أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عمارة تقي الدين - الإعلام واغتيال عالم البدائل














المزيد.....

الإعلام واغتيال عالم البدائل


محمد عمارة تقي الدين

الحوار المتمدن-العدد: 7168 - 2022 / 2 / 20 - 00:06
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


واحدة من الجرائم الكبرى التي ترتكبها وسائل الإعلام المؤدلجة بحق الجماهير هي اغتيال عالم البدائل الكامن في وعيهم الجمعي وإطلاق وابل من النيران الكثيفة على قدرتهم على الخيال وتجاوز الواقع بكل سلبياته وارتهاناته، بحجة أن ليس في الإمكان أعظم مما هو كائن ومُتحقَّق بالفعل.

ويجري ذلك عبر اتباع واحدة من المغالطات المنطقية الشهيرة التي عبرها تقوم وسائل الإعلام بخداع متابعيها، ولها مسميات كثيرة منها مغالطة الثنائية الزائفة (false dilemma) أو مغالطة الأبيض والأسود(black-and-white thinking) أو مغالطة الاختيار الزائف، أو مغالطة الاحتمالين، أو مغالطة المأزق المفتعل، أو مغالطة البديل الزائف.

وتقوم بنية هذه المغالطة على أساس افتراض وجود احتمالين فقط لأي قضية، فهي إما أبيض أو أسود، خير أو شر، ولا بديل آخر، وهو أمر من شأنه أن يقود إلى إصدار أحكام خاطئة.
إذ أن كل مشكلة أو قضية في الحياة عادة ما يكون لها أكثر من خيار وأكثر من سيناريو للحل، تمامًا كما أن الألوان ليست الأبيض والأسود فقط.
وتُستخدم هذه المغالطة إعلاميًا وبشكل فج في المجال السياسي بمحاولة إقناع الرأي العام بأن هناك خيارين فقط لا ثالث لهما.

إذ تُردد الأنظمة السلطوية دائمًا (إما أنا أو الفوضى)، والحقيقة أنه لا أنت ولا الفوضى بل ربما خيار ثالث حضاري كما فعلت كل الأمم في السابق عندما أرادت أن تنعتق من تخلفها الحضاري فاختارت مسارًا خارج هذا الصندوق.
ومن ثم يتم ارتكابها عند إيهام الطرف الآخر بأنه ليس أمامه إلا خيارين لا أكثر، أحدهما سيء وبشع ومرفوض من الجميع لدفعه إلى تبني الخيار الآخر الذي يبدو أنه مقبول غير أنه في عمقه وفي تحليله الأخير أكثر بشاعة من سابقه.
ففي المثال السابق (أنا أو الفوضى) تجد أن الفوضى خيار مرفوض من الجميع ولن يختاره عاقل وبالتالي فالبديل الآخر يتحتم اختياره وهو ( أنا) أي استمرارية بقاء النظام السلطوي جاثمًا على صدر الأمة.

كذلك يتم استخدام هذه المغالطة كثيرًا من قِبل السياسيين، حيث يتم إيهام الناس بأنه لا توجد أي خيارات مطروحة للوقوف على الحياد في الأزمات، فإما التزام الجانب الصحيح (وهو جانبهم طبعًا) أو التزام جانب الأعداء.
ومن ثم ينبثق عنها حالة من الاستقطاب الحاد (مع أو ضد)،إذ تردد الأنظمة المستبدة عبر وسائل إعلامها مقولة:"إما معنا أو أنك خائن للوطن".

ومن ناحية أخرى تطرح قوى المعارضة ونتيجة لغلق المجال العام أمامها مقولة:"إما معنا أو أنك تابع للنظام"في مواجهة المقولة الأولى، وهنا وفي ظل تلك الحالة ينهار التماسك الاجتماعي ليجد المجتمع نفسه على حافة الفوضى.
كما توظف جماعات العنف الديني هذه المغالطة بشكل مركزي في خطابها الأيديولوجي حيث تعيش في ثنائيات مغلقة على الدوام: جانبنا هو الخير ورأينا هو الصواب وهو شرع الله، في المقابل فإن الجانب الآخر هو الشر والكفر والضلال، وذلك بحسب زعمهم، فيضرب الصراع كافة تضاعيف المجتمع ليسقط في فوضى مطلقة إن لم يتم التصدي لتلك الأطروحات.

