أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - -حب الدبب- والدول المضبوعة














المزيد.....

-حب الدبب- والدول المضبوعة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1649 - 2006 / 8 / 21 - 10:54
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


الدول العربية ليست مدعوة إلى تذكر روابط القومية والدين والإقليم مع لبنان كي تتخذ مواقف مبادرة ومعترضة حيال ما يتعرض له البلد الصغير من تدمير إسرائيلي منظم، بل إلى نسيان تلك الروابط. فقد تطورت الدول العربية والعلاقات العربية في اتجاهات تمتنع معها إقامة سياسة عقلانية على الروابط المذكورة. هذا أمر يمكن فهمه. لكنه يغطي على سير علاقات الدول العربية مع المعسكر الأميركي الإسرائيلي في اتجاه يلحق الضرر بالمصالح الشرعية والعقلانية لكل واحدة منها. بعبارة أخرى، يجري انتقال غير مبرر من تعذر قيام سياسة عربية واحدة أو متقاربة لا إلى قيام سياسات متعددة غير متوافقة أو حتى متنافرة، بل إلى سياسات متهافتة وانتحارية، تضير بالدول التي تمارسها، أمنيا وسياسيا ومعنويا. هذا ينطبق بصورة خاصة على مواقف مصر والسعودية إزاء العدوان الإسرائيلي على لبنان. فهاتان دولتان متأثرتان، من كل بد، بما يجري في جوار إقليمها، معنيتان تالياً بمبادرات تحاصر هذا الاشتعال الذي إن لم يمتد إليهما، فستصيبها تفاعلاته ونتائجه التي يتعذر تقديرها. وليس من التوازن في شيء أن تجتهد الدول هذه في الحد من صعود إيران، بينما لا تبالي بالصعود الإسرائيلي. ورغم أن انتصار حزب الله قد يتسبب بمشكلات لها لكونه يقوي منافسا على النفوذ الإقليمي هو إيران، إلا أن المصلحة تقضي أن يؤخذ بالاعتبار مجمل الأخطار التي يمكن أن تصيب الدول المعنية. نسلم من أجل مقتضيات النقاش أن الخطرين متساويان.
لم نقل شيئا ولن نقول عن جمهور هذه البلدان وعن اتجاه تعاطفاته وتضامناته. لم نقل شيئا أيضا عن افتقار الدول هذه إلى خطط واستراتيجيات من أجل صعودها هي في مدارج القوة والنفوذ، إقليميا ودوليا، بدلا من الاكتفاء بعرقلة صعود الآخرين. ولا نفترض إلا أن هذه الدول معنية بفرص بقائها على المدى الأبعد، وبأن لا تتدهور مكانتها الدولية والشرق أوسطية.
ليس تفسير هذا السلوك غير العقلاني صعبا: إن معيار سلامة سياسات الدول المعنية وغيرها هو رضا الأميركيين وغضبهم. لكن هل يعقل أن يكون الخوف من الغضب الأميركي والطمع بالرضا الأميركي متقدما على استقرار الدول والتأقلم الفعال مع مشكلات بيئتها السياسية والإقليمية، بل وغرائز البقاء السوية بالذات؟ لا يعقل، لكنه عين الواقع. وقبل أن يكون هذا "خيانة"، وقبل أن يكون ديكتاتورية، هو غير عقلاني، بمعني أنه لا ينعكس بالنفع على الدول التي تنتهجه، من وجهة نظر استقرارها وتقبل شعوبها، بل هو بالفعل يلحق الضرر بفرصها المستقبلية بل وحظوظها في البقاء.
هذا يقول لنا شيئان. الأول، إن السياسة الأميركية شديدة التطرف، لا ترتضي أقل من ولاء مطلق من "حلفائها" العرب، وتبذل لهم حبا من نوع حب الدبب، الحب الأرعن والغشيم الذي يقتل المحبوب. الثاني، إن أطقم الحكم في الدول المعنية بلغت درجة من انعدام الإرادة الذاتية أنها أضحت لا تتجاسر على مخالفة الأميركيين حتى في ما من شأنه أن ينعكس ضررا على هذه الدول بالذات، وتاليا على الأميركيين أنفسهم. هذا مؤشر على أن خوف هذه الدول وصل حد "الانضباع" (تقول الخرافة إن الضبع يرشق ضحيته ببوله، فـ"ينضبع" هذا من الخوف، ويتبعه مسلوب الإرادة إلى حيث يفترسه الوحش). والانضباع درجة من الخوف غير نادرة فيمن مروا بتجربة التعذيب والسجن. فبعض هؤلاء يتجاوزون الامتثال لأوامر السجان إلى استباق رغباته ونزواته، ويسارعون إلى تلبيتها.
نريد القول إن العلاقة بين دول عربية والأميركيين تشبه علاقة السجان والسجين، السجين الذي يسلبه الخوف إرادته أمام السجان، والذي يجعل من الفوز باستحسان جلاده وتلافي سخطه معيارا لسعادته وشقائه. وبالخصوص بعد ما تعرضت له دول عربية من لعب بأعصابها بعد 11 أيلول 2001. المقارنة مع الاعتقال والتعذيب مفيدة هنا أيضا. فالسجناء الذين ينضبعون أكثر من غيرهم هم الذين ينهارون لخوفهم من التعذيب لا الذين ينهارون تحت التعذيب ذاته. والتعذيب الذي تعرض له نظاما صدام وطالبان، والتهديد بالتعذيب الذي تعرض له غيرهما، كانا كفيلين بإتلاف أعصاب قطبي الاعتدال العربي، الذين وضعا لبعض الوقت في زنزانة الدور، بعد الصدمة التي تعرض لها السجان العالمي قبل قرابة سنوات خمسة.
