أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - جون لانجشو أوستن.. نظرية ألأفعال اللغوية وامتداداتها















المزيد.....



جون لانجشو أوستن.. نظرية ألأفعال اللغوية وامتداداتها


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 7193 - 2022 / 3 / 17 - 23:57
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كان جون لانجشو أوستين أحد أكثر الفلاسفة البريطانيين تأثيرا في عصره، وذلك بسبب تفكيره الصارم وشخصيته غير العادية وطريقته الفلسفية المبتكرة.
وفقا لتلميذه وصديقه جون سيرل، كان محبوبا ومكروها في آن واحد من قبل معاصريه. مثل سقراط، يبدو أنه دمر كل العقيدة الفلسفية دون أن يقدم أرثوذكسية بديلة، مريحة بنفس القدر.
اشتهر أوستن بمساهمتين رئيسيتين في الفلسفة المعاصرة: أولاً، "علم الظواهر اللغوية"، القائم على طريقة خاصة في التحليل الفلسفي للمفاهيم وطرق التعبير في اللغة اليومية. وثانيا، نظرية افعال الكلام، التي تنبني على الفكرة القائلة بأن كل استخدام للغة يحمل بعدا أدائيا (في الشعار المعروف، "أن تقول شيئا يعني أن تفعل شيئا").
كان لنظرية أفعال الكلام نتائج مهمة واستعمالات مفيدة في مجالات بحث متنوعة مثل فلسفة اللغة والأخلاق والفلسفة السياسية وفلسفة القانون واللسانيات والذكاء الصناعي والفلسفة النسوية.
في هذه السلسلة من المقالات سوف ندرس منهجية أوستن اللغوية ونظرية أفعال الكلام الخاصة به، ونتناول المساهمات الأصلية التي قدمها في نظرية المعرفة وفلسفة الفعل. وسوف نختتمها بالتركيز على تطورين رئيسيين لنظرية أفعال الكلام - الخلاف بين الاصطلاحية والقصدية، والجدل حول حرية التعبير، البورنوغرافيا، والرقابة.
ولد جون لانجشو أوستين في 26 مارس 1911 في لانكستر بإنجلترا. تلقى تكوينا في الأدب الكلاسيكي في كلية باليول بأكسفورد. جاء إلى الفلسفة أولاً من خلال دراسة أرسطو، الذي أثر بعمق في طريقته الفلسفية. كما انكب على دراسة فلسفة لايبنتز وترجم كتاب "أسس علم الحساب" لـغوتلوب فريجه.
أمضى أوستين حياته الأكاديمية بأكملها في أكسفورد، حيث كان أستاذ وايت في الفلسفة الأخلاقية من عام 1952 حتى وفاته في عام 1960.
خلال الحرب العالمية الثانية، تم تجنيد أوستين ضمن فيلق الاستخبارات الرائد، ولعب دورا في تنظيم يوم الإنزال. ترك الجيش البريطاني عام 1945 برتبة مقدم. لم ينشر سوى سبع مقالات. وفي شهادة لسيرل، كان إحجام أوستن عن النشر سمةً جزئية لموقفه الخاص، ولكنه كان أيضا جزء من ثقافة أكسفورد في ذلك الوقت: "كان لدى أكسفورد تقليد طويل في عدم النشر خلال حياة المرء، وفي الواقع كان يُنظر إلى النشر على أنه مبتذل نوعا ما" (سيرل 2001 ، 227). وهكذا تم نشر معظم أعمال أوستين بعد وفاته.
كان لدى أوستين استياء عميق ليس فقط من الطريقة التقليدية في التفلسف، ولكن أيضا من الوضعية المنطقية (التي كان رائدها في أكسفورد ألفريد جولز آير).
على وجه خاص، كان عدم رضاه موجها إلى طريقة في ممارسة الفلسفة كانت، في نظره، مسؤولة عن إنتاج ثنائيات رتيبة، وبدلاً من توضيح القضايا المعنية، بدا أنها تؤدي إلى اختزالية مفرطة ودوغمائية.
وهكذا طور أوستين منهجية فلسفية وأسلوبا جديدا، أصبح نموذجا لفلسفة اللغة العادية.
لم يدع أوستين أن هذه المنهجية هي المنهجية الصحيحة الوحيدة التي يجب اعتمادها. بل على العكس من ذلك، قدم مقاربة أولية قيمة على الأقل لبعض أكثر مشاكل الفلسفة الغربية حضورا، مثل مشاكل الحرية والمسؤولية والإدراك.
وفقا لأوستين، يجب أن تكون نقطة البداية للفلسفة هي تحليل مفاهيم وأنماط التعبير في كل لغة يومية، والاعتراف بلغتنا العادية. وهذا من شأنه أن يساعد من ناحية على تفكيك "الأخطاء الفلسفية" الناجمة عن الطريقة التي يستخدم بها الفلاسفة كلمات عادية معينة، ومن ناحية أخرى، على الوصول إلى السمات الحقيقية للعالم التي تتميز بالتعبيرات التي نستخدمها لوصفه.
اللغة العادية ليست هي الكلمة الأخيرة، التي من حيث المبدأ يمكن استكمالها وتحسينها في كل مكان والاستعاضة عنها. ولكن تذكر فقط أنها الكلمة الأولى. [Austin 1956a/1961, 185]
وفقا لأوستن، في اللغة العادية، يتم إيداع جميع الفروق والروابط التي أنشأها البشر، كما لو أن كلماتنا في استخداماتها اليومية "صمدت أمام الاختبار الطويل للبقاء للأصلح" (Austin 1956a/1961 182).
من الضروري ، أولاً وقبل كل شيء، التفكير بعناية في المصطلحات المتاحة لنا، من خلال إعداد قائمة بالتعبيرات ذات الصلة بالمجال المعني: نوع من "الفينيمونولوجيا اللغوية" يتم تفعيلها بمساعدة القاموس والخيال، من خلال البحث عن مجموعات من التعبيرات والمرادفات، وابتكار تجارب فكرية لغوية وسياقات وسيناريوهات غير عادية، والتكهن بردود أفعالنا اللغوية تجاهها.
يتيح لنا فحص اللغة العادية الانتباه إلى ثراء الوقائع اللغوية ومعالجة المشكلات الفلسفية من منظور جديد وغير متحيز. ومن المؤكد أن هذه ليست منهجية جديدة في تاريخ الفلسفة. ومع ذلك، يتم تنفيذ هذه الاستراتيجية الآن بدقة مميزة وعلى نطاق واسع من ناحية، ويجري تنفيذها وتقييمها بشكل جماعي، من أجل الحصول على إجماع معقول، من ناحية أخرى.
