أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين علوان علي - حين نتجنب مواجهة الذات














المزيد.....

حين نتجنب مواجهة الذات


حسين علوان علي
(Hussain Alwan)


الحوار المتمدن-العدد: 7055 - 2021 / 10 / 23 - 03:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الرأي الشائع جداً أن الإنسان كائن إجتماعي في طبيعتة الفطرية، الإنسان يكره أن يكون وحيدا، يخشى العزلة وقد يعتبرها عملية نفي قسرية إلى ذاته، بعيدا من بيئته التي يعتبرها طبيعية، المتمثلة بالمجتمع والجماعة، عملية نفي قسري بعيدا عن رفيقة، عن أسرته، بعيدا عن القبيلة عن جماعته الاعتقادية، بعيدا عن دينه، بل وحتى بعيدا عن بلاده.
لكن هل نستطيع الجزم أن هذا الشائع هو الحقيقة بعينها، ألا يمكن أن تكون العزلة بشكل ما هي القاعدة في حياة المرء الداخلية، وأن تكون الحياة الاجتماعية مجرد استثناء، حيث تنقلب الآية فيهرب الإنسان من ذاته وعزلتها الخانقة نحو المجتمع بكل رحابته و وسعه، بكل تنوعه وفرصه وآفاقه الواعدة؟
الإنسان في مرحلة الجنين يحيا وحيدا في حاضنته بطن أمه، ثم يولد وحيدا يكابد ولادته بمفرده حتى لو كان ضمن توأم من الاخوة. الانسان يبقى حاملا جسده طوال حياته وحيدا، يعنى به ويعيش لذّاتِه وانتكاساته دون أن يشاركه أحد، فكلّ الآخرين مشغولين بأجسادهم.
الإنسان يخلد إلى النوم وحيدا، يواجه أحلامه وكوابيسه دون أن يشاركه فيها الرفيق أو المجتمع أو الدين أو الوطن. وفي النهاية ألا يموت الإنسان وحيدا، ويُحمل في التابوت وحيدا نحو منفاه الأخير المجهول.
كيف نقول بعد ذلك أن الإنسان كائن إجتماعي، قد يكون التعريف الأصح أن الإنسان كائن وحيد في مرحلة هروب دائمة نحو الآخر أو الجماعة. هارب أبدي نحو التبعية لشخص ما، أو جهة ما، أو جماعة ما.
لكن لنعود إلى حالة الخدر والطمأنينة الزائفة التي يهبنا إيّاها الرأي القائل أن الانسان كائن إجتماعي. الانسان الاجتماعي يريدك أن توقن بأنه غير لائق للعزلة. أنه بكلّ أصباغه وعطوره وأرديته الفضفاضة باهظة الثمن، وأمواله وجرائمه السريّة ونزواته هو مخلوق لا يحتمل أن يبقى وحيدا مع ذاته. أنه إنسان ضدّ الذات، منيع عليها ولا تستطيع أن تستعبده، من الأفضل أن يستعبده شخص آخر أو جماعة أو دين أو بلد ووطن. الاستعباد الذي يأتي من الخارج هو الخيار الأمثل له، لأنه الخيار الأسهل تبريرا، فمادام يأتي من شيء آخر فهو أقل تعذيبا للضمير، لأنه لا يحدث بفعل ذاته، بل يقوم به آخرون، لكنه اذا مضى نحو العزلة فانه سيواجه ذاته عاريا، دون أصباغ أو أردية حريرية أو اموال واملاك، دون عمليات تجميل وتخسيس، حينذاك لايستطيع أن يبرر أي سوء تصرف أو طمع أو شراهة او شرّ. لذلك هو سيفعل أيّ شيء ليبرر لنا اجتماعية وبعده عن العزلة، خصوصا ذلك النوع المطلق من العزلة، حيث يبقى لزمن طويل وحيدا، حينذاك قد تتدهور قدراته العقلية، قد يدفعه ذلك إلى اليأس، وربما الجنون.
لقد أدرك الطغاة والسجانين على مرّ الدهور فداحة العزل الإنفرادي وشدّته على الإنسان، لذلك لجؤوا إلى اعتماد عقوبة السجن الانفرادي ليعاقبوا المتمردين عليهم، بسبب شدّة قسوة العقوبة و ضراوتها، والتهديد بها من أجل إرهابهم وإثارة الخوف في نفوسهم.
