أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عصام الياسري - تِرَاجِيدِيًّا خَاتِمَةَ فَنَّانٍ بَعِيدٍ عَنْ وَطَنٍ اِنْكَفَأَ اِزْدِهَارُهُ














المزيد.....

تِرَاجِيدِيًّا خَاتِمَةَ فَنَّانٍ بَعِيدٍ عَنْ وَطَنٍ اِنْكَفَأَ اِزْدِهَارُهُ


عصام الياسري

الحوار المتمدن-العدد: 7079 - 2021 / 11 / 16 - 18:17
المحور: الادب والفن
    


في محيط زمني كان يجمعنا عنوة، هو في مشفى لعلاج القلب الذي كان يعاني منه طويلا وتضاعفت مشاكله فما أن يخرج حتى يعود إليه من جديد بعد بضعة أيام . وأنا في مشفى لإجراء عملية ومن بعد انتقالي إلى دار للنقاهة وسط غابة تنتشر فيها أشجار السدر والسنديان الباسقة. كنا على مدى أكثر من شهرين نتواصل على النقال ليطمئن أحدنا على الآخر ونتحدث عن مشاريعنا المشتركة وكيفية متابعتها.

في العاصمة الألمانية برلين، ووسط وقت مزدحم بالأحداث والمشاريع التي كانت تشغله رحل عنا فجر يوم الخميس 4 تشرين الثاني نوفمبر 2021 عن عمر ناهز الخامسة والستين الفنان التشكيلي الغائب الحاضر، منصور البكري بشكل مفاجئ لم يمهله تحقيق ما كان يعد له من مشاريع فنية في غاية الأهمية، معرضه الفني الجديد في نوفمبر وطباعة كتابه الخاص بأعماله الفنية عن "كلكامش". المهم أيضا أنه كان يعد لإصدار آخر يتضمن جميع أعمال "الكاريكاتير" الـ 40 التي كان ينجزها وهو في المستشفى الواحدة تلو الأخرى يوميا. لقد رحل منصور وهو على دراية من أنه سيواجه حتمية الموت بشجاعة فائقة، طالما حدثني عنه بالقول: (أنا لا أخاف الموت عزيزي عصام إنجازي الفني الذي افتخر به واعتز، سيخلدني حياً) .. أنا حتى اللحظة لم اصدق بأنه كان على موعد مع الزائر الأجل، ولم أستطع نفسيا استيعاب ذلك على أنه قد حدث فعلا . الأمر ينطبق كذلك على الأقارب والأصدقاء والمعارف العراقيين والعرب والألمان، ولم يصدق أحد بأن العراقي فنان الكاريكاتير المتميّز منصور البكري قد غادرنا إلى مثواه الأخير، وبذلك انطفأ شعاع عراقي آخر كان يحلم بوطن يحتضنه قبل أن تأتيه المنية في الغربة القاتلة.

وعلى الرغم من تعدد العناصر القيمية والمعنوية التي تجمع بين الفضاء الافتراضي للحدث ومفهوم الزمان والمكان الذي جعل الفقيد منصور البكري يتكيّف مع ما كان ينتظره في قادم الأيام. إلا أن خبر رحيله "المفاجئ" على قدر كلمة "موت" وأثره البالغ، لم يكن للجميع مفاجأة بالمعنى العام لفاجعة نهاية الحياة، بقدر ما كان خبراً مؤلما وحزيناً بلا حدود !.. وعلى ما يبدو أن منصور كان أسير أحاسيس دفينة لم يتمكن من اختزالها أو تجنبها. يقاوم للعيش ومواجهة النهاية بانضباط وهدوء. بفضل إرادته وعناده وهو يصارع المرض، تمكن من إعطاء الأمل لنفسه للبقاء على قيد الحياة بأقصى قدر ممكن. لكن كم كان صعبا عليه أن يواجه تراتيل هواجس وآلام دون المقدرة لوضع حدٍّ لها؟. بيد أن شقيقته السينمائية آمال البكري التي حرصت على الاهتمام بشقيقها، كانت تترقب عن كثب وخوف المشهد الدرامي لحياة منصور.. كتب لي في 9 أكتوبر رسالة على الموبايل لم أستطع الاطلاع عليها إلا بعد خروجي من المشفى في 6 نوفمبر يقول: ((عزيزي عصام بعد التحية والسلام أتمنى لك صحة ومزاج عال للعمل... أختي آمال وهي سينمائية تسألني إذا كنت أرهق نفسي في العمل فكتبت لها التالي وأحب أن تتطلع أنت عليه... أجمل تحياتي..)) ((كل ما عملته عزيزتي آمال بكل حب ومزاج وبدون شترس "إرهاق" وبتفكير مركز وبهدوء، الذي يزعجني دائما تصرفات الناس معي لأني اعمل باحترافية عالية وعارف شغلي وهم هواة ويخبصون بالشغل فيتلفوا أعصابي... عصام الياسري هو الوحيد الذي أعمل معه بكل راحتي ومزاج لأنه محترف بالعمل المهني والصحفي والإعلامي وناطيني كل راحتي بالعمل)). يبدو لي كان منصور يسابق الزمن، وربما كان يخاطبنا في كلمة "وداع مؤثرة" لا تفصل بينه وبين محيطه المهني والبشري، قبل مرتبة مغادرته الحياة إلى عالم آخر ومن ثم الوداع الأخير وقداسته .

