أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسان عشاق - الطاكسي 69 والديوث















المزيد.....



الطاكسي 69 والديوث


الحسان عشاق
روائي وكاتب صحفي


الحوار المتمدن-العدد: 6808 - 2021 / 2 / 7 - 18:37
المحور: الادب والفن
    


استفقت على رنين الهاتف المزعج ، لعنت المتصل في الساعة المتاخرة من الليل ، من عادتي اغلاق الهاتف لاتجنب الازعاج من مطالب مستعصية منفلثة من قاموس السقوط في الاخطاء ، مرة ايقظني صديق ورجاني ان ازوره في المستشفى لان والده مريض والطبيب المداوم رفض تقديم الاسعافات الاولية ، في الشهر الفائت ناشدني جاري في الرابعة صباحا ان ارافقه الى المخفر لان ابنه اعتقل في حالة سكر طافح ، نحن في دولة تحتاج دائما الى شفيع وقوة لتهش بها الهياكل المتقاعسة وتقلم اظافر البيروقراطية في مؤسسات الشعب، تستعمل علاقاتك الاجتماعية لتقديم خدمة ، في مقابل خدمة غير مشروعة ثمة خدمة اخرى مشابهة ، الهاتف النقال مساوئه اكثر من حسناته ، التكنولوجيا الحديثة لا تصلح ابدا للشعوب المتخلفة ، لا يصلح العلم لروؤس يملؤها العفن والخرافات والحقد، ومن تقرع طبول الحشر وعذابات القبور بين الاضلع ، الشعوب المتخلفة غارقة في أدغال الموانع والمحرمات تحتاج لالاف السنين لتتخلص من وصايا الشيخ والتبعية العمياء للمشعوذين ، دفعت الاغطية جانبا ولطمني البرد وارتشعت مفاصلي، جلست على حافة السرير اتلمس العتمة بتثائب وعياء ما تبقى من حلم مطرز بالدفئ اللذيذ ، الساعة تشير الى الواحدة والنصف صباحا، لم انم سوى بضعة دقائق تقريبا، الهاتف اللعين لا يكف عن الرنين ، رنة لا اعرف من اية مقطوعة موسيقية مبتورة ، تستفزني رنات لمقرئين تحمل جرعات الوعيد وسكرات الموت العبثي لمسافر يزحف نحو الاندثار ، اصوات نشاز تقرع ابواب المخيلة على عجل وتزرع في النفوس احلاما بائسة ، فقهاء يهددون باسم الله وهم اشد اعداء الدين ، رنات لاصوات الشيخات ومغنيي الشقق الحمراء والمراقص الليلية ، اصوات ممزوجة بمشاعر الزهو واللامبالاة والدعوة الى العربدة والمجون ، يقال ان الارتباط بجنس غنائي معين يعكس شخصية الفرد ومستواه الفكري والمعرفي ، فلا يعقل مثلا ان يحتك جاهل باغاني الثورة والثوار وسكير بالابتهالات والبسملة والحمدلة.

خيوط النور تتسرب من الزجاجة اللماعة تضيئ الحجرة ، حدقت بامعان في اسم المتصل المتهور احمد الحماري سائق الطاكسي 69 ، لعنته مرة اخرى في الخيال ، الوغد افسد سفري الفيروزي واستلقائي المريح على ارصفة الغياب ، ما زلت أحن جالسا الى شاطئ الاحلام تحت الاغطية ، ضغطت على الزر في اعياء.

- الو

- لبس مزيان راه جو تاع شتا..وخرج راني قدام الباب

- واش غتخلصني ولا غير للشفوي

- كلشي ديالك


السماء ملبدة بالغيوم الكثيفة ، البرد قارس والرياح تصفع الوجوه ، قطرات المطر في زاوية مستعصية من الفضاء الواسع ، حتما ستمطر بشهادة البرق الذي يمزق السكون ، في جلباب صوفي ثقيل يقمط الجسد الهزيل ، قصير القامة واكثر ما يثير الانتباه الراس الكبيرة الفارغة من الشعر ، راس اشبه برؤوس الكائنات الفضائية في سينما الخيال العلمي ، الشوارع مقفرة الا من بعض الراجلين ، هاتف الحماري لا يكف عن الرنين ، جل المتصلات شابات يحتجن الى توصيلة امنة الى وجهات محددة ، يطوف طواف العاشقين على اماكن اللقاءات السرية يزف الشموع المضيئة للزغاريد الصامتة ، اجساد شبه عارية تركب واخرى تغادر والباب يصفق ، يتركن رائحة العطر او بعضا من القفاشات ، لكل واحدة قصة مختلفة عن الاخرى ، جميعهن متاشبهات في السقوط ومعانقة الحضيض ، باسم الحب فرطن في العرض والشرف ، جميع بنات الليل يتهمن الاخر بالاستغلال الجنسي ، الاخر الخسيس والحقير دفعهن الى الانحراف ، ولا واحدة اعترفت انها مسؤولة عن وضعها المخزي ، يهربن من سؤال لماذا لا يتوقفن عن استئجار الاحواض ، من عادة الانسان العربي ان يلصق الفشل بالاخرين ، كل المصائب والسقطات تعلق على مشجب الاخر ، تزل ارجل المؤمن المتعبد ويرتكب المعاصي ويلصق السقوط بالشيطان المتربص بالاخر ، الشعب الفقير ضحية الاخر الاكثر ذكاء وتجربة وحنكة ، خمنت ان اغلب ممارسات البغاء ينتهين وسيطات للدعارة اومشعوذات والمحظوظات منهن من يستطعن تكوين عائلة.

