أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - عالم البرزخ بين التصور والنص















المزيد.....

عالم البرزخ بين التصور والنص


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 7086 - 2021 / 11 / 24 - 02:42
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


من القضايا الشائكة في بعض المفاهيم المتداولة هي قضية البرزخ ببعديها الزماني والمكاني إضافة لبعدها المعنوي المتعلق بفهمنا للنص، يتماهى للكثير ونتيجة للتراث الروائي في الثقافة الإسلامية التي أعتمدت في كثير من معطيات مفاهيمها ومخرجات ما أنتجت من أفكار وتفسيرات وإجابات على الثقافة الدينية الواردة عليها من ما أصطلح عليه أهل الكتاب خاصة والديانات المجاورة بشكل عام، هذا التأثير كان عميقا للحد الذي وصل فيه إلى ما سمي بالإحلال والإبدال بين الفهم المتوالد نتيجة التأثير وغربته عن قصديات وروح النص، ومنها قضايا الغيب والميتافيزيقيا الدينية على وجه الأخص.
المتداول بين الناس فيما يخص مفهوم البرزخ هي من ناحية الزمكان المسافة الفاصلة بين ما بعد الموت واللحد وبين يوم الحساب، وهي على العموم منطقة زمانية ومكانية غير معروفة بغير أنها فترة الأنتظار ليوم الحساب، وقد زادتها الروايات الدخيلة مفهوم الحساب والعذاب الأولي أو ما يعرف بحساب وعذاب القبر دون دليل أو نص أو حجة سوى ما روي عن أهل الديانات السابقة، أما ما يخص النص القرآني فلا إشارة أو تلميح لذلك لا من بعيد ولا من قريب، بل النصوص المحكمة تنفي أي حساب أو هذاب قبل يوم الجمع أو يوم القيامة، وهذا ما يوافق المنطق العقلي بأن ما يعرف بالحساب والثواب يكون مع الإشهاد والسؤال بمحضر حسي يكون فيه الإنسان واعيا ومدركا وعارفا بكامل حواسه بما يجري وما يدور وليس جثة هامدة لا روح فيها ولا نفس قادرة على التمثل والدفاع أو الأعتذار والرجاء والأستغفار مثلا.
وقبل أستعراض فكرتنا ورؤيتنا للبرزخ وما يحمل من معاني ودلالات قصدية تعنيه تحديدا دون أن يتشارك مع غيره من المفاهيم، لا بد أولا المرور على المعنى اللغوي للمصطلح ومعرفة ما يعني بدقة قبل مناقشة هذا الموروث الذي بين أيدينا عنه، فقد ورد المعنى في كل القواميس والمعاجم بمفهوم مشترك واحد هو الحد الفاصل بين شيئين متناقضين، لا ينتمي لأحد منهم ولا ينفصل عنه أيضا، فقد ذكره صاحب لسان العرب بأنه {كلمة أصلها الاسم (بَرْزَخٌ) في صورة مفرد مذكر وجذرها (برزخ) وجذعها (برزخ)} معرفا الاسم بأنه (‏الحاجز والمانع بين شيئين‏) كما ذكر معنى قريبا بالدلالة ولا يختلف بالمضمون (ما بين كل شيئين من حاجز، وقال ذلك الفراء في قوله تعالى (ومن ورائهم بَرْزَخٌ إِلى يوم يُبْعَثُون).
