أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبيحة شبر - وأدتُك قلبي: رواية : الجزء الأول















المزيد.....



وأدتُك قلبي: رواية : الجزء الأول


صبيحة شبر

الحوار المتمدن-العدد: 5926 - 2018 / 7 / 7 - 22:12
المحور: الادب والفن
    


وأدتُك قلبي


صبيحة شبر

رواية

(1)
دعيت الطالبة باسمة سعيد الى مهرجان الربيع في جامعتها


بعد الظهر ، قالت للزميل طارق الذي أخبرها بالدعوة :
- لكني اعتدت على المغادرة بعد انتهاء الدروس..
- لا ضير ان تجربي حضور الأنشطة التي تقيمها كليات الجامعة بين وقت وآخر ، فالجامعة ليست دروسا وتحضيرا للامتحان فقط ، انما هي فعاليات وأنشطة يقوم بها الطلاب للتعريف بما يحملون من آراء وتطلعات ..
- حسن سأحاول الحضور..
- ابقي هنا في الكلية وتناولي طعام الغداء ، لن يكفيك الوقت للذهاب الى المنزل ، ثم العودة ، يسرني أن أدعوك الى شطيرة ليست سمينة في مطعم الكلية ..
- سأدفع ثمنها انا ..
- لاتفعلي هذا ، نحن أصدقاء ايضا ولسنا زملاء دراسة فقط..
المطعم مزدحم بالحضور ، كأن الطلاب كلهم سوف يكونون في المهرجان الساعة الرابعة مساء ، لماذا تسرع الآنسة باسمة سعيد دون الطلاب الى مغادرة المكان الذي تحبه كثيرا ، وتحرص على أن تقضي جل أوقاتها فيه ، تكون يوميا اول الداخلين الى ممرات الكلية ، كما تجد نفسها آخر المغادرين ، انه المكان الذي تعشق ان تكون به دائما ، ربما لا تتاح لها الفرصة ان تشهد أمكنة أخرى بمثل هذا الجمال في المستقبل ، هي لاتعرف كيف ستكون أيامها القادمة ؟ وهل سترى هذا الجمع من المثقفين من كلا الجنسين ؟ تجلس معهم وتبادلهم الحديث وتعبر عن أفكارها التي قد تختلف عن أفكارهم بكل حرية ودون ان يفرض عليها احد الصمت لمجاملة البعض ، ايامها القادمة سوف تخلو من متع بريئة جميلة يمكنها ان تراها الان او تلمسها لمس اليد والعين ، ولكن من يدري ماذا ستكون في المستقبل القريب ؟
- هل تشربين الشاي ام القهوة ؟
- أحب الاثنين ، اطلب لي ما تحب لنفسك .
- هات لنا كأسين من الشاي بسكر قليل..
أغاني فيروز الجميلة تصدح في المطعم ، والجالسون تبدو على وجوههم علامات الراحة ، كل مائدة جلس حولها جماعة من الطلاب ، كل امريء رافق صديقته الى هذا المطعم ، وباسمة لم تحظ بمن يرافقها في كل الأوقات ، أصدقاؤها المقربون يحلو لهم ان يرافقوها حين تغيب صديقاتهم ، باسمة صديقة الجميع ، ولم تعثر بعد على صديقها الوحيد بعد ، انها الآن لا تشعر بالغربة ، لأن طارق زميلها في الصف يجلس معها لتناول طعام الغداء ، وحين تحضر صديقته المقربة ينساها هي ويسرع لملاقاة الحبيبة التي تكون الجديرة بالصحبة دون الأخريات...
- سوف تسعدين اليوم لحضورك المهرجان ، وسوف تكررين حضور المهرجانات اللاحقة ، برامج جميلة ، أغان رائعة وموسيقى عذبة وأشخاص تبعث صحبتهم على السرور ، كل هؤلاء سوف تجدينهم هذا المساء..
- السعادة حلم نتطلع اليه جميعا ، وسوف أكرر حضور المهرجانات بكل تأكيد..
- أعرفك جيدا ، تحبين الثقافة والاطلاع ، وهناك الكثير ممن يهتمون بمثل اهتماماتك ، لهذا دعوتك عزيزتي الى تلبية رغبة صديق عزيز يود ان يراك.
- من هو هذا الصديق ؟
- انه الشخص الرابع في مجموعتنا مثقف وشاعر وقاريء جيد وناقد لما يقرأ وهو أفضل الجميع برأيي ، هل اطلب لك كأسا آخر من الشاي ؟
- الشاي هنا لذيذ ، لكني اكتفيتُ.
- هل تودين ان نطلع على المرسم في الوقت المتبفي على بدء المهرجان ؟
- نعم ، هيا بنا..
- رسوم جميلة في المرسم ، سوف يسرك الاطلاع عليها..
تذهب باسمة الى المرسم ،طلاب كثيرون ، يقول لها الصديق المصاحب :
- هذه رسوم الفنان احمد ، وهذه لوحات منى ، وتلك التي ترينها على الجدار المقابل لوحات أياد.
- سنمر عليها كلها ثم نبدي الرأي بتمعن..

(2)
سيقام في كليتنا مهرجان الربيع ، وقد اختارتني لجنة الطلاب ان أكون مسؤولا بالتنسيق مع الجهات المعنية لانجاح هذا المهرجان الذي ننتظره بشغف كبير ، لنجدد النشاط ونعزز عرى الصداقة ، ونحتفل بأيام الشباب ، وجهت دعوة لحضور المهرجان لجميع أصدقائي العاشقين للورد والغناء والعطور الجميلة ، نصحني صديقي طارق ان ادعو الآنسة باسمة سعيد، الشخصية الجذابة التي يتحدث عن ثقافتها وشجاعتها العديد من الأصدقاء ، لكنها تثير الاستغراب والدهشة حقا ، كيف وهي المناضلة من اجل التقدم والمساواة تضع الأشواك في طريق الحب ، المفروض ان نملأه عبيرا ، وان نلبي داعيه ان دعانا الى تذوق الشهد والنعيم ، رحبت باسمة سعيد بدعوتي ، وانتظر اليوم الموعود كي أراها، كي أتبين عن قرب حقيقة الصفات التي تطلق عليها ، بعضهم يقول انها مقدامة شجاعة لاتعرف الرهبة التي تتصف بها أغلب نساء بلادنا المنكوبات ، وبعضهم يقول انها تدعي التقدمية ، فهي بالحقيقة تعيش التخلف .. وتحرم نفسها من نعيم الدنيا ، من أجل ان ترضي جميع الناس ، ألا تعلم ان رضا الناس غاية لاتدرك ؟، اخبرت الحبيبة بلقيس ان تحضر المهرجان وان تتعرف الى باسمة سعيد ، للتعلم من صفاتها الكثيرة التي تثير اعجاب كل من عرفها .. ولكن بلقيس اعتذرت كما هي عادتها في كل احتفال ، وأنا أعذرها ، فالأسرة في العراق تكبل الفتيات الشابات خشية ان تلحق سمعتهن شائبة ، يطلقها المغرضون ...
حضر الضيوف وازدانت القاعة بالزينة ،وصدحت اصوات المغنين العراقيين بأعذب الأغاني ، حسين نعمة بأغنيته ( يانجمة) يملأ الأفق جمالا وبهاء والجميع فرحون مستبشرون ،بهذا اليوم السعيد ، جاءت باسمة سعيد ، والتي ترتدي العباءة كأغلب نساء العراق ، رأيتها جميلة ورقيقة ، ورائعة الصفات ، رحبت بها ، كانت قد خلعت عباءتها ، ووضعتها في حقيبة بلاستيكية ، فساعدتها ، بأن طلبت من احدى العاملات في الكلية ان تحتفظ بالعباءة عندها ، حتى يحين موعد انتهاء المهرجان..
الفرح باد على محيا مدعوتي ، والجميع يغرد معلنا عن سعادته ، تبادلت بعض وجهات النظر مع الضيفة:

- انا سعيد بالتعرف اليك آنستي ، الجميع كان يثني عليك !
- انا سعيدة جدا ، انت صديق حميم لأصدقائي المقربين
- .
- نحن صديقان ، رغم انني لم تتح لي الفرصة برؤيتك ، صديق أصدقائي صديقي..
- يشرفني ترحيبك استاذ احمد..


