أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أثير علي السيد علي - العملاق الاناني















المزيد.....

العملاق الاناني


أثير علي السيد علي

الحوار المتمدن-العدد: 7152 - 2022 / 2 / 2 - 18:48
المحور: الادب والفن
    


 عصرَ كلِ يوم وبعد أنتهاءِ ساعات الدراسة يذهبُ أطفال الحي للعبِ في الحديقــةِ الغَناء لقصرِ العملاق.
كانت الحديقــةُ واسعةٌ جميلةٌ يغطيها عشبٌ أخضر ناعم تزينهُ الورود كما تزينُ النجومُ وجـــهَ السماءِ الصافيـــة وتحيطها أثنى عشر شجرة خوخ تزدانُ ربيعاً بحُلةٍ من الازهارِ اللامعــةِ كلؤلؤِ البحر وتضجُ خريفاً بأشهى الثمارِ . وأتخذت الطيور من أغصانها مسرحاً تصدحُ فيه بأعذب الألحان التي تنسي الاطفال متعـــة لعبهم وتشدهم لسماعها وهم يقولون لبعضهم البعض " لكم نَحْنُ سعداءَ في هذا المكان " .
ذاتَ يومٍ وبعد غيابِ سبعِ سنواتٍ قضاها في زيارةٍ لصديقـــهِ الغول الاصفر عاد العملاق الى قصرهِ فوجــدَ الاطفال يلعبونَ في حديقتـــه كعادتهم فصاحَ بهم بصوتٍ مخيف " ماذا تفعلون هنا ؟ " فأرتعب الأطفال وفروا فزعينَ , فصاحَ بأعلى صوته " هذهِ الحديقةُ لي أنا فقط ولن أسمح لاي أحدٍ بالدخولِ اليها سواي "  ثم شيـــدَ سوراً عالياً أحاط  بالحديقة تماماً وعزلها عن العالم الخارجي وعلق لافتةً مكتوبٌ عليها : "سيطالُ عقابي كلُ من يحاولُ الدخول " .
كان عملاقاً بمنتهى الانانيــــة .
لم يكُ للأولادِ مكاناً آخر يلعبون فيــهِ فحاولوا اللعبَ في الشارعِ فما أستطاعوا من كثرةِ التراب وقساوة الصخرِ وكانوا كلما مروا بجانبِ السور بعـــد المدرســــة يقولون بحسرةٍ " كم كنا سعداءَ هنا " .
أشرقَ فصلُ الربيعِ مجدداً في البلاد كلها وعادت الازهارُ الصغيرة للابتسامِ والطيور للغناءِ عدا حديقــةَ العملاق الاناني فالشتاءُ كان لايزالُ رابضاً هناك والطيور هجرت المكان  طالما خلا من الاطفال , أما الاشجارُ فنسيت بدورها كيف تزهرُ الا من زهرةٍ واحدةِ أطلت  بينِ العشبِ لترى اللافته هناك فعادت الى الارضِ مكسورةَ القلبِ حزناً على الاطفال وغطت في سباتها من جديد .
لم يكن أحدٌ يشعرُ بالسعادة مما يجري في الحديقـــةِ سوا الثلج والصقيع " يبدوا أن الربيع قد نسي هذه الحديقة ولم يزرها وسنظلُ هنا طوال العام " .
ففرش الثلجُ عبائتهُ وكسا بها العشب بغطاءٍ أبيض بينما طلى الصقيعُ أغصان الشجرِ بالفضـــةِ ودعى الاثنانِ ريحَ الشمالِ للمكوثِ معهما وجاءت تزمجرُ طوال اليوم في أركان الحديقة واتخذت أسفل أواني الزرعِ مستقراً لها . فقالت "لما لاندعوا حباتِ البردِ كي تزورنا هنا" , وجاءت , كل يومٍ لثلاثِ ساعات كانت تهطلُ على سقفِ المكان حتى ان الواحَ العريشةِ قد تكسرت من وقعها وهي تعصفُ برعونـــةٍ جيئةً وذهاباً في أرجاءِ المكان .
ملتحفاً بردائهِ الرمادي وانفاسهُ الباردةُ كأنها الصقيعُ نفسهُ  قال العملاقُ وهو ينظرُ من النافذةِ الى حديقته وقد استحالت كشعرِ رجلٍ مسن من شدةِ البياض " لستُ أفهم لما تاخرَ الربيعُ هكذا أرجو أن يتغيرَ هذا الطقس "
