أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جدو جبريل - نشأة الإسلام السياسي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط1















المزيد.....


نشأة الإسلام السياسي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط1


جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية

(Jadou Jibril)


الحوار المتمدن-العدد: 7238 - 2022 / 5 / 4 - 08:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


محور: واقع الإسلام حاليا

في وقت يتزايد فيه انتشار نظريات المؤامرة ، فإن الإسلاموية - l’islamisme - ليست استثناءً من هذه القاعدة. وبحسب منتقديها ، فإن الإسلاميين مدفوعين جميعًا بإنشاء خلافة إسلامية عالمية. من المتعاطف البسيط مع حزب يدعي قيم الدين الإسلامي إلى الناشط الجهادي العنيف ، سيكون الجميع ، بطريقة مفترضة إلى حد ما ، مدفوعين نحو إقامة دولة إسلامية على أساس التفسير الأصولي للقرآن والسنة.
لكن يبدو أن الوضع أكثر تعقيدًا من هذا التوصيف المطبوع بالعمومية. إذ لا ينبغي إغفال مراعاة والأخذ بالحسبان الانقسامات التي ابتليت بها الإسلاموية السياسية على امتداد أكثر من قرن. ومن خلال التركيز على هذه الانقسامات وتمحيصها ، يمكن أن نستخلص من تيارات "الوحشية الإسلاموية" المتخيلة للغاية- والتي هي أكثر حداثة من غيرها - مشاريع عدائية وأجندات متباينة.

إن ما يسمى بــ "الحركات "الإسلامية" ظلت تتقدم بإيقاعات مختلفة ، كما أنها بقيت في تنافس بنيوي على عدة مستويات ، محلية ووطنية وإقليمية .
في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط ، يبدو أن هناك مفهومًا واحدًا يبلور كل الاهتمام: إنه الإسلاموية. فغالبًا ما يتم تبسيط التيار السياسي إلى حالة كتلة متجانسة ، وسيكون المتهم الأكبر بالظلامية الاجتماعية والسياسات الاستبدادية والانتقال إلى النشاط العنيف أو الجهادية. وإذا كان لهذه الاتهامات نصيبا من الحقيقة لا يمكن إنكاره ، إلا أنها مختزلة للغاية من حيث أنها لا تفصل الموجات المختلفة التي تشكل الطيف الإسلامي. وهذا بسبب إهمال طبيعة الاختلافات الموجودة بين التيارات الإسلامية. فإذا كان الانبثاق الوطني لجماعة الإخوان المسلمين من جهة و التيار السلفي من جهة أخرى، يعتبران الشكلين الرئيسيين الناجحين للإسلام السياسي في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ومع ذلك ، على الرغم من تفاعلاتهما والتأثيرات التي قد تكون لديهما على بعضهم البعض ، يبدو الآن كأن القطيعة قد اكتملت بين هذين القطبين للإسلاموية سواء من الناحية الأيديولوجية أو الدينية أو من الناحية السياسية والجيوسياسية.

فهل توجد اختلافات أيديولوجية ودينية ، وانقسامات سياسية وتنافس جيوسياسي بين السلفية والإخوان المسلمين ؟

من المعروف أن جماعة الإخوان المسلمين، ميزت نفسها منذ البداية، عن الصرامة السلفية، عبر علاقتها بالاجتهاد.
في أواخر القرن التاسع عشر ، نشأت أول حركة تصف نفسها بالسلفية بين المثقفين المسلمين الإصلاحيين الذين كان من رموزهم الفارسي جمال الدين الأفغاني والمصري محمد عبده والسوري رشيد رضا. وقد دعوا إلى العودة إلى مصادر الإسلام لمواجهة تهديد وجودي مزدوج: الاستعمار الأوروبي والوجود العثماني. هذا التيار السلفي النخبوي والحداثي الحازم وقتئذ ، هو أصل إنشاء جماعة الإخوان المسلمين على يد حسن البنا سنة 1928.

