أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - تاج السر عثمان - الصراع حول الأرض في السودان (5)















المزيد.....

الصراع حول الأرض في السودان (5)


تاج السر عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 7137 - 2022 / 1 / 16 - 03:44
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


خامسا:
الأرض في فترة الحكم التركي- المصري ( 1821- 1885م)
1
جاء احتلال محمد علي باشا للسودان بهدف تحقيق التراكم اللازم لمشاريعه الصناعية والزراعية والعسكرية ، وبعد ارتباط مصر بالسوق الرأسمالي و كان هدف محمد علي اللحاق با وربا في التطور الصناعي والزراعي و المدنية والحداثة، وبعد ادخال نمط الإنتاج الرأسمالي في مصر.
لتحقيق هذا الهدف كان احتلال السودان بطريقة بربرية ودموية ، تم فيها تدمير واستنزاف موارد السودان الزراعية والحيوانية والمعدنية والبشرية ، وحققت الطبقات المالكة في مصر ارباحا هائلة من تلك العملية.
( للمزيد من التفاصيل راجع : تاج السر عثمان الحاج ،التاريخ الاجتماعي لفترة الحكم التركي في السودان ، 1821- 1885م)، مركز محمد عمر بشير 2006).
بالاحتلال التركي ارتبط السودان بالنظام الرأسمالي العالمي ، وعرف تشكيلة اجتماعية اقتصادية تابعة ، بمعني أن كل موارد السودان الاقتصادية والبشرية كانت موظفة لخدمة الطبقات الحاكمة والمالكة في مصر، وشهد السودان بذور نمط الإنتاج الرأسمالي والذي نشأ مع اتساع التعامل بالنقد والاتباط بالتجارة العالمية وتحول قوة العمل الي بضاعة ، واقتلاع الآف المزارعين من أراضيهم ، نتيجة للقهر والضرائب الباهظة ، واصبحوا لايملكون شيئا غير قوة عملهم.
وشهدت تلك الفترة توسعا في زيادة مساحات الأراضي الصالحة للزراعة اضافة للزراعة النقليدية المطرية والمروية بالسواقي بأدوات الإنتاج الزراعية البدائية ، وتم الانتقال لبذور نمط الإنتاج الزراعي الحديث بالتوسع في أعمال الري بشق القنوات والتوسع في زراعة المحاصيل النقدية ( القطن، الصمغ، السنامكي ، النيلة ، الأفيون، اشجار الفواكه، الخضروات، البطيخ . الخ)، اضافة لزراعة الذرة بأنواعها والدخن ،وتم الاهتمام بالثروة الحيوانية لتصدير الآف الرؤوس من القطعان لمصر.
كما تمت عملية نهب واسع للاراضي بعد اصدار الحكومة عام 1857 ( اللائحة السعيدية للاطيان) والتي نصت علي أن المزارع الذي يتروك أرضه ثلاث سنوات يسقط حقه فيها حسب الشريعة ويجوز العرف مدها سنتين ، وعليه فكل من يضع يده علي أرض لمدة خمس سنوات وأكثر ويدفع خراجا " للميري*" فلا تنزع ، ولا تسمع دعوة الشاكي.
(د. محمد سعيد القدال: السياسة الاقتصادية للدولة المهدية، دار جامعة الخرطوم للنشر 1986 ، ص 30 ).
وكانت الأراضي ملكا للدولة ، فهي تعطي منها مساحة للزراع في مقابل أن يدفعوا لها عشر محاصيلهم ، وجرت العادة في السودان أن يدفع هذا العشر نقدا لا عينا ، وفي والوثائق اشارة لنظام الخراج أو الأراضي الحكومية من ضمن الأطيان الميرية التي أخذها الأهالي بوضع اليد وظلوا يدفعون عليها خراجا سنويا للحكومة مقداره سبعمائة قرش عن الساقية.
( د. بشير كوكو حميدة : ملامح من تاريخ السودان في عهد الخديوي اسماعيل ، مطبوعات كلية الدراسات العليا ، بحث رقم "10" ، 1983، ص 78- 79).
