أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حمزة لمغاري - الأساس الطبيعي للغة في محاورة كراتيليوس















المزيد.....

الأساس الطبيعي للغة في محاورة كراتيليوس


حمزة لمغاري
كاتب

(Hamza Lamrhari)


الحوار المتمدن-العدد: 7211 - 2022 / 4 / 5 - 00:14
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


نروم من خلال هذه الورقة البحثية الإجابة عن الإشكال الجوهري التالي؛ كيف دافع أفلاطون عن أطروحة الأساس الطبيعي للغة في محاورة كراتيليوس؟ من خلال ربط الجسور بين اللسانيات وفلسفة اللغة عبر قراءة تحليلية لمحاورة كراتيليوس، التي تعد بحق وعيا فكريا مبكرا بالأهمية التي يكتسيها البحث في اللغة، ذلك أن المحاورة وثيقة فلسفية تعكس سجالا نقديا حول أصل اللغة، سجالٌ يتجاذبه طرفان؛ أفلاطون الذي وظف، كعادته، المنهج الحواري بأسلوب تهكمي في نقده البناء الموجه إلى غريميه من السفسطائيين.
ورد في البدء استحضار للفيلسوف السفسطائي بروتاجوراس الذي يقول: «الإنسان مقياس كل شيء»، حيث إن الإنسان هو ذاك الكائن المعروف، يعكس ذلك توجه السفسطائيين الذين تم بفضلهم نقل الفلسفة من الاهتمام بالطبيعة إلى الاهتمام بالإنسان، فالوجود الإنساني هو جزء من الاهتمام بالإنسان، واللغة لا تنفك عن الإنسان باعتبارها ظاهرة إنسانية لا تخرج عن المسار الفلسفي. إذن فالإنسان، حسب السفسطائيين، مالكٌ للحقيقة النسبية، وبتصديق هذا الطرح يصير بإمكان كل إنسان المشاركة في عملية اصطلاح ومواضعة اللغة، حيث قدم هيرموجين دليلا على ذلك، يتمثل في الأسماء التي تُغَيَّر للعبيد دون أن تطرح مشكلة، بحيث تَحُلُّ الأسماء الجديدة محل القديمة للتترسخ مع العادة والتداول.
إن سقراط ينفي هذا الطرح، من خلال تبني استقلالية طبيعة الأشياء عن الإنسان، فما تنتجه الطبيعة لا يتدخل فيه الإنسان ولا يملك فيه إرادة، ذلك أن تسمية حصان على رجل وإطلاق اسم رجل على حصان يُصعِّب التمييز بين الحكماء من الناس من حمقاهم، ومن المؤكد أن الحكماء سيسمون الشيء بحسب الطبيعة التي تكمن فيه، في حين أن الحمقى والعوام لا يملكون العدة الكافية التي تمكنهم من إطلاق الأسماء.
إن الفعل التكلُّمي الطبيعي ينتج عنه تواصل طبيعي، ذلك أن الفرد إذا تكلم طبيعيا فإنه يحقق التواصل مع الغير، فالفرد إنسان، والإنسان بطبعه يبحث ويفحص ويعتبر، بالتالي فإن كلامه يجب أن يجسد تلك الطبيعة التي تكمن فيه، غير أن التصنع أو القول كما تهوى النفس يحول دون تحقيق التواصل.
إن تسمية الأشياء بمسمياتها تبادلٌ للمعرفة، معرفةٌ تتمثل في تمييز الأشياء حسب مسمياتها، ومن ذلك تمييزٌ لطبائع الأشياء كذلك، بالتالي فإن الذي كان وراء تسمية الأشياء متفقه وعالم ولغوي وعلى دراية بالطبائع المشكلة للأشياء، واصطلح عليه سقراط اسم المشرع، لأنه في نهاية الأمر يضع قوانين يتبعها الآخرين.
بناء عليه، فالاسم مثله مثل الآلة، فالمثقاب من صنع الحداد ويستخدمه الخراز، كما هو الشأن بالنسبة للاسم، فالاسم من صنع المشرع ويستخدمه الإنسان، وليس كل إنسان حداد، فالحداد هو الذي احترف تشكيل المجسمات الحديدية من كتلة معدن الحديد الذي تُزودنا به الطبيعة، ومنه فالمشرع رَكَّب أسماء اللغة من الحروف والمقاطع التي يمكن أن تفكك إليها، حيث إن العملية تسير وفق منطق كون صناعة الأسماء تقتضي المادة؛ الحروف والمقاطع، وتستلزم هدفا محددا في وضع الاسم الحقيقي الملائم لطبيعة الشيء المسمى وذلك بالنظر إلى الاسم المثالي.
إن الحكم على جودة القيتارة غير مرتبط بصانع القيتارة بحد ذاته، إنما الحكم على جودتها مرتبط بالعازف الذي يستعملها، مِثلُ ذلك ينطبق على الاسم، فالمشرع يُركِّب الأسماء من الحروف والمقاطع وفقا لطبيعة الشيء، لكن عملية التسمية لا تقف ههنا، بل تمتد إلى أن يُساءل ويُحاور من طرف العالم بفن الجدل، الذي يفحص المعرفة التي تمثلها الأسماء بطرح السؤال، فهو بمثابة مرشد للمشرع في تسمية الأسماء بصورة صحيحة.
إن الأسماء التي هي من إطلاق الآلهة أسماءٌ صحيحة على الأشياء، فمن البدهي أن يكون ذلك، لأن الآلهة هي التي أوجدت الأشياء من عدم، وهي أدرى من الناس وربما أدرى من المشرع حول طبيعة الأشياء، لعل هذا هو السبب الذي دفع بسقراط إلى عدم الخوض في الميتافيزيقا حول تسمية الآلهة للأشياء، حيث يقول (الفقرة 392/ب): «والآن، أظن بأن هذا فوق قدرتك وقدرتي على الفهم»، وهناك سبب ضمني آخر يتمثل في عدم إرادة أفلاطون إثارة مسائل تخص الآلهة وتجرح المؤمنين، وذلك من شأنه أن يثير تابعات عليه، قد تؤدي به إن أن يصير شهيد الحقيقة الثاني آنذاك.
تفصح نظرية المحاكاة الطبيعية عن حقيقة الأسماء المرتبطة بالمنطق الطبيعي الذي يحكم سيرورة الأسباب المؤدية إلى فعل التسمية، من ذلك نقل تسمية الملك إلى عاهله الذي سيتولى الملك بعد وفاته، وكذلك ولادة إنسان عن إنسان بواسطة الجينات والصبغيات المنقولة عبر الأمشاج الجنسية، بالتالي فإذا ولد إنسان قردا مثلا، فإن ذلك يخالف منطق الطبيعة، وسيسمى ذلك المولود قردا وليس إنسانا.
لكن قد يخالَف هذا المنطق الطبيعي لتواتر الأسماء، فيسمى إنسان بتسمية «سعيد» غير أنه يشقى في الوجود ويتمنى ألما أقل وسعادة أكثر، وقد يسمى إنسان آخر بتسمية «عبد الله» لكنه يسرق ويكذب وقد يكون ملحدا، فكلها أمثلة تفصح عن عدم مطابقة الاسم لطبيعة الشيء المسمى به، مردُّ ذلك هو أن هؤلاء الأشخاص تم تسميتهم بأسماء أشخاص سبقوهم في الوجود ولاءمت طبيعتهم تلك الأسماء، فتناقلت الأجيال تلك الأسماء، بالتالي فَهُمْ يحملون أسماء توافق طبيعة غيرهم ممن سبقوهم.
إن عالم التأصيل المعجمي يبحث في دلالة الأسماء، بتفكيكها إلى أجزائها الأولية في حروف ومقاطع، وهي عملية إجرائية تخالف ما قام به المشرع، فالمشرع يُركِّب الأسماء من أجزائها الأولية، في حين أن عالم التأصيل المعجمي يفكك ما وصله من أسماء، نحترز بذلك أن فقدان الاسم لحرف أو حرفين قيد يغير المعنى المراد من الاسم، وسقراط في هذه المحاورة عالمُ تأصيلٍ معجمي، إذ ينطلق من اللغة اليونانية الحديثة نحو البحث عن مختلف الاشتقاقات التي تعود إلى اللغة اليونانية القديمة، حسب تفكيك تركيبي معجمي بُغية الوصول إلى الدلالة.
إن التسمية الصحيحة في الواقع هي محاكاة لطبيعة الأشياء، حيث إن سقراط يعمد إلى تقديم مثال لغة الصم والبكم، الذين يلجؤون إلى المحاكاة الجسدية كالقيام بإشارات الأيدي ورفع الرأس لتحقيق التواصل من خلال تقليد طبيعة الشيء، لما كان الأمر كذلك، فبوجود الصوت يمكن للإنسان تطبيق تلك المحاكاة على شكلٍ صوتي عبر الأسماء التي يتداولها الإنسان لتحقيق التواصل والتفاهم.
يمكن التمييز في المحاكاة الطبيعية بين نوعين؛ المحاكاة السطحية التي تتمثل في الأسماء التي تقلد الصوت الذي يصدره الشيء، من ذلك مواء القطة وخرير المياه، والمحاكاة العميقة نابعة من فهم عميق لطبيعة الشيء المحاكى بالصوت، ومن المؤكد أن هذا النوع من المحاكاة هو الذي استخدمه المشرع في تسميته للأشياء، حيث إنه نظر للأشياء في جوهرها، حتى يوازي بين الجوهر والحروف والمقاطع التي سوف ينسجها تسميةً للشيء.
ختما، إن الدراسة العلمية للغة، حسب الطرح الأفلاطوني، تفكيكٌ لما جمعه المشرع في الأسماء، ومن ثم البحث عن العناصر الأولية المشكلة للأسماء لاختبار مدى ملاءمتها لمنطق الجوهر الطبيعي للأشياء.