وهكذا، طمح الإخوان المسلمون أن يمثلوا استمرارية الإصلاحيين العقود الماضية. وبذلك، يؤكدون أن الإسلام يجب أن يحدد القواعد والمبادئ الموجهة للمجتمع والضابطة له، وأنهم يعارضون ويمقتون التقليد الأعمى للنموذج الغربي. لقد أرادوا أن يكونوا مبتكرين، ليس من خلال اختراع إسلام جديد ، ولكن من خلال إحياء التطبيق الفعلي للإسلام ، كسبيل للإصلاح - أي الإصلاح الإسلامي. وللقيام بذلك، تعطي الحركة مكانًا مهمًا للاجتهاد، وهو جهد للتفكير في تفسير النصوص الدينية حاليا، وهذا اعتمادا على الفقه الإسلامي المعتمد الذي قد يبيح وقد لا يبيح العمل بدعة معينة لمسايرة العصر.

ويبدو أن الإخوان المسلمين، وإن ظلوا قريبين من الصوفية لفترة طويلة، فإن منهجهم جعلهم يبتعدون تدريجياً عن التقوى لصالح التزامهم السياسي والاجتماعي. وقد عارضوا معارضة شديدة على حركة العلمنة التي سعت لفرض نفسها في جملة من البلدان الإسلامية. إنهم عملوا على إصلاح المبادئ التوجيهية الرئيسية للحركة خلال القرن العشرين لتدور حول ثلاث خصائص :
- إسلام محافظ يدعي السلفية الإصلاحية المذكورة أعلاه.
- برنامج أسلمة من أسفل بالتبشير ارتكازا على القيم الاجتماعية للإسلام: المساواة ، الصدقة ، المشاركة.
- النزعة الشرعية مع إدانة العنف.

في ذات الوقت نفسه، ظهرت السلفية الوهابية في المملكة العربية السعودية منذ عشرينيات القرن الماضي، وهي سلفية رافضة – حتى النخاع - للعقلانية، وأبدت كراهية لمجموعة من علماء الدين السلفيين في القرن التاسع عشر الميلادي. تدعي هذه السلفية أنها وريثة فكر عالم الدين ابن تمية (القرن الثالث عشر الميلادي) ، وأيضا فكر مؤسس الوهابية محمد بن عبد الوهاب (القرن الثامن عشر الميلادي). ففي وقت مبكر من سنة 1936، فضلت السلطات السعودية اعتماد مصطلح "السلفية" على حساب "الوهابية".

ومن ثمة، فقد برز التياران الرئيسيان "للإسلاموية السنية" في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادي ، وطفحت إلى السطح اختلافات مهمة بينهما. ولفهم طابع هذا الاختلاف بين الأصولي والحداثي ، وجب النطر إلى هامش تتطلب دراسة تيار فكري في الإسلام النظر إلى المكان الذي يمنحه الاجتهاد الممنوح أو المسموح به، في المجهود التفكيري المعتمد لتفسير النصوص التأسيسية للإسلام. حيث دافع "السلفيون الحداثيون" في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي عن إعادة تفسير القرآن والسنة وفقًا لمبادئ العقلانية العلمية والحكم الليبرالي ، في حين يعتبر "السلفيون المعاصرون" رافضين للعقلانية – وهم من اتباع المذهب الحنبلي الذي يدعو إلى اتباع نهج صارم والقراءة الحرفية للنص.

إذا كان الإخوان المسلمين قد جسّد حركة إسلامية منذ سنة 1928 ، كما يتضح من شعارهم الشهير "القرآن دستورنا" ، فإنهم مع ذلك ظلوا براغماتيين. فلم يكن حسن البنا "عقائدياً" ، ولم يكن تفكيره ثابتاً وجامدا. كانت رؤيته ديناميكية ومتطورة باستمرار. وسمح هذا النهج للإخوان المسلمين بتطوير خطابهم عبر العقود وفقًا لتحولات الفضاءات والمجتمعات التي ينتمون إليها. ولا يزال هذا الأمر يوجه إليهم الكثير من الانتقادات اليوم من طرف السلفيين الذين يشجبون جملة من "التحديثات" باعتبارها "تنازلات" خطيرة. إذ بالنسبة لهؤلاء، لا مندوحة عن لفظ ورفض بعض المفاهيم الغربية التي قام الإخوان المسلمين بأسلمتها ، من قبيل تشكيل الأحزاب ، والمشاركة في الانتخابات ، ووصول المرأة إلى الفضاءات السياسية والثقافية والمهنية.