(3)
الحديقة كبيرة تكثر بها الورود المتفتحة ، وباسمة سعيد تتأمل مناظر الربيع الخلابة باعجاب كبير ، تتنشق شذا الازهار وترنو الى جمال الأشجار الخضراء التي تملأ المكان فتنة وتبعث السرور الى النفس ، وتجعل غيوم الوجدان تنقشع ، استقبل الطالب احمد منصور الطالبة باسمة سعيد بترحاب كبير انساها لبعض الوقت الحياء المتأصل بها اخذ العباءة التي كانت ترتديها ووضعها في كيس أسود وطلب من مسؤولة الغرفة ان تضعها عندها حتى انتهاء المهرجان وذهاب المدعوين الى بيوتهم :
- مرحبا بك في مهرجان الربيع الذي أقامته كليتنا هذا العام ، كنت اسمع بك وسرني كثيرا أن تلبي دعوتي ، انا سعيد برؤيتك .
- وأنا ايضا سعيدة بمعرفتك ، جميع الأصدقاء كانوا يصفونك بأحلى الصفات وأقربها الى النفس ، فأنت قريب من الجميع تشاركهم افراحهم وتحاول مساعدتهم في حل المشاكل التي تعترض طريقهم .
- انهم أحبابي وأشقائي يجمعون بين الاخوة والصداقة في وشائج من الود والتفهم والتعاون ، فنحن مجموعة من الأصدقاء تشابهت ميولها ووجدت نفسها تحب نفس الهوايات و تعشق عين الاهتمامات ،
صوت فيروز العذب يصدح بأجمل الألحان ،، والحاضرون منبهرون بمنظر الربيع الفتان وبما تبعثه الخضرة الجميلة من راحة لدي الرائي وشعور بالاطمئنان ، الآس الزاهي يحيط بالحديقة كسوار من الجمال الآسر والأشجار متلألئة بثمارها المتدلية وكأن عصائرها تبدو للناظرين داعية اياهم الى التمتع بمذاقها الفريد ، تنصت باسمة سعيد الى تغريد الطيور وهي جذلى بهذه المناسبة السعيدة ، وتستمع الى شدو العنادل وهي تعبر عن سرورها الكبير ، وتمني النفس انه يوم سعادة ولا بد ان نتذوقها حتى الثمالة والا نترك قطرات منها في الكأس تنتظر من تمن عليه بالارتواء..
شيء مهم حدث هذا النهار جعل باسمة تنتشي من الفرح ،وهي لم تجد ما يجعلها بكل هذا السرور ، تمنت ان تستمر ساعات المهرجان الجميلة التي جعلتها بالقرب من انسان لايجود الزمان بصحبته دائما ، وهي التي كانت متعطشة الى الكلمة الجميلة والبسمة المعبرة ، كل هذه الأمور التي افتقدتها قبل هذا اليوم وجدتها في شخصية الصديق الذي كثيرا ما سمعت عن عظيم خصاله وجميل مميزاته ،حتى تمنت ان تلتقي به وتشهد عن قرب ما يتحلى به من خصائص ، فاذا هو انسان جمع كل المميزات التي تمنتها كثيرا وحلمت ان تجتمع في انسان ،تجده يختلف عن الرجال الآخرين ، لهذا كانت كثيرة السرور ان المهرجان اليوم قد حقق لها الآمال التي تطلعت كثيرا الى تحقيقها..
حان وقت الانصراف ، فباسمة لم تعتد على التأخر بالعودة الى منزلها ، ما ان تحين الساعة الخامسة حتى تهرع الى المنزل ،خشية ان تسأل عن سبب التأخر ، ولكن هذه المناسبة السعيدة وجدت في نفسها الشجاعة ان تتأخر عن موعد العودة ، فالإنسان العزيز الذي تعرفت عليه جدير بالبقاء معه بعض الوقت ، وكأن أحمد منصور استطاع ان يقرا ما كان يجول في عقل الطالبة باسمة سعيد من أفكار وصراع بين رغبة ونقيضها ، فقال :
- لم يزل الوقت مبكرا على العودة ، لا تخشي من التأخر ، سوف أوصلك الى مكان قريب من منزلك ، حتى تكوني في بيتكم في الساعة التي اعتدت الوصول اليه فيها ..
الفرحة لاتسع باسمة ويرى احمد علامات الفرح مرسومة على محياها فيقول :
- اني سعيد هذا اليوم ، كل أصدقائي الذي يعرفونك مدحوك كثيرا ،وأثنوا على خصالك الجميلة وجمالك الهاديء الرزين ، وفي الحقيقة وجدتك اجمل بكثير مما نعتوك ، ويسعدني كثيرا ان نكون صديقين وفيين امام كل الصعاب التي لابد ان تعترض الطريق ..
في سيارة الأجرة التي أقلت باسمة سعيد وأحمد منصور وصديقين آخرين قرأ الشاعر احمد منصور على مسامع الراكبين قصيدة غزلية وجدت فيها باسمة سعيد نفسها ، ترى هل يمكن ان يكتب شاعر مثل احمد منصور قصيدة في جمال باسمة سعيد وحسن اخلاقها قبل ان يلتقي بها ؟ لم تشك الإنسانة المتطلعة الى الحب ابدا ان القصيدة هي لها وحدها دون الأخريات ، قلبها لا يمكن ان يخطيء وقد أخبرها ان القصيدة الغزلية التي قرأها احمد منصور لابد ان تكون تعبيرا عن حبه لها ، لقد وصفها قبل قليل بأحلى الصفات بكلمات قالها ، ألا يمكن ان يقول في وصفها أروع أبيات الشعر ؟ لم لآ ؟ انها متأكدة وواثقة تماما ان القصيدة تعبر عن حبه لها ، وما تشعر به ليس أضغاث أحلام.

(4)