بالنسبة لأوستن، الفلسفة ليست مسعىً يجب متابعته على انفراد، بل عملاً جماعيا. كان هذا في الواقع جوهر اجتماعات أوستن "صباح يوم السبت"، وهي الاجتماعات الأسبوعية التي عُقدت خلال الفصل الدراسي في أكسفورد وحضرها فلاسفة اللغة وفلاسفة الأخلاق والفقهاء. كان أسلوب أوستن مخصصًا للنقاش والبحث الفلسفي على نحو أفضل من النشر: يمكننا مع ذلك أن نقدره تماما في "نظرية أفعال الكلام العامة: كيف ننجز الاشياء بالكلام؟" (1962b). وفي أوراق مثل "نداء للأعذار" (1956a).
اعتبر البعض أسلوب أوستن متحذلقا، باعتباره مجرد إصرار على أن كل ما يجب علينا فعله هو استخدام كلماتنا بعناية، مع عدم وجود اهتمام حقيقي بالظواهر التي تثير مخاوفنا الفلسفية.
توجد بالفعل حدود لمنهجيته؛ فمن ناحية، لا تزال العديد من الأسئلة الفلسفية دون تغيير حتى بعد إعادة صياغة دقيقة. من ناحية أخرى، لا تجسد لغتنا اليومية جميع الفروق التي يمكن أن تكون ذات صلة بالتحقيق الفلسفي (قارن Searle 2001 ، 228-229).
لكن أوستن بعيد كل البعد عن الاهتمام باللغة فقط: تركيزه ظل منصبا أيضا على الظواهر التي يتم الحديث عنها، كما يقول: "يتطلب الأمر اثنين لتكوين الحقيقة" (أوستن 1950/1961 ، 124fn ؛ قارن مارتن 2007).
بمساعدة منهجيته المبتكرة، يتخذ أوستن موقفا جديدا تجاه لغتنا اليومية. كما هو معروف، يريد الفلاسفة وعلماء المنطق مثل غوتلوب فريج، وبرتراند راسل، ولودفيج فيتجنشتاين، وألفريد تارسكي، وويلارد كوين، بناء لغة مثالية للتواصل الفلسفي والعلمي، أي لغة اصطناعية خالية من كل الغموض والعيوب التي تميز اللغات الطبيعية. بالمقابل، ينظر فلاسفة اللغة العادية (إلى جانب أوستن، فيتجنشتاين اللاحق، فريدريش وايزمان، بول غريس، بيتر ستراوسون) إلى اللغة الطبيعية كموضوع مستقل للتحليل، وإلى نقائصها الواضحة كعلامات للثراء والقوة التعبيرية.
اعتبر البعض أسلوب أوستن متحذلقا، باعتباره مجرد إصرار على أن كل ما يجب علينا فعله هو استخدام كلماتنا بعناية، مع عدم وجود اهتمام حقيقي بالظواهر التي تثير مخاوفنا الفلسفية.
توجد بالفعل حدود لمنهجيته؛ فمن ناحية، لا تزال العديد من الأسئلة الفلسفية دون تغيير حتى بعد إعادة صياغة دقيقة. من ناحية أخرى، لا تجسد لغتنا اليومية جميع الفروق التي يمكن أن تكون ذات صلة بالتحقيق الفلسفي (قارن Searle 2001 ، 228-229).
لكن أوستن بعيد كل البعد عن الاهتمام باللغة فقط: تركيزه ظل منصبا أيضا على الظواهر التي يتم الحديث عنها، كما يقول: "يتطلب الأمر اثنين لتكوين الحقيقة" (أوستن 1950/1961 ، 124fn ؛ قارن مارتن 2007).
في اللغة الصورية، ترتبط الاصطلاحات الدلالية بكل مصطلح وكل جملة بمعنى ثابت، مرة واحدة وإلى الأبد. على النقيض من ذلك، تبدو تعبيرات اللغة الطبيعية غير مكتملة في الأساس؛ نتيجة لذلك، يبدو أنه من المستحيل التحقق بشكل كامل من جملنا اليومية.
إن معاني مصطلحاتنا مقيدة جزئيا فقط، اعتمادًا على معتقدات ورغبات وأهداف وأنشطة ومؤسسات مجتمعنا اللغوي. أما الحدود، حتى عندما تكون ثابتة مؤقتا، فهي غير مستقرة ومفتوحة للاستخدامات الجديدة والمواضعات الجديدة في المواقف غير العادية.
بالنسبة ل "معنى كلمة" ، يأخذ أوستن في الاعتبار سياقات مختلفة من نطق الجمل التي تحتوي على مصطلحات مألوفة، من أجل خلق مناسبات غير عادية للاستخدام: تهدف الحالات الاستثنائية أو الغريبة إلى التباين مع حدسنا وكشف لحظات التوتر المخبأة في لغة طبيعية.
تتمثل نقطة أوستن الرئيسية في أنه من المستحيل من حيث المبدأ التنبؤ بجميع الظروف المحتملة التي قد تقودنا إلى تعديل الجملة أو التراجع عنها. تعتبر مصطلحاتنا اليومية مرنة للغاية ، ولا يزال من الممكن استخدامها في الحالات الفردية.
في ما يتعلق بـ "هذا الرجل ليس في المنزل ولا هو في المنزل"، يكتب أوستن: "بطريقة ما لا لا يمكننا إدراك ما يمكن أن يعنيه ذلك"، لا توجد اصطلاحات دلالية، صريحة أو ضمنية، لتغطية هذه الحالة: ومع ذلك فهي غير محظورة بأي حال من الأحوال، ولا توجد قواعد مقيدة بشأن ما قد نقوله أو لا نقوله في حالات استثنائية ”(أوستن 1940/1961 ، 68). ماذا نقول عن رجل ميت راقد على سريره؟ هو في المنزل؟ هو ليس في المنزل؟
في ما يتعلق بـ "هذا الرجل ليس في المنزل ولا هو في المنزل"، يكتب أوستن: "بطريقة ما لا يمكننا إدراك ما يمكن أن يعنيه ذلك"، لا توجد اصطلاحات دلالية، صريحة أو ضمنية، لتغطية هذه الحالة: ومع ذلك فهي غير محظورة بأي حال من الأحوال، ولا توجد قواعد مقيدة بشأن ما قد نقوله أو لا نقوله في حالات استثنائية ”(أوستن 1940/1961 ، 68). ماذا نقول عن رجل ميت راقد على سريره؟ هو في المنزل؟ هو ليس في المنزل؟
وبالمثل، هل ينبغي اعتبار عبارة "فرنسا سداسية" صادقة أم كاذبة؟ بحسب أوستن، يجب أن نأخذ في الاعتبار أهداف المتحدث ومقاصده، وظروف الكلام، والالتزامات التي تعهد بها في تأكيد شيء ما. التأكيدات أو القضايا ليست صادقة أو كاذبة فحسب، ولكنها موضوعية إلى حد ما وكافية ومبالغ فيها وخشنة: "صادق" و "كاذب" لا يمثلان أي شيء بسيط على الإطلاق؛ ولكن فقط من أجل البعد العام لكون الشيء صحيحا أو مناسبا لقوله مقابل الشيء الخطأ، في هذه الظروف، لهذا الجمهور، لهذه الأغراض وبهذه المقاصد"(أوستن 1975، 145).
