أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبيحة شبر - تأشيرة السعادة : رواية : الجزء الاول















المزيد.....



تأشيرة السعادة : رواية : الجزء الاول


صبيحة شبر

الحوار المتمدن-العدد: 7273 - 2022 / 6 / 8 - 08:18
المحور: الادب والفن
    


تأشيرة السعادة


(1)

راجعت سفارة بلاد السعادة ، لأحصل على تأشيرتها لدخول البلاد التي يتحدث عنها المتحدثون انها تنتج لبنا وشهدا ، وانها تجعل القادمين اليها يتذوقون ثمرات الجنة ، وهم لايزالون في دنياهم ، وصلت السفارة بعد أن أعياني البحث عنها ، كل من اوجه له سؤالي:
- اين تقع سفارة بلاد السعادة ؟
- لا توجد بلاد بهذا الاسم ، كل بلاد الله تعيسة!
- لماذا ؟
- تنعدم السعادة في الحياة الدنيا ، خلقها الله للصالحين في الحياة الأخرى
يطول بحثي عن الجنة الموعودة ، والتي أقامها الله على الأرض ، فأجد في طريقي شيخا جليلا، تبدو علامات التجربة الطويلة واضحة على محياه:
- شيخنا الجليل : اين تقع بلاد السعادة ؟
- هناك فوق ذلك الجبل ، هل تعرف فن صعود الجبال ؟
- نعم ابتي!
أتوجه الى الجبل الذي أشار اليه الشيخ ، ومن حسن حظي ، لم يكن شديد الارتفاع ، يشبه التل في استوائه ، رأيت في اعلاه بناية كبيرة يقف في بابها جنود مسلحون وترفرف اعلام :
- هل هذه سفارة بلاد السعادة ؟
- نعم ، ولكن لماذا جئت ؟
- جئت رغبة بالحصول على التأشيرة !
- عد يا رجل من حيث أتيت ! لا تأشيرات هنا!
- ومن أين يمكن ان أحصل عليها؟
- من مكاتب الخطوط المنتشرة في أنحاء بلادكم..
- ولكن المكاتب تتأخر في منح تأشيرتكم ، وقد لا تمنحها أبدا !
- هذا يعود الى حسن الحظ ، هل لديك حظ حسن ام سيء ؟
- ليس دائما الحظ نفسه ، احيانا انجح في الوصول الى مرادي ، فأقول ان حظي كان حسنا ، وحين أفشل في تحقيق ما أصبو اليه ، اصف حظي بالسيء !
- تأشيرة بلادنا تمنح لمن كان اصما أبكما وأعمى ، لا يرى ولا يسمع ، ولم يسبب المتاعب لأهله او السلطات ! هل سببت المتاعب للسلطات او للعائلة؟
- أسرتي لم أسبب لها اي نوع من المتاعب ، كانت تحنو علي وتحبني .
- والسلطات ؟ المهم هو السلطات ! هل سببت لها نوعا من المتاعب ؟
- أنا لم اعمل على القيام بما يسبب المتاعب لأي كائن..
- كلامك هذا يشتم منه انك سببت الكثير من المتاعب !
- هل أفهم من هذا : انكم سوف لن تمنحوني تأشيرة بلادكم ؟
- استغفر الله ، سوف يطلبون منك في مكاتب الخطوط سيرة أعمالك ، وهل كنت شقيا في شبابك ؟ وهل قمت بأعمال الشغب مثلا ؟
- لم اقم بأي شيء!
- حسن ، اذهب الى اقرب مكتب للخطوط الجوية في مدينتك ، وبين لهم ما يريدون من معلومات عنك وعن أبيك وأمك وجدك وجدتك وأشقائك وشقيقاتك!
(2)
أذهب الى مكتب الخطوط لبلاد السعادة الرئيس ، الموجود في الشارع الرئيس في عاصمة بلادي، اكتب طلبا للحصول على التأشيرة لي ولزوجتي رفيقة دربي ، يستفسر موظف الاستعلامات عن عمرنا ، والبلدان التي زرناها ، ومتى كانت الزيارة ؟ والغرض من الزيارة؟ وماذا اشترينا من تلك البلدان ؟ والى أي المعالم فيها سافرنا ؟ ثم سألني:
- متى زرت بلاد السعادة ؟
- عدد من المرات ، في 1982 وعام 1986 وفي عام 2004 وعام 2005 وعام 2006..
- لماذا زرتها في السنين المذكورة ؟
- لأمتع نفسي بمشاهدها الجميلة ..
- وهل استطعت امتاع نفسك في المرات السابقة كلها ؟
- لم اكن اطمح الى المتعة تلك الأعوام ، كنت في عمر الشباب ، وكنت اظن انني يمكن لي ان أصنع السعادة بالاعتماد على كفاءتي الشخصية دون الاستعانة بأحد ذوي النفوذ !
- وهل ولت ايام شبابك وادركت مدى قدراتك المحدودة ؟
- أدركت انني عاجز عن تحقيق كل ما أتمناه رغم انني اشعر انني ما زلت شابا !
- كلامك هذا يوحي انك لا ترضى عن الحال !
- رضيت عن حالي ! بعد أن توصلت الى ان الوصول الى تحقيق كل الأمنيات ضرب من المستحيل!
- ولماذا تريد ان تزور بلاد السعادة هذا العام ؟
- لأكتسب الصحة والعافية من ينبوع اكسير الحياة الموجود في شمال بلاد السعادة ؟
- لكن هذا الينبوع لا يمكن الوصول اليه الا بتأشيرة أخرى !
- اعرف هذا
- هل تعلم ان هذا الينبوع يقع في مكان آمن لا يمكن ان يصل اليه احد الا بموافقة من بيدهم الحل والعقد ؟
- اعرف هذه الحقيقة ، وحين احصل على تأشيرة بلاد السعادة ، وأسافر اليها ، اذهب الى مكتب الينبوع واكتب طلبا للحصول على الموافقة .
- هل كانت زوجتك ترافقك في السفر كل تلك السنوات ؟
- نعم ، لا يمكن لي ان أسافر الى اي مكان او ابتعد عن بلادي كثيرا لوحدي !
- لماذا ؟ هل زوجتك تمنعك عن السفر لوحدك ؟
- هي لا تمعني ! لكننا نحن الاثنين لا نرغب في ان يحصل احدنا على السعادة دون الآخر !
- جيد ، سوف نوصل طلبكما للمسؤولين ، وخلال عشرة أيام تظهر النتيجة ، وعليك ان تدفع الآن مبلغ اربعمائة دولار ، مائتان منها ثمن الموافقة على التأشيرة ، والمائتان
- حتى نضمن انكما سوف تستخدمان طائرة بلاد السعادة حين الأخريان تأمينات !
- لماذا التأمينات ؟
- تسافران اليها ، وليس طائرة اي بلاد أخرى !
- وان لم تتم الموافقة على طلبنا للتأشيرة ؟
- نعيد لكما ما دفعتما للتأمينات

- والمائتا دولار الأولى ؟
- هذه لا تعود ، سواء تمت الموافقة على منحكما التأشيرة لدخول بلاد السعادة ، او لم تتم!
- هل تقبلون النقود العراقية ؟
- لا ، اذهب الى محل الصرافة الموجود أمام مكتبنا ، وحول نقودك الى الدولارات..
أخرج من المكتب واسارع الى احدى سيارات الأجرة ، لتوصلني الى منزلي ، اصل المنزل ، تسأل زوجتي:
- هل حصلت على التأشيرة ؟
- ليس بعد ، أمامنا عقبات ، علينا تذليلها !
اضع النقود العراقية في حقيبتي اليدوية ، اعود الى السيارة التي استأجرتها:
- هيا الى المكان الذي ركبت في سيارتك منه !
- حالا سيدي!
اسرع الى محل الصرافة ، وأبدل النقود العراقية الى دولارات ، أعود الى مكتب الخطوط ، أقدم الاربعمائة دولار لهم ، يعطونني وصلا بالتسلم:
- خلال عشرة أيام أو اسبوعين نتصل بك..
(3)ُ
يمر الأسبوعان ، ولا أسمع خبرا عن مكتب الخطوط ! هل قُبل طلبي للسفر الى بلاد السعادة ؟ ام رفض لسبب من الأسباب ، سوف انتظر ثلاثة أيام أخر ، علهم يتصلون ، تنقضي الثلاثة الأيام الأخرى ، وليس هناك من خبر . والحرارة مرتفعة بحيث ينهمر العرق على وجهي ويتراكم على عيني ، فيحجب عني الرؤية ، استقل سيارة الأجرة ، ولا أستفسر عن ثمن توصيلي الى مكتب الخطوط الجوية ، أصل هناك بعد ساعة بسبب الازدحام وتعطل حركة المرور :
- هل وصلت الموافقة على منحي التأشيرة ؟
- نعم .ولا
- ماذا تعنون ؟ هل تمت الموافقة على منحنا التأشيرة ؟
- وافقوا على منحك التأشيرة ، وحجبوا موافقتهم عن زوجتك !
- لماذا لم تتم الموافقة على منح زوجتي تأشيرة الدخول الى بلاد السعادة ؟
- بحثنا عن طفولتها وفترة الصبا ، ووجدنا انها لا تستحق ان تمنح تأشيرة لدخول بلاد السعادة !
- ما هي الاسباب التي منعتكم ؟
- لن نذكرها لك ، في هذا العام فقط لن تسافرا معا ، وسوف يمكنكما السفر في الأعوام التالية !
- متى وصلت تأشيرة الموافقة على سفري ؟
- قبل يومين .
- ولماذا لم تخبروني ؟
- لقد فقدنا رقم هاتفك ، وتوقعنا قدومك هذا اليوم!
- أريد شراء تذكرة السفر .
- ثمنها خمسمائة دولار ذهابا وايابا
- لكني أريد تذكرة سفر للذهاب فقط
- لا يمكن ، القانون عندنا لا يبيح بيع تذاكر السفر الا ذهابا وعودة
- أريد السفر الى بلاد السعادة ، ومن هناك سوف احصل على التأشيرة وأسافر الى ينبوع اكسير الحياة ، ثم اعود الى بلادي عن طريق آخر.
- لا يمكن هذا سيدي الكريم !
- سمعت ان في جزيرة اكسير الحياة مكاتب للخطوط الجوية تطير الى كل الدول ، لماذا لا توافقون على بيعي تذكرة ذهاب فقط؟
- هذا نظامنا الذي نعمل به منذ سنوات عديدة.
- ايضا لا تقبلون بالنقود العراقية ؟
- نعم ، لا أحد يرضى بالنقود العراقية.
- ليس معي اليوم دولارات ، هل يمكن ان ادفعها لكم غدا ؟
- ممكن جدا سيدي الكريم.. ولكنها قد تزيد غدا
- شكرا لكم.
- متى تريد ان تعود الى بلادكم ؟
- اجعلوا التذكرة لمدة شهرين ، هل يمكن ان أغير تاريخ عودتي الى بلادي ؟
- نأخذ منك ثمنا بسيطا!
افرح كثيرا ، اذ انني سوف اتمكن من الحصول على اكسير الحياة ، والذي يحفظ لي صحتي ، ويجعلني شابا ، لا تنال منه الأمراض ، ولا تهزمه الشيخوخة ، ولا يعرف التعب والملل ، انما تسير حياته بما يشاء ويهوى ، لا يعرف تنغيصات الأيام ، ولا يبالي بمن يقف منه موقف العداء ، انما ينظر الى الدنيا ، كما تستحق دون ان يفقد صبره او تصيبه آفة تدل على نفاذ التحمل وارهاق السنين..