يزمجر البساط الداكن حانقا ويكفهر وجه الاسفلت ، يندمج الظلام في الظلام ، بدات السماء تسح ذموعا مذرارة ، امطار الخير تفرح الفلاح في الارياف وتغضب ساكني المدينة الذين لم يتوجهوا بالدعوات للخالق للاستسقاء ، الطلب على الطاكسي يرتفع خوفا من الوحل والبلل والهجمات المباغثة ، بعض الازقة المظلمة تحمل في الجوف تهديدا حقيقيا ، معدلات الجريمة مرتفعة في المدينة ، والشرطة لا يمكن ان تتواجد في جميع الامكنة ، بدات تتكون برك مائية صغيرة ولا تلبث ان تكبر ، روائح كريهة تهرب من المجاري وتعلق بالهواء ، اغلب بالوعات المياه مغلقة بالنفايات او مهشمة ، في النهار يحتاج الراجل الى قوارب النجاة ومجاذيف للانتقال من رصيف الى اخر والحذر من المركبات التي تمر مسرعة وتشطر المياه الى شطرين ينقذف بقوة، بعض الازقة غارقة في الظلام الدامس اشبه بالقبور ، الخوف يسكن الابواب والنوافذ ، اغلب السائقين لا يغامرون بعيدا عن الاضواء لتجنب الاذية ، في الشارع الكبير استوقفه شرطي مرور بزي العمل يقطر ماء ، نفض القبعة المقعرة وتناثرت قطرات الماء ، لعن المطر المباغث الذي غسله من الراس الى الارجل ، لم يجد مكانا للاختباء في المكان العاري، لابروزات منازل، واقيات الدكاكين بعيدة ، التعليمات تقضي بالتمترس في زاوية الشارع ومراقبة المركبات ، اقله الى احد الاحياء البعيدة بالمجان ، شرطي المرور سيغض الطرف عن المخالفات وتجاوز العدد المخصص ، في كل مرة يقرأ تاريخا من الحرمان ويطلق قفاشات من تجاعيده النافرة ، حفظ عن ظهر قرب اصوات بائعات الهوى السخيات ، الكريمات ، بدون انتصاب واغراءات تصاب الجيوب بالتصحر والكساد ، يترنح المجون على الارصفة ، في النفوس يرقص الشيطان الرجيم ، ينفخ الشهوات في الابدان ، تتجدد الصور كل ليلة ، تتوالد، تتكدس في مجاري الضجيج والسكون ، يفرك الايدي ، يتلفع بالصمت لهنيهات كانما أمسكت به شرطة اللغو وانشغل باعادة ترميم الاعطاب ،ثمة صوت غريب في المحرك ، اصاخ السمع طويلا تمتم كلاما مبهما، رفع غطاء المحرك ، راقب مستوى الزيت والماء ، بحث عن قطع تفوح منها رائحة العطب ، شكر الله وقبل وجه وظهر اليد ، كل شيئ على ما يرام ، الاصلاحات وشراء قطع الغيار تكلف كثيرا ، المحرك يزار، يفرمل ، يصفق الباب ، يرتفع الدخان العادم اسودا فاحما، ثمة مشكلة في المصفاة نسي تغييرها ، يسمع رنين الدراهم وخشخشة الاوراق ، همسات تنفلث من مربعات الفرح والرضا ، ضحكات متهتكة وغنج ودلال ، منشرح الاسارير يحسن اختيار الزبونات ، الدفع المسبق دون تلكؤ عنوان الولوج إلى المفكرة ، الليل الطويل ما زال يقيم الولائم لاوعية تدحرجت على اسرة المجون ، الحالم بالامسيات الصاخبة يحتضن بندقيته على تخوم الطلقات منتظرا الفريسة ، الاجساد الموعودة للايلاج ونشر الحبور يمسحن عن الزناد كومات الغبار ، يشعلن القناديل لاضاءة الطرقات كلما اقعى المساء ، في لحظات انسجام تحرر المخيلات من الضغائن والملل وشظف العيش ، الساعة الرابعة صباحا تمكن مني الاعياء ، الجلوس لساعات مكورا في المقعد الامامي والتعرص للسعات البرد شيئ مقرف وممل ، رمقت وجوها نسائية تتشابه في الحركات والتبرج ورائحة العطور ، شبه عاريات لم ينل منهن البرد القارس شيئا، سمراوات بشعر اشقر، وبيضاوات اقتلعن الحواجب ورسمن خطا والصقن رموشا طوالا ، يحاورن بالموضة ارخبيل الاغراء لتثور سيقان اللوعة، جميعهن لطيفات ، تعبات ، هادئات يشتمن الزمن القاسي الذي دحرجهن الى المنحدرات الصعبة ، يدفعن بسخاء ويشكرن السائق اللطيف والمتفهم بلباقة ، خمنت ان الطاكسي ماخور متنقل ، ومن غرائب الصدف او لربما لحكمة الاهية مبهمة ان تحمل المركبة رقم 69 ذي اشارات ودلالات وحركات وايحاءات جنسيه وقحة ، كما يعد علامة تجارية للعلاقات الشاذة ورمز لاشهر قنوات الافلام الاباحية في اوربا ، لاعلاقة لهذا التزاوج بما يسمى القدر ، تسائلت عن الروح الخفية التي امنت الالتحام بين الرقم المستفز للمشاعر وسائق مغبون يشتري بالوساطة ترفا على ذمة المحرم ، في المخيلة تستريح رزم الاورقاء الزرقاء ، انهزم الوعي والمبادئ واندثرت الشعارات البراقة ، لاحت امامي الوقفات الاحتجاجية لحملة الشهادات المعطلين بالوطن ، شعارات نارية تهدد بالطوفان والانقلاب على الجاهز والمتكلس في اروقة الدولة ، افتح دفاتر الامس تطاردني ملامحه الشاردة والقسمات الشاحبة ، عود الارك في الفم دائم في شحذ الاسنان ، يريدها ناصعة البياض ، سكاكين حادة لقطع شرائح اللحم المشتهاة ، تعلو أصوات الحناحر تمطر الحاكم بوابل من القذائق ، احلام عراض تهرول نحو المستقبل المجهول ، حين يداهمه الفشل وقسوة الردود على كلام ارتجالي مهادن يتمسح بالمعطلين المتنفذين في التنظيم ، لا يخجل من الوقوف في الجهة الخطا لينال الرضا، تزوره الخطيبة في المعتصم ، عيناها ليستا بريئة وتلبستني الظنون في اول لقاء عابر ، تتحد حواسي لتحنيط صورة لفتاة ذات الجيوب المثقوبة والنظرات الداعرة وحركات الغجريات ، اطول من العشيق الولهان بكثير ، بحثت عن الرابط بين الاثنين كلاهما يتحذر من سلالة القحط ، يجلسان في المقهى يتجادبان اطراف الحديث ، حين يعجز عن تقديم اجوبة يبدا بشرب جرعات متلاحقة من الماء ، ينهزم في الحوار ويصاب على غفلة بوابل من كدمات الخيبات ، والحبل ملتف حول العنق وسقطت التعابير في مفرمة الكلمات ، وتقرض في الحوباء أظافر الابتسامات ، فتنسكب خميرة العلقم في قاموس الهوى .

