أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - حكاية من وحي المجتمع... أنا شاب، عالة على أسرتي...















المزيد.....

حكاية من وحي المجتمع... أنا شاب، عالة على أسرتي...


عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 7100 - 2021 / 12 / 8 - 13:46
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


حصلت على الشهادة الجامعية بعد طول انتظار ومعاناة كبيرة، مررت خلالها بعدة تحديات وصعوبات. كانت أولها تدببر متطلباتي اليومية بالدراهم المعدودات التي أحصل عليها من عائلتي، وذلك منذ أنْ غادرت قريتي بالجبل لإتمام دراستي بإحدى الإعداديات بدمنات...

كلما حل فصل الشتاء، كانت تتجمد أطرافي، فكنت لا أقوى على الكتابة وأحيانا تتلعثم الكلمات في فمي من كثرة ما يهتز من شدة البرد. نعم، أيام تحملتها لأن أسرتي ظلت تردد على مسامعي، لن ينقذك يا ابني من الفقر والعوز سوى الحصول على شهادة... فكنت كلما اجتزت مرحلة من مراحل مشواري الدراسي إلاّ والأمل يكبر معي، لأني قريب من معانقة الحياة وتحقيق اندماج اجتماعي واقتصادي... نعم، لقد كبر الحلم معي لأصبح مواطنا فاعلا في المجتمع...

بني ملال هي المدينة الكبيرة والجميلة التي كنت أحلم بزيارتها، إنها تمثل التقدم والمستقبل لكل شاب أو شابة بقريتي الجبلية. أتذكر يوم التحقت بها من أجل متابعة دراستي الجامعية. حينها، وجدتها جميلة وتشتمل على كل ما يمكن أن أحلم به أو يحلم به شاب قادم من الجبل. لقد رأيتها تضمني إليها وتعدني بالمستقبل...عندما نزلت من الحافلة لأول مرة للذهاب إلى الكلية ب"مغيلة" من أجل وضع ملف التسجيل وبدء مشواري الجامعي، كانت السماء زرقاء وقوس قزح يتخللها، ابتسمت لها وأقبلت عليها بكل حماس وجد... عند كل عطلة دراسية، كانت أسرتي ترحب بي وتوفر لي وسائل المطالعة؛ وفي نفس الوقت تخطط في كيفية توفير احتياجاتي من الطعام، مثال زيت الزيتون (أو ما يطلق عليه الزيت البلدي)، قطاني وغيرها. لقد ظلت نصائح أسرتي تلاحقني وتشجعني. فكنت أضغط على نفسي أكثر فأكثر وأُمنيها أن الفرج قريب. فما هي سوى بضع شهور، وأحقق حلمي وحلم أسرتي...

مع مرور الوقت في الكلية، ومع مَنْ هُم وهن مثلي (وهم/هن كثيرون/ات) القادمون والقادمات من مختلف ربوع جهة بني ملال ـ خنيفرة، اكتشفت أن بني ملال هي مدينة متوسطة لا تشبه المدن الكبرى بالمغرب كطنجة والدار البيضاء ومراكش وأكادير وغيرها. الأمَرُّ في ذلك أن فرص العمل بها شبه منعدمة!! وهذا لمسته عندما كنت أبحث عن مكان للتدريب من أجل إنجاز بحث التخرج... وهكذا، بدأت الغيوم تتكبد بسمائي الزرقاء التي استقبلتني لأول مرة عند قدومي لبني ملال، وتحول قوس قزح إلى سلسلة تلتف حولي شيئا فشيئا. وعلى الرغم من كل ذلك، لم أستسلم و لم أتراجع. فكنت أردد في نفسي: "من جَدَّ وَجَدَ"... و"مَن زَرع حَصد"...

تحملت معاناتي في صمت. لم أكن أحمل همومي وأحزاني وحاجياتي إلى أسرتي. وكيف لي ذلك، وأنا أعلم بحالهم المادي. لقد كنّا كمعظم سكان قريتي نعيش بما تُجيده علينا الطبيعة. على الرغم من قسوتها، فإنها المُعيل لنا، لا نتهاون في خدمتها لتمنحنا من ثمارها ما يعيننا على العيش...

