لائحة الاسعار ، الفيلة تفاوض السعر والقبض قبل الافتراش ، سبق ان اختلفت مع زبون واشتبكا بالأيدي ، طاف بها في السيارة وتوقفا في الخلاء، ركب القارب وجدف بعيدا وسط الامواج العاتية و الزمهرير ، تصبب عرقا، اختنق ، خارت القوى، تعوي في الدماء الحموضة والانكسار ، تمرغ الخرطوم في صحن الفجين العميقين ، تدحرج من الرجات الى الارتعاش ، شرب من زجاجة ماء معدني موضوعة في قمطر صغير ، احس بالارتياح المتقطع ، عادت دقات القلب من زمن الصراخ والآهات للدق بانتظام ، اطراف المدينة تعيش مخاوف ورهبة السكون ، مد لها ورقة خضراء من فئة خمسون درهما، احتجت لان المبلغ لا يساوي الخدمات المقدمة ، اجاب بازدراء انه استهلك كمية كبيرة من البنزين بسبب الثقل الزائد ، ارادت ان تصرخ وتوقظ الجيران لكنها تراجعت خوفا من الفضيحة ، رمشت ومطت الشفاه واستدارت ، بصقت في الهواء، تكلمت الفرامل في الاسفلت ، وخلفت المركبة سحابة دخان ، تعلمت الدرس جيدا ، الممارسة تورث الخبرة والتجربة ، الاتفاق والاجر مسبقا. كل مساء يجلسان فوق السرير، تسحب الاوراق النقدية المجعدة من حمالة النهود ، عشرات الاوراق من فئات مختلفة ، يمسد كل ورقة على حدة براحة اليد ، عدها اكثر من مرة ، تنفلت ضحكة ويطبع قبلة على الجبهة ، دخلت الحمام واستحمت ، ازالت العرق وبقايا الماء اللزج، سحب صينية بها زجاجة خمر وعلبة سجائر ، جاءت ملفوفة في ازار ابيض ، جلست فوق السرير وتقعر وارتفع الصرير، الليالي مكدسة بالاحاديث تحتاج الى كؤوس الراح ، افرغ في الجوف الكاس السابعة او الثامنة من الخمر الرخيص ، تتحدث مكتئبة عن ضجات وساعات منهكة ، مستمتعة بلعبة الايلاج وسباق الرعشة الكبرى ، تقبيل وافتراش واهات وامنيات تغادر الجسد، تضيئ عتمة الحياة الصعبة بارتشاف خمرة اللامبالاة ، في الشهر السادس بدا يقل المدخول اليومي ، المهبل المستهلك في سوق الدعارة بدون قيمة ، الاجساد البضة تطرد الاجساد المتهالكة من السوق ، لم تعد هناك سيارات ولا دراجات نارية رابضة امام المقهى ، حلت العربات المحملة بالخضر والفواكه ومواد التنظيف ، العربات المجرورة بالدواب والبغال لنقل الركاب ، تناقص السعر وعلى هضاب الوهج لا تشتعل ، عرفت الطريق الى مواخير الاحياء ، في منزلق خطر تتدحرج الى القاع ، تنسلخ قطعة، قطعة تذبل ،تتبخر ، تتلاشى ، كقطرة تائهة فوق حبات الرمان في عز الحر، الراس ثقيل مزدحم بألاف الاسئلة ، بدل ان تغوى بدأت تغوي ، وفي الغواية تمخضت العفونة وغادرت الحشمة الملامح ، عانقت الغيمات المتناثرة والآهات والرنين ، شاهدها جالسة في الماخور ، ترددت في بادئ الامر لكن صاحبة الوكر اشرت لها بالموافقة واردفت انه زبون قديم ، امسكها من اليد واركبها بجانبه في عربة مجرورة بالخيل.


- فين غادي بيا...؟
- خارج المدينة بشي 3 كيلومتر في الليل نردك
- شحال غدي تعطيني...؟
- بشحال باش كتمشي...؟
- على حساب لوجوه... وما خصنيش نتعطل راه الراجل غيتقلق عليا



- الراجل ... انا الراجل... هداك الديوث نسايه
- ننساه هو راجلي
- اش مشاركة معاه ورقة قطعيها وها انتي حرة

اقترب الوجه من الوجه وشمت رائحة الخمر، سحب من جيب المعطف رزمة اوراق نقدية ، طلب منها سحب ورقة استجابت دون تردد ، كبرت الطمأنينة في المخيلة، الطريق المتربة والمحفرة تؤرجح الاجساد ذات اليمين والشمال ، تهتز من فوق الكرسي الخشبي ، توارت المدينة خلف اشجار الصبار والرمان والتين المنتشرة في الطريق ، ثمة مساكن متفرقة على امتداد البصر ، ترجلا امام منزل تحيط به بضعة اشجار وسور من القصب ، كلب ينبح بدون انقطاع ، استقبلتهما سيدة في العقد السابع ، رحبت بالضيفة وامرها بتقبيل يد الوالدة ، انه طفلها الذي لا يكبر مهما استنبت شاربا وانفتلت منه العضلات وامتد فيه العمر ، افترشوا حصيرا في باحة واسعة ، شربتا كوب شاي وخبز بلدي ، انشغل الحوذي بشرب كؤوس الراح ، ينظر اليها فتندق الاوتاد في الدم ويتغلغل الوجع النابت في الضلوع ، مند سنين ينام الظمأ المتجدد في الرئة ، يشرب الانخاب مدثرا بالرغبة والنار ، مر العرض واستمتع الممثلان ، التداخل يهزم الصمت ، ازال مشبك الشعر والشال والملابس ، سار طويلا الى ان وصل الى ارض الميعاد، الخلجان الراكضة تشمت في المتباطئين ، رمى بالزجاجة الفارغة بعيدا الى كومة تبن ، مرت العاصفة وخلفت على الجسد المفتول اثار السنابك ، غيوم هائجة تعبق منها رائحة الصابون وعطر خفيف ، البطيخ الاصفر المتدلي عليه ندوب العض ، في لحظات الضم هدا عويل الأيام ، لم تقل شيئا سوى تنهدات تؤطر الكلام ، مد لها كاسا تجيش باعين الحيتان ترددت حين الح شربت ، دفعت السائل الاحمر القاني في الجوف دفعة واحدة، قالت انها تخاف من السكر ، فأجاب انه يخاف من الصحو ، ضحكا كثيرا وانسجما كثيرا ، تدلت عناقيد التمني والاشتهاء، وتخصبت النشوة في مسامات الارض الوعرة ، لأول مرة تناولت طعاما بملعقة الاستزادة واكتشفت مكامن المجهول ، احست بالانشراح وبلهيب الراح يسري في الدماء، لعلعت الموسيقى ورقصت رقصات اشبه بزوبعة رملية، ارتفعت القهقهات وتخلصت من الضحكات المزيفة والفاترة ، الحوذي انتشلها من استباحة الخذلان ، تبتل العروق وتذوب ندوب الحزن وقهر السنين ، اللمسات الدقيقة تجتاح تفاصيل الساعات ، تنطوي صفحات من القلق والتيه وتقتلع الحسرات ، الحوذي فحل متعقب يفهم في لغة المسام ، الليل يزحف على القرية تنتشر ظلال كبيرة ، وجه الفيلة لم يطف على الاوراق النقدية، تفر ضاحكة حين تتحسس السلاح ، والجندي جاهز للضغط على الزناد مختالا ونشيطا، احست بالدوار وافرغت ما في الجوف من طعام و ماء احمر قاني ، الركب لم تعد تقوى على حمل الجسد الثخين ، حاول الباسها الملابس فرفضت مستعملة يداها لتبعده ، بشق الانفس اركبها العربة المجرورة ، استلقت في الصندوق الخلفي عارية حتى النطاق ، في الطريق داهم النوم الفيلة وعلا الشخير، المدينة تلتف بالدخان والضجيج ، والربيع يخزن في الجيوب عطرا مستحبا، الساعة الثانية عشرة بتوقيت الوصول الى الماخور، طرق الباب ولم يجب احدا ، احتار في الامر عليه التخلص من العاهرة النائمة ، لديه اشغال كثيرة في الصباح ، الزقاق فارغ من المتلصصين ، سحبها بصعوبة واسند الجسم على الجدار ، لسعات البرد لطمتها واستفاقت ، راته يبتعد وقعقعات العجلات تكسر الصمت ، نادته لكي يعود ، انهالت عليه بالسباب والشتائم ، الكلام النابي يفرقع ، رؤوس وعيون تتابع المشهد من الكوات والفتحات والنوافذ تتمدد خرائط الفضول ، سيدة تسرع بإيزار ابيض تدثر الجسد العاري ويسحب الى الداخل ، كلمة الشرطة قادمة اعادت الوعي الحثيث الى الهيكل المنسي في الزقاق ، انطفات الانوار وعم هدوء بلون القيامة.

- نوضي البوليس جاي
- البوليس....
- اه البوليس غيديوك الحبس





في الصباح لا حديث بين النسوة سوى عن المومس السكرانة وموج اللحم الذي طفا، الاخبار تنتقل بسرعة لا يمكن ان تتوه وتنسى ، تغوص كفقاقيع في دخان المقاهي والحانات ، وصل الخبر الى مسامع حفيان الراس ، اقسم الديوث ان الامر افتراء وتصفية حسابات ، وان الزوجة ملاك الرحمان ، يشتم هؤلاء الاقزام كل الناس ديدان صفراء تتغدى على لحم الابرياء ، يحرضون على حفلات الرجم والنواح ، يحدق طويلا في الوقت الصعب في اماني بطيئة ، والنيران شبت مزدحمة بالعار والتبرم ، مخدوعان في متاهة الترقي ، الارواح يائسة تعرق وتنشف للوصول إلى القمة، الفيلة كومبارس فاشل بذرت القبح في كل الاركان ، سلعة معروضة للبيع في سوق الرقيق الابيض ، امامه قنينة خمر تعتقل بضعة كؤوس ، علبة سجائر شقراء، حصيلة اليوم بضعة اوراق منكفئة خلف العري ، موصولة بالضجيج والشائعات، دفع الكاس في الجوف ، واكثر من التوبيخ والحذر الشديد ، الله اوصى بالستر عند الابتلاء.

يقف امام ابواب المحكمة يمارس السمسرة والوساطة، يختار الضحايا بعناية، رصدته العيون الماكرة وافلت بالجلد، بعد شهور فتح حسابا فيسبوكيا وبدا في كتابة التفاهة وتدبيج السخافات الراكعة على الركبة، اقتنى بطاقة مراسل لجريدة مريخية، تسلل بدون سلاح الى مهنة المتاعب، داس على الشرف والنبل والتاريخ، الشعب المهترئ الافكار يتشبث بالقشة، متمنطقا برغبة صماء في الترقي متغديا على طلل الفرج القادم لا محالة، يتهجى في الممرات الرغبات العارية والمستترة، والبلاهة والبلادة تلمع بذورهما على القسمات ، يطل عبيطة من الغيب عارضا الوجه المقشر والايدي الموشومة، تنفتح دفاتر الماضي دفعة واحدة، تتصارع الصور في الدماغ، الجمل الأولـى ولدت ميتة مفككة الاوصال والاضلع، كتب الاسطر والحروف من صميم القلب، خليط من العامية والعربية المنبعجة، احس بالخواء امام البياض، اه لو اكمل التعليم لأجاد اللعب بالكلمات والمفردات وطوع لغة الضاد، لسمع انين الحروف في المقالات ، ورقصت العبارات والمعاني كرقصات صوفي متيم بروح زاهدة ، سرق بعض الاسطر وغير الكلمات والتواريخ ، مزج المقدمة بالنهاية واجاد عمليات النسخ واللصق، اعاد القراءة عشرات المرات تسلقته الغبطة والسرور، ضغط على الزر في اللوح الاسود ، ارفق صورة مع الخربشة ولم ينس وضع التوقيع ، عشرات المعجبين وتعاليق مشجعة على المضي قدما في نشر التفاهة والمسخ ، تعاليق تزرع القنابل والاشواك في الطريق ، اصعب شيئ يواجه المندس في المهن الفكرية والمعرفية ان يتحول المديح الى نفاق ، لاشي اسوا في الحياة من شرذمة المثبطين والحساد الذين يصادرون الاحلام ويقمعون المبادرات، الخربشة الاولى هشمت الطموحات وكسرت الاشرعة ، التعليقات السلبية اشبعته سبا وشتما وتوبيخا، لم يسلم من التشريح والتمزيق للمتمرسين في المهنة، هاجموه وفضحوا المستوى الهزيل، لم يستسلم استجار بالكتبة ، شوهد اكثر من مرة بمعية القرصان و المتقاعد الاكتع والمجاز العاطل ، فنجان قهوة وسيجارة وحل الاشكال ، شمس مخبئة في الحروف ، الاصابع تلتهم تفاحة اللوحة ، البياض يغص بالأسطر والجمل المتراصة، يصاب حفيان الراس بعسر فهم وتلبك، بعض المفردات صعبة القراءة والاستيعاب ، يشعر بالدونية امام من يجيدون صنع الكلام.

- وانت مالك طالع لك الدم...؟
- معارفش تكتب حتى جملة مفيدة
- شكون قالك كتب خلي الناس تكتب وهز مقالات وبدل التواريخ والاسماء والمدن ...كلشي موجود في غوغل بنقرة وحدة ها انت صحافي بارع
- يا اودي كاينين الحضاية خصوصا شيخ الصحافيين اتبعك حتى اغبرك ولا ضبرك على شي مونتيف
- ما تديها فحد خدم على راسك ولي جات من عند الله مرحبا
- والله يستر وصافي

يأخذه القرصان في السيارة المهترئة الى الجماعات والادارات ، يقدم الوافد الجديد الى مهنة الصحافة ، في الوطن اللقيط كل من افلس وفشل في المهن الحرة يلتحق بمهنة الصحافة، الصحافة تفتح فخديها للفاشلين والمهزومين والمهرولين الباحثين عن الرزق ، في العقود الاخيرة تناسل عدد المندسين في الاعلام اضعافا، الصحافة المهنة الاسهل في الاختراق ، لا حارس ولا شرطي للغة الضاد، يكفي اقتناء بطاقة مزورة من قارعة الطريق وبين عشية وضحاها تنتصب بين الجوقة صحافيا مهنيا لا يشق له غبار ، لحن من ترانيم الالوهة في مملكة الجهل ، يصبح لديك الاتباع والحاشية والمطبلين والمزمرين ، في الضفة الاخرى هناك عيون حاقدة في الازقة تنصب محاكم التفتيش و مقاصل وترفع السيوف في الهواء لجز الرقاب وقطع الارزاق ، تنتظر هفوة صغيرة ليبدا الرجم ، تغتصب الرغبة الجامحة المعلقة في منتصف الحلم ، ينفث القرصان التبغ بروح منتشية يبدو مثل الاه في عيون التلاميذ ، مثل لوحة على جدار متحف ، تعلم مند زمان قدرة الاحتيال على الوافدين الجدد الى حظيرة الحروف ، يحتضنهم طمعا في صحون المرق وعلب السجائر ، يعلمهم الشحاذة والاستجداء والتلصص ونقل الاخبار ، على يديه الوسخة تخرجت طوابير من الافاقين والملمعين بعضهم شرف السجون واخرون ينتظرون الاحكام ، دخان السيجارة الشقراء يرتفع في الهواء ، يرتشف بتلذذ السائل الاسود ، رشفات تستل التعب من الجسد النحيل ، ينقر بدون توقف ازرار الحاسوب ، حفيان الراس يتابع مشدوها كيف تتحول الحروف الى كلمات ، والكلمات الى جمل متناغمة ، والجمل الى اسطر تشرح بالتفاصيل المملة واقعة الاعتداء على مواطن داخل المتجر، الدم الاحمر القاني مسفوح على الارض ، سلاح الجريمة مسجي على بعد خطوتين من الدكان ، الشهادة الطبية تحدد مدة العجز ، الابحاث عن الفاعل مستمرة ، الشرطة تصدر مذكرة بحث وطنية عن المجرم الخطير، ضحكات مجلجلة تلوي الرؤوس ، البريد الالكتروني سهل التراسل بين المرسل والمرسل اليه ، يسيل لعاب مفتش الحروف ، يخجل التلميذ ويجد صعوبة في اجتياز حدود الفهم الملغم بالتعابير المطلسمة ، نشرة الاخبار في التلفاز تتحدث عن حملة امنية على منتحلي الصفة ، المذكرة صدرت بضغط لوبي الاعلام المرئي والمقروء والمسموع ، جماجم كثيرة اينعت في غفلة عن الرقيب ، حفيان الراس نازح في طوابير المندسين ، عابر مسطول في تجاعيد المداد والمحبرات ، يمر مضببا بدون سحنة في الوداعات الصامتة وفي النقاشات مرتفعة الحرارة ، الكلمة المقتحمة العابرة للوقت تفتت الجدران وتهدم عروش الاسياد وتدك معاقل الاستعباد ، تفتح ابواب الفكر والمخيال ، تنشر التنوير وتنير الظلمات ، تحرك البركة الرابضة تطارد اللصوص والخونة وقطاع الطرق ، الكلمة المتزلفة الراقصة على نبض الانحناء تفتح ابواب الشحاذة و الولوج الامن الى الولائم والاستعطاء، التقاط الصور مع اولياء القهر والقمع والسحل ، القرصان يقدم اخر الدروس على عجل ، دعوة على الغذاء من ساكنة في تخوم السخام ، غرقى يستنجدون بغرقى ، لا يمتلكان ولا رغوة الموهبة، ادخلوها بأحذيتكم صاح شيخ الصحافيين ذات غضب ، السيارة المهترئة تنهب الطريق ، الشريط الموسيقي الامازيغي يهرب بالمخيلات بعيدا في عالم الهدوء والطيران المريح ، زجاج السيارة الامامي مغطى بمفروزات الذباب والحمام والدجاج ، حفيان الراس يشكو صعوبة الحياة تعب من الغوص في احضان الفقر ، الازمة منه تتعرق وجعا وهزائم الروح والضمير تلاحقهما الكبوات ، الاحلام العراض السمان مبتورة الرؤوس ، والغربان تنعق في الفضاء، تحصي الحركات والسكنات ، ورغم الاوجاع والحقد ينتظر بفرح عارم قطار الشمس .

- جيبتي معاك شي ميكة...
- لاش لايقة
- الوليمة كبيرة... ملي تشبع ضروري تعمر الميكة... الماكلة كتشيط كيتعاود فيها البيع اللهم فينا
- عندك الصح وقف قرب دكان نشري شي وحدة ولا جوج
- علاش جوج...؟
- وحدة للفواكه والاخرى للحم والشواء والا كان شي سمك ملكي...
- هدي عندك

الأمكنة المغلقة تستبيح الحضور، التجمعات الفارغة تتمخض طوال السنين عن رزمة الازمات، جميع الطموحات والاماني وساعات الاحماء والتنابز بالمفاهيم تختفي بغروب الشمس ، المسؤولية تعني اجتماعات مهلهلة ونقاشات عقيمة وخلاصات ضبابية، وسماط فيه ما لذ وطاب من اموال الشعب المغبون ، البدلة مجعدة وربطة العنق اشبه بذيل كلب ، والشعيرات القليلة في الراس الاصلع تلمع من العرق ، يلعق الوجوه بحذر شديد ، لأول مرة يحظر الى مطبخ القرارات في الاقليم ،أطلق الأحلام في ضوء النهار احس انه يمتطي صهوة الحصان المجنح ، ابتسم في وجوه الغرباء اكثر من مرة ، مثقلا كالجعلان تجر كرة الروث إلى ثقوب فارغة، الارتباك والتردد يسكنان فسحة التأمل والرؤى ، شاهد القرصان يدلف من الباب الكبير، اجتاحته طمأنينة مفتقدة ، افرد له مكانا بالجوار ، جلس فوق الكرسي سحب اوراقا من محفظة سوداء وكاميرا ، يعلق بطاقة موشومة بالأخضر والاحمر ، يطوف حول المائدة المستديرة في القاعة الكبيرة ، نحيف فوق سيقان رخوة ، عيناه تلمع ويشعر بالنشوة ، رائحة العطور الغالية تلطم الانف تمر قرب نوافذ الروح ، يخجل من النظرات المتفرسة النافذة الى عمق الاعماق ، تصرخ انات الكادح المفروم ، ولد على مقربة من القمامة المتعفنة المرمية في ظل الجدار المائل ، كل صباح تتكدس الازبال في انتظار الشاحنة وعمال التنظيف ، الماضي مؤلم والجراحات متسعة تكتب بأبجدية الفضح ، يعود الاقتحام العنيف ممتطيا كهولة الفصول الاربعة، يشتهي النوم وصفاء الذهن لنسيان قذائف الرشق والذم ، على المشاهد المقززة اغمض العيون لتسجيل انحراف امن في الطريق الوعرة، وهرولة مضمونة خلف مستقبل رشيق ، يلتقط الصور للمسؤولين المتحلقين حول المائدة ، رؤساء جماعات ومدراء مؤسسات عمومية ، وجوه من الزفت تمضغ الكلام المعلب والمبستر، واخرى من الياسمين والقرنفل متلفعة على طول السنوات بالصمت المنتج ، اغلب ركاب قوارب الصمت متورطون في ملفات فساد ، ابدا لا يشاركون في كرنفالات الخداع بالنقاش ، فقط برفع الايدي والتصويت الميكانيكي على مشاريع تنهب فيها الملايير ، رؤساء جماعات ترابية جهلة يتحكمون في مستقبل البلاد والعباد ، موظفون فاسدون يبيعون الوهم لشعب مل الانتظار ، شعب ادمن النهيق والشهيق في المقاهي والحانات والتجمعات البائسة، نفس المواويل ونفس الوعود على طاولة النقاش البخس ، وحده المبدئي يصارع فسادا لا يهزم، ينازع عنوة هجمات الوجع المسطر في شهادة الميلاد، في الطرف الاخر عيون مترصدة تعري المندس الجديد في مهنة المتاعب ، تحنط الحركات والسكنات.

