أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية... المرأة والتنمية: المطالبة بالمساواة هي -جريمة- في حق المرأة...















المزيد.....

شذرات اقتصادية... المرأة والتنمية: المطالبة بالمساواة هي -جريمة- في حق المرأة...


عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)


الحوار المتمدن-العدد: 6446 - 2019 / 12 / 25 - 16:12
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


في نهاية السبعينات من القرن الماضي، قررت الصين سن سياسة الطفل الواحد مما أدى إلى ارتفاع معدلات الإجهاض واختلال نسبة الذكور والإناث وارتفاع معدلات الشيخوخة وتراجع عرض العمل. في ظل هذه السياسة، بحثت الأسر عن المولود الذكر لأنه لا يمكن السماح بانتقال أملاك الأسرة إلى أسرة أخرى، وكذا بانتقال تعب وكلفة تربية وتعلم البنت لتستفيد منه أسرة أخرى. لقد كان ولازال الهاجس الاقتصادي هو المحدد في تحديد جنس المولود المرغوب في ولادته.

لم تُقدِّر الدولة الصينية عواقب سياستها تلك وأنه سوف تعاني من أزمة خانقة في تكوين الأسر. فأصبحت عائلات عديدة في طريقها للانقراض، خاصة في البوادي الصينية حيث بدأ الشباب يجد صعوبة في إيجاد فتاة للزواج بسبب أنانية الآباء والمجتمع لأن الكل أراد البحث عن كيفية استمرار اسم عائلته ومعتقداته والعناية بأرضه، ففضل المولود الذكر عن المولود الأنثى. فما كان لشباب بواديها سوى الهجرة إلى المدن أو الخارج (خاصة الفليبين) للبحث عن شريكة الحياة، أو في أحيان كثيرة شراء فتاة السيليكون تحقق شيئا من "التوازن" الذي سيظل بالطبع مفقودا لأنه مجرد من أي تفاعل عاطفي وإنساني.

لقد كان من وراء قرار الطفل الواحد تنشيط اقتصادي وظهور صناعة جديدة تتعلق بإنتاج الدمى الآدمية لتعويض ما يمكن تعويضه في الحياة البشرية. لقد اضطرت الصين إلى التراجع عن هذا القرار وتجريم معرفة جنس الجنين وأتاحت إمكانية ولادة الطفل الثاني لعلها تنقذ مستقبلها من آثار الشيخوخة والعديد من الآفات والأمراض الاجتماعية كالفتور العاطفي، والوحدة، والعزلة، والعزوف اللاإرادي عن الزواج، والانتحار. هل قرار الطفل الواحد خاطئ في بلد يطمح إلى السيطرة العالمية ؟ الأكيد، لا. أين يتجلى إذن الخلل؟ الجواب بسيط، يكمن في النظرة الدونية للمرأة ومكانتها في المجتمع. لو ترك شعب الصين، مصير تحديد جنس المولود للطبيعة، لربما كان هناك توازن، وربما أثبتت سياسة الطفل الواحد نجاعتها خصوصا وأن الكرة الأرضية لن تتحمل المزيد من السكان. إنها سياسة يحتاجها العالم اليوم أكثر وبشدة نظرا لكل الضغوطات على الموارد الطبيعية /الطاقية والمائية/ وما ينتج عنها من أوبئة وحروب وصراعات وتلوث وهجرة. التراجع عن هذه السياسة فرضته الصورة النمطية للمرأة في المجتمع. لتبث لنا أنه يمكن التراجع عن أهداف سيادية مهمة إذا لم تواكبها تغيرات مجتمعية عميقة تدعم أهداف البرامج المسطرة.

للأسف، تُسن القوانين ولا يتم احتساب أضرارها على الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع. ما غيبته الصين في قرارها هو أن قوانين المجتمع لا زالت ظالمة للمرأة. تفضل المولود الذكر لأنه يعتقد بكونه الوحيد المنتج والحامي لرساميل الأسرة وعبرها رساميل المجتمع. كيف يمكن نجاح السياسات -رغم هدفها التنموي والمدافع عن الرفاه الجماعي والفردي- خاصة في بلدان يتسم واقعها الاجتماعي والثقافي بالتمييز والعنف اتجاه النساء؟ كيف يمكن ضمان نجاعة أي نموذج تنموي في تغييب أو وأد إرادي للمرأة؟

ربما ما ينقص في عملية الإصلاح ليس هو توضيح مكانة المرأة في المجتمع ودورها الاقتصادي والاجتماعي لأن معظم مكونات المجتمع يقرون بذلك، ما ينقص فعلا هو فرض الكفاءات النسائية في مراكز القرار بعقد اجتماعي.

رغم استمرارية الفجوة في معدلات التسجيل في المدرسة والبقاء في السلك التعليمي (ارتفاع نسب الهدر المدرسي عند الفتيات)، احتلت الفتيات المغربيات المراتب الأولى في التعليم في السنوات الأخيرة. لقد استطاعت الفتاة أن تتفوق على الفتى في المدرسة والجامعة لأسباب متعددة ربما يعزى هذا الأمر أساسا إلى الضغط الاجتماعي الذي يُفرض عليها لإثبات وجودها الشخصي والأسري، وذلك عن طريق التحصيل العلمي الجيد، فما يكون عليها سوى الكد المستمر لإثبات ذلك وإلا فنصيبها يكون الزواج المبكر، أو العمل الموسمي بدون حماية، أو تهميش اجتماعي، وغيرها من مظاهر الاقصاء. بينما الفتى فإنه ينعم ب"السلام" المجتمعي، لا يحتاج إلى أن يثبت وجوده، فمكانته الاجتماعية تجعله يضمن –بعد ذلك- تفوقه على زميلته في المدرسة والجامعة. فيسجل بذلك تفوقه في مجالات عديدة كالولوج لمجال الشغل مع فارق في الأجرة والاستفادة من الحماية الاجتماعية، وتقلد مناصب المسؤولية، والترقي في السلم الوظيفي، ومناصب المسؤولية داخل الأحزاب السياسية. تفاوتات عديدة تسجل بين المرأة والرجل لا تعكس حقيقة مثابرتها وجديتها في أولى خطواتها في الحياة، لتعزى بالأساس إلى قيود تظل تكبل طاقاتها وتقزم من كفاءاتها وقدراتها والتي هي بالتأكيد يحتاجها البلد كالمغرب لإنجاح أهداف برامجه وسياساته الاقتصادية والاجتماعية.

الفتيات اللواتي استطعن الوصول إلى أهدافهن بالمغرب أو في بلدان تقاسم نفس الواقع، كانت تبدلن مجهودات تساوي أضعاف ما يقوم به نفس الزميل الذي يتوفر على نفس الكفاءات والقدرات. بل ربما –وفي أحيان عديدة- يفضل المجتمع الفتاة دون مستوى دراسي أو بمستوى دراسي ضعيف أو متوسط على فتاة بشواهد وكفاءات عالية. هل القوانين الموضوعة يمكن لها أن تنصف المرأة وتأخذ بعين الاعتبار كل الظلم الذي يلحق بها طيلة عقود من الزمن؟ لا أظن ذلك. هل المساواة في بعدها العمودي والأفقي في السياسات والبرامج الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المسطرة لتحقيق أهداف التنمية ل2030 ستمكن من تحقيق المواطنة الكاملة للمرأة؟ لا أظن ذلك.

لحماية أمن الصين وضمان استمرارها في السيطرة الاقتصادية على العالم، جرمت في الآونة الأخيرة معرفة جنس الجنين قبل الولادة، لأن ليس فقط هاجس الشيخوخة ما أرقها، بل هاجس الأمن الاجتماعي والثقافي ما شكل التحدي الكبير للبلد. فالمرأة ليست مجرد مواطن عادي، بل هي الحامل والناقل للثقافات والضامن لاستقرار وأمن المجتمع.

إن المرأة هي الرأسمال الحقيقي للبناء التنموي، فلا يمكن بناء النموذج التنموي والمرأة خارجه. فالمرأة ليست أرقاما أو ماركة يسجل بها البلد درجة انفتاحه وتقدمه أمام المنتظم الدولي. إنها الكيان الذي يستطيع أن يحدث الفرق في النتائج ويضمن استمرارية المسلسل التنموي ويحقق الاستقرار الاجتماعي والسياسي. ليس هذا لغو أو مزايدة بأي شكل من الأشكال، إن الدلائل والبراهين العلمية أثبت أن الاستثمار في المرأة أكثر نفعا من الاستثمار في الرجل. أعلم أن هذا الكلام سيثير حفيظة العديد من القراء، بيد أن الدراسات التي أقيمت على مجموعة من البلدان الافريقية (على سبيل المثال) أثبتت أن تشجيع المرأة والرفع من مستواها التعليمي يمكن من خفض أو القضاء على عدة ظواهر اجتماعية وصحية كأمراض السيدا، والهجرة، والوفيات، والبطالة، والعنف؛ وبالمقابل يمكن أيضا من رفع من عائدات الاستثمارات في جل المجالات كالتعليم والصحة، ومن تحسين نسب النمو الاقتصادي، وضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، وتحسين جودة المؤسسات المنتخبة وأداء المجتمع المدني وغيرها. في الهند مثلا، عرفت مشاركة المرأة في القرارات السياسة وتحمل المسؤوليات الترابية في مجموعة من المناطق الرفع من مردودية القطاعات الاجتماعية ومن تحسين الممارسات والسلوكيات للأحزاب السياسية.