- واش غادي نبقاو مخطوبين علاش رافضة نديرو لعقد

- انت شمور خصك حتى تخدم ...زواج خصو مصاريف كثيرة ولا بغيتي نسكنو عند والديك وصرفو علينا

- عادي حتى نوقفو على رجلينا

- واش باك كيتقاتل مع الوقت بالكروسة باغي تزيدو المشاكل

- راني ما جالس كنقلب هنا ولهيه..واي فرصة جات غنتلاح عليها

- وخلينا هكا

ابتلع الوجع حين استدرج الى مائدة البكاء، انقطع الدفئ والتلاحم عن نبض الحروف ، وقرا آيات الصبر خوفا من سفر الخيانة والطعن في حمم الفحولة ، سمع الكثير عن مغامرات الخطيبة ، لا يريد ان يصدق حتى لا يسقط فريسة للنهش الداخلي ، نظرات الاحتقار حارقة ومؤلمة ، تسكب المرارة على اوتار الوجع ، تطول لائحة الاتهامات وطقوس الغمز واللمز من الاوباش ،كلام قبيح يثقل على الأنفاس و لا سبيل للرحيل عن مستنقع التقطيع والصلب سوى باللامبالاة ، الحياة غرفة اعدام ممتلئة بالمفرمات وكل الدروب تقود الى الرجم ، يبحث عن ذاته دون جدوى ، فتاته تنتظر فاتحة الحضن على حافة الاوردة ، والشفاه متورمة من نيران الحرمان ، يشتهي الجسم الفارع الطول يريد ان يرسم قبلات الهوى الصاخب بين هضاب النهود ، طبول الرغبة تقرع اجراسا في الاشلاء ، في بحث ذؤوب عن بحر هائج بين الضلوع يقدفه الى امواج الخطيئة ، يراها اية في الجمال ، ومن الروعة والهيام اغتيل الادراك ، حب من جهة واحدة اشبه بجنين مات في بطن امه قبل ان يطلق الصرخات الاولى اعلانا بالوجود ، تنتابه في الذهاب والاياب نوبات اختناق ، وتلهو اسراب الظنون فوق الصدر ويتقيح الجرح المفتوح ، متسول يمشي في جنازات الاخفاق يرتشف آخر جرعة من أكسير الصبر ، يخاف ان يلقى على قارعة الطريق بكلمة طائشة ، امزجة النساء صعبة الفهم والضبط ، لا يهمه من فتاته سوى ما يجعله فرحا اما الاجزاء السيئة لا يعيرها اية قيمة.
بعد التمسح والركوع امام ابواب الاسياد حصل على رخصة الثقة لسياقة الطاكسي ، ركل بقسوة جمعية المعطلين وانغمس في جمع الدراهم ، مزق الشهادة الجامعية في ليلة غضب ، الشهادة العلمية في الوطن لا تساوي بصلة ، لا توصل إلى ضفاف الامان ‍، الذين يحكمون غارقون في الجهل ، يريد ان يتسلق منعرجات الثروة يطوي المسافات ، ياتي الصوت من الداخل مقنعا، هادئا، محفزا، قطرة قطرة يفيض الوادي ، منشرح الاسارير اكثر زهوا ونشاطا ، انبلج الصبح اخيرا وتفتحت الامال في وضح الدهشة ، ضمه سائق محترف يعاني من الام المفاصل ليتقاسما اعباء السياقة ، فكر في الليل المفعم بالحنو والقسوة ، بالهدوء والضجيج ، اقتنى عصا غليظة تنتهي براس في حجم كرة المضرب ، وضعها تحت المقعد تحسبا لجميع الاحتمالات ، الطرقات مليئة بالمفاجئات السارة والقاسية ، عليه ان يكون مستعدا للدفاع عن رزقه ، الاوغاد لا ياتون بالطبل والمزمار لتنفيذ عمليات السطو ، يتسللون كالهواء من حيث لا يدري الانسان ، واغلب الشوارع في المدينة عمياء ليلا ، دائما ممنطق بحقيبة صغيرة سوداء مليئة بالقطع النقدية ، اشفق عليه يبحث عبثا عن موطئ قدم فوق ارض صلبة ، يختار العمل ليلا رغم المخاوف المستبدة على الدوام ، بحاجة الى الرفقة والحماية ، يضيء الليل بالهرج والصيد الثمين ويرتفع الايراد ، القلق الجميل حاضر في الدماغ ، باسم الخمر وحبوب الهلوسة وجرعات المخدرات الصلبة تنشب حروب دامية بالسكاكين ، يرتفع منسوب الجرائم ، المرافق الصحية تستقبل الاجساد المشروخة على مدار الساعات ، المخافر تتكدس بالموقوفين على ذمة السكر الطافح والفوضى والعراكات التافهة ، في جنح الظلام ينشط المتزحلقون على حبال الفتوة والرعونة ، قوادون ، شحادون ، عاهرات ، لصوص ، تكسر جرار الصمت بالكلام الخشن لزبناء مغيبين بالمرض او السكر الطافح ، الشارع يغص باﻻ---ف الصور المقلوبة والحكايات الذبقة الاستفزازية الممزوجة برياح الخيبة والخذلان لعشيقات اخلفن الميعاد في ليلة الصخب والمرح واللهو ، نساء ذات البريق المستفز بانوثة مضمخة بالمساحيق والعطور الرخيصة ، اجساد منتهية الصلاحية لا تنتشل غريقا سقط في بركة الغرام لكنها تطفئ لهفات منفلتة من كؤوس الراح والاقراص المهيجة .
