أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - مجموعة مقالات عن الحرب الروسية الأوكرانية















المزيد.....



مجموعة مقالات عن الحرب الروسية الأوكرانية


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 7177 - 2022 / 3 / 1 - 19:45
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كواليس الحرب
الشأن العربي بين روسيا والكيان الصهيوني 01 آذار/مارس 2022

إن التّأكيد على استفزاز حلف شمال الاطلسي لروسيا في عقر دارها، وعلى مَشْرُوعِيّة دفاع روسيا عن سيادتها، لا يعني تجاهل طبيعة النّظام الرّوسي، أو تغاضيًا عن الدّور الرّوسي السّلبي تجاه قضايانا، وعلاقاته الوطيدة، بل المُتآمرة أحيانًا، مع الكيان الصهيوني، لكن لا يمكن مقارنة الحرب الحالية في شرق أوروبا، على حُدُود بَلَدَيْن مُتجاوِرَيْن، بالعدوان الأمريكي على العراق أو الصومال أو أفغانستان وغيرها، وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أن "الجيش الروسي لم يوجه أي ضربات صاروخية أو جوية أو مدفعية للمدن الأوكرانية"، وأن القوات الروسية ضربت البنية التحتية العسكرية ومنشآت الدفاع الجوي والمطارات العسكرية والطيران الأوكراني بأسلحة عالية الدقة، وأن "المدنيين ليسوا في خطر"، وأن "حرس الحدود الأوكراني لا يبدي أي مقاومة، وأن أنظمة الدفاع الجوي الأوكرانية قد تم تدميرها بالكامل... "
نحن كعرب وكتقدّميين معنيون بما يجري في أي مكان من العالم، ومعنيون بهذه الحرب، وبمختل رُدُود الفعل.
أدان الكيان الصهيوني الغزو الروسي لأوكرانيا، باعتباره "انتهاكًا خطيرًا للنظام الدولي"، وأعلن رئيس الاحتلال الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، يوم الخميس 24/02/2022 "إن إسرائيل تدعم وحدة أراضي أوكرانيا ( ) التي تربطنا بها علاقات عميقة"، مع الإشارة أن الكيان الصهيوني يُزَوّد أوكرانيا ودُوَيْلات البلطيق بالأسلحة التي استُخدمت منذ بداية القرن الواحد والعشرين في جورجيا وفي أوكرانيا، وكذلك في دول آسيا الوُسْطى، أي بلدان الإتحاد السوفييتي السابق...
ردّت البعثة الروسية في الأمم المتحدة ب"عدم الإعتراف باحتلال الجولان"، وفي نفس اليوم أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية: "لا تغْيِيرَ في آلية تفادي التضارب مع روسيا بشأن سوريا، رغم تدهو العلاقات بين واشنطن وموسكو بشأن الأزمة الأوكرانية"، ورغم استياء روسيا من موقف الكيان الصهيوني، أكّد سفير روسيا بتل أبيب، يوم 26 شباط/فبراير 2022 "استمرار التنسيق العسكري مع إسرائيل، رغم الإستياء من التصريحات الإسرائيلية بشأن الأزمة الأوكرانية..."، وللتّذكير، بعدما استنجدت حكومة سوريا بروسيا التي تدخّلت عسكريا في بعض أجزاء سوريا، اتفقت روسيا مع الكيان الصهيوني، منذ سنة 2015، على "آلية تفادي التضارب" بهدف منع أي اشتباك خلال العدوانات العسكرية الصهيونية المتكررة على أراضي سوريا كان ذلك التصريح مُقدّمة لما أُعْلِن عنه من الغد (27/02/2022) ويتمثل في مقترح صهيوني للوساطة بين أوكرانيا وروسيا، بينما كان وفد روسي يُفاوض وفدًا أوكرانيا، في مدينة جوميل بروسيا البيضاء...
أكّد رئيس وزراء الكيان الصهيوني يوم 27/02/2022 أن تقديم مقترح الوساطة حَصَل على موافقة الولايات المتحدة التي تم إبلاغها قبل وبعد المحادثة الهاتفية بين بوتين وبنيت، ما يُبيّن ضِيق هامش الحُكّام الصهاينة واندماج كيانهم بالإمبريالية الأمريكية التي ضغطت بقوّة من أجل اتّخاذ موقف أكثر صرامة ضدّ روسيا...
يدعم الكيان الصهيوني المجموعات الإرهابية في جنوب سوريا المُجاور لفلسطين المحتلة، وللجولان السُّورِي المُحْتلّ، ويُنفّذ الجيش الصهيوني اعتداءات متكررة على الأراضي السورية، بذريعة "استهداف مواقع إيران وحلفائها "، تتم بدعم ضِمْني من روسيا التي باعت منظومةَ "أس 300" للدفاع الجويّ، لكنّ روسيا تُعرقل تفعيلها واستخدامها، ما يُؤكّد التنسيق بين موسكو وتل أبيب، على حساب الدولة والأرض السورية والشعب السوري، ولم تردّ موسكو الفِعْل عندما أسقط الجيش الصهيوني (أيلول/سبتمبر 2018) طائرة عسكريّة روسيّة، وقَتل 15 جنديا وضابطا كانوا بداخلها، قبالة السواحل السورية، بل ترسّخت العلاقة، وأمّنت روسيا للكيان الصهيوني حُرّية العَرْبَدَة (في أوطَان الغَيْر) مع الإفلات من العقاب، ولم تتأثّر العلاقات الحميمة بين موسكو وتل أبيب بالصراع بين روسيا والولايات المتحدة.
يستغل الكيان التنافس بين إيران وروسيا بشأن عُقُود إعادة إعمار البلاد بعد الحرب التي دَمَّرت سوريا، ليدّعِي أن العدوان على سوريا يستهدف مصالح إيران وحلفائها.
من جهة أخرى ورغم مُراوغات نظام تركيا برئاسة رجب طيب أردوغان، توطّدت العلاقات العسكرية والتّجارية مع الكيان الصهيوني، وأوصت دراسة حكومية صهيونية بالبحث دائمًا عن الثّمن الأَرْخَص للمحافظة على توازن العلاقات مع روسيا وأوكرانيا، بالتوازي مع تعزيز التقارب مع تركيا لأنها عُضْو مُهِمّ في حلف شمال الأطلسي، ولأنها دولة مهمة وفاعلة في سوريا وفي منطقة البحر الأبيض المتوسّط، فضلا عن تعزيز التطبيع والتعاون مع الدول العربية، من المغرب إلى دُوَيْلات صهاينة الخليج، والمحافظة على العلاقات الوِدِّيّة مع روسيا لضمان موافقتها الضمنية على اختراق المجال الجوي السوري وتنفيذ غارات جوية ضد أهداف عسكرية ومدنية في سوريا، بحسب موقع صحيفة "جروزاليم بوست" (27/02/2022)...
يقيم الكيان الصهيوني علاقات دبلوماسية واقتصادية قوية مع روسيا كما مع أوكرانيا وجورجيا والعديد من دول الإتحاد السوفييتي السابق، وخصوصًا دول آسيا الوُسطى التي تتزوّد منها بالنفط مقابل السّلاح.
تعود علاقات الحركة الصهيونية، ومن ثم الكيان الصهيوني مع روسيا إلى فترة الإتحاد السوفييتي الذي انقلب موقفه، خلال فترة قصيرة، من داعم لحركة التّحرّر الوطني الفلسطيني ضد الإستعمار البريطاني وضد الحركة الإستعمارية الإستيطانية الصهيونية، إلى مُعترف (بِسُرْعة عجيبة) بإنشاء دولة صهيونية في وطن الفلسطينيين، سنة 1948، أي الإعتراف بشرعية الإحتلال والضرب عرض الحائط بمواقف الأُمَمِيّة الشيوعية الثالثة (التي وقع حَلُّها، سنة 1943، في ذروة الحرب العالمية الثانية)، من دعم للإضراب العام للعمال وللشعب الفلسطيني، سنة 1929، ودَعْم ثورة 1936 - 1939، ولم تنقطع العلاقات بين الإتحاد السوفييتي والكيان الصهيوني، رغم توتّرها وتعكيرها إثر العُدوان الثلاثي ( بريطانيا وفرنسا والكيان، سنة 1956) وإثر عدوان حزيران 1967، وتميزت مواقف الأحزاب الشيوعية العربية التقليدية بالتّبَعِية المُفْرِطَة، فاصطَفّت وراء موقف الدّولة السوفييتية من القضايا العربية.
كان الشعب الفلسطيني من أكبر المُتضَرِّرِين من انهيار الإتحاد السوفييتي، سنة 1991، حيث هاجر نحو مليون سوفييتي، ناطقين بالرُّوسية، من يهود وغير يهود، لكنهم من ذوي الكفاءة العِلْمِية والخِبْرة، فعزّزوا استيطان أراضي ووَطَن الشعب الفلسطيني، ودعموا مؤسسات اإحتلال في مجالات البحث العلمي والتقني، وساهمَ هؤلاء الصهاينة من أصل سوفييتي (روسيون وأوكرانيون وغيرهم) في تعزيز العلاقات بين الكيان، ودول الإتحاد السوفييتي السابق، ويحظى حاملو الجنسية "الإسرائيلية" بميزة الدّخول إلى روسيا بدون تأشيرة، بينما لا تسمح لهم الولايات المتحدة بذلك، ويُقَدّرُ عدد اليهود الأوكرانيين الذين يحاول الكيان الصهيوني ترحيلهم، مُستغِلاًّ فترة الحرب، بنحو مائتَيْ ألف، فيما يُقيم بأوكرانيا حوالي ثمانية آلاف شخص يحملون الجنسية "الإسرائيلية"، منهم مُدرّبون عسكريون وفَنِّيُّون يدعمون الجيش ومليشيات اليمين المتطرف بأوكرانيا...