فهل توشي التفاعلات والارتباكات بين الإخوان المسلمين والسلفيين عن خصوماتهم السياسية؟

صدى فكر سيد قطب – "القطبية"- بين السلفيين و أسس الجهادية الحديثة

طوال القرن العشرين الميلادي ، أصبحت حركة الإخوان المسلمين تدريجيًا جزءًا من المشهد السياسي في مختلف الفضاءات الإسلامية عبر العالم. قد تم اندماجهم السياسي على عدة مستويات، وفقًا للجذور الإقليمية المختلفة ومن خلال العديد من الجهات الفاعلة، محلية أو خارجية. وبعد فترة التوسع التمدد في مختلف دول الجوار لمصر (1)، أدى قمعهم المتزايد من قبل الأنظمة المحلية إلى انقسام الحركة في عدة مجموعات._
__________________________________________
(1) الإخوان المسلمون في العراق، الجماعة الإسلامية في لبنان، جمعية الإخوان المسلمين في الأردن، الإخوان المسلمون في سوريا، لإخوان المسلمون السودانيون.___________

من جهة ، المخلصون لرؤية المؤسس حسن البنا - الذي اغتيل عام 1949 بأمر من الملك فاروق - ومن جهة أخرى أنصار الكفاح المسلح. وساد على رأس التنظيم، الخط الشرعي لحسن الهضيبي (1951-1972). وأدى الصراع الداخلي إلى انفصال التيار الراديكالي عن الأيديولوجية الأصلية للأخوة وانحرف نحو التطرف الديني الذي ينطوي على نشاط عنيف لبعض الجماعات الفرعية. وحول أطروحات المفكر الباكستاني السيد عبد العلاء المودودي والمفكر المصري سيد قطب ، تجذرت هذه الراديكالية وازدهرت. ومنذ خمسينيات القرن الماضي، لما عانى الإخوان المسلمون من القمع الشديد على يد النظام الناصري في مصر، أصبحت المملكة العربية السعودية البلد المضيف الرئيسي لأفكار سيد قطب، وبالتالي تكريس "سلفية" معينة لجماعة الإخوان المسلمين.

لقد تعارض فكر سيد قطب مع مبادئ المؤسسين حسن البنا وخلفائه. ولعل النقطة التي أفاضت الكأس حدثت عند سيد قطب عن الفكرة القائلة أن المجتمعات والدول الإسلامية قد خرجت من الإسلام اعتبارا لعدم لتخليها عن مبدا الحاكمية (2). ومنذ ذلك الحين، برز بشكل ملفت للنظر- وبصفة غير مسبوقة - مفهوم "التكفير" وأضفى الشرعية على النشاط العنيف الدموي باسم الجهاد. ووجد هذا الخطاب صدى خاصًا لدى الإخوان المسلمين الشباب، الذين نزعوا إلى خوض المعركة، وأيضا في صفوف السلفيين السعوديين الذين يرون أنه وسيلة فعالة وجذابة للتعبئة. هكذا أدى التوليف بين الفكر القطبي والتزمت الوهابي إلى تطور ما يُدعى بـ "الإرهاب الدولي".
________________________________________________
(2) أوّل من رفع شعار الحاكمية -بالمعنى الذي يجعلها نقيضًا لأيّ حكمٍ بشري- هم الخوارج القدماء والمراد منها أن "لا حكم إلّا لله"، ثمّ طوي هذا الشعار قرونًا طويلة إلى أن أعاد إحياءه أبو الأعلى المودودي، ثمّ نقله عنه واعتمده سيّد قطب. _________
ومن المهم التنويه إلى أن بعض قادة الإخوان المسلمين لم يبقوا مكتوفي الأيدي أمام هذا الفكر الذي اعتبروه انحرافًا خطيرا. من قلب السجن، ألف المرشد الاعلى الهضيبي كتابا سنة 1969 كتابا تحت عنوان "دعاة وليس قضاة"(3). واعتبارًا من هذا التاريخ، لم يعد فكر سيد قطب جزءًا من منظومة الإخوان المسلمين الفكرية. ومن جهته أكّد ، خليفة الهضيبي على رأس الحركة، المحامي عمر التلمساني (4) هذا الموقف واعتبره سليما وقانونيا. وقد بدا آنذاك أن الجيل القديم، دافع عن الأرثوذكسية ، واعتمد على نهج محافظ - سلمي. وهكذا،، ولفترة طويلة، أصرّ معارضو جماعة الإخوان المسلمين، إصرارا مُسترسلا، على دمج سيد قطب مع الإخوان لأغراض تكتيكية وسياسية. وهكذا ، انفصل مجموعة من العناصر عن التنظيم بعد أن اختاروا العنف ضد "القوة الرادعة". وكانت أولى التنظيمات التي ظهرت هي "الجماعة الإسلامية"، و"الجماعات الطلابية السلفية" التي برزت سنة 1973، وجماعة التكفير أو مجتمع المسلمين - الذي ظهرت سنة 1971. ثم تم تصدير هذا الاتجاه إلى العالم الإسلامي حيث طفى على السطح الإسلام الراديكالي. و كان لفكر سيد قطب تأثير بالغ للغاية على قادة "الجهاد الجدد" من قبيل الفلسطيني عبد الله عزام (5). وقد مثّل هذا الأخير رابطا أساسيا في الصلة بين هذا النمو العنيف للإخوان المسلمين والجهاد العالمي. ونتج عن هذا الانشقاق داخل جماعة الإخوان ضعف مركزية مكتب الإرشاد، الهيئة التنفيذية للإخوان المسلمين. إذ فشل منع التيار الراديكالي المتطرف من اكتساب الاستقلالية والتطور أحيانًا على هامش جماعة الإخوان، أحيانًا كثيرة من خلال الاستفادة من شهرتها لحسابه.