- من اين جاء هذا الجرذ...؟
- خريج مجاري الوادي الحار...لي ما لقا ما يدير فشغلو كيهز كاميرا وعلق بطاقة مزورة ها هو ولا صحافي...
- وحتى المخزن مساهم فهاد شي...
- الفسدة ولصوص الشعب خصهم الطبالة والغياطة والملمعين لسبابط
- باش غدي انفعو هذه الجراثيم الخبيثة
- كيسوق بهم التصاور للشعب الامي وراك عارف لازمة العام زين
- فعلا

اقعى الحـزن عـلى المائدة الخشبية، النادل يرفض احضار المطلوب لان في ذمتهما مبالغ مالية لم تسدد بعد ، افرد امامهما لائحة الدين الطويلة ، حول القرصان عينه الى الفراغ تحت الأضلع يستظل النصب ، طاجين المرق شهي ، الرائحة تسيل اللعاب وتزيد من عواء عصافير البطن ، دفع حفيان الراس اليد في الجيوب ورجعت تحمل فتات الخبز وبقايا تبغ سيجارة سوداء، يراقبان الشارع والسيارات، وقت الغداء يتاقطر على المقاهي الوجوه المنتفخة والجوعى ، لصوص الادارات وسماسرة الصفقات ، انبياء الاستعطاء والشحاذة ينصبون الشباك ، بالصبر والنضال النفعي والتربص والارادة القوية يتم قنص الطرائد، يرفضون السير في مسيرة الكرامة والعفة والقناعة، النضال يلبس حلة جديدة ويفرغ عنوة من دلالاته الرمزية والكونية ، انتقلنا من النضال على المصلحة العامة الى المصلحة الخاصة، فكل متناضل خارج من قنوات الصرف الصحي بالضرورة يحمل تحت ابطيه ملفا خاصا ويبحث عن الاغبياء لامتطائهم للوصول الى الغايات المضمرة ، انتهى زمن النضال الجماهيري ، زمن المبادئ والافكار الثورية التي تؤدي الى غياهب السجون والمعتقلات مرورا بالمحاكمات الصورية، اصبح لدينا في زمن الاسهال متناضلين يلبسون جميع الوان الطيف السياسي والحقوقي والجمعوي، المتناضلون يتشابهون جميعهم جماجم ملآى بالفراغ والجهل المتكلس ، عراة من الكبرياء والانفة، يجيدون لغة الانحناء والتملق ، كثيرو الثرثرات في المقاهي والمجالس ، المعدة تغرغر عشعش فيها الجوع ، ابتسمت الاسارير ولمعت العيون الشاردة، يظهر الكيدون من بعيد اشبه ببرميل كبير تدحرجه الرياح العاتية، تناديه الايدي دفعة واحدة، يفرد له القرصان كرسيا، يكيل له حفيان الراس عبارات المديح ويمطره بدعوات الفلاح والحماية الربانية من الاعداء ، إزميل التسول يحفر في قبضة الوقت الشحيحة ، طفل في عمر الزهور يفترش الاسفلت لتلميع الاحذية، الوجه ملطخ بوجع التعب والكدح اليومي ، متسول يعرض عاهته يشرب ثمالة الكؤوس ويجمع بقايا الطعام ، ينهره النادل الغليظ ، بقايا الاطعمة تباع لمربي الكلاب والقطط ، شاب مفتول العضلات مليئ بالاوشام يتوسط فتاتين شبه عاريات ، يعبثن بالشرايين والافئدة، الاطباق المشتهاة تزين المائدة ، الكيدون يبتلع الاطعمة الخالية من السكريات والدهون ، سلطات واسياخ كبد وقلب العجل ، دجاجة محمرة تتوسط حفيان الراس والقرصان ، يمزقان اضلع الدجاجة تقطر الافواه مرقا، تطير الارغفة وتمص العظام مصا، ظهيرة مخلوطة بجميع الوجوه، الشارع دائما يعج بالحركة، قناصو الفرص يمتهنون التربص ، القنبوري بائع البصل يقف مثل الوثن القديم، يتفحص الاجساد المنكفئة والمبحلقة في باقيا الدجاجة والاطباق الفارغة ، مسح بنظرة استغراب وجه الكيدون وشكله البرميلي ، بحلق في المؤخرة المندلقة من فوق الكرسي كعجين مخمر فاض ، دعوه للجلوس ، تسلقه الاه الاستفسار عن قيمة الجلوس بدون وجبة دسمة ، لم يفته السؤال عمن سيدفع ، جاء النادل على عجل بإشارة من الكيدون ، طلب دجاجة محمرة بإيعاز من القرصان وحفيان الراس ، لا زال الشبع لم يزرهما وثمة جيوب فارغة ، تندلق الشهية وتنثر لعابا مثقلا بالشره ، تتقشر البطن ترفرف على رائحة الدجاجة المسجية على الظهر فوق الصحن ، ما تبقى من رجلاها مرفوع في السماء، والصدر بلون الاصفر الباهت ، يقبض على الفخذ ينساب اللحم خيوطا، تلمع في الفم اسنان تحتضن الحديد ، منجل يقضم الحشائش في الحقول، سكين حادة تقطع حبات البصل نصفين ، يقف القنبوري في السوق ككل يوم ، يصرخ بأعلى صوت، كومة البصل تطير، ينخرط مع سيدة في حوار عن فوائد البصل ، يقسم بالله ان البصل الاحمر يداوي جميع الامراض والاعراض ، يصفي العيون المصابة بالرمد ويقوي النظر ، يحمل حبة ويقضمها بتلذذ ، الكومة تتقلص بسرعة كبيرة، الجيب يمتلئ بالدراهم ، في المساء يطوف في الازقة والشوارع يجمع الاخبار، يجلس في المقهى يثرثر بدون انقطاع ، يمزق تفاحة الاسرار، يستعرض لقاءات مع السلطة والامن ، يذبح بسكين البصل الحافي رؤساء جمعيات وحقوقيون ، كلهم مرتزقة وتجار الذمم ، يشرب كؤوس الشاي بدون سكر، جمعية بائعي الخضر تضمن الحقوق للجميع، لن يكون هناك اقصاء ستوزع الدكاكين في السوق النموذجي بكل شفافية، محمد الكورفي ضامن لحقوق الجميع ، نصبوه ذات اسهال سياسي امينا على بائعي الخضر ، انتقل من حمال للصناديق الى صاحب اموال وعقارات ، استمال في فترة اشتداد انتخابي طابور بائعي الخضر الى مترشح جاهل لكنه اكثر سخاء من بقية الالوان ، ساومهم عند الابواب واتفقوا على السعر، الصوت الواحد بورقة زرقاء، ساقهم مثل النعاج الى صناديق الاقتراع والكرامة مسلوخة ،تشتم رائحة نتنة تزكم الانوف ، رائحة تنبعث من الاجساد المتعفنة ، امام ابواب الفيلا طابور من الجعلان البشرية، الكورفي يرش البائسين بالأوراق الزرقاء ويخصم النصيب ، القنبوري في قمة الانتشاء والعظمة، يتسلق ظهر الاماني ويحضن مرايا الوعود، النصيب من الوزيعة مضاعف ، ليس جنديا عاديا ولا ديكورا للزينة الممنهجة بل يحمل رتب متقدمة، دب الشيب في الراس ولم يحقق الحلم ، يهرب من القاع والكف عن المشي في الطرقات الوعرة كي لا يستحيل الى نفاية ولا شيئ ، رائحة البصل تلاحقه وذبذبات القشرة كموسيقى همس ناعم ، الضجيج يوثر الاعصاب والزبون ملحاح يبخس نعمة الله ، وتاجر الجملة يصر على اخذ المبلغ كاملا بدون نقصان ، في لحظات انفعال تسقط الاقنعة.

- خلص السلعة يا الله سربيني..واش غنبقى تابعكم على رزقي
- باقي مستفتحناش اشريف
- حتى انا بحالك
- اوا صبر علينا راه حنا كليان
- فوقاش نلقا لفلوس واجدة...؟
- رجع مع الظهر تلقى فلوسك ..واش خايفنا نهربو

تتدفق الدهون من الفم لتغسل تراب الايام الصعبة التائهة في ظلام الوقت المكفهر ،يرفع النادل الصحون الفارغة والملمعة بقطع الخبز، يدفع الكيدون الفاتورة مازحا بانهم اولاده الذين لم يلدهم ، نظرات مهزومة مثخنة بسياط الفاقة و خلف مسام الروح انكسارات تزدهر بطبطبات الهياكل الثخينة ، الثلاثي يستلقي فوق الكراسي ، يتراشقون بالكذب والخداع والمكر، يستعرضون الفتوحات ويلعنون علانية قبائل الصمت والخوف ، عابرون قسرا في مدينة لا تستحي ، يتشابهون في كل شيئ ، رغبات متجددة في الهرب من الجحيم ، ينامون على اضرحة تضاء فيها الشموع بالافتراءات ، في انتظار ملاك يقتلع من السماء اوتاد الفقر والتسول ، يمتعضون من هؤلاء الذين اضاءوا بالشعارات والاحتجاج دروب العتمة ، كسروا بالوعي قيود التردد والاستكانة ، الغبار والدخان يتصاعد من الشارع . يتنهد حفيان الراس من ضيق ذات اليد ، والقرصان تستدرجه رائحة الحشيش المنبعثة من لفافة قريبة ، اجهزة الاستشعار تشتغل والرغبة الجامحة في تدخين لفافة تستبد به ، في الجمجمة محطات مهجورة تترك في النفس هزائم ممشوقة تحتاج الى الترميم ، قطعة حشيش واحدة تكفي لتسكين الفراغات ، تلعن خيوط العبوس والقنوط كلما برعمت اوصال النشوة ، يجر الخطو الوئيد الى تاجر الممنوعات على اطراف المدينة ، ينحني كحدوة حمار اجرب ، يسلم المبلغ ويقبض على القطعة، يركب السيارة المهترئة يشم قطعة الحشيش، الرائحة تؤكد انها من النوع الجيد، تجارة الحشيش تستقطب الالاف من المدمنين وللمزيد من الارباح يلجئ اغلب التجار الى مزج الحشيش بمواد مخدرة اخرى نظير حبوب الهلوسة وغراء الدراجات وغيرها ... يبتعد خوفا من المداهمات، يفتت اوصال السيجارة الشقراء يسحب ورقة بيضاء رقيقة يحرق بعضا من الحشيش ، يفرك المادة الحنائية مع التبغ ، يسوي سيجارة مستكرشة في المؤخرة مصفاة فارغة ، يستلقي على الكرسي مستشعرا جميع الحواس ، يعتقل الدخان في الصدر لهنيهات ، تشرق همسات الانشراح وتتغنج وترمم ثقوب المخيلة ، على شواطئ الغضب تحطمت سفن القلق ، يدفع شريطا في المسجلة، موسيقى خفيفة تسافر به الى عوامل خرافية، يرتل في سكينة وحبور آيات الطمع تحت جلد الانتظار المتكلس في الضلوع ، رنين الهاتف مزق خيوط الهدوء وهدم في رمشة عين احلام عابرة للوقت ، مطلوب في الادارة الكبيرة ثمة لقاء موسع بين المسؤول الاول ورؤساء الجماعات ، ثلاثة عقود يستعمل لتنظيف القذارة في جرائد الدخان المر، لم يحصد سوى فتاتا وسرابا ناصع البياض ، لم يتعلم طوال السنين من الاندساس في الكلمة غير الحقد والضغينة وشحذ خناجر الغدر المغمودة في ظهور الاخر ، مرتزقة الدرب في الاستعطاء والاستجداء، تخرج على يديه عشرات الفطاحل من المتسولين ، وسطع النجم المبحر في شوارع الغيوم السوداء، القرصان مدرسة متنقلة تعلم اساليب النصب والاحتيال ، العيش بعشرة وجوه والف راس.

- الا باغي تعيش في هاد لبلاد خصك تكون كلب وحمار لغي الفكر والمعرفة
- ياك لباس...؟
- لفهامة ما بغيها حتى واحد...تعيا ما توعي في الاخير اردوك احمق
- هاد شي لي قلتي صحيح الخير ديرو فراسك
- كنهدر معاك من التجربة
- الله يودي راني عارف نصائح ديالك راهم اوسمة على صدري

في دفتر الذاكرة قمع مخمر وندوب خرساء وحلم محترق ، جلاد الامس يقصم الظهر وترتفع اللزوجة في الدم من خلف ستار البوح الداخلي ، قالت له الام انه لا راد لإرادة الله ومشيئته ، وان القضاء سيقتص من الجناة ، ما نفع القصاص والفعل اشد قسوة من طعنات السكين ، في المستشفى رتقوا المخرج بأكثر من رتقه ، حين يأتي الطبيب والممرضات تقفز الاسئلة الى الدماغ ، تضيع الرجولة حين ترفع الارجل عاليا ليرى مدى اندمال الجرح ، يمرح في الدماء المغص وتغني في النظرات حوافر السخام ، البكاء والصراخ في المستشفيات ضروري كالهواء ، في اليوم الاول ظل يبكي بدون توقف ، حقنوه بمخدر حين استفاق كانت الساعة تزحف نحو منتصف الليل ، رائحة اليود تزكم الانوف ، ثمة مرضى شبه عراة مسجيون فوق الاسرة، طفل صغير رجلاه ملفوفتان بالجبس ، الام جالسة تحت رواق الانتظار، تتساقط من العيون الحسرات، تشتعل نجوم الحنين ولوعة المصاب ، تعلو الانات ، أنة تلو اخرى، وينسكب حبر الوجع فوق القلب، ترتعش متعبدة في محراب البكاء، ما كانت تعتقد ان تحل بالطفل المأساة، علمته اولى دروس الطريق، علمته اشارات الوقوف والمرور، السيارة العينة خرجت من العدم ودهسته فوق الرصيف ، طارت المحفظة في الهواء ، تناثرت الكراسات والكتب، اعترض شاب سائق السيارة الهارب ، توقف فتح الباب وفر هاربا الى وجهة مجهولة ، تحكي وتبكي بحرقة وغضب مهيض ومر ، رصاصات تقتل الصمت ، الطبيب يطمئن الام ويؤكد ان الطفل سيمشي قريبا ، سيشارك في سباقات المسافات الطوية، سيحصل على ميداليات والقاب ، التطمينات لا تبدد سحب الشك والتردد ولا توقف حملات جيوش الهلوسات ، يستمع الى الحوار ينسى الوجع والالم ، ظلال سوداء تخرج مختالة من النوافذ المغلقة ، المقل تلتصق بالرموش والاهداب ، المخدر يرسله الى عوالم فيروزية، تسقط في رمشة عين احمال الظهر الثقيلة، بركة حلت في اقل من دقيقة، يسحب نفسا عميقا من اللفافة المحشوة بالحشيش ، يطمئن بحس عالي على الدخان في الرئة ، رأى المدرسة والساحة الواسعة والجرس يصم الاذان ، طول الطريق الممتد الى المنزل ، ثمة بائع مكسرات يتحلق حوله تلاميذ حديثي العهد بالتدخين ، يتناوبون على سيجارة شقراء ، تهطل الروح بالفرح والسرور، السلعة الجيدة تترك النشوة الجيدة ، لا صداع في الراس ولا عطش ، يسيل لعاب حفيان الراس القى على مسامع النديم رغبة في شرب الخمر ، يطمح في قرارة النفس الامارة بالخذلان تجاوز حدودا مفخخة الوضاعة.

- خصني نسكر كنحس بالعطش
- ها البار حدانا شكون منعك ...؟
- جيب خاوي يا بن عمي
-يا الله نسلفك حتى ترد ليا...شرب شحال ما بغيتي

- هي لي ما تعاودش

تنتحب الخمارة من ضجيج وصهيل السكارى وقعقعات الكؤوس والزجاجات الفارغة، الخمارة دائما تقيم حفلات لتنصيب السكير ، الموائد فارغة من حشوة الجسد والتنابز ، جميع السكارى كرماء اخوة في عصير العنب بدون سابق معرفة ، وعلى جنبات القاعة المعتمة بالدخان ورائحة العرق تتناثر اشلاء القهقهات ، فرقعات انخاب في صحة الغائبين ، وحدها الجيوب الفارغة والكروش الممتلئة تقرع اجراس الرحيل ، يتمايل الجسد وتدمع الصلعة، النديم يطلب المزيد من الخمر الرخيص ، يتحرر الخيال من عقال الغضب، يقسم بأغلظ الايمان ان يصحبه للمنزل لمشاركة الطعام، الخمرة لعبت في الراس والقوائم الرخوة لم تعد تقوى على حمل الجسم النحيل، البدلة الزرقاء ملطخة باللعاب وربطة العنق انفتحت ، تبدو اشبه برسن في عنق كلب ، يلف اليد على الكتف ويسحبه الى الخارج ، في الظهر ترتاح بضعة قنينات لاستكمال السهرة ، يسقط الراس على الصدر، يغمغم كلمات مبهمة، قرب شجرة كليبتوس احس برغبة عارمة في التبول، حاول فتح السحاب اكثر من مرة، النديم يتكئ على الشجرة ، يسمع صوت رشاش البول، الضغط الذي اشتعل بالخرطوم انطفأت ناره ، تبلل التبان والسروال، الحذاء امتلا بالمياه الدافئة، لم يتمرن ابدا على حبس البول لأطول مدة، تنفس طويلا طعنات وقسوة الحياة، تنفس مدينة تتسكع في احياء العطالة، تذكر اخر مقال مفكك الجمل والعبارات، طعنته التعليقات وتعرت الضحالة والاسفاف ، فشل الاندساس في مهنة المتاعب شيء فظيع، يطل الخسران من الفضاء كالحا مكفهرا، اصعب الخسارات المشي وحيدا متلفعا بالخوف والصمت في الجنازة، كلما ضاقت سبل العيش تشعر بالخواء، منبوذ كدودة في قعر البئر، خسر جميع المعارك بسبب الاعطاب والثقوب في الذاكرة، يطرق الباب طرقات قوية بالرجل، ينفتح الباب ويدلف السكير وصحبه، يشير الى الشابة الثخينة هذه زوجتي ، تساعده في خلع السروال المبلل والبدلة، النديم يتفرج على فصول المسرحية البخسة، حفيان الراس هيكل عظمي يصارع للبقاء واقفا، يخرج من المرحاض ملفوفا في ازار اصفر مرقط بالسواد، يتمدد فوق اريكة مهترئة، يغمغم كلمات مبهمة، النظرات الغائرة في كهوف الجسد تلعق في اشتهاء كثلة اللحم، يتحلب خيشوم الذئب الراكض قرب أنهار الشهوة، جلست بالقرب منه وطلب بالإشارة من النديم الالتحاق ، توسط الزوجين وشرع في تمرير كؤوس الراح ، تفرس في وجه النديم وسأله ان كان يشعر بالجوع ، اجابه بسؤال ان كان في البيت ما يكل، ضحك حفيان الراس عاليا واجاب ان الزوجة صالحة للأكل لكن عليه الدفع المسبق ، تلعثمت العبارات في ابتلاع المعنى غير مصدق ، حفيان الراس يدعوه الى مضاجعة المرأة ، تفرس في وجه الجالسة ملتصقة به ، شعر بأنفاسها ودفئها الانثوي عيناها تتضرع وتنتظر الاستجابة، أيقظت في رحم النشوة نشوة الايلاج ، شرب كاسا ثم ثانية فثالثة فغاب عن العالم المحسوس ، حملاه الى غرفة عارية الا من سرير ، جسد الفيلة المرتفع الحرارة يلتصق به، الزفير يعلو طوقته من وراء الظهر تقودها بجنون اللهفة الشقية، الضوء الهائج ينبثق من الداخل، يسحب الى غرفة ضيقة تضرب منها رائحة الحموضة، اغطية مفروشة على الارض المبلطة، رهان الخيانة في الخطوات والانفاس الاخيرة ، الخيانة الزوجية في بيت الزوجية شيئ جديد، وحده السكون والصمت يحلقان في الغرفة، التفت النديم وفغر فاه، ثمة ثلج ، وزمهرير ومطر والموج يعلو والقارب مضطرب ، البحار اضاع بوصلة اليابسة، الرياح بلا شكل ولا طعم ، القارب يرمم ذاته بعد تيهان وغزوات فاشلة، الشهوة للموت الغت كل منبهات العقل ، المعابد هدمت والوقت استكرش ، وقناني الخمر افرغت، والشخير يعلو في الغرفة الجانبية، تعب من حرث وجه الأرض والسماء بالأظافر والاسنان، تعب من الطواف بين شواهد الآهات ، الركوب فوق الصدر والسباحة في العدم ، الساعة تسرع الى الرابعة فجرا ، عينا النديم لم تغمضا، جمع سرواله احكم اغلاق الحزام ، رمى ورقة نقدية زرقاء فوق الفراش ، تقدم بخطو مترنح نحو الباب، غاص في الظلمة بدون وداع.
سلام على اللصوص الكبار، سلام على المتملقين والصعاليك واحفاد مملكة سدوم والموبوئين بالتلصص بوضح النهار، قرا القرصان من ورقة افردها امام عينيه، لم يسمع ولا تصفيقات ولا تشجيع ، بائع البصل معكر المزاج ، نسي اخد حقنة الانسولين ، يوجه الكلام القاسي الى شلة من الاصدقاء ، كل مرة يتمنطق بالبوح الجارح ، يغوص منكفئا في الزاوية حين ترفع القبضات، ويعلو الصراخ على مشارف القسمات، يتدخل الملتحي الاستاذ المتقاعد ويهدا من روع البصال القنبوري ، نثر في الهواء بضع آيات منتقاة بعناية لإسكات شغب الضمير، كل الوجوه تلاقحت وبدت تغوص في ضباب الخشوع ، الملتحي يمثل دور الواعظ والناهي عن المنكر والفحشاء لكنه طيلة عقدين من الزمان ظل استاذا متغيبا شبحا، ترك اولاد الناس بدون تدريس ولا تربية ويقبض المرتب على راس كل شهر كاملا بدون نقص ويطالب بالزيادة، يبسمل ويصلي في العلن وفي الليل يتحالف مع سراق المدينة ، بلحيته الكثة والكرش الكبيرة المعصورة في قميص ضيق، يرتشف من كوب الشاي بصوت مسموع ، يلعب دور المعلم ويقدم الوصايا لقنص الضحايا، الحزب الاسلامي الذي ولد من رحم حزب معجون بخلطات سياسية من اليمين واليسار بحاجة الى تشحيم للعجلات ، تقدم اكثر من مرة الى الانتخابات ولم يفز سوى ببضعة اصوات ، تلاحقه سرقة الات لعصر زيت الزيتون، كلما استحضرت الواقعة تتهشم عقارب الزمن الصدئة في الحوباء، تتبثعر الاشارات والاقوال والمفاهيم.

- وفين معصرة الزيتون اسي المرشح
- كاينة... موجودة
- راها ديال الدوار علاش هربتيها في الليل
- ديتها تصاوب
- الله امسخك ياك دايرها في جراج راك خدام بها ردها ولا غدي نشكيو بك عن الجوندارم
- اه اه

على خارطة الصمت المطبق يبلع اللعاب بصعوبة، جمع شظايا القسمات وغاص في الطريق المغبرة في اتجاه مساكن بعيدة، رجع مختفيا مغموسا في طحالب الهزيمة، بلا امل يحلق في الفضاء القريب، بلا فكرة عميقة تلون النفس ، راكضا بين سلالات الغبار وغسل الادمغة ببريق الآيات والاحاديث النبوية، دائما يطلق العنان للغة السخام لتفتيت كومات الجماد ، استحضار الالهة والملائكة واقوام ابيدت بغضب من الخالق ، يمضمض قسوة الحساب والجنة والنار تلمسا لمنعطف النور في المخيلات ، يكثر في المدينة كهنة المعابد الفكرية وحملة الابخرة والمجامر، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يقولون، شرذمة من النصابة والكذابين يوزعون تمائم السعد واليمن والبركات على قطيع الجهلة، في السنوات الاخيرة من الانفتاح السياسي توالدوا وتناسخوا واحتلوا مواقع المسؤولية، اغرقوا الشعب في الفقر والديون ، ضربوا القذرة الشرائية وترقوا اجتماعيا ، بعضهم رمى بعيدا اللحية والجبة والطربوش واستبدل اللباس الاسلامي بالبدلات من الماركات العالمية، سكنوا في الفيلات والقصور، انقلبوا عشرات المرات عن الفكر والمعتقد، الشعب اكتشف الزيف الديني بعد فوات الاوان ، بخطوات يتحايل على اوجاع الناس يخادع العقيدة، لنزع قرون الثور المجنح الساكن في الدواخل، ليقاوم السقوط ويظل طافيا قبل ان يغتاله في الزقاق النسيان ، البصال القنبوري يبحلق في الواعظ المقنع ، يحمل من الخبث الاطنان ، من يخاف الله لا يترك ابناء الناس بدون تدريس ،قال الكلمات بصوت مسموع مشيرا بالسبابة الى الملتحي ، ضحك الملتحي ضحكات عالية كان ما فعله في حق المتمدرسين بدون قيمة او كذبة نسجها الاعداء، لعله يحصل على بصيص امل من الاستقطاب ، فالأرض عجفاء خاصمتها الخصوبة، والماضي حاضر غير منتهي الصلاحية ، و الشيخوخة تطل بقسوة من اعتاب الفراغ ، يدرع الازقة والشوارع بحثا عن الضحايا، الانتخابات على الابواب والرغبة في تدبير مؤسسات الشعب الغاية والمبتغى ، الثراء يسكن الاوعية يحنط التفكير، تربص للصباحات في مصارين الفقر حيث الارواح متصدعة تجهش بالبكاء، احفاد الالم مند الميلاد، تبدد في الافق صوت الغباء، والفراشات تطير نحو الحقول المتمرة، الوان الطيف السياسي تتنازع الكعكة، الاحزاب القزمة تنشط الجولات وتلون الصور، يركب بجوار الدردام سمسار العقارات، السيارة الحمراء تطوف في الاحياء بحثا عن الصيد الثمين ، لم يبق في السوق سوى حفنة قطاع الطرق متعودون على ارتداء اقنعة متعددة، بارعون في بيع الوهم للمترشحين ، يمارسون نفس اللعبة مع الجميع ، يقسمون انهم سيصوتون على الرمز اذا كانت العطايا دسمة ، يقسمون لجميع الالوان في سبيل خطف حفنة الاوراق الزرقاء، يشتد التنافس بين فتوات الحي ، حين تساق الذبيحة الى المسلخ على صهوة الهواتف ينقل الخبر، يرتجف، يشهق كطفل صغير، تنساب الورقات مضرجة بالقسم، ينساب الحالم بالمنصب السياسي باتجاه الفضاء الملتبس ، عشرات مروا تفننوا في الخطب ورموا كمشة الوعود اجزلوا العطاء دخلوا النسيان بتلاشي النظر، انها الملهاة السياسية في مدينة العبث، القوة الناخبة حفظت اللعبة، كلمات تذر في الاحياء بدون قيمة، توقظ الأذان لكنها لا تدغدغ عصافير الروح ، القبض المسبق يفتح المغاليق والجماجم العصية على الاستجابة، يبيد التردد و الصخب والضجيج والانتقادات المرة، الدردام يفهم في الاصول، الناس لا تعنيها الديمقراطية وحقوق الانسان والمساواة، الناس تبحث عن مورد عيش لا يهم كيف المهم ان تدفئ النقود الجيوب الفارغة ، يرمق افواج البشر المنتشرة في الازقة والشوارع تنتظر الفريسة، سيارات تنقل الدقيق والسكر والزيت والشاي الى المنازل، الملتحي ينتظر يقظة مفاجئة ويلسع الوعي بكلمات منمقة الرؤوس اليائسة، تذكر انه طيلة عقدين من الزمن حرم التلاميذ من الدروس ، غادر الكثير منهم بسبب تسرب الاستاذ الملتحي.