أكثر إسهامات أوستن شهرة في الفلسفة المعاصرة هي نظريته في أفعال الكلام، التي قدمها في "نظرية أفعال الكلام العامة: كيف ننجز الأشياء بالكلام" (1975).
بينما بالنسبة للفلاسفة المهتمين بشكل رئيسي باللغات الصورية، فإن الوظيفة الرئيسية للغة هي وصف الواقع، وتمثيل حالات الأمور والقضايا حول العالم.
بالنسبة لأوستن، فإن لأفكارنا مجموعة متنوعة من الاستخدامات المختلفة. تم طرح نقطة مماثلة في "التحقيقات الفلسفية" لفيتجنشتاين، الذي يؤكد على "عدد لا يحصى من الاستخدامات" التي قد نضع جملنا على أساسها (فيتغنشتاين 1953: § 23). يقارن أوستن صورة فيتجنشتاين "اليائسة" لاستخدامات اللغة التي لا تعد ولا تحصى مع كتالوجه الدقيق لأفعال الكلام المختلفة التي قد نقوم بها - تصنيف مشابه للتصنيف الذي استخدمه عالم الحشرات الذي يحاول تصنيف العديد (ولكن ليس عددا لا يحصى) من أنواع الخنافس.
إذا، ليست كل الأقوال هي قضايا تتعلق بحالة الأمور. لنأخذ أمثلة أوستن:
(1) أسمي هذه السفينة "الملكة إليزابيث"
كما قيل أثناء إنزال السفينة، أو
(2) أراهنكم بستة بنسات أنها ستمطر غدا.
إن التلفظ ب (1) أو ب (2) لا يصف حفل الإطلاق أو الرهان، بل يصفه من خلال النطق بهذه الجمل، نأتي بحقائق جديدة، "تتميز عن تحصيل النتائج بمعنى إحداث حالات الأمور بالطريقة" العادية"، أي التغييرات في المسار الطبيعي للأحداث" (أوستن 1975: 117): من خلال التلفظ ب (1) أو ب (2) نقوم بتعديل الواقع الاجتماعي، ونؤسس أعرافا جديدة، ونتعهد بالالتزامات.
في الدروس الأولى من "نظرية أفعال الكلام العامة: كيف ننجز الأشياء بالكلام"، يتتبع أوستن محاولة تمييز بين الملاحظين وفناني الأداء، ليتم التخلي عنها في الدروس اللاحقة. الجمل التقريرية، من ناحية، هي جمل مثل:
3) القط على السجادة:
إنها تهدف إلى وصف حالات الأمور ويمكن تقييمها على أنها صادقة أو كاذبة. من ناحية أخرى، فإن الأعمال الأدائية مثل (1) و (2) تفعل شيئا بدلاً من الإبلاغ عن شيء ما: فهي تؤدي أفعالا تحكمها الأعراف والمؤسسات (مثل فعل الزواج أو التعميد) أو الأعراف الاجتماعية (مثل فعل الرهان أو الوعد) ولا تبدو قابلة للتقييم على أنها صادقة أو كاذبة. هذا الادعاء الأخير المثير للجدل لم يتم الجدال بشأنه ("أؤكد أن هذا واضح ولا أجادل فيه" أوستن 1975، 6): الادعاء مؤقت فقط وخاضع للمراجعة في ضوء الأقسام اللاحقة (أوستن 1975، 4 ن).
وفقا لأوستن، من الممكن والمثمر إلقاء الضوء على الحالات القياسية للتواصل الناجح، وتحديد شروط الأداء السلس للإنجاز، من خلال التركيز على الحالات غير القياسية وفشل التواصل.
كما قلنا، لا يمكن تقييم الإنجازات على أنها صادقة أو كاذبة، لكنها تخضع لأنواع مختلفة من الإبطال أو الإفشال، تسمى "المؤثرات".
في بعض الحالات، تفشل محاولة أداء عمل ما أو "تختل". يعتبر الفعل "لاغياً وباطلاً" على أساس انتهاك نوعين من القواعد:
أ.1: يجب أن يكون هناك إجراء تقليدي مقبول له تأثير تقليدي معين، وهذا الإجراء يشمل التلفظ بكلمات معينة من قبل أشخاص معينين في ظروف معينة؛
أ. 2: يجب الاحتجاج بهذا الإجراء في ظروف مناسبة ومن قبل الأشخاص المناسبين.
ب.1: بشكل صحيح، و
ب. 2: بشكل تام.
أخيرا، هناك حالات يتم فيها أداء الفعل، ولكن هناك إساءة للإجراء، بسبب انتهاك نوعين من القواعد:
ج.1: يجب تنفيذ الإجراء من قبل المتحدث بأفكار أو مشاعر أو نوايا مناسبة؛
ج. 2: يجب على المشاركين بعد ذلك التصرف وفقا للإجراء المنجز.
كما قلنا سابقا، في "كيف ننجز الأشياء بالكلمات"، رسم أوستن التمييز بين الجمل التقريرية والجمل الأدائية فقط كمجرد تمهيد لعرضه الأساسي، أي أن هناك بُعدا أدائيا في أي استخدام للغة. يبدو أن فئة الجمل الأدائية المفترضة لا تقبل سوى أفعال محددة (مثل وعد، راهن، اعتذر، أمر)، كل ذلك في صيغة المتكلم المفرد.