لنعرف موقعنا، كعرب، من هذه الحرب، وجبت مراجعة الوقائع التاريخية والإطلاع على الحد الأدنى من المعلومات المُتاحة:
شكّلت أوكرانيا وروسيا خزّانًا للهجرة اليهودية إلى فلسطين ولتعزيز الكيان الصهيوني وحركة استعمار واستيطان فلسطين، وما فتئت علاقات أوكرانيا تتعزز مع الكيان الصهيوني، خصوصًا بعد الإنقلاب اليميني الذي دبّرته الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، سنة 2014، ضد الرئيس المنتخب، قبل عامَيْن (والفاسد أيضًا) "فيكتور يانكوفيتش" الذي رفض انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، وتم استبدال الحكومة والبرلمان بعناصر من مجموعات يمينية متطرفة مثل حزب "سفوبودا" و"القطاع الأيْمن"، وهي سليلة المجموعات التي ساعدت جيش ألمانيا النازية على احتلال أجزاء واسعة من الإتحاد السوفييتي، خلال الحرب العالمية الثانية، وأشْرفت وكالة الإستخبارات الأمريكية على تدريب هذه المليشيات الفاشية، كما موّلت الولايات المتحدة، بواسطة وكالة التعاون والتنمية الدولية "يو إس آيد"، العديد من المنظمات العميلة لها والمُتصَهْيِنة التي تُحْيِي ذكرى القادة الصهاينة من مواليد أوكرانيا، منهم رئيسة وزراء العدو، "غولدا مائير" ( 1898 - 1978 ) و "زئيف جابوتنسكي" ( 1880 - 1940 ) وهو من أكثر الزعماء الصهاينة تطرُّفًا، وساهمت هذه المجموعات في فَرْض عميل أمريكا، اليميني المتطرف "بترو بوروشينكو"، الذي ردّ الجميل بتطهير الإدارات الحكومية من التّقدّميين واستبدالهم برجال أعمال صهاينة وبموظفين سامين من أنصار الكيان الصهيوني وحلف شمال الأطلسي، ولما عصفت به الأزمة التي أدّت إلى استعدة روسيا أراضيها الحدودية، أتت الإنتخابات (المُوَجّهة بالمال والإعلام) إلى انتصار "فولوديمير زيلينسكي" (نيسان/ابريل 2019) الذي يدعمه إعلام وشركات إنتاج السينما والتلفزيون المملوكة للأثرياء الصهاينة، مثل "إيغور كولوموسكي" الذي يمتلك العديد من محطات البث التلفزيوني، والمُتّهم بالفساد وغسيل وتهريب الأموال، ومنذ 2019 أصبح رئيس الوزراء وما لا يقل عن أربعة من الوزراء من الصهاينة المعروفين بالدعم غير المشروط للكيان الصهيوني، ومن المُعادين لروسيا ولسكان أوكرانيا الناطقين بالروسية، وتكثف التعاون العسكري مع الكيان الصهيوني، وأصبحت المخابرات الصهيونية تُشرف على حماية الرئيس الأوكراني الذي فتح الباب أمام الأثرياء من اليمين المتطرف ليُسيْطروا على قطاعات التجارة والمال والصناعات الحربية وقطاعات المعادن، وتجارة الحبوب، فضلاً عن ما لا يقل عن ثمانية آلاف صهيوني (من حاملي جوازات السّفر "الإسرائيلية") يعملون، سرًّا أو علانية، في قطاعات حسّاسة في أوكرانيا...
ما ذكرناه عن نفوذ الأثرياء الصهاينة في أوكرانيا ومُعاداتهم لروسيا، لن يُغَيِّرَ من حسابات النظام القائم في روسيا، بشأن أهمية مليون روسي مُستعمِر لفلسطين، وبشأن العلاقة مع الأثرياء الصهاينة، ولن يُثْنِيَهُ عن دعم الكيان الصهيوني ضد مصالح العرب وضد إيران...
بخصوص المُقارنة بين الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى، نورد، مقتطفات من وثيقة صينية، ومن تصريح صحفي لمعمر القذافي.
أعلنت وزارة الخارجية الصينية، يوم 26 شباط/فبراير 2022، أن الولايات المتحدة تُشكّل أكبر تهديد حقيقي، وليس افتراضي أو مُحتَمَل، للعالم، ونشرت بالمناسبة قائمة تحتوي 33 عدوانا عسكريا أمريكيا على دول مستقلة، بين 1950 و 2014 وأسماء عشرين دولة عانت من تدخّل الإمبريالية الأمريكية في شؤونها الدّاخلية...
لا تردّ الولايات المتحدة بالحُجّة والمنطق على خُصُومها، بل تتهمهم بالجنون، وهي "التّهمة" التي وجّهها الإعلام الأمريكية (وتوابعه في كندا وأستراليا وأوروبا، وإعلام صهاينة النفط بالخليج العربي) إلى صدّام حسين وإلى رئيس كوريا الشمالية وإلى العقيد معمر القذافي، وكان هذا الأخير قد أدْلى بتصريح صحفي، يوم 14 آب/أغسطس 2009، يُحَذِّرُ من تَوَسُّعِ حلف شمال الأطلسي (ناتو) نحو الشرق، وضَمّ جمهوريات الإتحاد السوفييتي المُنحَلّ، ما يشكل خطرا مباشرا على مصالح وأمن روسيا، وذلك تعليقًا على زيارة أدّاها إلى أوكرانيا التي تسعى حكومتها إلى الانضمام الى حلف شمال الأطلسي، واعتبر القذّافي أن الحلف لا يضمن أمن هذه الدّول التي تلهث وراء "الناتو"، وأن للقلق الروسي ما يُبَرِّرُهُ...
تعرّضت روسيا، كما الصّين إلى محاولات أوروبية لاحتلالها، منذ القرن التاسع عشر، وهَزمت روسيا نابليون بونابرت، كما هزم الإتحاد السوفييتي الجيش الألماني النازي، ودحره الجيش الأحمر من ستالينغراد إلى برلين (حوالي ثلاثة آلاف كيلومترًا) بدون أي مُساعدة، وحَرّر الجيش السوفييتي المُعتقَلين بالمُحتشدات الألمانية، وكان ذلك الهجوم السوفييتي المُعاكس سببًا مُباشرًا في هزيمة ألمانيا...
لا يمكن مُقارنة الإتحاد السوفييتي بروسيا التي يمكن وصف حُكمها الحالي بتحالف طَبَقِي رأسمالي، قَوْمي شوفيني، لولا ننتظر أن يقوم أي نظام رأسمالي (بما في ذلك نظام الصين أو روسيا) بمساندة الشعوب على أُسُسٍ مَبْدَئِيّة، فقضية فلسطين أو غيرها هي قضية الشعب الفلسطيني أولاً والشعوب العربية ثانيا والقُوى التقدّمية والثورية العالمية ثالثًا، ولا يجب انتظار أي مُساعدة "مجانية"، فالصين أو روسيا تحكمها أنظمة رأسمالية تعمل على خدمة مصالحها الطبقية والقومية، وتطلب مُقابلاً لكل سلعة أو خدمة، ولا ننتظر من روسيا تحرير سوريا من الإحتلال الأمريكي والأطلسي، بل بعدم الطّعن في الظّهر وعدم التّآمُر مع الكيان الصهيوني...
*****
مصير شعب أوكرانيا بيد تُجّار الحُرُوب والفِتَن 22 شباط/فبراير 2022

لما استهدف الكيان الصهيوني حاويات السّلع بميناء اللاذقية السُّوري، مَرّتَيْن خلال أقل من أربعة أسابيع (كانون الأول/ديسمبر 2021)، لم يجتمع مجلس الأمن ولم تُنَدّد حكومات ووسائل إعلام دول حلف شمال الأطلسي بمثل هذا العدوان الذي يتكرر باستمرار، في وسط وغرب سوريا وفي محيط العاصمة دمشق، بل تدعم الولايات المتحدة وبعض حكومات أوروبا علنًا هذه العَرْبَدَة وهذا العدوان المستمر، بذريعة دفاع الكيان الصهيوني عن النّفس، ويتجَنّدُ الإعلام لإعادة نَشْر تقارير الإستخبارات الأمريكية عن هجوم مُحتمل، لم يحْصُل بَعْدُ، للجيش الروسي ضد أوكرانيا، وتُعَدُّ هذه الفقرات، التي تستند إلى برقيات وكالات الأخبار، محاولة لتحديد أهم المستفيدين من هذا التّجْيِيش، ضد روسيا والصين...
أكدت فنلندا، في 11 شباط/فبراير 2022 ، شراء 64 طائرة مقاتلة من طراز F-35 من صنع شركة لوكهيد مارتن العابرة للقارات، ذات المنْشَأ الأمريكي، والمتخصصة في صناعة الأسلحة، وبلغت قيمة الصفقة الفنلندية 9,4 مليارات دولار، ويتزامن الإعلان عن شراء هذه الطائرات مع التوترات بين روسيا والولايات المتحدة بشأن أوكرانيا، ولئن لم تكن فنلندا ، التي تشترك في حدود 1300 كيلومتر مع روسيا، عضوًا رسميا مُعلَنًا في الناتو، فهي "شريك متميز" لحلف شمال الأطلسي. كما أعلنت بولندا، جارة أوكرانيا، يوم الجمعة 18شباط/فبراير 2022، عن توقيع عقد لشراء دبابات أمريكية من نوع "أبرامز" بمبلغ ستة مليارات دولار، وتشمل الصّفقة أيضًا شراء 26 دبابة إصلاح وصيانة، ومئات من الآليات الثقيلة، ومدافع، وعتاد وألغام، وعبوات ناسفة وآلاف الذخائر والمعدات الأخرى، بحسب وكالة فرانس برس (18/02/2022).
في آسيا، وفي علاقة مباشرة بالتوترات الأمريكية الصينية، وقعت إندونيسيا عقدًا مع شركة "داسو للطيران" (فرنسا) لشراء ست مقاتلات رافال، كجزء من صفقة أكبر، بقيمة ثمانية مليارات دولار لشراء 42 طائرة، كما أعلنت الولايات المتحدة موافقتها على صفقة لبيع 36 طائرة إف -35 لإندونيسيا بمبلغ 14 مليار دولار، وفي نفس اليوم عقد في العاصمة جاكرتا اجتماع الجانب المالي لمجموعة العشرين، حيث أعلن الرئيس الإندونيسي، "جوكو ويدودو"، في خطابه الافتتاحي "إن الصراع في أوكرانيا قد يهدد انتعاش الاقتصاد العالمي"، ودعا دول مجموعة العشرين، بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة والصين، إلى إنهاء الخصومات والتوترات، والعمل معًا للمساعدة في التعافي الاقتصادي.
بين العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2021 - وهو التاريخ الذي طلبت فيه واشنطن تفسيرات من روسيا بشأن "تحركات غير عادية" للقوات الروسية على الحدود الأوكرانية - ويوم الجمعة 18 شباط/فبراير 2022، انخفضت المؤشرات الرئيسية للبورصة، ففي الولايات المتحدة، خسر موشر إس أند بي 500، نحو 7,2 % وداو جونز 6,2%، كما انخفض مؤشر نيكاي 225 (اليابان) بنسبة 7,4% ، وانخفض مؤشر كاك 40 (فرنسا) بنسبة 1,6%...
خلافًا لهذا التدهور شبه الشّامل للأسواق، التي تأثرت أيضًا بموجة متغير "أوميكرون" لوباء كوفيد-19، بدَتِ الشركات المتخصصة في صناعة وبيع الأسلحة في حالة جيدة، حيث ارتفعت قيمة أسهم شركة لوكهيد مارتن يوم الجمعة 02/18/2022 بنسبة 14,3% مقارنة مع يوم العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2021، وبلغت الزيادة نسبة 6,4% في جنرال دايناميكس، و 4,8% في BAE Systems ، في حين ارتفعت أسهم شركة "داسو للطيران" الفرنسية بنسبة 20,4%، وقياسًا على ذلك، ارتفعت مؤشرات الشركات الأمريكية الأخرى، بقطاع الأسلحة، مثل "رايثون تكنولوجيز" بنسبة 3,5% أو "نورثروب غرومن"، بنسبة 7,3%...
