أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح شعير - -تاوسرت- تسلط بقعة ضوء على ملكة فرعونية غامضة















المزيد.....

-تاوسرت- تسلط بقعة ضوء على ملكة فرعونية غامضة


صلاح شعير

الحوار المتمدن-العدد: 7208 - 2022 / 4 / 1 - 23:30
المحور: الادب والفن
    


انطلاقا من عبق التاريخ، يمرر الكاتب الكبير "نشأت المصري"، أفكاره عبر رواية الفتيان "تاوسرت"، وهي ملكة فرعونية غامضة، لم يأتي ذكرها في كتب التاريخ إلا في بضعة سطور، حيث تزوجت من ملكين وحكمت مصر لمدة ثمان سنوات في حقبة تاريخية تميزت بالاضمحلال والضعف، وظروف غاية في الصعوبة.

وتعبر الرواية عن الواقع التاريخيّ في عهد الأسرة التاسعة عشر، حيث رصد الكاتب من خلال السرد الكثير من الأحداث والتحوّلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمجتمع، وما آل إليه حال المصري القديم على ضفاف النيل خلال تلك الفترة، حيث انتشر القهر والفقر والجوع؛ نتيجة الفساد والفوضى وتضارب المصالح بين الشرائح المختلفة، حيث تزامن تدهور الأحوال مع ما تعرضت له حدود الدولة من هجمات معادية، بهدف سلب مقدرات الدولة من قبل الجيران في الجنوب والشرق، وقد تم عرض الحقائق والأحداث الرئيسية كهيكل ونسق ثابت يتفق مع التراث الفرعوني، بينما أطلق المؤلف لنفسه العنان عندما وظف العقل في صياغة التحليل المنطقي للتاريخ، على اعتبار أن الحياة الحالية ماهي إلا نسخة من الماضي بأسلوب عصري.

لقد تم صياغة الرواية في خط زمني مستقيم، حيث تسير الأحداث متدفقة نحو الأمام، وتميزت اللغة بالبساطة والسهولة والشاعرية، وقد اقتران السرد بعنصر التشويق المحفز على مواصلة القراءة، والغوص في أعماق الحدث.

وتدور الدراما الروائية والبناء المعماري، في إطار يتفق مع الحقائق التاريخية، بغرض التحذير من كافة النماذج السلبية، وخاصة تلك التي تتعاون مع المحتلين الغزاة، في كل زمان ومكان؛ محذرة من خطورة هؤلاء المنحرفون على فكرة الاستقلال السياسي للدول، وفي الوجه المقابل أبرزت الدراما المعدن الإيجابي للشعب المصري، الذي يظهر عند الشدائد، حيث التفت الجماهير حول الوطن لحمايته من السقوط.

وقد أدي الخيال دوره في استحداث وتصوير الشخصيات الرئيسية والثانوية المبتكرة، بشكل يتناسب مع البيئة المكانية والزمنية للرواية، حيث قامت كل شخصية بدورها المحدد في مسار الأحداث، ويمكن قراءة الرواية من خلال توظيف الشخصيات بداخل النص الأدبي كما يلي:
1 - الملك والملكة والكهنة: تتعرض الرواية للعديد من أشكال الصراع داخل أروقة السلطة على التاج الملكي، وقد نجح البناء الفني للشخصيات في تصوير نمط العلاقة بين مكونات السلطة ببعضها البعض، وبين الكهنة، وبين عامة الشعب، أضف إلى ذلك فضح أساليب الشخصيات التي تمتهن التجارة بالمبادئ، وتسطو على مقدرات الشعوب، ويدمرون المستقبل على مر العصور، بهدف اقتناص المكاسب غير المشروعة على حساب الوطن.

تتسم شخصية زوج الملكة الأول سيتي الأول بالضعف، والاكتفاء بحصد الملذات والجمود العاطفي واللامبالاة، وإهمال مصالح الشعب، وهي تقريبًا نفس سمات الزوج الثاني "سيبتاح"، باستثناء سخونة المشاعر العاطفية نحو الملكة.

أما شخصية الملكة “تاوسرت" فقد كانت تتأرجح بين شهوة السلطة، وبين الحب وبين الرغبة في حماية البلاد بهدف الاستمرار فوق العرش، ورغم هذا التقلب استطاعت هذه الملكة الغامضة من السيطرة على الأمور، بمفردها لمدة ثمان سنوات، تارة بالاعتماد على الوزير "باي" وتارة بعقد الصفقات مع كهنة المعبد.

وقد صور المؤلف دور الكهنة وسدنة المعابد في الحياة السياسية، حيث كانوا يمنحون الغطاء الشرعي للسلطة، كعادتهم في كل العصور الفرعونية، عبر استغلال غريزة التدين لدى المصريين، وسيطروا على الجميع بالدجل، وأوهموا الفرعون والشعب بأنهم على اتصال بالإلهة، وبالتالي استمروا كشريك يضفي الشرعية بمنح التأييد أو نزعه طبقًا لمصلحة المعبد، أو بمقدار القرابين التي يحصلون عليها، وقد قدمت الرواية نموذج الكاهن "أمون" كشخصية تمارس السلطة الدينية على الجميع.

2- دور الأوفياء في تحقيق الاستقرار: تمثل شخصية الوزير "باي" أروع الأمثلة في الوفاء للدولة، وللملكة "تاوسرت"، وهو نموذج بشري يتمتع بالثقة بالنفس، وقوة الشخصية، والنبل، وهذا النموذج الذي يقدس فكرة الولاء للوطن، هو صمام الأمن الحقيقي بداخل النظم السياسية، لأنه شخص لا يمكن شراءه، لقد نجح الوزير "باي" في دعم الملكة، حتى أجلسها فوق العرش، وحمل روحه فوق كفيه، وحارب العدو بكل ما يملك من قوة، حتى نجح في طرد المحتل.