(4)
في يوم السفر ، استيقظ مبكرا واستقل سيارة الأجرة لتوصلني الى المطار ، لا اجد في الطريق الكثير من المعوقات ـ أصل المطار وبعد معرفة وزن الحقيبة التي معي ، ادخل غرفة انتظار اقلاع الطائرة ، يجلس بجانبي احد المغادرين الى بلاد السعادة ، يسألني:
- كم مرة توجهت الى بلاد السعادة ؟
- سافرت الى بلاد السعادة عددا من المرات ، ولكني اريد السفر هذه المرة الى جزيرة الينبوع ، وانت ما عدد سفراتك اليها؟
- الى جزيرة الينبوع ؟هذه هي السفرة الخامسة!
- وكيف صارت صحتك ؟ ارى الشيخوخة واضحة عليك!
- تلزمني عشر سفرات لأحصل على الشباب ، الذي تراه في طريق الأفول،
- ألم تشهد اي تحسن في حالتك الصحية ؟
- علي ان اتم السفرات العشر ، وبنية صافية!
- ماذا تعني؟
- يجب ان تكون سفرتنا قاصدين فيها جزيرة ينبوع اكسير الحياة ، ان كانت بقصد اعمال اخرى ، لا يتحقق ما تريد من انقلاب وضعك الصحي!
- هل تعني انني في المرة الأولى لن ارى اي تطور؟
- نعم ، في المرة العاشرة نرى مشاهد الانقلاب. وان كنت صافي النية !
اطلب لي فنجانا من القهوة ، وارتشف قطراتها ، وانا انظر الى حركة الناس في المطار وازدحام الممرات بسيرهم ، وأتساءل مع نفسي :
- هل يمكنني ان اسافر لعشر مرات الى جزيرة الينبوع ؟ هل الأمر بهذه السهولة ؟ ومن يمكنه ان يعرف كم من السنين سوف تستمر رحلته في الحياة ، لم اجد حياتي جميلة جدا ، بحيث أعيد أيامها ، ومرت أعوام الشباب كئيبة قاسية لا فرح فيها ، فهل اسعى لإعادة تلك الأعوام الكابية ؟ سوف اجرب هذه الرحلة ، واتمتع بكل المعالم التراثية في بلاد السعادة ، وسوف احصل على تأشيرة الدخول الى جزيرة ينبوع اكسير الحياة ، ولا أدري ما تخبئه لي الأيام القادمة ، وسوف اكرر السفرة ان مرت الأيام بسرور ومتعة ، يرضيني ما ابدو عليه ، ورغم ان الشباب قد رحل عني ، الا انني اشعر ان القلب ما زال ينعم بشعور المحبة التي تميز الشباب!
(.5)
اجلس في الطائرة قرب النافذة التي اجد نفسي حريصا على الجلوس فيها في كل الرحلات التي قمت بها ، رغم اني ارى العالم صغيرا جدا ، الأشجار تكاد لا ترى فوق الأعالي والجبال بعيدة عن مجال الرؤية ، الا ان سعادتي في السفر تتحقق في ذلك المكان ، في سفرتي هذه الى بلاد السعادة جلس بجانبي الشيخ الجليل الذي تظهر عليه دلائل التجربة والفكر العميق ، وانه تذوق الحياة بحلوها ومرها ، وبلى الأيام قبل ان تبلوه ، واستفاد من رحلة السنين والأعوام ، سألنه :
- ارى انك تسافر وحدك ، هل لديك اسرة ؟
- كانت لي اسرة كبيرة ، ففقدت ابي وامي نتيجة اهوال مرت بهم ، ورحل الاخوة والأخوات متأثرين بشدة العذاب الذي لا قوه ومرارة الأيام التي تجرعوها !
- والزوجة ؟ ألم تجرب الزواج ؟ رغم مرارته ، فان عشرة النساء تضفي بهجة على الانسان المتزوج بعض الأحيان !
- جربت الحب ولم انل لذائذه !
- ماذا تعني ؟
- احببت فتاة كانت في مثل جمال الشمس !
- لكن الناس اعتادوا ان يشبهوا جمال النساء بضوء القمر !
- هذا التشبيه خاطيء اثبت العلم الحديث ان لا حياة في القمر ، وانه جسم معتم ، يستمد نوره من الشمس !
- ماذا حدث مع حبيبتك ؟
- كانت تجمع بين جمال الشكل وروعة الصفات ، فهي شجاعة وباهرة الجمال ايضا !
- هل احبتك ام كان حبك من طرفك فقط ؟
- احبتني بحرارة ، وكانت تتوق الى ان نحيا معا !
- وماذا حدث لكما ؟ هل رفضت اسرتها تزويجها لك ؟
- بل رحبت اسرتها بي !
- ولماذا بقيت اعزبا ؟
- أصابها المرض اللعين فصرعها وارداها !
- رحمها الله ، ألم تحاول ان تحب امرأة اخرى ؟
- لست من انصار تعدد النساء ، لكل رجل امرأة واحدة ، ولكل امرأة رجل واحد !
- لكنك لم تتزوج ! لو تزوجت منها ورحلت وتركتك أرملا ، فانت ملزم بالإخلاص لها ! وان كانت وجهة النظر هذه يعارضها الكثيرون ....
- لم اجرب ان احب اخرى ! وما زال حبها في قلبي حيا !وماذا بشأنك ؟ لماذا لا أجد امرأة معك ؟
- طلبت الموافقة على منحنا تأشيرة بلاد السعادة ، فمنحوها لي وحجبوها عن زوجتي !
- الم يذكروا لك أسباب المنع ؟
- لم يقولوا لي شيئا !
- انهم دائما لايتعبون أنفسهم بذكر التفاصيل !

(6)
نصل مطار بلاد السعادة ، عدد من النوافذ يقف عليها المنتظرون ، ان يسمح لهم بالمرور ، عدد من النوافذ لأبناء البلاد السعيدة ، ونافذتان للأوروبيين ، ونافذتان للإخوة العرب ، ونافذة واحدة للعراقيين ، يجلس عليها موظفان ، الأول للعراقيين الذين يعيشون خارج العراق ، ولهم وثيقة اقامة تشهد بذلك ، و الموظف الثاني قد خصص عمله للعراقيين القادمين من العراق ، نرى الازدحام مهيمنا ، والناس قد فقدوا صبرهم من طول الانتظار ، وحين يأتي دوري ، يقول لي الموظف :
- اذهب الى المصرف ، و اشتر من عملتنا الوطنية مائة وخمسين دينارا ، ثمن التأشيرة.
- لقد دفعت ثمن التأشيرة .
- دفعت انت ثمن الموافقة على منحك التأشيرة ودخولك اراضي بلاد السعادة .
أذهب الى المصرف الكائن في المطار واحول مائتي دولار الى دنانير بلاد السعادة، اسلم النقود الى الموظف الذي اخذ مني جواز السفر:
- انتظر من فضلك على المقاعد الموجودة مقابلنا.
اجد على الكراسي الموجودة مقابل نوافذ منح التأشيرات ، عددا من القادمين ، ينتظرون دورهم للحصول على التأشيرة ـ التي تسمح لهم بدخول الأراضي السعيدة ، يقول لي احد المنتظرين :
- لا تقلق ، سوف ينادون على اسمك بعد قليل ، ويعطونك الجواز وقد ختموا عليه تأشيرة بلادهم ..
- هل يتأخرون في منح التأشيرة ؟
- ليس كثيرا ، انا اعرف هذه المعاملات ، جئت الى بلاد السعادة عددا من المرات
يقف المتكلم معي:
- انهم ينادون على اسمي ، سوف يأتي دورك بعد قليل..
أجد الوقت طويلا ، ولأن الجلوس الطويل يضر بصحتي ، أترك الكرسي واتمشى قليلا ، اسمع صوتا ينادي:
- غانم جليل!
أسرع الى الموظف الذي ناداني ، يعطيني جواز سفري ، وقد ختموا عليه تأشيرة بلادهم لمدة شهر..

(7)
أتوجه الى مكان استلام حقائب السفر ، اجد ان المسافرين القادمين الى بلاد السعادة ، قد استلموا حقائبهم ، وغادروا ، لم ابق الا انا ، سألت :
- أين حقيبتي ؟ لم اعثر عليها !
- لماذا تأخرت في الوصول ؟ ركاب طائرتكم القادمة من البلاد المستعرة ، استلموا حقائبهم وغادروا.
- ماذا يمكنني ان افعل الآن؟
- اذهب الى رئاسة المطار !
اسرع في الذهاب الى رئاسة المطار ، واشكو لهم فقدان حقيبة السفر:
- ما هي صفات حقيبتك ؟
- سوداء متوسطة الحجم..
- ورقم الرحلة؟
أبين لهم رقم الرحلة ، يخبرونني انهم سوف يبحثون عن حقيبة السفر ، وعلي ان اراجعهم بعد اربعة أيام ، اخرج وفي طريق خروجي اعرج على مكان الحقائب ، اجد حقيبتي واقفة لوحدها ، استلمها واخرج من المطار ، وعند باب الخروج يسألني ضابط الاستعلامات:
- اين ستقيم ؟
- حجزت مكانا في أحد فنادق البلد ، هل توجد سيارة اجرة تقلني ؟
- في الباب تجد العشرات من سيارات الأجرة ، ولكنها تشتغل من المطار واليه بلا عداد..
استأجر سيارة الأجرة يقول لي سائقها :
- سوف اوصلك وتعطيني الاجرة التي اقترحها عليك ...
- كم الأجرة ؟
- لا أعرف الآن ، سوف استفسر عن موقع الفندق الذي حجزت فيه اولا.
يتصل السائق بأحد معارفه ، ويستفسر عن موقع الفندق:
- فندقك بعيد جدا!
- كم الأجرة ؟
- حين نصل اخبرك !انتم في البلاد المشتعلة تحبون السفر كثيرا وتقومون بمغادرة بلادكم الى بلدان اخرى اقل غنى ، لماذا لا تحبون الاقامة طويلا في بلدانكم ؟
- نحب بلادنا كثيرا ، ولم يعرف عن مواطنينا انهم يؤثرون السفر الا في السنين الأخيرة .
- لماذا ؟ ما هي الأسباب التي جعلتكم تتغيرون ؟
- اسباب كثيرة ، نحن شعب مظلوم نعاني من امور عديدة ، لا مجال لشرحها الآن ، ونحن في طريقنا الى الفندق ، هل ما زال الطريق بعيدا ؟
- ليس كثيرا ، اوشكنا على الوصول !
أجد الشوارع جميلة ونظيفة ، والطرق طويلة.. والاشجار الكثيفة الاغصان تحيط بالشوارع فتكسبها جمالا وبهجة ، لم نعد نراها في بلادنا التي تكثر فيها الحرائق ، ينظر الي السائق بتمعن ، ويقول :
- لقد وصلنا ، هذا الفندق الذي حجزت فيه...
(8)

اصل الفندق الذي سمعت انه يعتني بنزلائه ، القادمين من البلاد المستعرة ، أستفسر عن جزيرة اكسير الحياة ، وعن اسهل الطرق للوصول اليها، اوجه اسئلتي الى موظفي استعلامات الفندق :
- الوقت متأخر الآن ، كان عليك الذهاب الى مكتبهم حالما خرجت من المطار ، هل عندك دعوة لهذا الجزيرة ؟
- نعم عندي دعوة ، أرسلها لي صديقي من الجزيرة .
- سوف لن تتأخر التأشيرة الى الجزيرة .
- كم تستغرق من وقت ؟
- بين الاسبوع والعشرة أيام! اذهب غدا صباحا واطلب التأشيرة ، وقدم أوراقك المطلوبة.
- ما هي الأوراق التي يطلبونها ؟
- صورتان شخصيتان ، صورة عن الجواز ، ورقة الدعوة ويجب ان تكون أصلية ، صورة عن جنسية الصديق الذي أرسل لك الدعوة. بالإضافة الى ما يثبت ان لك عملا في البلاد التي قدمت منها !كما لديك حساب مصرفي !
وماذا بشأن السفر الى أشعر بتعب كبير ، اذهب الى غرفتي في الفندق ، وأضطجع على سريري ، وانا انظر الى برامج التلفاز ، استمع الى اغان تجعلني انسى توتري ، وهمومي التي كثيرا ما تصحبني ، الى أي مكان أذهب اليه ، اتصل هاتفيا ب بزوجتي وأصدقائي في البلاد المستعرة ، اطمئنهم على سلامة وصولي:
- زماذا بشأن جزيرة اكسير الحياة؟
- غدا أتوجه الى مكتبهم ، وأقدم الأوراق التي يريدونها!
- رافقتك السلامة.
أجد نفسي وقد استغرقت في نوم عميق حتى طلوع النهار ، أغير ملابسي وانزل الى المطعم ، لتناول طعام الافطار.
اطلب فنجانا من القهوة التركية المرة ، وارتشف قطراتها بتلذذ ، ايمم وجهي ناحية مكتب جزيرة اكسير الحياة ، يقول لي موظف في الاستعلامات :
- لا أظن انهم سوف يوافقون على منحك التأشيرة !
- لماذا ؟ وقد قمت بتجهيز كل الأوراق الضرورية ، هل انت من مواطني الجزيرة ؟
- لا ، انا مواطن من بلاد السعادة ، تمر علي الكثير من الحالات ، وقد رفضت العديد من طلبات تأشيرة الجزيرة.، وخاصة تلك التي كانت من مواطني البلاد المستعرة !
- لماذا ؟
- لأنكم لا تحمدون الله على النعم التي منحكم اياها !
- ادع الله ان يوفقني!
- يا الله.
ينادي موظف الاستعلامات احد الرجال ، يعطيني استمارة ، اقوم بملئها ، يناول ملفي الى احد الموظفين ، ويقول لي :
- راجعنا بعد أسبوع!

ينتهي الاسبوع بالسير والتسكع في بلاد السعادة ، اجد الشوارع نظيفة والأمن مستتب، ارى الأسواق وقد صفت بضائعها بعناية تدعو الناس الى شرائها رغم انهم يملكون منها الكثير !