كنتُ واثقا ان باسمة سعيد سوف تعجبني بشمائلها الكثيرة ، فهي عميقة الثقافة ، وجميلة جدا، تثق بنفسها وبالآخرين الذين تصادقهم، ولا تتكلف عند الحديث ، بل تعبر عما تشعر به بكل حرية ، قريبة من النفس ، ولم أجد غرابة ان جميع أصدقائي يقدرونها ويتمنون ان تحبهم شخصية تتمتع بمثل مزايا باسمة سعيد ، كنت اتمنى ان تتعرف عليها
بلقيس ، التي تحبني ولكنها لاتتمتع بما تتصف به باسمة من شجاعة فكرية ، ورغبة بالتزود من المعارف المتنوعة التي تمدنا بها الكتب ، باسمة قارئة بنهم شديد..
لم تأتي بلقيس ،ولم يتحقق ماكنت أريد ،لكن الأيام طويلة ،وسوف تقدم أوراقها الى الجامعة بعد عامين ، واربط صداقة بين امرأتين ، احداهما تحبني لدرجة الهيام ، والثانية تحب ان تصل الى مساواة كاملة في الحقوق بين الجنسين، وهذه أهداف جميلة نسعى الى الوصول اليها عن طريق النضال المشترك ، يقولون ان باسمة سعيد تقرأ كثيرا ، وقد لمست هذا واضحا من حديثها ، وهي نادرا ما تتحد ث عن نفسها ، بل تستمع باهتمام الى جليسها المتكلم...
أخذ أصدقائي يعقدون المقارنات بين باسمة سعيد وبلقيس ، محاولين ان يغيروا من البطلة التي تحوز على حبي، صحيح انني اعجبت بشخصية باسمة الجذابة ، فهناك فرق كبير بين الحب والاعجاب ، بلقيس تحبني اكثر من نفسها ، ولن ابدلها بكل حسناوات العراق ، بعض الأصدقاء يقولون انهم يقعون في حب امرأة جديدة كل يوم ، واظن انهم لايعرفون الحب بشكله الصحيح ، اعرف ان مفهوم الحب يختلف بين ما تراه المرأة وما يجده الرجل ، الطبيعة السيكولوجية للجنسين تتباين في أمور كثيرة ، ومن بينها الرأي في الحب..
سوف انسى باسمة سعيد وبلقيس ، وأحيا لحظات هانئة مع صديقتي نهلة ، الأرملة التي غادرها زوجها وهي في عز الشباب ، وهي قادرة على ان تجعلني أتمتع بما لاتستطيعه الفتيات الآنسات في بلد مثل بلادي ، يضيق على النساء ، ويكتم أنفاسهن ، مراقبا حركاتهن العفوية...
أعجبت بشجاعة نهلة وتقدميتها ، وعدم خشيتها من ان تقوم بما تراه صحيحا ، حتى لو هاجمها جميع الناس ، وقد أخلصت لصديقي حسام طوال فترة زواجهما ، لكنها بعد رحيل الزوج الذي كانت تحبه ، عقدت معي صداقة حقيقية وحب كبير ، لايزعزعه حب بلقيس لي ، او اعجابي بثقافة باسمة سعيد، كانت صحبتها تنسيني ما يمر بي من اخفاقات ، وما يعترض طريقي من صعوبات، أحدثها بمتاعبي ، فتنصت لي باهتمام ، ونتوصل معا الى الحلول..



.



(5)
حدثت الطالبة باسمة سعيد كل معارفها عن المهرجان الربيعي الذي حضرته تلبية لدعوة احمد منصور ، أسهبت في وصف الاحتفال وهي تعبر عن سعادتها بالتعرف على انسان يتميز بكل الخصال التي تعجبها في الرجال ، يا لسعادتها الكبيرة حين قابلت الانسان الذي حلمت به وتمنت ان يكون قادما اليها طالبا يدها ،متطلعا الى ان يعيشا معا في حياتهما المستقبلية ، فهما متشابهان تقريبا في اكثر الصفات من رغبة في النضال من اجل حياة أجمل ومن حب المعرفة والرغبة في الاطلاع ..
قال لها الزميل صلاح:
- هل حقا اعجبت اخيرا برجل معين ، وانت قد أغلقت القلب عن الوقوع في شباك الغرام ؟
- نعم ، احمد منصور ليس كباقي الرجال ، انه مختلف ومميز
- وقعت باسمة سعيد ..
- ألست امرأة وانسانة بحاجة الى الحب ؟
- ولكن احمد منصور مرتبط ، هو الوحيد بيننا من استطاع ان يحظى بامرأة تحبه درجة العشق والهيام..
- لم يخبرني احد بهذا !
- وكيف يخبرونك ؟ هل كانوا يتوقعون ان تختاري رجلا عاشقا لأخرى لتقعي بحبائله ، لقد احبك الكثيرون ، وانا احدهم ..
- لكني لا أريد أولئك الكثيرين ، اريد واحدا معينا ..
- تشجعي واخطفيه من حبيبته!
- ليس الخطف من الشيم التي احبها ..
- اذن ادفني حبك قبل ان يستفحل ويصبح داء لا شفاء منه..
- كيف يصبح مرضا ؟
- الحب من طرف واحد أقسى من الأمراض ، انصحك عزيزتي ان تستأصلي حبك وهو مازال في المهد ، قبل ان يترعرع ويشتد سوقه ، ويصبح من العسير عليك ان تضعي له حدا..
- انه شعور جميل ، وسوف ادعه ينمو ويزهر وردا وسعادة !
- هل تدعينه يحب غيرك وانت تعشقينه ؟ ماهذا النكران للذات ؟ فكري جيدا عزيزتي ولا تجعلي أشواك الحب تدمي قلبك الكبير ، واتركك الان مع نصيحتي الا تسمحي بالحب الموؤود ان يستبد بك، فالنهاية معروفة ، احمد رجل ليس من السهولة ان يتنكر لحب واخلاص من وهبته عاطفتها الكبيرة ، وانت امرأة لا تطيق ان تظلم غيرها ، هل تسمحين لنفسك ان تسلبي رجلا من حبيبته ؟
- لن اسامح نفسي ان فعلت هذا .
- اذن غادري قصتك هذه بشجاعة قبل ان يشتد غرامك الوليد ويهيمن على حياتك ..
- سوف اراقب حياتهما من بعيد ، واكون سعيدة ان منحني صداقته..
- ألا تتخلين عن هذه المثاليات ، كيف تدعين بالعلمية وانت تركضين خلف أحلام لايمكنك تحقيقها ، اتركيها منذ البداية واحبي نفسك والتفتي قليلا لمن منحك قلبه اكثر من غيره ..
- لا أستطيع ان أحب غيره الان ، سوف اجرب لاحقا ، عل الله يمنحني القوة على الصبر والبعاد عن ظلال دفء ومحبة بدأت أشعر بها بقربه، قربه مني يمنحني شعورا جديدا بالجمال لم أعهده من قبل..
(6)

يخبرني أصددقائي ان باسمة سعيد تعجب بي ، ويسعدني قولهم حقا ، وأسأل نفسي كيف لشخصية مثل باسمة عرفت بالشجاعة والحزم ان تعجب برجل لم تره الا مرة واحدة ، هل يكون الاعجاب فجأة ، وهل أصدق من يدعي ان الحب يأتي كالمرض ، أليست هناك أسباب؟ لكلا الأمرين ؟ الحب له عوامله المنطقية والمرض له دوافعه ؟ اما ان تعجب بي باسمة سعيد ، فأنا ايضا اعجبت بها ! لكن بلقيس تحبني وان كنت لا أبادلها الحب ، هل يمكنني ان احب امرأة واعجب بأخرى ؟ وهل ترضى باسمة سعيد ان تنافسها امرأة غيرها على قلبي؟وبلقيس ماذا افعل معها ؟ كل هذه الأمور لاتجعلني انسى صداقتي مع نهلة ، هي المرأة الحبيبة التي تفهمني ، ولا تطالبني بأي شيء ، أسرع اليها لأطفيء أشواقي لعواطف لاتعرف الركود ، ونسمات من اللذة لايمكن ان يصيبها الملل ، طلبت منها عددا من المرات ان نتوج حبنا بالزواج كما يفعل العشاق عادة :
- وهل نحن عشاق ؟
- اعشقك انا !
- العشق مرض يصيبنا بالهوان ، نحن نفهم بعضنا!
- لنتزوج..
- الزواج في بلادنا يقتل الحب !
- ألم تكوني تحبين حسام ؟
- كنت أحبه ولهذا ضاعت حقوقي ! وحين ولى الحب حل التفاهم وأصبحنا نعيش بوئام متواصل ..
- وهل الحب عبء؟
- في مجتمعاتنا الحب داء وبيل، يصيب النفوس االضعيفة ، فيجعلها تتهاوى!
- وماذا نفعل نحن ؟
- افهمني وافهم دخيلتي ، وانا افهمك واعرف ماذا يوجد في أعماقك التي تحرص على كتمانها !
- اتمنى ان نكون معا !
- نحن معا بدون قيد الزواج ، تزوج من شئت ودعنا نحيا بسلام ! روحين لاتعكر صفو محبتهما الواجبات!
- سوف لن أرهقك بالواجبات التي نلقيها عادة على كاهل النساء ؟
- لن تستطيع ان ترحمني بهذا الشأن!
- اساعدك الان!
- لأنه لايوجد وثاق يقيد حريتنا !
نهلة تعجبني بأفكارها وارادتها الحرة ، ورغبتها ان تعيش بلا قيود ، أتساءل بيني وبين نفسي :
- لماذا ترضى النساء في بلادنا بالزواج الذي يضعهن في سجن دائم ؟ لماذا لايتفقن معا على الثورة ضد القيود ؟! ولماذا تقدم المرأة العاملة على الارتباط برجل يأبى ان يعيش الا على جهدها وقوتها ، فيسلب طاقتها ويتركها في اقل هفوة..


