أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منى نوال حلمى - ابن الريف وابنة المدينة ....... قصة قصيرة














المزيد.....

ابن الريف وابنة المدينة ....... قصة قصيرة


منى نوال حلمى

الحوار المتمدن-العدد: 7052 - 2021 / 10 / 19 - 10:53
المحور: الادب والفن
    


ابن الريف وابنة المدينة ..... قصة قصيرة
----------------------------------------------------------

أنت الوحيد الذى سافرت اليه ليلا ، فى تلك القرية النائية .
نظرى قصير ، والطريق طويل ، والليل البارد يخفى المعالم . سيارتى الصغيرة مستهلكة ، تكاد تتماسك لتصل بالسلامة . لكننى اليك مشتاقة ، وأنا أحب الحنين الممتزج بالخطر ، والتحدى .
بين كل لحظة وأخرى ، أتصفح الخريطة التى وصفتها لى عبر الهاتف .
بين كل لحظة وأخرى ، أوقف السيارة لأطمئن على العجلات الأربعة ، ربما ثقبها مسمار ، و" نامت " . لكننى لا أعتقد ذلك . فكيف تنام ، والسهر فى عيونى يوقظ الكون كله .
بين كل لحظة وأخرى ، أتوقف .. أتشكك فى مسار الرحلة .
أسأل المارة ، وأصحاب المحلات ، والبائعين على الطريق ، وسائقى
السيارات الملاكى والسيارات الأجرة ، وسائقى عربيات الشحن الكبيرة . كلهم يؤكدون أننى على الطريق الصحيح .
أبتسم وأتخيلك وأنت ترانى ، قد وصلت ، ولم أضل اليك الطريق .
أتسائل كيف لابن الريف ، أن يرحب بابنة المدينة ؟. هربت من صخب العاصمة ، وتفاهة وتشابه ورجعية وخواء رجال المدينة . لم أسافر أبدا
الى رجل . هم الرجال الذين كانوا يتحملون مشقة السفر ، من أجل أشياء
لم أعد بها . أنت الوحيد الذى سافرت اليه وحدى فى الليل ، الى قرية لم أسمع بها ، فرحة بأى مجهول ينتظرنى . أنا التى تخاف القيادة فى الليل ،
وأن تتوه فى بلد لا تعرفه ، أصبحت فجأة امرأة جريئة ، لامبالية بأى نتائج .
هدأت وتوقفت عند جانب الطريق المواز اترعة القرية ، لأشرب كوبا من عصير القصب . فعلا ، لقد اقتربت جدا . فأنت وصفت لى هذا المحل .
وقلت أنه بجوار البيت . حب عصير القصب ، شئ مشترك بيننا . وكذلك موسيقى العبقرى " القصبجى ".
بدأت المعالم تتضح ، وبدأ المطر يداعب أحلامى . فتأكدت أنها رحلة العمر . بينى وبين المطر ، حكايات وأسرار وأمنيات ، ولا يخذل أبدا
المجئ حينما أناديه وأحتاج اليه . وكتبت قطرات المطر أول سطر ، فى قصيدة جديدة ، أنت ملهمها ، وأنا بطلتها .
دخلت الى البيت ، ولم أكن أعرف أننى دخلت الى مصيرى ، الى ما يربطنا الى الأبد ، الى ما يفرحنى الى الأبد ، وما يبكينى الى الأبد .
تعرفت على أبيك ، الهادئ ، البشوش ، يرحب بكلمات لم أسمعها
من قبل : " يادى النور " . تعبير بسيط ، كان كافيا لأتأكد أن بقائى سوف يطول ، وأننى منذ الليلة أصبحت جزءا عضويا ، أبديا ، فى هذه الأسرة الريفية الطيبة . أسرة فقدت الأم مبكرا . لكنها لم تفقد الدفء ، والسكينة .
أعددت لى الشاى والعشاء . غنيت لى آخر ألحانك . عزفت على
" العود " ، أغنيات أحبها ، وجلسنا نرتب دون أن ندرى ، لقدرنا
المحتوم بالفرح ، المختوم بالألم .
قلت لك : " هذا العالم ليس مكانا للعيش ، انه بحر من الدماء ،
حماقات البشر المتكررة تخنقنى ، واستسلامهم للزيف ينفرنى . الأكاذيب
تصلنا مجانا حتى بيوتنا ، وداخل غرفة النوم . لم أعد أسمع العصافير ، صباحا ، ولا الكروان ليلا ، لا أدرى كيف أتأقلم مع حياة ، أصبحت سوقا كبيرا ، كل شئ يُباع ، ويُشترى ".
أمسكت يدى قائلا : " معا نواجه كل الأشياء .. أنت بالكتابة وأنا
بالموسيقى . سنصنع لنا وطنا داخل الوطن . أتعب أرتاح بين كلماتك ،
تشعرين بالضجر أهديكِ نغماتى ".
قلت : " والدك ، سعيد بمجيئى ، ليس مألوفا أو مقبولا ، أن تأتى امرأة تزور رجلا فى بيته الريفى ".
أنت : " أبى أكثر استنارة وتحضرا وتقدما ، ممنْ نعرفهم
جميعا .. وهو يحبنى ، ويثق أن ابنه الذى جاء بعد ستة بنات ، لا يفعل
شيئا معيبا أو مهينا له ، أو لغيره ".
سألتك : " أين هو ؟ أريد أن أجلس معه ونتكلم ".
تقول : " أتسمعين آذان العشاء هذا .. انه صوت أبى امام جامع
القرية ".
قلت : " عرفت الآن ممنْ ورثت الصوت الجميل ".
تشرد عيناك .. تبتسم قائلا : " وأنا صغير كنت أستاء جدا من الاستيقاظ مبكرا ، خاصة فى الشِتاء فى عز البرد ، لكى أقوم أتوضأ ، وأذهب للصلاة مع أبى فى الجامع . كان عمرى أعتقد سبع سنوات .. وكنت عاوز أصلى مثل الكبار .. وبعدين تعبت ، وقلت لأبويا مش عاوز أقوم من السرير وأتوضأ وأصلى الفجر تانى ، عاوز أنام وكمان مش هاصلى تانى فى أى وقت .. خمس مرات كتير أوى يا أبويا .. كل شوية وضوء وصلاة تعبت ..
ابتسم أبى شيخ القرية وامام الجامع ، وقال بالحرف الواحد " ليك حق بلا وجع دماغ .. النوم سلطان ، حد يا ابنى قالك تصلى ، انت حر .. وهذه الجملة الساحرة ، هى التى صنعتنى ، فتحت لى أبواب الحرية ، وجعلتنى لا أؤمن الا بعقلى ، وتفكيرى ".
قلت لك : " هنيئا لك بأبيك ".
أنت : " هنيئا لى بكِ .. لم تسافر امرأة أبدا ليلا ، لترانى وتزورنى ،
هنا فى البيت الريفى .. أنتِ الزاهدة فى جميع الرجال ، تتحملين العناء من
أجلى .. هذا أكثر مما تمنيت . لا أطلب شيئا من الدنيا ، أكثر من هذا ".
أنا : لكن أنا أطلب شيئا ... كوبا آخر من الشاى تقدمه بيديك ، وفى
حضور أبيك ، الشيخ الحنون الجميل ، وامام جامع القرية المستنير ، لولاه ما كانت الليلة ".
--------