(9)
يمر الأسبوع وأهرع الى مكتب ينبوع السعادة ، وانا امني النفس انهم سوف يوافقون على طلبي ، فتتحقق أمنيتي ، وأنال السعادة التي أستحقها ، ولكنهم يأمرونني بالانتظار ، اجلس بعد ان اخذوا مني هاتفي المحمول ، جلست والحيرة تستبد بي ، كيف امضي الوقت بالانتظار ، وهاتفي ليس معي ، كي يسليني ويفرج عن همي ، تتضخم ساعات الانتظار ، الذي اجده غولا ، يضغط على صدري ، ويسلبني الطمأنينة ، ترى ماذا بمقدوري ان افعل ، ان استمر انتظاري ؟ هل تذهب اوقاتي ادراج الرياح ، وهل يريدون ان يسرقوا مني شعورا بالتفاؤل اجاهد كل صباح كي يصاحبني طوال نهاري ؟ احاول ان ازرع الثقة في نفسي التي نجحوا في بث روح الخوف فيها ! ارى جميع المنتظرين ينادى على أسمائهم ، فيسارع كل منهم الى مغادرة المكان ، وأسال نفسي :
- متى يحين دوري في الاستجابة للطلب الذي قدمته لهم ؟ ووجدت ان سعادتي تتوقف على موافقتهم على قبولي !
يمضي الوقت بطيئا طافحا بالقلق والتوتر ، اذهب الى موظف الاستعلامات :
- متى ينادون على اسمي ؟
- لم يحن الوقت بعد ! استرح في مكانك ، انها فترة اختبار لك !
- ماذا تعني ؟
- لن اخبرك ! هل سمعت يوما ان استاذا اعطى اجوبة الامتحان لطلابه ؟
- لم اسمع بهذا ولكن قل لي من فضلك ، كيف تكون فترة الاختبار ؟
- هذا ايضا لن اخبرك به !
- وماذا علي ان أفعل ؟
- اجلس في مكانك واصبر ، ارى انك لا تتصف بحسن الصبر !
- الناس الذين يعرفونني يقولون انني صبور جدا !
- يبدو ان ناسك لم يعرفوك جيدا ، فانت شخصية قلقة ولا تعرف كيف تثبت !
- سوف اصمت ولن اطرح عليكم الكثير من الأسئلة ! متى يحين دوري ؟
- عدت الى سيرتك ! ألم تعدنا قبل قليل ان تحسن الصبر ؟
- بلى ! ولكن المكان هنا لا دفء فبه !
- هذا هو المكان الذي تريد !
- هل جزيرة ينبوع السعادة بمثل هذه البرودة ؟

(10)
تمر الأيام بطيئة ثقيلة ، لا اجابة على طلبي بالحصول على تأشيرة ،و البرودة تفتلني ، صقيع شديد يصيب القلب والروح ، لا احد معي كي أبثه همومي ، وأشكو اليه حالي ، فقد تركت مكاني الذي اعتدت عليه وفيه اصحابي الذين اتحدث معهم بكل شيء يعن لي ، هنا اجد الناس في منتهى الاناقة والجمال ، لكن لا أشعر ان لهم قلبا يمكن ان اشعر بالدفء معهم ، حدثني الكثيرون عن هذه البلاد ، وانها تتميز بالصفات التي منعها الله عن بلاد نشأت بها وتعودت على طبيعة اهلها ، ماذا يمكنني ان افعل هنا ؟ ازور الاسواق وارى البضائع بمختلف الانواع معروضة بعناية وذوق ، فهل اقدم على شراء بعضها ؟ وعندي الكثير من هذه الحاجات قد كدستها في خزانات ملابسي ،والتي لم اعد اجد فيها ما يستهوي القلب ويبهج الفؤاد ، وهل ازور حدائق هذه البلاد ووطني زاخر بأجمل الحدائق التي تكثر فيها اجمل الورود واحلى الأزهار ، ينتهي رصيد الهاتف ، يخبرونني ان في هذه البلاد يمكنني ان اضع رصيدا ليعينني على الاتصال بأحبتي الذين تركتهم في بلاد غادرتها ،وانا امني النفس انني سوف اعثر على ما بقيت أتمنى الحصول عليه ، نويت ان اغادر بلادي من اجل ان احصل على امور تنقصني ...عندي الكثير من الاشياء ولكن الشعور بالدفء الدائم ينقصني ، وقد أصابني الاعياء من كثرة الجري خلف امور كانت بحوزتي ، لم اكن ادري انني اتطلع دائما الى اشياء ليست بحوزتي واظل احلم بالحصول عليها ، فاذا ما نجحت في مسعاي، فقدت تلك الاشياء بريقها ووجدتها خالية مما يبعث الفرح ، فهل الاشياء هي من يجعل نفوسنا مسرورة ؟ ام ان هناك امورا اخرى تستوطن القلوب وتمنحنا الرضا عن حالنا ، رغم حرماننا من كثير من الحاجات التي يجدها الناس ضرورية ،...

(11)
اذهب الى مكان يمكنني ان احصل فيه على رصيد لهاتفي الذي لا اقدر على فراقه ، فهو يعينني في الاتصال بأصدقاء كثر لي اعتز بصداقتهم ، كما انني بالهاتف استطيع ان اراجع بريدي بالأنترنت ، كما أتمكن من سماع أغاني تستهويني ، وبواسطة الهاتف ايضا يمكنني ان امتع نفسي بالفيس بوك ، حيث أقرأ ما ينشره الأصدقاء من معلومات ، وأسعد بالنوادر والنكات التي يحرص الجميع على سماعها سألت احد الأشخاص عن موقع المكان الذي سأضع فيه الرصيد لهاتفي ، اجابني :
- في محل جنات الدنيا يوجد جميع ما تشتهي نفسك !
- لا اريد الكثير مما تشتهي نفسي ، ارغب بوضع رصيد في هاتفي !
- اذهب الى جنات الدنيا !
- اين تقع هذه الجنات ؟
- في كل مكان من بلاد السعادة تجد فرعا لها !
- وما الفرع القريب منا ؟
- سر أمامك نصف كيلومترا ، ثم عرج على اليمين وسر نصف كيلومترا ، وعرج اخيرا على اليسار تجد ما تطلب !
أقوم بتنفيذ ما ينصحني به الشخص ، وأسير امامي خمسمئة مترا واسير على اليمين خمسمائة متر اخرى ، ثم اعرج على اليسار وبعد مسيري الامتار الخمسمائة اجد مكتب الأرصدة امامي ....
- اريد رصيدا لهاتفي !
- ما خطك ؟ اي نوع من الارصدة يناسب هاتفك ؟
- هاتفي اضع فيه رصيدا من الزهرة ؟
- اي زهرة ؟ في بلادكم المشتعلة توجد زهرة للرصيد وفي بلاد السعادة توجد ايضا زهرة !
- وهل زهرتنا هي نفس زهرتكم ؟
- محال يا سيدي ! انت بلادكم مشتعلة ونحن بلادنا تسمى السعادة !
- وماذا يمكنني أن أفعل ؟ نفذ رصيد هاتفي واريد الاتصال بأصدقائي في الوطن !
- تعني في بلادكم الأرض المشتعلة ؟
- نعم ..
- لا يوجد عندنا حل لمشكلتك ! لماذا لا تقتني جهازا جديدا ؟
- هل تبيعون الهواتف المحمولة ؟
- ليس عندنا !
- اين يمكنني أن اجد هاتفا رخيصا واضع فيه رصيد زهرتكم ؟
- اذهب الى سوق الهواتف !
- اين يقع هذا السوق ؟
- ليس قريبا من هنا ! استعن بسيارة اجرة !
(12)
اطلب سيارة اجرة ؛:
- الى سوق بيع الهواتف المحمولة !
بسرعة لم اكن أتوقعها ، اصل الى سوق الهواتف :
اطلب نوعا رخيصا ومناسبا من الهواتف المحمولة ، ارى الكثير من الأنواع ، تحت كل منها ثمن معين ، يعجبني هاتف صغير وجميل :
- كم ثمن هذا الهاتف ؟
- مائة دينار !
- وهل تقبلون بالدولار ؟
- كلا ، اذهب الى وكالة التصريف امامنا واشتر مائة دينار من عملتنا واعطهم الدولارات التي يريدونها !
اسارع الى وكالة التصريف واشتري منها مائة دينار من عملة بلاد السعادة ، وأعود الى سوق الهواتف :
- هذه المائة دينار !
- هل عندك ما يثبت شخصيتك ؟ جنسية او جواز سفر ؟
- عندي جنسية !
- لكنك لست من هذه البلاد ! جنسيتك لا تناسبنا هنا !
- وكيف يمكنني ان اشتري الهاتف ؟
- هات جواز السفر !
- ليس معي !
- اين وضعته ؟
- في الفندق اخذوه مني !
- عد الى الفندق وتعال وفي يدك جواز السفر ! لن تتمكن من شراء هاتف جديد الا مع ما يثبت لنا شخصيتك ، وجواز السفر احسن اثبات !



(13)
وأخيرا صدرت الموافقة على دخولي بلاد ينبوع اكسير الحياة ، عرفت بالأمر الذي طال انتظاري له بعد اتصال هاتفي:
- انا السيد غانم جليل ، اتيت اليكم قبل ايام طالبا الموافقة على دخولي ينبوع اكسير الحياة!
- آه ، نعم صدر القرار قبل يومين
- اتصلت بكم قبل يومين ولم تخبروني ان القرار صادر ؟
- حين اتصلت بنا ، لم يكن قرار الموافقة قد صدر ، بعد دقائق ابلغونا انهم وافقوا !
- وهل وافقوا ايضا على منح التأشيرة لصديقي محمود ؟
- الرجل الذي جاء معك طالبا الموافقة على دخوله ينبوع اكسير الحياة لم يوافق على طلبه بعد!
- لماذا ، لم يصدر القرار بعد بالموافقة على منحه حق الدحول ؟
- ربما يتأخر يومين او اكثر ، لا داعي للقلق !
- هل انتم متأكدون ان القرار بمنح صديقي الموافقة على دخول الينبوع سوف يصل قريبا ؟
- نعم ، وبالتأكيد ، لن يخيب أمل من يلجأ الينا ، كل الطلبات التي تأتينا يستجاب لها...
- ولماذا لم توافقوا على طلب صديقي وقد تقدمنا بطلب التأشيرة الى الينبوع في وقت واحد ؟
- صديقك غني ، أليس كذلك ؟
- وما دخل غناه بموضوع تأخير التأشيرة او تقديمها ؟
- انت دفعت الرسوم قبل منحك تأشيرة بلاد السعادة ؟
- نعم انا دفعت ، وصديقي ايضا دفع ، فلماذا تتم الموافقة على منحي التأشيرة قبل منحه بأيام ؟
- يتم دراسة كل حالة لوحدها ، ننظر الى طلبات كل شخص بعيدا عن ما يطلبه أشخاص آخرون !
- لم أفهم !
- صديقك فاحش الغني وانت متوسط الحال ، وليس من المعقول ان يدفع كل منكما نفس المبلغ !
- هذا ما يتبع في العالم كله !
- ينبوع اكسير الحياة ليس كل العالم ، يختلف المكان عن كل الأمكنة الأخرى ويتميز عليها !
- وكيف يعرف صديقي سبب تأخير التأشيرة ؟
- انت تخبره !
- كيف ؟ هل اقول له انكم تطلبون منه ان يعطيكم ثمنا اكبر مما دفعت انا للتأشيرة نفسها ؟
- لا ، لا تخبره بهذا ، بل قل له انه لم يجلب كل الأوراق المطلوبة !
- وما هي الأوراق التي لم يسلمها لكم ؟
- ما يثبت حسابه المصرفي ومقدار الحساب !
- وانا ايضا لم اسلمكم هذا الاثبات !
- لا نريد منك اثباتا بانك تملك حسابا مصرفيا ، يكفينا اننا نعلم انك تملك عملا في بلادك ، وناجح في عملك ومن المستحيل ان تضحي بعملك ونجاحك فيه من اجل البقاء في مكان ليس لك فيه احد ، حتى لو كان ينبوعا للسعادة كلها !
- وصديقي ؟ ماذا اخبرتكم تحرياتكم عنه ؟
- انه لا يملك عملا في بلاده ، وهو واسع الثراء ، أتته النقود الكثيرة على طبق من ذهب !
- وهل تظنون انه يريد البقاء في الينبوع ؟ تاركا بلاده التي تدر عليه مالا وفيرا وجاها كبيرا وعزا لا ينتهي ؟
- لن يترك بلاده ، بل جاء يريد ان يتمتع بما سمع من آيات الجمال ، هو صديقك ويشبهك ، انه لا يترك المضمون المتحقق من اجل لا شيء !وربما يترك بلاده التي ورث فيها الاموال الطائلة !
- كيف يترك ثروته الكبيرة ؟
- لا يتركها ، يمكنه ان يتمتع بها وهو بعيد عنها بالبطاقة الذكية التي يملكها !
- كيف علمتم انه يملك هذه البطاقة ؟
- ألم اخبرك اننا نتحرى عن كل الأشخاص قبل ان نوافق على منحهم حق الدخول الى جزيرة الينبوع ؟
- وماذا ستطلبون منه لقاء منحكم التأشيرة ؟
- سنرفع ثمنها ، وكم دفعت انت ثمنا للتأشيرة ، سوف نطلب منه ان يدفع أربعة أضعافها !
- لماذا تفعلون هذا ؟
- اخبرناك السبب ، لأنه فاحش الثراء وليس عنده مسؤوليات !
- لكنه متزوج وعنده اولاد !
- استطاع ان يترك اسرته ويقيم لوحده في بلاد السعادة !
- كيف عرفتم بهذه الامور ؟
- انتما لم تقدما الى بلاد السعادة معا ! قابلت صديقك في هذه البلاد ، هو ليس مثلك ، يتمسك ببلده ، بقي بعيدا عن اسرته وقتا طويلا !

