أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهر العامري - الشاعر الشيوعي ، يوسف أتيلأ ( Attila József ) - 1 -















المزيد.....

الشاعر الشيوعي ، يوسف أتيلأ ( Attila József ) - 1 -


سهر العامري

الحوار المتمدن-العدد: 1672 - 2006 / 9 / 13 - 09:24
المحور: الادب والفن
    


مثل كل أيام الاصطياف في سنوات خلت حللت صيفي هذا في عاصمة المجر ( هنغاريا ) ، بودابست ، بعد أن أتيتها قادما من روما ، العاصمة الإيطالية ، حيث قضيت هناك سبعة من الأيام .
لم تكن زيارتي هذه هي الزيارة الأولى لبودابست ، فلقد سبقتها زيارات كثيرة أخرى ، حتى صرت آلف هذه البلاد ، وأتعرف على الكثير من معالمها ، فبودابست مدينة جميلة ، هادئة ، تنساب فيها حركة المواصلات بيسر وسهولة ، وذلك لكثرتها ، وتعدد أصنافها ، ورخص أثمان ركوبها . وهي ، بعد ذلك ، مدينة تبسط روحها على شاطئي نهر الدانوب المسافر الى جنوب الأرض أبدا .
مثل بودابست مثل مدن أوربية كثيرة ، تزخر شوارعها بالعديد من التماثيل التي تذكر الأجيال بالمبدعين من رجال الفكر والأدب ، وخاصة الشعراء منهم ، أولئك الذين ظلت صدور الناس تحفظ كلماتهم على امتداد هذا الزمن الأبدي ، المتواصل .
وقفت ليلا مع صديق لي أمام تمثال من هذه التماثيل ، كان صاحبة يجلس بملابس رثة ، وحذاء متواضع ، قريبا من بناية البرلمان المجري ، تلك البناية التي أخذت هندسة نوافذها وشرفاتها تصاميم البناء في القرون الوسطى ، ولهذا فهي ليست بعديدة أبدا عن تصاميم قصر الحمراء الذي أشاده العرب في غرناطة من بلاد الأندلس ، إذ نظرة واحدة ترمي بها على بناية البرلمان تلك تأتيك حالا بصورة القصر ذاك .
قامت بناية البرلمان تلك على ضفة نهر الدانوب ، بعد أن بوشر العمل بها سنة 1823م ، وانتهى سنة 1902م ، وعلى بقعة من أرض افترشتها حدائق غناء في جانب ( بست ) من العاصمة المجرية التي يفصلها الدانوب الى فصالين : هما بواد وبست ، وفي حديقة صغيرة من تلك الحدائق جلس شاعر المجر الشيوعي الشهير ، أتيلا يوسف (Attila József ) ، ذلك الشاعر الذي ما مر رجل مجري أو امرأة بمدرسة مجرية إلا وقد حملا في صدريهما قصيدة من قصائده ، وهو ذاته الشاعر الذي حملت كل المدن والقرى قي هنغاريا اسمه في شارع من شوارعها ، حتى جامعة ( Szeged ) عادت وحملت اسمه ، وهي التي طردته من الدراسة فيها بسبب من قصيدتين قالهما هو هما : مع قلب نظيف ، وفي يوم ميلادي ، وكان ذلك سنة 1925م .
ولد الشاعر ، أتيلا يوسف سنة 1905م ، وفي حي عمالي فقير من العاصمة بودابست يدعى ( Ferencváros ) ومن أب روماني هو( Áron József ) وأم قيل أنها صربية الأصل تسمى ( Borbála Pöcze ) ، وكان للشاعر اختان اثنتان هما : ( Etus ) أو ( Etel ) ، و ( Jolán).
عمل أبوه في معمل صابون ، ولكنه هجر أسرته سنة 1907م ، وغادر المجر الى الولايات المتحدة الأمريكية ، ودون عودة لها أبدا ، تاركا وراءه زوجته وطفلتيه وابنه الذي لم يزد في سنه على ثلاث سنوات بعدُ ، ذلك الطفل الذي صار شاعرا فيما بعد ، وعلق اسم أبيه معه في شوارع كثيرة من المجر ، ولهذا فقد تحملت أمه تكاليف العيشة الصعبة ، وكافحت من أجل توفير لقمة الخبز له ولاختيه ، وفي ظروف الحرب العالمية الأولى القاسية .
عملت الأم في تنظيف بيوت الأغنياء ، وغسل ملابسهم ، وكان عملها هذا يتواصل لساعات طوال من اليوم الواحد ، تنتقل فيها من بيت لبيت ، ومن محلة لمحلة أخرى ، وبعد أن هدها الكدح المتواصل عجزت عن توفير لقمة الخبز لأطفالها ، ولهذا قامت هي بتسليم أتيلا وأخته ، أتيل ، للجنة حماية الأطفال الهنغارية التي سلمتهم بدورها لأسرة ريفية تسكن مدينة ( Öcsöd ) التي تبعد عن العاصمة بودابست مئة وخمسين كيلومترا ، وكان ذلك سنة 1910م .
لقد أجبر هو واخته على البقاء لمدة سنتين هناك ، طالما تعرض فيهما هو الى الضرب من مربيه الجدد الذين حرموا عليه استخدام اسمه الحقيقي الذي يحمله منذ أن ولد بحجة أن اسم : أتيلا ( Atilla ) لا وجود له بين أسماء الناس في هنغاريا ، ولهذا صاروا ينادونه باسمه الجديد بـ ( Pista ) الذي منحوه هم له .
لقد كان لاستلاب اسمه هذا أثر بالغ في نفسه على الرغم من صغر سنة ، وكان هذا الاستلاب هو الذي وجهه نحو دراسة التاريخ والأدب فيما بعد ، فحين عادت به أمه من جديد الى العاصمة بودابست ، وكان هو قد بلغ السابعة من العمر ، سجلته في مدرسة ابتدائية ، وفي الصف الثاني منها ، رغم أنه صرم السنتين المذكورتين في حراسة الخنازير مثل كل أطفال الريف الفقراء .
في الصف الثالث من تلك المدرسة الابتدائية قرأ هو حكاية الملك أتيلا ( Atilla ) ، تلك الحكاية التي أثارت في نفسه رغبة عارمة نحو دراسة التاريخ ليس لأن اسمه أتيلا ، مثلما هو اسم ملك تلك الحكاية – كما يقول هو – وإنما لأنه حصل على دليل يدحض افتراء أولئك البشر الذي حرموه من حمل اسمه الحقيقي ، واسموا باسم آخر هو( Pista ) بحجة عدم وجود اسم مثل اسمه بين الأسماء عند المجريين ، مثلما ذكرت ذلك قبل قليل .
والحقيقة هي أن اسم الشاعر كان اسما تاريخيا معروفا في التاريخ المجري ، فقد كان الملك أتيلا ( Atilla ) واحدا من الملوك الذين حكموا ما بين سنة 406-453 م امبراطورية هونية مترامية الأطراف ، اتخذت من هنغاريا الحالية عاصمة لها ، والمعروف أن العنصر الهوني هو واحد من الأعراق التي يتشكل من المجتمع المجري في أيامنا هذه ، وعلى هذا لا يمكن فهم الدافع الذي دفع تلك الأسرة ، التي تبنت الطفل الشاعر لسنتين ، الى حرمانه من اسمه المجري هذا .
لربما يعود السبب في ذلك الى أن والدي الشاعر كانا قد قدما الى المجر كمهاجرين من بلدين مختلفين ، هما : رومانيا وصربيا كما ذكرت ذلك قبل قليل ، ولهذا عز على تلك الأسرة المجرية ، ولدوافع عنصرية ، حرمان هذا الطفل المهاجر من اسم تاريخي لملك هوني ، عظيم ، أحاط بالقسطنطينية مرة ، ووقف على أعتاب روما أخرى ، وكان على مشارف باريس ثالثة .
لقد ظلت هذه الواقعة تأكل في نفس الشاعر ألما وحرقة ، وكان لا يجد حرجا من أن يدونها في طلب عمل يقدمه لهذه الدائرة أو تلك حتى بعد أن ذرفت سنه على العشرين سنة ، كما أنها طفحت في قصائده ممزوجة بمرارة العيش والحرمان .
لقد كتبت في قصيدته : مع قلب نظيف ، التي طرد على إثرها من الجامعة ، أنه كان يتيما دونما أب وأم ودونما وطن ومذهب ، فهل كان هو قد سمع قولة ماركس : العمال لا وطن لهم ، أم أنه كان لا يزال يتذكر تلك الواقعة التي سُلب فيها اسمه المجري لكونه ثمرة من شجرة ترمي بعروقها الى أرض أخرى غير تلك التي تقف عليها أقدامه ؟



