أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس عبيد - كيف أنصتُّ وأصدقائي الثمانية لأغاني عشتار: عن لميعة عباس عمارة














المزيد.....

كيف أنصتُّ وأصدقائي الثمانية لأغاني عشتار: عن لميعة عباس عمارة


عباس عبيد
أكاديمي وباحث.

(Abbas Obeid)


الحوار المتمدن-العدد: 7237 - 2022 / 5 / 3 - 00:59
المحور: الادب والفن
    


في الصباح، بَدتْ لي عناوين (الترند) في محرك البحث غوغل مثل أشجار طحلبية. لا أتوقف عندها في الغالب. ينزلق من بينها اسم سمعت به قبل سنين بعيدة، وبقي محتفظاً بسحره المميز: (لميعة عباس عمارة). ظهر لحظتها وكأنّه طائر يسعى للفرار من طابور غريب حُشِرَ فيه قسراً، ليحاول العثور على حفنة دفء من برد الوحشة والغربة. أهي غربة مَنْ يعمِّر طويلاّ ليشهد رحيل أحبَّتَه واحداً بعد آخر. هناك، بعيداً عن صباحات الأهل، ومساءات الصحبة؟
لا يحتاج الأمر لذكاء كبير. رحلتْ لميعة إذنْ. سأرفض قراءة الخبر في أيِّ موقع إلكتروني: (رحلتْ الشاعرة العراقية الكبيرة...... وِلدتْ في العام...، صدرَ لها.....، شاركتْ في.....، هاجرتْ إلى.....) ثم ماذا بعد ذلك؟ عندي أنَّ لميعة تستحق أنْ نحتفي بها بطريقة أكثر خشوعاً وتأملاً. خشوع يستحيل أن يرتجف، حتى وهو بقبال جبروت الموت. ولن يقبض بيد باردة على باقة أزهار، ليسندها عند شاهد قبر، ثمَّ يقفّل راجعاً لشؤونه اليومية الرتيبة. أمَّا التأمل فهو يبارك التشبُّث بمعنى الحياة في روح الفن، لا الانكسار أمام قوانين المادة. نريد (من نحن؟) للاحتفاء أنْ يبدو بأناقة لميعة، العاشقة المعشوقة. هل سبق وأنْ رأيتم أغنية تنسكب من غيمة؟ هذا بالضبط هو شعر لميعة المولعة بالغزل الجريء:
كفَّايَ باردتانِ،
والأشواقُ يُرعِشُها ارتجافي
أينَ الشفاهُ العاصراتُ خمورَهنِّ
مِنَ الشِّفافِ؟
مَنْ لي بساعدهِ يَشُدٌّ أضالعي
أنْ لا تخافي
مَنْ لِي بِكَفَّيهِ
و دِفئِهما يَمُرُّ على شِغافي......؟
في الحال أتذكر جوهرة جواد سليم (بورتريه لميعة). هو ليس أكثر أعماله شهرة بالتأكيد. وقد حصل أنْ رأيته أوّل مرة في العام 2002، حين اقتنيتُ مجموعة (أغاني عشتار) التي أنقل عنها هنا. كان البورتريه بالأسود والأبيض، مستقراً بألق في أعلى الزاوية اليمنى للغلاف الخلفي. وإلى يساره كُتِبَتْ جملة داخل مستطيل بطول الغلاف، كيما تبدو أكثر أهمية: (الشاعرة بريشة الفنان جواد سليم). مَنْ لا يحلم بأنْ يرسمه جواد سليم؟ لاحقاً، سأجد البورتريه بالألوان، وسأقرأ عنه مقالاً رائعاً كتبته إنعام كجه جي قبل أربعة أعوام. حسناً البداية ستكون من هنا. أقوم بتحميل البورتريه ، ونسخ رابط المقال، وأرسلهما لثمانية من الأصدقاء الرائعين. أثقُ تماماُ بثقافتهم، ووعيهم. والأهم بصدق نبلهم الإنساني. وسرعان ما توالتْ الردود. كانت كلُّ إجابة تردني منهم تمثِّل درساً بليغاً جديراً بالتأمل، منطقاً خاصاً، وذائقة تعرف كيف تتحسَّس الجمال الحقيقي، حتى وإنْ برقعوه بألف حجاب. أزعم أننا نجحنا بالاحتفاء بلميعة وفقاً لأسلوبنا. وربما لمزاجنا بالتحديد. بعيداً عن النفاق الرسمي المصاحب لحفلات التأبين، أو المواضعات الباردة للفيس بوك. لم نسعَ لفلسفة لحظة لميعة. كُنّا نتأملها ضمن مشهد أكبر. من غير أنْ يُقلّل ذلك من معناها. وربما كانت لميعة هي التي حفزتنا لتبني تلك الوجهة، فرحنا نتأمل الرَّسام والشاعرة والروائية معاً. أيُّ ثالوث هذا؟ جواد ولميعة وإنعام! جواد ولميعة من جيل، وإنعام من جيل آخر. ونحن الأصدقاء المتأمِّلون ننتمي إلى جيل مختلف. يجد الباحث والناقد فالح حسن، وهو واحد من الأصدقاء الثمانية، أنَّ أولئك (كانوا يشكلون جيلاً يتعلّم ويُعلِّم، جيلاً يعرف كيف يتحاور). ولكنْ، هل نحن جيل حقا؟ قُلتً. فأجابني بثقة تامة: بإمكاننا أنْ نكون كذلك. وبعد ساعة فقط من حوارنا، كان قد أتمّ كتابة مقال جميل عن المناسبة. وهذه السطور في الحقيقة ولِدتْ في أثناء الحديث معه. وهي حوار أيضاً مع نصِّ المقال الذي أبدعه. أتخيَّل بورتريه جواد وكأنَّه رواية يسرد فيها حكاية عن مثال، نجحتْ لميعة بجعله أمراً ممكناً، مثال مكتنز بدلالات جديدة، تبشِّر بظهور شخصية النسوية المثقفة، لحظة صعود الطبقة الوسطى، وقيم المدنية في العراق. بينما كانتْ إنعام كجه جي ترسم لوحتها الخاصة مثل جواد، وتلقي شعراً بطريقتها كما صنعتْ لميعة. وما بينهما تختال لميعة بدلال تاريخي، وهبته لها الجَّدة عشتار، ولقد أورثتها سحرها أيضاً. فكانت - في كل قصيدة تنظمها - تعيد الحياة لجواد والسياب (هل رحلا حقا؟)، وربما أيضاً لعدد كبير ممن عشقوها. ولا عجب في ذلك، ما دمنا نتحدث عن حفيدة عشتار.
ليست موهبة الفنّان الحقّ شكلاً من أشكال الترف. إنها تستنزفه مع كل إضافة يقدمها. لأنها ببساطة تجعل ما يحرص على كتمانه خبراً مشاعاً. ودونكم ما تعلنه لميعة، في نصّ فضّلتْ أن تسميه (براءة):
لعنةً اللاعنِ يا شِعرُ عليكْ
ما الذي أوقَعَني بينِ يديكْ
كلُّ أسرارِ الورى مكتومةٌ
وخَفِيُّ الهمسِ مفضوحٌ لديكْ؟
في النهاية، لا شيء يعمل بالضد من سياق مرجعياته. والمبدع الكبير هو مَنْ يبقينا في حالة توتر مدهش. يلعب بحيثيات النُظُم والقواعد، ليقيم عالمه البديل، العالم الذي سيعيد الاتساق لعبث التاريخ، وفوضى الذاكرة. وفي المحصلة لمفهوم الهوية الوطنية أيضاً.
لميعة....، كبرياؤك الأدبي الباذخ يليق بك. وأغانيك الممهورة بختم عشتار ستبقى مُلهِمَة. أرجوكِ. لا تُلقي (مهفّتك) الجميلة من يدك.