تغوص الهياكل في الطاكسي الصفراء الرابضة قرب الفندق ، يلمع محيا السائق ويفرك اليدين ، بريق منبثق من الداخل لا يوصف ، معزوفة تنعزف خارج مغزى الكلام ، يقبض ثمن التوصيلة ويدس الاوراق تحت المقعد، لم يعد يثق في الركاب مثيري علامات الاستفهام ، تعرض للسرقة في السنة الماضية ، رجاه الراكب التوجه خارج المدينة ضدا على القانون ، تردد في بادي الامر حين شقشقت الورقة الزرقاء اذابت حبال التردد ، ازال علامات الطاكسي من على السطح ، الشريط الموسيقي يصدح ، المغنية الشعبية الامازيغية تتحدث عن الزمن الماكر والغادر، عن الانسان المتقلب الطباع ، الجالس خلف السائق يتمايل، يصفق بكلتا يديه منشرح الاسارير ، الطاكسي تجاوزت المدار الحضري ، اضواء المدينة الخافتة تظهر من بعيد ، سكت المحرك وظلت المغنية ترسل الاهات ، التفت الى الراكب ليامره بالترجل ، لمعت السكين وامتدت الى العنق، امره بالصمت والهدوء، لا حركة ولا ردة فعل، امتدت اليد الاخرى الى تحت المقعد سحبت رزمة الاوراق وكمشة القطع المعدنية من الحقيبة، فتح الباب بقوة وغاص في الظلمة ، لبسه الاعتداء المباغث وشل الحركة، نظرات ساهمة تنغرز في كف النجوم، جرعات ألم تنساب في حقيبة الاشلاء، استفاق من صعقة الضربة في مخفر الشرطة ، سجلت القضية ضد مجهول ، ذكرى تعوي في الدماء فيستيقظ الخوف الشديد، والفراشة العطشى ستظل تحوم بحماس حول منبع النور ، اجساد تتحرك خارج اسوار الزمن من عقال الضغط اليومي ، ارواح شاردة تحرس الازقة والشوارع المحفرة ، محطة البنزين ملتقى السائقين تعج بالتذمر وكلام يومي عن قلة الرزق ، الكل يشتكي ويلعن الزمن العجيف ، يتعثرون في مشجب المصاريف وتكاليف اصلاح المركبات وواجبات كراء المادونية، التشكي اصبح طقسا يوميا ، والذين لا يشتكون قطعا غارقون في النعيم ، يسحب خرقة من جيب في الباب وقنينة ماء ، يرش الزجاج الامامي ، يزيل بقايا الغبار ، يشغل ماسح الزجاج ، يمرر الخرقة على الواجهة الامامية والجوانب ، مزق اضلاع جريدة يومية وازال بقايا الماء من على الزجاج الملمع ، حين تمطر يكتفي بماسح الزجاج ، يستعد للرحيل إلى أحزمة الفقر الناسفة ، يسامر مقودا صعب التحكم زلق عند التعرق وفي الانعطافات الى اليسار واليمين ، الجسم نحيل والقامة قصيرة تتعدى المتر بقليل ، نظرات منكسرة بلون الخسوف متبثة في وجه ضامر ، حركات ممزوجة بالزهو واللامبالاة ، وبريق يتصاعد من شمعة التقرب من العناقيد الدانية القطاف ، وفي حضرة الاخر يتقمص شخصيات اكثر بريقا من وجوم أحلامه المكدسة بحثا عن موقع تحت الاحترام ، في الجلسات يشع الاحتراس بين مخابئ المفردات المنتقاة بعناية مطرزة بفسيفساء الالم ، وفي الكلمات تتضح معالم القصد والنية ، فالروح مهزومة تحت سماء مشبعة بسماد التمني والابتهال المشرئب لالهة المال والاعمال ، دائم الانحناء كطفل يتيم امام مادبة كبيرة ، ينتظر لحظة الذوبان والشبع ،يكشط المصارين من بقايا الوجبات الرديئة ، ليبارك النفس الامارة بالخشوع والتهام فقاعات الهواء ، عيون غارقة في دهشة ظلام الامكنة الجديدة ، تحتسي ضحكات العابرين وينزع الملامح الاصلية هربا من الماضي الممنوع من الصرف ، الرجل عاش سنين طويلة يعتاش على براريد الشاي والخبز البائت، ملفوف في الازقة والاحياء في شجرات النسيان ، سهوا اندس في مزرعة الحروف ونام على احلام عابرة للوقت مخضبة بالزنابق والرياحين والبخور ، ليخفي عناوين منفاه وأزمنة من الشجن المفعم بالتمني للصعود الى القمة ، لا رحمة في الازقة والشوارع ولا دفئ بين الاصدقاء، السياقة تنسي مبادئ التسامح والاخلاق ، الحرفيون يطلقون في الافق قوانين متقادمة، وامين الحرفة جاهل يتحكم في قطيع من الجهلة ، احمد الحماري حاصل على الاجازة في الاداب اراد ان يضيف الفارق ، جفت فوق تضاريس الاوصال قيمة الشهادة الجامعية، انحبس على صخرة الفهم المعيب وغرف في الضياع والاستهجان ، في الاول رفرف باجنحة الحماس الزائد ، رجع بعد جولات حوار مع السائقين و قراءة شيئ من المعارف مهزوما.
تقيأت احدى الزبونات على الكرسي ، احمد الحماري لا يحتج ،لا يغضب ، لا يتذمر من تصرفات مشابهة ، لا يهم ان يتبول الزبون او يتغوط في المقعد الخلفي ، الاهم ان يدفع ثمن التوصيلة وثمن كنس الاوساخ وازالة القاذورات ، الفتاة السكرى زبونة دائمة ، تدفع بكرم وسخاء ، قرابة عقد من الزمن تشعل الاضواء في الفوانيس الخابية ، تنشر الفرحة وتكرع في صمت كؤوس الترحة ، لم يبق منها سوى بقايا جمال اخذ في الذبول ، لوحت ملامحها في الصيف الماضي بالأفول، سهر الليالي والزبناء لحسا عتبات الهيكل بالأيدي والقبلات ، اوصلها الى المنزل في الحي الشعبي ، اسكت المحرك و ظل متسمرا، ثمة ضوء خافت مترنح ينسكب من شقوق الباب الخشبي ، التقطتها الايدي وجدبتها الى الداخل ، الليل يقرفص على أربع وما يلبث ان ينجب المهووسين والحالمين بالطيران والسفر الى العوالم الفيروزية ، كل يحلم بالعوم في بحيرة الانتشاء التي تنتهي في اليوم الموالي بصداع في الراس من اثر الكحول.

