أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عمارة تقي الدين - دستور النِضال الفلسطيني















المزيد.....

دستور النِضال الفلسطيني


محمد عمارة تقي الدين

الحوار المتمدن-العدد: 7219 - 2022 / 4 / 15 - 18:05
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


دكتور محمد عمارة تقي الدين
"الحضارات العظيمة لا تنهزم إلا عندما تُدمِّر نفسها من داخلها"، هكذا يدفع المؤرخ والفيلسوف الكبير ويل ديورانت نحو قناعة مركزية هي نتاج تأمله في مجريات تاريخ الأمم، ومفادها أن الأمم لا تنهار بفعل عامل خارجي بقدر تأثير العوامل الداخلية.
فهي التي تدمِّر نفسها بنفسها، وذلك حين تنغمس في صراعات لا طائل منها بين مكوناتها متناسية تحدياتها المصيرية وعدوها الحقيقي، فهو، في حقيقة الأمر، قانون صارم من شأنه أن يسري على كافة الأمم التي تستسلم لإغواء وساوسها ومن ثم صراعاتها الداخلية.

كما يذهب المؤرخ الكبير أرنولد توينبي في نظريته الشهيرة (التحدي والاستجابة) إلى أن أية أمة تتعرض حتماً لتحديات مركزية، وأن مصيرها يتوقف على نوعية الاستجابة لتلك التحديات وسبل الاشتباك معها.
فهناك استجابات سلبية تقود لانهيارها، وأخرى إيجابية تدفعها نحو مزيد من النهوض والتطور
تلك السلبية التي يسبقها انهيار تام لمنظومة قيمها الإنسانية والقيمية والأخلاقية التي سبق وأن تأسست عليها ومن ثم عدم مقدرتها على التعاطي الحق والواعي مع ما يجابهها من تحديات، إذ تصاب، وكما يذهب ديورانت، بحالة من التكلس والجمود وموت القدرة الذاتية على الإبداع والتطوير.
وهو ذات ما ذهب إليه عالمنا الكبير عبد الرحمن بن خلدون مؤكداً أن الانهيار الداخلي يبدأ بالجمود والتقليد، إذ يبدو كل شيء وقد جرى تحنيطه، فتجرفه تطورات الزمن والحياة التي هي في صيرورة مستمرة.
ونحن نرى أن هذا الانهيار يبدأ بفقد تلك الأمة، أي أمة، الرؤية الشاملة لحقيقة وطبيعة التحديات التي تجابهها بل وغياب القدرة على التنبؤ بها قبل وقوعها ومن ثم تأطير سبل الاشتباك الواعي والعلمي والمدروس معها عبر بناء السيناريوهات المستقبلية لإدراة تلك التحديات ومن ثم تجاوزها.
ومن دون شك، فالتحدي المصيري أمام الفلسطينيين هو في الخلاص من هذا الاحتلال الصهيوني، ذلك الاحتلال الأكثر بشاعة على مدار التاريخ الإنساني.
وتلك المقالة هي في حقيقة الأمر مقالة تأسيسية، إذ عبرها ستجري المحاولة على رسم خريطة إدراكية بانورامية وشاملة للمسارات التي نعتقد أنه يجب أن يتبعها النضال الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني والصهيونية العالمية، ولا يحيد عنها قيد أُنملة، إذا ما أراد انعتاقاً من هذا الواقع المرير.
ذلك الدستور أو تلك الخارطة التي يتحتم أن تكون محفورة في ذهن وقلب ووجدان كل فلسطيني وعربي ومسلم، بل وكل فرد في هذا العالم يسعى لمناصرة الحق في وجه القوة، والقيمية ضد النفعية، والإنسانية التراحمية ضد المادية الأداتية المتسلحة بنزعة شيفونية عنصرية.
إن الغوص في أكثر مستويات التحليل عُمقاً هو أمر من شأنه أن يخبرنا أن هذا الدستور أو تلك الخارطة التي نحاول بلورة ملامحها هي عبارة عن مثلث، إذ أن أضلاعه مكونة من ثلاثة مسارات(الهوية، الوحدة، التحرر).
بل إن كل مسار منها ينقسم هو الآخر وبالضرورة لثلاثة محاور فرعية، وتلك المسارات هي:

المسار الأول: مسار الحفاظ على الهوية.
تلك الهوية التي لو تمكن الصهاينة من طمسها لتبخرت القضية الفلسطينية في الهواء، من هنا يمكن أن نفهم الجهود الضخمة التي يبذلها الكيان الصهيوني في هذا المضمار، ومن هنا مركزية هذا المسار في النضال الفلسطيني.
ويدور هذا المسار في ثلاثة محاور:
المحور الأول: تعميق المكون الفلسطيني للهوية الفلسطينية.
المحور الثاني: تعميق المكون العربي للهوية الفلسطينية.
المحور الثالث: تعميق المكون الديني للهوية الفلسطينية.
فتلك المكونات الثلاثة(الفلسطيني/العربي/ الديني)، إذا ما حَسُن بلورتها، هي ما ستحفظ الهوية الفلسطينة حاضرة وقوية ومتألقة ضد المحاولات الصهيونية الخبيثة لطمسها، فسلاح الهوية هو وبحق السلاح الذي يخشاه الصهاينة أكثر من أي سلاح آخر.

