أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ارام كيوان - روسيا والغرب.. تأملات اقتصادية















المزيد.....

روسيا والغرب.. تأملات اقتصادية


ارام كيوان

الحوار المتمدن-العدد: 7237 - 2022 / 5 / 3 - 23:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


روسيا والغرب وتبعات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا... تأملات اقتصادية

ما سيكتَب في هذه السطور ليسَ الكلمة الأخيرة حول روسيا البوتينية والمسار الاقتصادي لما بعد العملية العسكرية في أوكرانيا، وإن كنت سأكرر بعض المقولات من مقالاتٍ سابقة، إلّا أنني أؤكد مرة أخرى أنني قرّرت التروي قبل الكتابة حول هذا الموضوع بالذات ورفضُت رفضًا جذريًا التفسير الاقتصادي المحض للأزمة، وحتى اللحظة لستُ على يقين أن الصورة قد اكتملت حتى نكتُب تصورًا اقتصاديًا لما بعد الأزمة.

رفضت اختزال أسباب العملية العسكرية في أوكرانيا ب"المصالح الاقتصادية" وفضلتُ طوال الوقت استخدام مقولة "منطق الأحداث"، بالطبع منطق الأحداث هو جزء من صراع قوى عالمية وله جانبٌ وتبعات اقتصادية، ولكنها ليسَت كافية لنلخص الموضوع فيها.

أقول هذا الكلام لأن المعاملات الاقتصادية روسيا وأوكرانيا رغم انخفاضها منذ انقلاب 2014 في أوكرانيا ولكنَ مصالح روسيا المتعلقة بالنفط والغاز بقيت على حالها تقريبًا، وعلى كل حالٍ هذا لا يمنع وجود دافعٍ اقتصادي للعملية العسكرية، أمّا تصوير الدافع الاقتصادي كدافعٍ وحيد والقولبات الجاهزة حول الروس وأسبابهم الّتي لا تتغير مهما كان الظرف، فإنَّ رائعة ماركس في رأس المال هي أروع وصف لمثل هكذا تحليل:
"فقد دفع دونكيشوت، منذ أمدٍ بعيد، ثمن تصوره الخاطئ، بأن الفروسية الجوالة تتلائم مع جميع الأشكال الاقتصادية للمجتمع".

لا أريد العودة إلى كل ما كتبته سابقًا لكي لا نقع في التكرار الممل، أريد فقط أن أذكر أنَّ بوتين عدوٌ للغرب، وعداءه محدودٌ بحدود طبقته، هذا ما قلته سابقًا. أمّا الآن فأريد أن أتوسع في "حدود طبقته".

بعد تفكك الاتحاد السوڤيتي مالَت المنظومة الإنتجاية الروسية إلى الانحصار في قطاعَيْ النفط والغاز، ووضعت روسيا في وضعٍ تخوميّ، وجهاز بيروقراطي يحمي مصالح الأوليجارخيا. وضع سمير أمين 6 سمات للرأسمالية الروسية، منها الوضعية التخومية وتراجع النقابات والسلطة الغير مقيدة، يحدد سمير أمين أن كل من هو خارج الثالوث (الولايات المتحدة- الاتحاد الأوروبي- اليابان) هو عدوٌ محتمل ويعطي روسيا كمثال. فمنذ انهيار الاتحاد السوڤيتي تلخصت علاقة روسيا مع الغرب بتزويد روسيا للغرب بالنفط والغاز وآلت صناعاتها إلى التعاقد مع الاحتكارات الغربية ما يفرض نمطًا من التنمية الرثة.

منذ صعود بوتين، خاض بوتين العديد من المعارك مع أقطاب من الأوليجارخيا وليسَ الأوليجارخيا كطبقة، وتحرّرت روسيا من وهم أن تطورها سيكون مشابهًا لتطور ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية، وفهم أن كل ما يريده الثالوث من روسيا هو أن تكون محطة وقود كبيرة.

بقاء المنظومة الألوجارخية وسلطة دولة تريد الحفاظ على كونها قطبًا عالميًا من خلال تدخلها في حركة رأس المال هو ما نقصده ب "حدود طبقته" الّذي تحدثنا عنه سابقًا. وأعتقد أن هذا هو نفس نقد دوغين لبوتين ولكن بكلمات أخرى، يتمحور نقد الفيلسوف الروسي دوغين لبوتين في كون بوتين لم يتخلص من الليبراليين الروس رغم إعادته لهيبة الدّولة الوطنية.

إنَّ سلاح الهيمنة الاحتكارية للإمبريالية العالمية هو رأس المال المالي، أمولة التراكم، وهذه هي الأطروحة الأهم في كتابات مدرسة التبعية ممثلة بسمير أمين وبول سويزي وبول باران، والّتي بقي سمير أمين يطورها حتى آخر يومٍ في حياته، حيث تحل الأمولة مكان الاقتصاد الحقيقي، فإذا أردنا شرح ما تعنيه الأموّلة ببساطة نقول أن الإمبريالية المعاصرة يحكمها مجموعة تكتلات مالية عملاقة تتحكم فيالسوق العالمي من خلال توظيف الأموال لتنمية الثروة في قطاعات غير إنتاجية كأموال العقارات والتأمين، والمضاربات الخ ما يتسبب بظهور الفقاعات الاقتصادية. وبما أنَّ الدولار هو العملة العالمية فإنَّ باقي الشعوب تبادل ثروتها مقابل لا شيء.

أما سلاح روسيا الاقتصادي فهو كما هو معلوم للجميع صادراتها من النفط والغاز إلى أوروبا، نسبة 40% من واردات أوروبا من الغاز من روسيا، مع التفاوت طبعًا، فدولة مثل فنلندا تستورد 97% من احتياجاتها من الغاز من روسيا، بينما بريطانيا فقط 5% وهكذا.

عزفت عن الكتابة عن الجانب الاقتصادي قبيل العملية العسكرية الروسية واكتفيت بمتابعة التحليلات الاقتصادية المتعددة الّتي لخصها صديقي مارك مجدي ببراعة إلى تصورين:
- أول يرى أنه تم إقحام روسيا في حرب ستدمر الاقتصاد الروسي من خلال العقوبات.
- تصور يرى أن روسيا ستستفيد بسبب ارتفاع أسعار النفط العالميّ.

قبل أن أكمل أود الاعتراف أنني وقعت في شرك الاقتصادوية المفرطة ومن هناك نبع خطأ قراءتي الأولى لدوافع العملية الروسية في أوكرانيا، ولعل الصواب في الجانب الاقتصادي هو إبعاد العدو الغربي عن السيطرة على طريق النفط والغاز الروسي، أوكرانيا.

بعد أن شرحنا سلاح كل من الطرفين، نستطيع أن ندمج بينهما، فنقول أنَّ أهم ما جاءت به العملية العسكرية الروسية هو التحول لسلة عملات ليسَ من ضمنها الدولار، وفي هذا تفكيك لأهم آلية من آليات الهيمنة الإمبريالية العالمية، هذه الخطوة تحتاج بعض الوقت نظرًا لتعقيدها، وهذا ما نلمسه في استثناءات بوتين في قراره حول الدفع بالروبل، فمثلًا قراره لن ينطبق على صادرات شركة "نوفاتيك" (Novatek). وهذا يعيدنا إلى فكرة "حدود طبقته".

التصوران السائدان في الكتابات والتحليلات السائدة اليوم هما:
- خطوات غير قابلة للتنفيذ من قبل روسيا واقتصاد ينكمش وينهار تدريجيًا. وهذه الكتابات مهما بدت اقتصادية محضة ولكنها لا تخلو من الأيدولوجيا، بل إنها تذكرني بالمقالات ضد الصين بعنوان "هشاشة الاقتصاد الصيني"، بعد أحداث الإيغور، ولكنَ الآنسة كورونا أنهت الموضوع بسرعة.