احمد الحماري ولد من رحم الفقر والفاقة في حي طيني مسور بالنفايات في مدينة متفسخة تستباح فيها قيمة الانسان كل دقيقة ، الرغيف جواز السفر اليومي وجسر للعيش المقدود من النار ، اغلب الساكنة يمتهنون مهن وضيعة ، الحي يتنفس الاستعطاء والجريمة والبطالة ، لا ماء ،لا كهرباء ،لا مرافق صحية ، تفرغ المثانات ليلا في اكياس وترمى خارج الاسوار، لا يهم ان تسقط فوق سقف كوخ او داخل منزل طيني ، رياضة يمارسها جميع السكان ، في النهار ارض الله كلها مراحيض ، والاذكياء من حفروا مطامر داخل بنايات صغيرة وحولوها الى مراحيض بابواب من قطع القماش او اكياس القمح البالية والكارطون ، في الليل يسمع عواء الكلاب ونهيق الحمير وصياح الديكة ، وفي مرات كثيرة تنشب شجارات دامية على امور تافهة ، نبات الارض في الحي الشعبي مختلف تماما ، المسكنة تتلوى في احضان المسكنة، تجارة الاحواض لم تعد مختومة بطقوس الكتمان ، ممارسة البغاء تفاخر بين المطلقات والعازبات والشابات اللاهتات خلف سراب الحب ، الدعارة لم تعد عيبا ، العيب ان تبور التجارة وتشح المداخيل .
يتسكع في المقاهي والمجالس على هيئة انسان متحضر مزخرف بحشوات أختام العبوس ، يبحث في مصارين الدروب العطنة عن نقطة ضوء تغسل ادران الايام وترسم شارعا مزدحما بالغبطة ، تغسل طفولة قاسية مكدسة بغبار الحرمان وتذمر الوجوه الكالحة ، فما من وسيلة للهرب من قبضة الحقيقة ، الاب عاطل عن العمل مند سنوات ، انهدت العضلات بحفر الاساسات وحمل اكياس الاسمنت ، اشترى عربة يد ونثر فوق اللوح المستطيل بعض المكسرات وحلويات وعلب سجائر ، باحثا على مقربة من المقاهي عن منفى يمنحه الامان ، يدور على عقارب الساعة يلهث يتمسح بعلية القوم ، يستهويه لصوص المدينة المنهوبة ، تحتشد الامنيات على بوابة
المخيلة ، وحقائب الاوهام ممتلئة عن الاخر ، ومشروع غرام من طرف واحد ، ركض خلفها لسنوات طوال ، انمسحت شعيرات الراس وادعن في الاخير ، عقد القران في البيت الطيني ، الزوجة طائشة وعيون تتعلم فن التقبيل والاستدراج على موسيقى آهاته ، فاحت رائحة الخيانة في الحي وخارج الحي ، لم ينهزم امام جمهرة من هواة نشر الاكاذيب وضرب المحصنات ، ولم ينجرف الى بركة الظنون والتكهنات ، بصق في ايماءات العيون المدججة بالحسد ، لعن المتصيد في المياه المطحلبة ، اكترى منزلا سكنيا في حي اخر هربا من وجوه مطلية برماد الفجيعة .