المسار الثاني: مسار الوحدة.
ويدور في ثلاثة محاور:
المحور الأول: الوحدة بين الفصائل الفلسطينية.
وذلك بتياراتها الدينية والقومية واليسارية واللبرالية وغيرها، عبر رأب الصدع والانقسام الحادث على الساحة الفلسطينية.
فإذا ما تأسس وعي جمعي فلسطيني لديه قناعة بأن مركز الأنا هو بالضرورة في الآخر، ومن ثم اتخذ كل طرف خطوة باتجاه الآخر من منطلق وحدة الهدف ووحدة المصير، ومن ثم إعادة ترتيب الأولويات الوطنية تأسيساً على تلك القناعة، في تلك اللحظة سنكون على أعتاب مصالحة شاملة.
المحور الثاني: الوحدة مع الفلسطينيين داخل الكيان الصهيوني.
وذلك عبر بناء جسور التواصل معهم ومساندتهم في جهودهم للتصدي لمحاولات الأسرلة التي تجري بحقهم، وبلورة كفاحهم لأجل فضح الديمقراطية الصهيونية كنظام عنصري إجرامي لا يمت للإنسانية بصلة، فهي ديمقراطية الصهاينة وحدهم أو ديمقراطية المافيا كما كان يُحدثنا الدكتور المسيري.
المحور الثالث: الوحدة مع فلسطيني الشتات.
عبر التواصل الفعال معهم، فهم المخزون الحقيقي للقضية الفلسطينية، كما أنه لو حسن توظيف دورهم لتمكنوا من نشر الرواية الفلسطينية(رواية الحق) عن هذا الصراع في شتى بقاع المعمورة.
والحقيقة أنه من دون تلك الوحدة على المستويات الثلاث سيكون عسيراً جداً إنهاء هذا الاحتلال بالكيفية التي نريدها، بل إن استمرار الانقسام والتشرذم سيقود لمزيد من الإخفاق ومن ثم السقوط.
ومن ناحية أخرى، فالكيان الصهيوني يعمد إلى توظيف ذلك الانقسام ضدنا عبر الترويج لأنه لا جدوى للانخراط في سلام حقيقي مع الفلسطينيين بذريعة أنه لا يوجد طرف محدد للتفاوض معه، ولا يوجد من يتحدث باسم جميع الفلسطين، وإنه إذا انسحبت قواته من الأراضي المحتلة سيحدث اقتتال داخلي، وللأسف هناك من يُصدِّقهم في هذا العالم.

المسار الثالث: مسار التحرر.
الملاحظة المركزية هنا أنه علينا أن ندرك أن هذا المسار لن يتحقق من دون تحقق المسارين السابقين(مسار الحفاظ على الهوية، ومسار الوحدة)
ويدور هذا المسار في ثلاثة محاور:
المحور الأول: التحرك على الصعيد الفلسطيني.
عبر بذل الجهود الممكنة من أجل التحرر، على كافة الأصعدة: سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وإعلامياً وعلميا، بل والمقاومة الفاعلة على الأرض.
المحور الثاني: التحرك على الصعيد العربي والإسلامي.
عبر استنهاض العالمين: العربي والإسلامي للدفاع عن القضية الفلسطينية وممارسة ضغوط حقيقية على الكيان الصهيوني.
المحور الثالث: التحرك على الصعيد العالمي.
عبر التواصل الجاد مع كافة المؤسسات الدولية الرسمية، وغير الرسمية، لمساندة الحق الفلسطيني، ومطالب التحرر كحق أصيل نادت به كافة المواثيق الدولة.
كذلك التواصل مع الجهات الإنسانية، واستنهاض الحقوقيين ودعاة الإنسانية في العالم من كافة الأعراف والديانات والجنسيات من أجل تلك الغاية.

وفي التحليل الأخير فذلك هو دستور النضال الفلسطيني، وتلك هي المسارات الثلاث(المنقسمة لمحاور تسع) التي يتحتم اتَّباعها في آن، بكل جدِّية وإخلاص، إذا ما أردنا نهاية قريبة لهذا الاحتلال الصهيوني.
شريطة توظيف الدراسات العلمية الجادة وبناء الخرائط الذهنية والسيناريوهات المستقبلية، وكذلك توظيف الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي بكثافة في معركتنا تلك بشكل مخطط وممنهج وبجودة وكفاءة عالية دون الارتجال والعشوائية التي سبق وأن أدرنا بها هذا الصراع في العقود الماضية.
وكنا في مقالات سابقة قد عمدنا إلى بلورة ملامح خريطة إدراكية لمجمل الصراع العربي الصهيوني ككل وديناميكية المشروع الصهيوني وآليات تحركه ومسارات تمدده، نقاط ضعفه ومكامن قوته، ومن ثم سبل الاشتباك معه بالتفكيك والمواجهة ومن ثم التقويض.
وفي سلسلة مقالات قادمة سنحاول سبر أغوار وتعميق أطروحات كل محور من تلك المحاور التسع بإذن الله.



#محمد_عمارة_تقي_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علم اجتماع الاستبداد
- مركزية القضية الفلسطينية في حياة البشرية
- شلومو ساند وتفكيك الأساطير الصهيونية
- الدين والعنف..علاقة جدلية
- في ذكرى مذبحة الحرم الإبراهيمي
- نحو نظام عالمي جديد أكثر تراحمية
- فلسطين والحرية
- ثالوث النِضال الفلسطيني
- الإعلام واغتيال عالم البدائل
- حوار مع القدس
- قانون الحركة التاريخية
- فلسطين أرضٌ وشعب
- في نهاية الكيان الصهيوني
- إدوارد سعيد... حين يصير الضميرُ فلسطينياً
- آفي شلايم والتفكيك الذاتي للمشروع الصهيوني
- الصهيونية والنازية: توأمان من رحم حضارة واحدة
- قصيدة: قال الحَجَرُ للرصاصة
- ثالوث العنف الصهيوني
- المرأة في الفكر اليهودي
- ديزموند المناضل الذي انحاز لإنسانيته وللحق الفلسطيني


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عمارة تقي الدين - دستور النِضال الفلسطيني