أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالرزاق دحنون - شجرة عمي أحمد الاشتراكيَّة














المزيد.....

شجرة عمي أحمد الاشتراكيَّة


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 7178 - 2022 / 3 / 2 - 16:16
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


وكأن الشاعر الإسبانيّ العظيم أنطونيو ماتشادو قد شاهد عمي أحمد دحنون في صباح يوم شتويّ ماطر، يسير في الطريق المتجه إلى خارج المدينة، يحثُ الخطى إلى البريَّة، يحمل على كتفه شجرة ضخمة مقتلعة حديثاً من حديقة منزله. ودليل حداثتها هو ذلك التراب الذي "يُشرشر" من شروشها على الطريق، يسير بها وهناً على وهن إلى مستقرّ لها في حفرة عميّقة جَهَّزَها قبل أيام في كرم الزيتون البعيد عن المدينة، فكتب أنطونيو ماتشادو عن عمي أحمد قصائد مذهلة في عمقها وبساطتها. يقول له: خطواتك هي الطريق ولا شيء آخر، أيها السائر لا وجود للطريق، فالطريق تصنعه بمسيرك، وعندما تنظر إلى الوراء ترى الطريق الذي لن تعود لوطئه أبدا، أيها السائر في الطريق كل شيء يمضي، وما يعنينا هو المضي في الطريق.

وقع حادث شجرة عمي أحمد، على ما أذكر، في منتصف العقد الثامن من القرن العشرين وكان ميخائيل غورباتشوف قد صار أميناً عاماً للحزب الشيوعيّ السوفييتيّ. وكنا قد تجادلنا مع عمي أحمد حول السياسة الجديدة التي يقود ميخائيل غورباتشوف الاتحاد السوفييتيّ من خلالها، في سعي منه، لإصلاح ما أفسده الدهر من التجربة الاشتراكيّة، وذلك من خلال مشروعه الذي سماه "البيريسترويكا" حيث سيقتلع تلك الاشتراكيّة من شروها ويُعيد زرعها في تربة جديدة. وقبل الجدل ذاك بدقائق معدودات كنتُ وأولاد عمي في جدل آخر مع عمي أحمد بشأن شجرته التي في حديقة منزله الصغيرة على الأشجار الكبيرة، لذلك يريد قلع الشجرة من شروشها، ومن ثمَّ زرعها في مكان جديد من كرمه الذي اشتراه حديثاً. قلنا له: يا عمي أحمد أنت تعرف أكثر منا بكل تأكيد، فأنت عامل ميكانيك في معمل حلج الأقطان في مدينة إدلب منذ أكثر من عشرين عاماً، وأنت أحد أعضاء المكتب التنفيذيّ للاتحاد العام لنقابات العمال في سوريّة، وأيضاً أنت من رفاق خالد بكداش، كل ذلك على رأسنا ومن ثمَّ عيننا، ولكن في النهاية ألا تعتقد معنا بأن قلع الأشجار من مكانها وغرسها في مكان آخر هو من عمل الفلّاح أو المُزارع الخبير، فالفلّاح حين يريد قلع شجرة زيتون من مكانها، ليزرعها في مكان آخر، ماذا يعمل، أو "ما العمل" على حدِّ تعبير لينين، لأن الشيء بالشيء يُذكر ؟ قال عمي أحمد: الأمر في غاية البساطة، ينشر أولاً بمنشار قاطع الأغصان العلويّة منها، ثمِّ يحفر حول جذع الشجرة ويقتلعها من قرمتها، ثمَّ يحملها ليزرعها حيث يشاء، وهكذا يفعل الفلّاح مع أشجار الزيتون المُقتلعة، وفي بضع سنين تصبح شجرة زيتون مثمرة من جديد. قلنا: هذا صحيح يا عمي، ولا خلاف عليه، لأن الفلّاح يعرف ما يفعل ويختار الوقت المناسب لذلك، وشجر الزيتون بكلّ تأكيد يقبل النقل من مكان إلى آخر، ولكن أنت تُعامل جميع الأشجار كما يُعامل شجر الزيتون، وهذا من الأخطاء الفادحة، ولا يمكن إصلاح هذا الخطأ بعد ذلك إن وقعت فيه، فأنت تريد في واقع الأمر قلع شجرة "مُشْمُش" وزرعها في مكان آخر وهذه ليست من تلك. ضربنا له الأمثلة عن أشجار لا يمكن قلعها من مكانها وزرعها من جديد في مكان آخر مهما احطتنا للأمر، فهل قلع أحدهم شجرة "مُشْمُش" كبيرة مُثمرة، ومن ثمَّ زرعها في مكان آخر، وبقيت حية، نحن نشك في ذلك؟

أغلب الظَّن أنَّ الأشجار مثل المجتمعات البشريَّة لكل منها شروشه الضاربة في التربة حيث تكيّفت في البيّئة المناسبة لها على حد تعبير تشارلز داروين في كاتبه المشهور "أصل الأنواع". على كل حال، جاء ربيع تلك السنة أسرع مما توقعنا بعد أن غرس عمي أحمد شجرته في كرم الزيتون، ومع قدوم ربيع ذلك العام أورقت الأشجار وأزهر بعضها ولم تظهر على شجرة عمي أحمد علامات الحياة، فقد يبست أغصانها، ومن ثمَّ ذهب جذعها وشروشها إلى يباس لا مفر منه، وقفت وحيدة عارية في الكرم دون عصافير تُغرد على أغصانها المورقة، وصارت حطباً يصلح وقيداً للنار.

