أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلمى جمو - يوم من أيام سَقر














المزيد.....

يوم من أيام سَقر


سلمى جمو

الحوار المتمدن-العدد: 6859 - 2021 / 4 / 4 - 22:03
المحور: الادب والفن
    


كان ذلك في عصر يوم صيفيّ حارّ وجافّ، عندما كنت ألعب فوق سطح بيتنا مع صديقتي الجميلة التي كان أبي ينهرني كلما وجدني أرافقها؛ ذلك أن باعتقاده أنها طفلة غير أخلاقية، لأن أمّها غير أخلاقية هي الأخرى، وكلنا نعلم أن الفتاة سرّ أمّها، أما بالعودة إلى أمّها ولماذا هي غير أخلاقية، فنظرية أبي كما نظرية كلّ الذكور للمرأة عندما تكون أرملة أو مطلقة فهي بالمطلق تضاجع أحداً ما، فإذا قلنا أن هذا غير منطقي، يكون الجواب في الغالب الأعم: إذاً كيف تستطيع أن تعتني بأطفالها ولا زوج يعيلها ولا هي بالعاملة؟!

مهما كان هذا المنطق منافياً للمنطق فإنه سيد الحالة بكلّ جدارة، ذلك أنه في مجتمع ذكوري كلّ امرأة بدون ذكر هي عاهرة أو ناقصة، أما متى تكون المرأة كاملة في هكذا مجتمع، فالجواب أيضاً «عندما تكون بقرة حلوب على الصعيدين الجنسي والإنجابي، ولا ننسى أيضاً على الصعيد الحرثي في بيت الطاعة». يبدو أنني لا أستطيع أن أضبط نفسي بالقوالب التي تقولب بها النصوص وأراني أجمح عن الفكرة الأساسية لأفكار أخرى لا تقلّ أهمية عنها، بحسب وجهة نظري المتعجرفة قليلاً.

بالعودة مرة أخرى إلى ذاك اليوم، كنا نلعب كما أسلفت بالكُرة، وشاءت الأقدار أن أقذف بالكرة عالياً، ذلك أني وقتئذ كنت مولّعة بكرة القدم، لتطير الكرة وتحطّ الرحال على سطح بيت جارنا الذي كان حائطه ملاصقاً لحائطنا. بعد دقائق من النقاش الجدّي المكفهرّ مع صديقتي، اتفقنا على أن أتسلّق أنا الحائط، ذلك أني كنت أنتهز كلّ فرصة كي أثبت لنفسي وللآخرين أنه بإمكاني القيام بأفعال الصبيان أيضاً، وكان ذاك الشعور يمنحني قوة نفسية، أعتقد أني هنا بحاجة إلى «كارل يونغ» أو زملائه كي يعطوا بعداً سيكولوجياً لتصرفي هذا وما يكمن تحته من رغبات مبهمة، تسلّقت الجدار أخيراً ولحسن حظّي التعس فإن شرائط هاتفنا الأرضي المعلّقة على ذلك الحائط الأحمق قد انقطعت، ليزداد الموقف تعقيداً وتراجيدية.
لم أستطع المجيء بالكرة، وطلبت من صديقتي أن تغادر منزلنا، لأني بذكائي الطفولي كنت أستطيع تخمين المستقبل.
أبي، علم بالحادث وعلم أني الجانية، وتحوّل ذاك اليوم الحارّ إلى يوم من أيامي في سَقَر.

