أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح العبيدي - الكاظمي: لا مفر من صندوق النقد الدولي!















المزيد.....

الكاظمي: لا مفر من صندوق النقد الدولي!


ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)


الحوار المتمدن-العدد: 6561 - 2020 / 5 / 11 - 23:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بدت أسواق النفط العالمية وكأنها ترسل إشارة إيجابية إلى رئيس الوزراء العراقي الجديد. بالتزامن مع موافقة البرلمان العراقي على منح الثقة لحكومة مصطفى الكاظمي في 7 أيار/مايو الجاري عاد سعر مزيج برنت للنفط الخام للارتفاع ليلامس حاجز الثلاثين دولارا للبرميل محققا قفزة كبيرة. غير أن رجل المخابرات يعرف جيدا أن هذا التعافي من مستويات هي الأدنى منذ 18 عاما ليس سوى نقطة ماء فوق صفيح ساخن. عندما برز أسم الكاظمي كمرشح للمنصب قبل أكثر من شهرين كان سعر البرميل يقارب الستين دولارا أي الضعف. وبسبب التخمة في عرض النفط الخام اتفقت منظمة الدول المصدرة للنفط / أوبك مع المنتجين المستقلين وفي مقدمتهم روسيا والمكسيك على تخفيضات تاريخية في معدلات الإنتاج تصل لخمسة عشر مليون برميل يوميا. وبحسب وزير النفط السابق ثامر الغضبان فإن العراق ملزم بتقليص صادراته النفطية بنسبة 23%، أي ما يزيد عن مليون برميل يوميا. وإذا كان البرلمان العراقي قد أجل التصويت على منصب وزير النفط في كابينة الكاظمي، فإن تعيين وزير المالية علي علاوي، وزيرا للنفط بالوكالة يبعث أيضا رسالة هامة إلى داخل العراق وخارجه. فعلاوي وهو خبير مالي مخضرم عمل أيضا لدى البنك الدولي ووزير مالية سابق، يعرف جيدا من الآن بأن العراق ونتيجة لتهاوي الأسعار وتراجع الانتاج ملزم بأن يتدبر أمره بأقل من نصف الإيرادات النفطية مقارنة بعام 2019. وهذا يعني ببساطة بأن الإفلاس سيكون مصير العراق إذا لم يتحرك رئيس الوزراء الجديد سريعا لتطبيق خطة إنقاذ مالية، كما فعل سلفه حيدر العابدي بعد مجيئه للحكم عام 2014 عندما واجه كارثتين في آن واحد، اجتياح تنظيم داعش الإرهابي لثلث العراق وانهيار أسعار النفط.
الآن أيضا يكافح الكاظمي على جبهتين رئيستين ومترابطتين، هما أزمة وباء كورونا ونزول أسعار النفط إلى مستويات متدنية. بلا ريب تضع هاتان الصدمتان البلاد أمام مفترق طرق، إذ لم تقتصر تداعيات جائحة كورونا على القطاع النفطي فحسب، وإنما أصابت أيضا بالشلل قطاع السياحة الدينية الذي ساهم على مدى السنوات الماضية في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي في النجف وكربلاء والكاظمية ومناطق أخرى. لهذا يبدو في حكم المؤكد أن الكاظمي ووزير ماليته علاوي لن يقدرا على تجنب الإفلاس الوشيك وضمان دفع مرتبات جيش الموظفين الحكوميين والمتقاعدين في الأشهر القادمة دون مساعدة خارجية. والبوابة لهذه المساعدة يحتفظ بمفاتيحها صندوق النقد الدولي. صحيح أن وصفة الصندوق مرفوضة شعبيا وكذلك سياسيا، وخاصة من قبل قوى اليسار وتيارات في الإسلام السياسي، إلا أنه ليس هناك خيار آخر أمام العراق سوى اللجوء للمؤسسة المالية الدولية، لا سيما وأن احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي والبالغة 60 مليار دولار يمكن أن تستهلك خلال سنة ونصف إذا بقيت الأمور على حالها. فالصندوق ليس في حاجة للعراق وإنما العكس لأن الاقتصاد العراقي يعاني من اختلالات بنيوية في الموازنة العامة للدولة وفي الميزان التجاري وميزان المدفوعات والتي لن تحل بالشعارات وإنما تتطلب خطوات فورية لا تقبل التأجيل. وهذا ما أدركته الحكومة اللبنانية التي قدمت مؤخرا طلبا للمساعدة في ظل أزمة اقتصادية ومالية خانقة.
هذا ما فعله أيضا حيدر العبادي عندما نجح جزئيا في الحصول على مساعدات سخية من العديد من الدول الصناعية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا والصين واليابان بهدف دعم العراق لكي يقف على قدميه أمام داعش. بالطبع لم تكن هذه الدول لتمد يد العون لبلاد الرافدين لولا صدور ضوء أخضر من صندوق النقد الدولي بعد اتفاقه مع الحكومة العراقية على حزمة إصلاحات، وإن لم يتم تطبيقها كاملا في ظل هشاشة الوضع السياسي العراقي وتغلغل منظومة المحاصصة والفساد في مفاصل الدولة والمجتمع.
على الأرجح سيكون صندوق النقد الدولي هذا المرة أيضا مستعدا لمد العون للعراق في محنته، ولكن طبعا ليس دون شروطه المعروفة، وفي مقدمتها الاتفاق على برنامج إصلاحات اقتصادية صارمة لإعادة الاستقرار المالي والنقدي واحتواء عجز الموازنة العامة وميزان المدفوعات. لكن هذه المرة ستكون الشروط على الأرجح أقسى مقارنة بعام 2014. صحيح أن واشنطن ولندن والسعودية وبلدان أخرى رحبت بتولي الكاظمي لمنصبه الجديد، ولكن العالم كله يعاني حاليا جراء جائحة كورونا من أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ أزمة الكساد العظيم في نهاية عشرينيات وأوائل ثلاثينيات القرن الماضي.