ومع ذلك، فإن أي محاولة لتوصيف الفصل بمعايير نحوية أو معجمية، محكوم عليها بالفشل. يمكننا في الواقع أداء فعل"أمر"، مثلا، باستخدام أداء صريح، كما في:
(4) آمرك بأن تغلق الباب
ويمكن أن نقول:
(5) أغلق الباب!
وبالمثل، هناك أفعال أدائية أيضا للقيام بالتصريح أو التأكيد أو الاستنتاج، كما في:
(6) أؤكد أن الأرض مسطحة.
إن التمييز ذاته بين الجمل التي يمكن تقييمها على امتداد بُعد الصدق والكذب (التقريرية) والجمل التي يمكن تقييمها على امتداد بُعد السعادة (الأدائية) هو مجرد وهم. لإظهار ذلك، يقدم أوستن حجتين:
أ) من ناحية، يمكن تقييم الجمل التقريرية على أنها سعيدة أو غير سعيدة: مثل الأدائية، تتطلب القضايا التقريرية ظروفا مناسبة لأدائها السعيد (لإعطاء مثال، لا يبدو من المناسب تقديم قضية تقريرية لا يؤمن به المستمع)؛
ب) من ناحية أخرى، قد يتم تقييم الجمل الأدائية من حيث الصدق والكذب، أو من حيث بعض المطابقة للحقائق: عن الحكم نقول إنه عادل أو غير عادل، عن النصيحة إنها جيدة أو سيئة، عن المديح إنه مستحق أم غير مستحق.
من خلال (أ) و (ب)، قاد أوستن القارئ إلى استنتاج مفاده أن التمييز بين الجمل التقريرية والأدائية غير كافٍ: كل الجمل هي أدوات نستخدمها من أجل إنجاز شيء ما - لنقول شيئا ما يعني دائما القيام بشيء ما. لذلك من الضروري تطوير نظرية عامة لاستخدامات اللغة والأفعال التي نؤديها من خلال نطق جملة: نظرية عامة عما يسميه أوستن القوة الإنجازية.
في إطار نفس فعل الكلام الكلي، يميز أوستن ثلاثة أفعال مختلفة: اللغوية، الغرضية أو الإنجازية، التأثيرية أو الحالية (إحدى وظائف اللغة التي لا تسجل مباشرة في اللغة لكنها تعتمد على حالة الكلام وتحاول إشراك المخاطب في الكلام).
الفعل الخطابي هو فعل قول شيء ما، فعل لفظ تعابير معينة، منسقة جيدا من وجهة نظر نحوية وذات مغزى. علاوة على ذلك ، يمكن تحليلها إلى فعل صوتي (فعل نطق أصوات معينة)، وفعل فطري (فعل نطق الكلمات، أي يبدو على أنه يتوافق مع مفردات وقواعد معينة)، وفعل خطابي (بفتحة فوق الخاء) (فعل استخدام هذه الكلمات بمعنى معين - بمعنى أو إشارة).
إن القيام بفعل لغوي يعني أيضا القيام بعمل إنجازي (أوستن 1975، 98). الفعل الإنجازي (الغرضي) هو طريقة لاستخدام اللغة وأداؤه هو أداء فعل في قول شيء ما مقابل أداء فعل لقول شيء ما. إنه يتوافق مع القوة التي يمتلكها نطق مثل الجملة (5) في سياق معين: أمر، أو طلب، أو استعطاف، أو تحد.
يتوافق الفعل التاثيري مع الآثار الناتجة عن تنفيذ فعل إنجازي، وعواقبه (مقصودة أو غير مقصودة) على مشاعر أو أفكار أو أفعال المشاركين.
وفقا لأوستن، فإن المتحدث، بقوله ما يقول ، يؤدي نوعا آخر من الفعل (مثل الإقناع أو التنبيه) لأنه يمكن اعتباره مسؤولا عن هذه التأثيرات (قارن Sbisa 2006 و 2013)، ومع ذلك، فإن العواقب الوخيمة للأفعال التأثيرية غير تقليدية، ولا تكون تحت سيطرة المتحدث تماما، ولكنها مرتبطة بالظروف المحددة التي يتم فيها تنفيذ الفعل.
يميز أوستن بدقة أكثر بين الأشياء التأثيرية (العواقب الناتجة عن فعل غرضي بحكم قوته - حيث يمكن أن يكون التنبيه نتيجة فعل الإنذار) وعواقب التأثير (العواقب الناتجة عن فعل تأثيري بدون الارتباط المنهجي بقوته، كأن تكون المفاجأة نتيجة الفعل الإنجازي - الغرضي للتصريح. (أوستن 1975: 118)
في الدرس الأخير من "كيف ننجز الأشياء بالكلمات"، حدد أوستن مبدئيا خمس فئات من الأفعال التنبيهية، مستخدما كنقطة بداية قائمة من الأفعال الأدائية الصريحة، مثل: الحكمية (الإقرارية)، التمرسية، التكيفية (الوعديات)، العرضية (التعبيرية) والسلوكية (الإخبارية). . تشمل فئة الأفعال الحكمية الأفعال (الصورية أو غير الصورية) لإصدار حكم أو تقدير أو تقييم (مثل التبرئة أو الاعتراف أو التقدير أو التشخيص). قد تتعلق هذه الأفعال بالوقائع أو القيم.
تشمل فئة الافعال التمرسية أفعال ممارسة السلطات أو الحقوق أو التأثير (مثل عين، صوت ، أمر، حذر). هذه الأفعال تفترض أن للمتحدث نوعا معينا من السلطة أو التأثير. تشمل فئة الأفعال التكيفية الأفعال التي تلزم المتحدث بفعل شيء ما (مثل الوعد، والتعهد، والموافقة، المعارضة، المراهنة).
وتشمل فئة الأفعال العرضية تلك التي توضح أسبابا، أو حججا، أو اتصالات (مثل التأكيد، الرفض، التصريح، الوصف، السؤال، الإجابة). وتشمل فئة الأفعال السلوكية ردود الفعل تجاه سلوك الآخرين أو ثرواتهم، وهي عرضة بشكل خاص للنفاق (الشرط ج 1).
يميز أوستن الفعل الإنجازي بأنه الجانب المواضعاتي من اللغة (يتناقض مع الفعل التأثيري). وكما قلنا من قبل، بالنسبة لأي فعل كلامي، يجب أن يكون هناك إجراء مواضعاتي مقبول ذو تأثير مواضعاتي معين (الشرط أ.1): إذا تم تنفيذ الإجراء المواضعاتي وفقا لشروط أخرى ، فسيتم تنفيذ الإجراء بنجاح.