(7)
تأمل باسمة سعيد ان تتعرف على حبيبة احمد منصور ، لماذا احبها دون الأخريات ، وماذا تفعل هي التي وقعت في حبه حالما قابلته في مهرجان الربيع ، الفضول يغمرها لمعرفة خصال الحبيبة التي استأثرت بقلب الرجل المحبوب..
قال لها الصديق صلاح :
- حبيبته فتاة جميلة جدا ، وتعشقه اكثر من حبها لنفسها..
- هل تشبهه الحبيبة في الثقافة والاهتمامات ؟
- كلا ، تختلف عنه كثيرا ، ليست مثقفة ، انما تملك قلبا محبا ولها استعداد ان تنفذ كل ما يتوق اليه..
- هل يمكنك ان تريني اياها ؟
- سوف تأتي الى الكلية في الاسبوع القادم ..
تنتظر باسمة سعيد ان ينتهي الأسبوع ،لتعرف كيف استحقت حبيبة معشوقها ان تظفر بقلبه ؟ هل تتمتع بالهدوء الذي يتميز به ؟ هل هي مثله في الاتصاف بالخصال الجميلة من الشجاعة والحنان والرغبة في مساعدة الأصدقاء ،والوقوف بجانبهم حين يتعرضون الى الصعوبات ، كلهم يمتدح الصديق احمد منصور ويجعله موضع ثقته واعتزازه ، فكيف اختار حبيبته ؟، يواصل صلاح كلامه :
- رأيتها مرات عديدة ، واستغربت انني لم اجدها بنفس صفاته ، لعله كان يريد الحب ووجده لدى هذه الفتاة ، التي تظهر العشق الكبير للرجل الذي احبته، بكل قطرة من دمائها وكل ذرة من شرايينها ، وبكل العقل والقلب معا ، ألا يستحق الحب ان نتنكر لكل شيء من أجله ؟ الا يمنحنا الرضا والقناعة والسعادة التي لايصل اليها الكثيرون ؟ ربما انت لا توافقين ان تتبعي هذا الرجل ،وانما تسعين ان تكوني ندا له ومساوية وان تحققي التكافؤ معه في كل شيء ، هل يمكنك ان تغيري من آرائك من أجله ؟ وهل يسعدك ان تكوني ظلا له وتابعة ؟
- لم لا ؟ ان تحقق الحب فلا ضير ان فقدنا الامور الأخرى، التي نراها اقل أهمية ..
- اذن حققي املك في اكتساب قلبه ، هل يمكنك هذا ؟ ام انك سوف تقولين ان العدالة والمساواة بين الزوجين هي ما تناضل النساء من أجله ..
- أسعى الى الحب الحقيقي في كل ما اريد ، الحب هو الهدف الذي يناضل اغلب الناس من اجل الوصول اليه ، ماذا يفيدنا النجاح ان كانت حياتنا صحراء قاسية لا رحمة فيها ، وكيف نصل الى الاحترام والتقدير ان كنا نحيا محرومات من كلمة تعبر عن الحب ؟ما جدوى الثقافة ان كانت دنيانا كئيبة خالية من المعاني؟
- اني مستعد لأن اواصل حبك طوال العمر دون ان تبادليني شعوري بمثله
- الآن ؟ قلبي ليس ملكا لي ، لقد فارقني ولا املك عليه إرادتي..
- حدثتك بحبي قبل فترة طويلة ، وها انت تخبرينني انك وقعت بحب رجل آخر ، انا ايضا احب احمد منصور واحترمه ، لكني كنت آمل ان تبادليني الشعور ..
- لا أدري كيف وقعت بالحب ؟ وجدت نفسي وكأن ينبوعا من الجمال ينبثق داخل نفسي لتزهر ورود المحبة ، أشعر بالسعادة رغم انني احب رجلا لا يشعر بحبي..
- ربما يشعر ، كيف يمكنك ان تخبئي الحب ؟ له علامات ودلائل لا يستطيع اي انسان اخفاءها..


(8)

بلقيس لاتحب ان تقرأ ويتعبها منظر الكتب التي تجدها مبعثرة على رفوف مكتبات الأصدقاء ، طلبت منها مرارا ان تحاول القراءة ، لتتعزز تجربتها في الحياة ، وتستطيع ان تنوع في فنون الكلام ، وألا يقتصر حديثها على الطبخ والتنظيف واسعار المأكولات ، كما كانت جدتي تفعل ... امي اراها متنورة رغم الأعباء الملقاة على عاتقها ، استفادت من ثقافة ابي والذي تعهدها بالعناية ، وعلمها اصول القراءة والكتابة بعد ان تزوجها وهي أمية ، تحسن فنون الطبخ وتنظيف حجرات البيت والعناية بالأطفال ومن بينهم الزوج المدلل الذي ينقلب طفلا عنيدا بعد ان يتزوج ، لتبدأ زوجته بتربيته من جديد..
باسمة سعيد يبدو انها لاتعرف الا القراءة ، اكثر أحاديثها عن الكتب والمؤلفين وعن سهرها الليالي الطوال كي تقرا كتابا ، لو استطعت ان اجعل مزايا بلقيس وباسمة تجمع وتقسم على المرأتين بعدل لأرحت نفسي من العناء الذي يربكني هذه الأيام..
حين يشتد توتري ،ولا استطيع ان اجد لمعظم أسئلتي أجوبة مناسبة، أيمم وجهي الى منزل نهلة الحبيبة ، نهلة المرأة التي لاتحب ان تربط نفسها بالقيود ، وتأبى ان تسجن خلف قضبان من ذهب ، وتثور ان كلمها محب عن خيوط الحرير التي ستطوق بها عنقها الجميل ، ان وافقت على الاقتران ، نهلة التي كانت تحب صديقي حسام ، ماذا دهاها كي ترفض الزواج من جديد ، كل هذا الرفض الذي يجعلني أصاب بالهلع ، سأكون لك كل شيء ايتها المعشوقة التي لا أجد غيرك في هذا الكون ، حضنك الدافيء ينسيني متاعب الدنيا ، وقبلاتك الناعمة تجعلني أسعد الرجال، صدرك الناهد يروي ظمئي الدائم وخصرك الأهيف وووووو ماذا يمكنني أن أقول وقد اكسبك الله كل الحسن ومنحك رائع الجمال ، ووهبك الخصال الحميدة التي اعطاها لأمنا المتمردة الحنون حواء الحسناء ، نهلة ياعشقي الكبير ، ماذا افعل وحبك يسلبني عقلي ويستبد بي ويشتت أفكاري ، نهلة المرأة المرأة ، سأظل اتغنى بشمائلك الفاتنة ، سأزرع ربوعك المميتة كل ما في قدرتي من ارواء...
ترقص نهلة وتتمايل على الأنغام الجميلة ، ألثم كل ما فيها من كنوز ، احاول ان اعيد الكرة الى تذوق مفاتنها الرائعة :
- غدا موعدنا يا أحمد
- استمري بالرقص يا حلوتي الليلة ، ما زال الوقت بعيدا على ان امضي..
- لاتمض الان ، لنسمع اغاني أخرى...