___________________________________
(3) – إنه عنوان لكتاب «دعاة لا قضاة» لحسن الهضيبي ألفه لمعالجة الغلو في التكفير التي نشأت في السجون؛ معالجةً فقهية.
(4) – (1904 - 1986) هو المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين. انضم عمر التلمساني لجماعة الإخوان المسلمين على يد مؤسس الجماعة حسن البنا في عام 1933. ويعتبر مجدد شباب الجماعة التي أعاد تنظيمها بعد خروج أعضائها من السجون في محمد أنور السادات.
(5) – عبد الله يوسف عزام من قادة المقاتلين في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي. وفي عام 1984م أسس مكتب الخدمات في أفغانستان الذي استقطب معظم المجاهدين العرب في أفغانستان، اغتيل في 24 نوفمبر عام 1989م وانفجرت به سيارته التي لغمها له أعداؤه. _____________________________________________


لكن ماذا بخصوص "تسييس" السلفيين ؟

كانت السلفية في الأصل تيارًا أصوليًا تهتم أساسا بالوعظ والتبليغ، وكانت قد اختارت نهج التقارب بين مذهبها والسلطة السياسية القائمة. ولعل وجود الإخوان المسلمين في السعودية يعتبر عاملا حاسما في مسار التطور الذي عرفته. لقد دفع قمعهم الشرس في مصر بدء من سنة 1954 (6)، بالعديد من الإخوان إلى اختيار المنفى مكرهين للنجاة بأنفسهم. وسيجد الكثير منهم ملاذًا في المملكة العربية السعودية حيث كانوا عاملا بارزا في "تسييس" تيار من السلفيين السعوديين ، وحتى ذلك الحين كان معظمهم هادئون ويعارضون بشدة أي تدخل في المجال السياسي. وأدى هذا التهجين لأساليب الإخوان المسلمين مع المنظومة الفكرية الصارمة للسلفيين السعوديين إلى ما سمي بحركة الصحوة الإسلامية. حيث كانت البداية بالقيام بحملات نشطة في صفوف الشباب من أجل تنفيذ إصلاحات سياسية سلمية محافظة للغاية ومعادية للغرب. لكن عرفت هذه الصحوة قمعا واضحا من قبل النظام السعودي في تسعينيات القرن الماضي. عموما، من خلال تبني الأسلوب المتشدد للإخوان المسلمين، تم اعتماد نوعا من الإصلاح على السلفية لاستثمار الفضاء العام مند ثمانينيات القرن الماضي.
___________________
(6) - تعاون الإخوان مع العسكرين وساعدوا في إنشاء الضباط الأحرار وتعاونوا تعاوناً معهم ضد الاحتلال والملكية والاحزاب الفاسدة. انضم عدد كبير من الضباط في الجيش والشرطة إلى الإخوان منذ أوائل الاربعينيات ومن بينهم الرئيس ناصر منذ العام 1942. كان في الجهاز الخاص للعسكرين الإخوان بقيادة الصاغ لبيب، قبل أن ينقلب عليهم بعد عام 1954. اختفى نشاط الإخوان المسلمين تماما بعد المذبحة التي تعرضوا لها في عام 1954. وكانت المذبحة قد دبرها عبد الناصر للتخلص منهم. وبدأت المحنة الثانية سنة 1965م، وحُبِس بسببها أعداد كبيرة من المنتسبين للجماعة في السجون.____________________________