تسمح بيئة التهديد بالصراع، بتبرير وزيادة الضغوطات الامريكية على أعضاء حلف الناتو لزيادة الإنفاق العسكري، حتى في حالة عدم وجود غزو روسي، وتُتِيح بذلك انتعاش سوق الأسلحة، وتعزيز الهيمنة الأمريكية، ما يعود بالفائدة على شركات الأسلحة الكبيرة، الأمريكية خصوصًا، وبعض الشركات الأوروبية (منها شركات بريطانية)، بحسب ما نقلته وكالة "رويترز"، يوم الخميس 17/02/2022، عن محللين في مصرف بيرينبرغ الألماني.
قدّرت دراسة "آفاق صناعة الطيران والفضاء 2022" التي أجرتها شركة " ديلويت"، قيمة الإنفاق العسكري العالمي بنحو 1980 مليار دولار سنة 2020، استنادًا إلى أحدث البيانات التي نشرها المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم، ومن المتوقع أن تزيد هذه النفقات بنحو 2,5% سنة 2022، وبالتالي زيادة أرباح أسلحة شركات تجارة القتل، العابرة للقارّات.
بعد إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، مساء الاثنين (21/2/2022) ، الإعتراف بالمناطق ذات الأغلبية الروسيية، التي أعلنت انفصالها عن أوكرانيا، وإرسال قوات إلى هذه المناطق التي استهدفت للقصف الأوكراني، نددت حكومات دول الحلف الأطلسي، ومن يدعمها، بالقرار الروسي، وأعلنوا بصوت واحد وبشكل مُتَزامِن، فرض عقوبات، في حين اجتمع مجلس الأمن الدولي بشكل عاجل خلال الليل، لدراسة الوضع (وهو ما يحصل بعد الإعتداءات الصهيونية المتكررة)، وفي الحين، تراجعت الأسواق المالية الآسيوية خلال الليل من يوم الاثنين 21 إلى الثلاثاء 22/02/2022. في اليوم التالي (الثلاثاء 22/02/2022)، كانت أسواق الأسْهُم الأوروبية "في المنطقة الحمراء"، منذ الإفتتاح، بعد انخفاضات أسواق آسيا خلال الليل، وكانت المؤشرات الرئيسية في أوروبا في حالة تراجع منذ أيام، بسبب خطر نشوب صراع في أوكرانيا، وتراوح خسائر البورصات الأوروبية بين 1% و 2,1%، خلال الحصّة الصباحية ليوم الثلاثاء 22 شباط/فبراير 2022...
في ألمانيا، حيث توجد أهم القواعد العسكرية الأمريكية بأوروبا، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز، الثلاثاء 22/02/2020 تعليق ترخيص خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الذي يربط روسيا بألمانيا، كما أدت التوترات حول أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الطاقة، فارتفع سعر النفط، صباح الثلاثاء 22/02/2022، بأكثر من 2%، وأصبح يقترب من 100 دولار لبرميل خام برنت، كما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي بنسبة 8,9%، ما يُؤثِّرُ سلْبًا في ميزانية الأُسَر الأوروبية، وعمومًا تؤثر هذه الزيادات في أسعار النفط والغاز على أوروبا، ولكن تأثيرها ضعيف على الولايات المتحدة، التي تنتج ما يكفيها من الغاز، بل تُصدّر منه إلى آسيا وأوروبا، ولا تستغل الولايات المتحدة كافة حقول النفط الموجودة بأراضيها...
في بداية جلسة "وول ستريت" صباح الثلاثاء (22/02/2022) ، كانت المؤشرات سلبية، مع خسائر تجاوزت 2% لمؤشر ناسداك.
تُظْهِرُ البيانات السّابقة (وهي غَيْضٌ من فَيْضٍ) أن الولايات المتحدة، التي بلغت ديونها ثلاثين تريليون دولارا ( لن تُسَدِّدَها)، هي الإمبريالية المُهَيْمِنَة، بسبب قوتها العسكرية، وانتشارها في ثمانمائة قاعدة عسكرية، وارتفاع ميزانيتها الحربية المُعلنة، سنة 2022 إلى حوالي 753 مليار دولارا، على حساب قطاعات أخرى، وإنها دولة تُقدّم مصالح مُجمّع الصناعات العسكرية على مصلحة القطاعات الأخرى، وعلى مصلحة الحُلفاء من حلف شمال الأطلسي أو من خارجه، وإن الولايات المتحدة تفتعل استمرار التّوتّرات مع المنافسين (الصين وروسيا) وتضغط على الدّول التي لم تستطع الهيمنة عليها بصفة كُلِّية، وتحتل دُولاً أخرى، أقل قُوّةً وتسليحًا، وذلك كشكل من أشكال مراقبة العالم، وحل المشاكل والأزَمات الإقتصادية والإجتماعية الأمريكية (الدّاخلية) بافتعال التوتر وبشن الحُرُوب بشكل مُستمر، فيما يلعب الإعلام دَوْرَ الدّاعية لحث العاملين والفُقراء على دعم الرأسمالية الأمريكية المُعَوْلَمَة، بذريعة الدّفاع عن مصالح الأُمّة وبذريعة الدّفاع عن الحُرّيات والدّيمقراطية، وما إلى ذلك من المُغالطات...
قدّرت مجلة "جاكوبين" الأمريكية (آب/أغسطس 2021) حصة الولايات المتحدة بنسبة 37% من تجارة الأسلحة بالعالم، حيث بلغت قيمة عُقود بيع السلاح الأمريكي إلى الخارج، خلال السنة المالية 2020، أكثر من 175 مليار دولار، واشترت السعودية نحو رُبُع هذه الأسلحة، فيما بلغ نصيب الكيان الصهيوني أكثر من 440 مليون دولارا، سنة 2020 و 735 مليون دولارا، سنة 2021، فضلاً عن المنحة العسكرية المَجانية السنوية بقيمة 3,8 مليار دولارا، ويُعتَبَرُ الجيش الأمريكي من أكبر المُساهمين في تلوث المُحيط، بسبب استخدام الغازات السامة، خلال الحُروب العدوانية، والقضاء على النباتات والغابات، وهو أكبر مستهلك صناعي للنفط والغاز (الطائرات والبوارج الحربية والدبابات وتعدّد المناورات العسكرية...)، بين سنتَيْ 2001 و 2019، بحسب تقرير نشرته جامعة "براون"...
*****
حلف شمال الأطلسي، حلف عُدْواني أمريكي 23/02/2022

كان "جوزيف بايدن" يشغل منصب نائب الرئيس باراك أوباما (من 2009 إلى 2017)، من الحزب الديمقراطي، ومنذ كانون الثاني/يناير 2021، أصبح "جوزيف بايدن" رئيسًا للولايات المتحدة، بدلا من "دونالد ترامب"، من الحزب الجمهوري.
قد تختلف سياسة الحِزْبَيْن الأمريكيّيْن بشأن العديد من القضايا الدّاخلية، في حُدُود "الثّوابت" التي تجمع الحِزْبَيْن، فضلاً عن اتفاقهما بشأن المكانة المُهَيْمِنة للإمبريالية الأمريكية في النظام الاقتصادي العالمي، رغم الإختلاف بشأن أشكال وأدوات الهيمنة التي بدأت تهتزُّ أركانها، بفعل منافسة الصّين، لكنها ليست مهددة في المدى القصير، لذا فإن انتقال السلطة الأمريكية (الرئاسة والأغلبية البرلمانية) من رئيس إلى آخر، ومن حزب إلى آخر، لن يُشكّل قطيعة، ولن يتغيّر جوهر السياسة الخارجية، بل "بَشَّرَ " الرئيس بايدن مُجَمّعَ الصناعات العسكرية "بعودة الولايات المتحدة لقيادة العالم"، وادّعى بايدن أن ذلك يعني "العودة إلى الوضع الطبيعي"، ربما بعد إعادة النّظر في بعض التكتيكات والخطط، ويُشكّل الإنسحاب الرسمي من أفغانستان، بندًا من بُنود إعادة انتشار القوات العسكرية الأمريكية التي تعتدي أحيانًا باسم أو بغطاء حلف شمال الأطلسي، ولن يتغير جوهر السياسات الدّاخلية، لأن الولايات المتحدة تقُود النظام الرأسمالي، المبني على الإستغلال الفاحش وعلى الميْز بين مختلف شرائح الطبقة العاملة والفُقراء، لتحقيق القدر الأكْبَر من الأرباح، ولنفس الغرض، تعمل الإمبريالية الأمريكية على زعزعة استقرار بعض الدّول، في أمريكا الجنوبية وآسيا وإفريقيا، وحتى في أوروبا، وعلى شن الحُرُوب للهيمنة على ثروات ومواقع بعض البلدان، كما لتصريف إنتاج الصناعات الحربية، ولردْع المنافسين، وأهمّهم روسيا والصّين...
يُشكّل حلف شمال الأطلسي أداة تُهيمن عليها الإمبريالية الأمريكية، وتستخدمها لخدمة أهدافها كدولة، ولِإجبار البلدان الأعضاء (الحُلفاء ) على شراء الأسلحة الأمريكية.
أسّست الولايات المتحدة "حلف شمال الأطلسي" (ناتو) سنة 1949، لاحتواء الإتحاد السّوفييتي الذي تمكّن بجهود أبنائه، دون مُساعدة، من تحرير أراضيه ومن تحرير أوروبا الشرقية والوُسطى، من الإحتلال الألماني النازي، وبرّرت الولايات المتحدة إنشاء الحلف ب"دَرْء التهديد الذي تشكله الكتلة الشرقية على العالم الحر"، و"العالم الحُر" هو النظام الرأسمالي العالمي، ما اضطر الاتحاد السوفييتي، بعد أكثر من ست سنوات، إلى إنشاء التحالف العسكري المعروف باسم "حلف وارسو"، سنة 1955، ولئن انحَلَّ حلف وارسو بانهيار الإتحاد السوفييتي، فإن الإمبريالية الأمريكية عزّزت حلف شمال الأطلسي، بِدُوَلٍ لا تقع على المحيط الأطلسي، بل في شرق أوروبا وفي أماكن أخرى عديدة من العالم، وخصوصًا على حدود روسيا والصين، وتغيرت عقيدة حلف الناتو الذي ينص قانونه الأساسي على عدم التدخل سوى في حالات العُدْوان المُؤَكّد على أحد أعضائه، ما سَبّبَ أزمات عديدة، آخرها الأزمة الحالية بأوكرانيا، على حدود روسيا، وروّجت الولايات المتحدة وحلفاؤها أن روسيا بصدد الإستعداد لغزو أوكرانيا، فاضطر الرئيس الأوكراني إلى طلب التهدئة، وتندرج "أزمة أوكرانيا" ضمن مشروع تطويق روسيا والتنكّر للالتزامات التي تعهدت بها الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، قُبَيْل انهيار الإتحاد السّوفييتي، من عدم توسيع حلف "ناتو"...