لقد كنت مع مجموعة أخرى من شباب وشابات القرية قدوة ورمز للمثابرة والاجتهاد. لذا، عندما حصلت على الشهادة الجامعية، بات الكل ينتظر طبيعة العمل الذي سأحصل عليه. وانتشر الخبر في القرية، ابن فلان حصل على شهادة جامعية "كبيرة". المضحك في الأمر أن عائلتي خططت لتزويجي حتى لا تفسد بنات المدينة أخلاقي!!... فقلت في نفسي من ستقبل بمثلي، فأنا لا أملك ثمن مشروب واحد في المقهى، فبالأحرى مشروبين... همست لنفسي بذلك في أحد الأيام وابتسمت، فظنت أسرتي أني سعيد بمشروعها...

أتذكر أول مباراة اجتزتها، وكيف أعدت لي أمي أشهى فطور، ولبست أجمل ثيابي... وبعدها، أصبحت أفكر ألف مرة قبل أن أخبر عائلتي بأن علي السفر إلى إحدى المدن من أجل فرصة عمل، فذلك أصبح يرهقها ماديا؛ وبدأت أتيقن يوما بعد يوم أني أصبحت عالة على عائلتي خاصة أنه مرت سنتَين بعد حصولي على الشهادة الجامعية...

لم أكن يوما عاطلا عن العمل. فمنذ نعومتي، وأنا أساعد أسرتي في كل ما يطلب منّي. لكن، اليوم أُحس بأني مهزوم وعالة على أسرتي وقريتي ومجتمعي، بل أني عالة على العالم... لقد أصبحت الحياة تخنقني. لم أعد أطيق نفسي... وما كان يحز في نفسي أكثر أن كلما سمعت لمسؤولينا الحكوميين، كنت أتيقن أنهم لا يعلمون عن أوضاعنا أي شيء!! لا يعلمون أننا لا نتوفر على أبسط متطلبات العيش الكريم!! ألا يعلمون أن التنقل للبحث عن فرصة العمل، يتطلب ميزانية ستكون على حساب مصاريف أخرى لأسرتي؟...

في يوم من الأيام بعدما وفرت بعض من المال، قررت رفقة شباب من قريتي الهجرة إلى مدينة الدار البيضاء من أجل البحث عن العمل... لقد كنت محظوظا لأني رجل ويمكنني السفر، بينما الفتاتين اللتاني درستا معي في الكلية، فإنهما عادتا لأسرهما وأعادتا إنتاج دورة حياة المرأة القروية...

اكتشفت مع أصدقائي في الدار البيضاء، أن الميزانية التي نتوفر عليها لن تكفينا للتنقل فبالأحرى كراء غرفة... في البداية، ساعدنا أحد المعارف في الاستقرار المؤقت ببيته الصغير الذي يقطنه مع أفراد عائلته. وبعدها بفترة وجيزة، انتقلنا للعيش في غرفة صغيرة بإحدى الأحياء السكنية الهامشية للدارالبيضاء...

حصلت على العمل شبه قاري بعد شهور طويلة من التدريب الذي يعتبر فترة للاستنزاف والاستغلال. لقد كنت مضطراً للقبول... وأصبح الحلم هو الحصول على عقد عمل دائم وأجرة تكفيني لتغطية مصاريفي الشهرية. للأسف، فآخر الشهر هو العاشر منه... فالأُجرة لا تكفي سوى للاستمرار في البقاء على قيد الحياة؛ وإذا صادف وتوقفت عن العمل لسبب من الأسباب فإنك تكون عرضة للطرد من الغرفة أو إنقطاع الكهرباء والماء...

مرت أربع سنوات سريعا، وأنا لم أخرج من دوامتي رغم كل ما قمت به من مجهود... عمل وتكوين مستمر... المنافسة قوية وفرص العمل قليلة. لقد أصبحت أعتقد أني من بين المحظوظين؛ بل أصبحت حامل للأمل للعديدين في قريتي. لقد أصبحت مثال الشاب الناجح!! وكان كبريائي لا يسمح لي بالشكوى...

في كل مرة، كنت أتطلع لبرامج الدولة لعلها تلتفت إلينا وتساعدنا على ما نحن فيه؛ وفي كل مرة أحس بأنها تتراجع عن التزاماتها. رغم ذلك لم يخترق اليأس كياني، وظللت أحلم بأن الفرصة ستأتي سواء في القطاع الخاص أو القطاع العام... بيد أن غياب شروط الاستقرار في القطاع الخاص، يجعلني لا أحلم سوى بمعانقة القطاع العام... فكان التعليم هو الملاذ لمن هم مثلي... بالفعل، سأضحي بالمدينة الكبيرة التي تحسك بأنك على الأقل تنتمي للعصر الواحد والعشرين. اكتشفت أن بني ملال ما هي إلاّ قرية كبيرة. متى تتحول كل مدننا إلى مدن متوسطة توفر لك شروط الحياة العصرية والرقمية، وتتحول إلى مدن ذكية توفر لكل مواطن حياة كريمة، ويحس بأنه آمن من عدم الاستقرار الاقتصادي وتساعده على الاندماج الاجتماعي والمشاركة السياسية؟...

