مكانة الشورى في نظام الخلافة الاسلامية

حسن نبو

الحوار المتمدن-العدد: 7256 - 2022 / 5 / 22 - 21:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

يتهم خصوم معاوية بن ابي سفيان ان الحكم اوالخلافة كانت قائمة خلال العهد الراشدي على اساس الشورى ، لكن معاوية بعد استلامه الخلافة حولها الى ملك عضوض اي: حكم وراثي .

لكن ثمة سؤال مهم يفرض نفسه عند الحديث عن الشورى في العهد الراشدي  وهو : هل كانت الخلافة الراشدية قائمة فعلا على اساس الشورى؟

اذا بحثنا بتعمق في كيفية اختيار الخلفاء الراشدين نرى ان العكس هو الصحيح ، اي ان الخلافة الراشدة كانت بعيدة كل البعد عن مفهوم الشورى .

لم يتم اعمال الشورى في اختيار ابي بكر وانما تم اختياره من قبل عمر بن الخطاب في صورة اقرب الى التعيين . وقد اعترف عمر لاحقا ان اختيار ابي بكر كان بعيدا عن رأي جميع المسلمين . وعندما اشتد المرض بأبي بكر وشعر بدنو اجله لم يترك هو ايضا لاعمال الشورى لاختيار الخليفة الذي سيخلفه، حيث بعث الى عمر بن الخطاب لكي ياتي اليه ويستخلفه ، فقال المسلمون : تستخلف علينا رجلا فظا غليظا، وعندما يستخلفنا سيصبح افظ واغلظ ، فرد عليهم ابو بكر : ابربي تخوفونني ، اللهم استخلف عليهم خير خلقك . وعنما طعن عمر على يد ابي لؤلؤة وادرك انه هالك، شكل لجنة من ستة من كبار الصحابة وهم : علي بن ابي طالب وعثمان بن عفان والزبير بن العوام وسعد بن ابي وقاص وعبدالرحمن بن عوف وطلحة بن عبيدالله .وقال لصهيب الرومي : صل بالناس ثلاثة ايام وادخل هؤلاء بيتا وقم على رؤوسهم فان اتفق خمسة وابى رأي واحد فاشذح رأسه بالسيف ، وان اتفق اربعة وابى اثنان فاضرب رأسيهما ، وان رضي ثلاثة وابى ثلاثة فحكموا عبدالله بن عمر فان لم يرضوا بحكم عبدالله بن عمر فكن مع الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف واقتلوا الباقين ان عارضواما اجتمع عليه الناس . بهذه الطريقة تم اختيار عثمان بن عفان . واما علي بن ابي طالب فقد جاءت به الثورة التي قامت ضد عثمان والتي ادت الى مقتل عثمان .. .

والسبب الذي أدى الى عدم الاعتماد على الشورى او عدم تفعيلها في العهد الراشدي هو عدم ورود الشورى في القرآن أوفي السنة كنظرية واضحة ومتكاملة لاختيار الحاكم وتحديد مدة حكمه وعزله...الخ .وبكلام اخر: لم تكن هناك  نظرية او منظومة سياسية في القرآن والسنة حول بناء الدولة والسلطة ، فالاسلام وكذلك غيره من الاديان ليست لديها اي خطة حول شكل الدولة والسلطة حتى هذه اللحظة . وحتى اذا افترضنا بوجود فكرة الشورى فهذه الفكرة في ذلك الوقت كانت بصيغة قبلية كما يقول الباحث الاسلامي الراحل خليل عبد الكريم،  واضاف: كان الرسول يشاور صحابته دون ان يكون ملزما بأخذ رأيهم ، ثم انتقلت الشورى بهذه الصيغة الى صحابته من بعده ، فكان الخلفاء يشاورون الصحابة في بعض الاحيان دون ان يكونوا ملزمين بأخذ اراءهم المخالفة لرأيهم ، اي ان التشاور كان يتم مع عدد قليل من الناس.وقد وضحت هذا الامر مفصلا في مقالي (هل توجد مشتركات بين الشورى والديمقراطية؟)

بعد استلام علي بن ابي طالب الخلافة كان واضحا ان ان الاجواء تتجه نحو حصر علي الخلافة آل البيت ، لأن عليا كان يمهد لتكون الخلافة من بعده لاولاده باعتبارهم من نسل النبي او من آل البيت وبالتالي فهم احق بالخلافة من الاخرين . وكان هذا اول اشارة على ظهور الملك العضوض او الحكم الوراثي ، وبالفعل تم اختيار الحسن بن علي في الخلافة بعد موت ابيه ، لكن معاوية تمكن بذكاءه من ابعاده عن الخلافة مقابل رشوة كبيرة . وعندما بويع يزيد خليفة بعد موت ابيه ، سار الحسين بن علي الى العراق لكي صبح خليفة بحجة انه الاحق بالخلافة، لكن قتل على يد جيش يزيد في كربلاء. ولاادري لماذا اعتبر علي واولاده انهم الاحق بالخلافة من المسلمين الاخرين؟ ، فهل لانهم من ال بيت الرسول؟ وقطعا هذه الميزة وحدها غير مقبولة ، ولم يأت الاسلام اصلا ليؤسس دولة ويجعل حكامها علي وسلالته من بعده .

عندما استأثر معاوية بالخلافة كان الطريق امامه مفتوحا لتحويل الخلافة الى ملك عضوض . فالخلافة كانت ستتحول الى حكم وراثي حتى لو بقي علي في الحكم وابعد عنه معاوية .

ولست هنا في معرض الدفاع عن معاوية والتهجم على علي ، وانما اريد ان اقول ان تحويل الخلافة الى حكم وراثي كان سيحصل حتما بسبب ظهور الصراع على السلطة بين فريقين يحاول كل منهما جعل الخلافة من بعده لورثته .

في الختام ، اعود وأقول ان الشورى لم تكن في وقت ما منظومة سياسية لاختيار الخليفة لافي العهد الراشدي ولافي عهود الخلافة اللاحقة : سواء في العهد الاموي او في العهد العباسي اوحتى في عهد الدولة العثمانية التي يعتبرها المسلمون امتدادا للخلافة الاسلامية . فكان الحكم قائما على مبدأ التوريث في جميع عصور الخلافة . وقد تم الترويج للشورى بعد ظهور النظم الديمقراطية في الغرب للقول بأن الاسلام سبق تلك النظم في ضرورة موافقة غالبية المسلمين على اختيار الحاكم .

بعض المراجع:

1- مبدأ الشورى في الاسلاميين بين هوس المسلمين والواقع التاريخي / ايهاب نبيل

2- الشورى بين النظرية والتطبيق / غازي الشمري

3- الخلافة الاموية من الشورى الى التوريث/ احمد عبد ربه .

#حسن_نبو (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات