أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 14















المزيد.....

اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 14


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7145 - 2022 / 1 / 25 - 11:20
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


فقد كانت الثقافة الأجتماعية في ما يعرف بعصر العبيد السابق لمرحلة الطوفان العراقي تحديدا، وبالاستناد إلى تحليل مرفقات القبور المكتشفة تحت طبقات الطين الغريني في مناطق الغمر من قبل البعثات الأستكشافية العديدة، قائمة على تزايد الاستقطاب الطبقي الاجتماعي كما بينا سابقا وخفض المساواة بين أفراد المجموعات العراقية لتشكيل أولى المجتمعات المنظمة رأسيا تحت زعامات قبلية أو أسروية كبيرة، يصف "بوغوكي" (Bogucki) هذا الأمر بأنه مرحلة من تخطي المساواة و"نشوء التنافس الأسري"، التي نتج عنها نزول البعض في عملية الحراك الاجتماعي التنافسي، ويفترض "مورتون فريد" (Morton Herbert Fried)، و"المان روجرز" (Elman Rogers Service) أن ثقافة العبيد شهدت ظهور طبقة نخبة من المشيخات الوراثية، ربما رؤساء عشائر المجموعات المرتبطة بطريقة ما، مع تزايد الأهتمام المجتمعي والسياسي بإدارة العديد من مزارات المعبد أو مخازن الحبوب ونظم الري والعمارة والفن، وكانت هذه المؤسسة الأجتماعية الرأسية هي المسؤولة عن التوسط في النزاعات الداخلية بين المجموعات والمحافظة على النظام الاجتماعي، ويبدو أن وجود أساليب مشاعية مختلفة في إدارة النظام الأقتصادي المحلي وربما تكون حالات محدودة مما سماه "ثوركيد جاكوبسون" (Thorkild Jacobsen) بالديمقراطية البدائية، التي كان يتم فيها حل النزاعات سابقا من خلال مجلس مؤلف من "النبلاء"، لم تعد تكفي لحاجات المجتمع المحلي.
هذه النظم الإدارية والأقتصادية والأجتماعية تطورت وأنتقلت بمحصولها النهائي عن طريفين مهمين لعصر ما بعد الطوفان، أما عن طريق الناجين أو عن طريق المجموعات التي لم يغمرها الطوفان، لتشكل وجه وخصائص مرحلة ما بعد الطوفان لا سيما في المجتمع الجديد والذي اطلق عليه عصر السومريين، فهؤلاء الناجين لم يتخذوا الاسم عنوانا لهم ولم يطلقوا على أنفسهم الاسم ولا على لغتهم وثقافتهم، إنما جاءت التسمية لاحقة بعصور وقرون بعيدة، فهم سكان العراق الأصليين الذين يحملون هوية حضارية مميزة، لذلك لا ننكر مثلا وحتى بين غالبية العلماء المختصين في العصر الحاضر أن السومريين هم سكان العراق الأصليون، وأنهم الذين كانوا يعرفون بأصحاب حضارة العبيد في وسط وجنوب العراق وكانت أراضيهم تمتد جنوبا إلى جزيرة دلمون (البحرين) في العصر الحاضر قبل أن ترتفع مناسيب الخليج العربي ليصل إلى حدوده الحالية.
ولغة السومريين إذا وهم أصحاب وورثة أقدم حضارة أصيلة متطوّرة في العالم القديم على الأقل في العراق من اللغات التي تعرف بالملتصقة Agglutinative، من خصائص الإلصاق فيها أنه كثيرا ما يدمج مفردتين لتصبحا كلمة واحدة يستند معناها إلى معاني الكلمات الداخلة في تركيبها, مثل (لوكال) أي الملك المكونة من (لو) أي الرجل و (كال) أي العظيم، و (إي-كال) تعني القصر أو الهيكل مكونة من كلمة (إي) وهي البيت و(كال) العظيم، ثم أن الجمل فيها تتألف أيضا بطريقة إلصاق الضمائر والأدوات إلى جذر الفعل بحيث يصير الجميع كلمة واحدة، هذه الصفة ليست قاصرة فقط على اللغة السومرية بل كل تفرعاتها المتطورة، يصف "شتاين" (Stein) و"أوزبال" (Özbal) الانتشار الاستيطاني بالشرق الأدنى بأنه نتاج توسع ثقافة العبيد، مناقضا إياه مع التوسع "الاستعماري" في فترة أوروك اللاحقة؛ فالتحليل حسب السياق ومقارنة المناطق المختلفة، يُظهر أن توسع ثقافة العبيد وانتشارها في منطقة واسعة تم من خلال الانتشار السلمي، مؤديا إلى تشكيل العديد من الهُويَّات الفرعية الجديدة للشعوب الأصلية، التي خصصت وحولت عناصر سطحية من مواد حضارة العبيد إلى تعابير متميزة محلية.
فالنسق التأريخي لوجود الشعب العراقي القديم يبدأ إذن من عصر ما قبل العبيد الذين أسسوا ملامح الحضارة العراقية القديمة وطوروا اللغة وفقا لحاجاتهم المحلية وما يستلزمها من عناصر دينية تعبدية، مرافقا ذلك مع أستقرار أقتصادي غني بموارد بشرية وبيئية ممبزة، لذا نجد أن علماء الأجناس البشرية حينما يقسمون تلك الفترة السابقة لعصر الطوفان ووفقا لمعطيات الأركولوجيا يبدأ بعصر العبيد الأساس (وتسمى أحيانا "عويلي"، خلال الفترة ما بين (6500 - 5400 ق.م)، وهي مرحلة ما قبل العبيد حسب ما كشفت التنقيبات في تل العويلي.، يليه عصر العبيد الأول (وتسمى أحيانا فترة أريدو، وتمتد بين 5400- 4700 ق.م، وهي مرحلة محددة لأقصى جنوب العراق فيما يعرف اليوم بشواطئ الخليج العربي، هذه المرحلة تظهر ارتباطا واضحا بثقافة سامراء للشمال، وقد شهدت هناك تأسيس أول مستوطنة دائمة جنوب خط الأمطار، وفي هذه المستوطنة تمكن المستوطنون من زراعة الحبوب في ظروف قاسية من الجفاف، وذلك بفضل ارتفاع منسوب المياه الجوفية في جنوب العراق.
أما مرحلة العبيد اللاحقة والتي ظهرت فعليا بشكل أكثر وضوحا بنشاطها الأجتماعي والثقافي واللغوي لتكون مهد الحضارة اللاحقة، حضارة الناجين وشركائهم والممتدة من 455 ق م لحدود 3800 ق م فقد (وتـُظهر هذه الفترة تمدنا واضحا وسريعا، وتوسعا لثقافة العبيد شمالا لتحل محل ثقافة حلف وسامراء، وقد انتشرت فيها مصنوعات وفخار ثقافة العبيد أيضا على طول سواحل خليج العربي، لتشكل مُظهرا لنمو النظام التجاري الذي امتد من سواحل البحر المتوسط عبر حضارة دلمون الواقعة من البحرين إلى عُمان، وسواء حدث الطوفان في أي فترة من فترات العبيد القديمة الممتدة من النصف الثاني للألف السابع قبل الميلاد حتى ظهور الحضارة السومرية (حضارة الناجين)، هذا لا يعمي أن الحضارة العراقية القديمة تغيرت وتبدلت بعنصريها البشري الاجتماعي والثقافي الحضاري (اللغة)، بل تشير إلى حقيقية واحدة هي أن العراق القديم كان يتطور بتفاعلات المنتح المعرفي مع تزايد الحاجات المعيشية وتطور مظاهر التدين والعمران ومتطلبات الأستقرار الأجتماعي، ولم يكن هناك تأثير خارجي بشكل حاد ومهم على هذه المسيرة.
فبالرغم من طول فترة العبيد وتنوع أشكال النظم الأجتماعية داخل تلك المجتمعات والتجمعات البشرية، إلا أنها تميزت بخصائص محلية بقيت لتؤشر حقيقية وحدة وتماهي النسيج الأجتماعي مرتبطا بالأرض وبيئتها وطبيعة التعامل معها، ومن أبرز ملامح فترة العبيد هي:.
1. نشوء أولى المستوطنات القروية الكبيرة التي تحولت فيما بعد إلى مراكز سكانية مستقرة وكانت نواة لما يعرف بمدن السلالات الجديدة.
2. شيدت فيها أولى البيوت السكانية مستطيلة الشكل ذات الغرف العديدة والمصنوعة عادة من الطين المشوي (آجر)، لتكشف بداية العمران المنظم بدلا من بيوت الطين، هذا التطور المهاري رافقه تطور في شكل العلاقات الأجتماعية البينية حيث أصبح التنظيم العائلي يعتمد على صلة القرابة والاسر الصغيرة التي تتشارك في مجموعات من المساكن على شكل أحياء سكنية متعددة ومنتظمة والذي مهد لظهور تنظيم المدن المأهولة الجديدة.
3. مع ظهور ما يعرف بالأحياء السكنية وتنظيم المدن رافق ذلك ظهور أول المعابد العامة التي أنشئت بقرار من السلطة المدنية والدينية في المدينة، وفق هندسة معمارية متشابهة في منطقة ما بين النهرين لتكون من أبرز ملامح التطور الثقافي والعبادي، كما كانت السلطة الرديفة لتنظيم حياة تلك المجتمعات المدنية بعد أن خرجت من طور فردية التجمعات القروية أو المجموعات القبلية.
4. تبلور ظهور ملامح انقسام طبقي سكاني وأقتصادي وثقافي للمستوطنات منها متوسطة حسب حجم السكان المحليين وأخرى كبرى بمساحة تزيد على عشرة هكتارات، محاطة بمواقع قرى أصغر بأقل من واحد هكتار تعتبر ملحق أو قاعدة بشرية تتخادم مع الأكبر منها وترتبط بها أرتباطا وثيقا على عدة مستويات.