لكن الربيع لم يأتي وكذلك الصيف حذا حذوه وأهدى فصلُ الخريفِ ثماراً ذهبيةً الى كل الحدائق عدا هذهِ الحديقة لأن صاحبها أنانياً جداً لذا فالشتاءُ مستمرٌ هناك ولاشيء سوا الريح والبرد والصقيع يتراقصون بين أشجارِ الحديقةِ هذه .
ذات صباحٍ وبينما هو مستلقٍ في فراشه تناهى الى مسامعِ العملاق صوتُ موسيقةٍ من أغذب ماسمع فظن أن الفرقـــة الملكيةَ تمر بجوار قصره لكنه أنتبه أنها زقزقة العصافير التي هجرت حديقتهُ منذ زمن فكان صوتها غايةً في الجمال وفجأة توقفَ هطولُ البَرد وسكنَ هيجان الريح وماعادت تزمجرُ فنهضَ من فراشهِ مسرعاً " وأخيراً حل الربيع هنا " .
ونظر الى الخارج فماذا رأى ؟
راى مالايمكنُ وصفَ روعتهِ بالكلمات فمن فتحةٍ صغيرةٍ في الجدار تسللَ الاطفالُ للعبِ في الحديقة متسلقينَ جذوع الاشجار فلا تكادُ ترى غصناً واحداً يخلو من طفلٍ يلعب إما الاشجارُ فقد ازهرت من جديد لعودةِ أصدقائها الاطفال اليها وهي تلوحُ باغصانها برفقٍ فوق رؤوسهم والطيور رجعت مغردةً فرحة بينما تزينَ العشبُ الاخضر من جديد بورودٍ ضاحكةٍ وهي تنظرُ عالياً الى الاطفال .
ظلت زاويةٌ واحدة من الحديقــــةِ تحت رحمة الشتاءِ والبرد وكانت الزاويةَ الأبعــــد ويقفُ فيها طفلٌ صغيرٌ جداً لايستطيع الوصول الى غصنِ الشجرة كي يتسلقه فكان يدورُ حول الشجرةِ ويبكي بشدة والشجرة المسكينة لاتزال مغطاةً بالثلج وتحاولُ كل جهدها كي تمد له احد الاغصانِ الا انه صغيرٌ جداً لايطال الغصن الممدود .
ذاب قلبُ العملاقِ من جمالِ ما رآى " آهٍ كم كنتُ أنانياً " قال والندمُ باديٍ على محياه " الان فقط علمتُ لما هجرني الربيعُ كل هذا الوقــت سأحملُ هذا الطفلَ الصغير الى أعلى الشجرة ثم سأهدمُ هذا الجدار الذي بنيتهُ وستكون حديقتي ملعباً للاطفالِ طوال الوقت " .
تسلل العملاقُ نزولاً على السلم وفتح باب قصرهِ برويةٍ ورفق كي لايفزعهم ونزل الى الحديقة الا ان الاطفال فروا هاربين عندما رأوه ظناً منهم أنه قادمٌ لعقابهم فعاد الشتاءُ مجدداً الى الحديقةِ , كلهم هربوا الا هذا الطفل الصغير لأنَ عينيهِ كانت مليئةً بالدموع فلم يستطع رؤيـــة العملاقِ قادمٌ نحوه . تسلل العملاق من وراءه ورفع الطفل برفق الى جذعِ الشجرة التي ما لبثت أن ازهرت كلها وعادت الطيور تغرد على أغصانها فما كان من الطفل الا ان طوق العملاق بيديهِ الصغيرتين واحتضنهُ وطبعَ قبلةً صغيرةً على خده .
شاهدَ الاطفالُ هذا المنظر فعلموا أن العملاق لم يعد قاسياً كعادتهِ من قبل فعادوا مسرعين للعب وعاد الربيع معهم . فقال لهم العملاق " من الان فصاعداً هذه الحديقة ملكاً لكم كي تلعبوا بها " وأمسك فأسهُ الكبير وأنهال على الجدارِ حتى قوضهُ تماماً . كان الناس الذاهبين للسوق عند الثانية عشر يرون العملاق يلعبُ مع الاطفال في حديقةٍ لم يشهدوا لجمالها مثيلاً على الاطلاق .
أنقضى جُل اليوم في اللعبِ واللهو وعندما حل المساء تجمع الاطفال ليتمنوا للعملاق ليلةً جميلة قبل ان يذهبوا الى بيوتهم فسالهم العملاق " لكن اين هو رفيقكم الصغير ؟ ذاك الذي حملتهُ على الشجرة . كان العملاق قد احب الطفل لانهُ احتضنهُ وقبله .