تُشير الوقائع إلى انضمام جميع دول أوروبا الشرقية إلى الاتحاد الأوروبي، وإلى حلف شمال الأطلسي، بما فيها الدول المُجاورة أو القريبة من روسيا، من دُوَيْلاَت البلطيق إلى بولندا، مرورًا برومانيا والمجر وبلغاريا، واضطرت روسيا، سنة 2008 إلى الرّد بحزم على الإستفزازات الأمريكية انطلاقا من جورجيا التي أصبحت رأس جسر عسكري أمريكي/أطلسي. أما في أوكرانيا فقد نظّمت الولايات المتحدة الأمريكية، سنة 2014، انقلابا بمشاركة المليشيات اليمينية المتطرفة، التي ورثت تقاليد التعاون مع الإحتلال النازي، مع تغيير إسم المُحتل، من ألمانا إلى الولايات المتحدة، وأدّت تلك الأحداث إلى إزاحة الرئيس والبرلمان المنتخَب، كما أدّت إلى إعلان انفصال المناطق ذات الغالبية الناطقة بالروسية في شرق البلاد، بسبب ما كان يستهدف ساكنيها من قمع ومَيْز، وهي مناطق كانت تابعة لروسيا، قبل تأسيس الإتحاد السوفييتي...
بعد انهيار الإتحاد السوفييتي، أصبح حلف شمال الأطلسي لا يُدافع عن أعضائه، بل يُهاجم ويُدَمِّرُ ويُقسِّمُ دولاً بعيدة عن المحيط الأطلسي، مثل العراق، سنة 1991 و 2003، والصومال في بداية تسعينيات القرن العشرين، ويوغسلافيا، سنة 1999، وأفغانستان سنة 2001، وليبيا وسوريا، سنة 2011، ثم اليمن ودول أخرى في إفريقيا، بذريعة مكافحة الإرهاب، أو بذرائع أخرى مثل "نشر الدّيمقراطية"، بالقوة والتّدمير والإغتيال...
يتمثل دور حلف شمال الأطلسي في الدّفاع عن مصالح ومخططات الولايات المتحدة، العضو المُهَيْمن على الحلف وعلى العالم، وأدّت هذه الهيمنة إلى عَسْكَرَة الدّبلوماسية الأمريكية، والسياسات الخارجية لأعضاء الحلف، لذلك وجبت المُطالبة بحَلّ حلف الناتو، لأنه لا يُساهم في حل الخلافات بالطرق الدبلوماسية، بل هَمّشَ دَوْر الأمم المتحدة ( رغم الهيمنة الأمريكية عليها) وحَوَّلَ العالم إلى ساحة معارك، بإشراف الإمبريالية الأمريكية، لتقويض سيادة الدّول وإرادة الشعوب...
*****
بإيجاز
عن الحرب الدائرة في شرق أوروبا 26/02/2022

لم يتم حَلّ حلف شمال الأطلسي (ناتو) بعد انهيار جدار برلين (1989) ثم انهيار الإتحاد السوفييتي (1991)، بل ازداد نفوذ الحلف العسكري "الغربي" ليضُمّ أربعة عشر دولة من أوروبا الشرقية، لِاَرْبعة منها حدود مع روسيا، ومنذ 2008، بدأت مفاوضات لضَمّ أوكرانيا التي لها حدود يفوق طولها أربعمائة كيلومترا مع روسيا، وكثّف حلف شمال الأطلسي من المناورات العسكرية قريبًا من روسيا، في دُويلات البلطيق وبولندا، وفي البحر الأسود، أي في المجال الحيوي الروسي، فضلاً عن تعزيز البُنية التحتية العسكرية للحلف في أوروبا الشرقية، من مطارات وقواعد عسكرية ومحطات أنظمة الصواريخ، وسفن حربية، ونشر قوات التدخل السريع، وبالخصوص منذ سنة 2014، خلال رئاسة باراك أوباما...
تمكّنت الولايات المتحدة من دَفْع روسيا نحو حرب لم تَخْتَرْ توقيتها، واضطر نظام روسيا (وهو نظام قومي وشوفيني) إلى الدفاع عن الأمن القومي الروسي، والرّد على تسلل حلف شمال الأطلسي (ناتو) إلى حُدُودِهِ، وقد تكون هذه الحرب إعلانًا لهيمنة رأسمالية (على العالم) مُتعدّدة الأقطاب، أهمها القطب الصيني الروسي في مقابل القطب الأمريكي، كما أوْضحت الحرب في أوكرانيا ضعف وهشاشة الإتحاد الأوروبي وتذيُّلِه للولايات المتحدة، رغم تناقض مصالحه هنا مع مصالحها، حيث تتضرر الشركات الأوروبية من الحصار والعقوبات ضد روسيا، كما تضررت الشركات الأوروبية من فرض عقوبات على إيران والعراق وسوريا وليبيا وغيرها...
بدأت الشركات العسكرية الأمريكية تجني أرباحًا هائلة مع ارتفاع صادراتها من الأسلحة (طائرات ودبابات ومنظومات صواريخ) نحو أوروبا وخصوصا دول أوروبا الشرقية (بولندا ودويلات البلطيق ورومانيا وبلغاريا...)، ولشركات المحروقات التي تأمل زيادة صادرات الغاز الصّخري الأمريكي نحو أوروبا التي تتزود بالغاز الطبيعي من روسيا.
تُعتَبَرُ كل من روسيا وأوكرانيا من أهم مُنتجي ومُصدّري الحبوب، وتُقدّر قيمة صادرات أوكرانيا من القمح بنحو 3,5 مليارات دولارا، سنويا، تجني حوالي 40% منها من الوطن العربي، وهي (مع روسيا) من أهم منافسي أمريكا الشمالية وأوروبا، وارتفعت أسعار القمح في الأسواق العالمية، يوم 24 شباط/فبراير 2022، من 316 يورو إلى 344 يورو للطن الواحد، خلال بضع ساعات، وتمتلك أوكرانيا (ثاني أكبر دولة أوروبة من حيث المساحة، بعد روسيا) مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية الخصبة، وتُقَدّر صادراتها بنحو 20% من الصادرات العالمية للذرّة والكولزا، و50% من الصادرات العالمية لعباد الشمس، واستفادت، زمن الإتحاد السوفييتي، من استثمارات ضخمة في الصناعة وفي التعليم وتدريب وتأهيل الفنّيّين والخُبراء، وتمتلك احتياطي ضخم من المعادن، وكميات أقل من المحروقات (النفط والغاز والفحم)، وجعل الإتحاد السوفييتي من أوكرانيا دولة ذات قُدرات صناعية وتقنية هائلة، وهي حاليا من أهم المنتجين للمعادن ولصناعة التجهيزات المعدنية في العالم، كما تمتلك قاعدة صناعية عسكرية هامة، وتنتج وتُصدّر محركات الطائرات ووسائل النقل، والدّبابات، وتوربينات محطات الطاقة، بما فيها الطاقة النّوَوِيّة، لكن تحولت أوكرانيا، من قاعدة صناعية ضخمة ومتطورة، ومستوى عيش مرتفع، زمن الإتحاد السوفييتي، إلى إحدى أَفْقَر دول أوروبا، بدرجة عالية من فساد الإئتلاف الحاكم والرأسمالية المحلية، ونصيب منخفض للفرد من الناتج المحلي الإجمالي، مع ارتفاع معدّلات الفقر، وتحتل الرتبة 74 في مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة...
تُعتَبَرُ روسيا أكبر منتج عالمي لمعدن اللليثيثانيوم" الذي تعتمد عليه صناعات الطيران، وتبلغ صادرات روسيا نحو ثُلُث الصادرات العالمية من هذا المعدن الذي تستورده صناعة الطيران الأوروبية من روسيا التي وقّعت عُقودًا طويلة الأمد مع شركات عالمية مثل "إيرباص" الأوروبية أو بوينغ الأمريكية...
أدّت الحرب، خلال يومَيْن إلى ارتفاع أسعار المحروقات (النفط والغاز) في الأسواق العالمية، وخاصة في أوروبا، وفي أسعار الألمومنيوم والنيكل، فضلا عن أسعار الأسمدة والحبوب (القمح والذّرّة) المستخدمة في صناعة الخبز (القمح اللّيّن) والعجين (القمح الصلب) ومشتقاتها التي تؤثر على أسعار علف الحيوانات وبالتالي على أسعار اللحوم والألبان ومشتقاتها، وارتفعت أسعار بذور اللفت (السّكّري) وزيت عباد الشمس ، الذي تسيطر أوكرانيا وحدها على أكثر من نصف الإنتاج العالمي منه...
يُشكّل الذّهب ملاذًا آمنا للمستثمرين (أي الأثرياء)، وأدّى ىانطلاق الحرب إلى ارتفاع سعر أوقية (أونصة) الذهب إلى 1974 دولارًا، يوم الخميس 24 شباط/فبراير 2022، وهو أعلى مستوى منذ أيلول/سبتمبر 2020، وتنتج روسيا أكثر من 330 طنا سنويا، ونحو ألف طنا من الفضة، أو ما يعادل نحو 10% من الإنتاج العالمي للذهب كما للفضة، سنويا...