- المش ملي ما كيوصلش للحم كيقول خانز

- ديها فخدمتك راه وليتي مسؤول على ثلاثة نفوس

- شكون خلاك.. بنادم حاسدك على والو

- يا ودي كيف ما درتي حرتي في هاد لبلاد

- تماما

حين يدب الجفاف في مصارين المدينة يحاضر في المقاهي عن الشرف والضمير المهني ، في نادي كرة القدم تمسح بالرئيس الفاسد طمعا في الطبطبات ، مدحه في الغياب والحضور ، ينتظر وسام الانبطاح من درجة خسيس ، رئيس النادي الكروي اللص اشبه بعمود كهربائي في زقاق متسخ ، يتمدد حوله الهوام والبعوض والفراشات ، الرجل خالي من فرص الحياة ، حدثهم عن الحرمان وقلة الحيلة ونثروا على الجسد حنوا مزيفا ، يحتاج الى فرصة وحيدة لترميم الاعطاب ، كثيرون سلكوا نفس الدرب وتـفسخت أحوالهم ، غاصوا في برك التشويش والاتهامات المغرضة ، المحو يحاصر النطاطين و الواهمين ، يعلقون على دواليب الرياح ، السائق ترك ظلا على وجه قطاع الطرق كشبح هرب من الهاوية ، يبسط اليدين لكل قادم ليتجنب أسرار السقوط في مديح طوابير الفراغ .
يقفز من مائدة الى اخرى متابطا حلما عابرا للوقت باحثا عن فرصة للظهور ، يود ان يصرخ في وجه الحاقدين والناقمين انه رقم مهم في معادلة المدينة المهربة من زناة الليل ورموز الفساد ، تتدحرج الاهات من الجسم النحيل ، ينظر الى وجوهه الهزيلة المتقلبة في عيون المارة ، ابناء الحي الخبثاء والحساد يغرسون انصالهم في الجسم الرخو والضئيل ، تبدلت التحايا وانحبس تبادل الكلام يوم ربضت السيارة الصفراء امام الباب ، مصر ان يعبر الصراط الى الضفة الاخرى ، لا يكترث للغربان التي تتمشى في دهاليز الدماغ ، يرفرف القلب فوق مستنقعات الترح ، وتهطل على اسطح الحوباء غيمات الخير العميم ، تشرئب الازهار فوق المحن ، تتساقط الوجوه الخسيفة تباعا من الذاكرة ، لا حاجة لان يكون حبة في طاحونة الفرم ، عازم على التحليق بعيدا ليدفن الهم والبؤس والشقاء والعيش في الهامش ، دائم التفكير في انبلاج الصباح السعيد ، دفع الزوجة للاشتغال قي صالون للحلاقة ، الرضيعة تترك عند الام ، الوقت تحتاج الى التعاون ، يد واحدة لا تصفق ولا تسحب الدراويش من المحن ، مصاريف الحياة اصبحت اكثر صعوبة ، والرغيف النظيف يشقي الطبقات الكادحة ، لتعيش مرفوع الراس في مدينة الموتى يلزم الحفر بالإزميل فوق ركام الفساد او الارتماء في احضان جوقة الفاسدين ،كل شيئ يباع في سوق العبيد ، والكرامة فردة حذاء تداس في حفلة صاخبة للطواغيت والقوادين ،غاص في محبرة اللامبالاة ليرتوي من ظمأ بين الضلوع ، ذاق من نعم الحياة والف العطايا والموائد الدسمة ، والشهية انفحتت على مصراعيها وازداد النهم ، كل يوم يعيش متلهفا على مشارف الشبع ، وضع الخطوات الاولى في الطريق الى الدسم ، الثراء محشور في جدول الاحلام الاكيدة ، تخلص في العام الثالث من الخوف والحيرة ، الرزق وفير ومفاتيح الجنة المقفلة تكسرت وانفتح باب الطلسم ، الضعف والهوان انسلخا من الحوباء، استبدل الفرش القديم المقتنى من سوق المتلاشيات ، تبدلت المشية والملابس وطريقة الاكل ، عرفت ان هذا الانقلاب والتفسخ سيحدث يوم انجب انثى و اطلق عليها اسما سنسكريتيا مستمد من الاساطير الهندوسية، الحماري يهرب من ذاته يتخلص من الماضي الخشن الذي اعطب الذاكرة، يدفن الهزائم التي حاصرته طيلة سنوات ، يذوب في الحاضر ليطلع انسانا اخر ذا قيمة ، يحضن الشمس ويسبح الى الضفة الاخرى ، لا شيئ يضعف نبض الارادة في تسلق سلالم الثراء، شهقة الرقي في القلب تكنس الفوضى وترسم طريقامفروشا بالورد والرياحين ، ومسحت العزيمة خيط الهم بالفرح اللذيذ، والام المحدودبة الظهر ترش الماء عند المغادرة وتدعو بالصوت الواهن الإله ان يحميه من كل مكروه ، تفرش الارض امامه بالسعد واليمن والبركات ، انبلج بصيص ضوء في مزارع الفراولة، فرصة لا تعوض للمزيد من الدخل ، لا عيب في ارسال الزوجة الى بلاد الحرية ، نساء كثيرات يتاسبقن للرحيل ، قرا تاريخه المملوء بالنكسات والعري والجوع ، إنه الفقير المرفوض بين ابناء الاعيان.

- لدي ثقة كاملة في الزوجة

- الثقة في الشيطان وليس في المراة

- اعرف زوجتي ...

- تعرفها بالقرب منك وليس بعيدة في بلاد الغربة حيث المغريات والضغوطات من ارباب العمل...زوجات كثيرات يتم محاكمتهن متهمات بالخيانة في وجود الازواج...