(14)
دفع صديقي محمود ما طلبوه منه ، اراد ان يمتع نفسه برؤية مكان جديد وها هو يفعل ، صحبته في السفر وركبنا الطائرة ، وجلسنا متجاورين ، وطلبنا النبيذ الأبيض حين جاءت المضيفة تسأل :
- ماذا تفضل ان تشرب ؟
استمعنا الى الأغاني المختلفة وشاهدنا معا مشاهد تثير الضحك في احدى القنوات الفضائية ، حين نزلنا من الطائرة ، واعطينا جوازات سفرنا للختم عليها ، وجدنا عددا من الأشخاص قدموا من بلادنا ويريدون ان يمتعوا انفسهم في الينبوع ، كنا مجموعة من الرجال والنساء ، كل رجل منهم صحب زوجته او حبيبته معه ، الا انا وصديقي محمود ، فأنا لم يوافقوا على منح زوجتي التأشيرة ، واضطررت على السفر لوحدي ، اما صديقي فآثر ان يترك اسرته في البلاد المشتعلة .
ختمت جوازات السفر كلها وبقي جواز صديقي محمود ، قلت له :
- سوف انتظرك ، لا تقلق ، مهما تأخروا في الختم على جوازك سأكون بانتظارك ، لقد قدمنا معا الى الينبوع وسوف نظل معا ، أبدى الجماعة الآخرون وكانوا أربعة ،رجلين وامرأتين موافقتهم على قولي ، واستعدادهم ان يكونوا معنا لنذهب الى فندق واحد ،، طال انتظارنا جميعا ، واستبد القلق بصديقي محمود وتوترت اعصابه ، وخشى ان ينفرط جمعنا وان يطول انتظارنا ونتركه ونذهب :
- - لن اترك صديقي وسوف انتظره مهما طال وقت الانتظار !
- كلنا معك سوف ننتظر ، وان كنا نشعر بالجوع سننتظر !
ابتعدنا عن مكان ختم الجوازات قليلا ، وبين فترة واخرى يذهب محمود للاستفسار :
- اين جوازي ؟
- انتظر قليلا ولا تكثر من الالحاح ! لسبب ؟
- لا سبب عندنا ، جوازك ليس مثل جوازات اصحابك !
- لم افهم ماذا تقصدون ؟
-
- جماعتي كلهم استلموا جوازاتهم الا انا ! ما هو افكر انهم يريدون منه ان يعطيهم بعض النقود ، فهم يعرفون انه يملك ثروة كبيرة ، أهمس في أذنه :
- اعطهم يا صديقي بعضا من نقودك !
- ليقولوا لي صراحة ، اخشى ان يتهموني انني اقدم لهم الرشوة !! كيف يمكنني ان اعطيهم واتقي اتهامي بانني ارشيهم في الوقت نفسه ؟
- لا بد من المغامرة !
اذهب الى احد الموظفين وأسأل :
- ماهي أسباب عدم ختم جواز صديقي ؟
- ليأتي هو ويستفسر عن السبب ! لماذا تقوم انت بالمهمة بدلا عنه ؟
يذهب صديقي الى الموظف ويعود مبتسما وبيده جواز السفر ! يسألنا احد الموظفين :
- ما هو الفندق الذي سوف تقيمون فيه ؟
- لم نحجز بعد ، ما هو الفندق الأمثل برأيكم ؟
- هناك فندق مشهور اسمه النعيم ، كل من اقام فيه اياما يجد سعادته فيه !
- حسن ...سوف نذهب الى هذا الفندق !
- مواطنو البلاد المستعرة كثيرا ما يفضلون الاقامة في فندق النعيم لنظافته وتميزه بخدمة الزبائن على احسن وجه وان وجبات الطعام التي تقدم فيه تنال اعجاب كل المقيمين فيه !
نقتنع بنصيحة الموظف ونستأجر سيارتي اجرة الرجلان والمرأتان في سيارة ونبقى أنا ومحمود في السيارة الثانية ، نوجه سائق السيارة الامامية :
- الى فندق النعيم !
تصل السيارة الامامية الى الفندق وتقف السيارة الثانية خلفها ، يدخل الاربعة اشخاص الى الفندق وهم رجلان وامرأتان ، وتنتظر السيارة الاخرى خارج الفندق ، يعود الاربعة اشخاص خارجين من الفندق وهم يتذمرون :
- من دلنا على هذا الفندق ؟
- ما به ؟
- وسخ ولم يرتب ولم تغير شراشفه منذ سنة ، وتنتشر فيه رائحة كريهة ! كما اننا لم نجد فيه نساء ! الرجال اخذوا ينظرون الينا بوقاحة لم نعرفها في بلادنا !
قال سائق السيارة التي أقلتني مع صديقي محمود :
- من دلكم على هذا المكان ؟ انه لا يليق بكم ! اعرف ما يريده مواطنو البلاد المستعرة ! انهم يطلبون النظافة وحسن المعاملة والذوق !
- وماذا نفعل الآن ؟
- سوف ادلكم على فندق راق يليق بإنسانكم المهذب !
نوافق على اقتراح سائق سيارتنا ، وتنطلق السيارتان بسرعة متوجهتين الى فندق ينال استحساننا !

(15)
وصلت السيارتان الى فندق يبدو انه يتمتع بالجمال ويرضى عنه الزوار ، نجد غرفا متنوعة ، يخبرنا الموظف في الاستعلامات :
- عندنا غرف متنوعة حسب ما تحبون !
- كيف ؟
- غرف كبيرة للرجال منكم تسع أربعة رجال ، وغرفة اخرى للنساء ترتاح فيها السيدتان
- في اي طابق ؟
- الغرفتان في الطابق السادس ! وهناك مصعد ،
- والنوع الثاني من الغرف عندكم ؟
- غرفة لكل زوجين ، وغرفة ثالثة للصديقين غير المتزوجين !
- وفي اي طابق ؟
- في الطابق الرابع ، وفي كل غرفة من الغرفتين سرير مزدوج واحد ، اما الغرفة الثالثة ففيها سريران كل من الصديقين ينام على احدهما !
- سوف نختار النوع الثاني من الغرف ÷، سوف نظل مع زوجاتنا ، كيف هو نظام وجبات الطعام هنا ؟
- في الفطور تكون المائدة مفتوحة وعليكم ان تتوجهوا لها منذ الساعة الثامنة صباحا وحتى الساعة العاشرة ، اما الوجبتان في الظهر ووجبة العشاء ، يمكن لكل نزيل ان يطلب ما يشتهي من المطبخ ، الذي سوف يسرع في تلبية الطلب ، الآن انتم أربعة متزوجين ، اعطونا وثائق تثبت زواجكم !
ينطلق صوت سمير:
- انت يا امرأة ؟ لماذا لم تجلبي معك عقد الزواج ؟
- انت تعلم ان عقد زواجنا ليس معي ، انت من يحتفظ به دائما !في حقيبتك المغلقة !
- كان عليك ان تذكريني ! تعرفين انني انسى !
- فلت لك مرار ا وانت تجيبني لا تلحي ،اعرف ما اقوم به !
- عليكم الا تتخاصموا خارج بلادكم ! ما تفعلونه عيب !
ينطلق صوت بهاء متوجها الى رفيقته في السفر:
- ونحن ؟ ماذا يجب علينا ان نفعل ؟ لا عقد معنا ولا وثيقة !
- طلبت منك الف مرة ان نحفظ حبنا ونتزوج!
- وقلت لك الاف المرات ان الزواج لا يحفظ الحب !
- يوجد حل لما انتم فيه !
- ما هو حلكم ؟ اسرع به !
- عندنا غرفة للسيدتين وغرفة ثانية للرجلين ....
- اصابنا التعب ، لنسترح قليلا ! وغدا نفكر في حلول تخرجنا من هذا المأزق !

(16)
يغيب ستة الأشخاص في نوم عميق ، بعد عناء السفر ، في الصباح ينطلق كلهم الى مطعم الفندق لتناول طعام الافطار وكان شهيا ، الشاي الساخن الذي شربوه قضى على التعب الذي نالهم في الأمس ، استفسر سمير وبهاء عن موقع سفارة البلاد المشتعلة في الينبوع ، ليسألاها عن حل لمشكلتهما ، قال سمير :
- مشكلتي لها حل يمكن ان نؤكد ان زواجنا قائم عند ذهابنا الى السفارة !
- كيف تؤكد زواجكما وانتما لم تجلبا عقد الزواج وبطاقتكما الوطنية تخلو من ذكر اسم الزوج او الزوجة ؟ ان كنتما تجدان حلا لمشكلتكما ، فنحن ايضا نعاني من المشكلة نفسها ، سنقول اننا متزوجان ونسينا ان نأتي بعقد الزواج معنا !
- ولا مشكلة ان ارادوا ان تثبت زواجك بعقد ثان ؟
- وهل تظن انهم يطلبون ان نكتب عقدا اخر بوثيقة زواج جديدة ؟
- وكيف يعطونك وثيقة انك متزوج ؟
- رفضت الزواج في بلدي وعندي أسباب وجيهة ! فكيف اقوم هنا بما كنت أرفضه باستمرار ؟
- صونا لك ولحبيبتك ان تتعرضا للمساءلة !
- في بلادنا لم يعرضنا احد لمواقف حرجة ! فكيف يمكن ان نجد هنا ما نخشاه !
- هل كنتما تعيشان في منزل واحد ؟
- دلال تعيش لوحدها في منزل المرحوم ابيها وقد غادر شقيقاها الى اوربا ! وانا اعيش في منزل ابي مع الاسرة والاخوات !
- وهل تعرف اسرتك انكما متزوجان بدون عقد زواج ؟
- كانت اسرتي تلح علي ان اكمل نصف ديني بتسجيل الزواج ، لكني ارفض القيود !
- وما نوع القيود التي تخشى منها وانت تعرض زوجتك لجرح الكرامة والشك بسلوكها ، وقد تتعرض للتحرش !
- في بيتها نخبر الجيران والاصدقاء اننا متزوجان ، ولم يطلب احد منا ان نبرز وثيقة الزواج !
- وهذه سفرتكما الأولى خارج البلاد ؟
- اعرفها منذ عامين ، لم نبتعد عن منزلها الا للتسوق !
- وكنت تنام مع اسرتك كل ليلة ؟
- نعم ، لئلا اتعرض للانتقاد !
- وهي تتركها وحيدة ؟ ألم يسأل الجيران والمعارف عن الأسباب التي جعلتك وانت المتزوج ان تبيت كل ليلة خارج بيت الزوجية ؟
- لا اظن انهم سألوا دلال !
- كثيرا ما تعرضت الى أسئلتهم ، وأطلب من بهاء أن نكتب عقدا للزواج في المحكمة ، وفي كل مرة كان يأبى !
- ولماذا ترفض يا رجل ؟
- خشية ان يتبدد الحب الذي احمله لها وتحمله لي !
- الا تخاف ان تلوك سمعة حبيبتك الألسن القذرة "؟
- وكيف تبتعد هذه الألسن وهي اكثر عددا من النظيفة ؟ ألم يتهم بعض الناس الزوجات المخلصات ويثيروا التهم حول سلوكهن ؟ ألم نسمع من يدعي ان كل النساء خاطئات يمكن ان يقترفن الرذيلة دائما ؟
- أصحاب النفوس المريضة يوجهون الاتهامات لأصحاب السلوك القويم وصاحباته ! ولكننا نحرص على سلوك الزوجة وسمعتها !
- لا شيء ينجي ! لهذا آثرت الا اعقد قراني !
- والمسكينة ؟ التي اثرت ان ترتبط بك ؟ كيف يمكن ان تظل بدون عقد يحميها ويحفظ لها حقوقها ؟
- اي حقوق تعنيها ؟ وهي اقتصاديا من تتحمل الأعباء ؟
- امرأتك الملاك لا يشبهها احد ! ولكننا هنا لن نبيح لك ما تجده في بلدك هينا وفي متناول اليد ! لن تجد مكانا يأويك الا اذا كتبت العقد !
- هل من المعقول انكم هنا تمنحون النساء حقوقهن اكثر مما نجد في بلادنا المشتعلة ؟
- في بلادكم كل شيء مباح ، بعضكم ملائكة يحترمون الناس ويقدرونهم حق قدرهم ويريحون المرأة ويجعلونها سيدة لهم ورفيقة حياة وحبيبة !
- والبعض الآخر ؟
- هذا البعض نعوذ بالله منه ، يدعي التقدمية واحترام الآخر ،لكنهم في الحقيقة لا يتورعون عن ظلم الناس جميعا ان تمكنوا واستتب لهم المكان !