- شوف البشر كيف مستف كلشي كيتسنا الهمزة
- هادو كاملين حتى واحد فيهم مكيصوت ...هادو غير الشناقة والحياحة
- لمدينة كاملة عامرة بهم. موالين شكارة لي فسدو الانتخابات
- وزيد عليهم الكذابة والمنافقين
- كاينة...

قديما قالوا احذروا الجهل ان لبس العمامة و الطربوش يرسل طقطقات السبحة ، احذروا اكثر الجاهل ان قبض المسؤولية، القى الدردام خطبة عرجاء على مسامع اهل الحي الصفيحي ، بالبدلة الصفراء يظهر من بعيد كحائط اشهاري ، السيارة الحمراء رابضة غير بعيد، الكل يصغي في ذهول وحيرة وارتياب وارتباك ، الاغلبية الواقفة تتلعثم خلف اسوار الاجوبة ، تتساءل بوجع عن معنى لحضور رجالات الامن والسلطة وجيش المخبرين تجحظ منهم العيون ، لم يبق لهم سوى التحسر والتأمل في تجاعيد القرار ، الهدم سيف استل على الاجساد المعلولة المنخورة بالفقر، اعادة الهيكلة كلمات تبحر في الادمغة بدون فهم، الحق يترنح تحت الاشلاء الواهنة ، بركان تحبسه الصدور على اهبة الانفجار، يتقدم رجل سلطة بزي رسمي ، يلوح باليد في الهواء ان اصمتوا، تحدث كثيرا عن اعادة الهيكلة وكيف سيكون لكل مواطن سكن لائق ، ستكون طرقات وحدائق ومرافق اجتماعية، الكلام لا يبدد الظلام الزاحف في النعوش ، الشعب المدجج بالشكوك لم يبق له سوى لعق التراب، سرب الخفافيش يغتصبون الفرحة، لديهم اسبوع للرحيل لتدك الكاسحات بيوت الطين والقش ، اعتقل العشرات من مروجي الاكاذيب والفتن ، لا احد يحمي عرضا شانه الهتك ، خيام نصبت في الهواء الطلق، الجرافات تقتلع الحي الصفيحي من الجذور، شاحنات تحمل الأتربة والقاذورات، تسوى الارض وتمتد على لمح البصر، لوحات اشهارية تعرض تصاميم مذهلة لأحياء وحدائق ومرافق اية في الجمال، شيدت حجرة صغيرة في الخلاء، اليافطة تحتضن كلمات مذهبة بارزة ( مكتب الودادية) بالجانب ارقام الهواتف ، ثمة نسوة يفترشن الارض ، يثرثرن بدون انقطاع، اغلبهن محملات بدزينة من الاوراق، السيارة الحمراء تلوح من بعيد، الدردام في كامل النشاط ، يدفع المفتاح في القفل، الحجرة فارغة الا من كرسي وطاولة صغيرة، رائحة الاصباغ تضرب بقوة ، يفتح النوافذ المطلة على الفراغ، يستوي فوق الكرسي يسوي ربطة العنق، يستقبل وجوها صفراء وملابس شاحبة، تسحب المرأة الموشومة كيس اوراق ملفوف بعناية فائقة، شهادة الميلاد، بطاقة التعريف الوطنية، ملكية ارض ، لمعت عينا الدردام التقط الورقة في الهواء، سحب طوابعا واوراقا ذات الوان مختلفة، كتب الاسم والنسب ومساحة البقعة ودمغها بختم دائري، افرد امامها الورقة وامرها بالصم، غمست الاصبع في المداد ومرغته في الورق، توالت العملية لعشرات المرات، في كل مرة تشتعل الرؤوس بالسباب والشتائم، احتجاجات على هضم المساحات وعدم الاستفادة من المواقع المتميزة، الكل يطمح الى بقعة مطلة على الشارع وذات واجهتين ، بقعة محاذية لحديقة او سوق . بقعة تجارية في زقاق ينبض بالحركة، بقعة قريبة من المسجد...؟ الدردام يطمئن الجميع ان توزيع البقع سيكون بعد انجاز التصاميم المعمارية والهندسية، ستجرى عملية السحب العشوائية في التوزيع حتى لا تكون هناك محاباة لهذا الشخص او ذاك، تطأطأ النساء رؤوسهن خجلا او لإصابتهن بعسر فهم وتلبك ، لأول مرة ترمى على المسامع كلمات ملغزة، بناء قبر الحياة مطلب كل اسرة سيقت لتوقيع الوثائق بدون ضمانات، لا احد ينام على تخوم الاطمئنان، الدردام جيء من العدم ونصبوه في لحظة ارتجال رئيسا للودادية السكنية، ترشح اكثر من مرة طمعا في منصب في المجلس البلدي، لم يحصل سوى على بضعة اصوات لا تسمن الصناديق من العواء، الفشل ظل يطارده جرب جميل الطرق لنيل المراد، ربط علاقات مطلسمة مع السلطات ، تقرب منهم بقنينات العسل والدجاج البلدي، يطوف عليهم متلحفا بالمسكنة والطموح الجارف ، وجع الرسوب يتغلل في الدماء، يدخل في لجة البوح ونقل الاخبار، يقيم الولائم الدسمة على شرف قضاة الزمان ، اشفقوا على الوجع واستطابوا منه الخنوع ، دلكوا الدماغ بالتبعية العمياء، وجدوا الحوباء متشحة بالظمأ، صنعوا له كرسيا على المقاس ونصبوه رئيسا على حفنة من الجياع، من العينين الناضحة بالدموع والاسئلة القلقة، وتحت السقف المشبع برائحة الصباغة تنعجن الاحلام، يحوم الحوار حول البقع الارضية وانعدام الثقة والنصب والاحتيال، يغيب النقاش في دهاليز الجنة والنار والنصوص القانونية.

- فين البقعة ديالي
- كاينة

- اشن من زنقة ولا شارع راه جيت نحفر الساس وقف عليا واحد حتى هو عندو التسليم لنفس البقعة
- يمكن شي غلط وقع
- الا كان غالط صلحو ولا غديين نمشيو للمحكمة
- اش بينا وبين شي محكمة الله يهديك اسي محمد
- قور ليا البقعة ديالي راني دافع فيها دم جوفي
- ميكون غير خاطرك

وقف في منصة الاتهام عشرات المرات، وحيدا مرعوبا يعرق وينشف ، محاصر بالتهم الناصعة السواد، الاجوبة تأخذ الى اتون الاعترافات، الملف مليئ بالضحايا والجثث وجرحى التدليس والمؤامرة، يبحلق في الوجوه المتشحة بالجدية والصرامة، تعبر الراس الاف الصور والصراخ ، عاريا يقف مضطربا الموت يحتك به ، القاضي يجهز الكفن ويتلو على المسامع وفوق الجثة صك الاتهام ، العري اخف مرارة من وطاه الكفن المطرز بالفصول المؤدية للخراب ، يرغي الدفاع ويزبد ، يلمع القسمات المسطحة المليئة بالصدأ، ان الموكل وقع عقود التسليم بحسن النية، لم يقبض مقابلا، لكنه عجز عن تقديم شروحات لأسباب بيع بقعة واحدة اكثر من ستة مرات بتواريخ متباعدة ، خيم الصمت الجنائزي على القاعة الغاصة بالمرتفقين ، يدس الراس في الجدع الصامت ، على موعد مع الحصاد والجنازات الكئيبة، مضمض بعض الآيات القرآنية، امتلا القلب بالأيمان العميق والتوبة النصوحة ، ليس كل مرة تسلم الجرة، صوت الملتحي يطن في الاذان، والسيدة العجوز ترفع الايدي الى السماء وتدعو له بالموت والجذام، والشاب المفتول العضلات يسدد له الضربات واللكمات ويسحب سكينا حادا ، خيره بين روحه والبقعة، سحب من المحفظة رزمة الاوراق منحه التسليم، مرتبكا، مرعوبا، رجلاه تصطكان من الذعر الشديد، جلس على الكرسي تأمل الشاب والورقة جيدا، غادر المكتب بخطوات بطيئة مختالا ملوحا بالورقة الكنز في الهواء، طرقات قوية على القطعة الخشبية، الحكم بعد المداولة، انتصب الجميع واقفا وانسحب القضاة، تلقى على المسامع التكهنات والعقوبة من الذين يجلسون اياما يستمتعون بالمحاكمات، يحفظون عن ظهر قلب بضعة فصول ويحللون القضايا حسب التهم، متقاعدون يسكنون بين الابواب والريح ، صامتون غائرون في الجراحات القديمة، لفحته هبة الهواء النقي تنفس الصعداء، سار في الطرقات بغير هدف يحاول لملمة الخواء والعواء الداخلي ، متكئا على عناد متهاوي مرتق من ركام الغضب ، في اليوم التالي استفاق على رنين الهاتف ، جاء الصوت عبر الاثير مقتحما كالنصال الحادة، لقد تحول الى مجرم وطني في الجرائد الورقية والالكترونية، ارتدى البدلة الصفراء على عجل، دفع الرجل في الحذاء البني ، توقف عند اول كشك للجرائد لاهثا، طالعته صورته فوق عنوان مثير، محاكمة رئيس الودادية السكنية تاجر في قبور الحياة ، سقوط احد اضلع مافيا العقار في قبضة العدالة ، ضربة قوية للوبي العقار ، جرائد الكترونية تنشر الخبر بالصورة وبعضا من السيرة الذاتية ، مطالبة باعتقال الفاعل والحكم بأقسى العقوبات وفتح التحقيق مع لوبيات العقار بالمدينة ، طاف على جميع الاكشاك و اقتنى جميع المعروضات ، اطفأ أقمار الفرجة والتشفي ، الدردام قطعة لحم طازجة تنهش في الجلسات ،الأشباح تمرح وتدبج الحكايات المرة في الغرف المظلمة، السقطة تلاك بشكل يومي لندامى الغياب والحقودين.

- خصك دير شي ندوة صحفية وترد على الاتهامات
- هداك شي باش كنفكر...شحال عتكلفني العملية
- اوا على حساب اشنو باغي.... النكافات الغاليات خصهم الصرف العظيم
- نديروها اسي الاستاذ لفلوس دارو باش يتخسرو
- نوزعو شي منشور سياسي هو الاول ومن بعد نعلنو على الندوة الصحفية
- هاد شي غيجيب شي نتيجة ولا غنغرقو ليها روايض
- روايض راه غارقين...ضروري نمارسو شوية نتاع الضغط على المحكمة...
- على بركة الله شوف شحال غدي اكلف الامر....؟
- بالزربة



يمشي بين الشوارع والازقة متواري الوجه، جثة هزيلة نخرتها الضربات، النهار انهكه الغبار والدخان ، الباعة يطلقون عقيرتهم بالصراخ، كل يشكر سلعه المكدسة فوق العربات ، انواع الخضر والفواكه الطازجة، ازدحام في الزقاق الضيق، كلاب وقطط تتمسح بالأجساد، اكوام الملابس المستعملة تغري الزبائن ، اجساد مقوسة تختار القطع القادمة من وراء البحار، كل ما يأتي من مدن الحرية له قيمة، ادوات منزلية وطناجر الضغط ، اجهزة تلفاز ومطارف وثلاجات وكراسي... الصناعة المحلية مستبخسة وبدون قيمة تجارية، بضعة كتب ومجلات مرمية بدون عناية فوق الرصيف، القارئ لم يعد له وجود في المدينة، التقنيات الحديثة نفت وسائل التثقيف القديمة. المثقف المبدئي انسحب من الساحة ونشطت جمعيات الاسترزاق ، الفكر التنويري مجرد اكاذيب وهلوسات ، لم تعد الكلمة الثاقبة تشعل النار في الادمغة، القراصنة يكتسحون جميع المجالات، المثقف في المدينة المغتصبة والمستباحة من الجهلة يتيم في مأدبة اللئام ، المدينة مسورة بالفساد وكبير الفسدة سيدهم ، داخل دكان الملابس تختار الزوجة الثخينة سروالا داخليا، قلبت كومة التبابين راسا على عقب ، ولا احد على المقاس ، نعلت مصممي الازياء في الدماغ، التاجر يبحلق في كثلة اللحم، يخنق ضحكة بكلتا يديه وينطلق صوت مزعج ، تحمر وجنتا حفيان الراس خجلا ، تفاحة التهكم تقضم كل يوم ، يغرس النظرات في شاشة الهاتف ، يتطهر من الطعنة بصور واشرطة مرفهة، ام تحكي بالدموع عن اغتصاب فلذة الكبد، تطالب بإعدام الفاعل في ساحة عمومية، عويل الام اعاد عويل الماضي السحيق ، يتأرجح بين انكسارات الامس وخراب الحاضر، قطعة لحمة طازجة نهشتها الكلاب الضالة، عبيطة يفرك اليدين بانتشاء، اليوم البائس ذرف الدموع و السعال ، ينكس ثقل العار من المخيلة فيأتي مسرعا كانهيار ركام الاحجار، ربع قرن يملأ الاوقات بالأوجاع القديمة، المدينة تحفظ عن ظهر قلب تاريخ الاغتصاب الجماعي ، عبيطة وجد ميتا في القمامة صبيحة احد الايام، قيل انه مات من شدة البرد القارس ، الموت اعاد تفاصيل يوم الإيلاج الدامي ، يخرج من التفاصيل والنظرات الشقية مهزوما، يجمع شتات الكلمات ليعيد رتق خارطة السماء لتكبر الطفولة ويندمل الجرح، الماضي الثقيل يعريه، يرميه في ثوب ادم ، يرن الهاتف وتلمع عيناه فرحا، احتضر كفاية امام اضرحة الدقائق ، طافا على دكاكين ولا تبان على المقاس ، في النهش تفرم قمصان ومناديل وحاملات النهود ، تلمع في الروح عاصفة القرف ، الوجه المفلطح يطل على قائمة المقاسات ، لكن ولا مقاس، تدخل شابة اشبه بقضيب البان ، تسحب تبابا وحاملات النهود وتناقش الثمن بغنج ودلال، يغزو الراس الملفوف في منديل مرقط نمل من الاسئلة ولا جواب ، مبللة بالاسى ،في الفؤاد ينام الظمأ وتمضغ الفراغ ، تخطو بتؤدة الى سرادق الوجع ، الحسرة النابتة تأكل العظام، المواساة لا تحتاج الى حواشي مطرزة، الحميات لم تنفع اصبحت جميعها ارشادات تافهة مقدودة من كتب السفه، تسحبه من الذراع وتامره بالرحيل الى دكان اخر ، يأتيه الصوت مبحوحا مقتحما، الملتحي المتقاعد يدعوه لاجتماع دسم ، يعلن النفير لاستعطاء وارف ووفير ، اشراقة المسافات تضيئ في الاشلاء، تحلب الفم وبدا يحصي الدراهم من جيوب الثعابين ، بولحية يطبع الصدقات على دفتر المحرومين، يمنح الجود للتائهين، يسحب الروح من فراغ المستحيل، يجر البؤس من العيون ويحيله الى حفلة راقصة، ودخان الوهم يرسم في الابدان هالات القيمة، الوليمة تلوح في المكالمة الصريحة، يأمر الفيلة الزوجة بالرجوع الى البيت ، ركض في الشارع في اتجاه مقهى شعبي . راقبته يجري كالأحمق الى ان اختفى عن الانظار . تمشي محنية الراس تمطرق الدماغ كلمات الذم والسخرية. ليست سوى كيس اسمنت خاصمتها ينابيع الطهر والجمال ، نساء الوطن يمتن بالقهر وقلة الحيلة والخدش الناصع البياض ، واخريات يمتن بابتلاع جرعات اكتئاب ومساحيق تجميل منتهية الصلاحية.

- الدبابة دايزة... عنداك دهسي شي واحد.. . حيدي من طريق يا لبنية...
- دبابة هذي.... هذي عاصفة رعدية
- ما قدو فيل زادوه فيلة

تعلو الضحكات وتلعلع القفاشات المشرئبة على الايذاء المر ، بشر يخرج من كنف السخام، الدردام قابع تحت فروة ظلام دامس ، مصلوب تحت وطأة حوافر التخاذل والخوف ، عشرات الرؤوس مشدودة الى الملتحي فوق المنصة، رؤوس تتواجد في كل الاجتماعات ، اللقاءات الحزبية والنقابية والحقوقية والجمعوية ضامنة للفرجة ، حفيان الراس وجوقة المندسين في الحقل الاعلامي موزعين على الكراسي داخل القاعة، مدججين بالكاميرات الرقمية والهواتف الذكية، ثمة شاب يوزع ملفات تحوي اوراقا بأختام مختلفة، دار الحديث عن النفاق والفساد وتعامل الدولة بمكيالين مع المواطنين ، المواطن الفقير مهضوم الحقوق ، في الوطن هناك قانون الاثرياء وقانون الطبقات الكادحة، في وسط الكلام يحشو آيات قرآنية وفي اخره حديث نبوي ، الملتحي يستعرض البضاعة في مكر، عملية غسل الادمغة بدأت ، يحرك ما تكلس في بؤر الفقر وجيوب الضغينة، وايادي تقتات من مهالك الشقاء ، تمتزج الخرافات بالغيبيات ويسبح في عالم ملغز و مجهول، مخلوقات غريبة تنفت النار تلهث وراء الظالمين ، تصطاد الظنون الاثمة، يقرا عن الدار الاخرة في وطن عاهر غارق في الجهل ، عاد الى صلب الموضوع والقاعة تزفر غيضا وترتفع الوشوشات ، المخدر لم يكن من النوع الجيد، لم يظهر المفعول بالسرعة المطلوبة ولم تحتمله الاوجاع الممتطية للظهور، تصفيقات شحيحة للملتحي الذي فترت شفتاه عن بسمة مصطنعة، وليمة الاستدراج فقدت شهيتها، يعتدل الدردام نجم اللقاء في الجلسة، يشرب كاس ماء بارد، يطلق كحات متتالية، عدسات الكاميرات ترش الاضواء بكثافة، يعم الهدوء الا من انفاس تلبس نبض الانصات ، صهيل الخوف يدق باب الروح، الدردام يرتب اوراق البوح والمكاشفة كي يجتاز جسور الخوف ويعري مناطق الخلل، الاعداء المتربصون بالتجربة يناورون لطمس الحقيقة، مافيا العقار تتربص بالودادية لتحويل الحي الى اسمنت بدون مناطق خضراء ولا مرافق اجتماعية، سفهت الاقلام المأجورة والكتبة الذين يخيطون الخراب والدمار ،يرفعون القبعات والشارة للساسة الأوباش ، تنطلق زغرودة وتصفيقات من وسط القاعة، تلتفت الوجوه وتنطلق الهمهمات، المحاكمة مسرحية سخيفة حبكت بعناية في الادارات الفاسدة، حفيان الراس يجلس مبهورا يمضمض افكارا باهتة محاطا بالجوقة النحاسية الراقصة على قعقعة الحروف ، يسافر على شاطئ الطعن يستحضر في خسة الحاقد الذي خاط مقتله، ارسل اللعنات ورزمة شتائم من تحت الحزام على اولاد الحرام، تمنى في قرارة النفس الامارة بالسوء ان يعتنق قراصنة الكلمة على مقالاته الركيكة والبائسة دينا ما عرفوه ، يعيده صوت الدردام الى القاعة يمزق اوصال عدالة سابت عذريتها امام قضاة محترفون ، يشهر اوراقا مختومة بالأحمر تحمل طوابع مخزنية ، لتستفيق الحقيقة وتتوارى الاشاعات المغرضة، بطيئا واخرقا يأتي الاحتيال المشلول ، يحاول لجم منافذ الفهم وطرح الاسئلة، يعرض مقالات في الجرائد الورقية تظهر صور المجرم تاجر البقع ويد مافيا العقار، يقرا بصوت اجش عبارات الادانة، مستعد ان يجادل العقلاء بانه بريء ، في ساعة التفكير والخوف يهتدي الانسان الى الله يتضرع ويطلب الخلاص ، تخشع النفوس وتظهر الضعف ، الدردام عالق بين دفتي الاتهامات بهضم حقوق ملاكين ، القانون يصنع من جلود المتهمين التوابيت ، الدردام ذبيح زمن متسخ بالقبح والرداءة ، يمد اليد الى الجبين يمسح حبات العرق ، انهكه الكلام وقراءة تاريخ حمله الى رئاسة الودادية السكنية، القاعة تغرف في التثاؤب والعياء، والتفاعل واهن يحتاج الى تشحيم ، من رحلة السرد والقصف يستجدي الجياع ليكونوا حائط المبكى والسند لخلع الظلم والجور، لا شي بالمجان في زمن البيع والشراء والطعن من الظهر، يحدق في الوجوه الواجمة يستفسر القسمات حائرا وفي القلب تسبح جمرة الالم ، لم يطلب سوى توقيع عريضة ترسل الى الجهات العليا، مجرد توقيعات تحت خطاب مطرز بعناية فائقة، لا يبتغي سوى تحقيق العدالة ليدفن المخاوف ، في الوطن البائس تذبح القوانين بجرة قلم ويمضي الفقير مطعونا خنوعا مدلولا ، تقاطرت الاسئلة الموزعة سلفا على المندسين في الاعلام ، تلعثم حفيان الراس واطلق العنان للأسئلة المعدة سلفا، انقذف حرف من كلمة بلهاء، تمرغت اسطر اخرى في اللامعنى ، جاء الصوت اشبه بنحيب المقابر، ولدت الابتسامات ثم القهقهات ، الملتحي يطلب الهدوء يقرع على الطاولة ، تلاكمت الجمل في حلبة الغباء ونثرت الخواء واقامت ولائم للامتعاض والتذمر، يتبرز ما تصدع من المخيلة، لا شيئ مترابط ومتماسك ، سقطت منه جعبة الكلام حين اهتبل الفرصة ليشعل القاعة اسئلة ، تلعثم اللسان في هندسة الحروف ، استجار بذبذبات الحنجرة ، ظل يبعثر باقة الجهل والهذيان على مائدة المستحيل ، اجتهد اكثر في الظهور بمظهر العارف والفاهم ليحتسي بشراهة نخب اللقاء وينال الرضا، انكمش بسرعة البرق الغمزات و الايماءات المدججة بألف معنى تعيده الى الواقع ، جيء به ليؤدي دورا في المسرحية المحبوكة بعناية، اي خروج عن النص لن يحصل على الاجر.

