أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - ناجح العبيدي - هناك شبح يجول حول العالم، إنه شبح التضخم!















المزيد.....

هناك شبح يجول حول العالم، إنه شبح التضخم!


ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)


الحوار المتمدن-العدد: 7131 - 2022 / 1 / 9 - 14:39
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


بالتزامن مع وباء كورونا هناك "فايروس" من نوع آخر بدأ بالتفشي في الاقتصاد العالمي، ألا وهو فايروس التضخم والذي تُنذر عدواه بمضاعفات خطيرة. ولعل كازاخستان باتت أحدث شاهد على التداعيات الخطيرة لهذه الظاهرة هذه الأيام. فبعد مضاعفة أسعار الغاز انطلقت في هذا البلد الكبير جغرافيا والغني بموارد الطاقة اضطرابات عارمة أدت إلى سقوط عشرات القتلى واعتقال الآلاف. لم تكشف هذه الاحتجاجات عن الوجه القبيح للرئيس الحالي للجمهورية السوفيتية السابقة قاسم توكايف، الذي صرح علنا أنه سمح للشرطة بقتل المحتجين دون سابق إنذار، ولم تدفع روسيا للتدخل عسكريا لإنقاذ حليفها فحسب، وإنما ترجح أيضا نهاية نظام الرئيس السابق والسلطان الفعلي من وراء الكواليس نور سلطان نزارباييف الذي حكم كازاخستان بيد من حديد منذ أن كان عضوا في المكتب السياسي للحزب السوفيتي قبل أكثر من 3 عقود.
عرش آخر يهتز نتيجة الغلاء، هو عرش الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يحمله الكثير من الأتراك مسؤولية الارتفاع القياسي في الأسعار والذي تجاوز مؤخرا 36% مسجلا أعلى مستوى له منذ نحو 20 عاما.
في دول الاتحاد الأوروبي أيضا سجلت الأسعار ارتفاعا غير مسبوق منذ عقود حيث تجاوز معدل التضخم حاجز الـ 5%، وهو رقم مرتفع حقا مقارنة بالاستقرار النقدي الذي تميز به التكتل الأوروبي منذ تسعينيات القرن الماضي. ولا تختلف الصورة كثيرا في الاقتصاد الأمريكي وكذلك في الكثير من البلدان الناشئة.
يُعرف التضخم بأنه ارتفاع أكيد ومستدام في المستوى العام للأسعار. ومن هنا يمكن الاستنتاج بأن ليس كل ارتفاع في الأسعار هو تضخم. فالزيادة المؤقتة والموسمية في أثمان المواد الغذائية ليست تضخما. ولا يندرج أيضا تحت هذا التعريف القفزات المفاجئة في أسعار النفط والغاز نتيجة حدوث أزمة جيوسياسية في الشرق الأوسط مثلا. لا تعتبر تضخما كذلك الزيادة في أسعار السلع المستوردة في بلد ما جراء قرار بتخفيض سعر صرف العملة الوطنية لمرة واحدة فقط. وبغرض التبسيط فقد جرت العادة أن يتم الحديث عن التضخم عندما يزداد المتوسط العام لأسعار السلع والخدمات (أو مؤشر تكاليف المعيشة) عن 2%. دون هذه الحد تشعر البنوك المركزية عادة بالاطمئان ولا تجد ضرورة للتدخل وتشديد السياسة النقدية.
من المؤكد أن سلسلة الزيادات المتتالية في أسعار موارد الطاقة صبت في تأجيج موجة التضخم الحالية. فقد حقق برميل النفط من خام برنت مثلا مكاسب قوية في العام المنصرم هي الأعلى منذ 6 سنوات زادت عن 50%. مكاسب أقوى سجلها الغاز الطبيعي الذي أصبح عملة نادرة، خصوصا في دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا حيث تضاعفت أسعار الجملة لهذا المصدر الهام للتدفئة في موسم الشتاء في النصف الشمالي من الكرة الأرضية عدة مرات الأمر الذي يلقي عبئا ثقيلا على مستهلكي الغاز من المصانع والشركات الانتاجية وكذلك أصحاب البيوت والمباني.
يصف الكثير من الخبراء 2021 بأنه عام انتعاش مصادر الطاقة الأحفورية، وفي مقدمتها النفط والغاز. وجاء ذلك بفضل تعافي الاقتصاد العالمي من تداعيات جائحة كورونا. وبطبيعة الحال فإن هذا الغلاء يصب لا محالة في رفع تكاليف السلع والخدمات وبالتالي في المستوى العام للأسعار لأنه من النادر أن تجد سلعة لا يشكل الوقود أحد عناصر تكاليف إنتاجها. غير أن هذا العامل، على أهميته، لا يفسر موجة التضخم الحالية. فبعد عام 2004 كسر سعر برميل النفط أيضا أرقاما قياسية متتالية ، بل و نجح في 2011 لأول مرة على الإطلاق في تخطي حاجز الـ 100 دولار. ومع ذلك تمكن الاقتصاد العالمي حينها من استيعاب هذه الصدمة النفطية بخسائر قليلة والتي مرت دون أن تشعل موجة غلاء مستدامة.