*****

حرب أوكرانيا، من منظار اقتصادي 27/02/2022

قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، كان الاقتصاد الأوكراني يمثّل المنطقة الصناعية الأكثر ازدهارًا في الاتحاد، ومنذ تفكك الاتحاد السوفياتي وخاصة منذ سنة 2014، أصبح الوضع الاقتصادي في أوكرانيا كارثيًا، لتُصبح البلاد، في أقل من ثلاثين عامًا، واحدة من أفقر البلدان في أوروبا، وأصبح متوسط الدخل الفردي السّنوي، سنة 2020، أقل من الدخل الفردي للعام 1990، وفقًا للبنك العالمي، فقد بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، أقل قليلا من 16,5 ألف دولارا، سنة 1990 وكان أكثر من المتوسط العالمي بنسبة 70%، لينخفض سنة 2020 بنسبة 25% إلى أقل من 12,4 ألف دولارا سنويا للفرد، وهو مبلغ يَقِلُّ بنسبة 31% عن المتوسط العالمي، بينما ارتفع مستوى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الروسي بنسبة 23%، وأوروبا وآسيا الوسطى بنسبة 42% والعالم بنسبة 67%، لذلك أصبحت أوكرانيا في عداد الدول الفقيرة، رغم ثرواتها الفلاحية والمعدنية والصناعية، وأصبحت واحدة من 18 دولة في العالم انخفض فيها نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، إذ تقلص الناتج المحلي الإجمالي الأوكراني بنسبة 40% خلال ثلاثين عامًا، وهو خامس أسوأ أداء عالمي، وفقًا لأرقام صندوق النقد الدولي المنشورة سنة 2020، وعانى سُكّانها من انخفاض كبير في مستوى العيش، منذ سنة 1994 لما بدأت الحكومات المتعاقبة تطبيق شروط صندوق النقد الدولي، ونفذت عمليات خصخصة واسعة النطاق وألغت ضَبْطَ الأسعار، بينما استولت الأوليغارشية المحلية والأجنبية على ثروة البلاد، عبر تدمير الأداة الإنتاجية للبلاد، وتحولت ثمرة النهب والسرقات إلى قبرص أو الملاذات الضريبية الأخرى، في مقابل تراجع الإستثمارات من 17,5 مليار دولارا سنة 1990 إلى 14,8 مليار دولارا سنة 2008، بحسب البنك العالمي، وخفضت الدولة الإستثمارات العمومية، وارتفع حجم التصدير جراء الضغط على الرواتب وانخفاض حصة العمل، مقابل حصة رأس المال، فلا زيادة في الإنتاجية ولا إعادة توزيع، حيث يتحكم صندوق النقد الدولي في عائدات الصادرات منذ عام 2008، ولكنه أبْقَى على ارتفاع العجز في الميزانية وعلى معدل التضخم السنوي بنسبة فاقت 10% وعلى معدّل البطالة بنسبة 10,5% وعلى معدل الفقر بنسبة 20%، ما أدّى إلى ارتفاع عدد المهاجرين والمهاجرات إلى البلدان المجاورة، بحثا عن شُغْل، وإلى انخفاض كبير في عدد السكان تالذين هاجر منهم ما لا يقل عن 15%، في حين تصل نسبة الهجرة إلى 10% من حجم السّكّان في البلدان الفقيرة، كمصر أو المغرب أو تونس، وفقدت أوكرانيا بين سنتي 1990 و 2020، ما يقرب من ثمانية ملايين شخص، وانخفض العدد الإجمالي لسُكّانها من 51,9 مليون إلى 44,1 مليون نسمة، ويعمل المهاجرون الأوكرانيون برواتب منخفضة (بمن فيهم الأطباء والمهندسون)، بعد خصخصة الشركات الصناعية الكبرى التي تم تفليسها عنوةً، بسبب انتشار الفساد على نطاق واسع، ولا تزال موجة الخصخصة وإفقار السكان مُستمرة بإشراف صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لتصبح أوكرانيا "دولةً فاشلة"، يَسْهل إدماجها في مخططات الناتو العدوانية، بحكم حدودها الطويلة مع روسيا، لكن هذه الأطراف لا تستثمر في أوكرانيا، بل تُبْقِيها تحت رحمتها، وقَدَّرَ صندوق النقد الدولي، سنة 2020، أن الانتعاش الاقتصادي يتطلب استثمارات كبيرة لإعادة بناء البنية التحتية والأداة الإنتاجية، وزيادة إنتاجية العمل وتحقيق نمو سنوي لا يقل عن 7%، لعدة سنوات متَتالية، فيما قدرت دراسة أجراها معهد CEBR البريطاني ( نُشِرت يوم 12 شباط/فبراير 2022) ارتفاع الصادرات بنسبة 38% بين سَنَتَيْ 2015 و 2019، لكنها لم تصل إلى مستواها في سنة 2012، ومع ذلك ظَلَّ الميزان التجاري سلبيًا للغاية ( بنتيجة سلبية قدرها 8% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2019).
يُشرف صندوق النقد الدّولي، منذ العام 2014، على إدارة الاقتصاد الأوكراني، ويقرض الحكومة أموالاً بمعدل فائدة مرتفع للغاية يبلغ 8,5%، ولكن بدلاً من محاربة الفساد الذي تذكره كل تقارير الصندوق كعامل من عوامل كَبْح الإقتصاد، فرضَ الصندوق "استقلالية" المصرف المركزي، ليتمكّن السيطرة على احتياطيات العملة ( المُتأتّية من الصادرات وتحويلات المهاجرين الأوكرانيين في الخارج) وللمحافظة على استقرار العملة، وتسببت سيطرة صندوق النقد الدولي على الاقتصاد الأوكراني في خسارة يقدرها المعهد البريطاني ( CEBR ) بقيمة 280 مليار دولار بين عامي 2014 و 2020، كما فَرَضَ صندوق النقد الدولي خفض الإنفاق الاجتماعي من 20% سنة 2014 إلى 13% من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2020، مما أدى إلى ركود الأجور في القطاع العام، رغم ارتفاع معدل التضخم.
تُعَدُّ الزراعة إحدى نقاط القوة في الاقتصاد الأوكراني، إذ تمتلك البلاد نحو 25% من أخصب المساحات، المُسمّاة "الأرض السوداء"، في العالم، ولا يزال 14% من سكان أوكرانيا يعملون في الزراعة، وتُعدّ أوكرانيا أكبر منتج عالمي لزهرة الشمس (عباد الشمس)، لكن قيمة الإنتاج أو القيمة المضافة منخفضة جدًا، مقارنة بالمنتجين المنافسين، بسبب نقص الإستثمارات، واستغلّ صندوق النقد الدّولي مثل هذه الثّغرات (التي ساهم في تفاقمها) ليقترح (ليَفْرِضَ في الواقع) تنفيذ نسخته مما يسميه "إصلاح زراعي"، والتي لا تعدو أن تكون عملية خصخصة واسعة تُشَرِّعُ بيع الأراضي الخصبة للشركات متعددة الجنسيات، الأمر الذي سيؤدي إلى حرمان سبعة ملايين من صغار المزارعين الذين يطورون اقتصاد الكفاف، على عكس الملاك الكبار الذين يحتكرون أراضي الدولة ، ويُعَلِّلُ مستشارو صندوق النقد الدولي مقترحهم بأن "تحرير" حيازة الأراضي من شأنه أن يزيد الإنتاجية الزراعية من خلال تركيز وترشيد الإنتاج، وصادق نُوّاب البرلمان الأوكراني، في آذار/مارس 2020 ، على قانون خصخصة الأراضي، بعد إلحاح صندوق النقد الدولي، لكنهم رفضوا المُصادقة على بيع الأراضي للشركات الأجنبية، لأن أغلبية السّكّان تُعارض بشدّة مثل هذا القرار.
لن تُؤَدِّيَ خصخصة الأراضي الزراعية سوى إلى تركيز مِلْكؤيّة الأرض بين أيدي قِلّة ثريّة، قادرة على شراء مساحات كبيرة من الأراضي وعلى الإستثمار لاستغلالها، بذريعة زيادة المحاصيل الزراعية، ما يُفْضِي إلى مزيد من الهشاشة لسكان المناطق الريفية. أما المسألة الأساسية أو السؤال الأساسي فهو: أين سوف تتوجه عائدات العائدات المتزايدة؟ هل سَتُسْتَثْمَرُ في قطاعات أخرى من اقتصاد البلاد، أم ستذهب إلى الملاذات الضريبية؟
أدى تطبيق تعليمات صندوق النقد الدولي إلى زيادة معدل البطالة إلى أكثر من 10% من السكان النشطين، وإلى الهجرة الجماعية للأشخاص في سن العمل، وإلى إفقار وتهميش السكان الذين يعانون من الفقر. باختصار، أدى صندوق النقد الدولي إلى تفاقم الكارثة الاجتماعية من خلال تفضيله لمصالح الرأسماليين ومنع الدّولة من تنفيذ سياسات تخدم أغلبية فئات المجتمع.
إن الصراع الحالي، الذي أجّجَته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي ، لن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع الاقتصادي لسكان البلاد الفقراء، وسوف تُؤَجِّلُ هذه الحربُ أي احتمال لتحسين وضع الفُقراء من سُكّان المناطق الريفية والحَضَرية، لكنها ستفيد الشركات متعددة الجنسيات والمجمع الصناعي العسكري الأمريكي، وطبقة صغيرة من الأوليغارشية المحلية ..
*****
طبول الحرب في أوراسيا
حلف شمال الأطلسي، تهديد عسكري مستمر 07 شباط/فبراير 2022

ردّدت وسائل الإعلام الأمريكية، ومعها أوروبا واليابان وأستراليا، وإعلام صهاينة العرب وغيرهم، لعدة أسابيع مزاعم اقتراب موعد غزو عسكري روسي لأراضي أوكرانيا، بل نَشَرت وكالة "بلومبرغ"، وموقع صحيفة "نيويورك تايمز"، يوم السبت، الخامس من شباط/فبراير 2022، خبرًا زائفًا بعنوان "روسيا تَغْزُو أوكرانيا"، مرفوقًا بصورة فوتوغرافية، وهو سيناريو أعدّته وكالة الإستخبارلات المركزية الأمريكية، بشكل مُسبق، لنَشْرِه في حال احتداد الصراع الأمريكي الرّوسي، في عملية تضليل شبيهة بكذْبَة "أسلحة الدّمار الشّامل" بالعراق، وكانت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروف، قد دعت في ندوة صحفية، يوم الرابع من شباط/فبراير 2022، إلى ضرورة وقف الهستيريا الغربية ونشر المعلومات الباطلة والمزاعم حول نية روسيا بالهجوم على أوكرانيا، وقالت: " تهدف الحملة الإعلامية والسياسية للغرب إلى تلفيق أسطورة عن أعمال عدوانية روسية خيالية، وعن تهديد روسي مزعوم لأوكرانيا، وهي تصريحات مُخالِفَة لحقيقة الوضع على أرض الواقع، فروسيا لم تُهدّد ولم تُهاجم أراضي الغير، لكن يتم استخدام هذه التصريحات كذريعة لتكديس المزيد من المعدات العسكرية لحلف شمال الأطلسي (ناتو) بالقرب من الحدود الروسية، وربما للقيام بعمل استفزازي..."
تعمل الولايات المتحدة على بيع مزيد من الأسلحة لبلدان الخليج، بذريعة التّهديد الإيراني، ولبعض بُلدان آسيا بذريعة التّهديد الصِّيني، ولبلدان أوروبا الشرقية وآسيا الوُسطى (أو "الديمقراطيات الهَشَّة") بذريعة التّهديد الرّوسي، أما الأسلحة الأمريكية المتطورة فتُجْبِرُ الولايات المتحدة حلفاءها في "ناتو" على شرائها بأسعار مُرتفعة، خدمةً لِمُجَمَّع الصناعات العسكرية الأمريكية، بذريعة توحيد سلاح أعضاء الحِلف، وتوحيد معايير التّدريبات وتأهيل القيادات العسكرية، ما يُضيّق هامش استقلالية الإتحاد الأُوروبي (إن وُجِدَتْ رغبة في الإستقلال عن الإمبريالية المُهَيْمِنَة)، وما يجعل من مواقف الإتحاد مُطابقة لمواقف الإمبريالية الأمريكية، سواء بخصوص الكيان الصّهيوني أو الصّين أو روسيا أو أمريكا الجنوبية ومنطقة بحر الكاريبي...
أصبحت روسيا في حالة استنفار دائم، وفي وضع دِفاعي مُستمر، وأعلن النّاطق باسم الرئاسة الروسية: إن نَشْر وكالة "بلومبرغ" لهذا الخبر المُزَيّف "دليل على مدى خطورة التصريحات العدوانية لحكومات واشنطن ولندن وعواصم أوروبية أخرى، التي تَنْشُرُ جَوًّا من التّوتُّر ويمكن أن تُؤَدِّيَ إلى عواقب وخيمة"...