لماذا هذا الخوف الشديد من العزلة؟ نحن نستخدم الحياة الإجتماعية كدرع حماية لنا منها. نمارس حياتنا اليومية مع الآخر والأسرة والمجتمع، ويتم خلال ذلك الدفع بالأفكار الداخلية وعالمها المخيف الغامض إلى خارج وعينا، الخوف من العزلة هو خوف من الذات. الذات تلك القطعة الغامضة من تكويننا الشخصي، تلك التي لا تفصح لنا غالبا عن نواياها ومعانيها الدفينة.
حالما نكون بمواجهتها حتى تبدأ في عمليات تحقيق عسيرة عن رغبتانا المكشوفة أمامها، رغباتنا الملحّة في التملك وأنانياتنا، الطمع والشهوة والجشع. ثم ما تطرحه الذات من خيارات أخرى تتمثل بالامتناع والاعتدال والتوقف عن الطلب والإشباع، ومايتبع ذلك من خير وسكينة وانسجام داخلي.
هنالك عند الذات امتحان عسير لحقيقة الكائن الذي ننطوي عليه، هناك حيث تغيم رؤيتنا وتصعب اختياراتنا ما بين قوة الإغراء وصعوبة الاكتفاء والامتناع. من أجل هذا وبسببه يهرب الكثيرون من سجن الذات إلى سجون الآخرين العامرة بالعبودية والتبعية والذوبان في بوتقة الجماعة، الذوبان في العقيدة والدين، لأن هذه المنظومات المصنوعة صنعا أوجدها القائمون عليها بدعوى حماية الانسان الفرد من ذاته ونفسه، ليس مسموحا أن يفكر ويحلل، ليس مسموحا أن يقول أنا، بل نحن. ليس يهمّ ما يقوله هو مهما كان معقولا، بل ما يقوله الآخرون. هؤلاء القائمون على المنظومات منعوا النزعة الفردية والذاتية كي يسيطروا على الجموع وبالتي يحمون مصالحهم، وماهي إلاّ خرافة الزعم بأنهم يحمون الفرد من نفسه. كلمة الفرد هي كلمة شديدة الخطورة في صلب المنظومات الاجتماعية والعقائدية.
لا يوجد ضير اذا انطلق الانسان نحو الآخر والمجموعة إذا كان ذلك بالندّ للندّ، أن تكون الذات جزء مستقل بين الجماعة، وتكون فردانية الإنسان مصانة ومقدّرة، فالإنسان يستحيل أن يذوب في الجماعة ما دام يشكلّ كائنا مستقلا بذاته، متفردا في كلّ شيء حتى بجيناته التي تختلف عن كل جينات الآخرين، ليست الجماعة سيئة إذا كانت تحترم خصوصيته. لكن الجماعة والآخر قد يشكلان خطرا مميتا على الانسان الفرد، فما أن يتمّ اللجوء إلى الآخر من منفى الذات حتى يصبح ذلك الآخر إدمانا يصعب الخلاص منه، بل سيدبّ الخوف من هجرانه، فما أن يهجرك الذي اتخذته ملاذا حتى ينتهي المطاف بك محطما ترسف باغلالك. ألا تكون ذاتك والحال هذا أرحم عليك وهي جزء من تكوينك وكيانك؟ وبالتي فإنّ تقويم الضمير الذي تقوم عليه الذات هو من مصلحتك في آخر الأمر.
يستطيع الانسان على الدوام أن يستعيد ذاته لو وجد نفسه ضحية استعباد الآخرين. لا ينبغي أن يغفل المرء فوائد العزلة واللجوء للذات، والأهم من ذلك الانتباه إلى أن الرأي الشائع الذي يعتبر الإنسان كائن اجتماعي ما هو إلاّ افتراض وحسب، وليس قانونا مقدسا لا يمس على الإطلاق.



#حسين_علوان_علي (هاشتاغ)       Hussain_Alwan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنكسمندر- مؤلف أول كتاب في الفلسفة، أول من رسم خارطة للعالم
- بيتهوفن، عبقرية متفردة وحياة جسّدت المأساة
- طاليس- أول فيلسوف يوناني،أب الفلسفة الغربية وأول معلّم في تأ ...
- يوم تركتها عند دجلة.. ورحلت
- نازفون في الضباب
- جنود بلا دماء
- إنهم يسرقون الأماكن
- الدين والخوف
- فيسبوك ونظرية المؤامرة
- راجع يا هوى
- مسرحية سوناتا الركام
- التنّين
- عالم أوحد
- حيث هناك ..
- انها دقات قلبي..
- فن النار ( ثنائية النهوض والفناء)
- بوابة الحزن آهلة بالغناء
- الحب لا يورث
- مرثية الثواني
- قلبي المغلق


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين علوان علي - حين نتجنب مواجهة الذات