بينما ترمز شخصية "شفرة" إلى المرأة المصرية القوية الوفية، التي تمتلك قدرات متعددة، لا تغريها المادة، وظهر ذلك عندما رفضت تكرار طلب “أهوري" الخائن الثري بالزوج بها، كما أنها لا تهاب الموت، وقد برز ذلك عند موجهة الملك بما يفعله رجاله من ظلم، وعندما أعجب بجمالها صمدت بصلابة امام رغبة الفرعون فيها كأنثى، لم يرهبها حكم الإعدام، ورغم نجاتها من الموت بالهروب من السجن؛ إلا إنه لم تتخلى عن التفكير الإيجابي، وعملت بالتجارة وحققت ثروة كبيرة من كدها، وعندما تم غزو الوطن تبرعت بالخيل لدعم الجيش المصري، وهذا الحس الوطني والقدرة على مواجهة الضغوط النفسية، جعلها تنضم للمقاومة والمساهمة في حرب التحرير.

لقد انتصر المؤلف لفكرة أن الطيبين للطيبات، عندما تم زواج “شفرة" بالوزير "باي" في إطار عاطفة الحب الراقية، لتلتقي المبادئ فوق ضفاف الحب الطاهر.

3- شخصية الخائن: تمثل شخصية "أهوري" بالرواية صورة الخائن القاتل، حيث بدأ حياته الإجرامية بمحاولات يائسة للاستحواذ على قلب الفتاة "شفرة"، خطيبة صديقه "بندوا"، وللتأثير على عقل الفريسة؛ وإشباع الرغبة الحسية بأي وسيلة، تحرك متخفيًا كالذئب خلف الستار العاطفي، وقام بتحرير الخطابات، التي تهدف إلى استدراج الأنثى، بالكلام المعسول، ثم الإغراء بالمال والمركز المرموق، وعندما فشل في تحقيق الهدف، نتيجة لعدم التوافق الروحي بين القناص والفريسة، وضع هذا المجرم خطة للتفريق بين الحبيبين، عبر الحيلة والخداع، فقد دعا غريمه للخروج معه في رحلة فوق النيل، وعندما تقابلا، أقترح على "بندوا" أن يقوم كل واحد منها بممارسة لعبة بالمشي فوق ظهر السفينة معصوب العينين، لاجتياز المسافة بين أولها وآخرها معصوب، وعندما بدأ المسكين باللعبة، دفعه الشيطان على حين غرة، وأسقطه وجبة شهية في بطن التمساح، الذي كان يمر بجوارهم في النهر مصادفة.

والتالي، نجد أنفسنا أم شخصية تتميز بعدم الشعور بالذنب، ولا تراعي شعور الآخرين، ونظر لأن من يقتل شخصًا لا يتورع عن قتل الناس جميعًا، تحرك الخائن يتحالف مع اللصوص لسرقة الأقوات من أفواه الفقراء، فيقتلهم بالجوع الكافر، ثم تأتي ذروة الخيانة بالتحالف مع المحتل "أرسو" ومساعدته في احتلال الوطن.

ويتضح من هذا العرض المختصر، بأن المؤلف قد قدم للقارئ العربي، نصًا أدبيًا ينتصر للقيم الوطنية النبيلة، ويعلى من شأن الرومانسية الراقية، وينفر من كل القيم السلبية، من خلال بناء معماري محكم، وشخصيات معبرة عن المضمون، ومثل هذه المنجزات الأدبية، يمكن أن تسهم في التنمية البشرية عبر الأدب المستنير.



#صلاح_شعير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -حروب الذكاء الاصطناعي القادمة واحتمالات فناء البشر- كتاب يد ...
- كوفيد 20 مجموعة قصصية عميقة لمصطفى الخطيب .
- كتاب -الإنسان والعلم والإيمان- يبرز أهمية العلم
- توحيد السعودية حولها إلى قوة اقتصادية
- كتاب -حروب الذكاء الاصطناعي القادمة واحتمالات فناء البشر- دع ...
- -كوتشنية- رواية اجتماعية تقوم على تحليل الشخصيات.
- -عبيد وأقلام- رواية تنطلق من جائحة كورونا للمطالبة بوقف إنتا ...
- دراسة جدوى اقتصادية حول إنتاج رغيف مصري جديد بنسبة 30% من ال ...
- قراءة في ” رحيق النساء “ ” ا لّصُدْ فََةُ ” .. تقنية على الم ...
- ثراء المضمون ومتعة السرد في رواية -رحيق النساء-
- إنتاج الكهرباء من طاقتي -الرياح- و -المد والجزر- يعزز فكرة ا ...
- أحلامُ الملائكةِ كيف تَكونّ ؟ ! في رواية - أحلامُ الملائكةِ ...
- -الحرب السيبرانية- يحذر من خطورة إختراق الفضاء الإلكتروني عل ...
- ظلال المجتمع في رواية -كفر الهوى- تؤهلها للسينما والدراما ال ...
- عودة - صلاح شعير - .. من كفر الهوي
- رواية المهزوز تحذر المجتمع من الآثار السلبية لظاهرة العنف ال ...
- -أيام الكراهية والكلاب- رواية تحمل صورة سينمائية لقرية الستي ...
- -كفر الهوى- تشير إلى أن الفيسبوك يهدد الأمن القومي للعرب.
- -الظمأ والحنين- رواية تطالب بحل مشاكل الأمة بالعلم والوحدة
- واقعية تتزين بالرومانسية في رواية (كفر الهوى)


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح شعير - -تاوسرت- تسلط بقعة ضوء على ملكة فرعونية غامضة