في واقع الأمر، إن فكر الإخوان المسلمين قام بتزويد "السلفية الوهابية" بالأدوات السياسية التي كانت تفتقر إليها لاتخاذ موقف مذهبي ضد القومية والاشتراكية. ثم استمر هذا الاتجاه نحو الصحوة السياسية للتيار السلفي وسمح بظهور الأحزاب السياسية السلفية، التي كان بعضها قريبًا من النشاط العنيف، في العقود الموالية، مثل حزب النور في مصر، وأنصار الشريعة في تونس وجبهة النصرة (أم هيئة تحرير الشام) في سوريا. لكن، دون الانفتاح على عقيدة الإخوان المسلمين التي تتسم باجتهاد أكثر تقدمًا، تبنت الوهابية السلفية أساليب الإخوان المسلمين. وعلاوة على ذلك ، بالإضافة إلى الاستيلاء على الموضوعات السياسية ، فقد أعلنوا على الترحيب الكبيرً بالأفكار الراديكالية للمفكر سيد قطب الذي تمّ تهميشه من قبل التيار الشرعي للإخوان المسلمين.

وماذا عن تأثير "السلفية الوهابية" - الأداة الرئيسية للسياسة الخارجية السعودية - على "الإسلام السياسي" ؟

إذا كان مشروع الإصلاح الذي دافع عنه الإخوان المسلمون وفرض نفسه كمنظومة فكرية مهيمنة "للإسلام السياسي"، فقد واجه، منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، ظهور خطاب سلفي مضاد لهذه الهيمنة من قلب المملكة العربية السعودية، والذي دعا إلى بديل. رؤية بديلة للمجتمع وانخرط في نضال رمزي من حيث تَمثّل الواقع وبنائه.

شهدت سبعينيات القرن الماضي ظهور رغبة المملكة العربية السعودية في السلطة والنفوذ على الصعيد العالمي. وزودتها الصدمات النفطية في عامي 1973 و 1979 (7) بثقل جيوسياسي غير متوقع ، وميسرة مالية تسمح لها بتنفيذ استراتيجية نفوذ غير مسبوقة. ولزيادة نفوذها ، وترسيخ شرعية نمط حكمه الدينية ، وتأكيد مكانتها كقوة إقليمية في الشرق الأوسط ومواجهة جمهورية إيران الإسلامية الوليدة التي تخاطر مبادئها الثورية بالتغلغل في المنطقة ، اعتمد الرياض على ترويج وتصدير السلفية الوهابية في المجتمعات الإسلامية عبر العالم. فمن خلال الجمع بين الوعظ والعمل الاجتماعي والإنساني ، استثمرت المنظمات الإسلامية غير الحكومية والمنظمات الإسلامية العابرة للحدود مثل رابطة العالم الإسلامي والمؤسسات السعودية، ماليًا وعقائديًا، في الأماكن التي يكون فيها السكان مسلمين لفرض تفسيرهم المحافظ للإسلام ، وهي الأداة المعتمدة بامتياز لـ "الدبلوماسية الدينية "من ظرف آل سعود.
_______________________________
(7) - أزمة النفط عام 1973 أو صدمة النفط الأولى بدأت في 15 أكتوبر 1973، عندما قام أعضاء منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول بإعلان حظر نفطي لدفع الدول الغربية لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في حرب 1967. أزمة النفط عام 1979 أو (أزمة النفط الثانية) في الولايات المتحدة وقعت في أعقاب الثورة الإيرانية.__________

