أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غازي الصوراني - الماركسية والدين















المزيد.....

الماركسية والدين


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 7024 - 2021 / 9 / 19 - 16:18
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



الماركسية كنظرية علمية، فلسفية، تاريخية، اجتماعية واقتصادية، تسعى إلى تفسير كافة الظواهر الطبيعية والمجتمعية، بمنهجية علمية وموضوعية من أجل تغييرها، وهنا يندرج الدين ضمن هذه الظواهر، فالماركسية تدعو إلى التفسير العلمي الموضوعي للدين، فلا يكفي النظر إلى الدين ككل، أو إلى أي دين، على أنه مجرد وهم أو إيمان بالقضاء والقدر أو موقف غيبي استحوذ على عقول الملايين من الناس لعدة قرون. فهي تتطلب تحليلا للجذور الاجتماعية للدين في العموم، ولمعتقدات دينية محددة بذاتها، وفهم الاحتياجات الإنسانية الحقيقية، الاجتماعية منها والنفسية، والظروف التاريخية الفعلية التي تطابق تلك المعتقدات والمذاهب. فعلى الماركسي أن يكون قادرا على فهم كيف كان الايمان والاعتقاد الديني –وما زال في مجتمعاتنا العربية وفي البلدان المتخلفة- ملهماً للناس عموماً وللفقراء خصوصاً، في تمردهم على استعبادهم واضطهادهم أو في صبرهم على ظلمهم ومعاناتهم في انتظار الآخرة .
انطلاقاً من فهمنا للماركسية ، فإننا نرى أنها طريقة تفكير لفهم الوجود بكليته عموماً وبكل خصوصياته المرتبطة بالصراع الطبقي الاجتماعي من أجل انعتاق العمال والكادحين وكل الفقراء والمضطهدين في إطار العدالة الاجتماعية القائمة على المساواة بين البشر ، إلى جانب انها لا تسعى –وليست معنية- بالإساءة إلى المشاعر الدينية الكامنة في أوساط الجماهير الشعبية، بل على العكس تؤكد على ضرورة احترام تلك المشاعر - على النقيض مما يروج له دعاة الإسلام السياسي والقوى الرأسمالية والرجعية والامبريالية – فالماركسية تنظر إلى الدين بوصفه جزءاً من تطوّر وعي البشر في محاولتهم فهم واقعهم، وصوغ الرؤية التي تكيفهم معه، وأنه شكّل –في مراحل تاريخية معينة- تطوّراً كبيراً في مسار الفكر، وانتظام البشر في الواقع، وهي بهذا الموقف تتقاطع مع جوهر الأفكار التي أسست لانتشار المبادئ والقيم الناظمة لجميع الديانات التي ظهرت بعد مرور أكثر من مليون سنة على وجود الإنسان في هذا الكوكب، انعكاساً لشعوره بالخوف، أو العجز، عن تفسير الظواهر الطبيعية وغيرها المحيطة به، ومن ثم قام بعبادتها ، فقد عبد النار أو الشمس أو القمر أو النهر أو بعض الحيوانات ، وصنع لها التماثيل أو قام برسمها ونحتها على الصخور التي أصبحت جزءاً من التراث الديني القديم، عبر آثارها الموجودة اليوم في مصر واليونان والصين والهند والمكسيك والعديد من البلدان في أفريقيا وأمريكا اللاتينية ، حيث تميزت تلك المرحلة بما عرفته البشرية من تعدد الآلهة أو تعدد العبادات، جنباً إلى جنب مع الايمان بالأساطير التي سادت وانتشرت طوال أكثر من خمسة آلاف عام ، حتى ظهور فكرة الإله الواحد عند "اخناتون" في الحضارة الفرعونية في مصر، قبل ظهور الديانات التوحيدية، أو ما يعرف بالديانات السماوية، التي تتحدث عن إله واحد لهذا الكون، وكان أولها الديانة اليهودية التي ظهرت قبل حوالي 4298 عام، ثم المسيحية قبل 2013 عام ثم الإسلام قبل 1434 عام ، وهي أديان ظهرت كامتداد وتقاطع مع ما سبقها من خلفيات أسطورية وتراثية ، ولعبت دوراً مهماً في توضيح المعتقد الديني لهذا الدين أو ذاك، فهي دوماً جزء من الدين مرتبطة به، فالمسيحية نشأت على أرضية مكوَّنة من فلسفة أفلاطونية حديثة، من أفكار وثنية يونانية، كذلك الإسلام، ظهر في بيئة ثقافية كانت تضج بالمعتقدات والأفكار (الحنفاء والدهريون واليهود والنصارى والوثنية أو عبادة الأصنام) ؛ وكان ظهوره في فترة من أخصب فترات الفكر الإنساني: كانت الحضارات تتمازج، تتلاقح، تتفاعل، وتتحاور. "فلولا المسيحية واليهودية ووثنية الجزيرة العربية، مثلاً، وكذلك تأثير الزرادشتية والمانوية، لما ظهرت تعاليم الإسلام على الشكل الذي ظهرت عليه، فلو أخذنا مثال قصة هابيل وقابيل في التوراة وفي القرآن، نجد لها أصلاً، أو ما يشابهها، في الأسطورة السومرية، ما يعني أن هذه الكتب السماوية استلهمت بعض القصص من الأساطير" .
ومما لا شك فيه أن للأسطورة أيضاً، قيمة تاريخية ومعنوية، من ناحية تأثيرها في تشكل الوعي الإنساني في مراحله الأولى، وفي تأثيرها وإسهامها في صياغة نصوص الديانات التوحيدية التي ظهرت بعد أكثر من مليون عام على ظهور المجتمعات البشرية، حيث وجدت قبل حوالي خمسة آلاف عام في مصر الفرعونية (اخناتون)، ثم في بلاد الشام (اليهودية)، ثم اليونان والحضارة الاغريقية، ثم الامبراطورية الرومانية التي تخلت عام 335 عن دياناتها المرتبطة بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة لحساب الديانة المسيحية الجديدة التي عززت بدورها مصالح النخب الطبقية الحاكمة في الامبراطورية.
