أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - ديزموند وقوس القزح














المزيد.....

ديزموند وقوس القزح


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 7128 - 2022 / 1 / 6 - 12:36
المحور: الادب والفن
    


"الدين كالسكّين تستطيع أن تستخدمه لقطع الخبز أو تغرزه في ظهر أحدهم"، وهو يمثّل جوهر فلسفة ديزموند توتو كبير أساقفة جنوب أفريقيا، الحائز على جائزة نوبل للسلام العام 1984 ، الذي اعتبر العدالة أساس الإصلاح، حيث لا ينتهي بوقف المظالم، بل يتطلّب تحقيقها وإلّا فإن الواقع سيكون أكثر سوءًا.
وبقدر معاداته للعنصرية، إلّا أنه رفض فكرة الإنتقام واعتبرها ليست حلّاً، لأن ذلك سيؤدي إلى استمرار العنف الذي سيأخذ دورة متواصلة والانتقام لا يجلب السلام بقدر ما يولد الكراهية وهذه الأخيرة إذا ما سادت تنجب كراهية مضادّة، وهكذا يستمر الحقد لينتج حقداً آخر، وحسب بوذا: إذا رددنا على الحقد بالحقد فمتى سينتهي الحقد؟ فمن دون التسامح لن يكون هناك مستقبل. لذلك دعا إلى أن يكون السود لطفاء مع البيض الذين سيحتاجون إلى "إعادة إنسانيتهم" ، وهو يُرجع العنصرية في أحد أسبابها إلى النظام الإجتماعي، كما يتمّ توظيفها اليوم سياسياً في قضايا المهاجرين، التي يتمّ التلاعب بها وفقاً لمصالح وأهواء إنتخابية وأنانية.
وكان ديزموند داعيةً حقيقياً للسلام، فالسلام كمبدأ إنساني ينبغي الوصول إليه مع الأعداء. ومن أقواله أن "إنسانيتي مرتبطة بك، لأنني لا يمكن أن أكون إنسانياً من دونك". ودعوته تلك لا تعني الوقوف على الحياد في حالة الظلم، وإلّا سيعني ذلك اختيار الظالم وتفضيله على المظلوم.
العالم الذي نعيش فيه حسب ديزموند، هو عالم يمتاز بالتنوّع على الرغم من الإصرار على رفض الاختلاف أحياناً وإبعاد الشخص المختلف، ولذلك كان يردّد "ليكن قلبك أرحب من مساحات العالم ... إهدم في أعماق روحك جميع الحدود الجغرافية واللغوية والدينية والاجتماعية التي شيّدتها أنانية البشر".
قاد ديزموند مع نيلسون مانديلا المفاوضات لإنهاء نظام الفصل العنصري بعد إطلاق سراح الأخير العام 1990 بتأكيد الديمقراطية التعدّدية للأعراق كافة ولمختلف الانحدارات السلالية واللغوية والاجتماعية، وسعى لتشكيل حكومة للوحدة الوطنية العام 1994 برئاسة مانديلا، وترأّس فيها لجنة الحقيقة والمصالحة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان السابقة التي ارتكبتها الجماعات المؤيدة والمناهضة للفصل العنصري على حد سواء. وهو الذي سكّ مصطلح "أمّة قوس قزح" الذي يعني التنوّع والتعدّدية.
خلال زيارتي لجنوب أفريقيا لحضور مؤتمر ديربن ضدّ العنصرية العام 2001 ، حرصت على التدقيق في بعض جوانب تجربة التحوّل الديمقراطي والعدالة الإنتقالية، التي قامت على كشف الحقيقة والمساءلة وجبر الضرر بتخليد أسماء الضحايا ، إضافة إلى تعويضهم أو تعويض عوائلهم وإصلاح النظام القانوني والقضائي وأجهزة إنفاذ القانون وصولاً لتحقيق المصالحة الوطنية والمجتمعية.
كان البعض من البيض يعتبره متطرّفاً لأنه تولّى مسؤولية المساءلة عن الارتكابات السابقة، في حين أن بعض السود يعتبرونه اصلاحياً وغير راديكالي أو جذري، لأنه لا يميل إلى العنف والانتقام، وانتقده اليساريون لبعض مواقفه الفكرية إزاءهم، وأدرك ديزموند أن رحلة ما بعد النظام العنصري ينبغي أن تكون مختلفة عمّا قبلها، ليس لاعتبارات "الأقلية" و "الأغلبية"، كما كان سائداً، وإنما بتأكيد مبادئ المساواة والتنوّع العرقي والتعدّدية، وكان هو من دعا إلى ذلك منذ العام 1976 إثر أحداث سويتو التي انفجرت بالاحتجاج الشعبي للسود على إجراءات نظام بريتوريا العنصري، وأطلق حملة عالمية لمقاطعة النظام العنصري ومنع توريد الأسلحة إليه للضغط عليه للتراجع. وحين حصل ذلك في العام 1989 رحّب بالإصلاحات التي اضطّرإليها رئيس البلاد ويليم دي كليرك والتي شملت رفع الحظر عن المؤتمر الوطني الأفريقي وإطلاق سراح مانديلا، وفيما بعد التهيئة لإجراء إنتخابات في إطار التعدّدية.