- التصور الثاني وهو الأقرب للصواب، الذي يرى في الاقتصاد الروسي على قدرٍ كبير من التماسك والقدرة على التعافي وتجاوز العقوبات. في هذا السياق أعجبني جدًا مقال في موقع (The Economist) الّذي وسط سيلٍ من المقالات حول "الانهيار الوشيك" للاقتصاد الروسي، يناقش أنَّ الأرقام الحسابية المحضة لا تعكس واقع الاقتصاد الروسي، وفي كل الحالات فإن الاعتماد على الأرقام فقط هي أكثر الطرق سطحية في قراءة الواقع.

نحنُ لا نعلم يقينًا ما الّذي سيحدث بعد قرار بوتين حول الدفع بالروبل، ولكن نستطيع أن نضع خيارات لايبدو أن هناك الكثير غيرها:

تصدع الحلف الأورو-أمريكي: يعد موضوع الغاز والنفط الروسي أكثر المواضيع الساخنة بينَ قادة أوروبا، خصوصًا بعد تأكدهم من جدية روسيا بعد قطعها للإمدادات عن بولندا وبلغاريا. ولا شك أن تصدع هذا الحلف وارد كخيار واقعيّ، فأمريكا لا تستورد الغاز الروسي ووارداتها النفطية من روسيا قليلة، بعكس أوروبا الّتي تبحث عن بديل، وتحاول الوصول إلى اتفاقات مع دول كإيران والجزائر وحتى فنزويلا، وفي بعض التحليلات الحديثة يتم التلويح بمشروع لضخ الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا. وأكثر من يبدي قلة ثقة من وعود بايدن هو المستشار الألماني الّذي استثنى الغاز الروسي من العقوبات.

نقل الاستيراد والتصدير إلى آسيا: الدول الآسيوية الّتي شاركت في العقوبات هي اليابان وكوريا الجنوبية ودويلة تايوان وأستراليا، بينما لم تشارك الأغلبية في العقوبات، لذلك في حالة نجاح أوروبا في إيجاد بديل لروسيا، فإنَّ هذا خيارٌ واقعيّ؛ يوجد خط غاز وخط نفط إلى الصين، كذلك السكك الحديدية إلى الصين ومنغوليا و كوريا وجسر إلى ساخالين الّتي على مرمى حجر من اليابان.

المصالح الاقتصادية وحدها ليسَت كافية لتوصيف طموحات الطبقات، فقد تضحي الطبقات والدول وتقبل خسارة بعض المصالح مرحليًا من أجل تفوق وسيادة لاحقًا، وهذا أدق وصف لإصرار روسيا وأوروبا الّذي قد يمس بمصالحهما.

بذكر آسيا وتبلور التحالفات، لا يمكن أن لا نذكر الحلف الروسي-الصيني، نموذج المفاضلة الّذي تعتمده الصين في علاقاتها الدولية كان لا بد أن ينتهي بحلفٍ ثابت مع روسيا، فقد ارتفع التبادل التجاريّ بين البلدين بنسبة 12% خلال العملية العسكرية و28% منذ بداية العام، وتعويض نظام سويفت بشراكة مالية تلوح في الأفق بين روسيا والصين، من خلال نظام المدفوعات عبر الحدود بين البنوك (CIPS) الصيني، ونظيرها الروسي (SPFS).

الأكيد أن العقوبات دفعت روسيا خطوة إلى الأمام، ولم يعد بإمكان بوتين تحييد الصراعات الداخلية، فمثلًا قام غينادي زوغانوف بدعوة بوتين لإعلان الاشتراكية ردًا على العقوبات.

واقعًا بوتين لن يعلن الاشتراكية، وبما أن الداخل الروسي ليسَ موضوعنا، سأضع رؤوس أقلام عن الخطوات المرجوة:
- تأميم قطاعات الإنتاج الّتي يملكها الأوليجارخ.
- تدعيم الديمقراطية (بمفومها الواسع) داخليًا.
- إصلاح النظام الضريبي.
- تشكيل حلف عالمي كبير ضد الإمبريالية.