أما عن تاريخ الديانة المسيحية ، فهو سابق على تاريخ الإسلام، إلا أن مسيرته لم تختلف عن مسيرة التاريخ الإسلامي من حيث انتشاره –في البداية- في أوساط الفقراء والعبيد ، فقد كانت المسيحية في الأصل حركة مضطهَدين، ظهرت للمرة الأولى على أنها دين للعبيد والمُعتَقين والفقراء والناس المحرومين من جميع الحقوق، وكذلك كل الشعوب التي قهرتها أو استبدت بها روما، وكان لا بد لانتفاضات الفلاحين والعبيد والمسحوقين، ولجميع الحركات الثورية في العصور الوسطى، أن ترتدى قناع الدين بالضرورة، وقد بدت وكأنها استعادة للمسيحية الأولى إثر ما أصابها من انحطاط متزايد، ولكن التمجيد الديني كان يخفي بانتظام مصالح دنيوية ملموسة “ .
وفي هذا السياق ، تؤكد جميع المراجع التي تناولت تاريخ نشوء ما يعرف بـ"الأديان السماوية" أن نشأة وظهور الأديان ارتبطت أساساً بالجماهير المسحوقة أو جماهير العبيد والفقراء لتحريضهم على واقعهم والثورة عليه وتغييره ، ولنا في ثورة العبيد بقيادة " سبارتاكوس" وثورات فقراء المسلمين في عهد عثمان ثم ثورة الزنج والقرامطة وغيرها تأكيداً لهذا التحليل، علاوة على أن الدعوة المحمدية الإسلامية، انطلقت في بداياتها وسنواتها الأولى في أوساط فقراء العرب في شبه الجزيرة العربية ، وكانوا بمثابة العنصر الرئيسي في حماية الدعوة والدفاع عن مضامينها ضد أثرياء وسادة قريش، لكن طهرانية الدعوة الإسلامية ومثاليتها، لم تستطع الصمود والديمومة سوى لفترة قصيرة، انتهت بوفاة الخليفة العادل عمر بن الخطاب، ومن ثم ولاية عثمان بن عفان الذي شارك في قيادة عملية التحول بالدعوة الإسلامية وتوجيهها لحساب مصالح أثرياء القبائل العربية عموماً وأثرياء قريش وبني أُمية على وجه الخصوص، وبعد وفاته تكرست هذه المصالح الطبقية والسياسية بصورة بشعة –في الدولة الأموية- عندما قرر معاوية ابن أبي سفيان –بعد انتصاره على علي بن أبي طالب- توريث الحكم إلى ولده يزيد، الأمر الذي يتناقض كلياً مع جوهر وشكل الدين الإسلامي، بحيث باتت عملية التوريث سمة أساسية لجميع الحكام أو "الخلفاء" في الدولة الأموية والعباسية وإلى يومنا هذا، لا لشئ سوى تأكيد المصالح العليا للطبقات والشرائح الثرية وضمان بقاءها واستمرار سيطرتها على حساب الاغلبية الساحقة من فقراء المسلمين الذين فُرِضَ عليهم الصبر على مظالمهم، انتظاراً للآخرة، وفق ما كان يروجه "مشايخ وفقهاء" السلطان أو الخليفة، الذين مازالوا في أيامنا هذه يروجون نفس الخطابات لحساب هذا الأمير أو الملك أو الرئيس أو الحاكم دفاعاً عن مصالح الأغنياء وضد مصالح ومستقبل الفقراء والمقهورين.
ولنا في مشهد الإسلام السياسي المنتشر اليوم في بلادنا عبر حركة الإخوان المسلمين والحركات الأصولية والسلفية الرجعية خير مثال على هذه الممارسات والمواقف التي لا تتناقض أبداً مع السياسات الإمبريالية في موازاة الدعوة إلى مهادنة دولة العدو الصهيوني من ناحية، والصمت الكامل على السياسات الاقتصادية الاستغلالية الرأسمالية التابعة التي أدت إلى تزايد الفجوات بين الأغنياء والفقراء دونما أي حديث أو مخرج للمحرومين وللمظلومين سوى اللجوء إلى السماء ووعد الآخرة.
وهنا بالضبط علينا أن نبحث بوعي وعمق كبيرين عن الجذور العميقة للدين في بلادنا العربية، التي تتمثل في الظروف الاجتماعية المتردية للجماهير الكادحة، وعجزها عن مواجهة أنظمة الاستغلال والقمع والاستبداد والتخلف ، الأمر الذي يفرض علينا مزيداً من الاندماج والتوسع في أوساط هذه الجماهير ، ونشر مبادئنا وأفكارنا وبرامجنا السياسية والاجتماعية عبر وسائل الدعاية والاقناع الديمقراطية للارتقاء بوعي الجماهير الشعبية الفقيرة وتطوير كفاحها ونضالها ضد كل أشكال الاستغلال والاضطهاد والتخلف.
وفي هذا الجانب ، نقول : إن الإنسان الفقير ، البسيط ، العفوي ، الذي يعيش في مجتمع متخلف (كما هو حال مجتمعاتنا العربية)، يتأثر سلبا بمعطيات وموروثات قيم التخلف الاجتماعي والغيبي تحديدا ، وينشأ او يصبح أسيرا – بدون وعي – لهذه البنية الاجتماعية المتخلفة ، بل ويصبح (بتأثير الخطاب الديني، والثقافي والسياسي والاجتماعي للأنظمة الحاكمة )، قوة فاعلة ومؤثرة في بنية المجتمع المتخلفة، فهو يعزز هذه البنية ويدعم استقرارها بمقاومة تغييرها بصورة عفوية، نظرا لارتباطها ببنيته النفسية المرتبطة بالبنية الاجتماعية، المحكومة بدورها للأعراف والعادات والتقاليد والغيبيات الموروثة ، العلاقة إذن جدلية بين السبب والمسبب (البنية والنمط الإنساني الذي ينتج عنها) مما يحتم على المثقف الوطني المستنير عموما واليساري خصوصا ان يتحمل مسئوليته تجاه الانسان الفقير ومعايشته والاهتمام الشديد بقضاياه وهمومه ومعاناته وتوعيته وتحريضه ضد البنية المتخلفة ورموزها الطبقية ليقوم بدوره في صنع مستقبله .