وبالإضافة إلى استراتيجية إعْمال "القوة الناعمة" هذه ، تلعب الرياض أيضًا بتفعيل "القوة الصلبة" من خلال دعم الجماعات المسلحة في أفغانستان للتعامل مع غزو البلاد من قبل الجيش السوفيتي في سنة 1979. وبالتالي فإن تصدير ونشر هذه الأيديولوجية مصحوب بدعم من الجيل الأول من الجهاديين والمجاهدين الأفغان وعدد كبير من المقاتلين الأجانب الذين ، باسم "أممية إسلامية" ، حشدوا أفغانستان للدفاع عن الأمة ضد الاتحاد السوفيتي. ولما عادوا إلى بلدانهم جراء انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان في سنة 1988 ، شارك هؤلاء الجهاديون المخضرمون بنشاط كبير في انتشار السلفية الجهادية في أوطانهم.

وربما لذلك أثر انتشار السلفية الوهابية السعودية على العالم الإسلامي بأسره. كما أن تغلغل هذه الأيديولوجية أيضًا في جماعة الإخوان المسلمين، ساهم في بروز "سلفية" منتمية للإخوان المسلمين. وقد تجلت هذه "السلفية الإخوانية"، من بين ما تجلت به، الابتعاد عن التشيع والصوفية ، وهي التيارات التي لم يكن للإخوان المسلمين حتى ذلك الوقت أي عداء خاص معها.

على الرغم من هذه التفاعلات والتأثيرات المتبادلة ، ظلت إسلاموية الإخوان مختلفة عن السلفية بشكل واضح. وقد شكلت هجمات 11 سبتمبر 2001 محطة قطيعة نهائية بين النظام الملكي السعودي والإخوان المسلمين. عندما اكتشف العالم فجأة بروز الجهادية ، اتهم كل تيار إسلامي التيار الآخر حمله المسؤولية كونه مصدر "التطرف الإرهابي"، وهذا من أجل كسب ود البيت الأبيض و"العم سام" وقتئذ. هكذا سلط الإخوان المسلمون الضوء على محاربة "السلفية"، في حين أعلنت شبه الجزيرة العربية علانية أن "كل مشاكل العالم الإسلامي تأتي من الإخوان المسلمين". ومع حلول موجات "الربيع العربي" انكشف بجلاء التنافس الجيوسياسي بين الإخوان المسلمين والسلفيين. ومع "الدمقرطة" تمكن الإخوان المسلمون من الوصول إلى السلطة في مصر بنجاح غير مسبوق.

قبل ظهور "الثورات العربية"، كان الإسلام السياسي ممثلاً بتشكيلات سياسية يمكن وصفها عموما بالمحافظة. هكذا نعت حزب رجب طيب أردوغان ، حزب العدالة والتنمية ، والذي كان مصدر إلهام لبعض الأحزاب في الدول العربية. في مصر ، قبل سنة 2011 ، على الرغم من عدم السماح لها بالمشاركة مباشرة في الاقتراع الانتخابي ، كانت جماعة الإخوان المسلمين ممثلة في البرلمان من خلال تشكيلات تابعة لهم في الانتخابات التشريعية لسنة 2005 ، وتمكنت من الاستحواذ على 20 في المائة من المقاعد. وفي المغرب، برز حزب العدالة والتنمية الذي هو جزء من نفس الحركة الأيديولوجية، لكنه ظل يقدم نفسه كحزب وطني. وشارك في الانتخابات التشريعية منذ سنة 1997 وأصبح أول حزب معارض بعد سنوات قليلة قبل الوصول إلى السلطة ثم انهار بعد عقد من تدبير الحكومة بالبلاد. وفي الجزائر، أصبحت "حركة مجتمع السلم" حزب المعارضة الرئيسي. وادعي أنه يتبع أيديولوجية الإخوان المسلمين وشارك في حكومات مختلفة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي اليمن وليبيا، دخلت الجماعات الإسلامية اللعبة السياسية دون أن تشكل الأغلبية. وفي غزة ، تألقت حماس ، التي تأسست سنة 1987 ، وهي جزء من حركة الإخوان المسلمين، وفازت في الانتخابات النيابية سنة 2006.