المصلحة العقلانية للدول هذه تقتضي منها إرساء علاقتها مع الأميركيين على أسس مختلفة عن العلاقة بين الجلاد والمعتقل. وعلى مدى أبعد بعض الشيء للأميركيين أنفسهم مصلحة في علاقة أقل تطرفا وإرهابا مع معتدليهم العرب. فتمكين هذه الدول من الوقوف على قدميها، وحيازة درجة من الاستقلال السياسي والأمني والمعنوي، هو ما يقطع الطريق على تحولها إلى "دول فاشلة" في المستقبل، وما يمنع استيطان الإرهاب فيها. هذا ما يمليه تفكير سياسي بسيط، لا يحتاج إلى مراكز دراسات استراتيجية ولا إلى جيوش من المستشارين والخبراء، وإلا إلى أجهزة أمن وجيوش تكلف المليارات. يكفي كسر أغلالنا النفسية، والتحرر من وهم أن الأميركيون يعرفون ما هو الصحيح، أنهم معصومون وأتباعهم هو الذي يؤمن من خوف.
ليس في هذه المقاربة أي غلو من جانبنا. فلم نقل كلمة واحدة عن العروبة وعن الديمقراطية وعن مقاومة التحكم الاستعماري.. كل ما هنالك أننا لا نعتبر الأقوياء عقلانيين بالضرورة، دع عنك أن نعتبرهم معيارا للعقلانية.
يبقى أن هناك كثيرا من الأسرار التي لا نعرفها في علاقة الأطراف العربية المشار إليها، وغيرها، مع الأميركيين. لا يرتد الأمر فيما نرجح إلى خوف مجرد منبثق من فارق القوة بين الطرفين، وليس مبعثه الأرجح تحذيرات ورسائل أميركية معلنة وخفية وجهت لأهل "الاعتدال" العربي بعد 11 أيلول 2001، ولا حتى ضمان الأميركيين لأمن هذه الدول الداخلي. هلع الحكومات هذه ملموس اكثر، مكون من تفاصيل شيطانية لا تحصى، من الخوف والشهوة والجشع..، وبالخصوص من "مؤامرات" لا تحيط بها مخيلة "نظرية المؤامرة" على خصوبتها. ونكاد نجزم أن تاريخ "الشرق الأوسط" مصنوع من أشياء كهذه، تفلت عادة من تحليلاتنا العقلانية. ربما لذلك، لا لغيره، نبدو كمن يتلمس دربه في الظلام ونحن نتحدث عن أوطاننا.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أقوياء، متطرفون، وقصار النظر
- حالة حرب: محاولة لقول كلام هادئ في وقت عصيب
- سورية والأزمة اللبنانية: حصيلة عامة أولية
- انتصار الدولة والمقاومة في لبنان ممكن!
- أهل بيت الموت!
- مصلحة لبنان والعرب منع هزيمة حزب الله
- بالمقلوب: متطرفون عموميون ومعتدلون خواص!
- حرب ضد لبنان: استراتيجية ممتنعة وعدالة غائبة
- أقنعة النظام الشرق أوسطي المتعددة
- عن الأمن المطلق والمقاومة المطلقة وزيغ الحداثة
- محنة المثقفين السوريين بين أهل التخوين وأهل الاعتقال
- بين ليبراليتين في سوريا: -ليبرالية موضوعية- بلا وعي ذاتي، و- ...
- في صدد خصائص ثلاثة لليبرالية الجديدة العربية
- الليبرالية والديمقراطية والحداثة السياسية
- في أن الغرب طائفي، وأن موقع العقل الكوني شاغر
- إطلاق سراح الماضي لقطع الطريق على ثمانينات جديدة...
- احتلال الجولان وانتقاص مقومات الوطنية السورية
- تحت ظلال العار..!
- ميشيل كيلو وولادة المثقف السوري
- من -العروبة أولا- و-سوريا أولا- إلى الوطنية الدستورية


المزيد.....




- -الطلاب على استعداد لوضع حياتهم المهنية على المحكّ من أجل ف ...
- امتداد الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين إلى جامعات أمريكية جدي ...
- توجيه الاتهام إلى خمسة مراهقين في أستراليا إثر عمليات لمكافح ...
- علييف: لن نزود كييف بالسلاح رغم مناشداتها
- بعد 48 ساعة من الحر الشديد.. الأرصاد المصرية تكشف تطورات مهم ...
- مشكلة فنية تؤدي إلى إغلاق المجال الجوي لجنوب النرويج وتأخير ...
- رئيس الأركان البريطاني: الضربات الروسية للأهداف البعيدة في أ ...
- تركيا.. أحكام بالسجن المطوّل على المدانين بالتسبب بحادث قطار ...
- عواصف رملية تضرب عدة مناطق في روسيا (فيديو)
- لوكاشينكو يحذر أوكرانيا من زوالها كدولة إن لم تقدم على التفا ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - -حب الدبب- والدول المضبوعة