هذه المرة سيكون سعر صرف الدينار العراقي في مقدمة اهتمام الصندوق ومن ورائه الولايات المتحدة التي تملك أكبر حصة في رأسماله. صحيح أن البنك المركزي العراقي نجح حتى الآن في الحفاظ على ثبات السعر الرسمي لصرف العملة الوطنية (1190 دينارا للدولار الواحد)، إلا أن قيمة الدينار تعرضت في السوق الحرة مؤخرا لضغوط كبيرة على خلفية الانهيارات المتتالية في السوق النفطية الأمر الذي تجسد في اتساع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والموازي. وبمرور الزمن ستتلاشي قدرة البنك المركزي على الدفاع عن ثبات سعر الصرف ضمن مستوياته الحالية الأمر الذي يدعو إلى تخفيض قيمة العملة الوطنية. وهو إجراء منطقي في ظل الظروف الحالية وله نتائج إيجابية مباشرة على الوضع المالي للدولة. فلو خفض سعر الصرف بنسبة 10% فإن ذلك سيعني تلقائيا ارتفاع إيرادات الحكومة بالدينار من الصادرات النفطية بنفس النسبة. بهذا تتحسن إمكانيات الدولة على دفع فاتورة المرتبات الباهظة. في الوقت نفسه سيتراجع الطلب على العملة الصعبة وستزداد الأسعار المحلية للسلع المستوردة. كما سيعني ذلك تحسنا في القدرة التنافسية للإنتاج المحلي، لا سيما المنتجات الزراعية التي تسجل قدرة متنامية على تغطية الطلب المحلي. صحيح أن تخفيض سعر الصرف سيعني أيضا ارتفاعا في أسعار الكثير من المواد المعيشية الضرورية، وبالتالي سيؤثر على مستوى معيشة فئات اجتماعية واسعة، لا سيما من ذوي الدخل المحدود، إلا أن هذا الإجراء لا مفر منه في ظل الظروف الحالية الصعبة.
من المحتمل أيضا أن يصر صندوق النقد الدولي على تعويم الدينار العراقي وتوحيد سعر صرفه وترك تحديده لقوى السوق والعرض والطلب دون تدخل مباشر من الدولة ، كما حدث في مصر قبل عدة سنوات. وهي خطوة جريئة تتطلب الدراسة الجدية والعمل على تطبيقها وفقا لخصائص الاقتصاد العراقي ولكن بعد انجلاء الموقف فيما يخص وباء كورونا. وفي هذا المجال يُستحسن إيجاد ترابط بين سعر صرف الدينار وسعر النفط العالمي، وهي طريقة أثبتت جدواها في روسيا التي نجحت إلى حد بعيد في احتواء تداعيات انهيار أسعار النفط في عام 2014 ومواجهة العقوبات الغربية على خلفية ضمها لشبه جزيرة القرم.
من دون شك ستكون مراجعة ميزانية الدولة لعام 2020 أول تحدٍ صعب لوزير المالية الجديد علي عبد الأمير علاوي. لن يجد علاوي خيارا سوى اتخاذ إجراءات تقشفية صارمة وفرض استقطاعات وضرائب جديدة بهدف تعبئة موارد إضافية والحد من استنزاف المال العام. وكلها إجراءات مؤلمة وستصطدم بمقاومة المتضررين، وخاصة طبقة الموظفين الحكوميين ذات الحجم والنفوذ الكبيرين.
سيكرر بالطبع صندوق النقد الدولي طلباته بضرورة إعادة هيكلة القطاع العام وإيقاف التعيين في أجهزة ومؤسسات الدولة المتضخمة أصلا وحل مشكلة العمالة الحكومية الفائضة التي تلتهم حصة كبيرة من المال العام دون أي جدوى اقتصادية، بل على العكس. فالبيروقراطية المتضخمة تلعب دورا بالغا في تعطيل التنمية وتحجيم القطاع الخاص وتفشي الفساد.
كما سيركز الصندوق اهتمامه من جديد على قطاع الكهرباء حيث يزيد العجز (أي الفارق بين النفقات التشغيلية – دون النفقات الاستثمارية – وبين الإيرادات المحصلة) عن خمسة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أي أكثر من عشرة مليارات دولار، وهو رقم هائل يجسد حجم المشكلة التي تترافق مع تقديم خدمات يرثى لها. هنا لا بد من مراجعة أشكال الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر لتوليد الكهرباء وإعادة النظر بالتسعيرة بطريقة عادلة وضمان استيفاء ثمن الخدمة من المستهلكين ومحاربة التجاوز على الشبكة.
بحكم عمله في المخابرات يعرف الكاظمي جيدا أن تمرير هذه الإصلاحات وغيرها سيكون مستحيلا دون التعامل الذكي مع مطالب الحراك الشعبي وموجة الاحتجاجات العارمة التي بدأت في مطلع تشرين الأول/أكتوبر 2019. من المؤكد أن الشباب الغاضب سيقف مبدئيا ضد أي محاولة جادة لإصلاح القطاع العام وإيقاف التعيين وغيرها من القرارات التي ستمس على المدى القصير مصالح أوساط واسعة من الخريجين والعاطلين عن العمل.
كما سترى الفئات البيروقراطية المتحكمة بالقطاع العام ومن ورائها أحزاب متنفذة في مثل هذا الإجراءات تهديدا مباشرا لمصالحها ومحاولة لمنع استغلالها للمال العام واستخدامها لقطاع الدولة كبقرة حلوب. من البديهي أن تحاول هذه القوى وغيرها ركوب موجة الرفض ضد أي اتفاق مع المؤسسة المالية العالمية ورفع شعارات ظاهرها الدفاع عن "الفقراء والمستضعفين" وباطنها الإبقاء على قنوات الفساد ومصادر تبديد المال العام. وستوظف هذه القوى نظريات المؤامرة المنتشرة في الثقافة السياسية العراقية والتي ترفع دائما لواء المعارضة لما يدعى بوصفة صندوق النقد الدولي دون محاولة جدية لفهم الظروف الطارئة التي تحتم تطبيقها.
لن ينجح الكاظمي في تمرير أية إصلاحات جدية دون إرضاء الشارع المنتفض ومراعاة التوزيع العادل للتكاليف الاجتماعية للإصلاحات، ولن يتحقق ذلك من دون إثبات جديته في مكافحة الفساد وتقديم بعض الحيتان الكبيرة للمحاكمة ومعاقبتها. علاوة على ذلك لا بد أن تبدأ إجراءات التقشف الضرورية بمرتبات ومزايا الوزراء وأعضاء مجلس الشعب وأصحاب الدرجات الخاصة وظاهرة الموظفين الفضائيين وازدواج المرتبات.
ما عدا ذلك لن يجد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي ووزير ماليته علي علاوي بديلا لطرق أبواب صندوق النقد الدولي.