محرك الأحداث في الفترة القادمة هو صراع الروبل والدولار، حيث تتم 88% من مجمل المعاملات في التجارة العالمية بالدولار؛ التحدي الذي أعلنه الروبل للدولار وتعافي الروبل وتشكيل سلة عملات بدون الدولار يعني انتفاء الحاجة للدولار عند باقي بلدان العالم، وتفقد أمريكا أهم أدواتها في احتكار السوق العالمي، وتفتح مجال المناورة لدول العالم الثالث.

في السّابق كان للمراكز دور نشيط في تصدير الرّساميل نحو الأطراف، اذ سمح هذا التّصدير بامتصاص الفائض النّاتج عن استغلال العمل المضاعف في الأطراف بحيث كانت الأرباح المستخرجة تفوق تدفّق الرّساميل المصدّرة. ما زالت الولايات المتحدّة تمتصّ جزءًا محترمًا من الفائض في العالم كلّه، من خلال سيطرة التكتلات المالية العملاقة على سوق العملات العالمي وحراسته من خلال رافدها العسكري، الناتو.

روسيا البوتينية تحرّرت من أوهام تطور على نمط ألمانيا واليابان وفهمت أن الدور المحدد لها إمبرياليًا هو دور محطة الوقود، وبخطواتها الأخيرة أنجزَت الكثير ضد المعسكر الإمبريالي.



#ارام_كيوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التطبيع وتبيئة إسرائيل
- الصّهيونيّة والنّقب
- رحلة في تاريخ ثورة أكتوبر
- حوار مع يعقوب أبراهامي- البرجوازية الصغيرة ومواضيع أخرى
- منظمة تحرير فلسطين..جدال ونقاش
- الواقع الطبقي في المجتمع العربي الفلسطيني 48 (5) والاخيرة - ...
- الواقع الطبقي في المجتمع العربي الفلسطيني 48 (4) - الأحزاب و ...
- الواقع الطبقي في المجتمع العربي الفلسطيني 48 (3) - التكتلات ...
- الواقع الطبقي في المجتمع العربي الفلسطيني 48 (2) - بعد النكب ...
- الواقع الطبقي في المجتمع العربي (1) - مقدمة وخلفية تاريخية
- اسرائيل ليست دولة علمانية
- الديمقراطية
- عرض عام للماركسية
- الثّقافة والأيديولوجيا في إسرائيل
- البنوك
- تعليقا على ما سمي بمناظرة القرن(2)/ الطبيعة البشرية في فكر ك ...
- حول ما سمي بمناظرة القرن(1)/ الطبقات والصراع الطبقي
- الانسان، الحيوان والبيئة
- الصين واسرائيل (1949-1978)
- الانتخابات المحلية


المزيد.....




- بايدن: دعمنا لإسرائيل ثابت ولن يتغير حتى لو كان هناك خلافات ...
- تيك توك تقاتل من أجل البقاء.. الشركة الصينية ترفع دعوى قضائي ...
- بيلاروس تستعرض قوتها بمناورات عسكرية نووية وسط تصاعد التوتر ...
- فض اعتصامين لمحتجين مؤيدين للفلسطينيين بجامعتين ألمانيتين
- الولايات المتحدة لا تزال تؤيد تعيين الهولندي ريوتيه أمينا عا ...
- -بوليتيكو-: واشنطن توقف شحنة قنابل لإسرائيل لتبعث لها برسالة ...
- بحوزته مخدرات.. السلطات التونسية تلقي القبض على -عنصر تكفيري ...
- رئيسة -يوروكلير-: مصادرة الأصول الروسية ستفتح -صندوق باندورا ...
- سماع دوي إطلاق نار في مصر من جهة قطاع غزة على حدود رفح
- انتخابات الهند: مودي يدلي بصوته على وقع تصريحاته المناهضة لل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ارام كيوان - روسيا والغرب.. تأملات اقتصادية