- زوجتي واعية ومحصنة ضد الاغراءات

حضرني في ذروة النقاش العقيم والمتنطع واللامجدي قصة فلاح فاحش الثراء، طاعن في السن من منطقة جبلية امازيغية، توفيت ام الاولاد لم ينتظر طويلا وانخرط في البحث المحموم عن شريكة تقاسمه ما تبقى من سنوات حياته المحدودبة ، شريكة بمقاسات معينة للعودة إلى ساحة العاشقين هربا من تجاعيد العجوز النائح ، عدد امام السامعين كل المناقب المشتهاة ، رفض المقترحات والنواهي ووصايا ترسم صورا قاتمة عن نساء خائنات ، ظل صامدا متمسكا براي مقدود من متاهات التجربة ، باحثا عن مرفا لاحلام متجددة ، الوقت لا يحتمل حشو المنغصات في خازوق الحروف ، تزوج من شابة تصغره بخمسة عقود ، اغرى ابويها بالمال والهدايا فاذعنا، بالمال تشتري العالم ، كان لديه راعي في مقتبل العمر حسن المظهر قوي البنية قليل الكلام ، هطلت الشهوة على شباك العواطف وتاججت رياح الغدر ، تتقافز الأفكار والصور من المخيلات كل ليلة على فراش بارد ، تكلمت العيون وتناثرت علامات الاستفهام ولاح الوجود المطرز بشهقات تختزل الزمان والمكان ، خلف الابواب الموصدة برعم الانجداب الشقي ،الوفاء مجرد طقس بالي في زفاف العنة ، راودت الخادم في الخيال الاف المرات ، ممشوقة القوام تطوي المسافات وتمزق حجاب الخجل ، قادتها الغريزة الى البوح بالمكنون وسال لعاب الوباء ، لاحقته في الحقول متذرعة بالاف الاعذار ، تنهمر شلالات التشكي في الخلاء ، قطعة سكر تذوب على حافة الشفاه، خيوط العنكبوت تلتف على عنق الراعي المستسلم في بلادة ، المروج فاضت بموسيقى الرغبة الجامحة على تخوم الابتسامات المحرضة ، كلمات تطلق قذائف في الدم تدحرج كرات النار فوق الاشلاء، حركات مستفزة تقيس نبض الاستجابة على وقع صهيل الاشتهاء ، التهمت الامواج العاتية صرخات الراعي ، لم يعد قادرا على المقاومة ، يشم رائحة نداء يحاوره من تلابيب العشق ،الجسد المشتعل ينزف اوجاعه ، تتعرى الاشجار وترقص عصافير الخيانة حول ينبوع التلاحم ، تهاوت القلاع والحصون في مهب الريح ، شربا حتى الثمالة من الكاس المحرمة ، تمددت فوق العشب وافردت ذراعيها، انفتحت ابواب الجنة امام الراعي ، الشيخ صامت ابتعد عن عمق التفاصيل المكدرة ، ما يفرح الزوجة يفرحه وما يغضبها يغضبه ، القول قولها والمشورة مشورتها، اجزلت له العطاء والنية السيئة حاضرة تهطل سنابل اللواعج ، لتغسل وجنات الاعطاب ، تقضي معظم الوقت برفقة العشيق تغرق في المشاعر الدافئة والابتسامات العريضة ، في الحوباء لاح فجر جديد ومشاتل ازهار زكية ، ابعدت عن الجمجمة اشباح امراة تعيسة ، في العتمة تبحث عن اثار لخطوات متعثرة ، تتسلل الى فراش الفحل لتشحيم الاماكن المقعرة ، في احد الايام اختفيا عن الانظار ، طاف الشيخ على الاقارب والاهل ، بلغ رجالات الامن عن الاختفاء المباغث ، حين اعياه الانتظار والشوق الى الزوجة الساكنة في الضلوع طرق باب رجل سلطة ورجاه ان يعيد له الزوجة ولا حرج لديه ان يتقاسم مع الراعي الحوض ، ضحك رجل السلطة وضرب كفا بكف واستعاذ بالله،فكرت ان الشيخ بدون كرامة حين قبل استباحة العرض والشرف مع الغريب ضاربا عرض الحائط الكتب المقدسة والقوانين ، الشيخ الولهان افصح عن جوهره ساعة مقايضة رجوع الزوجة بالمشاركة .
احمد الحماري لا يقل خسة عن الشيخ في استباحة الكرامة. الكرامة مفهوم عميق ولصيق بمعنى الإنسان وجوهره وقيمته وسط المجتمع ، وصورة مصغرة عن ذات الفرد ووجوده ، والكرامة في الوعي الجماعي المظهر الاسمى للإنسانية ، والكرامة في مفكرة احمد الحماري تباع بدراهم منفلتة من غسيل ملطخ بعرق الافخاد والرياء، تدثر بمعاني مطهرة للنفس المضظربة المتقلبة ، يعفر الجبهة بكلمات خارجة من أقبية المكر ودهاليز الخديعة ، موشومة بقناع العفة والزهد و التقوى ، يحيا مستلبا مندفعا على طرقات المستحيل .

- وفين الزوجة اسي الحماري

- خدامة على راسها وكتجمع لفلوس

- وهاد شي ديال الاغتصاب ما سمعتيش به

- كلشي كذوب... لي زانية زانية..ولي محترمة راسها غتبقا محترمة


شمس المواربة انطفأت ، يحمل جرثومة الدياثة في الشرايين وفي تضاريس الجمجمة ، اخبار الزوجة في مزارع الفراولة انقطعت ، ثلاثة سنوات بالتمام والكمال ، نبتت اسنان البنت ولم تظهر، تعلمت الوقوف والمشي ولم تظهر، دخلت روضة الاطفال ولا خبر، ما من انثى تصوم التشحيم وتقاوم نداءات الجسد لسنوات ، تهتز اكاليل الزيجات على وقع صهيل قبلات منسية ، قنوات تلفزية وجرائد تناقلت اخبار اغتصاب نساء الفراولة بالقوة ، هناك من فضحن الاغتصاب وهناك من فضلن الصمت خوفا من الفضيحة ، وهناك من استوهتهن لعبة الايلاج والتمسن بوحا من لمسات الليل الدافئة، انبرى الحماري منتشيا بالوهم يخيط الفم الحالم بالعفة وعزة النفس ، يفتح مواضيع مستهلكة لاثارة الانتباه ، بحثا عن معنى للوجود في منافي المقاهي والازقة، تعلق ابواب الحوار في وجه الدخيل المتذاكي ، الكل يمضغ صمته في امتعاض وارتياب ، احمد الحماري طيفلي يحمل رائحة مجاري الوادي الحار وخشونة المعاني ، محشور في قائمة المهمشين والمغضوب عليهم ، مطرقت الفكرت دماغي اكثر من مرة ، عقارب الزمن العفن تتهشم فوق الجمجمة .
اتصلت بالسائق الديوث يوم السبت ، رغبة عارمة تدفعني الى كرع كؤوس الخمر والاستدفاء بجسد انثوي ، الحماري لديه عشرات الفتيات تحت امرته ، اتصال واحد وستحضر المطلوبة للنشاط ، فوق راسي رفرفت ملامح كثيرة رافعة قبعات الغواية ، صور غواني تدوس مواجع الانس تنفخ نفير الشهوات ، اسماء كثيرة مرت امامي بسرعة البرق ، انتصبت كالضياء في مخيلتي تمشي في غنج ، وانبريت أبرنق الكلمات أسبح في الخيال، جاء الصوت عبر الهاتف يستفسر عن الانثى المشتهاة ، الاوصاف المقدمة شحيحة لا تسعف في استحضار المطلوب .