فأجاب الاطفال " لانعلم قد يكون غادر دون ان نلاحظ " .
" لابُــــد أن تصحبوهُ معكم للعبِ غداً " .
الا أنهم اخبروا العملاق بأنهم لايعرفون أين يسكن هذا الطفل فهم لم يروه قبل اليوم . فشعــرَ العملاق بالحزن لِما سمعْ .
كل يومٍ وبعد ساعة الظهيرة عندما تنقضي ساعاتُ المدرسة يأتي هؤلاء الاطفال للعب مع العملاق في الحديقـــة ولم يظهر الطفل الصغير من حينها أبــداً . عامل العملاق اصدقائــهِ الاطفال بمنتهى اللطف والحنان الا ان شيئاً في داخلهِ كان يتوقُ لرؤيةِ الطفل الصغير وغالباً ما كان يقول " ليتني أراه مجدداً " .
مرت السنوات وغدا العملاق طاعناً في الســـن فلم يعُد قادراً على مشاركـــة الاطفال العابهم بل اكتفى بالجلوس على كرسيـــهِ الخشبي الكبير ومراقبتهم وهم يلعبون ويقول دائماً " ان منظر الازهارِ في حديقتي رائعٌ جداً لكــن هؤلاء الاطفال هم أجملِ الازهار على الاطلاق " .
وفي أحدى صباحات الشتاء كان العملاق يراقبُ المنظر من نافذتـــه بينما يرتدي ثيابه فلم يعـــد ينزعجُ من الشتاء لانه يعلم ان ماهي الاقيلولةً قصيرة يأخذُها الربيعُ كي يعودَ مجدداً واستراحــةً بسيطة تنالها الازهار كي تستعيد بريقها من جديـــد . فجأة نظر العملاق الى الركن البعيد من حديقتـــــة وفرك عيناهُ قليلاً وهو يحاول التأكـــد مما يرى ففي هذا الرُكـــن كانت هناك شجرةً مغطاة بالكامـــل بأزهارٍ بيضاء جميلـــة أما أغصان الشجرة فكانت ذهبيـــةً لامعـــة وثمارها الفضيـــة تتدلى منها كأنها المصابيح وتحت الشجرةِ بالضبط كان الطفل الصغير الذي أحبــــه يقف هناك .
أســـرع العملاق بالنزول على السلالم والفرحـــة أنستـــهُ كِبرَ سنـــه فأجتاز العشب راكضاً نحو صديقــــهِ القديم وما أن أقترب منـــه ونظر أليـــه عن كثب حتى استشاط العملاق غضباً وتدفق الدمُ في وجهـــه وقال للطفل " من الذي تجرأ على أيذائك بهذا الشكل ؟ " . ففي راحـــةِ كفي الطفل كان هناك اثر مسمارين وكذلــك نفس الاثـــر في قدميــــــه الصغيــرين , " أخبرني من فعل هذا كي ينالهُ غضب سيفي ؟ " .
فأجاب الطفل باسماً " لاتقلق فما هذه الا جراحـــات الحب " .
غمرَ العملاقُ أحساساً عميقاً بالرهبـــة فجثى على ركبتـــهِ أمام الطفل وقال " مـــن أنــــت ؟ "
" لقــــد سمحت لي يوماً بالعب في حديقتـــك اما اليوم فقــــد جئتُ أصحبُكَ معي الى حديقتي , الى الفردوس "
عصر ذلك اليوم عندما جاء الاطفالُ كعادتهم ليلعبوا في الحديقــــة وجدوا العملاق وقــد أضطجعَ تحت الشجـــرة وقد فارق الحيـــاة وغطتـــهُ الشجرة بأزهارها البيضاء اللامعــــــــــه .
 



#أثير_علي_السيد_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما لاتعلمهُ عن الحب
- حبٌ بِلا توقعات
- عندما يضنيكَ التعبُ ويغلبكَ اليأس ... أقرأ هذا
- أكتبُ اليكَ لأني معجبةٌ بك
- الشخصَ المناسب وأشكالية التوقيت


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أثير علي السيد علي - العملاق الاناني