- هاد شي ما شي معقول سي الدردام رجل مزيان ولد الناس حنا عارفين لي باغيين فيه الخدمة غير الحسادة...وحنا معاه نطلعو الرباط نديرو وقفات احتجاجية قدام المحكمة باش ابان الحق
كلام يغتال الارادة، عاتبته قوافل الخوف في الاعماق و في العيون ، الانسان لا يدخل حروب الاخرين بمجرد دعوة مغلفة، الساحة في المدينة المنكوبة ملغمة ، لا فرق بين الاخيار والاشرار، بين المتمترس في المساجد والمنتشي في الحانات، بين المثقف والجاهل، جاء الصوت من اخر القاعة مضحكا، مستفزا، مكتسحا، التوت الاعناق وساد الصمت، عليكم بالقنابل والدبابات والصواريخ العابرة للقارات لانتزاع الحقوق ، قال قرقوب تاجر حبوب الهلوسة والمخدرات ملوحا بكلتا يديه، واقفا مثل صنم قديم، القاعة الممتلئة بجلاليب النعاس بحاجة لشيء من القفاشات، قرقوب افسد على المندسين في مهنة الصحافة لذة التميز، فاجئ بجرة عبارة اباطرة الاعتياش على الخيبات ، حفيان الراس معاق اللسان بطيء في طهي المفردات ، قرقوب فارس يرتشف قاموسه المقتحم بجرعات الحبوب المهيجة، يهش ذباب المحتفى به ويبري اظافر مسافات الفهم ،فضح الفارين من قبضة قول الحقيقة ، دعاه الملتحي الى الجلوس في الصفوف الامامية، يمشي ببطيء شديد محولا النظرات بين الجموع ، لا منبه يضبط الوقت على لقاء يحتاج الى ادوات التشويش ،المخبر الجالس قرب الباب ينقل الاخبار بالبث الحي ، يسجل اسماء الهاربين من طغيان الظلام، والمنثور على قارعة النحيب ، والقلم والهاتف حفار للقبور ، اختلفت الآراء في طريقة مواجهة العسف والشطط والمحاكمات الصورية، والمطلوب للقصاص متجهم منقبض ، ولا كلام يروي ظمأ حارقا ولا رايا يطلق مدافع الخلاص ، انتصب قرقوب وجحظت عيناه المحمرة في غفلة عن الكومبارس وضيوف الغبار ، جال بعينيه على الوجوه العابسة المستريحة فوق الكراسي ، اطلق ضحكات عالية وصرخ كأنما يهددهم (الحرب لا تخاض بالمهزومين والمتناضلين ،الحرب تحتاج الى رجال يواجهون الموت بصدور عارية...) تصفيقات عالية أعادت الحماس واليقظى الى القاعة، ينحني قرقوب انحناءة احترام، راسما غابة الفرح الجميل ، تقدم الى وسط القاعة ورفع يده عاليا، التمس الهدوء ليريح انفاسه المصلوبة على سبورة التفكير، فتش في الوجوه عن بقايا جغرافية لحدود القضية ، هياكل خائفة من عون السلطة الجالس على اوردة القلب ، مرتعبون استدرجوا بالوهم لسحق ودك الاشواك النابتة في الملف ، ترقص حافية على الجمر ، يقدمون بالتحايل قرابين على قضية متشعبة تلبس المتهم ذي الوجه المقنع ، تتحرك الشفاه من جديد وتمزق قفازة المكائد ، قرقوب مجاز عاطل تقدم لعشرات المباريات للظفر بمنصب محترم في ادارات الدولة ، لم يكن فاشلا بل الدولة الفاسدة لا تعترف بالكفاءات ، لكي تفوز بالوظيفة عليك الدفع من فوق الطاولة او من تحتها، امتهن جميع المهن في سبيل العيش بكرامة، جرب الهجرة السرية عبر قوارب الموت ، دوريات بحرية اعتقلت الزورق المطاطي في عرض البحر، اعيد الى الوطن مكرها، محطما يحترق من الداخل، اتسعت جراحات النقمة على الاوضاع ،ادمن السهر واحتساء الخمور واستهلاك المخدرات ، انتقل من مستهلك الى تاجر، اعتقل عشرات المرات وصودرت منه قناني الخمور وكميات المخدر ، منذ سنوات صعبة مقرورة علق الصقيع على الجسد المتمرد ، وراء القضبان الايام تسلخ الجلود والهواجس تلهو في المخيلات المعتمة في الليل تصير الزنازين موحشة اكثر، في النهار تسقط عن الاجساد الاحزان وكومات الندم ، تلتئم الجروح الطازجة والخيبات والامزجة ، ابتلع اولى حبوب الهلوسة حين حاصرته دودة الادمان ،اضاءت المصابيح الالاهية في المخيلة والاشلاء استوطنها النشاط والحيوية ، يهرب من الاسر الداخلي الى الفضاءات الأرحب ، يقوم بنزهات على بساط الريح ، يخرج الى الباحة مغيبا، يشاهد أسرابا من البشر يذرعون الباحة جيئة وذهابا، اخرون يسندون ظهورهم للسور العالي ، يستدفئون من البرودة، الحارس ينفت دخان سيجارة شقراء محاطا بالسجناء ،تعلو القهقهات وتشق غبار الصمت الكلمات الجارحة، نعقت الغربان السوداء في شبابيك الصدور وازدادت الهموم ،ثمة مقرئ تحلقت حوله الجماجم ، يتلو آيات من الكتاب المقدس بصوت سجي ويقفز الظلام في رئة الهواء ويقترب يوم الحشر ، ضجت في المآقي الدموع، العبرات تخلص الاثمين من ربقة القيح ، الآيات القرآنية تؤثث دم الخاطئين بالرعود والخوف والسكينة، المقرئ الثائب اغتصب اطفال الكتاب القرآني داخل مسجد القرية، ضبطوه يقبل بشبق واشتهاء طفلة في عمر الزهور ، يتحسس الاماكن التي لا تراها الشمس ، اللعين سرق الوقار والاحترام بالتدين المزيف ، المجرمون يلبسون وجوه الملائكة، يلوثون الطهارة بكمياء الاغتصاب، قص الفاجر اجنحة الصغار لتدفن في مقابر الكبت ، عبث بحرمة الاجساد المباركة ، ثارت ثائرة العائلات وبذات عقد السنة الضحايا تفك ، حاصروا المسجد واعلنوا القصاص ،ثمة غاضبين جاؤوا محملين بصفائح البنزين ،كدسوا الحطب على باب المسجد وافرغوا البنزين ، عود ثقاب واحد يكفي لحرق المجرم ، النار وحدها تغسل العار.

- من يخشى الضوء محكوم عليه بالعيش في الظلام ،ومن يخشى كليهما يعد في عداد الاموات.
- عظيم اسي قرقوب انت افضل بكثير من رؤساء الجماعات والاعضاء وحتى زعماء الاحزاب
- نحن في دولة تمجد الجهل وتقيم له احتفالات واعراس وجوائز...
- صحيح...الشعب من يصنع الاصنام

كل مساء يجلس امام الدار يرتشف كؤوس الشاي ، محاطا بالأولاد الثلاثة وبعض المقربين ، يراقبهم يركضون وراء الكرة يتصايحون مع ابناء الجيران ، الزوار يتقاطرون من كل جهة، الزوجة تبيع في الدكان الخبز البلدي والالبان والزبادي ، دراجات هوائية ونارية وسيارات يتقاطرون على الطبيب ، يحتاجون الى الحقنة اليومية ، قرقوب طبيب يغتال الترحة ويطلق زغاريد الفرحة في النفوس ، يداوي اسرى الحياة المثبطة من ضيق الوقت ، يخرجهم من دوائر اللهيب وينظم نبض المكان ، ثلاثي محرك للاقتصاد في الاوطان العربية الدعارة والمخدرات والرشوة والنهب والاختلاس ان منعت ستعيش الاوطان في فوضى دائمة ، والفقر يعد من اركان الاسلام الستة، والاستعباد من مقومات الانظمة الاستبدادية والشمولية والضامن لبقائها ، الاف الرؤوس تائهة في جميع الفصول تبحث عن عشبة للهرب من الضغط و الايام الصعبة ، ولا تبحث عن سبل لانتزاع الحقوق المشروعة ، كل مرة يطل شرطي يمد اليد مصافحا ويقبض الورقة الزرقاء، يقدم التحية ويختفي في الجيب ترتاح الورقة النقدية السهلة الكسب ،ثمة امنيين يطلبون قناني الخمور او قطع حشيش ، قرقوب لا يتردد في خدمة خدام الشعب ، يفضل ان يرى شرطيا مسطولا مرتشيا على شرطي معتقل في دوامة القوانين يمثل دور النزيه والحازم والامين وصاحب ضمير، من لا يقبض الرشوة الصغيرة بالضرورة يقبض الرشوة الكبيرة، لسنا في المدينة الفاضلة و الرسول قبل الهدية، غاب لأكثر من عشرة ايام بحثا عن العشبة حين شحت مصادر التموين القريبة، عبا في جيوبه ما تبقى من شجاعة وسافر الى مدن الشمال، المزودون كبست عليهم دوريات الامن وضرب الحصار ، وطرقات التهريب محروسة بعناية، جواجز امنية وتفتيش دقيق للحقائب، الشرطة دائما تصطاد المروجين الصغار وتترك الكبار، يحصدون الرؤوس المذبوحة بالفقر والفاقة ، تعرض صورا لشاحنات محملة بالممنوعات، اعتقال السائق والتكتم على الراس الكبيرة، التلفزيون الرسمي وجرائد الدخان المر، تنقل مشاهد حرق كميات المحجوزات ، تتحدث عن تفعيل سيف القانون في حق الجميع بدون استثناء، نفس الكلام والرواية تردد على المسامع عشرات السنين ، لازمة لا قيمة لها امام لوبيات الفساد، القانون يطال فقط الاسماك الصغيرة، اما الحيتان الضخمة محمية بقوة شبكة العلاقات في اجهزة الدولة ، تجنبا للاعتقال متلبسا بجلب كميات من الحشيش يسافر ليلا وفي النهار ينام في الجبال و الادغال والوديان والغابات، يستعمل المسالك الوعرة، هضابا تحمل اسرارا وتحتفظ بمعارك الالتحام لإرهاصات الخلود ، بعيدا عن التجمعات السكانية طبول الحذر تقرع في المخيلة، في سبيل لقمة العيش فقد جواز الانتماء لوطن متبرم ، واستسلم لصلاة الغطرسة والتحدي فلا اله يزيل الغبار عن الاشلاء وينفخ في الروح الفرح ويشعل اضواء الراحة، يقطع مئات الكيلومترات مشيا على الاقدام ، نادرا ما يلتقي بالحمالين ، يتبادلون بضعة كلمات وينتشرون في المسارب ، جميع المهربين الصغار يتشابهون ، الحمولة لا تتعدى بضعة كيلوات ، مستعملو الدواب والبغال ينقلون حمولة اكثر ، الليل ستار و اكثر خطورة وصعوبة يحتاج الى شهر للعودة الى الديار، شهر من المخاوف والاحتراس وشرب كؤوس العلقم والجوع والعطش والعرق ، للهرب من بوابة الجحيم ، لا وقت ليفرد أجنحة الاستسلام واعلان الهزيمة ، على مقربة من المدينة فاجئه نور الصباح ، نام وسط الحشائش بعد ان دس الحمولة في مكان امن ، الارض تداعب الراس المليئة بالنعاس ، حلم بضجيج الاولاد يركضون في الاوردة ، وحمام دافئ ووجبات دسمة ، سرير ناعم وصدر حنون ليتوج منفلتا من قبضة الفرم وصفارات الانذار وزئير الاصفاد، الشمس في كبد السماء، قطرات العرق تغسل الجسد، اطل بالراس من وسط الحشائش ، لا بشرا يسير ولا حيوان ، ثمة اولاد يسبحون في الوادي ، سبح في النهر واحس بالانتعاشة، حمل الحقيبة الظهرية وغاص في الدواوير.
يصرخ المنحور بأعلى صوته في مكبر الصوت ،يردد الحشد من الوراء شعارات منسوجة على المقاس ، ثمة رؤوس لا تفهم المعنى والمغزى من الاحتجاج، الدردام في قمة الانتشاء، حفل المواجهة اقيم على شرفه المدنس بالإسمنت والاجور، الملتحي يقف على بعد خطوتين من الوقفة ، العدالة تتلقى الطعنات والتبخيس والاتهامات بالمتاجرة في القضايا، ينشوي القاضي الفاسد بنيران الحشود الغاضبة، سيارات الامن والمخبرين تطوق المكان ، تضع حواجز امام باب المحكمة ، الدخول الى المرفق يخضع لرقابة وتفتيش مشدد، الغضب يرتفع بإيقاعات بطيئة يجدب الحشود الغفيرة، صور رمز البلاد تبتسم في الايدي ، الاعلام الحمراء ترفرف في وداعة ، لافتة كبيرة تطالب بالنزاهة والعدالة، كلهم جاؤوا لنصرة ضحية قضاء التعليمات والهواتف ، المنحور وجه مألوف في الوقفات الاحتجاجية بالمدينة المغتصبة من زمرة الفساد والشواذ وقطاع الطرق ، اعتقل قبل سنوات للمشاركة في شكل نضالي امام مقر الامن ، حكم بستة اشهر حبسا نافذا، خاص صراعات مريرة مع امنيين فاسدين ، قدم شكايات الى المسؤولين وطنيا طلبا للعدالة، انهزم في جميع المعارك وبقي مرفوع الراس ،احتضن النضال الجماهيري وتيم بمكبر الصوت الى جد الذوبان ، كل المقذوفين في فرن الظلم يصرخون ، اصوات مضغوطة بسندان الاهمال و الاوجاع تشعل قناديل في سراديب القانون ، يقترب رجل امن بزي رسمي ، الدردام مطلوب للتشاور، العيون الخائفة والمرعوبة تراقب مجريات الحوار، اختلط المتقاضي بالمحتج وتوسعت الرقعة وتمددت في غفلة من ضيوف القمع ، الوضع لم يعد تحت السيطرة، تتقاذف النظرات المقتحمة كلمات عتاب ، والساحة على وشك ان تمطر وجوه العابسين ، والهراوة جاهزة لتسكن الالم في الدماء ، تعلو الابتسامة وجه الدردام في اللحظات الاخيرة من خيارات الرفس والسحل والكسر، يستنشق المحتجون نسمات الدروب والازقة.



- الاخوان الاخوات الله اخليكم المظاهرة ديالنا بلغت الرسالة ديالها والمسؤولين كيواعدونا بتطبيق القانون ..كنشكركم جميع على الدعم والمساندة والوقفة الرجولية...

- تحية نضالية للجماهير الشعبية
يمشي المنحور ممسكا بمكبر الصوت محاطا ببضعة انفار ، الساحة امام المحكمة بدأت تقفر الا من بعض المتقاضين ، على طول الطريق نفايات منتشرة قرب المنازل وحاويات ممزقة ، تلاميذ يدفعون الحاويات ذات العجلات ، شعب لا يستطيع رمي القمامة في الحاويات ويدعي التمدن ، يجلس امام الدكان يبادل النظرات مع طاجين بالسمك المعدل بعناية ، الرائحة الشهية تعبر الطريق وتلثم الانوف ، تجدب بعض الانتهازيين ، ظهر الزقزوق ولحق به عرعور القزم ، سحبا كرسيين مهترئين وغازلا الطاجين ، المنحور يعرف انهما مخبران من شيمهما الغدر وافشال الحركات الاحتجاجية ، تحدث عرعور القزم طويلا عن السلطات والمجالس المنتخبة لعن يمينا وشمالا ، دائما في كفه صراخ وتذمر ، طرد من الوظيفة لارتكابه جرائم تزوير ونال عقوبة سالبة للحرية، مارس جميع انواع العمل المنحطة لإعالة الاسرة، دخل السجن مرة اخرى لاحتجاجه على معرض للصناعة التقليدية، جاء بمعية بعض الاتباع مدججا بصفائح البنزين ، ظل يصرخ ، يندد ،يتهم ،يهدد بالانتحار حرقا واضرام النار في المعرض ، تقاطرت الوان الطيف الامني ، البغلين المنتصبين وسط الساحة شاهدين على الواقعة ، تدلت الاعناق من النوافذ وانتشر البشر على طول الطريق ، وقف الحرفيون يتفرجون على عرعور القزم يتحرك برعونة ، تتارجح وراء الظهر خصلات الشعر الطويل ، اعتقد الناس انه يلعب دورا مسرحيا جديدا ، سبق ان شاهدوه في بضعة اعمال تافهة تشم منها رائحة التكسب والارتزاق ، كيف نبت مارد العصيان في من احترف التدجين والتجسس والتلصص من ثقب الابواب، تعقب رائحة البنفسج والرياحين في الاجسام ،بحثا عن جثث بمواصفات ثائرة ، يطلق كلاب التعقب وتشم رائحة الاكلة الشهية ، يرفع المنحور غطاء الطاجين يتصاعد البخار ، المرق يبقبق ،يتحلب فم عرعور القزم ويلعق شفتاه، دائما يحمل جوعا وعطشا في البطن ، تتدلى جديلة الشعر عند كل حركة، انحنى الراس قليلا وبان الخواء ، الصلع اكتسح الفروة المقتحمة بالشيب ، البقعة العارية في حجم رغيف فرنسي ، الزقزوق نام فوق الكرسي او يفتعل النوم ، ربما لا يريد الخوض في النقاشات التافهة ونهش اعراض الناس ، حتما سيتدلى الكلام الجارح و سيرقص اليوم على نعش الاحرار ، ويتنفس هواء الضرب من تحت الاحزمة ، تركب الدردشات مواضيع شتى ، عرعور يبحث عن اوعية لتفريغ الحمولة وترويج وجهة نظر السلطات ، يطمح الى مساحات تفوح منها رائحة الاهمية ، يقترب اكثر من الخطوط الحمراء، المنحور يبحلق في الوجه المليء بالأخاديد، ثمة رسالة تحذير لا تزال مغلفة ، لكنه تشجع وبدا يتلو لائحة الاتهامات ، ينفعل المنحور ويسب الامن والسلطات ، كلهم ظالمين و لصوص وقوادين وقطاع الطرق، انقذفت اولى احجار السجيل ، اللوحة موبوءة بفسيفساء الكراهية ، ينكمش عرعور القزم على صهيل الرشق ويلوذ بالصمت ، يتدخل الزقزوق وينحاز الى جهة المنحور خوفا من ضياع وجبة طاجين السمك الشهية.

- كلشي شفارة كلشي كلاب ..واش كتسنى اعلقو ليك الاوسمة
- لا غير ما بغيتكش تزرف فابور ... الوقفة ديال اليوم مشبوهة
- كندير داكشي لي كنامن به ماشي بحالك مسخر ديال المخزن ...انا مع حقوق المواطن ومكيهمني
- اهه
- حتى واحد ما وصي عليا ..انا حر واي وقفة احتجاجية نتاع دراوش غنساندها وهذا شغلي ...وانت ديها فراسك تشوهتي في المدينة كلشي عارفك مخبر وبلحاس ومرتزق
- الله اسامح سي منحور...الله اسامح... وانت سي عرعور شد فمك..احترم كل واحد ما بقينا عارفينك اش من جهة

استدعيت صور البذاءة والحقارة، وركض الفم الى قراءة النذالة والخسة على ابواب الفضح ، انمسح الطاجين ولمع القاع البني وتجشا عرعور القزم وارسل ضربات على البطن، افرغ الزقزوق زجاجة ماء في الجوف ، نشر الجسد فوق الكرسي المهترئ، مند زمان يطارد عصافير الحلم الكبير، دخل الجمعيات الربحية وخرج منها يحمل بثورا وجراحات لا تندمل ، دخل الاحزاب طمعا في الترقي وارتداء لباس الاهمية، اراد تسلق الاكتاف لكنه انهزم في اول الطريق ، سنوات من التيه اهمل الزوجة والاولاد تركهم عرضة للضياع ، اغلق دكان النجارة مصدر العيش ولاحق السراب و الوهم، لاحق الفرق الرياضية وفرق التمثيل، انخرط في العمل التنموي الموسوي، اراد ان يمارس فعل الاحتجاج فسقط في المحظور ، لا يميز بين اليسار واليمين سوى ان الاول ضد النظام والثاني وليد شرعي للمخزن ، طلق ام الاولاد حين توالت الهزائم وعلت الثقوب الجيوب ، حمل المتاع الى بيت الوالدة ، تفرغ كلية للتملق والتمسح بقضاة الزمان بحثا عن الطبطبات ، في قوافل الجهل يسرع الى اسطبلات الترويض والتدجين ، يسابق الزمن لنيل الرضا ونقل اخبار طازجة في حفلة تتويج المخبرين ، دائما متواجد في الحفلات الوطنية والاعياد الدينية بالبدلات الباهتة والجلباب الابيض والطربوش الاحمر ، يندس بين رجالات الدولة يقضم قطع الحلوى ويشرب كؤوس الشاي ، يمدح علنا رجالات السلطة امام جمهرة السياسيين ، دوره ان يكمل طقوس الاستجداء والانحناء .يعود كل يوم الى منزل الوالدة مثقلا برزم الكلام ، يروي بإسهاب ممل حديثا عن فلان وعلان ، لكنه ينسى ان لديه ابناء بحاجة الى الاكل والشرب.
في المساء التقى عرعور القزم وحفيان الراس والزقزوق تجولوا في مصارين المدينة يدورون في فراغ الامكنة ، دخلوا المقبرة بدون بسملة ولا ترحم على اموات المسلمين ، ثمة جنازة وحشد من الناس ، تلاوة لآيات من الكتاب المقدس ، صوت بكاء ونحيب ، بويمجان يمسك بالفأس مقوس الظهر يحفر القبر ، التقت العيون وارتبك حفيان الراس ارتباكا شديدا ، الماضي اللعين يطارده في كل ركن وزاوية ، يمسكون الجثة بالأيدي يسدون الفم ، يمنعونه من الصراخ ، عبيقة يفك الحزام وازرار السروال ، الفأس تخترق الارض الرطبة والندية ، ووليمة نحر الرجولة اقيمت في سكون الدار المهجورة ، يرتفع البكاء والنحيب ، الفقيه يختم الدعاء ويحمل النعش الى داخل الحفرة الصغيرة والضيقة ، ممنوع الاقتراب ، ممنوع اللمس ، لا حياة في المقبرة المزكومة برائحة الموت ، بويمجان يضع قطع الاحجار فوق القبر، اختفت الجثة تماما ، بالرفش يغطي الاحجار بالوحل ، الربوة ارتفعت و الحشود ترقص رقصة ولادة الوداع في اشلاء الموت ، حفيان الراس ابتعد كثيرا وظل واقفا يتابع المركبات التي تعبر الشارع ، بويمجان ايقظ الدخان في الدماء ، اصيب بالدوار والرعب من تصادم النظرات ، والخوف ارغى وازبد فوق عقارب اللحظة المباغتة ، تمنى في قرارة النفس المتنطعة ان يراه يسقط ميتا وتصلي عليه الكلاب صلاة الجنازة ، عبيطة مات وسط ركام من الازبال ، وجده قبل ايام يحمل دجاجة ميتة ويستعد لتحضير وجبة العفن والديدان، يمشي بينهما مكسور الخاطر، تقاسيم الوجه الامرد تؤكد انه حالة يرثى لها ، دخلا الكنيسة القديمة التي تقف شامخة وسط اشجار الكاليبتوس ، قبل سنوات صرفت عليها الملايين وتحولت الى مركز ثقافي واشعاعي ، اقيمت فيه الندوات واللقاءات السياسية والعروض المسرحية والامسيات الشعرية، التقط عرعور القزم عشرات الصور للكراسي والنوافذ والابواب المنزوعة ، الجدران المتسخة والقاذورات البشرية في كل ركن ، اختفت الآلات ومكبرات الصوت والمنصة المصنوعة من خشب الاكاجو ، حتى المصابيح والثريات والازرار الكهربائية انتزعت من مكانها، الخراب والدمار ضرب الكنيسة التي بنيت ايام الاستعمار الفرنسي ظلت صامدة رغم التهميش والتخريب ، افعال من وحي الشيطان تطال امكنة العبادة والتثقيف ، على مقربة رائحة قنوات الصرف الصحي تخنق الانفاس ، قادوس الاسمنت الواسع يفرغ حمولة المدينة من المياه العادمة في مصب عاري ، اسراب الحشرات تزف العابرين زفافا مخنوقا ،نهر صغير يخترق الاراضي والحقول ، تتلألأْ في جريانه امراض بيئية ، اطفال صغار يتقافزون الى الضفة الاخرى تباعا، العدسة تحنط العفن والاوساخ تتمرد على اضواء الخريف ، المدينة لم تعد صالحة للحياة ، الطبقات الكادحة مشدودة الى ارصفة الشحاذين ، تكاثر الغرباء وحولوا ابناء الارض الامازيغ المخدوعين الى اقنان ، السجن القديم فارغ الجدران متصدعة ، تم اخلائه خوفا من انهياره على رؤوس السجناء ، الدكاكين المجاورة للسجن اقفلت لم يعد هناك رواج تجاري ، الكاميرا تلتقط البناية الايلة للسقوط ، حفيان الراس يشعر بالعياء يفك ربطة العنق.

- عييت اجيو نجلسو في مقهى التنس
- عندك باش تخلص ولا معول على شي واحد
- اجيب الله شي ضحية عطاهم الله... القهوة عامرة بلبنات .. فين ما كانو لبنات كاين الضحايا
- يا الله باسم الله

المقهى مكتظة بالتلميذات والشابات، اغلبهن يقبضن بالأفواه خراطيم ويضخ الدخان من الانوف ، الشيشة تقليعة اجتذبت الكبار والصغار من الجنسين ، الطابق الاول والثاني مخصص للزبناء المهمين ، شابات شبه عاريات الا من تنانير وقمصان شفافة ، عشاق ينتشرون في الزوايا المعتمة، تبادل للقبل والعناق الحار فوق الارائك والكراسي ، الكل منشغل بأنثاه ، المقهى ماخور حقيقي يستقطب الباحثين عن اللذة، النوادل يقدمون الوصايا مقابل عمولات ، طوابير من السيارات الفارهة مركونة امام النادي ، الكل يبحث عن الصيد الثمين ، شابات ترتدي شفاههن الاف النداءات ، فيهن إغراء وشهوة الفصول الاربعة ، في ركن غير بعيد وجه مألوف يجلس متوسطا شابين ، امعن عرعور القزم النظر، فتاة تشبه ابنته القاصر زنوبة ، فرك العينين الضيقتين اكثر من مرة ، انها هي الكلبة ابنة الكلبة ، تقيحت في الاوردة الجراح القديمة والحديثة ، في الداخل يتماوج الصخب والاندثار والتلاشي ، استجمع قواه وانطلق مهرولا الى المائدة ، قبض بتلابيب احد الشبان ، سقطت الكؤوس والكراسي ، فر الشاب الثاني بدون التفات ، احتمت الابنة بنادل وانخرطت في البكاء والعويل ، تعالت الصرخات والضحكات اشرأبت العيون ، تدافعت اجساد كثيرة الى الخارج ، عرعور القزم يسدد الضربات والركلات، اسدل الظلام والفتوة على رئة التعقل والرزانة ، يصرخ مثل ثور مقدس جريح ، يلتقط عنق زجاجة مكسورة، حفيان الراس يلتقط الصور ويسجل شريط فيديو للمعركة ، تحضر سيارة الشرطة تصفد الشاب وتعتقل مسير المقهى ، تصادر كميات كبيرة من ادوات الشيشة ، انتهت مشاهد الخصوبة والرعشات والاجساد المستباحة ، الزقزوق استنكر العري واستهلاك الممنوعات واستهداف القاصرات ، في المخفر بكى الشاب بحرقة والم ، اعترف انهما يدرسان في نفس القسم و لا علاقة غرامية بينهما، زنوبة ساهمة تلتهم الارض ينتظرها شوط اخر من التقريع والتجريح والسب والشتم ، استمع اليها بحضور والدها عرعور، مسير المقهى ظل صامتا الى ان حضر صاحب المقهى رئيس الجماعة فلفول كبير المفسدين ، جلس قرابة الساعة بمكتب المسؤول الامني الكبير ، اخلي سبيل الجميع ثمة مصالح مشتركة ، لا يمكن لواقعة تافهة ان تهدم العلاقات الخفية ، الجماعة الترابية تقدم سنويا بونات البنزين لرجالات الشرطة ، استقبلت الزوجة الابنة المحجبة بالاحتضان امام المخفر ، هاتف عرعور القزم يرن بدون انقطاع ، رنت اجراس الفرحة في الحوباء تلاشت سحابة الغضب و الكأبة ، طعم الطعنة يذوب في رمشة عين ، اجاب بتملق وتذلل ظاهر، فلفول يريده حالا بمعية مرافقيه، الصنارة غمست والتقطت السمكة الكبيرة ، تسارعت الخطى والرائحة النتنة تنبعث من الاجساد ، تختلط برائحة المقاهي ومجاري قنوات الصرف الصحي ، امام ابواب المنزل طابور من السيارات الفارهة ، يسمع العواء والتذمر والسخط والتجريح من كل الاتجاهات ، المنزل اشبه بمخفر لجلد الموظفين وفرم المقاولين ، الجاهل يحكم القبضة على الكفاءات الادارية ، فلفول نصب رئيسا ومستواه الدراسي لا يتعدى الخامسة ابتدائي ، المتعلمون والاستاذة والاطباء منحوه شرف سوقهم الى المسلخ ، ثمة رؤوس مستلقية على كراسي المقهى القريبة تتغذى على صفعة الانتظار، كل يتأبط ملفا وطلبا، يمضغون الرغبات العاريات والامنيات الجامحة ، تنزل افواج وتصعد اخرى الى الطابق الاول ، الزوار يتحملون الخطوات المنهكة ولسعات الكلمات المقيتة طمعا في العبور الى فضاءات المراد ، يتعنثر فلفول في وجه ضعاف الناس ويطبطب على من يحملون فوق القسمات شراسة ظاهرة ، كثيفة غابات المطالب و الظنون . يستوي الثلاثة في الجلسة فوق الفراش الوثير ، رائحة العطور تضرب بقوة، الخادمة تقدم مشروبا باردا للثلاثي ، فلفول يلبس لباس نوم شفاف ، فارع الطول ضعيف البنية، الوجه مليئ بالأخاديد والتجاعيد ، جلس قبالة الثلاثي وضع رجلا فوق اخرى.

- نوضتي صداع اسي عرعور
- راه بنتي اسي فلفول عاصرين عليها جوج براهش
-وانت اسي حفيان الراس صورتي الفيديو والتقطتي تصاور
- هذي خدمتنا اسي فلفول راك عارف
- اش من خدمة عندك شي وثيقة باش كتمارس الصحافة ولا غير داخلها بالسباط
- معلوم عندي الوثيقة
- وانت اسي الزقزوق كتغوت تما وتقول هاد شي حشومة وعيب بناتنا غيضيعو وغيخرجو للزنقة بسبب هاد لقهاوي
- قلت الحقيقة
- القهوة مفتوحة للجميع ولي باغية تخرج للزنقة ما بزز عليها حد ...المهم هذا نقاش كبير... عيطت لكم باش نوقفو الخسارات ...
- مرحبا ..حنا رهن الاشارة وحنا ديما معاك

سال اللعاب على الأضرفة المالية الموضوعة فوق المائدة المليئة بالفواكه، تتراقص موجات الطمع في الاجساد المتعبة ، تلألأت العيون على مدار الحديث وذابت سلة الوجع ، كل حروف التملق تنتفض تستعجل الخروج من الالسنة ، رفرفت الخلايا النائمة وتوسدت جدائل المسكنة ، لبسوا كما العادة ثوب العبيد والاقنان ، عرعور القزم يمتشق مفردات بكماء ويرسم مدينة مزدهرة بفضل فلفول ، يتمدد على خلاخيل الاستعطاء والاستزادة ، يلعن الحساد والحاسدين ويعتذر عما بدر منهم في مخاض التوبة ، يطلقون ثلاثتهم زفير الخلاص ، تمتلئ الصالة كما القمامة ليلا بأدعية اشبه بنباح الكلاب ، امرهم بالانصراف لديه اشغال كثيرة ، يتقدمون ويقبلون اليد والراس في خشوع ، تذكار ما قبل الوداع ، غادروا وفي الوجدان رغبة عارمة للعودة للارتواء مجددا، ما يهم في الفترات العصيبة والوقت الشحيح الهرب من تحت المقصلة.
صور الدخول والخروج من منزل فلفول في مواقع التواصل الاجتماعي ، رسومات كاريكاتورية مضحكة متشفية ، تعليقات خادشة للحياء ، دقت نواقيس الاستنفار ونزعت ما تبقى من اعواد التناضل ، في صفحات اخرى نشرت ادق التفاصيل عن ما دار في جلسة الترويض ، وبأحرف كبيرة مبلغ تقديم الولاء، الطعنات تمزق الخونة والمندسين اربا، اربا، يسمع الانين كسوط الجلاد في مسالخ العبودية ، تشم رائحة الحريق من الجثث المتفسخة والمتعفنة على ناصية التسول ، شيخ الصحافيين والكاتب المعروف يدخل على الخط ، يفجر موقفا من دهاليز الخيانة والاستغباء ، يشق الراي العام من العرض الى الطول ويترك زاحفا في نوبة استنكار من حقيقة مؤلمة ، اطلق صيحة الاحتجاج والادانة ، اطلقت المدفعية لدك معاقل الشحاذة ، هؤلاء المرتزقة ينهشون بكارة المدينة الحبلى بالشواذ والسحاق ، لا تسامح مع القوادين الواقفين على ابواب الطغاة ولصوص المال العام ، النقاش يشتد في شبكات التواصل الاجتماعي، يفتح حفيان الراس عشرات الحسابات بأسماء مستعارة ، يدافع ليل نهار عن السقوط المدوي ، الجلسة لم تتجاوز الدردشة والاستشارة ، يلملم احشاء الحروف المبقورة البطون ، تطل حواء عارية حتى النطاق انحرفت مند زمان عن بيت الطاعة ، ترمي بالجمرات ضدا في المتحاملين على الثلاثي ، استدعت العفو عن المقدرة الى لعاب القهر ، لا احد ركع للورد في اختناقات الغضب ، اطلقت في الليل زوبعة الشتائم ، واخترق حواء نصل سكين الابتذال والوقاحة ، الوقت تغيرت كانت الحروب تخاض في الشارع والسلطات تطوق الازقة وتحاصر المحتجين خوفا من الانفلات ، حين يندلق التهور تخدم العصا في الاجساد ، سحل ودم اعتقالات بالجملة ومحاكمات صورية، وتصدر الاحزاب والنقابات البيانات كشكل من اشكال الاستنفار والتعبئة الجماعية، تقام الندوات لتمرير مواقف واشارات معينة لمن يهمهم الامر ، في الوقت الراهن كل شيئ يتم عن بعد ، التحريض على الاحتجاج وضد الاشخاص والافكار يتم في شبكات الفضاء الازرق، اغلبية المتعامل معهم مجهولو الهوية ، القلة القليلة من تكشف عن الهوية الحقيقية.

يمشي شيخ الصحافيين الهوينى في شوارع وازقة مكسوة بالأزبال والغبار ، يطوف بين شواهد الصيحات ويغرق في الاهات ، يحمل الوجع ويمضي في زحمة مصارين المدينة ، لاشيئ تغير سوى الوجوه والاسماء وتكاثر لصوص المال العام ، ازداد عدد المقاهي والزبناء ، كلما ارتفع منسوب البطالة كلما فرخت فضاءات وصالات الانتظار والنميمة ، عربات الوجبات السريعة مغطاة بالعفن والذباب ، يتسلل صوت الامس البعيد حين كانت للكلمة قيمة، القلم طافح بالحكايات والقضايا، مقالات في السياسة والرياضة والفن ، جرائم الاقليم وجدت طريقها الى القراء ، الكلمة النافذة والمقتحمة للمناطق اليباب غيرت العقليات واخترقت طابوهات وعرت شرذمة الفساد ، شيخ الصحافيين كاتب موهوب ، يمتلك نفسا طويلا وملكة ابداعية سقطت من جيب السماء ، السهل الممنوع على الجميع ، منح للصحافة طيلة ثلاثة عقود انفاس الصباحات، كسر واحرج الاقلام المهادنة والمتملقة والمبرنقة ، لا شيئ يصمد في وجه الرياح سوى الحقيقة ، حصن النفس اللجوجة بالشعارات وأنباء الثوار ، المبادئ المتقدمة تصنع المعجزات ، والعظمة والايمان بالنفس تقود الى بلوغ الاهداف، الحياة مجرد فترة عابرة مفعمة بالمكائد والخسائر والاغراءات ، كل الشهوات مجمدة وطريق الحرية دوما مفروشة بالأشواك ، اجرى اتصالات مكثفة لجمع فرسان الكلمة الحرة والنزيهة، الوقت بحاجة لتمزيق الاصفاد ومطاردة الجعلان في مفاصل الكلمات ، لم يفترش بعد لجة الانسحاب لكي ينصهر في زمن العهر الذي يفرد مكانه في الصفوف الامامية للأوباش والجهلة ، دخل المنزل وسحب عشرات الكتب والمقالات عن تقدم الاوطان ، ضربته رائحة الورق واستفاق من لحظات الياس العقيمة وفي لحظة انفتح في الحوباء بركان من اصرار ونور.

- علينا ان نحارب التفاهة ونقف سدا منيعا في وجه تجار الكلمة
- سنحتاج الى اجتماعات مسترسلة لرص الصفوف ووضع خطة محكمة لوقف زحف الضحالة والاسفاف على المهنة المقدسة والنبيلة
- شبكات التواصل افسدت الذوق العام واصبح الكل صحافيا ومفكرا وثوريا....

- الحقيقة دائما تسطع...ولكي نحارب ونحقق الهدف يلزمنا الايمان العميق بالقضية

نفس التذمر اكتسح الرؤوس المحترقة بنار الكلمة الحرة ، كل يقرأ تاريخه الحافل على دفتر التجربة الطويلة ، يستعيد المحطات التي حملته الى المجد والشهرة والانتكاسات والاخفاقات العجيبة ، فكرة الاجتماع هدهدت الاحلام النائمة في الخلايا، جلس مبهورا منزويا في المقهى يدخن بشراهة طرق ابادة الجعلان المندسة في تلابيب الصحافة ، ابتسم حين فكر بصوت مسموع المحارب لا يستريح حاضر ويداه على الزناد لقنص الفاسدين ، لاحت صور الفرسان واحدا تلو الاخر، حميد سطايري حين يفتح الفم تثير الانتباه مكان السن المنزوعة مند سنوات ، غار كبير اشبه بثقوب النمل ، تسائل مرارا عما يمنعه من عيادة طبيب اسنان وتركيب اخرى ، رجال التعليم دائما يشتكون من هزالة الراتب الشهري ، لكنهم ينفقون في شراء العقارات والسيارات الفاخرة ، القلة القليلة تهتم بالمظهر ، سطايري اغلب مقالاته لا تبرح اربعة اسطر ، في الكلمات انكسار وخوف ومهادنة والهرب من المواضيع الساخنة ، من طبعه تملق كبار القوم والتواطؤ مع جهابذة النهب والاختلاس والشواذ ، لم يرفع المخالب لخوض المعارك الاكثر شراسة ، ينتظر دائما الضوء الاخضر ليكتب تحت الطلب ، لا روح في الكلمات ولا سهام فتاكة تعيد الضال الى الطريق ولا تسترجع الحقوق المهضومة ، ورقة سقطت سهوا في شجرة الحروف الحارقة ، لم تنسلخ الروح و الوجه منه بحب الناس ولم يغرق ابدا في مطر الانعتاق ، والقلم لم ينزف مواقفا قوية ولا رماحا فتاكة، مصارين المدينة محتشدة بالفخاخ ، وقف ذات زواغ في قفص الاتهام حين اخطأ وغازل نسيج الضباب ليقتص من مستشار جماعي ، وحيدا هجره اولياء النعم تائه في مستنقع الخوف ، لا حرج في حمل الحقائب وجلب الخمور والرقيق ، الوجه الطفولي سودته ضربات الفقر فاستباح العزة والكرامة، والمدينة تفرخ مئات الاماء والعبيد، وسطايري ليس افضل اختار مند البداية التمترس في الوسط، لم يفتش ابدا في الذاكرة عن اسطرلاب يقوده الى الانفة والرجولة الحقة، ليمشي حرا ويصرخ في وجه الحقيقة وعبثية الوجود ، يرمي بدون رجعة ورقات المماطلة وانتظار الاشارات.
العنكبوت ينسج الشباك حول الكلمة الحرة يزرع مضاجع القرف في الجماجم، طابور طويل من الصراصير يعتاشون على الكلمة يركعون للفساد ويصنعون له تيجان من ركاكة ، قتلة ماجورين يغتالون في صمت ما بناه رواد الامس من احترام ورفع شان لغة الضاد ، يدور كالبندول يستفز فرسان الامس لشحذ الاقلام وخوض حرب على معاول الهدم ، طرق باب بنقيادة الاكول ، رجل فارع الطول قوي البنية، احتقن الوجه حين انعرج النقاش الى ضرورة المواجهة او الارتماء وسط الحثالة ، لا يختلف كثيرا عن حميد سطايري، نهلا من وادي الخنوع والمسكنة، نفس التفكير والعقلية الانتهازية، لم يسبق ان نفخ في الكير ليخرج زفرة انسان مهيض الاجنحة، ابدا لم يثر بركان الغضب في الشرايين ، ويندلق البحر الهائج في الصدر ويغرق الفسدة ، المواقف النبيلة تحتاج الى رجال يؤمنون بقضايا الانسان، وصعب في زمن السفالة والتسول السباحة ضد التيار، بنقيادة يغرف خلسة من نادي كرة اليد مند سنوات ، من يده في جرة العسل لا يقوى على اللاءات ، تتصادم القسمات والتجاعيد وتحمر العيون ، يتضاءل الجسد الكبير ، ينكمش خوفا من ازالة الصدأ عن القلم ويشحنه بالكلمات الرصاص ، يفتر فمه بعد عناء وتعرق عن كلمة يتيمة (سأرى) التي تحمل في الجوف قراءات متعددة ، تنمو ردود الضحك في الخيال ، الوصول الى ما يرضي الضمير من المحال ، لا يصلح أن يكون جنديا للكلمة الحرة التي تدفع الى اخر الضياع ، لكنه في مواجهة الاطعمة الدسمة لا يمكن هزمه، شاهده مرات كثيرة يأكل بشراهة ، لديه شهية متجددة لبلع اي شيئ ، لم يتغيب ابدا عن شهوة البطن ، ثمة جوع متكلس في الضلوع ، يرمق بعيون خاشعة اولياء النعم ويرسل آيات التبجيل والشكر في سفر الانبطاح والاذعان ، وكتب وصيته الاخيرة الى الهة الاستعطاء التي فقات ذاكرة الرجولة واستدرج طوعا الى حظيرة الولاء.

- زمننا انتهى لكل وقت اذان...لكن سأفكر في الامر.. وشخصيا اضم صوتي الى صوت المجموعة...
- علينا عقد لقاء موسع لوقف النزيف هذا الاكتساح والهجوم يضر بنا جميعا وينسف ما بنيناه طوال سنوات من النضال
- حسنا سارى...سارى



المسحوق الكادح المتيم بحب الاخرين وحده من تنهمر وتمطر بداخله بيارق الثورة والغضب، الساحة المسيجة بالإسمنت المسلح فارغة الا من نصب بغلين شاهدين على سوء الاختيار، المدينة حظيرة للبهائم بشهادة زمرة الفساد، بالأمس كانت حديقة وتمت ابادتها وتبليط الارضية بالإسمنت، نصب اخر يحمل في السماء تاجا ملكيا، من بعيد يشبه عضوا تناسليا في حالة نشاط ، تأسف وامطر الفقيدة برزمة من مشاعر الفقد. كراسي المقاهي اكتسحت نصف الساحة، جالسون يجالسون ناصية الازمة يلوكون في صخب روايات الجوع والانكسار والخيانات ،يضيعون على شواطئ الانتظار ،بحث عن نفسه في مفكرات الماضي وحطام المقالات ، فكر انه طارد الاوهام طيلة عقود، المدينة والساكنة لا تستحق التضحيات، جاءه الجواب معاتبا انه ارضى ضميره ونثر بدور الوعي والتنوير في الاف القراء ، قاوم الاغراءات والتهديد والوعيد وظل واقفا منتصبا، شامخا عصيا على الكسر ، لاحت صورة حصار محل الرزق ، عشرات الطاكسيات الكبيرة تسد الطريق ، تنظم وقفة احتجاجية تضامنا مع رموز الفساد ، زعيم البلاطجة الفرشي ينفذ تعليمات اولياء النعم ، سب وشتم ومحاولات اقتحام المحل التجاري ، قبض الكاتب المشاكس ولربما شنقه في الساحة العامة، الامن يتفرج لان كبيرهم نال من الضربات ما خلط في راسه الاوراق ، بدل اعتقال الجناة تركوهم ينشرون الفوضى ، الغابة تتسع لفوضى مدبرة ، تحول الشارع الى ساحة للمتفرجين والغاضبين والمتذمرين جميعهم يصفقون للجريمة في انتظار ساعة القطاف ، حضر صراصير الاعلام بكثافة وقفوا يتهامسون، يتشفون ، يلتقطون الصور يدونون الشعارات الخادشة للحياء، يحجمون عن خياطة واقعة الاعتداء لكي تتناثر وتدخل في النسيان ، تكررت واقعة الاعتداء الهمجي وسط المقرات العمومية في المستشفى وامام مقر الامن ، هجم عشرات اتباع الفرشي على رئيسي جمعيتي الطاكسيات الكبيرة والنقل المزدوج ، تلقى شيخ الصحافيين ضربة على الراس سقط مغشيا عليه، منعت سيارة الاسعاف من نقله الى المستشفى ، ظل مرميا امام باب المنطقة الامنية بدون اكتراث ، يدفع ضريبة الاختلاف على شكل تواطؤات جماعية، تحسس في صمت الزفرات وشمعة الغضب المؤججة في الشرايين ، وجرس الانذار والتخويف يلبس اسمال النغمة القديمة والبليدة ، يشحذ الحس والحدس لطقوس الاستزادة من الاعتداءات الهمجية، فالرجل المهم في الاقليم يرسم الخطط لإفشال انخراط الشعب في ثورات الربيع العربي والبلاطجة ينفذون ، العصا لمن يعصى ويحلم بوطن يتسع للجميع ، الخوف من ثورة على النظام دفع اولي الامر الى استنفار المجرمين وقطاع الطرق ، لإسكات كل صوت يغرد خارج السرب ، الفرشي يمشي في موكب من عتاة المجرمين ، العصابة مدججة بالهراوات والاسلحة البيضاء، تلاحق مسيرات حركة عشرين فبراير في الازقة والشوارع ، اصحاب الحق يرفعون شعارات تطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية ، البيادق يضربون الدفوف ويقرعون الطبول وينفخون في المزامير للتغطية على اصوات الحقيقة ، الحقيقة تزعج قاضي الزمان المدد على فراش وثير، المحاط بعشرات المبرقين وحملة الابخرة ، لا باس من تأجير ابواق الدعاية المغرضة والمضادة ، النضال المبدئي والفكري والسلمي شبهة وجريمة في الاوطان العربية، والجريمة في اشتداد الازمات تصبح اللمسة السحرية والمخرج لوقف الزحف والثورات ، تداس القوانين في سبيل الحفاظ على الكراسي ، واعادة ترتيب الاوراق والمواقف الفاسدة، بفضل الربيع العربي سقطت ديكتاتوريات طاعنة في الفساد والقمع، صعب اقناع رؤوس امتهنت التمرغ في تراب الاحذية وتقبيل الايادي بانتهاء زمن الاسياد والعبيد، السماء بحر يمتد على اللانهاية، الطرقات المحفرة والاسمنت الزاحف على المناطق الخضراء يكشف المؤامرة، حوذي يرقص ثملا يقبل فتاة في الهواء ، يقوس يديه على الخصر ويتمايل على ايقاع بطيء ، يحدثها عن الجراحات القديمة والجديدة والحياة القاسية ، يصرخ متوسدا نزق الشارع ، مازحا على التوزيع غير العادل للثروات ، الحصان المشدود الى العربة يتبول ويتجمع الزبد ، رائحة البول اشبه برائحة الجعة ، شاب في مقتبل العمر يحشر انفه في كيس بلاستيكي يستنشق بعذوبة غراء الدراجات الهوائية ، يهرب من قسوة الحياة ورعونة الوقت الموبوء بالتنهدات والآهات الى مدن الاحلام ، يعلق احزانه المكدسة على مشجب الانتشاء المؤقت هربا من الانفجار لتغيبه المساحات ، ثمة عجزة ينشرون الجثث فوق المقاعد الاسمنتية ، اخرون يلعبون الورق يحتج لاعب على اخر، ترتفع القهقهات والقفاشات، ضحكات تحمل من البراءة شمسا ونورا وضياء ، دوائر صغيرة تضم عشرات الاشخاص يفترشون الكارطون والاسفلت ، متقاعدون من الجندية وحرفيون افلسوا ، لم يعد للوقت معنى ولا للزمن اهمية امام هجمات الضعف و الوهن ، بوصلة التاريخ توقفت عندهم مند سنوات ، رؤوس تحمل اغصان الاشجار وفردة احذية دلالة على الهزيمة ، المهزوم مسخرة بين الجمهرة واللاعبين ، مساكين يرسمون الاوهام متمنيات على شاطئ العطالة.