(9)
انطلقت باسمة سعيد خلف حبيبة احمد منصور ، تتبعها اينما حلت متسائلة عن السر الذي جعل من تحبه مولعا بامرأة أخرى ،أتغلق قلبها الى فترات طويلة من العمر ، ليعلق اخيرا بمن لا يمكنه ان يبادلها الشعور ؟
المرأة الغريمة جميلة جدا ، لكن رأسها خال مما يدور في رؤوس الكثيرين ممن تعتبرهم أصدقاء لها ، شعر طويل ينسدل بتراخ على الكتفين وعيون كحيلة ووجه صاف يسر الناظرين ..
تدخل الحبيبة (بلقيس ) الى غرفة الطالبات ، تتبعها باسمة سعيد، تخرج الحبيبة من حقيبتها اليدوية عدة الألوان ، تكحل العينين اولا ، ثم تعرج على الخدين ، بيدها قطن احمر اللون ، تمرره على خديها الاصفرين ، فيتحولان الى لون وردي جميل ، تضع الروج على شفتيها ، تنتبه اخيرا الى ان هناك من يتابعها ويشاهد ما تقوم به من خطوات لتخدع الحبيب الذي لا يدري ما الحقيقة ولم يخطر بباله ان الجمال الظاهر الرائع انما مجلوب ببعض الأصباغ..
- انني اجمل بكثير من هذه الفتاة التي تتظاهر بما ليس بها ، أليس من حقي أن احظى بحب من فتن القلب به ومن بقيت انتظر قدومه كل هذه السنوات ؟
تمشط الحبيبة شعرها الطويل وتخرج من غرفة الطالبات دون ان تهتم بما تفكر به باسمة سعيد..
تخرج باسمة من الغرفة ايضا ، تسير خلف الحبيبة لتعرف اين ستذهب في هذه الظهيرة التي اشتدت بها حرارة بغداد اللاهبة ،واصبحت تحرق الخدود وتجعلها حمراء ، فلماذا استعانت الحبيبة بأصباغ خداعة لتنطلي حيلتها على رجل يهتم بالحقيقة ويناضل من اجلها ؟ تصل الحبيبة الى شارع العشاق في الكلية والذي كثيرا ما تمنت باسمة سعيد ان تدخله مع الداخلين المحظوظين الذين يسعدون مع نبضات القلوب ، فلماذا تجد نفسها محرومة من جمال الحب وورود القلب المتعطش الى من يضمه بقوة ..
تراقب كل زوجين اثنين ينعمان برابطة العشق الذي لولاه لما عرف الانسان ما معنى السعادة وما اهمية ان يجعل الشعور المتبادل الحياة جميلة فينعش النفس ويترنم الفؤاد بأغاني الوئام ..
في كل زاوية من زوايا شارع الحب عاشقان يعبران عن حرارة الوجد وجمال ان يكون للإنسان حبيب يبادله ازكى العواطف واجمل انواع الشعور
ترى القبلات تنهمر لتسعد العشاق وتجعل حيواتهما اكثر جدوى من ان تمر الأيام كئيبة خالية من المعاني الجميلة ..
ينتبه احمد منصور الى ان هناك من يراقبه ويشاهد قبلاته التي يهبها الى الحبيبة السعيدة ، فيسحب الحبيبة بلقيس بقوة ويعود بها الى داخل الكلية دون ان يلتفت الى من كانت تراقبه كل هذه الفترة :
- هل رآني وانا أشاهد ما يقومان به ؟ هل يدرك انني تمنيته حبيبا لي ؟ وكيف يمكنه ان يعلم وانا لم أصرح له بالحب ؟ وكيف اصرح وهو يحب امرأة أخرى ؟ هل اتصف بالجرأة اللازمة لكي احول عاطفته الكبيرة نحوي ؟ وهل املك انا هذه الصفات التي يستهجنها المجتمع الذي اعيش في كنفه ؟ وهل اظل حريصة على رأي الناس بتصرفاتي دون ان اقوى على ان افشي سر قلبي الذي يشتعل حبا ورغبة ؟ وكيف اتحمل هذا الحرمان الكبير الذي وجدت نفسي اسجن قلبي فيه ؟ ألم يكفني ما عشته من حرمان طوال هذه السنين ، لأواصل طريقتي بالحياة والتي تتسبب في حرماني من الفرح ؟ لماذا اتحمل ان اكون كئيبة متوترة ولا انعم بالحب ككل بنات وابناء البشر ؟ وماذا يفيدني ان دفنت قلبي في الضلوع دون ان أسمح له بالتعبير عما يشجيه ، ويجعله محترقا في اتون الغرام ،دون ان يرحمه الرجل الوحيد الذي احببته من بين رجال كثر وجدتهم حولي ؟
تواصل باسمة سعيد حديثها مع قلبها الذي يتصارع مع العقل الذي يريد لها ان تكون محرومة طوال الحياة ، ما الذي يفيدها ان وصفها الناس جميعا بالاتزان والنضج ؟وهي المسهدة التي تشكو من نقص المبادرة ومن الخوف الشديد مما سوف يقول عنها الناس ..
- ايهما افضل لي ،؟ الناس الذين لا يرضيهم احد ؟ ام قلبي حين ينجح في جعل احمد منصور يدرك انني عاشقة له ؟
تقطف باسمة سعيد وردة حمراء ينبعث منها العبير ، تجد الحبيبين يمران قريبا منها :
- هذه لك
- لي انا ؟ .....شكرا لك
تنطلق ضحكة مجلجلة من بلقيس وهي ترى ان امرأة أخرى تهدي حبيبها وردة بلون الحب..
يبتعد الحبيبان ، وتظل باسمة سعيد حائرة :
- هل صنعت جميلا يا قلبي حين أهديته ما ينبئ عن عشقي ؟ وما أدراك يا نفس انه سوف يعرف ما تخبره به الوردة ؟ وهل ستتحلى وردتك بالجرأة التي فقدتِها من كثرة ارغام قلبك على الصمت والتظاهر بما ليس فيه ، الى متى تظلين حائرة بين رأي الناس وما يقوله احمد منصور عنك ؟
(10)
شارع العشاق في الكلية أهيم به ، تسعد النفس حين اتمشى بين أشجاره الباسقة ووروده العابقة بالعبير ، تضوع العطور في هذا الشارع المشهور ، لا يوجد في كليتي شارع مثله، لهذا اهرع الى شارع العشاق في كلية الآداب ، لأستمد قوتي من حب كبير تحمله بلقيس نحوي ، عشرات العشاق يجلسون تحت ظلال الأشجار الوارفة ، وهم يتطلعون الى حرارة الوجد ودفء الحب وماذا تضيفه لكيان الانسان جلسة حميمية في احضان الحبيب ، أكاد احضن بلقيس بنظراتي الملتهبة وهي تبادلني الهيام عينه ، ما أسعد المحبين ! ومهما كانت عاقبة غرامهم ، فأن قصتهم زاخرة بالجمال ، لاننظر الى غيرنا ، وننشغل بأنفسنا وما تحمله قلوبنا من دفء النعيم ، اتطلع الى حبيبتي الجميلة باعجاب تسعد به ، وفجأة ألحظ ان نظرات تنصب علينا من شخص اعرفه تمام المعرفة ، لايمكنني ان اجعله يعرف انني قد لحظت نظراته المتعطشة وهو يصبها بغبطة علينا ، كنت اظن ان باسمة سعيد عندها الكثير من المحبين ، وانها لابد قد اتخذت احدهم حبيبا ، تفضله على أصدقائها الكثيرين ، لكنني لم اكن اعلم انني الشخص الذي وقع عليه اختيارها ، هذه الانسانة المناضلة والمثقفة والذكية ، والتي تحمل كل الصفات التي يسعى اليها الرجل في المرأة ، لم تجد حبيبا من بين اصدقائها المغرمين بها ، ووجدت ضالتها عند رجل تحبه امرأة اخرى ، اية قصة عجيبة هذه ؟ اكثر غرابة من الخيال نفسه ، يسعدني عشق بلقيس لي ، وأحتاج كثيرا ان تفهمني العزيزة نهلة ، فهي المفضلة عندي على النساء جميعهن ، بلقيس احبها فترة من الزمن ، باسمة سعيد لا أعرف كنه الحب معها ! هل يمكنها ان تحبني كما تفعل بلقيس ؟ ام تفهمني كما تقرؤوني نهلة ، الوردة الحمراء التي قدمتها لي باسمة ، أصابتني بالدهشة ، ألم تجد باسمة رجلا آخر لتبثه حبها العنيد ؟ كنت ألحظ نظراتها الهائمة حين تتحدث معي بأمر من الأمور ، عدد من أصدقائي يعجبون بها ، وسوف يكونون في اعلى درجات السعادة ان ظفر احدهم بقلبها ! اما ان تحبني انا ؟ انا من تعشقه بلقيس حد الجنون ، لو كنت حرا ، لاخترت نهلة فهي المرأة الكاملة التي تناسبني ، افزعتني الضحكة المجلجلة التي انطلقت من بلقيس حين قدمت باسمة سعيد وردتها الحمراء لي:
- ماذا دهاها ؟
- من ؟
- باسمة التي تقولون انها مثقفة ؟
- وماذا فعلت هذه المثقفة ؟
- قدمت لك وردتها !
- لم تقم بأمر سيء!
- تعبر لك عن الحب ، ليس امرا سيئا ؟
- قدمت لي وردة ولم تقل شيئا ! من يدريك لعلها تريد التعبير عن اعجابها!
- لاحظت نظراتها الولهانة !
- هي حرة تنظر كما تريد!
لم تعد بلقيس الى ملاحظاتها هذه بعد هذه المحادثة بيننا ، وكنت اتوقع ان تطور باسمة من اسلوبها في التعبير عن العواطف ، والا تكتفي بالورود الحمراء ، لكنها عادت الى سلوكها السابق معي ومع غيري من أصدقائها ، صداقة مبنية على القراءة والنضال من اجل حياة افضل ، ولا شيء غيرها..
اخبرت نهلة بأمر الوردة ، فلم تبدي استغرابها :
- كنت اتوقع ان باسمة لاتكتفي بصداقتك فقط!
- وماذا تريد ؟
- حبك!
- كيف عرفت؟
- عرفت باسمة عن طريق حديثك عنها..
- انت تعلمين انني احتاجك انت !
- لكنني جربت الزواج ، ولن اعيد تجربته مرة أخرى!