إن العامل الأهم وراء التضخم الحالي يكمن في السياسات المالية والنقدية التي اعتمدتها الحكومات والمصارف المركزية الرئيسية حول العالم ضمن خطط مواجهة تبعات أزمة كورونا. فقد أقرت معظم الحكومات خططا عاجلة لإنقاذ الاقتصاد تضمنت تخصيص ترليونات الدولارات على شكل منح ومساعدات مالية وتسهيلات ائتمانية لمساعدة الشركات والمشاريع المتضررة. ألمانيا وحدها على سبيل المثال أنفقت لهذه الغرض في عامي 2020 و2021 أكثر من 400 مليار يورو ( أي قرابة 480 مليار دولار). أما الرئيس الأمريكي جورج بايدن فقد دخل في منافسة مع سلفه دونالد ترامب في حجم خطط الإنقاذ، وآخرها كانت حزمة بقيمة قاربت ترليوني دولار. بدورها لم تكن المفوضية الأوروبية بخيلة في هذا المجال وأنشأت صندوق تعافي بقيمة 750 مليار يورو، هذا إلى جانب الخطط الوطنية التي أعلنت عنها دول الاتحاد الأوروبي.
من جانب آخر واصلت البنوك المركزية وعلى رأسها المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي، سياسة التسيير النقدي التي تمثلت في ضخ مئات المليارات عبر برامج شراء السندات والإبقاء على المستوى المتدني التاريخي لسعر الفائدة والذي يقارب الصفر، حتى الآن على الأقل.
من البديهي أن يعني هذا الضخ الهائل للسيولة في الأسواق زيادة مماثلة في كمية النقود المتداولة، وبالتالي تصاعد الطلب الفعال على السلع والخدمات. في المقابل يعاني العرض من مشاكل جمة جراء تعثر سلاسل الإمداد والتوريد والتي تجسدت في نقص مفاجئ في منتجات لا يمكن لأي اقتصاد متطور أن يستغني عنها، وفي مقدمتها أنصاف الموصلات التي تدخل عمليا في تصنيع قائمة طويلة للغاية من المنتجات كالسيارات والهواتف الذكية والحواسيب والآلات والأجهزة الإلكترونية وغيرها. في ألمانيا مثلا يتعين الآن على الزبون انتظار أكثر من عام لكي يحصل على سيارته بمواصفاته المفضلة في ظاهرة غير مسبوقة منذ 3 عقود.
هكذا نشأ اختلال بين العرض والطلب، والنتيجة بحسب آليات السوق هي ارتفاع الأسعار، وما يعنيه ذلك من تبعات اقتصادية واجتماعية خطيرة وإعادة توزيع للدخل لصالح فئات معينة وعلى حساب أخرى.
ترتبط مشكلة التضخم على صعيد البلدان الناشئة بظواهر أخرى ومنها ما يدعى بالتضخم المستورد الذي يأتي عبر تخفيض سعر صرف العملة الوطنية، ولعل لبنان ليس المثال الوحيد، وإنما الأوضح على ذلك، هذا بالإضافة إلى ارتفاع سعر السلع الاستراتيجة في الأسوق العالمية. وأخطر ما في هذا الأمر هو انفجار أسعار المواد الغذائية. فقد سجل السعر العالمي للقمح على سبيل المثال رقما قياسيا على مدى تاريخه زاد عن 330 دولارا للطن. وبحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة فإن المؤشر العالمي لأسعار المواد الغذائية قفز في عام 2021 بنسبة 28% مقارنة بعام 2020، ليصل إلى أعلى مستوى له منذ 10 سنوات. ويضع هذا التطور الأمن الغذائي في العالم العربي على المحك، وخصوصا في تلك البلدان مثل مصر والجزائر والعراق التي تعتمد بدرجة كبيرة على الحبوب المستوردة في تأمين احتياجاتها الغذائية. ومما يزيد من حساسية هذه الموضوع أن العديد من الدول العربية شهدت في الماضي اضطرابات سياسية واجتماعية خطيرة توجت بما يدعى بثورات الخبز عندما أقدمت السلطات على رفع الدعم أو تقليصه.
لكن ما هو الحل؟ عموما الكرة الآن في ملعب الحكومات، وعلى وجه الخصوص المصارف المركزية التي يجب أن تبدأ بمراجعة سياسة النقود الرخصية والبدء بتشديد السياسة النقدية، ولكن بطريقة متأنية وتدريجية حتى لا تؤدي إلى كبح الاستثمارت والتسبب بأزمة في الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي. وهناك بوادر بأن المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي البريطاني شرعا باتخاذ إجراءات بهذا الشأن، بينما لا يزال البنك المركزي الأوروبي يتلكأ.
ولكن حتى لو نجحت هذه الإجراءات فإنها لن تخفف من وقع أزمة الغلاء على الفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود. هنا يجب القول بوضوح بإن الحل لن يكون بقيام الدولة بتثبيت الأسعار أوزيادة الدعم للمواد المعيشية لأن التجربة أثبتت أن فعاليتها في مكافحة الفقر محدودة للغاية مقارنة بتكاليفها الباهظة ودورها السلبي في تشويه آلية السوق. فالتضخم هو مشكلة اقتصادية ويجب حلها بأدوات اقتصادية بالدرجة الأولي بدلا من التعويل على الأوامر الحكومية أو الدعوة لتدخل الجهات الأمنية للحد من "جشع" التجار وغيرها من الوسائل الشعبوية الرخيصة.
لهذا يتعين أولا العمل على رفع مستوى الأجور، وخاصة المتدنية منها، وتحسين الشبكات الاجتماعية لحماية الفقراء والمعوزين من "وباء" التضخم. ويتطلب هذا أيضا ضمان إيصال المساعدات النقدية إلى المستحقين فعلا كبديل لعرض المواد الغذائية بأسعار مدعومة.