لا شَكَّ أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي صَمَّما هذا التّوتّر بهدف تعزيز وجودهما العسكري في أوروبا الشرقية، على حدود روسيا، وأوضحت الحكومة الروسية "إن السبب الرئيسي للتصعيد هو تصرفات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، اللذين يُغْرقان أوكرانيا بالأسلحة، ويُشجّعان حكومتها على استفزاز روسيا والقيام بمغامرات عسكرية..."
من جهته أكّد وزير خارجية أوكرانيا، يوم الإثنين 07 شباط/فبراير 2022، خبر زيادة حجم الدّعم السياسي والإقتصادي والأمْني والعسكري "الغَرْبِي" لحكومة بلاده "خلال الأشهُر الأخيرة" (بدون تحديد)، وتكثيف التّدريبات العسكرية، وحصُول الحكومة على "مُساعدات بقيمة 1,5 مليار دولارا، وعلى أكثر من ألف طن من الأسلحة، مُؤَكِّدًا بذلك صِحّةَ المعلومات التي نَشَرَتْها صحيفة "وول ستريت جورنال الأمريكية"، بتاريخ 06 شباط/فبراير 2022، عن إرسال دول حلف شمال الأطلسي، وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، أسلحة وذخائر ومُعدّات حَرْبِيّة، منذ 22 كانون الثاني/يناير 2022، إلى أوكرانيا بهدف رَدْع روسيا، وأنشأت الولايات المتحدة جِسْرًا جَوِّيًّا لنقل الأسلحة والذّخائر من قواعدها ومن مخازن وزارة الحرب بأوروبا إلى أوكرانيا، ضمن "تحالف غير رسمي لعدّة دول من حلف ناتو، تقوده الولايات المتحدة، وبالإضافة إلى الأسلحة التي وصلت أوكرانيا عبر بريطانيا ودُوَيْلات بحر البلطيق (المتاخمة لروسيا)، أرسلت الولايات المتحدة، خلال أقل من عشرة أيام، 650 طنًّا من الأسلحة والمُعدّات الحربية إلى أوكرانيا، وهبطت ثماني طائرات شحن أمريكية في "كييف" (عاصمة أوكرانيا)، ولا تزال الأسلحة والمُعدّات تتدفّق من دول الحلف (ناتو)، عبر بولندا والتشيك وغيرها، وتتضمّن المُعدّات أسلحة صغيرة ومعدادتها (الرصاص وقطع الغيار) وذخيرة من عيارات مختلفة، وقنابل يدوية بسعات مختلفة، وخراطيش ذات عيار كبير، والذخيرة المضادة للدبابات، وتزامن إنشاء الجسر الجوِّي مع انتشار المزاعم (التي اختلقتها ورَوَجَتْها الولايات المتحدة) بشأن "زيادة الأعمال العدوانية الروسية على حدود أوكرانيا"، وهي المزاعم التي وصفتها حكومة روسيا بالخطيرة، والتي تُشارك دول الناتو ( بريطانيا وكندا وفرنسا وبولندا وتركيا وليتوانيا والتشيك وبلغاريا ورومانيا وإستونيا وغيرها) في ترويجها لتبرير عمليات تسليم معدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة مليارات الدولارات...
موقف انتحاري أوروبي؟
تَضَرّرت مصالح أوروبا واقتصادها جرّاء الإستفزازات الأمريكية لروسيا (وقبلها إيران والصين وغيرها)، ومع ذلك اصطفّت حكومات دول الإتحاد الأوروبي (معظمها عضو نشط في حلف شمال الأطلسي) وراء الموقف الأمريكي، وتُساهم في استفزاز روسيا، وبالخُصُوص ألمانيا التي اضطرّت إلى تأجيل تدفُّق الغاز الرّوسي، عبر خط أنابيب "نورث ستريم 2"، بل تُساهم حكومة ألمانيا في استفزاز روسيا، وأوْرَدَتْ وكالة الصحافة الفرنسية ( أ ف ب 06 شباط/فبراير 2022 ) أن المستشار الألماني "أولاف شولتس" أعلن يوم الأحد 06/02/2022 (قبل زيارة واشنطن) أن حكومة بلاده مستعدة لإرسال قوات عسكرية إضافية إلى دويلات البلطيق، وأوردت شبكة "إيه آر دِي" الألمانيا تصريحًا للمستشار "شولتز"، أعلن "نحن مستعدون للقيام بكل ما هو ضروري لتعزيز دَوْر ألمانيا في عمليات حلف شمال الأطلسي في دول البلطيق"، مع الإشارة أن ألمانيا تقود عملية الحلف في لتوانيا حيث تنشر نحو 500 جُنْدِي وضابط، وأعلنت وزيرة الحرب "إن حكومة ألمانيا تدْعُو إلى تعزيز دور حلف شمال الأطلسي في البلدان المُتاخمة لروسيا، وبالخصوص في لتوانيا"، أي بعيدًا عن المحيط الأطلسي، وأثارت هذه المواقف الرّسمية الألمانية انتقادات عديدة في الدّاخل، بعد أن ادّعى المُستشار عدم إرسال أسلحة إلى أوكرانيا وعدم تشجيع الدّعوات إلى الحرب، وجاءت التصريحات الأخيرة، بشأن تعزيز دَوْر ألمانيا في حلف شمال الأطلسي، مع التّأكيد على "استعداد ألمانيا لتجميد خط أنابيب الغاز (نورث ستريم 2) الرابط بين روسيا وألمانيا إذا غزت موسكو أوكرانيا..."، وذلك قبل لقاء المُستشار الألماني "أولاف شولتس" (الإثنين 07/02/2022) بالرئيس الأمريكي "جوزيف بايدن" في واشنطن، لتَلَقِّي التّعْليمات الأمريكية، قبل لقائه في برلين (عاصمة ألمانيا) مع زعماء دول البلطيق، وقبل سفره إلى أوكرانيا وروسيا في وقت لاحق من شهر شباط/فبراير 2022، وكان الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" قد سبقه لجسّ النبض، بعد أن أرسلت روسيا وثيقة مكتوبة إلى الحكومة الأمريكية وقيادة حلف شمال الأطلسي، تطالب بضمانات أمنية واسعة النطاق، بينها عدم السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وتعلن أنها لا تَسْعَى سوى لضمان أمنها، وبدل الرّدّ على الرّسالة الرّوسِيّة، يَدّعِي إعلام (بروبغندا) دول حلف شمال الأطلسي، بدون تقديم أي دليل، أن روسيا حشدت أكثر من مائة ألف عسكري عسكري على حدود أوكرانيا المُجاوِرَة، استعدادًا لغزْوِها...
من جهته تحادث الرئيس الفرنسي (الرئيس الحالي للإتحاد الأوروبي لفترة ستة أشهر، تنتهي في الثلاثين من حزيران/يونيو 2022) خلال يومي 05 و 06 شباط/فبراير 2022، مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ وزعماء دويلات البلطيق الثلاث (لتوانيا ولاتفيا وإستونيا)، ثم مع الرئيس الأمريكي "جوزيف بايدن"، لتلقِّي التّعلمات (الأوامر؟) قبل لِقاء الرئيس الرّوسي "فلاديمير بوتين" في موسكو، يوم الاثنين 07 شباط/فبراير 2022 "في محاولةٍ لِنزع فتيل الأزمة المتعلقة بأوكرانيا"، وسوف يذهب إلى أوكرانيا يوم الثلاثاء 08 شباط/فبراير 2022، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب.)، في نفس اليوم الذي يشهد لقاء المستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الأميركي جوزيف بايدن في واشنطن، كما أشارت وسائل إعلام أوروبية وأمريكية إلى زيارة وزيرة خارجية بريطانيا إلى روسيا يوم الخميس العاشر من شباط/فبراير 2022، وأعلنت وسائل إعلام بريطانية يوم السادس من شباط/فبراير 2022، "إرسال أكثر من مائة عسكري من قوات النخبة الخاصة البريطانية إلى أوكرانيا، لتقديم المشورة العسكرية للجيش الأوكراني"، بالإضافة إلى أكثر من 1500 من المستشارين العسكريين البريطانيين المتواجدين من قبل في أوكرانيا (كما في دُوَيْلات بحر البلطيق)، من وحدات الخدمة الجوية الخاصة (SAS) وخدمة القوارب الخاصة (SBS) وفوج الاستطلاع الخاص (SRR) ومجموعة دعم القوات الخاصة (SFSG) البريطانية، بحسب موقع صحيفة "ميرُور"، التي أضافت أن بعض المستشارين البريطانيين (وكذلك الصهاينة) يُدربون القوات الخاصة في الجيش الأوكراني على "مكافحة التمرد" والقنص وتنفيذ عمليات تخريبية، "وأرسلت بريطانيا كذلك طائراتٍ مُحَمَّلَة بمعدات عسكرية وأسلحة إلى أوكرانيا، وطرحت خطة لزيادة تواجد الناتو في شرق أوروبا، على خلفية التصعيد الحالي"، بحسب نفس الصحيفة...
بالتوازي مع هذه الحركة الدبلوماسية، أفَادَ موقع صحيفة "وول ستريت جورنال" (الإثنين 07 شباط/فبراير 2022) الأمريكية أن نحو ثلاثة آلاف "مُتعاون أمريكي" يعملون داخل أجهزة الدّولة في أوكرانيا، وأن الولايات المتحدة ودول حلف "ناتو" ترسل أسلحة وذخائر إلى أوكرانيا "لردع روسيا"، ولهذا الغرض تم إنشاء "جسر جوي"، من قِبَلِ الولايات المتحدة وتحالف غير رسمي من عدة دول في الناتو، مباشرةً إثْرَ موافقة الرئيس الأمريكي جو بايدن على تخصيص مساعدات عسكرية لأوكرانيا، يوم 22 حزيران 2022، وتجاهل موقف روسيا الرافض لحشْدِ المزيد من المعدات العسكرية للناتو بالقرب من الحدود الروسية، في انتهاك مباشر لاتفاقيات "مينسك "...
وجدت حكومة أوكرانيا نفسها في مأزق، فمن جهة تريد تعزيز علاقاتها مع الإمبريالية الأمريكية وحلف شمال الأطلسي، ومن جهة أخرى، تحاول تجنب إلحاق أضرار إضافية باقتصادها المُنْهار، وكتب وزير الخارجية الأوكراني "لا تصدقوا التوقعات المدمرة، فأوكرانيا لديها جيش قوي ودعم دولي غير مسبوق، يمكنُهُ -بشكل وقائي- إخافة العَدو (أي روسيا) ورَدْعِهِ..."، لكن تقارير وكالة الإستخبارات الأمريكية تُفيد أن الجيش الرّوسي قادر على تطويق العاصمة الأوكرانية "كييف" وإطاحة الرئيس فولوديمير زيلينسكي في غضون 48 ساعة...