- العب اسي قدور لوراق في يديك رشاو
- اسكت خلينا نفكرو

- غدي نجلسو نهار كامل هنا ... راه الناس كتسنا نوبتها
- يشريو كارطة وديرو فرقة ديالهم
- ميسة ...خسرتي اسي قدور... برا خلينا نسوطو واحد اخر

غادر الفوضى مؤقتا ورسم للغد قلبا من الياسمين ، رمم الصبر الناتئ واقتفى طرقا مليئة بالترقب ، راحلا صوب اعتقادات راسخة بان الوعي وقود نهضة المجتمعات ، ضاق الصدر واختنق بعوادم الجهل وانتشى الجاهل ، يراه يقهقه في المجالس واللقاءات ، يرفع اكف الضحالة والاسفاف يتبجح في وجه الاغبياء والسذج ، ينثر مفردات النسخ واللصق وقواميس التهجي وبعض من الخرافات ، اللقاء لم يكن في المستوى سقطت الاقنعة ، وصاحب الكلمة الحق نام محتضنا الخديعة ، فرسان الكلمة الحرة ترجلوا من الصهوات وداهمتهم اللامبالاة والتعب ، وحده المهدي المهماز على استعداد للدوس وسحل العفن الرابض في الكلمات والجمل ، يسوق المندسين الى المقصلة يعريهم واحدا تلو الاخر ، استوى فوق الكرسي ارتشف من كاس الشاي بعذوبة ، استعرض في سخرية لاذعة المستوى المنحط للمهنة المقدسة والنبيلة ، على مضض تتحرك تفاحة ادم ، بنقيادة متجهم كما العادة ، خائف ومتحسس من لاشيئ ، لربما يفكر في صحن مرق لتنفتح فيه ابواب الكلام ، حميد سطايري يتلهى بقراءة صفحات جريدة ورقية يصغي إلى ضجة في تلابيب الراس ، تشتد الضجة من جديد ، يزلق الحديث عن اسباب النزول و تومض انوار الامل في مطاردة العفن في يراع الكلام ، حين بلغ النقاش ذروته ، تعطلت فرامل التفكير ، امطرت بغزارة المؤاخذات ، توقف صدى الفكرة وعبرت فوق اوراق ميتة ، انحبس الدم لبرهة عن التدفق في الشرايين ، ولم تبرق سماوات الغضب ولم تمطر ، وتكدس الانبطاح والمهادنة في العبارات ، لا شقيق للمحن والضياء ، شيخ الصحافيين ظل صامتا يسترق السمع ، يدقق في الكلمات والمداخلات الهادئة والذابلة ، يتحمل الاستجابة المنهكة على شفير الاسترضاء لكي تسجل مواقف ايجابية ، اللحظات مشحونة بالأعطاب والخجل ، اكبر اهانة في لقاءات المثقفين والمفكرين تكمن في استحالة الاتفاق على معالجة موضوع معين ، عندما تمطر المبررات بغزارة فان تدبير الاختلاف في وجهات النظر سيؤدي الى النسف ، واخطر انواع المطبات يتجلى في استطالة وتمطيط النقاشات العقيمة لساعات طوال على فكرة لا تحتاج الا عشرة دقائق للمواقفة او الرفض ، في الاحزاب السياسية والنقابات غالبا تتحول النقاشات حول تصريف قضية معينة الى معارك حقيقية تستعمل فيها الكراسي والهراوات ، ويتهم الشرفاء بالخيانة والعمالة وخدمة اجندات اجنبية ، البلاد مسورة بالخطيئة والارواح فاسدة ، المهدي المهماز يمطرق الادمغة الملوثة بالاستكانة بشيء من الانفة والعزة لاستعادة فحيح الحلم والرقي بالمهنة المقدسة لتلد معجزة نظم الحروف صيحات مؤجلة ، تتوهج في المدينة الممسوخة وتنسف حفلات الركاكة والبذاءة ، بيتشو المثقف الذاتي مستعد للذهاب بعيدا لقنص الفئران والجعلان ، سبق ان جسد مواقف متقدمة في مواجهة السلطات الاقليمية ، فتح جبهات الصراع مع لصوص المال العام ، اصدر مجلات ورقية تفضح التعامل بمكيالين وخدمة اجندات حزب سياسي بل وحشد الدعم له عبر استنفار رؤساء الجماعات ودفعهم لتغيير اللون السياسي ، المسؤول الاول ينفذ توجهات حزب الجرار، الجميع حاضرون جسديا لكنهم غائبون فكريا، يلوذون بالصمت ويتقنون رفع الايدي والتصفيق ، هذه العينة الصامتة اخطر انواع المتناضلين وتشكل قاعدة عريضة داخل الاطارات ، المائدة المستديرة تتنفس هواء الفشل في خلق الاجماع ، الشباب انتهى والكهولة تزحف بخطوات حثيثة نحو شيخوخة قاسية ، اصعب الاشياء ان يفقد الانسان بوصلة التفكير ويستوطن فيه الظلام ولا يعبا بالمشاهد الرديئة ويساهم في تجدرها بالصمت.
- نحن من نصنع الطفليات ونساهم في تكاثرها ونتذمر في نهاية المطاف
- سي المهدي الطفيليات من صنع السلطات التي تسعى الى تضبيب الرؤى وخلط الاوراق لضرب المصداقية والنزاهة
- فعلا اسي حميد ولكن ضروري من تحرك لمواجهة هجمات الباعوض
- شبكات التواصل الاجتماعي قلبت الموازين اصبح كل شخص يمارس مهنة الصحافة بدون مؤهلات.. وصعب جدا ان نخوض حروبا ضد الاف النشطاء...
- لا يهمنا سوى هؤلاء الذين يملؤون الساحة نقيقا وينشرون الضحاة والجهل والمعلومات الخاطئة...
- اليات المواجة لم تعد ممكنة اسي المهدي
- لا يضر ان مارسنا الادانة والشجب في المقالات والكتابات في شبكات التواصل الاجتماعي والواقع والجرائد الورقية...

- انتهى زمننا
- زمنكم ... اما زمننا نحن ...قد بدا قبل هذه اللحظات ولسنوات طوال


في النهاية ليسوا سوى بالونات منفوخة بالهواء تنتشر في الضباب ، وسط الحقل تكاثر الذئاب والصراصير ، والمهدي المهماز مصر على المواجهة وفضح المندسين ، الكلمة الجسورة تقضم الحبل السري ، تسكب القار على مناطق الخلل ، بيتشو خبر مفعول الكلمة وقدرتها على كبح المخططات الفاشلة للتنمية ، الكلمة الصرخة تقض مضاجع الفاسدين ، الكلمة الطعنة تنجب ضحايا وتفكك مواطن الشر ، تهتز الكراسي على وقع صهيل الكلمات النافذة ، الحرب تسري في الدماء الحارة للثلاثي الذي الف معارك التمرد على الجاهز والمتكلس والمطحلب ، والنفس الحرة الابية لا تهوى المواربة والخداع ، ولا التلون ولبس الاقنعة كما الحرباء ، يمقتون التواطؤ على الشعب خلف الكواليس ، خمسون عاما والمدينة تنتظر ميلاد صباحات مشرقة ، معلقة على قواميس التهجي والخرافة ، اخفت ملامحها البريئة وداسها البغال وترسل نواحا ولا مغيث ، كل عام يأتي زاني بموشحات تدغدغ الاحاسيس وتحمل المدينة في الهودج ثم الكفن ، الحمل ثقيل والفساد واسع والازمنة موبوءة والكل يترقب مصيرا مشعا ، الشوارع مغلقة نائحة منتكسة في المتاهة ، هرب الجميع وانبطح المتملقون وداستهم حوافر زناة الليل ، خرج الاحرار من صفوف الوهم والتنويم يعلنون الرفض ، من سار على درب الحقيقة صار عبدا لالهة الشمس والوضوح لا يتوب ابدا ، بالأمس استفز زعيم البلاطجة الفرشي داخل غرفة التجارة المهدي المهماز بإيعاز من اولياء النعم ، لم يدر الخد الايسر لتلقي الاهانة الثانية كما يفعل اغلبية خفافيش الكلمة ، رمى النعل بعيدا واتجه نحوه شاهرا قبضة والعيون جاحظة، انكمش الفرشي وبدا يصدر اصواتا اشبه بمواء القطط ، اختبا وراء احد الاتباع المستكرش ،كان الاجتماع يخص نقابة النقل المزدوج ، حضر الاعلام لتغطية فقرات تأسيس وهيكلة الفروع بالإقليم ، التنظيم القانوني يزعج السلطات ، وراء كل تنظيم قوي مطالب قوية وعادلة، تم استنفار عصابة البلاطجة لخلط الاوراق وتمزيق لحمة المهنيين ، هجمت وجوه الشر على القاعة وأحدثت ضجيجا وصراخا عاليا، رجالات الامن يتفرجون على الاقتحام غير المبرر، الشارع يتحول الى حرب داحس والغبراء، تراشق بالسباب والشتائم ، قطع الطريق على المركبات والمارة ، السيارات الموشومة رابضة غير بعيد تنتظر هاتفا للتدخل وانهاء الفوضى ، شرطيون حائرون لوحت ملامحهم بالأفول ، ضرير واحد يتحكم في عميان كثر ويقودهم الى الهاوية. تقاطرت الشكايات على المحكمة لسحب سيف القانون من الغمد ، اعتداءات وضرب وجرح وسحل ، زعيم البلاطجة مطلوب للقصاص ، والمسكوت عنه يلوح في التغاضي المستفز ، فتح الشارع للضالع في غابات الجريمة ، يقود السيارة بحنق وغضب مهيض ومر الى كبير الامنيين ، الاجوبة الباردة والهاربة تزيد الغضب بلة ويأتي العدم ، البلطجي مسنود من اعلى سلطة بالإقليم ، والصبر خان التضاريس وانفلت الى الورق الابيض يرتب للضربات الموجعة، تقاطرت الهجمات وفضحت ارتخاء القبضة الامنية ، مقالات تمزق حجاب التستر على الجريمة ، من طبيعة الناس نسيان تضحيات الاخرين ، نسيان من عاشوا ملوكا على عروش الكبرياء في الخطوط الامامية للمواجهة ، هناك من اسقطهم الضعف والخوف ، وهناك من مزقته الطعنات والضربات لكنهم ظلوا صامدين ، بيتشو رغم الفقر ظل صامدا لم يقايض العطالة بالمنصب ولم ينحن ابدا للريح ولم يدفن الراس في ربوة التملق ، المعادن النفيسة لا تتبدل ولا تتغير رغم عوامل التعرية ، المهدي المهماز صاح بنبرة الشامت اذا كان الكل متفرج وغير معني فلا حاجة لاجتماعات لاستهلاك الكلام الفارغ ، نحن من ترك الباب مفتوحا ليدخل الصراصير والجعلان الى الحقل الاعلامي ، نحن من شجع الهرطقات والهراء والعواء والخواء والصرير، خيم صمت جنائزي على القاعة الصغيرة، التهمت الصرخة المقتحمة الجدران ، رسم صورة قاتمة بكماء ودروبا الى الحقيق ، لم يبق في البندقية اية رصاصات.

- نحن من نصنع الفقاعات ونزكي بالتواطؤ والصمت الفساد...كل شخص هنا محترم رايه ولن نطلب من احد التمترس مع فرسان الكلمة في الخندق لمحاربة العفن وطرد الجيفة.

اسماء كثيرة ركبت صهوة الكلمة وانسحبت في هدوء ، جف المداد في اقلامهم وداست العلاجيم مواجع الاحلام في غفلة وسيجت الذاكرة بالفتور والتراخي والحذر ، قليلون من رفضوا الاستسلام لان الضوء حتما في اخر النفق، الحياة تحتاج دائما الى مغامرة تشعر بالعيش بكرامة، ينقل حفيان الراس البصر بين المحلات والمقاهي ، يحدق بعينين فارغتين في المارة ، في الحوباء يهطل مطر الاستعطاء، الحاجيات اليومية تثقل الكاهل ، تنتظر بشكل قبيح على ناصية الاوردة، لا يجيد اي عمل سوى الشحاذة والتودد للخونة، في اليد ترتاح الحقيبة، البارحة تم صلبه في شبكات التواصل الاجتماعي ، شيخ الصحافيين والمهدي المهماز امطراه بوابل من الرصاصات ، قرا المقالات اكثر من مرة ، قطعوه شعرة، شعرة، احضروا تاريخه المزدحم بالضجيج والاغتصاب، شاهد كم الإعجاب والمشاهدات فأصيب بالذهول ، تعاليق مستفزة ونقاش قوي ، اصيب في اول الاسطر بعسر فهم وتلبك ، مفردات صعبة تحتاج الى قواميس لفك شيفرتها، جمل سلسلة متناغمة تحمل رسائل مطلسمة وواضحة ، المهنة المقدسة مخترقة من الجعلان والعلاجيم ، اسماء بدون مستوى فكري ولا شواهد جامعية ، الدولة مسؤولة على انتشار الرداءة ، رفعت الانخاب في سواحل التعرية و شواطئ الهزيمة، ازيح الستار عن تمثال الركاكة، حفيان الراس يختنق في منصات اعدام الجهلة، الرجم ينخر الجسد الممتلئ بمفردات النصب والاحتيال ، يشتد الحصار والرجم ، شتائم نشرت على حبال التقريع ، لعنات السماء ترشق أبالسة المدينة ، يختفي تحت ازيز الكلمات المقتحمة وفصول التعرية وصفارات الإنذار وزئير سيارات الإسعاف ، جمع اقلامه ونعاله واختبأ في بركة الصمت هربا من غارة صقور مفترسة، صلبت الشطحات والمناورات البخسة على رصيف تتويج العبث وانهار كلية تحت حوافر الجياد ، لا يمكن ان تخوض حرب اللغة بلسان مقطوع وقلم يغمس في مقبرة الكلمات المبعثرة والمدلهمة، توج بعد اسبوع من الحصار فارا من لكمات الحقيقة.
يدندن مع قشعريرة نابتة في المفاصل اوجاع الحرمان ، يرخي في بلادة رسن التأمل وينتحر في الفراغ ، ابتسامة بلهاء معلقة في الشفاه يحيي بعض المعارف بحذر شديد، الجسد جيفة تنهشه كلاب ولقطاء الازقة ، في الدماء يراقص هالات الدخان المر ، ضبط متسللا الى حقول الاخرين ونحل حزمة من التعابير والاقوال المهربة وبات مطلوبا للعدالة. وجده في المحطة الطرقية يزدرد صحن مرق ، المسرحي حليق الراس ذو شارب كثيف ، سحب كرسيا واستوى جالسا، مد اليد الى الرغيف دون اغتسال ، دفع اللقم في الفم وسالت قطرات المطرق على الذقن ، مرق بمعدة الخروف والبطاطس والفلفل الحار، العربة/ المطعم المتنقل تجدب العابرين والمتسولين ، وجبات شهية بثمن بخس ، ارتبط حفيان الراس بالمسرحي حين رفضت جهات متعددة تمويل عمل مسرحي ، ولأنه رفض الانبطاح والبحث عن الشفيع فقد فضل الدخول في اعتصام امام المؤسسة الدستورية، بات في العراء لأكثر من يوم ، حين تجاهلوه ولم يسمع صوته، دخل في اضراب مفتوح عن الطعام، الموت ولا المذلة لافتة معلقة على عمود كهربائي ، وجد العزاء في صراصير الاعلام ، كل يوم تكتب مقالات منحولة الاضلع والجذوع تخاط بلعبة اللصق السريع ، الرداءة بطعم العربدة والنكوص تفرز لغة عصية على النطق والفهم ، لكل سلعة مستهلك في شبكات التواصل الاجتماعي ، نقلوه في ليلة الى المشفى سقط مغشيا عليه، تدخلت نقابة الفنانين وادانت اقصاء رجالات الركح من المال العام ، ظهرت صور المسرحي الغاضب مع اعلى سلطة بالإقليم محاطا ببعض الوجوه ، البسمة تعلو محياه ،تجشا المسرحي واطلق ضحكة مجلجلة، حفيان الراس يتكور صامتا بين ذراعي كاس ماء ، تمشيا قليلا ودعاه الى وجبة سمك يهش بها نعال جنود الجوع ، طبق معدة الخروف والمصارين لم تكن سوى وجبة لإسكات عصافير البطن ، استقبلتهما الروائح الكريهة للسوق العشوائي لبيع الخضر والفواكه ، عشرات الاعشاش البائسة المنصوبة في الهواء، قطع الكارتون والبلاستيك والاثواب المرقعة المشدودة الى دعامات اخشاب واسلاك ، حي حقيقي مكتوب بضجيج الغثيان ، قطط تفترس بقايا السمك ، احشاء ودماء ورؤوس وبقايا خضر متعفنة منسية مند شهور، سوق السمك مسيج بعربات الخضر والفواكه ،يدخل باحة السوق ، ازبال مرمية بدون اكتراث ، بالوعات الصرف الصحي تقيئ القذارة ، جيوش الذباب تستقبل الزبناء بترحاب كبير، مكشرا عن انياب الصمت سحب الكاميرا وبدا في التقاط الصور بسذاجة مفرطة ، رائحة طاجين السمك تمتزج برائحة القمامة ، المسرحي منشرح الاسارير عاش سنوات يعتاش من بيع السمك ، ضاجع بكارة الامل بحبات العزيمة ، قاوم طعنات الوقت بالصبر في زمن الصراخ ، لم يستسلم قايض هوس وشهية الرقص في حدائق الصبار بالصبر والمران الطويل ، باع السجائر بالتقسيط ليقهر الانين في معصم النهار ، لعب ادوارا في افلام ومسلسلات ، واستوى اسما مطلوبا للشاشة الكبيرة ، الملعقة تقلب لحم السمك ، يرفع بعضا من المرق يتذوق ، المرق حار جدا والخضر طازجة، صوت التذوق ايقظ الجوع في الابدان ، لاحظ ان حفيان الراس صامت على غير العادة ، من تصادم النظرات فهم ان هناك خطب ما، ثمة رعشة تسبح فوق حبال الصوت ، ثمة خوف وحسرة مسافرة على القسمات ، يفرز الالم والانقباض فوق عقارب اللقاء ، ولا وسادة تنسد اليها حقائب التشكي والاستنفار ، ملتاع بقسوة حمى اندلاق وتكدس الهموم، سحب من الجيب الهاتف النقال ، فتش في محرك البحث غوغل ، وقف على مجموعة مقالات تتناوله بالنقد والتسفيه، صور كاريكاتورية معدلة مضحكة ومستفزة ، غاب الاسم والنسب ، لقب حفيان الراس يكتسح صفحات التواصل، حفيان الراس يتسول امام المساجد، حفيان الراس كلب يلعق احذية المسؤولين، حفيان الراس عاري حتى النطاق اشبه بمسمار غليظ الراس ، حفيان الراس يعرض الزوجة على المارة مقابل بدلة وربط العنق ، الاعداء نقلوا جمر العدوى بسرعة البرق ، المدينة منشغلة بالحرب الباردة الدائرة رحاها في الفضاء الازرق ، لا احد يوقف القيح المتفجر في الجمجمة ، تلقفته في لحظة نسيان تنهيدات وارسل اهات ، لم يعد قادرا على امتصاص اللكمات ، يسود الصمت لبرهة ضائعة، ضحك المسرحي كثيرا ضحكات زادت من حنق وغضب المشتكي.

- علاش طالع ليك الدم ...لي بغا يكتب يكتب...واش كتسنى غيرميوك بالورد والياسمين..هذي حرب وعليك الاستعداد لها...ما عندكش الاسلحة خوي الساحة
- ولكن باش غدي نعيش راه معندي حتى خدمة .والصحافة لقيت فيها راسي
- واش هاد الناس ظلموك ...هدو كاملين كنعرفهم... شيخ الصحافيين والمهدي المهماز.هدو هما الخطر وتوقع منهم اية حاجة... والمجموعة الاخرى ساهل التعامل معها
- اشنو المعمول اسي الفنان والمسرحي الكبير
- خلي دابا ندير معاهم شي جلسة ويمكن نصلحو الجرة

الشمس تلحس في تحد الوان الواجهات الباهتة، تنشوي اشارات المرور، تتلوى الاشجار القليلة في الشارع الذي يشطر المدينة الى نصفين ، محطة الوقود تستقبل عشرات الاشخاص يوميا، متسولون وسماسرة ، متملقون ومبرنقون وقوادين ، حملة الابخرة والمجامر ، عبدة الاصنام واهل الدياتة، يتكور الاربعة في خجلهم امام فلفول كبير المفسدين ، من اراد امتهان الشحاذة عليه بالعائلات الثرية ، عيد الاضحى على الابواب والجيوب مثقوبة ، عرعور القزم يرفع اكف الضراعة الى السماء يمطر ولي النعمة بوابل من الدعوات ، رددوا شعارات التمجيد والرجل المناسب في المكان المناسب حين أطلقت المدفعية أولى طلقات الاسترزاق والتملق ، حفيان الراس يتلو بصوت مسموع آيات قرآنية مبعثرة، وابتهالات من شريعة الانبطاح ، الزقزوق يبسمل في تخشع ، يعرض خدمات ويقسم انه سيكون عونا وسندا في الاستحقاقات المقبلة، لديه جيش من الاتباع في الأحياء ، يكفي ان يرفع اليد ليهبوا للاصطفاف بجانبه ، يحملون المتوج الى جغرافية الامكنة المنشودة ، المنحور يطيل النظر الى الصور المعلقة على الحائط ، والدا فلفول في ريعان الشباب ، يقال ان الاب سرق اموال المقاومة الوطنية المخصصة لشراء الاسلحة لمواجهة الاستعمار الفرنسي وهرب الى بلاد المهجر ، عاد بعد سنوات متأبطا ذراع افرنجية، اشترى الاراضي الفلاحية والبقع السكنية ، فتح محطات بنزين واقتنى عشرات الحافلات ، المنحور يتفرج على الشحاذة والمسكنة ، رؤوس مغيبة لم تضع اوزار الخطيئة بعد وتطلق الانكفاء وتمتهن الكرامة، يثغو الكبش في المصارين ، تلمع السكين الحادة في النحر ، اسياخ اللحم فوق المشواة ترش الدخان في الهواء ، تتحلب الافواه وتهرب من جب التهميش والفقر مؤقتا، الأضرفة دسمة والادعية ادسم ، تكرر المشهد في مناطق عدة في الاقليم، المناسبات الدينية والوطنية فرصة للاستعطاء وعرض العاهات ، دورات المجالس الجماعية عرس حقيقي للشحاذة، لا يحتاج الامر سوى كاميرا وبطاقة مزورة للصحافة وبعضا من التبجح والغطرسة وتجحيظ العيون ،كن جسورا وكاذبا وانيقا ليكتمل المشهد، جرح التسول غائر في اديم الجماجم لن يندمل بلعنة وتسفيه في المقالات، يحتاج الى هبة وهجمات مسترسلة.
موهبة الكتابة المعبرة والهادفة والمقتحمة والجريئة وحي إلهي ، الكتابة تحتاج ايضا الى مخيلة خصبة ودسمة ، تحتاج الى الشجاعة والجرعة الزائدة لاستفزاز الاخر واقتحام الطابوهات، ان تحلم دوما بسرقة الفجر من افواه الخونة وقطاع الطرق ، ان تدع السم يسري في اوصال الجناة ، تقضم النهارات بالعناد والتمترس في بساتين الحق ، تختبئ مرات عدة داخل الورد ، تعبث بالكلمات لتفسد راحة الجالس على الكرسي ، من ثقب الحروف ترى الدنيا بلون وطعم اخر، تنبث لك اجنحة من حرير وتطير في السماء، ينبعث من نبض الصمود قوس قزح ، ومشاتل الحان من ترنيمات الشمس ، استدرج حفيان الراس الى حقل الرماية، يمتطي شيخ الصحافيين براق الشوق والحنين ، وسحب من الجمجمة المقصلة والساطور وفخاخا لطرد لعنة القبح ، فأقام مهرجانا للفضح والسحل على ظهر الريح ، صراصير الاعلام نسجوا خيطا من القار شوه البياض ، وعامل النظافة يستعد لكنس القذارة المندسة في سجلات النسيان ، ليحضر النقاء بصخب في انين الكلام المشدوخ ، شيخ الصحافين اخرج العفريت من القمم ، اقسم ان يوزع بطائق الرحيل للمتسولين والقوادين والشحاذين ليسلكوا طريق اللاعودة ، دون وداع اخير ولا تلويحات باليد في محطات الهرب الى مناطق اكثر دفئا ، رحى الحرب تدور في شبكات التواصل الاجتماعي تاتي على الاخضر واليابس ، تستحضر اقبح التفاصيل الشخصية ، حفيان الراس يتلقى الضربات والركلات ، يتضور اوجاعا ويفتح عشرات الحسابات بأسماء مستعارة ، تتوالى الهزائم والهجمات ، يزال الستار عن المندسين في مهنة المتاعب ، توالدوا سفاحا على افرشة التساهل ، شيخ الصحافيين يحشد الخناجر والسكاكين يذبح الجهلة من الالف الى الياء، قصائد هجاء بالشعر العامي وتدوينات مضحكة تبحث في ركام الخيبات ، كل يوم صفعات وتمرين في القصف المركز ، المهدي المهماز يرفع الايقاع ، يضع الاصبع على مكامن الجرح ، حفيان الراس مادة دسمة لهواة الرماية ، تقاطرت الاسئلة في التعليقات عن مستواه الدراسي وان كان يتوفر على بطاقة صحافي مهني كما يدعي في الاشرطة المصورة ، جاء الجواب عاريا بان حفيان الراس ينتحل صفة ينظمها القانون ، شكاية وجهت الى وكيل الملك تطالب بالتحقيق في ملابسات فتح موقع الكتروني مشبوه لا يخضع لقانون الصحافة والنشر والنصب على الابرياء.