والبرزخ والحاجز والمُهْلَة متقاربات في المعنى، وذلك أَنك تقول بينهما حاجزٌ أَن يَتزاوَرا، فتنوي بالحاجز المسافةَ البعيدة أو المانع المادي من الأختلاط بين بعدين أو شيئين أو التقارب المباشر فعليا، ومنها الأَمر المانع مثل اليمين والعداوة أو الفقد مثلا، فصار المانع في المسافة كالمانع من الحوادث، فوَقَعَ عليها البَرْزَخُ، لكن الحاجب قد يكون معنوي وقد يكون المادي أما البرزخ فهو الحاجز أو الحاجب المتصل بينهما لكن وجوده المباشر هو من يمنع الأختلاط، فشرط البرزخ الأول أن يكون ماديا أو معنويا مباشرا حاضر في برزخة الشيئين، والشرط الثاني أنه باق مع بقائهما على الحال الذي هم فيه، والشرط الثالث أن يكون بين ضدين معنويين أو فعليين، كقول الله تعالى (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا ﴿٥٣ الفرقان﴾، فلا يصح مثلا أن نقول بين الحاجة مثلا وبين الإنسان برزخ لأن الشروط الثلاثة لا تتوفر بينهما من حيث النوع ومحال التغيير والتناقض المعنوي، وأخيرا الشرط الرابع هم عدم خرق التوازن بين المتبرزخان كما جاء في النص (بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ) ﴿٢٠ الرحمن﴾.
إذا مفهوم البرزخ هو حجر أو منع بين نقيضين لا ينتمي لهما موضوعا وباقي مع بفاء الحالة دون تغيير لا يخترق أحدهما الأخر ولا يمكن أن يكون ذلك، والدليل قول الله تعالى (كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ﴿١٠٠ المؤمنون﴾، المفهوم المتوارث عن البرزخ من الناحية العقائدية والروائية التأريخية لا تتفق مع هذا المفهوم ولا مع شروطه، فقد عرف اللغويين قبل غيرهم الفكرة هذه بقولهم (بَرْزَخُ: الحاجِزُ بين الشَّيْئَينِ، ومن وقْتِ المَوْتِ إلى القيامَةِ، ومن ماتَ دَخَلَه)، وهناك تكرار لهذا المعنى المختل معنويا وقصديا معه كقولهم (الحاجز بين الشيئين وهو أيضا ما بين الدنيا والآخرة من وقت الموت إلى البعث فمن مات فقد دخل البرزخ)، الخطأ أولا أن البرزخ هو حالة ما بعد الحياة وبداية الموت إلى يوم البعث فيه حالة بغي من الموت على الحياة، بمعنى أن الموت سيكون قد أنهى النقيض وهي حالة الحياة وبالتالي فقد خرق هذا التعريف معنى (لا يبغيان)، وكذلك ألغى مفهوم الحد الفاصل بين نقيضين والتعريف يشمل ثلاثة حدود هما الحياة للموت ثم البعث من القبور، فأين يقع البرزخ، فإذا قلنا بين الحياة والموت وجب أن تكون الفترة هي اللحظات أو الحد الفاصل بين الموت والحياة أي وجودهما معا، وإذا قلنا بأنها بين الموت والبعث والنشور يعني وجود عنصر واحد وهو الموت دون أن يوجد النقيض الأخر وهو النشور لأنه غير موجود ولا محتمل الوجود في نفس اللحظة.
إذا السؤال والجواب يكون في حالة واحدة هي لحظات الأحتضار أو الزمن الذي يكون فيها الإنسان ما بين الموت والحياة في مستوى واحد، فعندما يصل الإنسان إلى النزع الأخير قبل الرحيل الى عالم الفناء يستعرض تاريخ حياته كلها في لحظات فيكتشف أنه لم يرتكب ما يغضب الله فتكون نفسه راضيه (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)، هنا في هذه اللحظة عاش الإنسان برزخه الخاص، فهو بين الحياة لأن الله يخاطب النفس وشرط الوعي والإدراك أن تكون النفس حيه فاعلة مدركة، وهو يتلقى من خلال دلالة البرزخ البشرى الأمر بالرجوع إلى الله)، هذه الحالة توفرت فيها كل الشروط الأربعة التي ذكرنها في تعريف البرزخ، وعندها يسلم الأمر وهو مطمئن أن لا شيء ضده فتتحول نفسه إلى مطمىنة راضية فيقول الحمد لله لقد فزت في السباق وذلك هو الفوز العظيم عشت الجنة فنعم عقبى الدار.