ذهبت مسرعة إلى غرفتنا الكائنة في آخر ركن من البيت، المنزوي في زاوية منفصلة عن باقي أرجاء المنزل عن طريق كمر مظلم قصير، في تلك الغرفة التي نادراً ما يدخلها أحد ما، كانت توجد آلة للخياطة مركونة في زاوية الغرفة، تلك الآلة وبحكم أنها لم تعد للاستهلاك الإبري فقط طوّرتها أمّي بشكل أنيق لتفرد عليها بعد ذلك قماشاً فستقي اللون تتوزّع رسومات الليمون والبرتقال على مداه.
وأنا أقف وسط الغرفة أبحث لنفسي عن وكر أركن إليه نافدة بريش بدني من سياط أبي، «وجدتها!» قلت لنفسي، وانسليت بحذر تحت الآلة التي كان القسم السفلى منه خالياً، وكأن القدر قد أعده لي لأنفد بطفولتي إليه.
انكمشت على نفسي، ساحبة قدمي النحيلتين السوداويتين إلى صدري أنتظر بترقّب الأحداث التالية.
كان الركن مظلماً جداً وصامتاً سوى من صوت أنفاسي المتقطّعة، أنفاسي التي كنت أخفض صوتها كي لا يعثر علي أحد، حتى أني كتمت سعلة لعينة أطبقت بمخالبها على حنجرتي وكدت أختنق، لكني نفدت بأعجوبة!
كان كلّ مَن في البيت في حالة استنفار؛ بحثاً عني، أما كيف عرفت أنهم كانوا يبحثون عني، فلأن أختي أتت إلى الغرفة تبحث عني وتكلّم نفسها «أين ذهبت هذه الفتاة، لا نعثر عليها في أيّ مكان». لتطفئ المصباح وتغادر من جديد، في رحلة بحث جديدة.

قضيت هناك ما يناهز عن الساعتين وأكثر في انتظار أن يهدأ الجوّ، مهدّئة نفسي بأن أبي سيصلح الشرائط ثم بعد ذلك سيتناول عشاءه ويصلّي، ليجلس كعادته الروتينية كلّ يوم أمام التلفاز لمشاهدة برامجه، وكان لحسن حظّي يوم الثلاثاء، أيّ سيتابع برنامج «الاتجاه المعاكس»، برنامجه المفضّل، وبفضل ذلك سينسى أمر العطل وسأنفد من العقاب بطبيعة الحال.
بعد ساعتين خرجت من حجرتي لأقابل أختي وهي تتأمّلني فاغرة فاهها: «أين كنت؟ كنا نبحث عنك!»، لأجاوبها بأني كنت مختبة هرباً من العقاب، وكم كرهت تلك القهقهة التي أطلقتها على رعونتي، لتطمئنّني بأن أبي قد نسي الموضوع من أساسه، أيّ حدث ما كنت أتوقّع!

المدهش أن طفلة في عمر العاشرة بها من النضج العقلي «الإجباري»، هذا النضج الذي أهّلها كي تخطّط وتفكّر وتستنتج ردود أفعال الأشخاص البالغين لتقود على إثر ذلك بتحسّس موضع قدمها كي تخرج بأقل ضرر في معركة تشويه الطفولة.
تُرى مّن المسؤول عن نضجنا قبل الأوان؟ لِم كبّرونا دون أن نعيش طفولتنا؟ لماذا أجبرونا على حرق مراحل حياتنا دون أن يكون لنا فرصة اختيار عيش مراحلنا كما نشتهي؟

هذه الحادثة كنت قد نسيتها تماماً أو تناسيتها، أو أجبرت نفسي على نسيانها، يقول فرويد بأننا لا ننسى تفاصيل طفولتنا، بل نجبر أنفسنا على نسيانها، لأن تذكّرها يسبّب لنا التوتر والألم النفسي، لذا دفعه إلى مناطق اللاشعور أيّ «نسيانه» هو بالأساس آلية من آليات الدفاع النفسي، لكن لم أتذكّرها الآن؟



#سلمى_جمو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسول مؤمن بكِ
- هل يلغي العلم الفلسفة؟
- شيزوفرينيا الكون
- أيقونة صوفية
- سرير على الجبهة: ثورة قلم في وجه ثورة البنادق
- فناء على أعتاب الأنّات
- رغبات ملجومة
- ليلة استثنائية


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلمى جمو - يوم من أيام سَقر