#ناجح_العبيدي (هاشتاغ)       Nagih_Al-obaid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المطلوب معجزة اقتصادية عراقية!
- الكاظمي: لا مفر من صندوق النقد الدولي!
- الإعلام وإغواء السياسة
- من روسيا مع الحب: رسائل بوتين الكورونية
- ما بعد كورونا: معالم نظام عالمي جديد؟
- هل سيفتك فيروس كورونا بالرأسمالية؟
- كورونا يفتك بالاتحاد الأوروبي
- العراق بين إفلاسين
- الانتفاضة العراقية ومأزق الدولة الريعية
- ملأنا البر حتى ضاق عنا...
- نهاية عقد ..بداية عهد!
- الحمقى ينتصرون دائما!
- الحلبوسي وجائزة نوبل للاقتصاد!
- العراقيون بين واقع البطالة وحلم التعيين!
- دين الغرب الجديد وأنبياؤه وشهداؤه
- ابن خلدون والمعادلة الصعبة بين الدولة والاقتصاد
- الثورات العربية وأوهام التغيير
- مارشالات وعرفاء
- سعر الإنسان لدينا ولديهم؟
- هل سيتعلم المسلمون من نيوزيلندا؟


المزيد.....




- أوكرانيا تبيع أصولا مصادرة من شركات تابعة لأحد أكبر البنوك ا ...
- مصر.. قرار جديد من وزارة التموين بشأن ضبط أسعار السكر
- أصول صندوق الاستثمارات العامة السعودي تتجاوز 749 مليار دولار ...
- أميركا تفرض عقوبات جديدة على سفن وأفراد وشركات إيرانية
- مجلس صناعات الطاقة: الإمارات تحقق تقدما بمجال الطاقة الخضراء ...
- أرامكو السعودية تعلن -شراكة عالمية- مع -فيفا- لمدة 4 أعوام
- أسواق الخليج تهبط وسط إعلان لنتائج الشركات ومخاوف جيوسياسية ...
- بوتين يعلنها: روسيا ستواجه قريبا -نقصا في الكوادر-
- عجز الميزان التجاري الأميركي يرتفع 12 بالمئة في مارس
- مساعدات أميركا لأوكرانيا وإسرائيل تعزز أرباح لوكهيد و-RTX-


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - ناجح العبيدي - هناك شبح يجول حول العالم، إنه شبح التضخم!