وكنت قد تابعت مواقفه حتى بعد توليه رئاسة لجنة الحقيقة والمساءلة، حيث انتقد بعض إجراءات الحكومة في عدم دفع تعويضات مناسبة للضحايا، كما انتقد إخفاقاتها في محاربة الفقر، وهو الوجه الآخر للعنصرية.
وبقدر ما كانت مواقفه إنسانية على صعيد الداخل الجنوب أفريقي، فقد كان موقفه هذا أفريقياً بشكل عام، بل عالمياً، لأن الموقف الإنساني لا يتجزأ، ورسالة الدين إنسانية وعادلة بعيدة عن الأغراض السياسية والمنافع الشخصية والمصالح الفئوية الضيقة، ومن هذا المنطلق كان موقفه مسانداً لحق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره وهو ما كان ضمن قرارات مؤتمر ديربن ضدّ العنصرية والممارسات "الإسرائيلية".
كما عارض الحرب على العراق العام 2003 ، ودعا رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ورئيس الولايات المتحدة جورج بوش الابن الاعتذار عن شنّ هذه الحرب غير الأخلاقية.
إن رحيل ديزموند يُعتبر خسارة كبيرة. فقد لمع أسمه منذ السبعينيات، ليس على صعيد المواقف السياسية الكبرى وقضايا السلام بشكل عام، بل بشأن حقوق النساء، فحين أصبح رئيساً لأساقفة كيب تاون العام 1986 ، أشرف على تقديم الكهنة من النساء، كما عمل لاحقاً رئيساً للتحالف الدولي لمحاربة مرض الإيدز، معتبراً أن تلك المهمة الإنسانية جزءًا من عمل رجال الدين.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مولر وفلسفة اللّاعنف
- حوار جريدة الحقيقة مع المفكّر والأكاديمي عبد الحسين شعبان
- سمفونية الرماد
- السياسة والفكر: أية علاقة؟
- فضيحة الشهادات المزورة في العراق
- العشائر والجذور الاجتماعية للسياسات العراقية المعاصرة
- خمسون سنة حوار ولا ساعة حرب
- السينما والذاكرة المشتركة
- هشام جعيط -الفتنة- المستمرة
- السيد محمد حسن الأمين: عمامة وعلمانية
- الإمارات : رؤية ما بعد الخمسين
- العروبة المؤنسنة
- الصين: الحضور الاستراتيجي
- عشر دقائق مع الحلاج
- صورة الأردن في العالم في 100 عام / الملك حسين الاستثناء في ا ...
- صورة الأردن
- ثقافة اللاّعنف
- الوهم الديمقراطي
- مناظرة السليمانية : واستذكارات الحوار العربي - الكردي
- السلطة ذكورية ولا كتابة حقيقية دون جرأة


المزيد.....




- الكويت.. تاريخ حضاري عريق كشفته حفريات علم الآثار في العقود ...
- “نزلها لعيالك هيزقططوا” .. تردد قناة وناسة 2024 لمتابعة الأغ ...
- تونس.. مهرجان الحصان البربري بتالة يعود بعد توقف دام 19 عاما ...
- مصر.. القضاء يحدد موعد الاستئناف في قضية فنانة سورية شهيرة ب ...
- المغربية اليافعة نوار أكنيس تصدر روايتها الاولى -أحاسيس ملتب ...
- هنيدي ومنى زكي وتامر حسني وأحمد عز.. نجوم أفلام صيف 2024
- “نزلها حالًا للأولاد وابسطهم” .. تردد قناة ميكي الجديد الناق ...
- مهرجان شيفيلد للأفلام الوثائقية بإنجلترا يطالب بوقف الحرب عل ...
- فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي ...
- انقاذ سيران مُتابعة مسلسل طائر الرفراف الحلقة  68 Yal? Capk? ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحسين شعبان - ديزموند وقوس القزح