#حمزة_لمغاري (هاشتاغ)       Hamza_Lamrhari#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موعد مؤجل
- الحورية
- استنجاد شمعة
- دواء الكُولُونَا! (2)
- دواء الكُولُونَا! (1)


المزيد.....




- السعودية.. الديوان الملكي: دخول الملك سلمان إلى المستشفى لإج ...
- الأعنف منذ أسابيع.. إسرائيل تزيد من عمليات القصف بعد توقف ال ...
- الكرملين: الأسلحة الأمريكية لن تغير الوضع على أرض المعركة لص ...
- شمال فرنسا: هل تعتبر الحواجز المائية العائمة فعّالة في منع ق ...
- قائد قوات -أحمد-: وحدات القوات الروسية تحرر مناطق واسعة كل ي ...
- -وول ستريت جورنال-: القوات المسلحة الأوكرانية تعاني من نقص ف ...
- -لا يمكن الثقة بنا-.. هفوة جديدة لبايدن (فيديو)
- الديوان الملكي: دخول العاهل السعودي إلى المستشفى لإجراء فحوص ...
- الدفاع الروسية تنشر مشاهد لنقل دبابة ليوبارد المغتنمة لإصلاح ...
- وزير الخارجية الإيرلندي: نعمل مع دول أوروبية للاعتراف بدولة ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حمزة لمغاري - الأساس الطبيعي للغة في محاورة كراتيليوس