(17)
يتفق الأربعة اشخاص ، سمير وزوجته نادية وبهاء وحبيبته دلال ان يذهبوا الى السفارة العراقية في جزيرة الينبوع وان يسجلوا زواجهم ،وان يستلموا من السفارة وثيقة تؤكد انهم متزوجون ومن حقهم ان يجدوا مكانا لائقا بهذا الفندق المحترم الذي اعلن صراحة انه غير مستعد لاستقبال الاحباب الذين لا تربطهم وثيقة الزواج في غرفه ، استفسروا عن موقع السفارة العراقية وكيف يمكنهم الوصول اليها ، قال لهم موظف الاستعلامات :
- غدا يوم الجمعة حيث تعطل السفارة وكل الدوائر الحكومية والبعثات الدبلوماسية !
- وكيف نذهب اليها يوم السبت ؟
- عندنا سيارات اجرة خاصة بالفندق ، يمكن ان توصلكم الى حيث تريدون !
- وهل ثمنها مرتفع ؟
- اكثر قليلا من سيارات الاجرة التي توجد في الشارع ، لكن سياراتنا اكثر امانا ويمكنكم الثقة بها ، مواعيدها محفوظة وتعرف مواقع اي الامكنة تريدون !
- وفي طريق العودة ؟
- يمكن ان تنتظر سيارات الاجرة العائدة لفندقنا الوقت الذي تحتاجون لإجراء معاملاتكم !
- والثمن ؟
- كل ساعة انتظار ثلاثون دينارا ...
يتفق الستة سائحين ان يقضوا يوم العطلة في التجول في المناطق القريبة من الفندق في جزيرة الينبوع وان يشاهدوا المعالم التي تثير اعجاب كل من وصل اليها ، استأجر لهم الفندق سيارة كبيرة يسافر بها العشرة أشخاص معا وان يذهبوا الى بحر هائج الأمواج يبتعد عن موقع الفندق الذي يقيمون فيه عشرة كيلوغرامات وانهم يستطيعون الذهاب الى البحر العجيب والعودة الى الفندق في اليوم نفسه ، سال بهاء :
- والطعام ؟ هل نأخذ معنا ما يكفينا من طعام لوجبة الغداء ؟
- لا داعي لأن تأخذوا معكم اي نوع من الاطعمة ، هناك المطاعم العديدة التي تقدم كل انواع الطعام من تلك التي تشتهي أنفسكم وترغب به ذائقتكم ..
- نريد طعاما من النوع الذي تشتهر به بلادنا كما سوف نطلب اطعمة من تلك التي يبرع فيها الينبوع !
- في جزيرة الينبوع لا نكثر من تناول اللحوم كما تفعلون في بلادكم ، بل نعتمد على الخضر ، فهي المواد الأساسية في طعامنا ، ويمكن للإنسان ان يستغني عن اكل اللحوم عددا من الأيام ، لكنه لن يستطيع ان يبتعد عن الخضروات التي تبني الجسم وتحفظ للمرء صحته !
يذهب الستة اشخاص الى البحر الهائج ، يرون ان البحر قد اخطأوا في اطلاق صفة الهائج عليه ، فهو هادئ ضحل... فكر الرجال ان يسبحوا فيه ولكن السؤال ما لبث ان حل امامهم :
- كيف نسبح في بقعة لا يملأها الماء ، بل تظهر الأرض واضحة فيها !

(18)
يظل المسافرون الاربعة في الفندق واخرج مع صديقي محمود لرؤية معالم البلاد التي افاضوا في مدحها والثناء عليها بدرر الكلام نظما ونثرا ، يقول بهاء :
- لا نراجع سفارة بلادنا هذا اليوم ، نشعر بتعب شديد ، سوف نبقى هنا لننعم ببعض الراحة ، وغدا نذهب للقيام بإجراءات تعزيز عقد الزواج !
ويقول سمير :
سوف نذهب الى الاماكن المجاورة للفندق ، هناك محال تجارية تبيع ملابس للنساء والرجال سوف نشاهدها ونشتري بعض المعروضات لنقدمها هدايا للأصدقاء والمعارف .
واجمعت نادية ودلال في الاتفاق مع زوجيهما في شراء الملابس هدايا :
- ملابس هذه البلاد جميلة وسوف نشتري منها هدايا للمعارف الكثيرين .
- الملابس مزعجة ، علينا ان نعرف المقاسات ، اقترح ان نقدم العطور هدايا للمعارف ّ
- في بلادنا عطور كثيرة وجلبت من فرنسا ام العطور !
- في بلادنا كل شيء متوفر ، تجد ما تريد من البضائع الاجمل والأرخص من كل مكان آخر !
تجمع نادية ودلال على القول :
- اشترينا كل ما نريد تقديمه للأصدقاء والأقرباء من بلادنا الجميلة قبل ان نغادرها الى هنا .
- كل شيء هناك اجمل ، ولكن بلادنا لا تحظى بالحظ الحسن ، رغم جمالها وغناها لا يزورها احد ، وبضائعها لا يقدم على شرائها حتى مواطنيها ..
- كل شيء مصنوع في خارج البلاد نجد الاقبال عليه !
- جئنا لنزور بلادا فيها الصحة والجمال !
- ينبوع ،ليعزز صحتنا !
- وهل ما جاد الزمان اكسير السعادة سمع به الناس وشجعونا على السفر اليه ، وها اننا نقوم بما نصحونا به به على اهل هذه البلاد تخلو أرضنا منه ؟
- بلادنا غنية بكل شيء ، لكنها فقيرة بما يجعل اناسها راضين !
- لماذا ؟
- لا أدري ! منذ الأزل ، و من يعيش البلاد المشتعلة ليس سعيدا !
- اظن ان سبب تعاستنا اننا غير قانعين !
- أتفق معك رغم كل النعم التي حبانا بها الله فنحن تعساء !
- قد يعود هذا الى اننا مرهفو الشعور قويو العاطفة !
- هل الجميع مرهف الشعور ؟ بعض الناس عندنا لا يملكون الاحساس !
- ولعل سبب تعاسة الغالبية منا انهم يعشقون من لا يشعر بهموم غيره ولا يهتم بمعاناته !

(19
يتفق سمير وبهاء الا يراجعا السفارة العراقية وان يظلا دون وثيقة تثبت زواجهما ، ترتفع اصوات احتجاجات نادية ودلال :
- لماذا ؟ ألم نتفق في الامس اننا يجب ان نراجع السفارة ؟
- بلى .. ولكن الاشخاص الذين يعملون في السفارة يحبون الوعظ والارشاد !
- وما الضير في هذا ؟ المسؤولون دائما يوجهون الناس الى ما ينفعهم ، ويحذرونهم مما يضرهم !
- لكننا غادرنا بلادنا لئلا نستمع الى الارشادات والمواعظ ، فقد تعبنا منها !
- وهنا ايضا استمعنا الى من يوجه لنا النصائح ! ألم يرشدونا الى ضرورة توثيق الزواج ؟ حفاظا على العلاقات الزوجية المتينة التي تربط بنا !
- لكننا لا نريد ان نواصل الاستماع الى نصائحهم !
- وكيف نعيش نحن ؟ كيف نواجه الناس ونحن بلا ما يحفظ لنا كرامتنا ؟
- وما علاقة الكرامة بوثيقة الزواج ؟
- هل تريدان ان يحتقرنا الناس ان علموا اننا متزوجون خارج عن شرع الله ؟
- الآن تتحدثان عن شرع الله ؟
- نعرف شرع الله دائما وخاصة في امور الزواج !
- لن نراجع السفارة ! وليكن ما نريد !
- ولن نستمر في علاقتنا معا !
- ماذا ستفعلان ؟
- نعود الى بلادنا !
- هل تعودان لوحدكما دون مرافقتنا ؟
- نعم ! هذا ما يجب ان يكون !
- والحب والاخلاص والعشرة اين ذهبتما بها ؟
- انتما لم تحافظا على حبنا وعشرتنا ! كيف يمكن ان تستمر الحياة دون ان نحفظ كرامتنا بتوثيق الزواج !
- هراء ما تدعيانه ! تترك كل امرأة رفيق حياتها بأول صعوبة تعترض الطريق !
- هذه الصعوبة لم تعترض طريقنا ، بل انتما من صنعاها !
- وجها الاتهامات لنا ، كعادة النساء دائما تتهم الرجال !
- لا نتهم بشيء ، ولكننا سوف نعود الى وطننا وننال حريتنا !
- وهل كنتما مقيدتين ؟
- نعم ، اي علاقة بين رجل وامرأة دون عقد يحفظ حقوق كل منهما مصيرها الفشل !
يقول سمير :
- انت يا نادية متزوجة وعندك ما يثبت حقوقك ، سوف لن تتركين زوجك !
- لن اتركه وسوف اعود الى بلادي غدا ، لقد سببت لي الحرمان من رحلة كنت احلم ان اتمتع فيها !
- وهل الذنب في نسيان الوثيقة يعود علي؟ لماذا لم تذكريني انت ؟
ويسأ ل بهاء حبيبته دلال :
- وانت ماذا ستفعلين ؟
- سأعود الى بلادي مع نادية ، وانتظر قليلا حتى عودتك من السفر ، فان لم توافق على عقد الزواج تركتك !
- يا للهول ! تتركيني وحيدا ! لن اشعر بالألم كما كنت تتوقعين !
- سوف نفترق اذن وهذا حل يناسب كلينا !
- مع الف سلامة يا امرأة ، لن أتعب في اللقاء بمن هي افضل منك ، سوف تدفعين حساب الفندق لكلينا !
- لن ادفع الا ما صرفته انا !

(20)
تشعرين براحة كبيرة ، لم تكوني تتوقعين انك ستكونين في مثل هذه الطمأنينة التي هبطت عليك حين قررتما الانفصال ، لماذا بقيت طوال هذه الفترة متعلقة برجل لم يمنحك الا التعب ونظرة الشك والاتهام التي تنطلق من الاشخاص الذين تلتقين بهم طوال نهارك وجزء من ليلك ، لم تجربي السجن يوما ولم تعتادي على حياة القيود ، عشت طوال عمرك حرة تحظى باحترام الناس وتقديرهم ، احببته في البداية حين صرح لك بالحب ، ولكن شعور الحب نحو رجل لا يتصف بالصفات التي تعشقينها في الرجال سرعان ما تبخرت ، انها فترة من عمرك وقد مضت الآن ! سوف تمتعين نفسك في السفر والترحال وتستعيدين راحتك حين تعودين الى بلادك التي احببتها طوال عمرك ، تصحبين الاشخاص الذين اضحوا اصدقاء لك في هذه الرحلة ،, الشيء الجميل الوحيد الذي لاحظته هذا اليوم انك افضل حالا من كثير من النساء قد سجلوا عقد زواجهن ، ويرغبن في انقاذ أنفسهن من قيود كثيرة تمسك بهن وترعبهن ، لم تنجبا الاولاد ، وكنت تأخذين حذرك ، رغم انك ككل النساء يتطلعن الى ان يكن امهات ، ولكن كيف يمكن لك ان تحققي ما تتمنينه وانت غير متزوجة ؟ كيف ينظر اليك الناس واسرتك التي بقيت بجانبك ، ولم تخبري احدا من أفرادها انك لم تسجلي عقد الزواج ، وانك تعاشرين رجلا رفضته اسرتك بالحرام ، اخوتك المتدينين كيف يمكن ان تكون تصرفاتهم معك حين يعرفون ان اختهم المحبوبة قد خرجت عن كل الاعراف ، حين رضيت ان تعاشري رجلا بدون عقد زواج لم تفكري بموقف الناس والأصدقاء وكل الذين يعاملونك باحترام ويقدرون شخصك ، كنت تظنين ان انتظارك لن يطول وان رفيقك سوف ينفذ ما وعدك به وسوف تذهبان الى المحكمة لعقد القران ، لقد ادركت بعد مرور الايام ان بهاء لن يبالي بك ولن يبدي اهتماما بكيفية ظهورك امام الناس مادام لا يفعل شيئا لصيانه علاقتكما ، والمحافظة عليها من حوادث الزمان ، بقيت انت الممولة وانت تدفعين النقود ولا شيء يسندك ، ألححت عليه مرارا ان تعقد القران وان الناس قد ينظرون اليك بتساؤل ، لكن الرفيق الذي اخترته كان سريع الجواب :
- كيف يعرف الناس انك لست متزوجة ؟ لا تخبري احدا ،ابوك لم يطلب منك وثيقة الزواج !
- لم يطلب الوثيقة لأنه كان واثقا اننا نعرف مصلحتنا !
- انا اعرف مصلحتي ، وانت تعرفين مصلحتك ! لماذا تنصاعين لهم ؟ الا تدعين انك تناضلين من اجل المساواة ؟
- هل المساواة تعني ان اتنكر لحقوقي كامرأة ؟
- لا فرق بيننا وبينكن ! كفي عن ترديد هذه الاقوال التي لا يقولها الا مناهضو النساء !
الراحة تعود الى نفسك التي أرهقتها اللامبالاة التي اظهرها من احببته واخلصت في خدمته والسهر على سلامته ، لم يعد الندم يثقل كاهلك ، مضت ايام الألم ومن حقك ان تعيشي كما تريدين ، الحب قد يأتيك مرة اخرى ، وقد يكون الحبيب اقرب الى ما يطلبه عقلك في الرفيق الذي يشاركك الحياة ويساعدك في حمل أثقالها ، ليس من الضروري ان ترتبطي برجل لمجرد انه قال لك :
- احبك !
فقد لا يعنيها وتمضي ايامك خالية من الوهج ، عشت فترة عصيبة وقد استفدت من بؤسها تجربة تغنيك ، انت واثقة الان انك لن تسمحي لكلمة واحدة خالية من المعنى تبدد سكينتك وتقديريك لنفسك !