يبدو هذا الادعاء معقولًا فيما يتعلق بالأعمال المؤسسية أو الاجتماعية (مثل تسمية سفينة، أو رهان): البعد المواضعاتي واضح هنا لأن مجتمعنا (وأحيانًا قوانيننا) هو الذي يقر هذه الأفعال. يبدو الادعاء أقل منطقية فيما يتعلق بأفعال الكلام بشكل عام: لا يوجد شيء مواضعاتي أو دلالي يجعل من (5) أمرا أو تحديا أو توسلًا - القوة التأثيرية للكلام المنطوق ثابتة من خلال سياق الكلام.
بشكل عام، وفقا لأوستن، تلعب مقاصد المتكلم دورا ثانويا فقط في أداء فعل الكلام (يؤدي انتهاك الشرط ج.1 إلى إساءة استخدام الإجراء ، ولكن ليس إلى فشل الفعل الكلامي). بالاعتماد على أفكار غرايس، جادل بيتر ستراوسون بأن ما يجعل (5) فعلًا تنويريا للترتيب بدلاً من التوسل هو مقاصد المتكلم - المقاصد التي قد يتيحها المتحدث (ولكن ليس بالضرورة) للجمهور باستخدام الاصطلاحات (المواضعات) اللغوية:
"لا أريد أن أنكر أنه قد تكون هناك مواقف أو إجراءات مواضعاتية للتوسل … لكني أريد أن أنكر أن فعل التوسل لا يمكن تنفيذه إلا على أنه يتوافق مع بعض هذه الاصطلاحات. إن ما يحكم على كلمات x بعدم أداء تسول y هو أمر معقد بدرجة كافية، ولا شك أنه يتعلق بموقع x وموقف y والأسلوب والقصد الراهن". [ستراوسون 1964، 444 ؛ قارن بين وارنوك 1973 و هارنيش & باخ 1979]
لا تتفق مارينا سبيسا مع قراءة ستراوسون لمواضعات الأفعال الإنجازية وتحدد ادعاءين مختلفين في نزعة أوستن المواضعاتية: (أ) يتم تنفيذ الأفعال الإنجازية عبر إجراءات مواضعاتية (مثل المواضعات اللغوية)؛ و (ب) ينتج عن الأفعال الإنجازية آثار مواضعاتية.
الأنواع الثلاثة من التأثيرات المواضعاتية لأوستن هي كالتالي: يتضمن أداء الفعل الإنجازي خصائص الاستيعاب، أي تحقيق فهم معنى وقوة التعبير؛ يسري تأثير الفعل الإنجازي بطرق مواضعاتية، ويتميز عن إحداث نتائج بمعنى إحداث تغييرات في المسار الطبيعي للأحداث ؛ والعديد من الأفعال الإنجازية تستدعي بالصدفة استجابة أو تكملة (أوستن 1975 ،116-117).
من الناحية الإبستيمولوجية، هناك مثالان رئيسيان عن مقاربة أوستن الفلسفية المطبقة على القضايا المعرفية؛ هما الورقة المعنونة ب"عقول أخرى" (1946)، وسلسلة المحاضرات حول "الحس والإحساس"، التي ألقيت في جامعتي أكسفورد وبيركلي خلال العشرية 1947-1958، ونشرت في عام 1962.
"عقول أخرى" عبارة عن ورقة بحثية قُدمت في الندوة المتجانسة عبر جلسات مشتركة نظمتها جمعية العقل والجمعية الأرسطية (كان جون ويزدوم وألفريد ج آير وأوستن مشاركين رئيسيين فيها)، وكان موضوعها محل نقاش كبير في العقود الوسطى من القرن العشرين.
في "الحس والإحساس"، يطبق أوستن تحليله اللغوي على نظرية معطيات المعنى والنظرية التأسيسية الأكثر عمومية للمعرفة، والتي من خلالها لعبت معطيات المعنى دور الأساس لبنية المعرفة التجريبية، من أجل الحصول على توضيح لمفهوم الإدراك.
يضم "الحس والإحساس" مجموعة من المحاضرات المشتملة على نقد مفصل تفصيلا دقيقا للادعاءات التي قدمها أ ج آير في" أسس المعرفة التجريبية" (1940)، وبدرجة من التفصيل أقل، لتلك الواردة في كتاب "الإدراك" (1932) ل ه ه برايس وكناب "بيركلي" (1953) ل غ ج وارنوك.
في كتابه، يتحدى أوستن نظرية المعطينات الحسية، التي بموجبها لا ندرك أبدا الأشياء المادية بشكل مباشر. على العكس من ذلك، تدعي هذه النظرية، أننا لا ندرك شيئًا سوى بيانات المعنى.
يتم تقديم مفهوم المعطيات الحسية لتحديد موضوع الإدراك في حالات استثنائية غير طبيعية، مثلا، الانكسار، والسراب، وصور المرآة، والهلوسة، وما إلى ذلك. في مثل هذه الحالات، يمكن أن تكون التصورات إما "مضللة نوعياً" أو "خادعة وجوديا"، اعتمادًا على ما إذا كانت المعطيات الحسية تمنح الأشياء المادية صفات لا تمتلكها حقا، أو أن الأشياء المادية المقدمة غير موجودة على الإطلاق.
في جميع هذه الحالات، يؤكد مُنظِّر المعطيات الحسية، أننا ندرك الأخيرة بشكل مباشر. الخطوة التالية في هذه الحجة، المسماة الحجة المستقاة من الوهم، هي الادعاء بأننا في الحالات العادية كذلك ندرك بشكل مباشر مجرد بيانات المعنى.
هدف أوستن ليس الإجابة على سؤال "ما هي موضوعات الإدراك؟" بل التخلص من "الأوهام مثل" الحجة المستقاة من الوهم" من جهة، وتقديم" تقنية لحل المعضلات الفلسفية"من جهة أخرى من خلال توضيح معنى كلمات مثل"واقعي"، "يظهر" و"يبدو" (أوستن 1962 أ، 4-5).
ترقى الحجة المستقاة من الوهم إلى سوء فهم بقدر ما تقدم ثنائية زائفة بين بيانات المعنى والأشياء المادية. يتحدى أوستن هذا الثنائية، والادعاء اللاحق بأن التصورات الشاذة والخادعة لا تختلف عن التصورات العادية والصحيحة من حيث الجودة (في كلتي الحالتين، يُنظر إلى معطيات المعنى، وإن كانت بدرجات مختلفة)، من خلال تقديم حالات مختلفة من التصورات بالترتيب لإثبات أنه "لا يوجد نوع واحد من الأشياء" ندركه "ولكن هناك العديد من الأنواع المختلفة، يمكن اختزال العدد إن وجد بالبحث العلمي وليس بالتأمل الفلسفي" (أوستن 1962 أ، 4).