-اسمع ما عرفتش شكون هاد الشابة لي كتهدر عليها

-واش عقلتي على هديك البنت لي نزلتي حدا ملعب الكرة

- واش كاينة غير وحدة كلهم كينزلو في ديك الطريق

- هديك لبنية رقيقة وضحوكة

- شوف انا غادي نجيب لك وحدة مزيانة..شحال نتاع البيرة نتقدا لك

- 15 بيرة ودجاجة مشوية والخبز مونادا لفريت الزيتون..وشي تقاوت كيف العادة

- راني معشي معاك

- كلشي نتاعك

يجلس مبهورا حائرا يدخن في سخافة كل أفكاره المضطربة، رفض استدعاء وعاء للتفريغ، يحشو الفم بقطع اللحم والبطاطس المقلية، لا يريد ان يصحو في سرير الريبة والخيانة ، ظل يفتخر بشيمة الصبر ومقاومة الاغراءات الجسدية، مسكين طيلة سنوات يحلم مثل الجندي في ساحة المعركة بيوم انتهاء الحرب للعودة الى الوطن ، لكن لم يدخل حربا ولم يحمل سلاحا للدفاع عن الارض والعرض ، في سبيل الجشع والطمع فرط في المبادئ المزيفة والشرف ، اصبح نصف متزوج ، لا احد يعرف كيف الرغبات الجنسية، حاصرته مرات عدة بالسؤال وهرب الى منعرجات العقيدة والايمان ، اعترف باستيقاظ الذكريات في الصباح الباكر ، تزوره الزوجة المختفية في الخيال على تخوم ربوات منتحبة ، يحتسي اللذة عند أبواب الاستحلام منبطحا على جليد الحرمان فتذوب كومة الاوجاع والاحزان ،يراها كغيمة الارياف تمطر في الحوباء كل دقيقة وثانية، فرص كثيرة لصمته في عتمات الليالي لينثر السماد في المدن المصابة بالثخمة اعترضته في الطرقات للترفيه عن النفس وتشحيم الخلايا والهرب من اهات الوحدة ، متوجس من مكر الدسائس والسقوط ، انكشاف الانحراف سيتدلى على موائد المقاهي وستنتشر في الهواء العيوب،يفرد غيم الحنين على شفاه في لون الفرولة ، والقلب قانت متعبد يستحيل ان يرتد عن صلوات الحب الاول كانما ولد من مشيمة الزوجة الحبيبة المسافرة لالتقاط الرزق في بلاد العجم .
المدينة عاهرة تشوهت ، انتكست ، شاخت، تحمل الجراثيم والامراض ، اسمع صوت الريح يصفر ، سحبت جسدي من الطاكسي ، صعدت الادراج وظلت صورة طفلة في عمر الزهور عالقة في ذهني ، جسمها ضئيل ونظراتها مشوشة، لعنة الله على من حولها الى وعاء للتفريغ ، ولعنة الله على زناة الليل الذين يفترسون ويزدردون البراءة ، تسلق الحنق في اورتدي واستبدت بي رغبة عارمة في ركل ولكم وصفع ناقل الاحواض ، شتمت الخنزير الذي يحمل الذبائح الى المسالخ و منحدرات اللاعودة ، في الزمن العاهر كل شيئ مباح ، نحن في حديقة للحيوانات القوي يفترس الضعيف .
انقرضت عدة اشهر انقطعت اخبار الحماري ، لم اعد ارد على الاتصالات الهاتفية الكثيرة، بعد تفكير وضعت رقمه في قائمة المنع ، لا خير في من غادرته علامات الرجولة والنبل والشهامة ، رميت الغسيل على القسمات المتشحة بالدياثة لاعبر عن غضبي من سلوكات مشينة ، احمر خجلا وارتبك كتم صرخة او اهة في تلك الليلة الماطرة والباردة ، خجل بدون ارعواء ، تسلق الشيطان شرايين الجمجمة وتمدد في العروق ، انبته كثيرا على ممارسة القوادة تحت غطاء متطلبات المهنة ، لم يبتلع الصفعة وظل يراوغ ويبرر الفعل المقيت ، اعرف انه ولد من ثقوب سوداء وسقط مبكرا من تلابيب الانفة وعزة النفس ، فشل في اقناعي بوجهات النظر المهزوزة ، نفض من رحم الاحترام مسافرا نحو الشمس ، في لساني رزمة طلقات مركونة على تخوم الامتعاض ، علمت من بعض المقربين ان الزوجة عادت من المهجر ، سافرا بمعية الابنة ذات الخمسة سنوات الى مدينة شاطئية ، ترك الطاكسي 69 في عهدة شاب حديث العهد بالسوق ، وطاردته لعنات و لهيب الدياثة .


2021-1-13



#الحسان_عشاق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية ( حفيان الراس والفيلة)
- السياسي والحمار
- مول الزرواطة والبائع المتجول
- موعد مع الموت البطيئ
- مسيلمة الكذاب
- المستشار الكارطوني ومسكر الماحيا
- رواية اقطاعية القايد الدانكي
- بولحية ولد رقية
- فلفول كبير المفسدين
- كلب الحزب
- صرخات المنسي
- رواية ( الولي الطالح بوتشمعيث)
- الشكام
- مول الشفنجة
- حفيان الراس
- راقص الأعراس
- رواية ( الفانوس والاقزام السبعة )
- الحكومة الخفية او الدولة العميقة في المغرب
- مؤشرات متعددة على نهاية حزب العدالة والتنمية المغربي
- دفاعا عن استقلالية القضاء وليس دفاعا عن الصحافي بوعشرين


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الحسان عشاق - الطاكسي 69 والديوث