كان من نتائج ذلك أن امتلك الاثرياء الاتراك والمصريون ومساحات شاسعة من الأراضي الزراعية ، علي سبيل المثال جاء في وثيقة " علي تخوم العالم الإسلامي" عن الزراعة في سنار " يملك أثرياء القوم مساحات شاسعة من الأراضي علي بعد مسافات من النيل ، يقوم بفلاحتها العبيد في فصل الخريف ". كما أشار كاتب وثيقة تخوم " تم ادخال وحدة الفدان لقياس الأرض ولكنها فشلت وعادت الجدعة".
( للمزيد من التفاصيل : راجع ريتشارد هل : مقدمة لوثيقة علي تخوم العالم الإسلامي ، حقبة من تاريخ السودان " 1822- 1841"، الجزء الأول والثاني ، ترجمها من الايطالية للانجليزية ريتشارد هل ، والي العربية عبد العظيم محمد أحمد عكاشة، الجزء الأول ص 72- 74).
كما يشير كاتب الوثيقة الي أنه " بعد تولي أحمد باشا ، كان أول أمر يصدره في هذا الصدد بأن يقوم كل من يملك أرضا علي النيل بتنظيفها وزراعتها وتوفير المعدات لريها ، وأعطى انذارا بذلك يسرى مفعوله لمدة عام وبعدها يحق لأي شخص الاستيلاء على المساحات المهملة وتركيب معدات الري عليها، فتؤول ملكيتها لصاحبها الجديد ، يفقد المالك الأصلى وورثته حق المطالبة بها نهائيا ، ولكي يشجع الناس علي تلك الممارسة وعد لأن يعفي جميع الأراضي البور التي يتم استصلاحها من الضرائب لثلاثة أعوام علي التوالي" ( تخوم ، الجزء الأول ، ص 112- 113).
لكن رغم تلك التحسينات التي ادخلتها الحكومة بهدف تطوير القوي المنتجة في الزراعة والإنتاج الحيواني ، الا أن الضرائب الباهظة التي كانت تفرضها الحكومة علي المزارعين والرعاة أدت لهزيمة ذلك الهدف ، فعلي سبيل المثال : عند بداية الاحتلال التركي للسودان كانت هناك نحو خمسة الف ساقية في السودان (بدون قسم حلفا ) ، وعند زيارة سعيد باشا في 1270 ه " 1853- 1854 م" ، كان بالسودان نحو الفي ساقية معمرة ، أي أن ارتفاع الضريبة قد أدي الي تخريب نحو ثلاثة للاف ساقية ( د. محمد إبراهيم ابوسليم ، الساقية، معهد الدراسات الآفرو- اسيوية ، 1980م).
وهذا أدي الي انخفاض الإنتاج الزراعي والحيواني بشكل كبير ، بالتالي أدي الي تدمير وانخفاض القوي المنتجة.
أما الرعاة في القطاع التقليدي ( خارج القطاع المروي) فقد كانوا يهربون مع مواشيهم الي خارج السودان أو الي اطرافه نتيجة للضرائب الباهظة التي تفرضها الحكومة عليهم .
هكذا نجد أن سياسة الحكومة التي كانت تعتمد علي القهر والضرائب الباهظة ، أدت الي انخفاض الإنتاج الزراعي والحيواني ، بالتالي أدي ذلك الي تدهور الأحوال المعيشية ، وأدي الي المجاعات والأمراض ، والمزيد من فرض الضرائب الباهظة ، وغير ذلك مما شهده السودان في السنوات الأخيرة للحكم التركي المصري، مما أدي للثورة المهدية ، وكانت الخرطوم مقبرة للاحتلال التركي المصري.
2
الأرض في فترة الحكم التركي – المصري
كما أشرنا سابقا ،جاء احتلال محمد على باشا للسودان عام 1821 م في إطار إستراتيجيته لنهب ثروات السودان المادية والبشرية باعتباره أحد مصادر التراكم لتحقيق النهضة الصناعية والزراعية وبناء الجيش العصري في مصر، أما عن طبيعة الاحتلال فهو استعمار تركي- مصري قام على القهر والقمع.
كما شهدت فترة الحكم التركي توسعا في زيادة مساحات الأراضي الصالحة للزراعة مما أدى إلى زيادة المحاصيل الزراعية في الأسواق ، فنجد الحكومة في هذه تجلب عددا من خولية الزراعة وتعمل على تطوير زراعة القطن وتشق القنوات للتوسع في زراعة الأحواض وتشجيع تعمير السواقي ، وترسل الطلاب إلي مصر للتعليم والتدريب الزراعي ، وتجلب المحاريث لحراثة الأرض ، وتعمل على بناء المخازن في المراكز الرئيسية على طول الطريق إلى مصر لتوفير مياه الشرب لتسهيل الحركة التجارية وتصدير الماشية بشكل خاص ، كما اهتمت الحكومة بإدخال محاصيل نقدية جديدة مثل الصمغ ، السنامكى ، النيلة ، الخ ، واهتمت بالتقاوي المحسنة والأشجار المثمرة واهتمت بمكافحة الجراد .
