أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماء محمد مصطفى - شجرة القلوب السماوية / قصة قصيرة














المزيد.....

شجرة القلوب السماوية / قصة قصيرة


اسماء محمد مصطفى
كاتبة وصحفية وقاصّة

(Asmaa M Mustafa)


الحوار المتمدن-العدد: 7106 - 2021 / 12 / 14 - 20:28
المحور: الادب والفن
    


"الى ابنتي الراحلة الحاضرة ، الرسامة والإنسانة الملهمة سماء الأمير"
وحيدة ، يدور بي دولاب الهواء المطل من المتنزه العام على حديقة داري ، أفكر بمصير خصلة الشعر الشقراء التي عثرت عليها في مجفف الشعر ، ووقعت من يدي في الحديقة وأنا في طريقي للمتنزه ، فدفنتها ، وأكملت سيري .
غمرني شعور غريب يجمع بين حزن وفرح ، حين عثرت على تلك الخصلة . شممتها . قبلتها. فقدت شعوري بأي شيء منذ بعض الوقت حتى لحظة عثوري على الخصلة . استفقت ذا يوم وأنا فاقدة ذاكرة حياتي وثوبي الأسود الذي ارتديه والثياب السود الأخرى التي وجدتها في خزانة الملابس . كان صمت الضياع يتجول بضجة في رأسي .. او رأسي كان يتجول بصمت وسط ضجة الضياع . لاأعرف كيف أصف شعور تصفير ذاكرتي ؟!! حتى دغدغت تلك الخصلات العطرة قلبي وأنا أسحبها من مجفف الشعر الذي كان على حافة الشباك . وتعلقت عيناي عبر الأفق الممدود وراء زجاج الشباك بأعالي دولاب هواء يتراءى من وراء أشجار تنتشر في الشارع بانتظام جميل .
يدور بي الدولاب ، ويسعدني شعور الطيران ، وفي كل دورة له أنظر بإتجاه مدفن الخصلة . أقول لنفسي .. إذا كانت البذرة في تراب الأرض تنمو الى وردة او شجرة ، فقد يكون بالإمكان أن ينمو من خصلة الشعر شيء ما !!
في دورة أخرى للدولاب ، ينمو المزيد من الجنون في رأسي وقلبي ، كأنني زرعت مع الخصلة هذا الجنون . يصعد أناس كبار وصغار ، ينزلون ، وأنا متسمرة في مقعدي ، وقلبي ينبض بشدة كلما يتراءى لي وجه صبية بشعر أشقر ، لاأعرفها ، وقد أعرفها .. أشعر بجمال التحليق حين يصل الدولاب بي للأعلى حيث أرى العالم من فوق ، وكلما رأيت شيئا جميلا في تلك الجغرافيات الممتدة أمام عيني ، يعود خيال الصبية جالساً الى جانبي . شيئا فشيئا لايعود خيالاً ، يستمرالدوران ، احتضن الصبية ، نضحك معاً ، ألمس شعرها الأشقر ، وأنظر الى حيث دفنت الخصلة .
أنظر بدهشة الى الصبية التي تقول لي ، قبل أن تغادر المقعد وتغيب عن ناظري من غير أن أعرف أين ذهبت ، شكرا ، لأنّ قلبك دلّكِ عليّ .
يااااه ، ذا يوم بعيد ، قلتُ لابنتي الجميلة إن ذاكرتي ضعفت وأخشى أن أنسى المزيد . سألتني .. وماذا عني إن نسيتني ؟ أجبتها .. أنتِ بالذات ، إن نسيتُ العالم كله ، قلبي سيدلني عليكِ .
بقيت وحدي بعد أن غادرتني ابنتي الصبية الى عالم آخر ، واستسلمتُ لفقدان الذاكرة كأنني أردت الهرب من الوجع الذي كاد يفتك بي ، بل لأنّ العالم الذي انتمي له لم يعد يعنيني .
الآن ، تغادرني صبيتي مجدداً ، لكنني أدرك أن دفني خصلة شعرها لم يكن عبثاً او مصادفة . كأنني خارج ذاكرتي المفقودة كنت أصنع ذاكرة متشبثة بحبل لامرئي يصلني بالسماء حيث أسأل خالقي أن يلبي رغبة لاعقلانية تعيد تشكيل قلبي المتكسر .
تتوالى الفصول على حلمي ولوعتي وانتظاري وأنا أدور بالدولاب ، ولاشيء ينبت في تلك البقعة ، حتى تطلق عيناي نهراً دمعياً الى هناك . هو آخر سقية من قلبي المفرط أمومةً .
ذا ربيع ، يستفيق الفجر في عيني وأنا ماكثة في مقعدي ، على أصداء زقزقة في الحديقة ، وشجرة جذعها بلون أشقر ، وأغصانها وأوراقها بلون السماء ، ترتفع من البقعة تلك ، ثمارها قلوب بلورية ، ملونة ، والطيور تحطّ على الأغصان ، وثمة أطفال يهرعون للتسلق عليها ، يصنعون على الأغصان أعشاشاً ، كأنهم طيور ، يربط بعضهم بأغصانها حبالاً صانعين منها أراجيح .
تظهر ابنتي لي محلقة على أغصان الشجرة ، والنسيم يداعب شعرها الأشقر . تلوح لي بقلب نقي تعلقه على أحد الأغصان بينما تستمر الشجرة في النمو حتى تعانق الغيوم التي يتحول بعضها الى خيول للأطفال المتقافزين عليها . يندي غيثها الشجرة والقلب المعلق .. نعم ذاك قلبي المتعافي في مشفى ذاكرة الحب ، بل هو قلب ابنتي الذي يشفيني من داء الحزن . تستمر الشجرة في صعودها ، أمام دولاب الهواء الذي يواصل دورانه بي ، وأنا أضحك .. أضحك .



#اسماء_محمد_مصطفى (هاشتاغ)       Asmaa_M_Mustafa#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ورد السماء / قصة قصيرة
- قصة قصيرة / الأخرى
- ألاّ أنتِ ، ولدتِ من قلبي
- رشات من ماء ورد قلبي على ذكراك
- الى أن أذهب اليكِ
- ماذا يعني أن تكوني صحافية ناجحة ؟
- تبادل أدوار
- كراسة تشرين / (1)
- دور الإعلام في ترسيخ القيم والذوق العام
- العالم يقف على قدم واحدة أمام كورونا المتمدد
- أمثال من وحي ساحات التحرير
- (كذلك) .. قصص عن حياةٍ كالموت ، بل إنها .. كذلك !
- التفاعل مع الحقيقة المُرّة على أنها حلوة
- العراق فيه هؤلاء
- (مساج) العقل / (8)
- (مساج) العقل / (7)
- (مساج) العقل / (5)
- نوارس الذكريات .. تغني وترقص أيضاً
- (مساج) العقل / (4)
- شبكة الحياة لوحة رسم في الذكرى السنوية الاولى لتأسيسها


المزيد.....




- -ميتا- تعتذر عن ترجمة آلية خاطئة أعلنت وفاة مسؤول هندي
- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماء محمد مصطفى - شجرة القلوب السماوية / قصة قصيرة