أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سلمى جمو - التصوّف: حاجة أم تَرَف؟!














المزيد.....

التصوّف: حاجة أم تَرَف؟!


سلمى جمو

الحوار المتمدن-العدد: 7149 - 2022 / 1 / 30 - 13:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كانت ولازالت البشرية في صراع شعوريّ حيناً ولا شعوريّ حيناً آخر بين العقلانيّة والعاطفة، فاختيار الأولى يتحتّم أن يؤدّي إلى نبذ الثاني والعكس صحيح، وكأنّ قدر هذين المصطلحيْن كقدر الخطّين المتوازيين، حتى بات إلصاق صفة العقلانيّ بجماعة تُحسب على العاطفيّة وكأنها أسلوب للتهكّم والرفض من أبناء تلك الفئة، وإلصاق صفة العاطفيّة على عقلانيّ ما بمثابة احتقار، وكم كانت الطرق كثيرة للوصول إلى الاثنتين، حسب رؤى وقناعات البشر!!

ربما يُصنّف العقلانيّون إلى خانة المشبعين عاطفيّاً – وهو أمر يبدأ منذ الولادة – حتى أنه أصبح في تركيبتهم وبنيتهم، لذا تراهم غير مبالين بوجوده من عدمه؛ لأنهم في الأساس غير مدركين بوجوده أصلاً، فهو من البديهية كما الطعام والماء والنوم...
أما العاطفيّون – الروحانيّون – الذين يظلّون في بحث دائم عن ذاك الإكسير الذي يطمئن ذوّاتهم الحائرة، الباحثون عن رقعة قماش ولو بالٍ يرقّعون بها شقوق أرواحهم التي تحوّلت ناياً تعزف نغمات شجيّة كلّما هبّت رياح الوحدة من تلك الشقوق؛ هذا الصنف يبقى أبداً يعيش نقصاً لا يعلم له مصدراً، حاله كحال العقلانيّ الذي لا يعرف للعاطفة مصدراً لأنه مشبع بالأساس، يبدأ بالتشبّث بأيّ قشّة تمنحه القليل من الرفاه العاطفيّ، من منطلق الحرمان من العاطفة في الطفولة يخلق شخصية في نهَم أبديّ. يأكل السراب ويشربه دون أن يعلم أنه لا يَغني ولا يسمن من جوع، كذاك الكلب الشريد الذي يلهث خلف كلّ مَن يمدّ إليه بقطعة من عظْم.
هذه الشخصية تظلّ تركض من نبع إلى آخر، من إنسان لآخر، من حالة لأخرى، علّه يجد الدفء الذي يبحث عنه.
الدراويش والنسّاك هم في المحصّلة بشر لم يحصلوا على مرادهم من أقرانهم من البشر، فقرّروا طرق مسالك أخرى يحصلون منها على مبتغاهم، تلك المسالك الخالية من النفعيّة ومن خوف الخيانات والخيبات. تلك الحالات الروحيّة تكثر، خاصّة في الأزمنة التي تسيطر عليها المادّيّة أو العقلانيّة أو القواعد المطلقة، والأهم تكثر في العصور التي تفقد فيها العلاقات الإنسانيّة بما تحملها من قيم سامية قيمتها ويصبح البعد عن أبناء الجنس الواحد أفضل من القرب منهم «العزلة»، عندها يكون الطريق الذي بلا خيبات هو المرجّح كمان أسلفنا.

إن إحدى تلك الطرق هي التصوّف – بالمعنى الشامل لكلّ الأديان والأعراق والمذاهب – بما يحمله هذا الاسم من زهد وصفاء. حالة فردانيّة خاصّة بالمطلق بين المحِبّ والمحبوب. طريق يُعثر فيه على الطمأنينة التي عبثاً عثرها عليها بين الأنانيّة والبراغماتيّة.
قد يقول البعض أن هذه قمّة التواكل والخنوع؛ أن تستسلم بالمطلق للمحبوب – الذي يكون في الغالب «الله» – وندخل إثر ذاك في حالة من المازوشيّة التي تجلب لنا السكينة بالإذلال والنكوص. لنتفق أن الإنسان مخلوق بالرغم من ذكاءه وأفضليته في هرم المخلوقات الحيّة على وجه الكوكب؛ بالرغم من ذلك عاجز أمام الكثير من الأمور التي لا يستطيع عقله المطلق في محدوديّته الإجابة عنها، لذا تراه يجد الطمأنينة من القلق الذي يعتريه إزاء المبهم والمجهول أن يربطه بموضوع ما، سواء أكان هذا الموضوع هو الله، أو قلب الكون النابض، أو الميثولوجيات التي أبدعها الإنسان؛ يجد الطمأنينة في ذلك إلى أن يتمكّن عقله من إيجاد الأجوبة، ولا أعتقد أن هناك ضير في ذلك مادامت هذه الآلية الدفاعيّة تجنّبنا الانقراض والهلاك وتمنحنا فرصة المواصلة وكشف الكثير غير المكشوف.