#ناجح_العبيدي (هاشتاغ)       Nagih_Al-obaid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإعلام وإغواء السياسة
- من روسيا مع الحب: رسائل بوتين الكورونية
- ما بعد كورونا: معالم نظام عالمي جديد؟
- هل سيفتك فيروس كورونا بالرأسمالية؟
- كورونا يفتك بالاتحاد الأوروبي
- العراق بين إفلاسين
- الانتفاضة العراقية ومأزق الدولة الريعية
- ملأنا البر حتى ضاق عنا...
- نهاية عقد ..بداية عهد!
- الحمقى ينتصرون دائما!
- الحلبوسي وجائزة نوبل للاقتصاد!
- العراقيون بين واقع البطالة وحلم التعيين!
- دين الغرب الجديد وأنبياؤه وشهداؤه
- ابن خلدون والمعادلة الصعبة بين الدولة والاقتصاد
- الثورات العربية وأوهام التغيير
- مارشالات وعرفاء
- سعر الإنسان لدينا ولديهم؟
- هل سيتعلم المسلمون من نيوزيلندا؟
- الجيش العراقي ’’الباسل’’
- خاشقجي وتروتسكي وما بينهما


المزيد.....




- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ناجح العبيدي - الكاظمي: لا مفر من صندوق النقد الدولي!