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القطاع الزراعي في الضفة الغربية وقطاع غزة
- القطاع الاقتصادي غير المنظم في فلسطين أو ما يطلق عليه اقتصاد ...
- اقتصاد قطاع غزة في ظل الانقسام
- حديث ذو شجون عن قطاع غزة والخصائص التي ميزته حتى 1993، وعن ا ...
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
- عن هيمنة بورجوازية الكومبرادور، وتعريفها...
- اقتصاد قطاع غزة ومجابهة الانقسام والحصار صوب الوحدة الوطنية ...
-  رؤية مستقبلية...اقتصاد قطاع غزة في اطار الاقتصاد الفلسطيني
- المراحل التاريخية ( الأساسية) لتطور الرأسمالية
- وجهة نظر في الثقافة والمثقف وضبابية الرؤية الثقافية لدى اليس ...
- حول مفهوم التحرر الوطني .. وتطبيقاته على الوضع العربي الراهن
- كلمة في زيف وأوهام ثنائية الرأسمالية والديمقراطية
- شعار -يهودية الدولة-بين غطرسة القوة والأسطورة التوراتية
-  مهدي عامل منارة معرفية وسياسية في مجابهة أزمة اليسار العربي
- في شوق الرفيق المغاربي عزيز محب إلى رفيقه المناضل الراحل شوق ...
- تطور مفهوم المجتمع المدني وأزمة المجتمع العربي وغياب الأسس ا ...
- تطور مفهوم المجتمع المدني وأزمة المجتمع العربي وغياب الأسس ا ...
- حول مفهوم المجتمع المدني وتطوره (ج3)
- حول مفهوم المجتمع المدني وتطوره (ج2)
- حول مفهوم المجتمع المدني وتطوره (ج1)


المزيد.....




- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...
- في يوم الأرض.. بايدن يعلن استثمار 7 مليارات دولار في الطاقة ...
- تنظيم وتوحيد نضال العمال الطبقي هو المهمة العاجلة
- -الكوكب مقابل البلاستيك-.. العالم يحتفل بـ-يوم الأرض-
- تظاهرات لعائلات الأسرى الإسرائيليين أمام منزل نتنياهو الخاص ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غازي الصوراني - الماركسية والدين