أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي عبد الجبار شمري - وقفات على بعض ما أورده الباحث الهولندي -كيس فيرستيغ- حول تطور الكتابة واللهجات في اللغة العربية















المزيد.....

وقفات على بعض ما أورده الباحث الهولندي -كيس فيرستيغ- حول تطور الكتابة واللهجات في اللغة العربية


علي عبد الجبار شمري
كاتــبٌ حُـــر

(Ali Shammari)


الحوار المتمدن-العدد: 7030 - 2021 / 9 / 26 - 13:40
المحور: الادب والفن
    


يغدو جلـيَّـاً لمن يقرأ كتاب المستشرق الهولندي "كيس فرستيغ"، ويمعن النظر بالشواهد التاريخية التي ساقها في فصول كتابه "اللغة العربية تاريخها مستويتها وتأثيرها"، بأنَّ عنوانَ الكتابِ هو بحق مختصرٌ لما تعجُ وتضجُ به دفتيه، فهو تارةً يتناول اللغة العربية وطبقاتها ومستوياتها في كل عصرٍ ببعدٍ جيوتاريخي، وتارةً أٌخرى يسلط الضوء على تأثيرها وتأثُرها بلغاتٍ سبقتها ولغاتٍ أٌخرى عاصرتها ولحقتها.
لا جرم أن لغة الحديث سبقت التدوين الكتابي بفترات زمنية طويلة جداً، فمعظم الآثار الكتابية لا تعدو في قدمها عن 3500 ق.م، وهي بالتأكيد كانت نتاجاً للغة محكية ومتداولة أراد اصحابها تدوين ما اعتبروه مُهماً وغرضاً يستوجب التدوين، لهذا السبب ولأسباب أُخرى كثيرة؛ اقتضت الحاجة البشرية ابتكار انظمة للكتابة والتدوين، واللغة بشقيها اللفظ والكتابة هي بطبيعة الحال مثلُ باقي العلوم ولدت بمبادئ بسيطة ومن ثم تطورت بحسب مقتضيات التطور وما يتعلق به من أشراط. فالخط العربي مثلاً مَرَّ بمراحل تطور وتغيير كثير حتى وصل إلينا بشكله الحالي، فمن الباحثين من يُرجع أُصوله إلى الخط الآرامي ومنهم من يرفض تلك الفكرة ويفضل ارجاعه الى الخط النبطي، رغم إن الأثنين فيهما من بعضهما البعض و "يرفض معظم الباحثين في وقتنا الحالي نظرية الأصل السرياني للخط العربي، ويبدو أن من الأكثر واقعية أن نقول الخط العربي تطور من أصل نبطي على السطر، فالخط الآرامي الذي استقى منه الخط النبطي أساساً ليست هناك وصلات بين الحروف، ولكن في الكتابة النبطية هناك معظم السمات التي تُميز الخط العربي" (كيس فرستيغ، 1997، ص.51). وبغض النظر عن ما إن كان خطاً آرامياً أم خطاً نبطياً ففي الحقيقة إن هذا الخط يفتقر إلى القدرة على التعبير عن جميع الأصوات الموجودة، وخاصةً الحروف اللينة التي ظلت تشكل عائقاً كتابياً في تلك الفترات " لقد كان هناك مشكلتان في الالفباء العربية البدائية، فلم يكن هناك نقط على الحروف للتمييز بين بعض الفونيمات، فكان الكثير من الحروف يعبر عن صوتين و احياناً اكثر" ( كيس فرستيغ، 1997، ص.76)
إنَّ ظهور الإسلام ونزول القرآن كان له انعكاسات كبيرة على اللغة العربية، فالقرآن نزلَ مرتلاً على النبي محمد (ص)، فكان يحفظهُ ويمليه على الكَـتبَّة ليدونوه، وفي الحقيقة لم يكن الكَـتبَّة يتبعون نفس قواعد الخط عند الكتابة، مما حدا بعثمان أن يجمع القرآن على خطٍ واحدٍ وقراءةٍ واحدةٍ، وهذا ما يشير اليه الكاتب في بداية الفصل الخامس من كتابه. وكان دخول غير العرب في الإسلام، قد ساهم في عملية تقعيد اللغة العربية و تأصيلها، وذلك لأسباب عدة، منها ما يتعلق بالدين، ومنها ما كان متعلقاً برفض أي تغيير يطرأ على اللغة، رابطاً اياها بالمعجمية البدوية " فقد تصوروا أن تدفق الكلمات من لغات اخرى سيفسد اللغة العربية التي اختارها الله لينزل بها على عباده آخر الوحي" ( كيس فرستيغ، 1997، ص. 82)
يعرج الكاتب ايضاً على دور الفراهيدي في ابتكار الحركات للأصوات اللينة، وما ترك من أثر على الكتابة العربية وتحسينها وتطورها. هذا التطور الذي استمر بالنمو رغم وجود تيار معارض متمسك بالنموذج التقليدي القديم رافضاً التماهي مع ما فرضه الواقع الجديد من تحديات تستوجب ايجاد الحلول والمقاربة، ومثالاً على ذلك كان ظهور الشعراء المُولدين الذي تجاوزوا بعض الأشكال الصرفية والنحوية وطوروا في هذا المجال، مقابل بعض الذي تمسكوا بالنموذج القديم " زادت الهوة بين النوعين بمرور الوقت، حتى اصبح الشعر الرسمي اكثر اغراقا في التعقيد لدرجة تعذر الفهم دون شرح"(كيس فرستيغ، 1997، ص. 90)