(21)
نتفق معا نحن الستة اشخاص ان نستفيد من رحلتنا وان نطلع على معالم الجزيرة ، التي وصلناها بشق الانفس ، وغايتنا التمتع بجمالها والحصول على الصحة التامة والشباب الدائم ، سألنا الشيوخ المجربين :
- كيف يمكننا ان نستعيد الشباب الهارب ؟
- كم رحلة لكم وانتم في هذه البلاد ؟
- كل منا له عدد من الرحلات تختلف عما لدى الآخر ، وبعضنا جاء الى هنا لأول مرة !
- لن تتمكنوا من التمتع بالشباب الدائم الا اذا عشتم هنا واحببتم هذه الجزيرة ، وفضلتموها على بلادكم ، وأحببتم ناسها اكثر مما تحبون اهلكم وناسكم !
- وكيف نفعل هذا ؟ ونحن نشأنا في بلادنا واكلنا من خيراتها ، وارتوينا من مائها العذب ، ومتعنا انفسنا من مناظرها الجميلة ؟
- كيف تركتم النعيم الذي تعيشون فيه ؟
- من اجل غاية لا يمكن تحقيقها في بلادنا !
- الحصول على الشباب الدائم والصحة التامة ؟
- هذه غايتنا من هذه الرحلة !
- رحلة واحدة لا تفيدكم ، عليكم ان تقوموا بعشر رحلات !
- سوف نقوم برحلة كل عام !
- يجب ان تكون نيتكم خالصة !
- لم افهم شيئا من خلوص النية !
- يجب ان تكون النية من اجل جزيرة الينبوع وعليكم ان تحبوا هذه الجزيرة !والا تكون رحلتكم من اجل شيء آخر !
نرى الانهار الضحلة والوديان المتناثرة ، والأسواق المملوءة بما تم استيراده من دول اخرى ، نعجب للنظافة في الشوارع مما لا يمكن ان نلمحه في بلادنا الغنية في كل شيء ، الفندق غال جدا ، حتى الماء يبيعونه لنا بدينارين للقنينة الواحدة ، ويمكننا ان نجده خارج الفندق ثلاث قناني بالدينار الواحد ، ودينارهم يساوي عشرين من الاف الدنانير في بلادنا ،كل الفواكه والخضر في بلادنا نشتريها بأثمان منخفضة عما هي عليه هنا ، الدجاج واللحوم والاسماك في بلادنا نستطيع ان نضمن مصادرها ، اما هنا فلا نعرف من اين جلبوها ليعدوها لطعام الغداء او وجبة العشاء ، لا احد هنا يتذمر او يشكو من الحكومة ويهاجم الوزراء والموظفين ، جميع من قابلناهم من مواطني الجزيرة سعداء في حيواتهم ، لا يظهرون عدم رضاهم عن النظام القائم في جزيرتهم ، وان اشتدت على احدهم الأمراض وتضخمت الاحزان ، فلا يرتفع صوته بالاحتجاج :
- الحمد لله ، اذ وهبنا النعم الكثيرة ، وجعل جزيرتنا قبلة السياح ومطلب التعساء ومنارة الطامحين الى نيل السعادة والحصول على الشباب الدائم !
- ماذا تفعلون ان اصاب احدكم المرض اللعين ؟
- نلجأ الى اقرب مستشفى !
- وان تفاقم المرض ولم يعد للعلاج من فائدة ؟
- تضرعنا الى الباري عز وجل ان تكون نهايتنا دون ألم !
- كيف يخلو من الألم من افترسه المرض الخبيث ؟
- وماذا ينفع المريض ان علا صياحه وارتفع صراخه ؟ لسنا ناقمين على انفسنا ! نحن مواطنون صالحون نحمد الله ونرضى بما قسمه لنا ! لسنا مثلكم ، نكثر من الشكوى وننقم على كل شيء !
- وهل استطاع الانسان عندكم ان يحقق الشباب الدائم ؟
- عادة نحن لا نتطلع الى المستحيل !
- ماذا تعني ؟
- نحن قوم نكتفي بما حباه الله لنا ، ولا نتطلع الى ما في ايادي غيرنا ، تمضي الحياة بنا سعيدة هانئة ، لا يعكر صفوها نقمتنا ان شيئا ما قد حرمنا منه !
- ألا يحزن احدكم ان وجد نفسه محروما من نعم يتمتع بها غيره ؟
- الله عادل وهبنا من النعم ما وهبه لغيرنا !
- ولكن المرء احيانا قد يحرم من بعض الأشياء الضرورية !
- ان كان الواحد منا محروما من المال ، فان الذكاء يكفيه !
- وماذا يفعل من كان محروما من كل شيء ؟
- عادة لا يشعر احدنا بهذا الشعور الأليم !

(22)
لم يكن الأمر سهلا عليك ، آليت على نفسك ان تنقذيها من مرض خبيث اصاب روحك ، وتساءلت مع نفسك :
- كيف يمكن للإنسان ان يقلع الحب من اعماق قلبه ؟
- الحب لا يمكن قلعه
- وماذا افعل كي انجو بنفسي ؟
- ما تعانين منه ليس حبا !
- ومم يكون ألمي ؟
- الحب تكافؤ وتقدير وما أصابك فقدان الارادة وقلة العزيمة !
- وأي طبيب يمكن ان ينجدني ؟
- لا يوجد طبيب يشفي حالات الوهم التي قضت على ارادتك !
- ولمن ألجأ لمداواة روحي ؟
- في اعماق قلبك تجدين الشفاء !
- كيف ؟
- هل تحبين ان تبقي على حالة الضعف التي وجدت نفسك فيها ؟
- كنت اظن انني أحب بهاء ، ولكني وبعد صراخه الطويل أيقنت انني لم احببه يوما !
- وعليك انت أن تنقذي نفسك من الحالة المرضية التي اصبت بها ! بالتمارين التي تقوي الارادة وتعيد اليك ثقتك التي افقدك اياها حبك المزعوم
تقومين بتمارين متنوعة تعيد اليك قوة الروح التي سلبت منك ، وتكسبك ثقة بنفسك التي وجهت لها سهام كثيرة ساعية الى تجريدها من كل صفات التفوق والنجاح ، لماذا وقف بهاء ضدك راغبا في ان يجردك من كل الصفات التي تمتازين بها ، وتكسبك محبة اصدقائك وصديقاتك ، رضيت لكل ما يقوم به ، وان كان مما لا تحبين ، ظننت ان الحب ان تضحي براحتك وطمأنينتك الداخلية من اجل ان يرضى الرفيق التي اخترته عنك ، ولم تكوني تعرفين ان بعض الاشخاص لن يرضوا مهما بذلت لهم ، وان أشعلت لهم العشرين اصبعا لتنيري طريقهم الذي يريدون ان يبقى مظلما ! كيف يمكنك ان تتنازلي عن كل ما كسبته بنضالك الطويل ، وكيف ترضين ان يكون بهاء تابعا لأخته الكبيرة ويقوم بتقليد حركاتها ، مرددا ما تقوله من كلمات وما تقوم به من أفعال ، ويريد منك ان تقلديه في امعيته ، نشأت حرة لم يفرض عليك والداك شيئا ، وكثيرا ما اعترضت على ما يقومان به ، وانت تحبينهما كثيرا ، لم يطلب احدهما منك ان تتبعيه في موقفه من بعض الأشخاص ، ان تخاصم أبوك او امك مع احد المعارف لم تقومي انت بمقاطعة من تخاصما معه ، بقيت انت دلال الانسانة التي تقوم بما تقتنع به دون وصاية من احد ، مهما كان ، وجاء بهاء ليفرض عليك تغيير قناعاتك ، وقمت انت بتنفيذ رغبته ، دون ان تعرفي الى اين تودي بك موافقتك على كل ما يريده منك ، ضاعت شخصيتك القوية التي طالما اثارت الاعجاب ، لم يرض بهاء ان يعجب بك احد الأشخاص ، وكان كثيرا ما يوجه لك اتهاما قاتلا :
- لماذا يمدحك هذا الشخص ؟ وما الذي يريده منك ؟
وكثيرا ما حاولت ان تشرحي لبهاء ان الحياة لا تخلو من المواقف الطيبة وعلاقات الصداقة التي تسمو من الاغراض ، لكنه لم يكن يحب الاستماع لك ، عليك انت ان تسمعيه وان تقومي بتنفيذ ما يريد من اوامر لا تتلاءم مع ما تؤمنين بصحته ، حتى انه يمنعك من السلام على الجيران ، ويقول ان تحدث المرأة مع الأغر اب ليس من الشمائل التي نعتز بها ...

(23)
نودي علينا من قبل الجهات الامنية في جزيرة السعادة ، ذهبنا اليهم ونحن نتساءل ما الذي يريدونه منا ، ونحن جئنا الى هنا حسب القوانين ، طلبنا الحصول على التأشيرة ووافقوا على طلبنا وها اننا نقضي الفترة المسموح بها ، اعطوني شهرا كاملا ووافقوا على منح صديقي محمود اسبوعين فقط ، اما الاربعة الاخرون فقد حصلوا على تأشيرة لمدة اسبوع واحد ...
خاطب الضابط الامني الكبير سمير ونادية وبهاء ودلال ان يستعدوا في اليوم القادم للرحيل عن هذه الجزيرة ، فقد انتهت المدة التي يسمح لهم بالبقاء فيها في هذه الجزيرة التي يحترم مواطنوها القوانين ويحرصون على الاخلاق ، وان اهل الجزيرة قد وجدوا العجب من طريقة تصرفاتهم التي لا تستقيم مع الاعراف السائدة وان السياح يجب ان يكون سلوكهم متوافقا مع ما يريده المواطنون هنا ، قال سمير :
- سوف اعمل على تمديد التأشيرة لي ولزوجتي اسبوعا اخر، فان الاسبوع مضى دون ان نشعر به !
وقال بهاء :
- سوف امدد لي وحدي اسبوعا ثانيا !
أجاب ضابط الامن :
- مرحبا بكم ، سوف امنحكم اسبوعا ثانيا .
انطلق سمير يقول :
- انا وزوجتي نادية سوف نسافر غدا الى اوربا ...
- هل وافقوا على منحكما التأشيرة ؟
- غدا نقدم على طلبها !
- مضى الوقت ، كان عليكم ان تطلبوها قبل انتهاء الاسبوع ،
- وماذا علينا انن نفعل ؟
- سوف نحاول ان نساعدكم !
- كيف ؟
- نطلب لكم التأشيرة للسفر الى اوربا ، فالقانون يسمح للسلطات ان تطلب التأشيرة للسياح
- وان لم يوافقوا ؟
- بعد مضي الفترة المحددة لمعاقبة كل من لا يحترم قوانين هذه البلاد ّ!سنلجأ الى تصرف آخر !
- ماذا ستفعلون ؟ لم افهم !