لكن رغم التحسينات التي أدخلتها الحكومة بهدف تطوير القوى المنتجة في الزراعة والإنتاج الحيواني ، إلا أن الضرائب الباهظة التي كانت تفرضها الحكومة على المزارعين والرعاة أدت إلى هزيمة هذا الهدف ، فقد هجر آلاف المزارعين سواقيهم في الشمالية ، كما هرب آلاف الرعاة بمواشيهم إلى تخوم البلاد ، وهكذا نجد أن سياسة الحكومة التي كانت تعتمد على القهر والضرائب الباهظة أدت إلى انخفاض الإنتاج الزراعي والحيواني ، وبالتالي أدى ذلك إلى تدهور الأحوال المعيشية والمجاعات والأمراض والخراب الاقتصادي ، وغير ذلك مما شهده السودان في السنوات الأخيرة للحكم التركي _ المصري .
أشرنا في دراسة سابقة عن التشكيلة الاجتماعية للسلطنة الزرقاء ( راجع تاج السر عثمان الحاج ، لمحات من تاريخ سلطنة الفونج الاجتماعي ، مرجع سابق)، الذي حدث في ملكية الأرض على يد سلاطين الفونج ، وتعرفنا على ذلك بشكل أفضل بعد نشر وثائق التمليك التي نشرها د . محمد إبراهيم أبو سليم في كتابه (الفونج والأرض) .
فما هو التطور الجديد في ملكية الأرض ؟:
حدث تطور جديد في ملكية الأرض في تلك الفترة وخاصة بعد صدور قانون 1857 الذي أصدره سعيد باشا ، والذي قنن فيه الملكية الخاصة للأرض ( البيع ، الإيجار ، الرهن.. ) . كما كانت الضرائب على صغار الملاك من المزارعين كبيرة ، وكان الذين يعجزون عن دفع الضرائب من المزارعين تبيع الدولة أو الحكام سواقيهم وأراضيهم إلى كبار ملاك آخرين ، ويتم تسديد الضرائب من العائد وتؤول ملكية الأرض إلى مالك جديد . وهكذا نلحظ بداية التركز في ملكية الأرض بالنسبة للقادرين وكبار الملاك ، هذا إضافة لارتفاع قيمة الأرض وخاصة بعد إدخال المحاصيل النقدية ، وارتباط السودان بالسوق الرأسمالي العالمي .
كان كبار ملاك الأراضي إما معفيين من الضرائب أو يتهربون منها برشوة الحكام أو جباة الضرائب ، وهذا يوضح السبب في أن الثورة المهدية كانت في جزء منها ثورة صغار الملاك والفقراء الذين تضرروا من سياسة الحكم التركي الخاصة بالضرائب ونزع الأراضي منهم وبيعها لكبار الملاك المحليين والأجانب .
في تلك الفترة عرف السودانيون المزيد من التوسع في الملكية الخاصة للأراضي ، وكان ذلك بشكل أكبر واوسع مما كان عليه الحالة في سلطنة الفونج.
وكان ذلك من التحولات الكبيرة التي شهدها السودان في نظام ملكية الأراضي ، وتعبيرا عن ارتباط السودان بالنظام الرأسمالي العالمي ، نتيجة لادخال المحاصيل النقدية ( قطن، صمغ، نيلة، قصب سكر . .الخ).
كما عرفت قبائل جبال النوبا التي كان بها مملكة تقلي وجنوب السودان التي تم ضمها في تلك الفترة للسودان ملكية الأرض الجماعية للقبيلة، ثم الملكية الخاصة للارض في جبال النوبا كما أوضحت الدراسات التي أعدها س .ف. نادل الذي أشار الي أن سكان جبال النوبا كانوا يعرفون الملكية الخاصة للأرض ، رغم نمط تنظيمهم القبلي.
(Nadel , The Nuba, Oxford 1947)
خلاصة الأمر، شهدت فترة الحكم التركي التوسع في الملكية الخاصة للأرض وبيعها ورهنها وتوريثها حسب الشريعة الإسلامية الأعراف، وكان ذلك من التطورات التي شهدها السودان في نظام ملكية الأرض ، أو- كما أشرنا سابقا - تعبيرا عن ارتباط السودان بالنظام الرأسمالي العالمي نتيجة لإدخال المحاصيل النقدية.