المطالبة بالمساواة هي جريمة في حق المرأة. كيف يمكن المطالبة بذلك وقاعدة الانطلاق غير متوازنة ويشوبها الكثير من الظلم والحيف؟ لنصل إلى المساواة، يجب أن نطالب بعدم المساواة لأن المطلب الحقيقي هو تغليب الكفة لصالح النساء. ليس هذا تعصب أنثوي، إنه فقط طريق سريع لبلوغ الرفاه وإنجاح مخططات التنمية. إنصاف المرأة يبدأ بقبول بعض أو كثير من اللامساواة تميل كفتها لصالح المرأة من أجل الخروج من عدة متاهات تجعلنا كل مرة نَتَحصّر على خيبة أملنا. أما بالنسبة لتمكين المرأة الاجتماعي والاقتصادي، فيمكن القبول بمبدأ تقسيم المسؤوليات في جميع المناصب بالتساوي حسب الجنس، وبعضها يتم الاختيار بينهم/بينهن على مبدأ الكفاءة والمعرفة في كافة المناطق والجهات بالمغرب. هل ستمكن هذه العملية من تحريك وتسريع عملية التنمية؟ الجواب نعم. إن المرأة تلعب الدور المحوري في العملية التنموية، ودون ذلك، يعتبر ضياع لفرص حقيقية للتنمية خاصة أن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالمغرب تنبئ بتأزم الأوضاع في المستقبل القريب. بصيغة أخرى، لنجعل الاستثمار في المرأة أولى الأولويات لأنه سيحدث تأثيرات أمامية وخلفية مهمة (effect forward and effect backward)، كما هو الشأن بالنسبة للقطاعات الأكثر انتاجية.

التمكين الاقتصادي والاجتماعي وتحمل المسؤوليات السياسية والمدنية، لا تعني قبول المرأة في بعض من القطاعات والمؤسسات أو الزج بها في مجالات هشة ومليئة بالمخاطر ودون قوانين حماية. التمكين الحقيقي للمرأة هو السماح لها بولوج العديد من المناصب في تنافس يغيب فيه الرجل حتى يتم التشجيع المرحلي لمشاركتها الفعالة ودون قيود في البناء التنموي وكذا لتكسير مجموعة من المسلمات والمعتقدات المذلة لكرامة المرأة. الحكمة تقتضي أن نقبل باللامساواة واللاعدالة لإنصاف المرأة ولبلوغ دولة الحق والقانون وتحقيق العدالة الاجتماعية. وليس فقط تمييز إيجابي يتم تفريغ محتواه كلما تضاربت المصالح واشتد التنافس.



#عائشة_العلوي (هاشتاغ)       Aicha_El_Alaoui#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذرات اقتصادية... قانون المالية 2020 والطبقة الوسطى ...
- شذرات اقتصادية... حقوق الإنسان والتنمية، أية علاقة؟...
- إلى شباب لبنان... من أجل استعادة الأمل دون جراح ودماء...
- إلى ابنتي الغالية، بمناسبة عيد ميلادها...
- كلام لا بد منه... بعيدا عن الشخصنة...
- شذرات اقتصادية... بطاقة المواطنة-الاجتماعية كآلية ضرورة في ا ...
- شذرات اقتصادية: هل هناك طبقة وسطى، وأي تعريف ودور لها؟
- النموذج المغربي-المغربي للتنمية، أية أبعاد؟
- شذرات اقتصادية: التنمية والتعليم
- شذرات اقتصادية: النموذج التنموي - العدالة الاجتماعية
- اقتصاد الريع، هل هناك سياسة لمواجهته؟...
- صعود النزعة المقاولاتية والريعية للمجتمع المدني …
- الهدف الرابع للتنمية المستدامة واستراتيجية التعليم بالمغرب- ...
- استراتيجية الهدم ونموذج التنمية بالمغرب …الحصيلة الراهنة 201 ...
- التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية... أية علاقة؟
- النموذج التنموي والعمل السياسي، أية علاقة ؟...
- الدول المستفيدة من الديون… تحليل لمقال
- اندثار معالم الحدود... (الجزء الثاني)
- اندثار معالم الحدود... (الجزء الأول)
- العمل الموسمي والمياوم للنساء بالمغرب عُملة لاضطهاد يومي واس ...


المزيد.....




- رئيس الإكوادور يعلن حالة الطوارئ في البلاد لمدة شهرين
- بعد إكمال عملية -التنصيف-.. بيتكوين تواجه شكوكا
- بايدن يعلن إنتاج الولايات المتحدة أول 90 كغم من اليورانيوم ا ...
- واشنطن تتمسك بالعراق من بوابة الاقتصاد
- محافظ البنك المركزي العراقي يتحدث لـ-الحرة- عن إعادة هيكلة ...
- النفط يغلق على ارتفاع بعد تقليل إيران من شأن هجوم إسرائيلي
- وزير المالية القطري يجتمع مع نائب وزير الخزانة الأمريكية
- هل تكسب روسيا الحرب الاقتصادية؟
- سيلوانوف: فكرة مصادرة الأصول الروسية تقوض النظام النقدي والم ...
- يونايتد إيرلاينز تلغي رحلات لتل أبيب حتى 2 مايو لدواع أمنية ...


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عائشة العلوي - شذرات اقتصادية... المرأة والتنمية: المطالبة بالمساواة هي -جريمة- في حق المرأة...