ومن الجانب الاخر هناك من يستعرض حياته المنكدة وإذا تاريخه اسود مظلم ظالم (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)، في تينك اللحظات يرى كتابه بعينه لا يستطيع ردا ولا جوابا فقد أعذر وانذر من قبل ولكن لم ولن يبالي بما سيرى رأي العين ، هذا يوم البرزخ الذي فيه توفى كل نفس ما كسبت وربك لا يظلم أحدا، ولذلك سمي يوم الخسران المبين على ما فرط فيها (ما فرطنا في الكتاب نت شيء) الأنعام/38، فيموت وهو في حيرة والم وغربة (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)، هذه الأياتان تكشف بوضوح جدلية البرزخ من أنه محصور بين وقت حضور الموت للحي فيستعرض سعيه في الديا وما كسب قبل أن يرحل إلى عالم أخر ضدي نوعي لا مجال فيه بدليل قوله أي الإنسان ربي أرجعني كي أصحح وأتعظ وأعمل صالحا، فيأتي الجواب من الله (كلا) كلمة من محال سنخا وقطعا لأنه وراءه برزخ أي وراء قوله لا يمكن رده أو تغييره حتى يرفع هذا البرزخ ودواعيه يوم يبعثون، فالبرزخ بين الموت والحياة وليس بين مراحل ثلاث كما يصورها السند التأريخي الروائي المشهور بين الناس.
من المعنى اللغوي ومن دلالات وقصديات النصوص القرآنية ومن منطق النص الذي وردت فيه الدلالات، يتضح أن موضوعية البرزخ تنحصر في مفهوم الحد الفاصل بين شيئين متناقضين ومتضادين في آن واحد، يشترط وجودهما معا دون أن يغلب أحدهما الأخر أو يبغي عليه بمعنى يستوعبه ويلغيه بشرط أن يكون هذا الفاصل أبدي ومن جنس واحد أحدهما يكشف وجود الأخر بذات الوقت أو ذات الزمان، وأن ما ورد من المأثورات الرواية التأريخية التي أسست لمفهوم أعتباطي شائع لا يتصل لا بالمعنى ولا بالدلالة اللغوية والقصدية من النصوص التي أوردنا من القرآن الكريم، عليه يكون من اللازم إعادة بسط المفهوم بحقيقته الثابتة دون أن ننجر إلى إعطاء تلك المفاهيم المشوهة للحقيقة أي قيمة من خلال التمسك بها، وأيضا علينا أن نفهم أن ليس كل ما ورد من روايات تاريخية بالضرورة صحيحة أو فهمت الموضوع بحقيقته الكاملة.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم العبادة في النص القرآني ح2
- مفهوم العبادة في النص القرآني ح1
- المجرمون في نصوص القرآن ودورهم في تخريب الوجود
- الدين والأخلاق وجوديا
- الظاهرة السارتية ح 14هل منطق الدين وجوديا ج1
- الظاهرة السارترية ح14هل منطق الدين وجوديا ج2
- رباعيات حياة
- رباعيات إدراك
- رباعيات أمل
- رباعيات وجد
- فيما مضى.... والآن
- الظاهرة السارترية ح13.....إصالة الوجود ح2
- الظاهرة السارترية ح13.....إصالة الوجود
- الظاهرة السارترية ح12 مفهوم الصراع والحرية بين هيجل وسارتر ج ...
- نداء..... أيها العربي
- ماهرون
- مقامات عباسية 2
- الظاهرة السارترية ح12 مفهوم الصراع والحرية بين هيجل وسارتر ج ...
- الظاهرة السارترية ح11 الهوية ومفهوم التشكيل والتحديث ج2
- الظاهرة السارترية ح11 الهوية ومفهوم التشكيل والتحديث ج1


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - عالم البرزخ بين التصور والنص