(11)
الطلاب يضربون عن الدوام ، افواج منهم يقفون لاستماع من يمثلهم وهو يعدد المطالب التي يسعون الى تحقيقها :
- الحفاظ على كرامة الطلاب..
- القدرة على التنظيم المهني دون تدخل..
- اعادة الطلاب المفصولين من الجامعة لأسباب سياسية الى مقاعد الدراسة ..
- انتخاب الطلاب لمن يمثلهم بحرية..
الجميع يقفون بنظام ، وقد فشلت كل الأساليب التي اتبعتها السلطات المسؤولة من اجل جعل الطلاب يتراجعون عن اضرابهم ، بعض المجموعات القليلة ارادت ان تكسر الأصراب ولكن سعيها اندحر قبل ان تتمكن من تحقيق بعض النجاح ..
تقف باسمة سعيد وأحمد منصور وطلاب اخرون باصرا ر على انجاح اضرابهم وعدم جعل ادارة الجامعة تتمكن من افشاله ، تشعر باسمة سعيد بالاعتزاز لأنها اخيرا وقفت بجانب حبيبها يناضلان معا من اجل تحقيق الأهداف نفسها التي يريد الطلاب الوصول اليها..
نادى احد المسؤولين :
- هيا ادخلوا صفوفكم,
لا أحد من الطلاب يستجيب للأوامر الداعية الى انهاء الأضراب قبل تحقيق المطالب التي يريدونها..
- سوف اسجل اسماء المتغيبين ، هيا ادخلوا صفوفكم......
الاضراب ينجح والطلاب يحيطون بالقيادة التي يريدون ان تمثلهم والساحة ملآى بكل المضربين ، وقد وقفت باسمة سعيد بكل شجاعة وهي تعبر عن رغبتها القوية في نجاح الاضراب..
قصائد وكلمات تعبر عن شجاعة المضربين وعن رغبتهم الكبيرة في انجاح الاضراب بتحقيق المطالب كلها ، واغان حماسية لفيروز وام كلثوم تثير الحماس في نفوس المضربين كلهم ..
باسمة سعيد يملؤها الفرح الشديد ، اذ انها تقف بجانب حبيبها تؤازره معلنة عن تضامنها مع المطالب التي يسعون لتحقيقها ،قد ينتبه احمد منصور الى مدى ما تخبئه باسمة من حب كبير ، من يدري ؟ ربما تنجح اخيرا في جعل الحبيب يدرك اخيرا ان الحب الذي تشعر به باسمة اعظم من ان تتمكن من اخفائه في قلبها الذي بقي محروما من ينابيع المحبة التي تجعل النفوس جذلى تغرد عازفة اناشيد السعادة والبهاء..
تنظر باسمة سعيد الى صفوف المضربين ، وتتساءل فيما بينها وبين نفسها :
- أين بلقيس ؟ لماذا لا أجدها اليوم واقفة مع المضربين ؟ هل غابت عن الدوام ؟ ام انها استجابت لدعوة المسؤولين الى الدخول في الصف ؟ لا أظن ان بلقيس قادرة على التنكر لمطالب الرجل الذي تحبه اكثر من حبها لنفسها ، ولكن اين هي ؟ ولماذا لا تضرب ؟ هل تكون غير قادرة على اعلان الاضراب ام انها منعت من قبل عائلتها ؟ حين سمعوا بأضراب الطلاب جعلوها تبقى في المنزل ؟ هل حقا هذا ما حدث ، وهل تستطيع اسرة بلقيس منعها من الحضور مع الطلاب في تظاهراتهم الكبيرة والتي اشتركت بها الجموع الطلابية في كل كليات جامعة بغداد ؟ وهل تتمكن اسرة بلقيس من منعها من الاشتراك في هذا الحدث الضروري وهي العاشقة الحريصة على عدم تفويت اية فرصة تجعلها قريبة من حبيب القلب الرجل الذي تجد سعادتها بقربه ؟ ما هو سر عدم حضور بلقيس هذا اليوم ؟ وكيف تغيب وحبيبها ظاهر النشاط في المظاهرة الكبيرة ؟
تظل باسمة سعيد تتحدث مع نفسها وهي لا تعرف اية أسباب منعت الطالبة العاشقة من المساهمة في نشاط يحرص على نجاحه الكثيرون ؟
يوزع احمد منصور بيان اللجنة المنسقة لحركة الاحتجاج على الطلاب الحاضرين الذين يؤيدون ما جاء بالبيان من مطاليب في تحسين ظروف الدراسة الجامعية والحد من تدخل العمادة في شؤون الطلاب ..
تصفق باسمة سعيد بحرارة وهي تأمل ان تحظى نشاطاتها الكبيرة بالاهتمام من قبل الحبيب الذي لا تعرف أيعلم بحقيقة شعورها او هو لا يعلم ؟
(12)