- نعم تعرضت للسب والشتم من طرف منتحل صفحة صحافي مهني واطالب بتطبيق القانون واحالة المتهم على العدالة للادلاء بالوثائق عن سلكه المساطر القانونية لفتح موقع الكتروني .
- هل لديك ما يفيد واقعة السب والقذف
- نعم ...قمت بتفريع ادوات الجريمة عن طريق مفوض قضائي وقدمتها للمحامي
- حسنا سنستدعيه للبحث والتحقيق وسنطلب تقديم ما يفيد امتهانه للصحافة بناء على تعليمات النيابة العامة.
- شكرا
- العفو

أرتقي وهج السؤال ليلثم صرة الجرح ، يداعب عنق المتهم في جنح الظلام ، وسكين يهدد ضيوفا ثقالا يمرون في الخيال ، تطول الاتهامات تكاد تبقر بطن السقف والجدار وتقشر الطلاء الابيض فوق المكتب ، تناثرت الجرائم وخنقت الهواء في المكتب الصغير ، طقطقات الاحذية في الادراج واغلاق متهور للأبواب تفتض السكون بين الفينة والاخرى ، الدخول الى المخفر يحتاج الى كشف الهوية والمراد من الزيارة، ترك الهاتف النقال وحمل بطاقة زائر من ضروريات الولوج والاستفادة من الخدمات ، في الباب الرئيسي عشرات المرتفقين ينتظرون نوبتهم ، عانقهم الانضباط على مضض ، انضباط طبعا فرضه الخوف وليس احتراما للأسبقية ، ثمة شرطي ممنطق بسلاح يحرس الطابور الطويل ، تسائل ان كان السلاح محشوا ام مجرد ديكور، السيارات الموشومة رابضة في الساحة الواسعة ، المحقق كان لبقا ومتعاونا ومتفهما، تبدلت اشياء كثيرة في الوطن ، اختفى من المخافر الترهيب والتخويف والصراخ والعويل ، اصعب شيئ في مراكز الشرطة الان ان تضرب بالقلم لا بالقدم.

توالت الزيارات لشيخ الصحافيين ، وفود حفيان الراس ترجع خاوية الوفاض لا تنازل ولا تسامح ، القانون وجد لتقليم اظافر الجانحين والمخالفين وهواة النصب والاحتيال ، المسرحي يتلو آيات المتهم الذبيح ، والذئب المتربص يشحذ انيابه يلهو في المياة الراكدة ، كل الزوارق الهاربة من الرصد والتعقب تغرق على مشارف الشاطئ ، افكار عقيمة تفترش سماء المسكنة مدثرة بعباءة النسيان ، لم يخجلوا حين يطلبون من الضحية مسامحة المجرم ، اين كانوا حين كان ينام تحت سماء الحريق ، يتبادلون التهاني ويطلقون في المقاهي والحانات عصافير الانسجام والتشجيع ، يحتشد كل مساء عشرات الاسماء على بوابة المسامحة ، وثمة من يسكب في الاحاديث ماضيه الملوث ، حفيان الراس احترف النصب والادعاءات الفارغة امضى حياته متأرجحا بين شقشقات اللاجدوى ورقصات اللامعنى وتخاريف اللامعقول ، بشر اشبه بعلبة خراب تحرسه الهة النسيان و الوهم ، يمتعض شيخ الصحافيين من شرذمة المدافعين على الخطأ، مطالب سخيفة تنتهك الجمجمة واجراس تحتضن بدون خجل كومة الصدأ والميوعة ، وجوه تنزع اقنعة المواقف المتقدمة تتنفس رائحة الذل ، لا يدافع عن نصاب جاهل وامي سوى نصاب مثله، سقطت الفكرة في الدماغ كركام الاحجار، الاصوات الحرة نادرة تختنق بين كؤوس النفاق ، تاجر البصل القنبوري ظل يراوغ ويبحث عن مدخل للموضوع ، ولا يمل من افراز غازات التودد ، جميع الحكايات المضمخة بالإشارات سقطت على مفترق الطرقات ، لم يرفع الوشاح على المبتغى ، ظل يدور في دوامة الكر والفر ، صافرة توسل تطلق من الحنجرة ، ترددت كلمة ( مسكين) عشرات المرات متلعثمة في النطق ، القنبوري يدعو الى حفلة الكذب على طاولة المنغصات ، اياما كثيرة اتخم بسماع قصص الرحمة والرأفة والعفو عند المقذرة ، وجرعات منوم الميتافيزيقا المقدودة من الكتب المقدسة ، يفتشون في فوارغ الطلقات بدون فائدة، فالقوس اشتد ايها السادة وانطلق السهم.



- وا سي مول لعقل واش غدي تعاند مع برهوش ديال لخلا
- علاه ما بقاش صحفي مهني ولا برهوش
- اودي راه غلط وحشومة يمشي للحبس على ود غلطة كياكل منها الخبز
- راه جريمة شكون قال لك غلطة... بحالو خصهم الحبس باش يتربى وقلب لو على حرفة وعري على كتافو ياكل خبز الحلال...بحالكم لي كيشجعو تكاثر الصراصير و الاقزام..
- المسامح كريم
- اشوف المخزن اسامحو ...

جلس شيخ الصحافيين ذلك الصباح الى الحاسوب ، ينقر برشاقة على لوحة الحروف ، يبحر في الشبكة العنكبوتية، يلاحق قصاصات الاخبار، مشاكل في اكثر من بقعة ارضية، وتطاحنات عرقية وابادات جماعية، الصفحات تضج بوباء كرونا وعدد القتلى والمصابين ، جاء الهاتف في الطرف الاخر فاعل خير، وجب الاحتياط والاحتراس من فاعلي الخير ، الاشباح تتربص بالأعناق ، تسعى لإطفاء جدوة النور في النفوس الطاهرة ، افساد الصرخات في وجه الظلم والقهر والعسف ، شيخ الصحافيين مر بتجارب قاسية، سحبوه من بركة الحقيقة الى جب تهم الزور، ارادوه نازفا حد الهلاك بدون صوت ولا صورة، اثخنوه بالطعنات ومشى منتشيا من كثرة القروح ثائرا كالبركان ، حاصروا شرايين التحدي والاباء رجعوا خاسئين ، طينة نادرة تقترب من الانقراض ، تاريخ الخيانة في المدينة موجع، تركت طموحات واحلاما عائمة في براثن الخراب ، عاين اسماء صعدت الى القمة في لحظة شرود، اكلت حتى التخمة من طعام السلطة ، اسماء ولدت من رحم النضالات الشعبية واختارت في لحظات ضعف او طمع تغيير الوجهة ، استهلكوا بما فيه الكفاية وتخلصوا منهم مثل النفايات ، حاولوا النهوض لكن فات الاوان ، من خان مرة يخون الاف المرات ، ترفع درجات الحيطة والحذر والتبرم في مختبرات الشارع، حصل ذات مرة ان مسؤولا سلطويا اراد اختراق حركة المعطلين الصاعدة ، اختار شابا مجازا طماعا مشكوك في ولائه لقضية مبادئه وفكره ، قربه ومكنه من مسؤوليات مهمة في الاقليم، يجلس كل صباح بمقهى في الشارع الرئيسي ، يضع قهوة سوداء وعصير الليمون وعلبة سجائر شقراء محاطا برجالات السلطة من رتب دنيا ومتوسطة ، الاهمية تنبض مع اوامر مقطرة في قعر فنجان ، اصبح شفيعا للموظفين والمعطلين لدى المسؤول الاول، لا حاجة لابتلاع مخاط الانتظار على وثيقة او طلب معقول ، مكانة تسبح في غيوم الربيع ، بعد سنتين من الاستعمال انكسر الطموح الجامح في المخيلة، تبخرت القيمة من أولى طلقات التصادم ، ولد مارد مهلهل رشق بالتهم اعلى سلطة بالإقليم هربا من لعنة التدجين ، لفظ عاريا من الأعلام والمبادئ والشعارات ، انتهى تاجرا منبوذا داخل كشك امام المحكمة يرقن الشكايات والتظلمات، في الكف صراخ شابة تشتهي استعادة البكارة ، لا احد يرمي عليه تحية التوبة، فات اوان رفع شارة النصر والشعارات ، على الوجه يحمل الخطيئة ماضغا في الحلق مفردات الهزيمة، من يومها لم يستطع الخروج من الزنزانة الانفرادية، افرد افراد البعير المعبد، لم يبق له شيئ سوى الظلام والتشفي .

- ثلاثة وصاو عليهم جدود دير منهم اطانسيون: المخزن والعافية والعود الحران
- كاينة...
- شفتو الوشتان خدم به المخزن حتى عيا ورماه بحال الجبيفة
- هو لي بغا ابيع راسو رخيص

تتهاوى قلاع حفيان الراس المندس في مهنة المتاعب كسراب تسلل الى الاوردة وتلاشى ، فاعل الخير اخبره ان صوره تشوى على نار هادئة عند المشعوذ تثقب بالإبر ، حفيان الراس وامه يطلبانه لحجرات الصمت و التضبيع ، نفحا الدجال مبلغ مهما ليستوي الامر ، الابخرة تتصاعد من المجمر ، تلا الدجال على المسامع كلاما مبهما، رش محلولا على الجمرات المستعرة ، سحب كتابا ضخما وورقا ابيضا، رسم مربعات ودوائر ومستطيلات ، في شغف ولوعة وصبر ينتظر وعود الدجال بان يرمي شيخ الصحافيين الى الربع الخالي ، فما عاد في الجمجمة مكان لضربات اخرى ، ولا في الجعبة حيلة تنتهي بالانتصار على فرسان الكلمة وقفاشات الساخطين على انتشار الضحالة و الرداءة، خسر في لعبة نظم الكلام حين اغتر ولم يلجم فرس الاندفاع والحماقة وخانه في اول نزال لطمة الحدس ، طعن نفسه بمدية الجهل والاستعلاء ومشى في الجنازة حقراء القوم والسفلة والافاقين .

اجتمع في ذلك المساء مع الاوباش وكل الذين يحملون جراثيم وامراض نفسية مستعصية على البلع، طرق ابواب اولياء النعم من الحثالة، يطلب النجدة فرجلاه تلعبان في الهواء، المورصو وسيط الدعارة سافر الى مدينة اخرى محملا بالرقيق الابيض ، لم يعد يرد على الهاتف كما في السابق ، والدعارة التجارة الوحيدة التي لا تبور ، السوق مكتظة بالزبناء والذئب ينام نوما عميقا على وسادة الجراح ، الحياة مليئة بالتناقضات والاسئلة المحيرة ،يتفقد في تهور قائمة الاسماء في الهاتف ، منصتا لمواء تحت الجلد، يشعر بالانقباض و تخرج التجاعيد من فروة الراس ، يحس باقتراب الايام القاحلة، لعن شيخ الصحافيين وتمنى له موتا بشعا، تذكر المشعوذ يناوله مبلغا مهما ليستخدم العفاريت والجن ويكبلوا العدو تكبيلا ابديا، وكيف غامرت الام بالانتقال الى المحل التجاري وارادت سكب المحلول المطلسم على العتبة ، حنطت الكاميرا الحركة المشبوهة للمرأة الملثمة، تعبر الشارع محملة بأكياس للتمويه ، تتوجه مباشرة الى الدكان ، حاولت فك غطاء قارورة صغيرة ،الايادي لم تطاوعها والخوف اضعف القدرة على الحركة، استفسرت من شابة عما تفعل، ارتبكت وهرولت الى دكان مجاور، افلتت من قبضة شيخ الصحافيين ، راقب حفيان الراس الام من بعيد هاربة بجلدها، خمن لو تمكن منها لا صبحت الفضيحة فضيحتين ، لربما اتهمت بمحاولة اضرام النار او تسميم صاحب المحل التجاري الذي يظهر من بعيد اشبه بصعلوك سكن مفاصل ايامه، ذنبه انه يريد مسح ادران عفنت اوردة طهر الكلمة ،تائه بدون اتجاه لون السماء باهت ، والصيف حل بالأشلاء مبكرا ، لأول مرة يشعر بان البدلة وربطة العنق والكاميرا والمحفظة بدون قيمة، اللعين افسد حلمه الكبير في ان يصبح صحافيا بدون شهادة ، تأسف لدخوله حربا ضد شخص افنى حياته في الكتابة ، ما فائدة التواجه مع متمرس في اساليب حروب الكلمة، الم يكن من المفيد احترام الرعيل الاول ، الاستفادة من التجربة والخبرة، نزع ربطة العنق ودفعها في المحفظة السوداء، الانهزام يغزو قماط الولادة المشوهة، في المخفر طلب منه تقديم ادلة عن ممارسة مهنة الصحافة ووثائق الموقع الالكتروني ، ارعبه المطلب القانوني ، احس بالعرق يهبط من الابطين باردا، ودبيب الخلايا هارب الى مفرمة القانون ، اطلق في رمشة عين زفرات التملص ، رمى بأسماء على سلة الوجع ، لم يقترف جرما، يريد ان يخبا عجزه في مهنة المتاعب المشرعة الابواب ، الوجه يتعرق يقطر شحوب الحنق في شوارع تهرب من التفاهة، غطست رجلاه في بركة ماء ملوث ، الحذاء الاسود الملمع والجوارب تبللا، التسكع فوق فرسان الريح ومقارعة اسئلة مخصيه افقدته البوصلة، جميع الافكار تقود الى طريق ما بعد الصفعة الاخيرة، عاوده الحنين الى صحبة الامس وولائم الامس ، مرات عدة جلس في الصفوف الامامية، يتلقى الدعوات واحترام المسؤولين ، ينفح مبالغ مالية على الخربشات الفظيعة ،الهاتف لم يعد يرن كما في السابق ، كل شيئ انهار دفعة واحدة بطلقة طائشة ، انتابته نوبات اختناق واغرورقت العيون بالدموع ، ابتلع اخر مسكن من أكسير الوهم، شحاذ يتفرج في جنازة الارصفة المغتصبة من قبل البائعين ، لاحت صورة الزوجة الفيلة والام عاملة النظافة في الادارات ، امام المؤسسة الدستورية توقف طويلا ، هنا تلقى اولى الصفعات من كبير المفسدين فلفول ، وفي المساء قبض ثمن الصفعة في محطة البنزين بتدخل عرعور القزم ،ترقص النوافذ والابواب على الجرح المندمل، المنحور المهووس بمكبرات الصوت والوقفات الاحتجاجية يجلس امام الدكان ،استقبله بترحاب كبير ولاحظ ان حفيان الراس ممتقع الوجه ،افترش الارض بقوة ورمى المحفظة جانبا ، خمن المنحور ان حرب شيخ الصحافيين على المندسين وصراصير الاعلام حصدت الرؤوس اليانعة.

- مالك اسي فلان واش طاحت عليك سما
- اودي هاد لبلاد فيها الحكارة
- ما حكرك حد انت لي فاتح جبهات كثيرة ما وقرتي حتى واحد..او ما عندك حتى وثيقة صحيحة
- كلشي مرون في لبلاد
- اييه كاينة روينة في لبلاد ... لكن بنادم شاد تقارو مكينقز على لحرافية... ودابا شكون افكك من شيخ الصحافيين
- فراسك الفيلم...
- راه كان عندي البارح حكا على كولشي وما غيتفقرك معاك حتى تدخل الحبس عقل على هاد الهدرة
- الله يستر وصافي
- اش هداك حكم الادانة لي سمعت ضدك من مشتكي

- ايوا خوك ولا مجرم ...
- ما عليك غير تخوي لبلاد... تلاقيتي مع جايحة
راقبه يرتعد بشدة ، الشفاه تنشف ،تزرق، يبتلع اللعاب بصعوبة ، سقط من على الكرسي مغشيا عليه ، قفز المنحور من مكانه، مدده على الارض ورش الوجه بالماء البارد، انهال على الخدين بضربات خفيفة ، استعاد الوعي رويدا رويدا ، يشعر بارهاق وضغط كبير ، رجالات المدينة استعبدوه ، استحضر كل اساطير الكرم والاستعطاء، مخاوف كثيرة من الغد تلوح في المخيلة ،تنهد تنهدة عميقة ، الوقت فات لا صلاح المنكسر، يوم الحساب والعقاب اقترب بشكل رهيب ،ثلاثة سنوات من الاندساس في المهنة المقدسة، ثلاثة سنوات من التزلف والتملق والتسلق والادعاءات الفارغة ،في رمشة عين سرقوا احلاما وعنجهية وانتفاخا ، اشعلوا الحرائق في السفاهة والضحالة ،اغلقوا نقطة الضوء اليتيمة التي تغسل ادران الحرمان، وانطفأت انوار البهجة وارتفعت درجات الخيبات في مختبرات توليد المعاني ، مد له كاس شاي دافئ ، سقطت دمعات دافئة على الخدين ، لم يعد كثير الكلام كما في السابق ، شارد الذهن مشتت التفكير ،يراقب المارة بدون وعي ، الجثة حاضرة و الجمجمة مغيبة ، لأول مرة يجلس عاريا من النفاق ، يتعقب في صمت مزاج حالة الطقس ، السماء غائمة لكنها لا تمطر ، سقط الكاس من اليد وتهشم الى قطع صغيرة، المنحور يطلق شتيمة ويستعيد من الشياطين والابالسة ،استيقظ حفيان الراس على شخير الشارع ، ولعنة المنحور ترمى على جثة آيلة للبكاء والنحيب ، تنكمش الكلمات من مواسير الخوف ، وتهرع الى فراديس القحط والفقر، من سيعيل الاسرة حين قطعوا مصدر العيش السعيد ، جاءه الجواب مقتحما، حادا كالنصل، ابحث عن حرفة محترمة وعش كريما ، الدعوة الى الكرامة ممزوجة بأهازيج الموت البطيء ،كلام المنحور قاسي جدا، صورة هاربة من الحقيقة العارية، افضل الف مرة من ان يسوقه الجلاد متلبسا الى ساحة الرجم وسياط الادانة، النبضات ما تزال تهتف للتجول في الحقل الإعلامي ، ثمة وجع داخلي اشبه بمخاض الولادة يحثه على الاستمرار ومواجهة الاخر، لكن الطعنة اكبر من التحدي والاصرار والمناورة، والبندقية فارغة لم تعد فيها طلقات، تاتي السموم من الشارع منفلثة من مؤخرات القهقهات ،يقرا في النظرات شماتة لا محدودة، على وشك الهرب متخفيا بين نهود الزوجة الفيلة الاشبه بالعجلات ، الطريق الى المنزل متبعة جدا، والجوع يفتك بالأمعاء، تذكر انه لم يأكل ولا وجبة مند الامس ، رمق القنبوري بائع البصل يصرخ بأعلى صوته.



- بصل طرية ، بصل طرية، يا الله ألالة..يا الله آ الحادقة كيلو بدرهمين

جالس وسط كومة البصل الاحمر معتمرا قبعة من القش ،يمازح المتسوقين معلنا ان بصله افضل بصل في العالم و عبوات ناسفة للفرح تضمن للجميع بكاء مريحا ، يتمعن جيدا في حركات القنبوري، يقف بصعوبة على نافذة الزمن ،يعض على الحياة بالنواجد ناشدا الدفئ والامان ، مشاهد لا توقظ الضمائر المحنطة بالكبرياء والنظر الى العلياء من براثن الوهم ، تفرس في وجه وملابس بائع البصل ، ليس من طينته ولا مستواه، انه من طينة اخرى تصنع الفارق ، ارسل اهات لا يريد للوضع المحتقن ان يستمر ،في الحوباء تستقر الانهيارات ، يتجول في مصارين المدينة بدون اتجاه ، يقيس المسافات بالذهول والتشنج ، المدينة مسربلة بالقتامة والتجهم ، اصطدم بأحد المارة وكاد ان يسقط ، لم يعتذر واستمر في السير بدون وجهة ، الخمارة فاغرة الفم على مدار الايام ، تبتلع السكارى مثنى وثلاث ، من الداخل تخرج الهمهمات والصراخ ، يشتهي زجاجات نبيذ، يريد ان يدفن الجسد في الراح يذوب العطش الرابض في الضلوع ، الجيوب مثقوبة مند شهور، تسمر غير بعيد وراقب الزبناء يلتحقون بالخمارة ، يبحث عن وجه مألوف طريدة سهلة، السكارى اسخياء اكثر من اللزوم ، يكفي ان تجلس الى طاولة وتجاري سكيرا في الحديث لكي تشرب الانخاب حتى الثمالة ، تأتي القنينات من حيث لا تدري ، انتظر كثيرا قادته قدماه الى الحانة، جلس الى اول طاولة، تقدم منه النادل واعتذر بحجة انه ينتظر صديقا، مسح الوجوه المكورة على القناني ، بالأمس بلع قرصا مهيجا هربا من الضغط النفسي ، سافر على اجنحة التيه الى اودية الضباب ومتاهات المدينة، باحثا عن الصوت المصادر ، ولغة مقززة تنحني للاغتصاب ، التقى في الظلمة بغريم قديم يفوقه حجما وقوة ، عالق في الحلق مند سنوات ، رماه بكلمات نابية، القرص المهيج افقده البوصلة زاد سرعة الانفعال والاقتحام ، تقدم نحوه صفعه بقوة، لكمه على الصدر وركله في الامكنة التي لا تراها الشمس ، احس بلزوجة دافئة تزحف من الانف ، مغص قوي في الامعاء وما تحت الحزام ، الاف المصابيح اشتعلت في الجمجمة ، تبددت المخاوف وسقط من على الظهر الحمل الثقيل ، النديم سخي حد الثمالة، عشرات القناني افرغت في الجوف ، ابتلع سندويشا من اللحم المفروم المطهو بالبصل والطماطم ،نديم سخي وكريم شبيهه في الاوهام والطباع وغرابة الاطوار ، ظل يلح عليه بان يبيعه بطاقة الصحافة ، يريد ان يقتحم المهنة المقدسة والمحترمة، النقل السري لم يعد مربحا ،النديم يبحث عن نقطة ضوء في خارطة المدينة تغسل عنه الاضطهاد والعسف ،يبحث عن منفى يمنحه القوة والامان.
- بعتي شحال من بطاقة في لمدينة بيع ليا حتى انا بغيت نولي صحافي
- اودي داكشي فيه المشاكل وصداعات
- وطلب شحال بغيتي راني بعقلي واش يسحالب لك غنعلقها في زجاج السيارة ولا ندخل بها الادارات...
- ما قلتي عيب