* الميري : كلمة تركية بمعني ملك الحكومة، ومنها جاء القول: "كان فاتك الميري اتمرغ بترابو"..



#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراع حول الأرض في السودان (4)
- الثورة مستمرة سلمية حتى النصر
- الصراع حول الأرض في السودان (3)
- الصراع حول الأرض في السودان(2)
- الصراع حول الأرض في السودان
- اسقاط الانقلاب مفتاح الحل للأزمة
- تهاوى الانقلاب والدعاوى الكاذبة للحوار
- الثورة مستمرة بعد استقالة حمدوك
- فلتكن ياعام عام الانتصار
- الذكرى 67 لاستقلال السودان
- مليونية 30 ديسمبر: التحدي وتجاوز القمع
- رغم القمع الثوار يصلون القصر مجددا
- التطور التاريخي للدولة
- مليونية 25 ديسمبر وضرورة التصدي للانتهاكات
- ارادة الشعب لا غالب لها من اقتحام القصر للنصر
- مليونية 19 ديسمبر الثروة ثروة شعب
- في ذكراها الثالثة الثورة تزداد وهجا
- عرض الكتب: الهوّية والصراع الاجتماعي في السودان
- مليونية 6 ديسمبر ترفض التدخل الدولي
- مليونية 30 نوفمبر نقطة تحول مهمة للنصر


المزيد.....




- مجتمع في أوغندا يعود لممارساته القديمة في الصيد والزراعة لحم ...
- بيان صادر عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
- س?بار?ت ب? ?ووخاني ?ژ?مي ئ?س?د و پ?شهات? سياسيـي?کاني سوريا ...
- النسخة الإلكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 582
- الثورة السورية تسقط الدكتاتورية بعد 13 عاما من النضال
- الصحراء الغربية: زعيم البوليساريو.. -محكمة العدل الأوروبية ت ...
- لبنان: الحزب التقدمي الاشتراكي يحذر من خطورة تحويل البلاد إل ...
- روسيا تسلم الجيش الهندي فرقاطة بنيت في مدينة كالينينغراد
- بيان الحزب الشيوعي العمالي العراقي حول سقوط نظام الأسد في سو ...
- حول سقوط نظام الأسد والتطورات السياسية في سوريا


المزيد.....

- الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟ / محمد حسام
- طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و ... / شادي الشماوي
- النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا ... / حسام عامر
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ... / أزيكي عمر
- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - تاج السر عثمان - الصراع حول الأرض في السودان (5)