نسق جميع الطلاب التقدميين لانجاح الأضراب ، والذي حدث هذا اليوم ، وسوف يستمر اياما ، حتى يستجيب المسؤولون الى المطالب العادلة ، في حياة دراسية نظيفة ، يحترم فيها الانسان المجد ، ولا يفرض عليه رأي ليس مقتنعا به ..
اجتمعنا مرات عديدة ، ورحبنا بالطلاب الذين يتفقون معنا في الخطوط العامة ، وأبدينا استعدادنا للموافقة على اشتراك بعض الجماعات التي تختلف معنا في بعض الجزئيات ، كلنا طلاب ومن مصلحتنا ان ينجح الاضراب ، وان تستجيب العمادة للمطاليب التي يراها جميع المضربين عادلة ، ويجب ان تتحقق ..
أعجبتني الصديقة باسمة سعيد باصرارها وشجاعتها في الاشتراك بالاضراب ، ولم تدخل الصف ، رغم ان بعض الأساتذة دعوا الطلاب الى دخول الصفوف ، والاستماع الى المحاضرات ، وأغلب الأساتذة وقفوا بجانب الطلاب المضربين ، يؤازرونهم ، ويشجعونهم على الاستمرار ، رغم الصعوبات التي توضع لهم في الطريق ..
نهلة العزيزة ورغم انها طبيبة منذ أعوام ، شاركت في اضراب الطلاب ، امس ناقشتها :
- كيف يمكنك الاشتراك في الاضراب ، وقد ودعت حياة الطلاب منذ زمن ؟
- أحب حياة الدراسة ، التي أجدها افضل مراحل حياتي ، واحب ان اعيدها بالاشتراك في اضرابكم !
- ألا يمكن ان يعرفك أحد أعداء الحركة الطلابية المطالبة بالاصلاح ، ومن يقف ضد حركة الطلاب كلهم ؟
- لاتخش من هذا ! انه احتمال ضعيف ! لا أحد سوف يعرفني ، الا يقدرون عمري بأقل من الحقيقي بعشر سنوات ؟
- بلى ؟؟ ولكن ماذا تفعلين ان عرفك احد الأعداء ، ونكل بقادة الحركة ، المطالبين بتحسين ظروف الدراسة ؟
- لن تحدث مخاوفك !
ارى نهلة الشجاعة ، والتي تعجبني بكل حركاتها ، واتمنى لو كانت هذه المرأة الكاملة معي دائما..
يردد الطلاب المضربون شعاراتهم ، ارددها معهم ، ارى الأكف تصفق ، اتمنى لو كانت بلقيس تتصف ببعض شجاعة المرأتين الواقفتين بجانبي بهذا الاضراب الكبير ، ولكن ومع الأسف ، استطاع اخو بلقيس ان يقفل عليها باب المنزل ، ويخرج تاركا اياها تندب حظها العاثر ، في عدم القدرة على الاشتراك في الاضراب ، وبلقيس لاتمتلك شجاعة كافية كي تشاركنا في الاضراب ، اتوقع انها لو حضرت الكلية هذا الصباح ، لأجبرها احد الأساتذة المطالبين بالدوام ، على الدخول الى قاعة الدرس..
كثيرا ما أعقد المقارنات بين النساء الثلاث اللاتي اعرفهن ، كل واحدة لها خصالها الجميلة ، وعيوبها القبيحة ، ولكن نهلة الرائعة ، لاتشبهها احداهما ، فهي عظيمة في العطاء والامتاع والنضال ، ومعرفة الآخر والوقوف صامدة، مهما بلغت درجة العدو في مهاجمة المناضلين الأشداء..
تتعالى هتافات الطلاب ، وانا اشاركهم هتافاتهم ، اوزع البيانات التي تدعو الى انجاح الاضراب حتى يستجيب المسؤولون ، ويقوموا بتحقيق المطالب التي دعا اليها المضربون، العناصر الأمنية تحيط بنا ، ونحن داخل دائرتها ، لانبالي بما يقومون به من صروف المهاجمة ، وقد أصررنا على ان يتحقق كل ما نتطلع اليه في حياتنا الدراسية..


(13)
الاضراب يفشل في تحقيق المطالب التي سعى الى تحقيقها المضربون ، تخف حدة الاحتجاجات ، فالعقاب يترصد الجميع ، من يتكلم ناقدا الوضع السيء ومن يكتفي بمراقبة الأحوال والتعليق عليها ان امن الأذان المتلصصة التي تحب ان تسجل اية كلمة تدل على نفاذ الصبر..
بعض المضربين يتعرضون الى التوقيف و يجبرون على ان يشهدوا كل الاعمال التي من شانها ان ترغمهم على الصمت ، احمد منصور لم يزل ثابتا على موقفه المناضل وباسمة سعيد تظل على اعجابها بهذه القوة والثبات اللذين يتصف بهما الحبيب الذي لا يعرف انه قادر على سلب القدرة على النوم من زميلة يظنها صديقة فقط ، دون ان يساوره القلق حول اية قدرة على المحبة يملكها قلب باسمة مما يجعلها تسير خلف الحبيب المنشود وهي التي عرف عنها الحذر من كلام الناس ، هل يمكنها ان تحب رجلا لا يبدي نحوها اي شعور يختلف عن عاطفة الصداقة ، تجعل عينيها خاليتي التعبير ، الى متى تبقى قادرة على التنكر لغرسة جميلة ما زالت تتعهدها بالرعاية علها تثمر ورودا زاهية ذات عبير ينعش حياتها التي تجدها احيانا خالية من المعاني؟
لا اثر لبلقيس في هذا المعترك ولا احد يمكن ان تستفسر منه باسمة سعيد عن سر اختفاء الحبيبة ،التي اخبروها ان الحبيب سوف يتقدم قريبا لأهلها طالبا منهم يدها ، لمن تشكو حالها ؟ ومن يمكن ان تبثه نجواها وهي تجد ان الحبيب سوف ييمم وجهه الى من اختارها القلب ورغب بها الفؤاد
تعود باسمة سعيد الى منزلها وفي قلبها جرح كبير ، تفتح آلة التسجيل وتستمع الى الآهات التي تطلقها ام كلثوم وهي تجد ان حبيبها لا يعرف ما تعانيه من ألم اللوعة وقسوة البعاد ، وسوف لن يكون باستطاعتها ان تحلم بإمكانية ان يظللهما سقف واحد ، ولكن هيهات ما كل ما يتمنى المرء يدركه ، تنهمر دموع باسمة سعيد على حلم ضاع منها ، تدخل غرفتها اختها الصغيرة :
- شقيقتي الغالية الطعام جاهز ، يطلب منك ابي وامي ان تنزلي لتناول طعام العشاء ..
- لانفس لي
- لماذا حبيبتي ؟ ما بك ؟ أراك حزينة هذا اليوم ، حتى انك لم تمري علينا حين وصولك الى المنزل ...
- لابأس ، أشعر ببعض التعب ، وسوف يزول بعد قليل...
- اذن انزلي لتتناولي معنا الطعام ، الجلسة لا تحلو الا بوجودك !
- حسن ، سوف اكون معكم بعد دقائق...
تغسل باسمة سعيد وجهها ، كي لا يرى احد من اهلها اثر الدموع فيعرفون انها تخبئ حزنا لم يكونوا يعهدونه بها...
ترسم البسمة على الوجه الباسم عادة وتنزل الى افراد العائلة التي كانت تنتظر ابنتها العزيزة كي تشاركهم لذة تناول الطعام...