بالعودة إلى الروحانية والتي الصوفيّة وجهها الأكثر شيوعاً؛ التي كانت ردحاً من الزمن ذاك المرهم الذي يعالج تشنّجات الروح – والعقل أحياناً – في تلك الحقبة التي طغى فيها عقلانيّة الدين وتحويله إلى مجرّد عبادات وفقه وتفسير، نجد أن ذاك التصوّف بألقه وفريد حالاته قد فقَد الكثير من نقاءه الروحيّ وتم تحويله إلى مذهب أو طريقة، وإخراجه من حالته الفردانيّة إلى مجموعة طقوس وشعائر جمعيّة، ونقع مرّة أخرى أسْرى للعقلانيّة والطقسويّة.

الصوفيّة كانت طريقة بعضهم للوصول إلى الإله، أو التعبير عن حالة الحبّ التي تربطه بالإله وطريقة فهمه وإدراكه له، أيّ هي بعيدة جداً عن كونها ملموسيّات ومحسوسات. هي تلك الذاتية المستورة من علاقة العابد بالمعبود وهي خاصّة، استثنائيّة، فريدة بالمطلق، بحيث لا تشبه طريق أحد النسّاك طريقة الناسك الآخر. كلّ يعبّر بوعيه الواعي واللاوعي عن مدى قربه وحبّه وحتى فهمه للذات الإلهي.
فقائل جملة: «رأيت ربّي بعين قلبي» لا يحتمل إلا أن يكون قد أعطى تصوّره لله من باب المجاز المطلق أضفى عليه بُعداً وجدانيّاً صرفاً، هذا الذي رآه بعين قلبه ربّه، ربما يراه بعض الآخر بعين عقله، أو بعين عواطفه، أو حتى بعين المخلوقات الأخرى.
الصوفيّة كانت حالة هروب من الوحدة التي كان يشعر بها المرء بعد انسلاخه من محيطه إلى حالة وحدة من نوع آخر، فوجد في المحبوب ملاذاً وكهفاً آمناً لارتعاشات ضياعه، ذلك أن الإنسان متى ما خرج، أو تمرّد، أو ابتعد عن مجموعة بشريّة، أو عقائديّة، أو فكريّة تراه بدلاً من شعوره بالحرّيّة والخلاص؛ تراه يشعر وكأنه ريشة في مهبّ الريح تتلقّفه الأعاصير أنّى شاءت دون أن يشعر بالانتماء، ودون أن تكون جذوره عائدة إلى تربة ما، ليبدأ الارتداد العكسيّ ويبحث لنفسه عن رمز، أو إيديولوجية، تمنحه الأمن وتشعره أنه مرغوب به، وهو بالضبط ما تقوم به الصوفيّة، ولكن مع ما التصقت بالصوفيّة من عادات هي أبعد عن روحها، لو جُرّدت ممّا يكسوها من الشوائب والزوائد لكانت النقطة المشتركة لكلّ مَن يريد قرب الإله مهما كانت طائفته وعرقه وديانته؛ لأن الصوفيّة هي دين المحبّة والعشق للذات، وبالتالي للخالق خالق ذاك الذات. ثم ما المشكلة لو أننا كلّنا سرنا بطرق مختلفة ما دامت تؤدّي إلى روما «المحبوب»؟ أقله سنجعل من الطرق المهجورة سالكة؛ سالكة بالحبّ والسلام والإثار.



#سلمى_جمو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحدٌ أحد
- حبّ... وسواس خنّاس
- الثالوث المحرم (الجنس، الدين، السياسة)
- يوم من أيام سَقر
- رسول مؤمن بكِ
- هل يلغي العلم الفلسفة؟
- شيزوفرينيا الكون
- أيقونة صوفية
- سرير على الجبهة: ثورة قلم في وجه ثورة البنادق
- فناء على أعتاب الأنّات
- رغبات ملجومة
- ليلة استثنائية


المزيد.....




- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...
- السريان-الأرثوذكس ـ طائفة تتعبد بـ-لغة المسيح- في ألمانيا!
- قائد الثورة الإسلامية يؤكد انتصار المقاومة وشعب غزة، والمقاو ...
- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...
- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سلمى جمو - التصوّف: حاجة أم تَرَف؟!