جُذُور أزْمة أوكرانيا- للتذكير:
أشرفت الولايات المتحدة الأمريكية مرتَيْن، خلال عقد واحد، على انقلابيْن في أوكرانيا، ودعم مليشيات فاشية محلّية، تدربها وتُسلّحها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني واليمين المتطرف بأوروبا، وكانت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية "فيكتوريا نولاند" قد أشرفت على واحد من هذه الإنقلابات، وقادت انقلاب 2014 الذي أطاح في شباط/فبراير 2014، بحكومة أوكرانيا المنتخبة ديمقراطيًا، ما أدّى إلى انتشار المليشيات الفاشية، واستفزاز روسيا والتنكيل بالمواطنين الأوكرانيين الناطقين باللغة الروسية، ولذلك تدخّلت روسيا في آذار/مارس 2014 وفي أيلول/سبتمبر 2014، ولذا فإن الأزمة الحالية، بدأت منذ شباط/فبراير 2014، بحسب محطة "بي إس بي" الأمريكية (07 كانون الأول/ديسمبر 2021)، وتتجاهل وسائل الإ‘لام ذِكْر الانقلاب الذي أثارته الولايات المتحدة والإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطيا "يانوكوفيتش" وحكومته، لأنه رَفَضَ برنامج مساعدات أوروبي وأمريكي (بواسطة صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي) مَشْروط بإجراءات تقشفية، ووَافَقَ، بدلاً من ذلك، على برنامج روسي بدون شروط، وعند الإطاحة به، أبْرَزَتْ وسائل الإعلام صُوَرًا وأشرطة فيديو، تُظْهِرُ السناتور "جون ماكين" و"كريس مورفي" في "كييف" (عاصمة أوكرانيا)، مع زعيم المعارضة اليمينية المتطرفة "أوليه تيهنيبوك"، وشجّعت الولايات المتحدة، قبل الإطاحة بالرئيس، مليشيات اليمين المتطرف (الذي يعلن النّازِيّة مرجعًا له، ولكنه صديق الكيان الصهيوني)، الذي قام بتكديس الهراوات والبنادق وزجاجات المولوتوف في ساحة "الميدان" بكييف، ودعمت الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي الإنقلاب، ووزعت "فيكتوريا نولاند" والسفير الأمريكي "فيلتمان بيات" ملفات تعريف الارتباط على المتظاهرين المناهضين للحكومة في كييف، وتُشير وسائل الإعلام الأمريكية إلى تورّط "فيكتوريا نولارند" مُباشرة في اختيار عميل الولايات المتحدة "أرسيني ياتسينيوك"، خلفًا للرئيس المنتخب، وإقصاء الإتحاد الأوروبي الذي كان يدعم عَمِيلَيْن آخَرَيْن ( فيتالي كليتشكو وأوليه تيهنيبوك )، وسقطت الحكومة المنبثقة عن أغلبية برلمانية منتخبة ديمقراطيا، يوم الثاني والعشرين من شباط/فبراير 2014، ومع ذلك لم تنزع المعارضة سلاحها كما تم الاتفاق عليه، بل عادت (منذ يوم 23/02/2014) لاستخدام السلاح ضد المواطنين النّاطقين بالروسية، وللهجوم على قوات الأمن، ولِنَهْبِ المباني الحكومية، وأطلق قنّاصة اليمين المتطرف( الذين درّبهم الجيش الصّهيوني) النار على قوات الشرطة وعلى المتظاهرين المُعارضين للإنقلاب، ما أدّى إلى قَتْلِ أكثر من مائة شخص، من بينهم عشرة من ضباط الشرطة، واضطر الرئيس المنتخب "ياكوفيتش" وبعض حُلفائه إلى مغادرة أوكرانيا للنجاة بحياتهم، واغتصَبَ عُملاء الولايات المتحدة السّلطة، وأدى " أرسيني ياتسينيوك" اليمين الدستورية كرئيس للوزراء في السابع والعشرين من شباط/فبراير 2014. كانت تلك البداية الحقيقية للأزمة الحالية، حيث لم تعترف منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، بالحكومة التي تم تنصيبها بعد الإنقلاب، وهي منطقة تسكنها أغلبية من أصل روسي، وكانت المنطقة تابعة لروسيا، قبل تأسيس الإتحاد السوفييتي الذي أعاد تشكيل الحدود على أساس النجاعة الإقتصادية ومن أجل اختلاط الأعراق، وليس على أُسُسٍ إثنية، وعارضت منطقة "دونباس" أول إجراء اتخذته حكومة الانقلاب ، وهو حظر الاستخدام العام للغة الروسية، وفي شهر نيسان/ابريل 2014، حاولت قُوات حكومة الإنقلاب اجتياح "المُقاطعات الإنفصالية" بذريعة "مكافحة الإرهاب"، بمشاركة مليشيات النّازِيِّين، مثل "كَتِيبَة آزوف"، وأدّت تلك الحرب الأهلية إلى قتل ما لا يقل عن أربعة عشر ألف شخص، من الناطقين بالرُّوسِيّة، وحاولت القوات الأوكرانية التي يدعمها الجيش الصهيوني والجيش الأمريكي وحلف شمال الأطلسي، احتلال بعض الكيلومترات من روسيا، ما أدى إلى رد فعل روسي (آب/أغسطس 2014)، تمامًا كما حصل في جورجيا، سنة 2008، وتدخّلت القوات الرّوسية لصد القوات العسكرية الأوكرانية وحماية السكان المحليين الرّوس، على الحدود الأوكرانية الروسية، الذي قُتل منهم حوالي أربعمائة...
استفزازات حلف شمال الأطلسي:
ماهي خلفيات التهديد بحرب مُدَمِّرة على حُدُود روسيا؟
تُكرّر وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية أخبارًا، غير دقيقة، وغير مُوثَّقَة، عن التدريبات العسكرية الروسية، وعن نشر القوات الروسية داخل حدود روسيا، وتستَنْتِج أن روسيا تتهيَّاُ لغزو أوكرانيا، ما يُبَرِّرُ إرسال المزيد من القوات الأمريكية إلى أوروبا الشرقية، وإرسال الأسلحة والعتاد والخُبَراء العسكريين إلى أوكرانيا، فضلا عن تَعَدُّد مناورات حلف شمال الأطلسي على الحدود الروسية، وتجاهلت الوكالات والصُّحف وشبكات الإعلام المهيْمِن الطّلبات التي قدّمتها روسيا، منها عدم تمركز قوات حلف شمال الأطلسي بأوكرانيا، ولم تذكر رد الحكومة الأمريكية، بواسطة "فيكتوريا نولاند" (راجع الفقرات السابقة) التي رفضت طلب روسيا مُعلنةً: "هذه قرارات تخص أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي، ولا شأن لروسيا بها"، والواقع أن الطّلب الرُّوسي يتعلّق بتطبيق الوَعْد الأمريكي للرئيس الروسي "ميخائيل غوربتشوف"، سنة 1991، بعدم توسُّع حلف شمال الأطلسي، شرقي ألمانيا، وتمكّنت الإمبريالية الأمريكية وإعلامُها من تأجيج العداء العام ضد روسيا وغيرها، أي ضد خُصوم ومُنافِسِي الولايات المتحدة، التي أبدعت (مع ذراعها العسكري، حلف شمال الأطلسي) في ابتكار وسائل الدّعاية، ونشر الأخبار الزائفة لتبرير الإعتداءات العسكرية المتكررة، خصوصًا بعد انهيار الإتحاد السوفييتي (يوغسلافيا والصّومال وأفغانستان والعراق وليبيا وسوريا...)، وتُحاول الدّعاية الأمريكية، وتوابعها (كندا وأوروبا واليابان وأستراليا...) "شَيْطَنَةَ" الأنظمة التي تتمسّك بسيادتها، والتي لم تتمكّن الولايات المتحدة من الإطاحة بها، في كوبا وفنزويلا وإيران وروسيا والصين، بذريعة "عدم احترام الدّيمقراطية وحقوق الإنسان"، و يُرَوِّج الإعلام السائد شعارات مثل "روسيا والصين عَدُوّان للديمقراطية، لهما تقاليد استبدادية عميقة لا يمكن اجتثاثها"،ة وكأن النظام الرأسمالي العالمي، بزعامة الإمبريالية الأمريكية، يحترم هذه الحُقُوق داخل الولايات المتحدة أو أوروبا...
تجدر الإشارة أن الولايات المتحدة لم تُصدّق على العديد من الإتفاقيات والمُعاهدات الدّولية، منها واتفاقية فيينا لقانون المعاهدات والبروتوكول الاختياري لاتفاقية فيينا بشأن العلاقات الدبلوماسية، والبروتوكول الاختياري لاتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية، واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ومعاهدة الأجواء المفتوحة، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، واتفاقية العمال المهاجرين، واتفاقية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعديد من الإتفاقيات والمُعاهدات الأخرى، وترفض الإمبريالية الأمريكية اعتقال ومُحاكمة جنودها الذين يرتكبون جرائم قتل واغتصاب واعتداء على حقوق البَشَر في البلدان التي "تسْتضيف" قواعد عسكرية، كألمانيا وإيطاليا وبريطانيا واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وغيرها...
لم تتدخّل روسيا في المناطق القريبية من الولايات المتحدة، مثل أمريكا الجنوبية وبحر الكاريبي، لكن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وأوروبا، تدخّلت سنة 2008 في جورجيا وتدخّلت سنة 2014 في أوكرانيا ونظّمت انقلابًا ضدّ الرئيس "فيكتور يانكوفيتش"، ويُعتَبَرُ ذلك تدخلاً مباشرًا في الشؤون الداخلية لأوكرانيا وإزاحة حكومة منبثقة عن أغلبية برلمانية مُنْتَخَبَة ديمقراطيًّا، بدعم من وسائل الإعلام السّائد الذي رَوّج العديد من الأكاذيب، مثل "أسلحة الدمار الشامل" بالعراق، أو دفاع الجيش الصهيونية عن النّفس أمام شعب مُحاصَر ولا يمتلك أسلحة...
إن أزمة 2021/2022، استمرار للسياسات التوسُّعِيّة والعدوانية للإمبريالية الأمريكية التي تريد الهيمنة المُطْلَقَة على العالم، وترفُضُ قانون المنافسة الذي أقَرّتْهُ الرأسمالية، ولكنها لا تُطبّقُهُ، بل تعمل باستمرار على تقويض سيادة الدّول والإعتراض على حق الشعوب في تقرير مصيرها، سواء في أمريكا الجنوبية أو في الوطن العربي أو في أوروبا وآسيا وإفريقيا، واغتيال المَدَنِيِّين بالأسلحة النووية (اليابان سنة 1945) والنابالم (فيتنام) واليورانيوم المنضّب والفوسفور الأبيض، والطائرات الآلية...
أصبحت الإمبريالية الأمريكية تستغل هيمنتها على حلف شمال الأطلسي لشن الحُروب الإقتصادية (عبر الحصار و"العُقُوبات") والعسكرية والإعلامية على خُصُومها ومنافسيها، وتستغل الدّول الأعضاء في الحِلْف لتمويل المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، ولإطلاق حقبة جديدة من سباق التسلح، بذريعة "الدّفاع عن الدّيمقراطية"، والواقع أن هذا التّضْليل وهذه الدّعاية لصالح السياسات العدوانية تخدم مصالح المجمع العسكري الصناعي الذي يعتمد مبدأ "الحرب الدائمة" لجَنْيِ أرباح سنوية بمليارات الدولارات...