إلى جانب الكراسي والطاولات والأقلام والسجائر ، التي أشار إليها مُنظِّر المعطيات الحسية كأمثلة عن الأشياء المادية، ألفت أوستن الانتباه إلى أقواس قزح والظلال واللهب والأبخرة والغازات كحالات لأشياء نقول عادة إننا ندركها، حتى لو أننا لا نستطيع تصنيفها على أنها أشياء مادية. وبالمثل، يجادل أوستن، أنه لا توجد طريقة واحدة "تخدعنا بها الحواس" (كأن ندرك شيء غير واقعي أو غير مادي)، ولكن "قد يسوء فهم الأشياء […] بالعديد من الطرق المختلفة - التي ما وجب أن تكون، ويجب ألا يُفترض أنها، قابلة للتصنيف في أي طراز عام" (أوستن 1962 أ، 13).
فضلا عن ذلك، يسأل أوستن عما إذا كنا سنكون عرضة للحديث عن "الأوهام" بالإشارة إلى الأحلام أو ظواهر المنظور أو الصور أو صور المرآة أو الصور على الشاشة في السينما. من خلال تذكر الإلمام بالظروف التي نواجه فيها هذه الظواهر والطرق التي نأخذها في الاعتبار عادةً، يعتزم أوستن إظهار كيف أن الثنائيات بين المعطيات الحسية والأشياء المادية، وبين الإدراكات الوهمية والأخرى الحقيقية، هي في الواقع بدائل زائفة.لا شك أن وقائع الإدراكات "متنوعة ومعقدة"، ويتيح لنا تحليل الكلمات في سياقات استخدامها أن نتبين الفروق الدقيقة التي طمسها بعض الفلاسفة "المهووسين" ببعض الكلمات (مثلا، "واقعي"، "واقع" و"حقيقي")، وبسبب قلة الانتباه إلى استخدامات (حتى وإن كانت غير قابلة للتبادل عن بعد) لأفعال مثل "ظهر"، "تجلى" و"بدا". إن الطريقة التي يستخدم بها منظرو معطيات المعنى كلمتي "واقعي"، "حقيقي" و"مباشرة" في الحجة المنبثقة من الوهم لا علاقة لها بالاستخدام العادي لهاته الكلمات، بل يتعلق الأمر باستخدام جديد، ومع ذلك لا يمكن تفسيره.
لا يريد أوستن استبعاد إمكانية تتبع الفروق الجديدة، لأغراض نظرية، وبالتالي لتصحيح ممارساتنا اللغوية من خلال إدخال مصطلحات تقنية، لكنه يقترح دائما الانتباه إلى الاستخدامات العادية لكلماتنا، من أجل تجنب المبالغة في التبسيط والتشويه.
يفحص أوستن كلمة "حقيقي" على سبيل المثال، ويقارن المعاني العادية الراسخة لتلك الكلمة كما تحددها الطرق اليومية التي نستخدمها بها مع الطرق التي يستخدمها منظرو معطيات المعنى في حججهم.
ما يوصي به أوستن هو دراسة متأنية للمعاني العادية والمتنوعة لتلك الكلمة من أجل عدم فرض، مثلا، صفة غير طبيعية مسندة إلى هذه الكلمة، مشتركة بين جميع الأشياء التي تُنسب إليها هذه الكلمة ("بط حقيقي). "قشدة حقيقية"، "تقدم حقيقي"، "لون حقيقي"، "شكل حقيقي" وما إلى ذلك.
يسلط أوستن الضوء على التعقيدات المناسبة لاستخدامات كلمة "حقيقي" من خلال ملاحظة أنها (1) كلمة جائعة جوهريا والتي غالبا ما تلعب دور (2) كلمة ضبط، وهي كلمة يتم من خلالها تعديل "الكلمات الأخرى" تلبية للمطالب التي لا حصر لها والتي لا يمكن التنبؤ بها للعالم على أساس اللغة" (أوستن 1962 أ ، 73).
مثل كلمة "جيد"، فهي (3) كلمة بُعد ، أي "المصطلح الأكثر عمومية وشمولية في مجموعة كاملة من الكلمات من نفس النوع، الكلمات التي تؤدي نفس الوظيفة" مثل: "صحيح"، "مناسب"، "فعلي"، "حي" و "طبيعي"، "أصيل"، في مقابل كلمات مثل "خاطئ"، "اصطناعي"، "مزور"، "زائف"، ولكن أيضا بخلاف كلمات مثل: "حلم"، "وهم"، "سراب"، "هلوسة".
من أجل تحديد معنى "حقيقي" علينا أن نأخذ في الاعتبار، في كل حالة على حدة، الطرق والسياقات التي يتم استخدامها فيها. فقط من خلال القيام بذلك، وفقا لأوستن، يمكننا تجنب إقحام ثنائيات خاطئة (للإطلاع على نقد هجوم أوستن على نظرية معطيات المعنى، انظر Ayer 1967 و Smith 2002).
في الورقة المعنونة ب"عقول أخرى"، يتناول أوستن المشكلات الفلسفية المتعلقة بإمكانية معرفة الحالات العقلية لشخص آخر ( أن يكون، مثلا، شخصا آخر غاضبا) وموثوقية الأسباب التي نلتجئ إليها عندما نبرر تأكيداتنا حول حقائق تجريبية معينة (مثلا، أن الطائر الذي يحوم حول حديقتي هو طائر الحسون).
إن الهدف من تحليل أوستن هو النتيجة المشككة لتحدي مثل هذا الاحتمال من جانب بعض الفلاسفة (في هذه الحالة، يعالج أوستن بعض مزاعم جون ويزدوم). فيما يتعلق بمعرفة حقائق تجريبية معينة، بالنظر إلى أن "العقل والحواس البشريين، في الواقع، غير معصومين عن الخطإ ومضللان" (أوستن 1946/1961، 98)، يزعم الشكاك أنه لا ينبغي لنا أبدا، أو تقريبا أبدا، أن نقول إننا نعرف شيء ما، باستثناء ما يمكنني إدراكه بحواسي الآن، مثلا، "هنا شيء يبدو أحمر بالنسبة لي الآن."