ومن أشهر الأمثلة على استخدام تلك المغالطة ما طرحه جورج بوش الإبن ليحشد الجميع وراءه في الحرب التي أعلنها حين قال: من ليس معنا فهو ضدنا، إما أن تكون معنا، أو أنك في صف الإرهابيين وأعداء الإنسانية، فالمثال يتجاهل الخيار المحايد (لست معك ولا مع الإرهابيين).

فعبر هذه المغالطة، وكما يذهب عادل مصطفى في مؤلفه المغالطات المنطقية، جري تقليص عالم البدائل الممكنة إلى خيارين اثنين لا ثالث لهما، أحدهما واضح البطلان والثاني هو رأيه الذي يريدك أن تعتنقه، أي يتم عبرها دفعك لوجهة معينة ومقصودة كفأر تجري قيادته للمصيدة.

ومن ثم عليك صديقي القاريء أن تتجاوز الخيارين الذين يطرحهما الإعلام أمامك والنظر خارج الإطار للخيارات الأخرى التي هي في حقيقة الأمر كثيرة ومتعددة، وذلك إذا ما أدرت آلة عقلك بأقصى طاقة ممكنة، فهي منحة الله للإنسان بأن أعطاه عقلًا مُبدعًا وخلَّاقاً لا يكف عن مفاجأتنا بالجديد والرائع المرة تلو الأخرى، وهو ما دفع باتجاهه الحكيم كونفوشيوس فقد كان يردد: "لا يمكن للمرء أن يحصل على المعرفة إلا بعد أن يتعلم كيف يفكر".



#محمد_عمارة_تقي_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع القدس
- قانون الحركة التاريخية
- فلسطين أرضٌ وشعب
- في نهاية الكيان الصهيوني
- إدوارد سعيد... حين يصير الضميرُ فلسطينياً
- آفي شلايم والتفكيك الذاتي للمشروع الصهيوني
- الصهيونية والنازية: توأمان من رحم حضارة واحدة
- قصيدة: قال الحَجَرُ للرصاصة
- ثالوث العنف الصهيوني
- المرأة في الفكر اليهودي
- ديزموند المناضل الذي انحاز لإنسانيته وللحق الفلسطيني
- دفاعٌ عن فلسطين
- روشتة تطوير الإعلام المصري
- العدوان على المسجد الأقصى: منظمة أمناء جبل الهيكل نموذجاً
- نحو فضائية دينية عالمية
- الإعلام الديني : جدل الواقع والمِثال
- الإعلام السياسي بين الواقع والمأمول
- في ذكرى انتفاضة الحجارة: قال الحجر للرصاصة
- وسائل الإعلام : كيف نحمي أطفالنا من مخاطرها؟
- الإعلام وحروب الجيل الخامس


المزيد.....




- السعودية.. تداول فيديو -إعصار قمعي- يضرب مدينة أبها ومسؤول ي ...
- أبرز تصريحات وزير الخارجية الأمريكي حول غزة وهجمات إيران وال ...
- مصرع 42 شخصا بانهيار سد في كينيا (فيديو)
- رئيس الوزراء الإسباني يقرر البقاء في منصبه -رغم التشهير بزوج ...
- -القاهرة الإخبارية-: مباحثات موسعة لـ-حماس- مع وفد أمني مصري ...
- مستشار سابق في البنتاغون: بوتين يحظى بنفوذ أكبر بكثير في الش ...
- الآلاف يحتجون في جورجيا ضد -القانون الروسي- المثير للجدل
- كاميرون يستأجر طائرة بأكثر من 50 مليون دولار للقيام بجولة في ...
- الشجرة التي لم يستطع الإنسان -تدجينها-!
- ساندرز يعبر عن دعمه للاحتجاجات المؤيدة لفلسطين ويدين جميع أش ...


المزيد.....

- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - محمد عمارة تقي الدين - الإعلام واغتيال عالم البدائل