برحيل الفقيد الفنان التشكيلي المتخصص برسوم "الكاريكاتير" منصور البكري، خسرنا وخسر العراق والثقافة والفنون العراقية مبدعا وطنيا لا يعوض. تشتمل أعماله ومسيرته الفنية، أو ما يتميّز به أسلوبه في فن رسم "الكاريكاتير" تجليات وظواهر إبداعية قل نظيرها. كما كان طرفا في سرد الأحداث ليجسد في الغالب في أعماله مكانة الوطن وحياة المجتمع. حصل على شهادات تقدير عربية وعالمية، منها شهادة تقدير (مدونة تحتوي على الكثير المعلومات والصور قدمها له في 28 أكتوبر 2017 منتدى بغداد للثقافة والفنون برلين. وتجدر الإشارة إلى أن هذا التكريم جاء بعد فوزه بالجائزة الأولى في المعرض الدولي للكاريكاتير الذي أقيم في 21 تموز 2017 في مدينة "أغادير" بالمغرب، وكان من المقرر أن يحدث قبل ذلك، حيث كان يحلم بهذه المفاجأة وملاقاة هذا الفضاء الوافر بشخوصه الإبداعية والثقافية. لقد أسدل القدر الستار على الفصل الأخير من تراجيديا خاتمة فنان كان بعيداً عن وطن انكفأ إزدهاره.

ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أقول: بأنني لا أريد أن أتحدث عن السنوات الطويلة من العلاقة المثمرة بيني وبين منصور، ولا عن أوضاعه الصحية التي تفاقمت في الآونة الأخيرة وأدت إلى معاناته الجسدية ومن ثم قرب أجله، وهو المحب للحياة . انما عن طبيعة منصور الإنسان، فإنه كان رجلا ذا حس وطني لا يستكين، ولم يكن بإمكانه إلا أن يكون صريحا واضحا في آرائه ومواقفه في الكثير من القضايا التي تعني وطنه وشعبه ومستقبلهما. رجلا ملتزما صاحب مبادئ وقيّم ظل مخلصا لها طول حياته.. زميلا وصديقاً عزيزاً دمث الخلق، كثير الجود والنبل والعطاء.



#عصام_الياسري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لعبة اصلاح النظام السياسي عبثية الاحزاب نحو المجهول!
- الانتخابات في بلد كالعراق ، رهينة القتل والإفلات من العقاب!
- العراق والانتخابات إصطفافات سياسية.. فهل من تغيير؟
- العراق على حافة الهاوية والسياسيون يدفعون به نحوها
- طبول الاحزاب تصدح في اضرحة النفاق السياسي!
- الإستياء العام والظلم والتمييز الطبقي سبب الإطاحة بالنظام ال ...
- المجتمع العراقي ومناورات غزل المصالح لاغراض فئوية
- الحد من مخاطر الميليشيات وسلاحها المنفلت لا يقبل التهاون وال ...
- فرضية التغيير بين الواقع وديماغوغية الاحزاب..
- متى تتوقف أعمال الاغتيال السياسي وإشتداد الصراع على السلطة
- السلطة بين خشية الصدام مع الميليشيات ونفوذ دولة الظل!
- الدورة الحادية والسبعون لمهرجان برلين السينمائي الدولي... ال ...
- مهرجان برلين السينمائي الدولي 21 -البرليناله- مسابقات أقل ش ...
- في دورته لهذا العام مهرجان برلين السينمائي خصوصية مكتسبة
- المباديء الاخلاقية للبحوث في العلوم الطبيعية والعلوم الاجتما ...
- المعرفة ونشرها نموذجا هاما لمواجهة الاوضاع التي تعاني منها ا ...
- السينمائي والباحث قيس الزبيدي نافذة واسعة تطل على عوالم السي ...
- في الدراما المؤثرة -لديك الحياة أمامك-، صوفيا لورين تتهيأ لل ...
- أمريكا أولا، أم أن لا يخسر ترامب الرئاسة وبأي ثمن؟
- تركي عبد الغني شاعر يرصد الخيال بمساحات واسعة


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عصام الياسري - تِرَاجِيدِيًّا خَاتِمَةَ فَنَّانٍ بَعِيدٍ عَنْ وَطَنٍ اِنْكَفَأَ اِزْدِهَارُهُ