من ناحية أخرى، يتم تحدي إمكانية معرفة الحالات العقلية لشخص آخر عن طريق فكرة الوصول المتميز إلى أحاسيسنا وحالاتنا العقلية، بحيث لا يمكننا "أن نكون مخطئين "بالمعنى الأكثر تفضيلا". "(أوستن 1946/1961، 90).
انخرط أوستن في فحص أنواع الإجابات التي قد نقدمها، في الظروف العادية والملموسة والمحددة، في مواجهة الطعن في ادعاءاتنا بالمعرفة. مثلا، في الرد على سؤال شخص ما: "كيف تعرف؟" في مواجهة ادعائي "هذا طائر الحسون"، يمكن أن تلجأ إجابتي إلى تجربتي السابقة، والتي من خلالها تعلمت شيئا عن طائر الحسون، وبالتالي إلى معايير تحديد أن هذا الشيء هو طائر الحسون، أو إلى ظروف الحالة الراهنة، والتي تمكنني من تحديد أن الطائر الذي يحوم حول حديقتي الآن هو طائر الحسون.
إن الطرق التي يمكن من خلالها، في الظروف العادية، الطعن في ادعاءاتنا، أو التأكد من كونها خاطئة، هي طرق محددة (طرق يساعدنا السياق في تحديدها)، وهناك إجراءات معترف بها مناسبة لنوع معين من القضايا يمكننا استئنافها لتبرير أو التحقق من هذه الادعاءات.
الاحتياطات الواجب اتخاذها، في الحالات العادية، من أجل الادعاء بمعرفة شيء ما "لا يمكن أن تكون أكثر من معقولة، مرتبطة بالمقاصد والأغراض الحالية" (أوستن 1946/1961، 88)، بحيث أنه من أجل افتراض أن المرء مخطئ يجب أن يكون هناك سبب ملموس يتعلق بالقضية المحددة. على العكس من ذلك، يدعي أوستن أن "حيلة الميتافيزيقيا" ترقى إلى صياغة شكوكها وأسئلتها بطريقة عامة جدا، و"لل تميز أو تحدد ما قد يكون خطأ"، "بحيث أشعر بالحيرة كيف أثبت " ما تعترض عليه (أوستن 1946/1961، 87).
من خلال رسم مقارنة مع الصيغة الأدائية "أعدك"، يدعي أوستن أنه في نطق كلمة "أعرف" لا يصف المتحدث حالته العقلية (سيكون هذا، وفقا لشروط أوستن، مغالطة وصفية). بدلاً من ذلك، في الظروف المناسبة، يفعل شيئا: إنه يعطي للآخرين كلمته، أي سلطته لقول "س هي م".
يهدف تحليل أوستن للمصطلحات الإبستيمولوجية في استخداماتها العادية والمحددة إلى تحديد الظروف التي بموجبها تكون ادعاءاتنا أفعال كلام جيدة وناجحة. هذه الشروط هي التي نلجأ إليها عادةً من أجل تبرير ادعاءاتنا بالمعرفة في حالة الطعن فيها.
أما هل كانت إستراتيجية أوستن قد أثبتت نجاحها في مواجهة الطعن المتشكك، الذي يعتمد على الاحتمال الميتافيزيقي والمنطقي، فتلك قضية أخرى يجب حلها.
يعترض أوستن على الفكرة (كما ادعى ويسدوم، مثلا) بأننا نعرف مشاعر شخص آخر فقط من خلال الأعراض الجسدية لهذه المشاعر: لا نعرف أبدا شخصًا آخر في نفسه، كما نعرف مشاعرنا. وفقا لأوستن، يمكن معالجة الادعاءات المتعلقة بالحالات العقلية لشخص آخر مثل تلك المتعلقة بحقائق تجريبية معينة، على الرغم من أن الأولى أكثر تعقيدا، بسبب "الطبيعة الخاصة جدا (نحو، منطق) للمشاعر" (أوستن 1946/1961، 105 ). وعلى هذه الطبيعة الخاصة، يهدف تحليل أوستن في هذه الورقة (عقول أخرى) إلى تسليط الضوء.
حتى أقول عن شخص ما، "أنا أعلم أنه غاضب" لا بد لي، من ناحية، معرفة معينة بالشخص الذي ننسب إليه الشعور؛ على وجه الخصوص، الإلمام بوضعيات من نفس النوع مثل هذه الوضعية. من ناحية أخرى، يبدو أنه من الضروري أن يكون لديك خبرة الشخص الأول بالشعور/العاطفة ذات الصلة.
يقول أوستن إن الشعور (الغضب، مثلا) يقدم ارتباطًا وثيقا بكل من تعبيراته/مظاهره الطبيعية، وبالمناسبات الطبيعية لتلك المظاهر، بحيث "يبدو من العدل أن نقول إن"حالة الغضب هي في كثير من النواحي شبيهة ب الإصابة بمرض أبي كعيب . إنها وصف لنمط كامل من الأحداث، بما في ذلك المناسبة، والأعراض، والشعور والمظهر، وربما عوامل أخرى" (أوستن1946/1961، 109).
ضد ادعاء ويسدوم بأننا لا نشعر أبدا بغضب شخص آخر إلا فقط عند ظهور أعراض/علامات غضبه، يلفت أوستن الانتباه إلى الطرق التي نتحدث بها عن مشاعر الآخرين، ويسلط الضوء على النمط العام للأحداث "غير المألوفة لحالة "المشاعر" (العواطف)" التي تتأسس عليها صفاتنا (أوستن 1946/1961 ، 110). علاوة على ذلك، يتم التركيز على حقيقة أنه من أجل إسناد المشاعر والعواطف، من أجل إسنادها الذاتي، يبدو أن مشكلة الاعتراف والإلمام بتعقيدات هذا النمط، موجودة، بسبب الطريقة التي تم بها تعلم استخدامات المفردات ذات الصلة.
من ناحية أخرى ، تعتبر الكلماات العاطفية فضفاضة، لأنها، من ناحية، غالبا ما يتم تطبيقها على مجموعة واسعة من المواقف، بينما من ناحية أخرى، تكون الأنماط التي تغطيها معقدة نوعا ما، بحيث قد يحدث هناك في الحالات "غير التقليدية" تردد في الإسناد. بصرف النظر عن هذا النوع من الغموض الجوهري، قد تنشأ شكوك حول صحة إسناد عاطفي، أو مصداقيته، بسبب حالات سوء الفهم أو الخداع. لكن هذه الحالات خاصة، وهناك، كما في قضية طائر الحسون، "إجراءات راسخة" للتعامل معها.