#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللصوص .. رؤساء التحرير .. أوراق الشجر ثلاث قصائد
- أنعيها .... كأننى أنعى نفسى
- الاثنين 13 أكتوبر 2008 ..... قصيدة
- لم نلتق الا فوق سحابات المنام - قصة قصيرة
- أنا قلبى دليلى قاللى ده أنور وجدى
- الأمومة - المقدسة - مشروطة بانتفاخ بطن المرأة !
- ليس ماذا نأكل ؟ ولكن الثمن الذى ندفعه لنأكل
- الغرور والالتواء والتبرير لنساء يزعمن التنوير
- - غاندى - زعيم ساحر عجيب من أرض السِحر والعجائب
- لا أحب - التفكير العلمى - .. أحب - التفكير العادل -
- دار الافتاء - ترقع - غشاء البكارة
- ربنا يستر
- تزوجتك أيها القلم قصائد
- - أريد امرأة حرة - هكذا يتكلم الرجل الحر
- - رائحة الوطن - بينى وبين - نوال - أمى
- ابحث عن امرأة غيرى ........ قصائد
- المجتمع المدنى وحرية الاعتقاد أو عدم الاعتقاد
- - رَجُلْ - أهم وأجمل وأرقى من الحب قصة قصيرة
- راحلة فى - الخريف - الى حضارة - البحر - و زمن - الماء -
- الانسان أهم من رأس المال


المزيد.....




- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...
- على طريقة رونالدو.. احتفال كوميدي في ملعب -أولد ترافورد- يثي ...
- الفكرة أم الموضوع.. أيهما يشكل جوهر النص المسرحي؟


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منى نوال حلمى - ابن الريف وابنة المدينة ....... قصة قصيرة