تنسحب الكأبة مثقلة بالتشكي ، الزوجة الفيلة تعرق بكثرة، رائحة العرق تنفلت من العقال ، البيت تضرب منه الحموضة والرطوبة ،النتانة تسافر بدون جواز سفر ولا تأشيرة ،ثمة اواني ملطخة بالمرق ، قيعان الكؤوس تكلست فيهم بقايا الشاي الممتقع ، افرشة متسخة عفنة، البؤس يستوطن كل النواحي ، الخيبة منشورة على حبال الايام ، تمدد على السرير ولم يفرد لها مكانا، أفردت الخصلات المبعثرة لمواسم التخصيب، امرأة في الوعي الباطني تفترش الغياب مند سنوات ، والانفاس دوما مخنوقة، يشهق ،يزفر ، تعرف انها لم تعد مرغوبة، الام عاملة النظافة منخرطة في ترقيع سروال مثقوب، الاب مدد على الفراش يراقب السقف الباهت كأنما ينتظر ملاكا سيمر على غفلة ، يمضمض كلمات مبهمة ويلعن الزمن البخس الذي صرعه على صراط الفشل، يأتيه تقريع حفيان الراس للزوجة الفيلة ،يمطرها بوابل من آيات الرجم والسخط ، وادت وردة الحب او ما كان يدعيه انه حب ، علقت البدلة الزرقاء الباهتة على المشجب ،ادوات العمل دائما جاهزة، الحذاء الأسود لمع والحقيبة السوداء مسحت عنها بقع المرق والزيت ،يتكور فوق السرير شاحب الوجه، يستعيد اشرطة الامس القريب ، وحده شيخ الصحافيين اقتلعه من الجذور، عرى مؤخرته وكشف ادعاءاته المغرضة ، في الحوباء يحس بحرقة الندم، لم يكن بحاجة الى الاقتراب من النار اكثر، انبطح على البطن على مضض ومسمح الحائط المقشر ، ثمة حشرة استوطنت بين الشقوق ،يجزم انه صرصور صغير، يحتاج الى مبيد الحشرات ،ليس اقل من هذه الحشرة، تعارك كثيرا مع ارغفة الخبز، طحالب الخراب يانعة والامل سخام تناثر على الجلد مند اعوام ، الحساد منحوه شكلا للموت البطيء ، على الصدر تحبو اهات حرب مقرفة ،تمعن في الورقة مليا متأملا حروف اسمه، نبح الخوف في الدماء، اعاد قراءة الورقة الزرقاء ارعبته عبارة( الحضور عاجلا لأمر يهمه) انهالت على الراس الاف الاسئلة ، داست على الفؤاد خيول الفجيعة بدون رحمة ،تحلقوا حوله يستفسرون ، الطرقات القوية على الباب كانت انذارا، الشرطي بالزي الرسمي يأمره بالتوقيع ، لم يتجاوز الحديث الاسم والنسب ، قفل الشرطي راجعا وتركه مغيبا ، توقف الزمن لدقائق ،يسود السكون لبرهة ثقيلة ، يحدج في الورقة الزرقاء لفك شيفرة الاستدعاء، بائع خضر فوق العربة يعيده الى الواقع ، لم ينم تلك الليلة المشؤومة، قنينات الخمر لم تكن بردا وسلاما على البراكين المشتعلة في الدماء، صرف الدراهم الاخيرة على كاس ويسكي ما تبقى من عائدات بيع بطاقتين مزورتين للصحافة لجريدة مشبوهة ، المدينة تحولت مند سنوات الى قلعة للصحافيين المزورين ، فاق عددهم عدد صحافيي المحطات العالمية، كل من افتتح دكانا اعلاميا بخسا يتاجر في البطائق ، ووصلت درجة الميوعة والاختراق والاندساس والانتحال الى اشهار ماسحي الاحذية والسماسرة والحدادين والنجارين والقوادين والشحاذين بطائق الانتماء الى المهنة المقدسة والنبيلة ، مشى في نوبة اغماء يلوح بيديه لأضواء السيارات والمارين . انهكه الركض اليومي في تسلق الأحلام الكبار ،بحث بين الاضلع عن توبه نصوحة تقدفه بعيدا عن ميادين الخطيئة ، لكنه بدون عمل والصحافة وجدها مصدر العيش ، التخلي يعني فقدان جواز الانتماء.

- اشنو درتي عاود تاني علاش استدعاوك البوليس
- شكون عارف
- غادي تبقا حتى تمشي للحبس واش تخاصمتي مع شي واحد
- حتى واحد
- وعلاش استدعاوك
- عندي الاعداء بزاف

- انت عدو راسك

يلوح خط النهاية على مرمى خطوات ،لم يتعلم طيلة الستة وثلاثون ربيعا ان يلجم اللسان ،تركه يطفو فوق المتاريس ،يلسع ظهور الابرياء بالخربشات التافهة ارضاء للفسدة، بوق للدعاية ولد من رحم الفاقة ، اينما يكثر العليق يتواجد ، في المفكرة اختلفت العناوين والارقام والاسماء، الهاتف لم يعد يرن ، انفضوا من حوله، لم يكن في الاصل ذا اهمية مجرد بيدق ، خرقة بالية تسد بها الثقوب لمنع دخول الحشرات الى المنازل ، على مقربة من المركز الصحي اشهر الكاميرا وراح يلتقط الصور ، مرضى منتشرون على الرصيف وخلف السور ينتظرون طبيبا قد لا يأتي ، فكر في مراسلة جريدة وطنية، الفكرة لم ترقه تسيئ اليه كثيرا ، كيف يتقهقر من مدير جريدة الى مراسل ، والجرائد اصبحت تطلب شواهد جامعية وتجربة محترمة ، لا يملك هذه المقومات ، غضب مهيض ومر يجتاح النفس اللجوجة لعن من سد على العصفور منافذ التحليق ، رأى شرطيا قادما اخفى الة التصوير ، الغيوم المثقلة بالفجيعة تلاحقه ، في الراس عشرات الآمال المشتعلة، لم يتزود بعد تحسبا لأيام القحط بما يسد الجوع والعراء، فرحة عارمة تستبد به حين يستدعى لحفلات التدشين والركوب في السيارات والمشي في المواكب ، الناس يرسمون للمسؤول المعتوه صور التقديس ، الامنيون على طول الشارع يحرسون الموكب ، مئات السيارات تجوب القرى لتدشين سقاية مائية، ولائم واعراس تقام على شرف زعماء التبذير وحقن الفقير بجرعات مخدر ،ينتقل بين الجموع المعفرة الجباه بالغبار والغضب، يلتقط الصور ويدون بضعة خربشات، يتودد المقربين من المسؤول ينثر كلمات المديح والشكر لعل الرسالة المدهونة بالمسكنة والترقب تصل ويأتي الرضا، الذل تقليعة العصر، الاذلاء مقطوعو الالسنة يتقبلون جميع المهانات في سبيل الطبطبات وصحن مرق، الحثالة والمتملقين رضعوا جميعا من ضرع التغابن ، يتكاثرون بقوة في الاوطان التي تحارب الكفاءة وتعتقل الادمغة ، يكتسحون ، يلوثون البراءة والبياض ،يتشبثون بالقشة طمعا في الخلاص ، فكيف يتقدم ويزدهر وطن يحلق على اجنحة مهترئة.

كالهارب من قسوة اشعة الشمس يضع يدا على الوجه ، يتابع في امتعاض كيف يساق الجاهل الى المقصلة ببضعة كلمات مركزة ،لسعة الريح الصرصر يحسها تجلد كيانه المتهاوي ، ينساب المعنى فتاكا يمزق الاوصال ،تذوب لحظات الطيش والاندفاع الاهوج وتصاب الحواس بالصدمة، اللعبة اكبر مما صور العقل المخروم ، الان حين تعرى يخجل ان يمشي متبختر ا ، غادرته الصحبة لحظة احتدام الغارات ، الخيول الاصيلة داهمت الحمار الاجرب في الساحة الفسيحة، وتوالت الكبوات والعثرات، و انداست مواجع الامل واختفى في موجة الغبار ، شحبت الاحلام في الجمجمة ، شيد من الهيكل الرخو مرمدة، طرق باب قرقوب انتظر طويلا، سمع خطوات تقترب و فتح الباب ، قرقوب عاري الا من التبان ، عيناه اشبه بجمرات ملتهبة، ثمة اصوات تاتي من الداخل ، امره بالدخول تردد قيلا وغاص ، شباب وشابات يدخنون الشيشة بشراهة، الشيشة المخدر الاكثر طلبا في السنوات الاخيرة في صفوف التلاميذ، مساوئ الشرق الاوسخ تنتقل الى الوطن ، الدولة تمنح ترخيصا للمقاهي وتشجع على استهلاك المخدر، المائدة مفعمة بقنينات الخمر وعلب السجائر الشقراء، صحن من اللحم المفروم وارغفة دافئة، تحلب فم حفيان الراس كؤوس الشاي اليومية سلقت المعدة ، رحب به الجمع المخمور رافعين في الهواء كؤوس الخمر ، افرد له مكانا على مقربة من الباب ، تخلص من فردات الحذاء جانبا، شعر بشيء من الطمأنينة والراحة ، دفع الكاس الاولى في البلعوم ، قضم قطع اللحم المفروم بشهية، جاء من امكنة قصية من صحارى وغابات موحشة، بلع قرصان مهيجان وشرب كاس راح على عجل ، فك وثاق ربطة العنق وخلع البدلة، جال بالبصر في وجوه الفتيات ، ثمة انثى بدون فحل ، رقيقة كمهرة البراري النائية، يغص في الجسد وينزف الصور المشتهاة، قارن بين الزوجة الفيلة وقضيب البان ، فرق كبير بين الوردة وكيس القمح ، تلاقت العيون وباحتا بالأسرار وحركت بصيص الضوء المتولد في المهجة، لم يتعلم كيف يبني في الهواء خيمة الوجدان ، الشهوة تنساب عليه تهزه من اخمص القدم الى ارنبة الانف ، قرقوب يراقب حركات الانجذاب والاستلطاف بطرف عين ، من وهم خطوط الانتشاء ارخى الليل سدوله ، علقت شارات الغضب والقنوط وسحل الشك والتردد ، تلاحمت الاجساد العارية في رقصات جماعية ، حفيان الراس في ثوب ادم، ابالسة الارض يعيثون بارض الله فسادا ، الذئاب المذبوحة مغيبة من قسوة الممنوعات. يصرخ ويبصق القرقوب على زمن مسطول وممسوخ شتائم عربدة.

- الله يلعن بوها بلاد...غير القوادة والحضاية واولاد العاهرات تفوو على دين امكم

امتلا الصباح بقيح الذين يمضغون الهفوات والسقطات ، لاحديث في الازقة والاحياء والمقاهي سوى عن الشريط الاباحي ، طاف الفيديو على الاف الاشخاص في رمشة عين ، الرسائل الفورية نقلة عظيمة في لعبة التواصل ، حفيان الراس يترقرق في الميوعة ، يحبو على اربعة عاريا، شابة سكرانة تمتطي الحمار المحدودب ،تجدب الرسن المشدود الى الفم وفي اليد حمالات النهود ،تلوح في الهواء وتصدر صراخا ، عسكري يستعد لتحرير الارض من دنس الغزاة ، ينهق الحمار ويركل باحدى القوائم ، تصفيقات من الجمهور المغيب ، اعقاب سجائر تدفع في الفتحة السرجية، انطلقت ابواق التعجب والتذمر ورميت اللعنات ، فرك العيون بشدة لم يعد يتذكر كيف وصل الى المنزل ،الالام فوق الجسد مضرجة بشفرة الحلاقة ، صداع في الراس يقسمه الى نصفين ، اغتسل بالماء البارد، امتدت اليد الى الهاتف ، الساعة تزحف نحو الثانية عشرة زوالا، عشرات الرسائل تنتظر القراءة ، استفاق من ركام الطفولة غافيا على الذكريات القاسية ، لاحت صورة عبيطة يفك ازرار السروال، الثعبان يتدلى من الفتحة ،الايدي والارجل مكبلة والفم مزموم ، بويمجان وعبيقة يثبتان الفريسة، تنتصب المدافع وتلقم بالذخيرة الحية، يتمزق اللحم وينزع من الهيكل الاسرار، الهزل اللذيذ تحول الى نقمة، الفضيحة كبيرة اوقدت النار في الدماء والرصاصة اخترقت الصدر، اقفل الهاتف بخوف شديد وارسل غيمة شهيق ووجع على كبوة الفضيحة، شيع السقف وبلع اللعاب بصعوبة رأى بؤس الايام القادمة، سحب الغطاء وفي المخيلة تطن الاف الاحتمالات وتلمع كلمة الله.

في المقهى جلس اصدقاء الامس ، يشاهدون الشريط الماجن للبطل حفيان الراس ، تعاد مشاهد العري والايلاج اكثر من مرة وتعلو القهقهات، الكيدون والمورصو والكورفي يتلذذون بمشاهد الخلاعة، خراطيم الشيشة تدفع في المؤخرة ، القنبوري يرسم ابتسامة بلهاء، الحبال تتدلى من منصات الشنق ، الشريط مفبرك بالتقنيات الحديثة، حفيان الراس كان في حالة سكر طافح ، تفسيرات وقراءات متعددة للحدث ، لا تعاطف ولا ادانة ولا شجب ، القرقوب باع حفيان الراس للعدو ببضعة دراهم ، صدر الحكم بعقوبة السحل والسحق ، عليه ان يختفي حتى تنسى الفضيحة.
- باش اقتلتي باش تموت يا ملاك الموت

المورصو ارسل الشريط الى مئات الفتيات، حسابات فيسبوكية تناولت صور الخزي والعار وطالبت بمحاكمة حفيان الراس ، جرائد الكترونية تحث الجهات الامنية على اعتقال الفاعلين، المشاهد تخدش الحياء وتشجع على الرذيلة ،في بضعة ساعات فاقت عدد المشاهدات الملايين ، حفيان الراس نجم شبكات التواصل الاجتماعي في الوطن والخارج ، تحرك اصحاب اللحي ووجدوا في الغضب الشعبي المتنامي وسيلة لربح بعض النقط وتلميع الوجوه الخسيفة ، التاموا داخل المقرات المغبرة ، سحبوا قواميس الجلد والرجم والتعليق على الخازوق ، دخلت الجمعيات الحقوقية على الخط ، والجمعيات الميتة سريريا تغادر القبور، ظهرت بيانات الاستنكار والشجب، اذا سقطت البقرة تعددت السكاكين ، كل متصيد للفرصة يحشد سكينه في صمت في انتظار الفرصة المواتية لخطف حقه من السقيطة ، يسكب السم على اوتار الوجع ، والدنيا اصبحت حقل للرماية والتشفي ، لا احد يهمه تبديد وحشة الكابوس ولا اسناد بغل تعثر من السقوط المدوي ، الهواتف اشتغلت والكلام الخبيث يطحن من كان منذورا للغسيل والقذارة. غسلوه بعبارات النقمة والعار ، ظل بائع البصل منزو في صومعة التبرم، يستمع الى التشريح والتمزيق وولادة النفي من طلسم الخبث والدياثة، حفيان الراس وباء فتاك معد ، كثرة الزلات زادت من وهجة الهجوم ، كل الشوارع النائمة استيقظت ، العيون الناقمة تنتظر اطلاق الضحكات والقهقهات، حفيان الراس يمشي على اربعة ، خراطيم تدفع في الفتحة السرجية ، اعاد الشريط عشرات المرات عرضه على الزوجة، سبق ان استقبلوه في المنزل السكني ، تناول مع الاولاد وجبة غذاء، بائع البصل يفهم في الاصول ، سحب الهاتف وركب الرقم، الهاتف خارج التغطية يرد المجيب اللازمة المبرمجة ، الرقم الذي تطلبونه غير مشغل او خارج التغطية، انهار الحلم المحنط بالانبطاح وانطفا الضوء في جسد مغمس في الظلمة ،العالم مدفن كبير يتوحد الفقراء في ملحمة الهزائم، على مقربة من سوق السمك رمق الملتحي وبضعة وجوه اليفة متحلقة في دائرة ، الملتحي ينثر المعاذير ورزمة من احاديث التوبة والمغفرة، انا الله غفور رحيم، يأتيه الرد مقتحما ومربكا ان الله شديد العقاب ، حفيان الراس صورة حية عن الخيبة المستدرجة على مسرح التشريح وتمدد على انغام الحقد والكراهية، الفضيحة تمضغ الحبل السري ، الشامتون يسرقون ادوار البطولة يرقصون عراة على نعش الميت، الواهمون يخافون نور الحقيقة، والمتقاعد الملتحي والدردام رفيقه الدائم يفردان على خصلات الفضيحة المتناثرة الاجزاء والشظايا بعضا من الوصايا وشعارات من نضال ينهل من سيول المكر، بائع البصل حزين يمشي بدون اتجاه، لعن السياسة ورجالات السياسة، مصائب المدينة من مخلفات السياسة الفاسدة والسادرة، وجد المنحور جالسا على عتبة الدكان ،اخبره بالفضيحة التي تهدد حفيان الراس بالسجن ، تابع اللقطات الصادمة والخادشة للحياء في الهاتف ، الضحكات والقهقهات وقناني الخمر وقارورات الشيشة وحبوب الهلوسة تزين المائدة ، حدجه بنظرة ثاقبة ونطق اولى الكلمات من قاموس الشغب.


- حفيان الراس باسل وكيقلب على الحبس
- يا ودي خصنا نشوفو لو شي حل
- واش حنا هما المخزن

حضر عرعور القزم والزقزوق بدون استدعاء ، خاضوا جدالا طويلا وتعبت دفوف التنابز، رفعت الانخاب في عرض الهزيمة النكراء ، حفيان الراس اراد ان يتساوى مع المافيات وفي الجعبة اوردة متكسرة وممرات متعثرة، وافكار بائتة مطرزة بالانحباس ، الضربة القاصمة لظهر البغل ايقظته من نوم ملبد بأضغاث التباهي ، لم يبق في الجيوب سوى بعضا من الوقت الضئيل ،فتشوا في المواجع عن طاقة تنجيه من القادم القاسي ، الفضيحة راكضة على سفوح اللعنات ،اشتعلت في مهاوي الكبائر العظيمة والملتهبة ، على غير العادة جاءت الام والزوجة الفيلة ، في العيون بقايا دموع ، مكنهما المنحور من كراسي مهترئة، اندلق لحم الفيلة من الكرسي واصدر صريرا ، في العيون بقايا دموع واختفت في المحاجر، نظرات تكتم صرخات مجروحة، الضعف تسلل الى الجسدين، المرأة الفيلة كبرت بسرعة في تجربة الخوف والانتظار والتفكير في مخرج للمصيبة، تلعثمت الام الجريحة وكحت كحات متقطعة ثم ازالت الكمامة ، مدت اليد المرتجفة الى كوب الماء ، دفعته في الجوف دفعة واحدة ، مسحت الوجوه بنظرات استعطاف كسيرة ، المرأة أقل صلابة من كائن رخوي ، اصغر المشكلات تجعل المرأة كمشة توترات وغضبا وحنقا . تنكمش المسافات بين دكة الشهود ، وتملأ الكاس المثقوب بمشتل تطمينات ، في الصدر مغص عميق وتتأرجح في الروح النيران ، تقتلع صمام الامان من الفؤاد ، تطلق زفرات اللوعة وتضرب كفا بكف ، تذكرت المشعوذ يرمي البخور في النار ويقرأ آيات من الكتاب المقدس ، الدخان ذي الرائحة الزكية يتلاحم مع سقف الغرفة ويندثر، خربش على ورق ابيض بالمداد وظهرت رسومات هندسية ، راقبته بحركات امرأة مأخوذة بالانتصار على الحاسد الواقف في ابواب الرزق ، نفحته مبلغا ماليا، هرولت الى الزقاق تضغط على الورق المطلسم ، ورقة ينام فيها السر المكنون ، سيرمي الودع حمول القهر من على الظهر ، ويضبط منبه المستقبل المزهر في الاشلاء ، تختفي قافلة السقطات والخيبات ، وجنات تجري من تحتها وفوقها الاموال ، العجز عن فك شيفرة سوء الطالع وتلاطم المحن يقود الى الغيبيات، سفينة الابن الوحيد حفيان الراس تتفتت وتغرق على شواطئ مهجورة ، تقيأت كما من التفاصيل الاليمة لكن لا خيارات كثيرة ، تتقاذف النظرات الحائرة رشقات فشل ما قبل اعلان الهزيمة ، عرعور القزم يمطر الجالسين برشفات من وقاحة المجون ، يجرهما الشريط الاباحي إلى مخدع الاستسلام ، اسالت دمعات دافئة في حضرة لحظة احتضار. والهاربون من سياط الحلول الشقية يلتمسون الاعذار ويفتون بلا جدوى من طلب الصفح ، العفو لدى قاضي الزمان ، صراخ يأتي من بعيد شاب مفتول العضلات عار حتى النطاق يعدو في الشارع يشهر سكينا لامعا، تتزاحم الاجساد على الارصفة ، الفرجة ممتعة وبالمجان، ملامح الخوف تسكن بؤبؤ المقل، المطارد شاب ضعيف البنية يشمي الى حتفه بأحداق مفتوحة، يقترب الخطر على بعد خطوتين ، صرخات متقطعة تاتي من الجمهرة ، بحركة عجيبة يقطع الطريق بعربة خضر ، يتعثر العاري ويرتطم الجسد بالأسفلت ، تطير السكين بعيدا، التقطته الايادي الفولاذية ، صفدوه وسحبوه الى داخل السيارة الموشومة ، شيخ بلحية بيضاء اشبه بندف الثلج يلعن الشباب المنحرف والفاسد الاخلاق والقيم ، عاد الهدوء الى الشارع حين اختفت السيارة الموشاة بخطين احمر واخضر، اختفى عرعور القزم والزقزوق مثلما ظهرا ، المنحور يسقط على صرخة الام ويطلب عفوا من الله ، نهضتا وغاصتا في الشارع في الحلق كلام لم يقل بعد ، راقب الزوجة الفيلة تتحرك بتثاقل روماتزمي، العجيزة اشبه ببرميل متدحرج ، طرقتا اكثر من باب بحثا عن منفذ النجاة ، تقف متفرسة في وجه الفارين من حقيقتهم ، المسرحي اعتذر لأنه لا يعرف مسؤولي المدينة ، تقمص دورا خائبا هرب منه قبل يوم من مشاهدة الشريط ، الكل يعتذر بأدب صاغرا الموقف اكبر منهم جميعا، السمسار السياسي محمد الكورفي طرق باب المنزل ذات مساء ، فتحت المرأة الفيلة على الشفاه ابتسامة تزحف منها رسائل الاشتهاء ، ضمته بنظرة خاطفة في طابور العشق ، اجتاز بخفة حدودا ملغومة محملا بأكياس الخضر و الفواكه ، حفيان الراس ازداد شحوبا ونقص وزنا، وحيدا يتلهى بضجيج السكون ، وطبول الفضيحة المخزية تقرع بين الضلوع ، حضرت الام والاب سلما على الضيف تنتابهما نوبات اختناق ، لم يدم اللقاء الا دقائق معدودة ، الكورفي نفح حفيان الراس مبلغا ماليا ونصحه بالاستنجاد بمحامي متمرس ، اخبره عن اعتقال القرقوب وفتيات الشريط الفاضح وانه مطلوب القبض عليه ، كلمات مرصعة بالنار اغارت على متمثلات الرجولة في المطارف . سمع الام تبكي وتنهنه بحرقة ، واصوات تبتهل الى المجهول لينجي فلذة الكبد من كل مكروه ، قريبا سيزف بزغاريد التشفي والتهكم الى قعر مظلمة.

انتهت بتاريخ 22-11-2020



#الحسان_عشاق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السياسي والحمار
- مول الزرواطة والبائع المتجول
- موعد مع الموت البطيئ
- مسيلمة الكذاب
- المستشار الكارطوني ومسكر الماحيا
- رواية اقطاعية القايد الدانكي
- بولحية ولد رقية
- فلفول كبير المفسدين
- كلب الحزب
- صرخات المنسي
- رواية ( الولي الطالح بوتشمعيث)
- الشكام
- مول الشفنجة
- حفيان الراس
- راقص الأعراس
- رواية ( الفانوس والاقزام السبعة )
- الحكومة الخفية او الدولة العميقة في المغرب
- مؤشرات متعددة على نهاية حزب العدالة والتنمية المغربي
- دفاعا عن استقلالية القضاء وليس دفاعا عن الصحافي بوعشرين
- الحملة الشعبية المغربية لمقاطعة منتجات استهلاكية والحملات ال ...


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسان عشاق - رواية ( حفيان الراس والفيلة)