إذا كان من حق الإمبريالية الأمريكية نَشْر جيشها وأسلحتها في أي مكان من العالم، فكيف يُمكن تبرير اعتراضها على حشد روسيا جيشها داخل حدودها أو في مناطق قريبة من أراضيها ومياهها الإقليمية التي يُحاصرها حلف شمال الأطلسي؟
شَكَّلَ تَوسُّع حلف الناتو باتجاه شرق أوروبا خطرًا على أمن روسيا وتهديدًا وجوديًا لها، يُقارنه البَعْض من السياسيين الرّوس بالإحتلال النّازِي، وحصار ستالينغراد، سنة 1941،ة خلال الحرب العالمية الثانية، ولذلك توجّهت نحو الصين وقبلت الشّروط التي رفضتْها طوال سنين، ووقعت معها اتفاقيات هامة في مجالات الإستثمار والتبادل التجاري والطاقة، خلال لقاء جَمَع الرئيس الصيني والرئيس الرّوسي، يوم الجمعة الرابع من شباط/فبراير 2022، بمناسبة افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الشّتوية في بيكين، وأصدرت روسيا بيانا مشتركا باسم الطرفين لاحقا أعربت فيه بكين عن دعمها لموسكو في مجموعة من قضايا السياسة الخارجية، بما في ذلك إصرار روسيا على وجوب عدم انضمام أي دول جديدة إلى حلف شمال الأطلسي الذي تقوده واشنطن، وعَكَسَ البيانُ التقارب بين روسيا والصين على وقع ارتفاع منسوب التوتر مع الغرب بشأن عدد من القضايا الأمنية، بما في ذلك مستقبل أوكرانيا وتايوان، وتُشير بعض وسائل الإعلام الروسية إلى احتمال تعزيز روسيا علاقاتها العسكرية مع كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا، ونشر سرب بحري في منطقة البحر الكاريبي...
أظْهرت الأحداث المُسَلْسِلَة، منذ سنة 1989، سنة "وفاق واشنطن" وسنة انهيار جدار برلين، الذي أَشَّرَ إلى احتضار الإتحاد السوفييتي، أن الإمبريالية الأمريكية وحلف شمال الأطلسي في حاجة إلى اختلاق الأعداء، لتبرير حالة الحرب الدّائمة التي تخدم مصالح لوبي الصناعات العسكرية، الذي يُنافس رأس المال المالي وقطاعات التكنولوجيا، ذات القيمة الزائدة المُرتفعة، ويُمثل المحافظون الجدد (أكثر من غيرهم) مصالح صناعة السّلاح، ورَفْض أي حديث عن "عالم متعدد الأقطاب"، وهو الطّرح الرّوسي والصِّيني، والذي ترفضه الولايات المتحدة، لأنهاى تخسَر بذلك الهيمنة المُطْلَقَة على العالم، لكن الصّين بدأت، منذ سنة 2013، إنجاز مَشْروعها العملاق "الحزام والطريق" (طريق الحرير الجديدة) أما روسيا فبدأت تُزعج أمريكا وأوروبا في إفريقيا وفي سوريا، وفي أمريكا الجنوبية...
يتطلب إنجاز المشاريع الصينية (الحزام والطريق) والمشاريع الروسية (تطوير البنية التحتية لتسويق الطّاقة، والغاز بشكل خاص) مناخًا سلميا، خال من الحُروب، وبالتالي فلا مصلحة لروسيا ولا للصين في الحرب، حاليا على الاقل، وتوجد في أوروبا (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، على سبيل المثال) بعض الفئات الرأسمالية التي ترى مصلحتها في الاستثمار في السوق الروسية و"الأوراسية"، بشراكة مع الصّين، وأشارت بعض وسائل الإعلام الألمانية (منها إعلام القطاع العام مثل "دويتشه فيللّه") إلى كفاءة الأسلحة الرّوسية في سوريا وفي مالي وغيرها، رغم انخفاض تكاليف إنتاجها، مقارنة بالسّلاح الأمريكي...
في المُقابل تتمسّك الإمبريالية الأمريكية بالخيار العسكري، لأنه يخدم مصالح الشريحة الرأسمالية المُهَيْمِنَة، وفرضت على أعضاء حلف شمال الأطلسي زيادة الإنفاق العسكري، وتكثيف التدريبات والمناورات العسكرية المُشتركة، ونشرت وكالتا "رويترز" و الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب.) يوم السادس من شباط/فبراير أخبارًا وصُورًا عن المناورات السنوية للحلف بعنوان "وينتر كامب" (معسكر الشتاء) بمنطقة ثَلْجِيّة في "استونيا"، على بعد حوالي مائة كيلومتر من الحدود الروسية، "لاختبار تعاطي قوات حلف شمال الأطلسي مع أحوال جوية شتائية قاسية"، بمشاركة 1300 جندي بريطاني وفرنسي واستوني، فضلا عن الجيش الأمريكي، وأنشأت هذه الدّول قواعد في دول البلطيق، تحت عنوان "التواجد الأمامي المُعَزَّز"، حيث تُشارك جُيُوش هذه الدّول، بشكل دَوْرِي، لمدّة سنة، في المناورات وفي إدارة القاعدة التي أنْشَأَها حلف شمال الأطلسي في موقع حسّاس في مواجهة روسيا، ويدّعي الحلف (وإعلام الدّول الأعضاء) أن هذه القاعدة، مثل القواعد الأخرى العديدة، "لم توجَدْ لاستفزاز الروس، بل هي قواعد وقائية ورادعة وغير هجومية"، وتهدف المناورات إلى "اختبار قدرة الجنود على المقاومة، وتعزيز فعالية المعدّات المستخدمة في ظروف جوية أقسى من تلك بيئة أوروبا الغربية...
خاتمة:
يُمثّل قرار توسيع حلف شمال الأطلسي لمحاصرة روسيا جَوْهَر الأزمة، حيث تنصّلت الولايات المتحدة من وُعُودها عند انهيار جدار برلين (تشرين الثاني/نوفمبر 1989)، وانهيار الإتحاد السوفييتي رسْمِيًّا (25 كانون الأول/ديسمبر 1991)، بسحب الأسلحة الإستراتيجية وبعدم توسيع حلف شمال الأطلسي نحو شرق أوروبا (أي خارج حدود ألمانيا)، واعتادت الولايات المتحدة إنكار وُعُودِها في عدة مناسبات، بل منذ تأسيسها، حيث تنكّرت بِسُرْعة للإتفاقيات التي وقّعها الأوروبيون الغُزاة مع مُمثِّلي الشعوب الأصلية لأمريكا...
نكثت الولايات المتحدة وعودَها التي كشفتها وثائق رُفِعَتْ عنها السّرّيّة بعد ثلاثة عُقُود، للمحادثات التي جرت بين وزير الخارجية الأمريكي (جيمس بيكر) والسوفييتي (إدوارد شيفرنادزه)، في الثالث من شباط/فبراير 1990، بل تمكّنت من وضْع روسيا (خصوصًا خلال سنوات الوَهَن والضُّعْف ) أمام الأمر الواقع، وأنشأت قواعد عسكرية وبُنَى تحتية، في البلدان المحيطة بروسيا وعلى حُدُودها، بل أصبح حلف "ناتو" مُنظّمة سياسية- عسكرية- أمْنِيّة، أزاحت مؤتمر الأمن والتعاون بأوروبا، وبدأ حلف شمال الأطلسي يتوسّع، منذ بداية سنة 1991، ليضُمّ المجر وتشيكوسلوفاكيا وبولندا ورومانيا، في مرحلة أولى، قبل الزّحف حتى حُدُود روسيا، من خلال ضَمِّ أعضاء حلف وارسو الذي وقع حَلُّهُ، مع انهيار الإتحاد السوفييتي، مع الإشارة أنه تأسس سنة 1955، بعد ست سنوات من حلف ناتو (1949)، وارتفع عدد أعضاء حلف شمال الأطلسي من ستة عشر، سنة 1991، إلى ثلاثين، سنة 2021، وأطْبَقَ الخناق على روسيا، ويُحاول خَنْق الصين، رغم وجود كل من الصين وروسيا بعيدًا عن المحيط الأطلسي...
تتصرّف الإمبريالية الأمريكية مثل قُطّاع الطّرُق والقراصنة ومجموعات الإجرام المُنظّم، فلا تحترم اتفاقيات ولا تُراعي مصالح حُلفائها، بل تغدر بهم، وتشن الحُرُوب العدوانية وتغتال الرّؤساء والقادة السياسيين، وتُنظِّم الإنقلابات في كافة مناطق العالم، دفاعا عن طبقة رأس المال الإحتكاري، ومالكي الشركات العابرة للقارات، وبَيّنت الأحداث التّاريخية أن رأس المال لا يتورّع عن إشعال الحُرُوب من أجل إيجاد حُلُول لأزماته التي أصبحت دورية وهيكلية...
إن المُتضَرِّر الأول والأكْبَر من هذه الهيمنة هي الطبقات الكادحة، والشُّعُوب الواقعة تحت الإحتلال والإضطهاد، ولذلك تُحاول وسائل إعلام رأس المال الإحتكاري تخديرها بالإعلام الكاذب، لكنه إعلام مدروس وقادر على التأثير في جماهير الفقراء والكادحين وفئات البرجوازية الصّغيرة، ما دام البديل الثوري، المناهض للرأسمالية وللإمنبريالية غائبًا أو ضعيفًا...



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الحرب في أوكرانيا
- دروس وعِبَر من أمريكا الجنوبية
- نَبْشٌ في الذّاكرة
- السيادة الغذائية، خطوة على طريق الإستقلال الحقيقي
- الدُّيُون العُمُومية أغلال تُكبل الوطن والمواطن
- احتكار إنتاج الغذاء
- الديمقراطية الأمريكية، من محاربة الشيوعية إلى -مكافحة الإرها ...
- تونس، بعيدًا عن الحَماسة والردود العاطفية
- طبول الحرب في أوراسيا
- بعض المحطات في مسار الحركة النسائية
- تونس في ذكرى القمع الدّموي للعُمّال المُضربين
- مصر، الحَدث المؤسس لانتفاضة 25 يناير 2011
- حدث في مثل هذا اليوم 18 كانون الثاني/يناير سنة 1943 بالإتحاد ...
- فلسطين - خيانات عربية، ودعم خارجي صغير
- تونس، كيف حال دار لُقْمان
- ثمن تحقيق السيادة الغذائية الأوروبية
- بعض مؤشرات الإقتصاد العالمي بين سنتي 2021 و 2022:
- تونس نموذجًا للتفريط في تحقيق السيادة الغذائية
- الفجوة الطّبقية في تونس، بعد الإنتفاضة
- إخوان الإمبريالية في ضوء الموقف من الصهيونية


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - مجموعة مقالات عن الحرب الروسية الأوكرانية