وبالعودة على بدء، فقد كتب الشاعر أنطونيو ماتشادو قصيدة أخرى في وداع عمي أحمد وشجرته -رحم الله كليهما- يقول:
لقد مشيت طرقات عديدة وفتحت مسارب أخرى؛ أبحرت في مائة بحر ورسيت في مئة سهل. لقد رأيت في كل النواحي قوافل حزن، متكبرين وسكارى حزانى تحت ظل أسود مزهوين يرقبون، يصمتون ويفكرون أنهم يعرفون لأنهم لا يشربون خمر الحانات. ناس سوء يتجولون ويعبثون على الأرض. ورأيت في الأنحاء كلها ناساً ترقص أو تلعب عندما يستطيعون، ويحرثون أربعة أشبار مما يملكون من الأرض. أبدا عندما يصلون مكاناً، لا يسألون أين وصلوا. عندما يسيرون، يركبون ظهور بغالهم المعمّرة. ولا يعرفون معنى للتعجل ولا حتى في الأعياد. أينما يوجد نبيذ، يشربونه؛ وعندما لا يعثرون على نبيذ، يشربون مياهاً منعشة. بشراً طيبين يحيون، يحرثون، يتمشون ويحلمون، وفي يوم مثل غيره سيرقدون تحت التراب.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بناء نظام عالمي جديد
- لقد تأخرنا كثيرًا في إحياء بول روبسون
- أنا بحاجة إلى الكثير من السيجار الكوبي
- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
- عن أبي وفلسطين والقراءة والكتابة
- فصل من كتاب حرية التعبير...
- حديث مع غسّان غنّوم عن الدين
- حوار متمدن حول كتاب
- عقيدة بوتين
- هيفاء بيطار وجسارة القول الروائي
- كلمة الرئيس الصيني
- علي الشوك لم يكتب روايته الأخيرة
- أسس الكفاح الطبقي دولة الرفاهية السويدية
- لقاء مع الشيوعية الأمريكية أنجيلا ديفيس
- السادس من يناير ومفارقات أجندة الديمقراطية الأمريكية
- ترنيمة عيد الميلاد والبيان الشيوعي
- خصائص جديدة للاشتراكية الصينية
- بسّام لم يكن يُتأتِئ
- رسالة مفتوحة إلى عارف حجاوي
- قمة الديمقراطية


المزيد.....




- فئوية المساعدات في غزة: حين يُكافأ الولاء ويُعاقب الفقر
- ألمانيا- الحزب الاشتراكي الشريك بالحكومة يطالب بحظر -البديل- ...
- بوليتيس: هكذا يشعل اليمين المتطرف الفرنسي حربا عرقية ودينية ...
- جبهة البوليساريو تتبنى هجوما على السمارة في الصحراء الغربية ...
- إعلام إسرائيلي: ترامب يريد تحرير نتنياهو من قبضة اليمين المت ...
- صوفيا ملك// الاستعدادات الحربية للإمبريالية الأطلسية وصراع إ ...
- البوليساريو تتبنى هجوما على السمارة في الصحراء الغربية والجي ...
- ب? توندي س?رک?ن?ي د?ستگيرکردني ه??سو?اواني نا?ازي د?ک?ين ل? ...
- زهران ممداني... يساري مسلم يهزّ نخبة نيويورك
- استمرار شرارة انتقام النظام المخزني من عائلة قتيل جهاز الأمن ...


المزيد.....

- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد
- أوهام الديمقراطية الليبرالية: الإمبريالية والعسكرة في باكستا ... / بندر نوري
- كراسات شيوعية [ Manual no: 46] الرياضة والرأسمالية والقومية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- طوفان الأقصى و تحرير فلسطين : نظرة شيوعيّة ثوريّة / شادي الشماوي
- الذكاء الاصطناعي الرأسمالي، تحديات اليسار والبدائل الممكنة: ... / رزكار عقراوي
- متابعات عالميّة و عربية : نظرة شيوعيّة ثوريّة (5) 2023-2024 / شادي الشماوي
- الماركسية الغربية والإمبريالية: حوار / حسين علوان حسين
- ماركس حول الجندر والعرق وإعادة الانتاج: مقاربة نسوية / سيلفيا فيديريتشي
- البدايات الأولى للتيارات الاشتراكية اليابانية / حازم كويي
- لينين والبلاشفة ومجالس الشغيلة (السوفييتات) / مارسيل ليبمان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - عبدالرزاق دحنون - شجرة عمي أحمد الاشتراكيَّة