بفعل هذه التطورات رسخت جماعة الإخوان المسلمين نفسها كقطب للاستقرار في خضم "الربيع العربي". إن الدمقرطة التي أحدثها "الربيع العربي" مهدت الطريق للأحزاب ذات خلفية "إخوانية" إلى السلطة في عدد من البلدان: في المغرب وتونس ومصر. وبدا وقتئذ أنه من الصعب جدا إضفاء الطابع الديمقراطي دون إدخال الإخوان المسلمين في اللعبة السياسية، كأن الأمر كان مفروضا على الأنظمة السياسية القائمة. واستفادت هذه الأحزاب من دعم المحور التركي القطري، ومن مباركة واشنطن في ظل رئاسة أوباما الذي يعتبر حزب العدالة والتنمية ، الذي يجمع بين الأخلاق الإسلامية وروح الرأسمالية ، أمر مستحسن. وجاء كل هذا في نطاق لعبة التنافس بين القوى الإقليمية التي أدت إلى قطيعة دبلوماسية واقتصادية بين الدوحة والرياض مع حلول شهر يوليو 2017.

فهل شكّل السلفيون ، أداة رئيسية للرجعية العربية المضادة للثورة ؟

مع بداية ظهور تجليات الربيع العربي على أرض الواقع ، سرعان ما تم وضع هجوم مضاد، بقيادة الرياض وأبو ظبي، لمواجهة محور الإخوان بقيادة الرياض وأبو ظبي. واستندت هذه "الثورة المضادة" على الهرمية العسكرية وأيضًا على حركة سلفية واسعة النطاق ، على الرغم من أن ولاءات هذه الأخيرة للنظام السعودي تختلف هندستها ، وهذا اعتبارا لأن تسامح البيئة مع الأطروحات الجهادية ظل يطرح إشكالا.
لقد تمّ استخدام السلفيين من قبل قوى الثورة المضادة لتقليل نفوذ جماعة الإخوان المسلمين حيثما أمكن ذلك. وتمّ أيضا حلّ الإخوان المسلمين في بعض الدول (مصر عام 2014 والأردن عام 2020) حيث مكن للشبكات السلفية أن تشغل حيزًا سياسيًا أصبح شاغرًا. بينما ظلت المملكة العربية السعودية تمارس نفوذًا منتشرًا على السديم السلفي في العالم العربي والإسلامي ، لكن سيطرة الرياض عليها محدودة ، مما يتضمن مخاطر بروز "الجهاد" مناطق تكاثر السلفيين. وقد عاين العالم بداية تكاثر الجهادية في ظل نظام المارشال السيسي ، لا سيما في شبه جزيرة سيناء. - يتبع -



#جدو_جبريل (هاشتاغ)       Jadou_Jibril#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعادة قراءة النص القرآني وتأويله وفق ما يتماشى مع تطورات الع ...
- عوائق السياسة الخارجية الأوروبية في الركح الجيوسياسي
- التاريخ المبكر للإسلام : ما المانع من تنقية الموروث والسردية ...
- التراويح بين البدء واليوم
- تاريخ الإسلام المبكر: على سبيل التوطئة
- اطروحة فرونسواز ميشو
- أيام النسيء
- الموروث والسردية الإسلاميان : ملاحظات حول إشكالية المصداقية ...
- الاستنتاجات والتساؤلات 1
- الشخصية المحمدية أو حل اللغز المقدس، لمعروف الرصافي
- الموروث و السردية الإسلاميان
- العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية : نماذج الخروج من الحرج
- العقلية الزئبقية التبجيلية التبريرية : نهج – سمات- خاصيات- ط ...
- العقلية الإسلامية المنتصرة السائدة اليوم
- من أجل تفكيك السردية والموروث الإسلاميين محور الأطروحات: أطر ...
- من أجل تفكيك السردية والموروث الإسلاميين على سبيل البدء


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جدو جبريل - نشأة الإسلام السياسي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط1