أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نبيل حاجي نائف - إمبراطورية المعتقدات















المزيد.....

إمبراطورية المعتقدات


نبيل حاجي نائف

الحوار المتمدن-العدد: 1676 - 2006 / 9 / 17 - 07:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مازالت المجتمعات الحالية على عكس الاعتقاد السائد تفرز معتقدات كما هو الحال عليه في الماضي .
المجتمعات الحالية هي كذلك مجتمعات اعتقادية , وبلا شك هناك تمثلات دينية فقدت من حدتها هنا وهناك ( ما عدى الدين الإسلامي ) وظهرت في العالم الآن في الوقت نفسه أشكال روحانية جديدة ومعتقدات غريبة ( كتلك التي تقول بزيارة مخلوقات من خارج كوكبنا الأرضي ) وإشاعات تقنية مخيفة واعتقادات شبه علمية وأيديولوجيات سياسية متنوعة .
بعبارة أخرى تتغير المعتقدات باستمرار وحين توشك أن تتلاشى هنا لا تلبث أن تطفو هناك .
لقد كان دفن الموتى ينم عن إلمام البشرية المبكر بصياغة مفاهيم اعتقادية . لكن أليس من المثير أن يستمر هذا الآن في الوقت الذي عرفت فيه البشرية تقدماً كبيراً في ما يتعلق بمعرفة محيطها ؟
هل يمكن القول إن نمو حقل المعارف يؤدي إلى انهيار إمبراطورية المعتقدات ؟
هناك نظرية تقول باندحار تدريجي للمعتقدات نتيجة التطور العلمي , وكانت سائدة خلال القرنين الماضيين , فبالنسبة لعدد كبير من الناس تعتبر التطورات العلمية الحل الأنسب للمشاكل التي تتخبط فيها البشرية وتحررها من قيود المعتقدات . وكان بعضهم ينادي بدكتاتورية العقل , كما يقول بذلك فرويد :
" حبذا لو أن الفكر والروح العلمية والعقل يستبد بالحياة النفسية للإنسان , هذه هي رغبتنا الأكيدة "
ولكن الملاحظ أن المعرفة وعدم المعرفة يتناميا معاً , وقد رأى " بليز باسكال " أن المعرفة إذا كانت تمثل بسطح دائرة تكون مساحتها في علاقة مع ما لا تتوافرعليه , أي المجهول , لهذا كلما ازدادت مسحتها ازداد الجانب الذي له علاقة بالجهل , وفي الوقع ليس الجهل هو الذي ينمو بموازاة مع نمو المعرفة ولكنه الوعي بعدم المعرفة . بعبارة أخري الوعي بغياب المعلومات الإضافية التي أصبحنا نحتاج إليها نتيجة توسع دائرة المعرفة .
فالعلم إذن ليس بمقدوره التقليص من حجم المعتقدات لأنه يوسع مجال الابتكار الممكن , الشيء الذي يولد معتقدات جديدة .وهناك سبب ثان يفسر عدم قدرة العلم على الإنهاء الكلي للمعتقدات هو عجزه عن إيجاد الأجوبة عن بعض الأسئلة الميتافيزيقية . فقد يمكنه أن يبين عدم جدوى بنية إقناعية دينية ولكنه لا يستطيع أن يجيب عن الأسئلة الوجودية العالقة التي تتعلق بمغزى الحياة مثلاً .
المعتقدات وحدود العقلانية
هناك عامل أساسي في شرح الصيغة المتحولة للاعتقاد الذي يطفو على الواقع كلما كانت ضرورة المعرفة تقترن بندرة الأخبار أو تعميمها .
لكن هناك ثلاث ضوابط أساسية للنفس البشرية تحجبها عن الخبر الحقيقي الصافي الذي تنشده المعرفة . ضوابط زمكانية , وضوابط ثقافية , وضوابط معرفية .
هذه الضوابط الثلاثة التي تحدد فضاء ظهور المعتقد هي للوهلة الأولى غير قابلة للاختراق , وهي :
الضوابط الزمكانية
إن ولوجنا إلى الخبر يتجدد حسب وعينا الذي يرسمه الزمان والمكان . مثلاً :اعتقد الناس لوقت ما أن جنة العهد القديم موجودة حقاً وهناك من حاول البحث عنها . هذا الاعتقاد يبرره عدم اكتشاف الإنسان لكل الرقعة الأرضية , وبما أن وعيه يتحدد حسب المكان فلا شيء يمنعه من حلم كهذا .
يتحدد الوعي كذلك حسب الزمان .
بحلول سنة 2000 مثلا , فتح الباب على مصراعيه للعديد من التخيلات , وفي بداية القرن العشرين بدأ الناس يتصورون أن السماء سوف تصبح مليئة بالآلات الطائرة , وقد تخيل " جيل فيرن " حافلات وقطارات طائرة تتحرك بواسطة بالونات هوائية , وكان البعض يعتقد أن كل منزل سيحوي عربة طائرة ....
هذه المعتقدات إذا كانت تضحكنا الآن فذلك لأننا نعرف أنها كانت مغلوطة , فلن يبقى لنا إلا أن ندرك أن وعينا يظل محدودا بالزمان والمكان وأن فكرنا يستدرك دائما النقص في المعلومات باللجوء إلى التكهن ومن ثم الاعتقاد .
الضوابط الثقافية
هناك شيء بين الخبر الخالص ومداولتنا له : وهي كيفية تناول الخبر .
هذه المصفاة المفسرة هي ما يمكن تسميته " بنظام التمثلات " أو بمصطلح أقل غموضاً " ثقافتنا " .
لتوضيح هذه الفكرة نورد التجربة التالية :
نعرض عل أحد الأشخاص صورة لمدة عشرون ثانية ثم نطلب منه يحكي ما رأى لشخص آخر لم يرى الصورة , وهذا بدوره يقوم برواية ما سمع عن الصورة إلى شخص ثالث وهكذا حتى نتمكن من إنهاء سلسلة لسبع أو ثمانية أشخاص , وكانت النتيجة أن وصف الشخص الأخير لم يكن له علاقة بشكل كبير مع الصورة المعروضة .
هذه التجربة توضح لنا كيف ترتبط التأويلات التي نقوم بها بالمنظومة الثقافية التي ننتمي إليها حيث احتمال بعض الصور يغلب على صور أخرى .
هذا المثل يظهر كيف أن تحليل الخبر ( لا ) يكون دائماً بطريقة موضوعية وحيادية وأن "القوالب الثقافية الجاهزة " هي التي تسهم في إخصاب أفكار مغلوطة وحكايات خرافية حقاً .
الضوابط المعرفية
يمكن للمعتقدات أن تكون كذلك ناتجة عن منزلقات طبيعية في تفكيرنا تهوى بنا إلى الخطأ .
وتجعلنا الحياة نواجه حالات معقدة تستعصي على المدى القريب على قدراتنا المعرفية . لذلك قد نستسلم إلى الرغبة في الاستنتاج حيث نعتقد بالحدس بأنها كافية , ولكنها في بعض الحالات تدفعنا إلى صنع المعتقدات
خلاصة القول هو أنه لا أحد يستطيع أن ينفذ إلى الخبر الخالص والكامل الذي يشكل الشرط الأساسي للمعرفة التي تعتبر أفقيا لا عرضياً : نحاول دائما الاتجاه نحوه بمنهجية لكن دون أن نطمع في الوصول إليه , وما دام هذا الساحل بعيداً إلى ما لا نهاية , فإن ما يطرأ على المعارف البشرية ( التي تسعى إلى تقليص القيود الضاغطة على العقلانية ) ليس من ناحية الموضوعية أمرا منافياً للتطور , وبالتالي استمرار إمبراطورية المعتقدات المتعددة الأشكال .

وأخيراً يجب التأكيد على أن المجتمعات المعاصرة تتميز بالكم الهائل من الأخبار التي تخترقها وكذلك بالتطور الكبير في إمكانات النفوذ إلى الخبر . هذا العنصر يمكن أن يحد بشكل طبيعي من المعتقدات أينما كانت ما دامت هذه الأخيرة تظهر للوجود بسبب ندرة الخبر أو بسبب التعتيم الإعلامي , إلا أن هذا لا يعني أن التعميم انتشار الخبر يضعف من وجود المعتقد .
في حقيقة الأمر لا توجد بالمقابل علاقة نسبية بين الخبر ونسبي الاعتقاد , لهذا فإن وفرة الخبر تجعل أمر تأكيده إشكالية ( من أي خبر يمكن التحقق ) وتدخل بنا في متاهة معرفية يتيه فيها معظم الناس .
سيكون من المجدي تحليل المعتقدات كمادة تروج في "سوق الأفكار" , سوق معرفية حيث التواصل فيه يتحدد في سياق العرض والطلب .
لكن الإشباع الإعلامي وبعثرة الخبر هي إحدى خصائص السوق المعرفية المعاصرة. وهذا حدث لا مثيل له في تاريخ البشرية حيث يعطى نموذجاً لا نظير له لإمبراطورية المعتقدات .
هذا الكم الإعلامي العجيب الذي يطبع السوق المعرفية يطرح على حضارتنا , كما أكد ذلك " إميل ديوركايم " و" مارسيل موس " , فإن التمثلات الجماعية ( أو بالأحرى المشتركة ) تساهم في ضبط واستقرار الأنظمة الاجتماعية . ولكن كلما تميز العمل العقلي وانتشر التخصص وتنوعت الثقافات داخل الكيان الواحد كان هذا التجانس في خطر , لأن المسألة التي تهدف إلى معرفة ما يجمع الأفراد تحت فضاء واحد أصبحت أكثر حضوراً .
هذا الاتجاه نحو فردنة الثقافة هو ظاهرة ديموغرافية أصبحت أكثر تداولاً في زخم السوق المعرفية كما يقول بذلك ديوركايم .
إن كمية الأخبار المنشورة خلال الخمسة الأعوام الأخيرة تفوق بكثير كل ما طبع منذ غتنبرغ . هذه الكمية الهائلة من المعلومات التي هي في متناول كل راغب دون أدنى مجهود تضيع في خضم منافسة معرفية جنونية وغامضة تساهم في تقليص الخطاب الرسمي .
بلقنة الأفكار هذه والتي تبدو نتيجة ميكانيكية لنمو السوق المعرفية , والحق المشروع في التعبير تعد إحدى عوامل التخصيب الفعال لحقول المعتقدات.



#نبيل_حاجي_نائف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصفقة والصراع
- كتاب - اللعبة والصفقة والوجنة - الخاتمة والمصادر
- التقليد والمحاكاة
- الإنسان ليس البنية الأكثر تطوراً على الأرض
- تأثير النجاح والفشل على الإنسان
- كتاب اللعبة والصفقة والوجبة - تمهيد -
- غسيل الدماغ واقعة حقيقية
- العقل المناعي أحد العقول المتعددة الموجودة لدينا
- نظرية الميمات أو نظرية الأفكار
- نظرية الوارث أو طبلوجيا الحقيقة أهم النظريات العلمية
- تعرف بصورة مختصرة على البنيات والقوى الفيزيائية
- نعم أننا كلنا مثله . إنه السكران الذي راح يبحث عن مفاتيحه تح ...
- تسويق ونشر الأفكار
- الدوافع والانتماءات وعلاقتها بالتصرفات البشرية
- الألعاب الفكرية
- أنواع اللعب والإدمان على بعض الألعاب - 4
- اللعبة - تعريف اللعبة وخصائصها 3
- اللعبة أقوال في اللعبة - 2
- اللعبة - أقوال في اللعبة 1
- آلية التغذية العكسية أهم آلية في الوجود


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نبيل حاجي نائف - إمبراطورية المعتقدات