أنَّ اختلاف طبقات اللغة العربية ومستويتها صار من الأشياء المفرغ منها والمُسلم بها، وإنَّ هذا الاختلاف حقيقةً ذو جذور تأريخية عميقة وإنَّ من أحدِ أسبابه هو انقسامُ المشتغلينَ بها ما بينَ مُجددٍ يميلُ للتحديث ، ومتشددٍ يميل للجمود والتمسك بصورة واحدة، فلقد أشار ابن هشام اللخمي في كتابه "مدخل في تقويم اللسان وتعليم البيان" إلى الأخطاء التي كانت ترتكب حينها من قبل العامَّة "لذلك تجده يذكر من بين الأخطاء كتابة "حلوة" بالتاء المربوطة بدلاً من "حلوى" بالألف المقصورة" و"ومن بين أخطاء الأفعال "أرسى" بدلاً من "رسا" "(كيس فرستيغ،1997، ص. 107) وأن الفروقات بين الكتابة واللغة المحكية هي ليس بشيءٍ جديد في الحقيقة.
أنَّ ظهور وانتشار العاميات واللغات المولدة واللهجات المختلفة؛ حفزَ الكثير من الباحثين على دراستها ومحاول معرفة أصولها، فردها الكثير منهم الى الأصل الكلاسيكي للغة العربية " حاول بعض الباحثين ان يبرروا وجود سمات مشتركة كثيرة بين اللهجات في مقابل الفصحى الكلاسيكية باستخدام نظرية اصل واحد" (كيس فرستيغ،1997، ص.114)، وهناك تيارات أخرى كانت تعزوا ما آلت اليه اللغة العربية من ازدواجية لسانية، إلى الاختلاط مع المجتمعات الاخرى وما كان يتطلبه من استحداثات لغوية لإيصال الأفكار، كذلك كان لظاهرة المصاهرة بين العرب الفاتحين والعرب من البلدان الحضرية المفتوحة أثراً في ظهور اللغة المولدة، فلقد أشار الكاتب في غير مرة في الفصل السادس من كتابه إلى أنَّ الكثير من الأمصار كانت تتكلم وتدون احياناً بلغات غير العربية التي عرفت بشكلها اللاحق، وإن اختلاط العرب الفاتحين، بأبناء تلك الحواضر خلق تلك اللغة المولدة، ناهيك عن الدور اللاحق لتعريب الدواوين الذي قام به عبد الملك بن مروان وما كان له من أثر في العمق اللغوي للعربية.
يسوقُ الكاتب في فصله الثاني عشر العديد من الأمثلة التي تثبت صحة ادعاءه فيما يخص أثر الفتوحات في "تهجين" اللغة أو تغييرها، فهو يتناول "الجيوب اللغوية" على حد تعبيره واللغة الكلامية المستخدمة هناك وكيف أثرت وتأثرت بمحيطها. فيتناول الكاتب اللغة المالطية التي يرجعها الباحثون للأصول العربية أبان فتحها على يد التونسيين، كذلك يتناول الكاتب في هذا الفصل عربية كلاً من قبرص، الأناضول، أوزبكستان ويقارن بينها من حيث ديمومة البقاء والتشكل” أن المناطق التي كانت تتحدث باللغة العربية كانت دياربكير، مردين، سيرت، كوزلوك، و ساسون" (كيس فرستيغ،1997، ص.248). يلقي الكاتب الضوء على البعد التاريخي فيما يتعلق بوصول اللغة العربية إلى مناطق مثل جنوب افريقيا، وكذلك مناطق أوروبا وامريكا الجنوبية، أيضاً هو يتناول الفئات التي قدمت لتلك البلاد ومستواها التعليمي واهتمامها باللغة العربية، كذلك التهجين الحاصل نتيجة تأثر تلك اللغات ببعضها البعض" فكثيراً ما يشتكي المهاجرون من ضعف ابنائهم في لغتهم الأم ويقولون إن الأبناء يتكلمون لغة المهجر أفضل من لغة الأب والأم، وينزع أبناء الجيل الثاني إلى خلط شفرة الخطاب كثيراً في كلامهم اليومي................... يبدو من الواضح أنهم لم يكتسبوا سمات لغة الأم والأب بالكامل بسبب قلة التعرض لتلك اللغة، لذلك يمكن أن نقول أن هذا الجيل هو في مرحلة تحول لُغوي" (كيس فرستيغ،1997، ص.259) وهذا التناول يقود بذاته إلى تساؤل حول ديمومة تلك اللغات وانتقالها بين الأجيال في المهجر" أما في حالة الجيوب اللغوية
العربية كأوزباكستان وأفغانستان والأناضول وقبرص فليس هناك سياسة للحفاظ على اللغة العربية، وليس لها وجود رفيع، ولذلك سوف تموت في القريب العاجل"(كيس فرستيغ،1997، ص262)