(24)
كمن كان في غفلة من امره فاستفاق منها فجأة ، تأتي قوة لتزيل الغشاوة التي بقيت على عينيك ، فجعلتك ترين القبح جمالا ، والخسة كرما ومروءة ، سرقك من بين احلامك واجهض كل آمالك ان تعيشي سعيدة ، أنساك كل ما لقيته من حب من اسرتك ومن والديك ، علموك على عزة النفس والفضيلة ، فجاء بهاء ليحيل ايامك الى علقم ويبدد امانيك ، لم تكوني تجرئين على ان تخبري اباك انه يرفض الاقتران بك ، سألك ابوك :
- هل سجلت عقد القران في المحكمة ؟
- نعم يا ابتي !
- اين العقد ؟
- بهاء يحتفظ به !
- من حقك يا ابنتي ان تحتفظي بنسخة ،وبهاء يحتفظ بنسخة اخرى !
- سوف اطلب منه ان يسلمني نسختي من العقد !
- هذا حقك ! لا تفرطي به ، لا تقولي انكما عقدتما عند رجل الدين ، هذا لا يكفي ، من حقوقك ان تذهبي الى المحكمة وتسجلي عقد القران !
ومضت الأيام وانت تعاشرين رجلا دون وثيقة زواج ، لم تشعري بالأمان وكثيرا ما اصابك الخوف ،ان يعرف الناس بأمرك ، ويغيرون معاملتهم ، فينقلب الاحترام الذي يكنونه لك الى احتقار ، حين تطلبين منه حقا من حقوقك الأساسية يرتفع صوته صارخا :
- اي لعنة حلت بي ؟ كيف لم اعرف قبل هذا اليوم انك تحملين افكارا رجعية ، وانك لا تثقين بي !
- اثق بك ، ولكن الايام لا تمر بسلام !
- ما ترينه من الايام اراه انا وبأشد مما تجدين !
لماذا صدقت به حين جاءك مدعيا انه يحبك كثيرا واشد مما تظنين ، كنت تأملين ان يصرح لك بالحب الرجل الذي بقيت تعشقينه طوال الحياة ، عرف بهاء بحبك القوي الجميل لفريد ولكنه جاء مصرحا لك بالحب وانت الظمأى الى نظرة حب تحاولين ان تبادليه الشعور ، لماذا تحافظين على حبه لك ولا تحرصين على حبك لفريد ، مرنت نفسك ان تحبيه رغما عنك ، نفسك تريد صفات اخرى ، وقد حاول ان يسرقك من الحبيب الذي انتظرت ان يقول لك كلمة واحدة ، انهم يسرقون الناس ، وقد حدثك بهاء عن اخته الكبيرة التي زعمت لرجل متزوج انها واقعة في حبه ، وحين استجاب لمزاعمها طلبت منه ان يطلق زوجته ، لتقبل به زوجا ،:
- كيف يمكن لامرأة ان تغري رجلا متزوجا وله اولاد ،وتطلب منه ان يطلق زوجته ويرتبط بها ؟
- هذا من حق اختي ان كنت تحتجين سوف لن احدثك عنها مرة اخرى ! اختي امرأة عصرية وليست مثلك ،افكارك بالية لا تلائم العصر !
- وهل الرجل الذي مع اختك الان هو الذي طلق زوجته وتنكر لأولاده ؟
- ليس هو انما رجل ثان ، حين تزوجت اختي للمرة الاولى لم يعجبها زوجها ، فأحبت رجلا اخر وعاشرته وكان متزوجا ايضا !
- وماذا فعل الرجل الاول ؟
- لم يفعل شيئا انما نحن الاسرة حين وجدنا اختنا تعاشر الرجل الثاني طلبنا منه ان يطلق زوجته !
- والرجل الاول ؟
- طلق الرجل الثاني زوجته وتزوج اختي وطلق الرجل الاول اختي وعاد الى زوجته ام اولاده !
- هكذا ؟ بكل بساطة ؟
- ولماذا التعقيد ؟ قلت لك مرارا ان الزواج عقبة كبيرة !
- ولماذا حرصتم ان تتزوج اختك وتعقد قرانها ؟
- لا احب ان تنافسي اختي في شيء ، لكم دينكم ولي ديني !

(25)
تتم الموافقة على تمديد التأشيرة لي ، وللصديقة دلال وتمنع عن صديقي محمود والسياح سمير وزوجته نادية وبهاء ، يرغب الاربعة في السفر الى اوربا ، لكن السلطات الامنية في جزيرة الينبوع تخبرهما انها سوف تضعهم في الاقامة الجيرية مدة اسبوعين ، وبعد انقضاء مدة العقوبة يمكن لهم ان يسافروا الى اوربا وسوف تبذل جهود الجزيرة كي تتم الموافقة على منحهم تأشيرة اي من البلدان الاوربية التي يرغبون بالذهاب اليها :
سال سمير :
- لماذا تعاقبنا سلطات الجزيرة ؟
- ليس عقابا بالمعنى الحقيقي ، انتم ضيوف اعزاء قدمتم من بلد نحبه كثيرا ،
- ولماذا تعاقبوننا بالإقامة الجبرية ؟
- ستكون اقامتكم الجبرية في الفندق الذي اقمتم فيه حين جئتم !
- ولماذا تعاقبوننا ؟
- لأن جوازات سفركم ليست صالحة !
- انها جديدة ، قبل مجيئنا الى الجزيرة جدد كل منا جوازه !
- من جدد لكم الجوازات ؟
- المسؤولون عن تجديد الجوازات في وزارة الداخلية كما هو معروف في كل البلدان !
- لم تكن جوازات سفركم قد جددت من قبل وزارة الداخلية !
- بلى !
- من وقع على الجوازات الجديدة ؟
- سلطة الائتلاف !
- وتقولون ان جوازاتكم صالحة ؟
- وماذا يجب ان نفعل وكل المهام اصبحت بيد الجهة نفسها ؟
- لهذا نحن قبلنا ان تاتوا الى الجزيرة وتتمتعوا بمناظرها ، منذ اول يوم لكم وفي المطار ، وجدنا ان جوازات السفر غير صالحة ،
- وماذا سنفعل بعد انقضاء فترة العقوبة ؟
- العقوبة ليست فعلية ، تقيمون في الفندق وتتمتعون بكل شيء كما يتمتع السياح !
- وكيف تستقبلنا اوربا ؟
- سوف نعمل نحن لتسهيل منحكم تأشيرة اي دولة اوربية ترغبون بالسفر اليها !
- لكن عقوبتكم لنا قاسية ونحن لم نقترف اثما !
- نعرف هذه الحقيقة ، لهذا كانت العقوبة سهلة وسوف تمر عليكم ! وكأنها لا شيء !

(26)
تجدين من ادعى انه يحبك مخلوقا بائسا لا يستحق الحب ، وتتساءلين كيف استطاع ان يخفي حقيقته عنك كل هذه الفترة ؟ مضت الاعوام وانت شبه غافلة ، لم تستطيعي ان تخبري احدا بحقيقة وضعك ، وكيف تقولين لمن تحبينهم انك قد خدعتهم وانك زعمت ان بهاء تزوجك وانك حين تصحين بكل شيء من اجله ، فهذا ما تقوم به الزوجات دائما ، يشتغلن ويصرفن ويضحين براحتهن وحياتهن من اجل راحة الزوج وهن يأملن ان يأتي اليوم الذي يفيق الزوج على انه كان قاسيا مع الزوجة التي ضحت كثيرا من اجله ، وهناك الكثير من الازواج يكونون قاسي المعاملة للزوجة ، ثم يتغيرون بعد ان يدركوا ان لا احد مثل رفيقة الحياة قادرة على منح الحب ، ولكن انت كيف يمكنك ان تخفي الحقيقة عن ابيك وامك وكل الأصدقاء والصديقات ، وكيف تستطيعين ان تكشفي حقيقة وضعكما الآن؟ واسرتك المتدينة التي تخشى الله وتتوق لاحترام الناس وتحظى بتقديرهم ، ماذا ستقولين لهم ؟ انك عاشرت رجلا بالحرام ؟ ولماذا تفعلين هذا وانت العاقلة القوية المثقفة ؟ ما الذي جنيت وانت تضحين بكل شيء من اجل لا شيء ، نضحي بالثروة والراحة من اجل الحب ، ولكن كيف تستطيع المرأة ان تتنازل عن كل شيء ، وتهدر كرامتها من اجل كلمة لامعنى لها ؟ ماذا ستقولين لأسرتك ؟ هل تخبرينهم ان بهاء طلقك ، وسوف يستفسرون عن سبب التطليق لماذا طلقك وانت لم تكلفيه شيئا ، دفعت الحاضر ولم تستفسري عن الغائب ، ولم يوافق على عقد القران ، وخشيت ان تخبري احدا ، وانت التي تحرص على رضا الناس عنها كيف يمكن ان يكون موقفك ؟ كلمة واحدة عبر لك فيها بهاء انه لم يحببك يوما ، لم يرض ان يعقد قرانكما ، وانت كنت تأخذين الواقي كل ليلة خوفا من الحمل ، رغم ان الانجاب اكبر احلامك ، وانك قبلت ان ترتبطي بزوج لا يتصف بأي من صفات الجمال التي تحبينها من اجل ان يحقق لك حلما واحدا من احلامك ، ومضت الاعوام وها هو اليوم يكشف القناع الذي وضعه ، ويبين على حقيقته امامك ، هل يتحمل ابوك الخبر الخطير الذي سوف تسمعينه اياه ؟ وهل يمكن لامك الرقيقة ان تعرف ان ابنتها الواعية تقدم على الارتباط برجل دون عقد زواج ؟ والناس ماذا تقولين لهم ؟ ما هي الاسباب ؟ وكيف لك ان تبدي رأيك بعد اليوم بأي شيء ، وهل تواصلين الكذب ؟ ومن اجل ماذا تخبئين رأسك في الرمال ، تحركي لمرة واحدة ، واكشفي حقيقة من لم يرض ان يتخذك زوجة ! ورضي لنفسه ان تقدمي له كل شيء ، ويعاملك بقسوته الشديدة وكلماته الخشنة ، وانت تغفرين ، الى متى تستطيعين السماح ؟ والأيام تمضي بك ومتاعبك تتضخم وانت واقفة في مكانك لا نفعين شيئا ،


(27)
احاول الاتصال ببغداد ولا اوفق ، كل يوم اذهب الى البريد المركزي في الجزيرة ، لا أعرف اخبار زوجتي التي تركتها هناك ، لم يوافقوا على منحها التأشيرة حين قدمت طلبا للحصول عليها ، وافقوا على سفري لوحدي ، ولم اجرب السفر وحيدا قبل الآن زوجتي كانت رفيقة دربي صديقتي وشريكتي في الحياة ، تبتسم في وجهي ان اظلمت طرقي ، وتساندني ان عدمت المعاون والمساعد ، وتستمع الى همومي الكبيرة وانا احكيها لها ، وما ان انتهي من التحدث عن العراقيل التي يضعها بعض الناس في طريقي ، حتى تتسع ابتسامة التفهم على وجه زوجتي الجميل ، فأجد ان همومي قد انقشعت ، وان متاعبي التي كنت اظنها تسلب راحتي قد خففت ، ليس عندي احد يشاركني الهموم والافراح بعد ان سرق الموت احبابي مني ، ابي وامي ماتا بفعل المرض اللعين ، واختي الحبيبة قد افترسها الارهاب ، مفخخات في مدينتنا الفقيرة الصابرة ، تغتال حيوات البشر منا ، وتحكم على اناسنا بالحزن وعلى امهاتنا بالثكل وعلى اطفالنا باليتم ، لم نجن شيئا ولم نقترف اثما ، وكل ما قمنا به اننا انتظرنا ساعة الخلاص بأيد غريبة عنا ، بعد ان قمنا نحن بعدد من الثورات والانتفاضات ، لكنها جوبهت بالرصاص والقسوة المميتة ، واصلنا حركاتنا السلمية ونداءاتنا من اجل تغيير نوع الحياة ، وجعلها تبدو اكثر جمالا واقل قبحا ، ولكن كل محاولاتنا لتحسين ظروف الحياة تذهب ادراج الرياح ، لا احد معي اليوم يمكنني التحدث معه بصراحة ، كلهم يجب ان نضع معهم الأقنعة والا نظهر حقيقتنا التي نحاول دائما ان نخفيها ، حتى صديقي محمود اجده بعيدا عني ، وهو الاقرب الي من بين كل الاشخاص الذين قدموا من بلادنا من اجل التعرف على مناطق جديدة ، والتمتع بالسعادة التي حباها الله لأهل هذه الجزيرة ، المخلوقة الوحيدة التي تعجبني هي السيدة دلال ، والتي تصادف الكثير من الهموم والمتاعب ، ولا ادري كيف استطاعت انسانة رقيقة مثلها ان تتحمل سوء المعاملة من رجل كان يدعي انه واقع بحبها ، وجعلها توافق على العيش معه دون عقد يحفظ لها حقوقها ويحرص على سعادتها ويحميها من التيه في حالك الايام ، التي قد ترينا اكثر الأحيان وجهها الكالح .....
في الأيام الاولى لوصولي الى هذه الجزيرة كنت اتصل بزوجتي يوميا ، واجدها كعادتها دائما تسعى الى التخفيف عني ان سمعت عن طريق الاعلام اخبار التفجيرات التي يقوم بها اعداء لا يريدون لبلادنا الحبيبة ان تصل الى الاستقرار ..
- نعم سعدى ما اخبارك ؟
- انا بخير حبيبي انتظر ان تعود الي .
- هل مللت من انتظاري ؟
- لا ابدا عزيزي ، بل أرجوك ان تمتع نفسك بمناظر الجزيرة التي اشتهرت بجمالها !
- وما حقيقة التفجيرات التي حصدت ارواح الكثيرين من الجيران ؟
- نعم هذا ما حدث !
- التفجيرات تحدث كل يوم في مدينتنا المسالمة ؟
- هذا ما يريده الطغاة ويفرحون حين ينجحون في موت الكثيرين !
كل حديث مع زوجتي اجدها تخفف عني الألم الذي يجلبه الخبر المحزن ، وقبل يومين اردت الاطمئنان على رفيقتي ، لكني لم انجح في الاتصال بها ، وقد تضخم قلقي واشتد خوفي ، ليس معها احد يخفف عنها صعوبة الحياة ، اسرتها مثل اسرتي ، شربت مرارة الايام حتى ثمالتها !
اجد دلال في البريد المركزي ، علها تتصل بابيها او اخيها وتخبرهما عما حل بها ، كثيرا ما ارجو الخلاص لهذه الانسانة ، اتمنى لها ان تنقذ نفسها من وضعها البائس وان تقرر مغادرة الصعاب التي تنهمر عليها بقوة ، فما زالت شابة وجميلة ....