بينما أستعد لاجتياز المباراة، نزل الخبر كالصاعقة. دون مقدمات، تم تحديد السن في ثلاثين سنة... كيف ذلك؟ أنا الآن تجاوزت الثلاثين... لا يعقل... لا أستطيع التصديق... حتى الحلم باجتياز المباراة تبخر!! كنت أعتقد أن الحكومة الحالية، ستمنحني الأمل في بلدي من أجل العيش الكريم بعد سنوات عجاف مع الحكومة السابقة!! كيف يمكن الحكم عليّ وإقصائي من حقّي الإنساني في الولوج لأي عمل من خلال عمري، وليس كفاءاتي وقدراتي المعرفية!! أنا لا زلت قادراً على العطاء... أنا لا زلت قادرا على تطوير مهاراتي وكفاءاتي... أنا...!! الرحمة، لا زالت أسرتي تنتظرني، وتنتظر أن أساعدها على "الحياة"...

فعلا، التعليم يحتاج إلى الجودة، لكن الجودة لا تبدأ من السن، بل هي منظومة شاملة ومتكاملة... يمكن أن أتقبل هذا الشرط الصادم إذا التفتوا إلينا ووضعوا برامج تحمينا من المجهول، من سوق الشغل المتقلب والهش...



#عائشة_العلوي (هاشتاغ)       Aicha_El_Alaoui#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذرات اقتصادية... -المتحور- الكوفيد الاقتصادي في المغرب
- شذرات اقتصادية... بعد السكتة القلبية، الناتو يعلن عن -مشروع ...
- أقصوصة من وحي المجتمع... لقاء خاص مع أطفال هُم لَنَا
- كوفيد19، الحرب ما بين المعلومة والمصلحة
- إما أن -نكون او لا نكون-...
- شذرات اقتصادية. التعليم، لا يمكن تطبيق سياسة النعامة...
- أقصوصة من وحي المجتمع... -اشْرِي مِن عِندِي، أنا دائما عِندِ ...
- منطق الصراع والعودة بعد كل أزمة...
- أنا أضع الكمامة....
- أقصوصة من وحي المجتمع... لهذا تم ضربي...!!
- شذرات اقتصادية ... هل يمكن خلق الأزمة الاقتصادية، مَن المستف ...
- شذرات اقتصادية.... ما بعد كوفيد19، هل تتحقق أفريقزيت (Africe ...
- شذرات اقتصادية... كوفيد19 أو العولمة الكوفيدية تعرِّي بنيات ...
- شذرات اقتصادية... كورونا، الشجرة التي تغطي الغابة...
- شذرات اقتصادية... القرارات الاقتصادية أو اقتصاد -القرار- بمن ...
- شذرات اقتصادية... التنمية والثقافة، أية علاقة؟
- شذرات اقتصادية...التعدد والتنوع المجالي والتنمية، أي تصور لل ...
- شذرات اقتصادية... المرأة والتنمية: المطالبة بالمساواة هي -جر ...
- شذرات اقتصادية... قانون المالية 2020 والطبقة الوسطى ...
- شذرات اقتصادية... حقوق الإنسان والتنمية، أية علاقة؟...


المزيد.....




- وزير سعودي: مؤشرات الاستثمار في السعودية حققت أرقاما قياسية ...
- كيف يسهم مشروع سد باتوكا جورج في بناء مستقبل أفضل لزامبيا وز ...
- الشيكل مستمر في التقهقر وسط التوترات الجيوسياسية
- أسعار النفط تتجه لإنهاء سلسلة خسائر استمرت أسبوعين
- -تيك توك- تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية ...
- المركزي الياباني يثبت الفائدة.. والين يواصل الهبوط
- المغرب يطرح مناقصة لبناء مزرعة رياح بقدرة 400 ميغاوات
- -BHP- للتعدين تريد شراء -أنغلو أميركان- مقابل 39 مليار دولار ...
- الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع
- مساهمو بيانات والياه سات يوافقون على الاندماج لإنشاء SPACE42 ...


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - حكاية من وحي المجتمع... أنا شاب، عالة على أسرتي...