5. ظهور الأدوات المنزلية التي شملت نوعية جيدة من الفخار الملون بالبرتقالي والأخضر، المزين بأشكال هندسية مطلية باللون البني أو الأسود، وشملت أيضا أدوات مهنية كالمناجل وأدوات الزراعة الأخرى والتي كان يتم في العادة صنعها من صلصال صلب مشوي، وكانت تصنع بشكل خاص في الجنوب، ولكن في الشمال كان يتم تصنيعها من الحجارة أو المعدن.
إن حضارة العبيد وما عاصرها وما تلاها وحدو حضارية معرفية وثقافية أنتجها الإنسان العراقي على أرض العراق لتستمر دورة الوجود ولا تتوقف مهما زيف المزيفون أو حرف أعداء العراق، فالحضارة تنتسب للأرض والإنسان ولا حضارة بلا معرفة ولا معرفة بلا لغة ولا لغة بدون وعي بالذات، لقد ورث الناجون وشركاء الأرض والتاريخ والوطن مشعل التحضر والمدنية وجددوا التاريخ في كل مرة بطور أكثر حداثة وأكثر أصالة لتكون أرض الفراتين منبع أساسي ومحوري في الشرق القديم/ أما الدعوات التي تشكك مرة وتشوش مرة وتضع الفرضيات الخيالية بأن شعب العراق القديم ليس إلا تجمعات نزحت من مناطق أخرى لتنشئ حضارتها فيه ضرب من الجنون المعرفي، وخيال مريض نابع من روح وشعور بالنقص والدونية من عظمة هذه الأرض وسكانها، وتبقى الحقيقية هي الناطقة الصادحة بأصالة كل ما خرج من أرض ما بين النهرين هي عراقية الشكل والمضمون سواء من قبل فترة العبيد مرورا بالسومريين ثم الأكاديين والبابليين والأشوريين حتى تفرعت أغصانها على كل منطقة الشرق وحواليها، بروح اللغة التي تكلم وكتب بها أجداد العراقيون اليوم وأسلافهم، وسنرى في المباحث القادمة عظمة اللغة العراقية القديمة التي لولاها ما قامت ولا نهضت البشرية من طورها البدائي الحجري لتشيد أعظم الأمبراطوريات التاريخية التي لا ينكر أحد جلالة وهيبة أنجازها التأريخي على مر العصور.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 13
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 12
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 10
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 11
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح9
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح8
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح7
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح6
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح5
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح4
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح3
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح2
- اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح1
- فجر الحرف الأول
- حفلة شواء في ميلاد الريس
- قبل أن تغلق الحلول أبوابها ح1
- زغاريد في جنازة وطن
- المدرسة السياسية العراقية بعد 2003 ح2
- المدرسة السياسية العراقية بعد 2003 ح1
- رسالة إلى أمي


المزيد.....




- سلمان رشدي مؤلف -آيات شيطانية- يحذر من -قيام دولة فلسطينية ت ...
- إبراهيم رئيسي: مشاعر متباينة بين الإيرانيين، تعليقات تشيد با ...
- شاهد: -تحلاية فرحاً بمقتل طاغية إيران-.. أهالي إدلب يوزعون ا ...
- هكذا رد نتنياهو وحلفاؤه على تحرك مدعي الجنائية الدولية ضده
- ألمانيا لا تتوقع تغيرا في السياسة الإيرانية بعد مصرع رئيسي
- لبنان تنكس الأعلام وتعلن الحداد لمدة 3 أيام على مصرع الرئيس ...
- الجيش الإسرائيلي: نواصل القتال في عدة مناطق بغزة ودمرنا بنى ...
- الملك سلمان وولي عهده يعزيان إيران
- نيبينزيا يؤكد إمكانية حل الأزمة الأوكرانية بالطرق الدبلوماسي ...
- حزب الله يستهدف مقر قيادة -الفرقة 91- في ثكنة بيرانيت الإسرا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - اللغة العراقية ومفهوم الدلالات ح 14