(28)
الهاتف لا يسمع ، تحاولين الاتصال بأحبابك في بغداد ، يقولون لك في استعلامات البريد ان الرقم الذي طلبته غير مسجل في قائمة الهواتف ، يتضاعف قلقك ويشتد ألمك ، ماذا حدث فجعل الهواتف لا ترن ، مضى عليك اسبوعان في الجزيرة ، وقد تركت اسرتك بخير ، وسافرت مع بهاء ، لم تستطيعي الاتصال بأفراد اسرتك الحبيبة خلال الاسبوعين اللذين مرا عليك ، مرت الحوادث بسرعة وحدث ما بينكما انت وبهاء فجأة ، لم تكوني تتوقعين انه سوف يتنكر لحياتكما المشتركة ، ويرفض ان يسجل قرانكما في وثيقة تحفظ لكما الحقوق ، وتبقي على كرامتك التي اوشكت ان تهدر بفعل تصرفات بهاء الطفولية ، كثيرا ما وصف ابوك بهاء انه طفل بحاجة الى رعايتك واهتمامك :
- لا تبالي يا ابنتي ان نسي بهاء بعض الامور التي تجدينها ضرورية !
- انه ينسى كل الضرورات !
- ليس كلها ! اجده انسانا طيبا تجاوز الكثير من مطالب الرجال التي كثيرا ما ترهق نساءهم !
لم تخبري اباك او اخاك او امك بما حصل بينكما ، وانكما نعيشان معا دون الوثيقة التي تحميكما من سوء الظن ! وكان بهاء كل مرة تطلبين منه ان يسجل عقد القران ، يعدلك انه سوف يقوم بتنفيذ ما تريدين في يوم قادم ، ولم تكوني تعلمين انه سينقض وعده لك ، وجرت الخصومات وارتفع صوته مهددا اياك ، أنت اليوم تريد ين ان تخبري اسرتك ان الزواج لم يعد قائما بينكما وان بهاء طلقك وانت لا تريدين ان تسترحميه من اجل الابقاء على حياتكما المشركة ، كان ابوك حين يسوء الحال بين زوجين من معارفه وأصدقائه ، يسارع الى الجلوس مع المتخاصمين من اجل اصلاح ذات البين حتى تبتسم الدنيا .....
يجدد موظف الاستعلامات الاتصال بأسرتك ، تسمعين الهاتف يرن :
- لا احد هناك يجيبني ، هل انت متأكدة ان هذا الرقم هاتف منزل الاسرة ؟
- نعم ، انه رقم هاتف اسرتي ، هذا منزل والدي ، فيه يسكن اخوتي واخواتي !
- سوف اعيد الطلب مرة اخرى ، عسى ان يجيبوني ! اسمع رنين الهاتف ، لا أحد هناك ، قد يكون اهل البيت خرجوا في زيارة لأحد المعارف ! تعالي غدا ، واطلبي رقم هاتفهم !
تغادرين البريد المركزي مع الصديق غانم جليل ، فهو مثلك تماما ، لم ينصفه الحظ في الاتصال بزوجته التي يحبها ويحرص على رضاها ، تجدينه لطيفا معك ، يحاول ان يخفف ما مر بك من مصاعب اوجدتها تصرفات انسان طائش لم يهتم يوما بما يفكر به من يشاركه في الحياة ، ومضى يقول ما يعن له دون مبالاة ، وكأن الناس صخور لا يهتمون بما يسمعون من خشن الكلام ، كيف تتصرفين وانت وحيدة الا من صديق وحيد اخذ يتعاطف معك في الايام القليلة الماضية ؟
يعرض عليك الأستاذ غانم جليل ان تتمشيا معا قبل عودتكما الى الفندق ، ترحبين باقتراحه وانت مسرورة ، انه انسان نبيل تنسيك صحبته ما ألم بك من أحزان !
هنا المكان جميل وهاديء يختلف عن بلادك اىلتي يكثر فيها العنف ، وكثيرا ما تسمعين خشن الكلام الذي يردده المتكلمون ، لكنك تعشقين وطنك وتجدينه اجمل مكان في الدنيا ..

(29)
تمضي بنا ايام الاقامة الجبرية في الفندق الذي اخترناه في اول ليلة وصلنا فيها الى الجزيرة ، لا نجد ان شيئا قد اختلف عما عشناه في الأيام الماضية ، حتى اننا نستطيع الخروج من الفندق في الوقت الذي نشاء ، الامر الوحيد الذي رأيناه قد اختلف عن اقامتنا الحرة ، اننا في الاقامة الجبرية اصبح لزاما علينا ان نخبر المسؤولين اننا سوف نذهب الى مكان ما ، وهم غالبا ما يوافقون ، ويرسلون معنا السيارة التي تقلنا الى المكان الذي اخترناه ، والسائق الذي يقود السيارة المخصصة لخروجنا ذلك النهار ، حين تغيب الشمس ويقترب مجيء الظلام يكون من الواجب علينا ان نعود الى الفندق :
- عليكم ان تعودوا الى هنا قبل أن تأذن الشمس بالمغيب !
يتساءل سمير :
- قبل انبلاج القمر ؟
- ارى انك شاعر ! الغريب انكم في البلاد المشتعلة تملكون العديد من المواهب !
- لست بشاعر رغم انني احب قراءة الشعر !
ويواصل المسؤول الامني للفندق :
- قبل ان يحل الظلام عليكم انتم الأربع أشخاص ان تعودوا الى محل اقامتكم !
- سمعا وطاعة سيدي ، رغم اننا نحب السير في الليالي !
- نمنعكم عن امر واحد فقط ، وكل ما تريدون فعله خارج الشيء الممنوع ،تستطيعون القيام به دون تأخير !
- وما هو الشيء الذي تحرمون علينا القيام به ؟
- ان تقوموا بالسير أثناء الليل !
- لماذا ؟
- انتم في الاقامة الجبرية ولكم الحرية ان تفعلوا ما تريدون !
- ماذا يمكننا ان نفعله ؟
- ان تناموا وتستيقظوا ، ان تقرؤوا وتكتبوا ان تسيروا وتجلسوا ، ان تأكلوا وتصوموا ، ان تتحدثوا وتصمتوا ، ان تحبوا وتكرهوا !
- كل هذا حلال علينا ؟
- أرأيتم ؟ أبحنا لكم كل ما تحبون !
- ومتى تنقضي الاقامة الجبرية ؟
- تستمر اسبوعا واحدا !
- وبعد الاسبوع ؟
- نعيدكم الى بلادكم !
- وان كنا لا نوافق؟
- عجيب ، ألا تحبون البلاد الجميلة التي كل الناس يتطلعون الى العيش فيها؟

(30)
لا أستطيع الانتظار طويلا ، عدم معرفتي بما يجري في ارض الوطن يقلقني كثيرا ، يسلب راحتي ويقضي على سلامتي وامني ، يهدد اطمئناني ، لا اعرف ماذا حل هناك ؟ وما اسباب عدم تمكني من الاتصال بزوجتي سعدى ّ هل حدث لها مكروه ؟ هل اغتيلت بفعل المفخخات والاحزمة الناسفة ؟ هل ماتت جوعا ؟ هل حاولت السباحة ضد التيار فأزهقت روحها ؟ اعرف ان سعدى امرأة تفكر كثيرا قبل ان تقدم على عمل معين ، هي انسانة عاقلة ، الجميع يحترمونها في بلادنا التي لا ترضى عن كل الناس ، سعدى صابرة ، تتحمل كل انواع الأذى ولا تتسرع بالرد ، لهذا كسبت الكثير من الأصدقاء ، هي صامتة تحسن الاستماع ، وتمتعت بثقة المعارف ، فلماذا لم اتمكن من الاتصال بها ؟ من يمكنه ان يخبرني بالحقيقة ؟ القلق يفترسني ، ولماذا لم يوافقوا على منحها التأشيرة ؟ كنت اجنب نفسي كل الأسئلة التي تثير هلعي ! زوجتي سعدى بعيدة عني ، ولا اجد من يمكنه ان ينسيني بعادها المؤقت ، سوف اعود الى بلدي قريبا ، لن ابقى بعيدا لوقت طويل ، اشتقت لسعدى والأصدقاء والى كل ذرات بلادي المشتعلة دائما ، دلال امرأة طيبة ، لكني لا أراها تتصف بمثل صفات سعدى ، التي خلقها الله من طينة مختلفة عما خلق الناس اجمعين ، انا الغاضب دوما وكثير الصراخ ، والذي لا يرضيه شيء ، استطاعت سعدى ان تغيرني وتجعل مني رجلا اخر ! يجدني الناس انسانا هادئا ، وانا في الحقيقة انسان متوتر عنيف أميل الى الصراخ لا أعرف الهدوء ، وسعدى الرائعة نجحت في تغيير المخلوق الذي كنته ! فماذا جرى ؟ ولا اتمكن من الاتصال ببلدي والتحدث مع زوجتي ومعرفة اخر الأخبار ؟ من يستطيع ان يدلني على ما اسعى للوصول اليه ؟ ومن يمكنه ان يعرف ماذا يحدث في بلادي وكيف يحدث ؟ وما اسباب حدوثه في ارضنا نحن فقط ؟ دون شعوب الارض الباقية والتي تنعم بالهدوء والاستقرار ؟ هل لأننا قوم نؤثر الشك على اليقين ، ويصفنا الآخرون اننا شعب عنيف يحب الاعتداء ، رغم اننا طيبون ولا نفضل ان نبدأ بعداوة من يحبنا ويتمنى لنا السعادة ، فلماذا وصفنا الجاحدون بصفات بعيدة كل البعد عن طبيعتنا ؟ هل لأننا لا نحب الظالمين ، ونثور ضد الطغاة وضد من يريد لنا ان نهان ، انتظر طويلا في البريد المركزي لجزيرة السعادة ، علهم يجدون لي العلاج الشافي لنفسي القلقة ، التي اخذ قلقها يتزايد فيما بعد كل اتصال ببغداد ، وموظف البريد يقول لي دون ان يعرف بمدى الألم الذي يسببه لي عدم الرد على نداءاتي المتكررة :
- لا أحد يرد على الهاتف ! ربما غير من تتصل بهم هاتفهم ! او لعلهم خرجوا من المنزل !
- واين يمكن ان يذهبوا وهم يشتاقون لي كما اشتاق لهم ؟
- الزمن يغير النفوس يا صديقي ! وفي بلادكم الحرب مشتعلة ! لماذا تحبون ان تشعلوا الحروب دون ان تحاولوا اطفاءها ؟
حتى انت ايها الشقيق ؟ يا من تجهلون طبيعتنا الانسانية ، وتصفوننا بأبشع الصفات ، من يدريكم ماذا نعاني ؟ وما هي متاعبنا الكثيرة التي ابعدت عنكم ؟ هل لأنكم توافقون على كل شيء ؟أقرر مغادرة البريد المركزي هذا اليوم واحاول الاتصال بسعدى في صباح الغد ، قد ينجح البريد في مساعدتي في التحدث مع زوجتي ومعرفة اخبارها !


























اصبيحة شبر



#صبيحة_شبر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الواقع والاحلام لا يلتقيان
- الدليل : قصة قصيرة
- رواية راحلون رغما عن انوفهم - الجزاء الاول
- البديل : قصة قصيرة
- قراءة جديدة لمجموعة قصص التابوت لصبيحة شبر
- الر ائدة سافرة جميل حافظ تحول مكتبتها الخاصة الى عامة
- عيد ميلاد في 1/7
- راحلون رغما عن أنوفهم _ رواية - الجزء الثاني: الفصل الخامس و ...
- راحلون رغما عن أنوفهم _ رواية - الجزء الاول : الفصل الاول وا ...
- بائعة الورد : قصة قصيرة
- وصول متأخر: قصة قصيرة
- كيف تنأى عن موقفك ؟
- وأدتُك قلبي: رواية : الجزء الخامس والأخير
- وأدتُك قلبي: رواية : الجزء الرابع
- وأدتُك قلبي: رواية : الجزء الثالث
- وأدتُك قلبي: رواية : الجزء الثاني
- وأدتُك قلبي: رواية : الجزء الأول
- نازك الملائكة عاشقة الليل والطفولة
- لميعة عباس عمارة
- لماذا يتم التحرش بالنساء ؟


المزيد.....




- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...
- الأطفال هتستمتع.. تردد قناة تنة ورنة 2024 على نايل سات وتابع ...
- ثبتها الآن تردد قناة تنة ورنة الفضائية للأطفال وشاهدوا أروع ...
- في شهر الاحتفاء بثقافة الضاد.. الكتاب العربي يزهر في كندا
- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبيحة شبر - تأشيرة السعادة : رواية : الجزء الاول