(14)

يفشل الاضراب فشلا ذريعا ، ايام قلية اضرب الطلاب ، اعقب حركتهم الاحتجاجية موجة من التنكيل والاعتقالات ، أنشط ثلاثة طلاب قادوا الاضراب بشجاعة كبيرة ، لم يدع المسؤولون حركتهم الشجاعة تذهب دون عقاب كبير ، جاءت سيارات الأمن في منتصف الليل بعد اليوم الثالث من الاضراب ، واخذت القادة الشجعان ، ومضت بهم معصوبي الأعين الى احد المعتقلات التي تزدحم بروادها من المفكرين والمناضلين من اجل حياة كريمة ، عذب الطلاب الثلاثة بمنتهى القسوة ، لحملهم على الاعتراف بأسماء أصدقائهم المشاركين بالاضراب ، والاساتذة المشهود لهم وقوفهم بجانب الحق ، صمد اثنان من الثلاثة ، ولم يستطع الثالث ان يصمد امام تعذيب وحشي لايستطيع ان يقوم به الا الذئاب البشرية ، التي لم يهبها الله اي احساس بالتعاطف مع بني الانسان ، بل جعلها تحقد على الأسوياء الذين يحبون الناس ، ويحبهم الناس ..
بعد التعذيب القاسي اودع الطلاب الثلاثة في سجن رهيب لاتراه الشمس ، ولا يصل اليه ضوء القمر ، منعت عنهم زيارات الأهل والأصحاب لجعلهم غير قادرين على استمرار الروح الوثابة ، التي تميز الطيبين من البشر ، وتجعلهم لطيفي المعشر ، جميلي الكلام ، يقبلون على الصداقات ويجتهدون في كسب الود ، ورغم هذا التنكيل ، فان الأصدقاء الثلاثة حافظوا على صداقتهم ، ولم يسيئوا للصديق الذي لم يستطع المحافظة على أسرار النضال ، فتحدث بالأمور التي كان يدرك ان الطغاة يعرفونها ن من الواشين الذين بثوهم بين صفوف الطلاب..
الامر الجيد ان الطغاة لم يسيئوا الى الطالبات المضربات ، كنت افكر بباسمة سعيد ونهلة اللتين شاركتا في الاضراب بشجاعة كبيرة ، وعادت باسمة الى صفها حين فشل الاضراب ، ونهلة لم يتطرق احد من المتنفذين الى مشاركتها الفعالة في اضراب الطلاب ، وهي قد فارقت عهد الدراسة منذ زمن ، وأصبحت طبيبة ناجحة..


(15)
يتساءل ابوها :
- ما بك يا ابنتي ؟ اراك واجمة هذه الأيام ! هل انت متفوقة في دروسك كما عهدنا هذا منك ؟
- نعم ابي العزيز ..
- وكيف كانت نتيجة الاضراب ؟
- لم تتحقق المطالب التي دعا اليها المضربون ، بقيت السلطة على حالها ...
- وماذا ستفعلون ؟
- سوف ندعو لاضراب آخر ، فلا يمكن ان يتحقق الحلم دون ان نطالب بتنفيذه!
- صدقت ابنتي الحبيبة ، لابد من المطالبة بالحقوق امام سلطات جائرة
تتناول باسمة قليلا من الطعام ثم تصمت ، يحترم افراد اسرتها رغبتها بالصمت ، فلا يعودون الى توجيه الحديث لابنتهم العزيزة..
تغادر باسمة الى غرفتها بعد تناول الشاي ، تفتح المسجل الذي اهداه لها والدها بمناسبة تفوقها في النجاح ، تستمع الى اغنية تحبها كثيرا من أغاني ام كلثوم ، تضع المنديل على خاصرتها وتبدأ بالرقص على أنغام الموسيقى الجميلة والألحان الرائعة ، تحاول ان تبدد قوة الشعور بالهزيمة والتوتر الشديد بعد ان أنبأها قلبها ان حبها القوي الفريد للحبيب احمد سوف يظل مؤرقا لها ، سالبا منها الشعور بالراحة ! كيف يمكن ان تشعر المراة بالفرح وهي ترى ان حبيبها الوحيد سوف يتوجه الى امرأة اخرى ، ليبنيا معا عش الزوجية ويصبح من المستحيل جدا ان تتقرب من الحلم الذي كثيرا ما داعب القلب والعقل معا ان حياتها الجديبة يمكن ان تنجح في غرس بعض بذور الجمال والمتعة على اديمها الذي اصابه الجفاف من كثرة ما حل بأرضها من قحط وما عاشته من حرمان طويل ..
تواصل ام كلثوم نداءها للحبيب البعيد :
- انا بانتظارك !
وباسمة تتمايل على حرقة النداء واستحالة تحقيقه في المدى القريب ! ماذا يمكنها ان تفعل ؟ هل تسكت شتلات العشق في قلبها المتيم ؟ هل ترغم نفسها المتعطشة الى ينبوع الحب ان تدفن الشعور في الأعماق والا ترنو الى لحظات من المتعة يسودها الحب في دنيا قاحلة انعدم بها الدفء وفقد الانسان الطريق الى الوصول الى ما يحب
تنظر باسمة الى صورتها في المرآة ، الجميع يجد انها ساحرة الجمال ، شعر ناعم طويل وعيون كحلها رباني وبشرة بيضاء صافية ونظرات تتطلع الى المحبة تنبعث من العينين الجميلتين :
- لماذا احيا محرومة من الحب يا الهي ، كن بقربي رب وارحم ضعفي واعني على ان اتجاوز حالة الوهن والقنوط التي أعيشها ، وانر دربي..
- تسمع باسمة طرقا خفيفا على الباب :
- تفضل
يدخل ابوها :
- هل دروسك كثيرة هذا اليوم ؟
- ليست كثيرة جدا ، يمكن ان اخذ بعض الراحة بين درس وآخر..
- لم يعجبني وضعك يا ابنتي ، مهما يكن السبب ارجو ان تعودي باسمة التي نعرفها ، القوية التي لاتهزمها عقبات الحياة ، ناضلي من اجل ان تظلي شجاعة ثابتة على المثل التي نشأتِ عليها...
تبتسم باسمة سعيد وتقول :
- انا ايضا لايعجبني حالي ، سوف اعود الى طبيعتي الأولى ، اعدك بذلك ابي العزيز..
يغادر الأب غرفة باسمة وهو منشرح الصدر بعد ان عاش حيرة كبيرة وهو يرى ان ابنته الشجاعة قد أعيتها بعض الاحباطات... ولكنها قد صممت على اجتياز الصعوبات..,.



#صبيحة_شبر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نازك الملائكة عاشقة الليل والطفولة
- لميعة عباس عمارة
- لماذا يتم التحرش بالنساء ؟
- رسالة الى امرأة عراقية في يومها الوحيد
- المساواة بين الجنسين هل هي حقيقة ؟
- التكسب بالقصيدة العربية
- قراءة في المجموعة القصصية ( غسل العار) لصبيحة شبر بقلم يوسف ...
- معاناة الطفولة العراقية
- التعليم في العراق والطريق المسدود
- نضال المرأة من اجل الحياة
- نضالات المرأة من اجل وضع حد للارهاب
- المرأة ومعاناتها الطويلة
- المرأة وعنف الحروب
- النقد يحتفي بنتاجات زهرة رميج السردية
- اتحاد الأدباء بين الواقع والتمنيات
- احتفاء بالناقد والقاص يوسف عبود
- كيف يتضمن الشعر العمودي عناصر الحداثة
- جائزة ناجي الساعاتي في قاعة الجواهري
- قراءة في المجموعة القصصية ( التابوت)
- في الأول من أيار يحتفي العمال


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبيحة شبر - وأدتُك قلبي: رواية : الجزء الأول