من خلال ما سبق يتجلى لنا بوضوح أنَّ اللغة العربية مرت بمراحل عديدة كانت في بعضها في أوجِ عطائها ورونقها، وفي مراحل أخرى كانت تعاني من الإهمال والجمود. ومما لا شك فيه فأن تأريخ متكلمي هذه اللغة الديني والسياسي المتمثل بالفتوحات الإسلامية وما صاحبها من خطب ونثر وشعر، كذلك الفقه الديني وعلوم القرآن؛ ساهم بشكل كبير بعملية التلاقح اللغوي الذي حدث بين أبناء اللغة العربية، وأبناء تلك المجتمعات. إنَّ قراءة كتاب مثل كتاب "كيس فرستيغ" بهذه الموسوعية الشاملة للتأريخ والتطور اللغوي، يساهم حقيقةً في إعطائنا تصور أوسع وأشمل لما كانت عليه صورة اللغة العربية في مراحلها السابقة، وكيف استطاع من سبقونا من المشتغلين بها مواجهة التحديات التي مرت بها، لنعرفَ بالتالي أنَّ ما نواجهه اليوم من اختلاف في اللهجات، والتهجين اللغوي ليس بطارئ أو جديد، ومن الضروري إيجاد حلول غير تقليدية لمعالجة هذه التحديات والنهوض بواقع هذه اللغة السامية العريقة لتكون لغة عصرية مستعملة تستوعب كل تفاصيل الحياة ومفرداتها.

المصادر:
Versteegh,Kess(1997),The Arabic language. Edinburgh: Edinburgh University Press



#علي_عبد_الجبار_شمري (هاشتاغ)       Ali_Shammari#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقد وتحليل في كتاب-هولندا لا تمطر رطباً- للكاتب علاء الجابر
- - الله في رحلة نجيب محفوظ الرمزية - ملخص لتحليل طرابيشي لرمز ...
- قراءة في كِتاب -نقد وإصلاح- لطه حسين
- قراءة سريعة في المشهد السياسي العراقي..
- اِختلال المفاهيم.. رسالة مفتوحة الى التيار المدني
- الذائقة السياسية العراقية..الى أين؟
- -ويقولون مالايفعلون- .. ليسوا الشعراءَ فقط !


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي عبد الجبار شمري - وقفات على بعض ما أورده الباحث الهولندي -كيس فيرستيغ- حول تطور الكتابة واللهجات في اللغة العربية