#عباس_عبيد (هاشتاغ)       Abbas_Obeid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الملياردير الذي أكل لوحة الموناليزا عن جيف بيزوس ورحلاته الف ...
- الملياردير الذي أكل لوحة الموناليزا عن جيف بيزوس ورحلاته الف ...
- كلكامش في الهوبي لوبي: من سرق لوح الحلم، وكيف عاد إلى العراق ...
- أخطاء النخبة وفن التسامح: من يحزر أين أور؟
- ألو، هل يوجد محتفلون؟ عن مئوية الدولة العراقية


المزيد.....




- “قصة الانتقام والشجاعة” رسمياً موعد عرض فيلم قاتل الشياطين D ...
- فنان يعيش في عالم الرسوم حتى الجنون ويجني الملايين
- -فتى الكاراتيه: الأساطير-.. مزيج من الفنون القتالية وتألُق ج ...
- مسرحية -أشلاء- صرخة من بشاعة الحرب وتأثيرها النفسي
- الجمعة.. انطلاق نادي السينمائيين الجدد في الرياض
- غدا.. اجتماع اللجنة الفنية للسياحة العربية بمقر الجامعة العر ...
- “مبروك لجميع الطلاب ” رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور ...
- مذكرة تفاهم رباعية لضمان التمثيل القانوني المبكر للأحداث بين ...
- ضحك طفلك طول اليوم.. تردد بطوط على القمر الصناعي لمتابعة الأ ...
- الياباني أكيرا ميزوباياشي يفوز بالجائزة الكبرى للفرنكوفونية ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عباس عبيد - كيف أنصتُّ وأصدقائي الثمانية لأغاني عشتار: عن لميعة عباس عمارة