على عكس حالة طائر الحسون، حيث "الإحساس فارغ" (أوستن 1946/1961 ، 97)، في حالة الإسناد العاطفي، يتم احتلال مكان خاص، ضمن نمطه المعقد من الأحداث، من خلال "البيان الخاص بالرجل عما تكون مشاعره” (أوستن 1946/1961 ، 113).
وفقا لأوستن، "الإيمان بأشخاص آخرين، بالسلطة والشهادة، جزء أساسي من فعل التواصل، فعل نقوم به جميعا باستمرار. إنه جزء غير قابل للاختزال من تجربتنا مثل: تقديم وعود، أو المشاركة في ألعاب تنافسية، أو حتى استشعار بقع ملونة "(أوستن 1946/1961 ، 115). هكذا يهدف أوستن إلى تفنيد الحجة المتشككة من خلال الادعاء بأن إمكانية معرفة حالات عقول ومشاعر الآخرين هي سمة أساسية لممارساتنا العادية على هذا النحو ، والتي لا يوجد لها "تبرير" (المرجع نفسه). مرة أخرى، ما زال النقاش مفتوحا حول ما إذا كان هذا كافياً لدحض الشكوك.
يمكن إرجاع مساهمة أوستن في الفلسفة العملية بشكل أساسي إلى ورقتين: "نداء للأعذار" (1956 أ) و "ثلاث طرق لسكب الحبر" (1966)، حيث مفاهيم "القيام بفعل" و "القيام بشيء ما" يتم توضيحها عن طريق التحليل اللغوي للأعذار، أي من خلال النظر في "الطرق المختلفة، والكلمات المختلفة، التي قد نحاول بها أحيانا التملص من الأشياء، لإظهار أننا لم نتصرف" بحرية " أو لم نكن "مسؤولين" "(أوستن 1966/1961، 273).
تبعا للطريقة العزيزة على أوستن، من خلال تحليل الحالات غير الطبيعية، أو الإخفاقات، من الممكن إلقاء الضوء على الحالات العادية والقياسية. قد يكون من شأن فحص الأعذار اكسابنا القدرة على إدراك مفهوم الفعل، عن طريق التوضيح الأولي لمفاهيم المسؤولية والحرية.بالنسبة لحالة "المعرفة"، تعد مساهمة أوستن واحدة من توضيح الاستخدام ، والتي تلقي الضوء على فكرة "القيام بعمل ما".
بالنسبة لحالة "المعرفة"، تعد مساهمة أوستن واحدة من المساهمات الساعية إلى توضيح الاستخدام، والتي تلقي الضوء على فكرة "القيام بفعل ما".
وفقًا لأوستن، انطلاقا من تحليل التعبيرات المعدلة التي تحدث في الأعذار (مثلا، "عن غير قصد"، "باندفاع") وفي الاتهامات ("عمدا"، "عن عمد"، "عن قصد")، من الممكن تصنيف أعطال مختلفة تمارس تأثيرا على الأفعال، وبالتالي تفكيك التفاصيل الداخلية المعقدة لآلية الفعل.
بعيدا عن كونه قابلاً للاختزال إلى مجرد القيام ببعض الحركات الجسدية، فإن القيام بفغل ما يتم تنظيمه في مراحل مختلفة: الفهم، تقدير الوضع، التخطيط، القرار، والتنفيذ.
علاوة على ذلك، بصرف النظر عن المراحل، "يمكننا عموما تقسيم ما يمكن تسميته كفعل واحد بعدة طرق مختلفة، إلى امتدادات أو مراحل مختلفة" (أوستن 1956 أ / 1961، 201).
على وجه الخصوص، باستخدام كلمة معينة لوصف ما فعله شخص ما، يمكننا تغطية إما نطاق أصغر أو أكبر من الأحداث، وتمييز الفعل عن عواقبه أو نتائجه أو آثاره. وهكذا يشير أوستن إلى أنه من الأهمية بمكان تحديد "ما الذي يعدل ما"، أي ما الذي يتم الصفح عنه، بسبب الطرق الممكنة المختلفة التي يمكن من خلالها الإحالة إلى "ما فعلته" (هي).
اعتمادا على الطريقة التي نرسم بها حدود الفعل، قد نحمل الشخص المسؤولية أم لا، لذلك من المهم للغاية تحديد ما يتم تبريره بدقة.



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإشهار.. تطفلاته، ميكانزماته ورهاناته
- مفهوم السعادة في فلسفة نيتشه
- فريدريك ينظر إلى الجسد كمركب من الغرائز وكإرادة قوة
- فريديريك نيتشه ينظر إلى الجسد كسيد على الروح
- عائلة المهدي بنبركة تصدر بيانا ترد فيه على اتهام عريس الشهدا ...
- إطلالة تاريخية على الاتحاد الوطني لطلبة المغرب.. من المهد إل ...
- الاشتراكي الموحد ينظم يوما دراسيا لفائدة منتخباته ومنتخبيه
- ملفات الحرب الباردة.. هل كان المهدي بن بركة، زعيم المعارضة ا ...
- تطور الحقل الديني المغربي في مواجهة تحدي العولمة
- اليسار المغربي بعد انتخابات ثامن سبتمبر: مآلات بئيسة ومفارقا ...
- في أفق تشكيل الحكومة الجديدة.. أخنوش يبدأ مفاوضات مع حزبي ال ...
- أفغانستان: طالبان تدخل كابول والرئيس أشرف غني أحمدزي يغادر ا ...
- موقف سلبي من واقع بئيس لن يزيده إلا بؤسا وسوء
- الممارسة السوسيولوجية في المغرب: تطور مؤسسي وتحديات جديدة
- فضيحة بيغاسوس.. الإمارات العربية المتحدة متورطة بالتجسس على ...
- برنامج بيغاسوس.. سلاح تكنولوجي إسرائيلي يستهدف المعارضين الس ...
- محمد سبيلا.. متابعة لمساره الحياتي والفكري من المهد إلى اللح ...
- مصر تصاب بالدهشة من الموقف الروسي حيال قضية سد النهضة مع شعو ...
- بناء الذات من وجهة نظر الفيلسوف فريديريك نيتشه
- مهرجان كان السينمائي: سبايك لي ولجنة التحكيم ضد -العصابات ال ...


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - جون لانجشو أوستن.. نظرية ألأفعال اللغوية وامتداداتها