#سهر_العامري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هدية إيران للمالكي !
- تبلور الصراع الطبقي في العراق !
- للنشر والتوزيع ( Visionmedia ) فيشون ميديا
- إيران تدق عطر منشم بين شيعة العراق *
- إرهاصات الانتفاضة الشعبية القادمة في العراق !
- وما أدرى العجم بالعرب !
- الصفويون يهددون شيعة عرب البصرة بالرحيل عنها !
- هاتوا الانقلاب العسكري !
- المقهى والجدل باللغة السويدية
- المالكي : القصيدة الرومانسية وصولاغ !
- رحلة ابن فضلان
- قتل شيوخ العشائر العربية في جنوب العراق !
- التابوت*
- مرأة كان اسمها ميسون *
- قراءة في رسالة إزاحة الجعفري !
- نحو حكومة إنقاذ وطني !
- ما بعد الجعفري !
- حرب الأسماء في العراق !
- عند ضفاف المعدمين !
- النهج الأمريكي الجديد !


المزيد.....




- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...
- بوتين يمنح عازف كمان وقائد أوركسترا روسيا مشهورا لقب -بطل ال ...
- كيلوغ: توقيع اتفاقية المعادن بين واشنطن وكييف تأخر بسبب ترجم ...
- عرض موسيقي مفاجئ من مانو شاو وسط انقطاع الكهرباء في برشلونة ...
- مسقط.. أكثر من 70 ألف زائر بيوم واحد للمعرض الدولي للكتاب
- محاربون وعلماء وسلاطين في معرض المماليك بمتحف اللوفر
- إخترنا لك نص(كبِدُ الحقيقة )بقلم د:سهير إدريس.مصر.
- شاركت في -باب الحارة- و-هولاكو-.. الموت يغيب فنانة سورية شهي ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهر العامري - الشاعر الشيوعي ، يوسف أتيلأ ( Attila József ) - 1 -