أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد عبد المنعم عبيد - الألعاب الشعبية والسياسة اليومية















المزيد.....

الألعاب الشعبية والسياسة اليومية


زياد عبد المنعم عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 7023 - 2021 / 9 / 18 - 01:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كنا زمان نتوق للحظة لقاء الأصدقاء في المدرسة أو في الحدائق والساحات حول المنزل، لنلعب ونلهو بكل براءة وسعادة. وكل ما كبرنا قلت مساحة اللعب واللهو متأثرة بالدراسة والنظام التربوي. وهكذا تمر الأيام وتصبح ألعاب الصبا مع الأصدقاء مجرد ذكرى طريفة ولكنها في واقع الأمر لا تمحى وتظل قابعة في أعماق العقل الباطن. الألعاب لم تنتهي، لقد أصبحت جزء من واقع يومي نعيشه ونلعبه معا أو مع من في السلطة ومن يتخذ القرار، أو من وجهة النظر المعاكسة، أصبحت هذه الألعاب أسلوب متبع من قبل أصحاب السلطة والقرار والنفوذ، فهم بالقطع من يضعوا قواعد اللعب والمشاركة والفوز والهزيمة. وقد اقترح احد الأصدقاء علي أن اجمع كل ما كتبت حول ألعابنا المصرية الشعبية وأثرها العميق على أدائنا وسلوكنا وأدبيات العمل السياسي والعام بهدف توثيق جزء هام من تراثنا الاجتماعي واستكشاف مدى تأثير هذا التراث على أنماط تفاعلنا السياسي.

اسمحوا لي أن اشرح في إيجاز قواعد كل لعبة وطريقة المشاركة فيها وكيف تحتسب كما عرفتها شخصيا أو كما جرى العرف السائد في منطقتنا. قد يختلف البعض معي في التسميات أو بعض القواعد الثانوية ولكننا لن نختلف حول الجوهر، اللعبة والرغبة في اللهو، والمكسب، والتغلب على الخصم.

أيام طفولتي كانت التقنيات محدودة فلم يكن هناك سوى قناة تلفزيون وحيدة تضاعفت بعد حوالي خمسة عشر سنة من عمري ولم تكن توجد ألعاب إلكترونية أو شبكة إنترنت أو تليفونات محمولة، أيامنا من كان يود الاتصال بأحدهم في أي من المحافظات كان يجب عليه أن يطلب الرقم من السنترال وينتظر بالساعات والأيام. لذلك كان فيه خيال خصب عند الصغار وكنا نبتكر الألعاب لنمضي الوقت، وما كنا نعرف أننا سنضطر لنقل مهاراتنا إلى مضمار الحياة ما كنا نظن أن اللهو سيصبح واقعا يوميا نمارسه جميعا في كل مناحي الحياة.

"فين البيضة؟" الخداع البصري والحسي
في السنوات الأولى من الطفولة ومدارك الإنسان في طور التكوين، يحاول الكبار جذب انتباه الأطفال ومداعبتهم بهدف الضحك ورسم البسمة على وجوه الأطفال بكل الطرق والوسائل. وتبدءا اللعبة بسؤال الطفل فين البيضة وأنت ممسك بقبضة يدك وكأنك تمسك بالبيضة ومن ثم تعدد للطفل على كل أصبع من اليد، "اه دي البيضة"، وثم تفرد الأصبع التالي وتقول "اه دي اللي سلقها"، ومن ثم الأصبع الثالث وتقول "اه دي اللي قشرها"، واللي بعده وتقول "اه دي اللي حمرها"، وفي الآخر تفاجئ الطفل بقول "واه دي اللي أكلها همم همممم" مع الدغدغة وتمثيل انك ستأكل البيضة بنهم من يد الطفل أو الطفلة. كانت أمي رحمة الله عليها تداعبني بهذه اللعبة البسيطة المعتمدة على جذب انتباه المتفرج من خلال الإيحاءات بوجود شيء ما بالرغم من عدم وجود شيء، وهو ما يشكل جزء من المفاجئة الحقيقية!! أما في حياتنا اليومية ما زالت هذه اللعبة تمارس على مستوى الكبار الراشدين، ولعبة "فين البيضة؟" التي تعودنا جذب انتباه الأطفال من خلالها أصبحت تمارس مع الكبار أيضاً، ولعل مثال ما يحدث في مصر منذ ٢٥ يناير وتحنيس المثقفين المصريين بإمكانية قيام الدولة الإنسانية في وطنهم، وتحنيس الجماعات الإسلامية بإمكانية قيام دولة دينية متطرفة. ومع الوقت أصبحت جماعة الإخوان المسلمين من امهر ممارسي لعب "فين البيضة؟"، وقد أدوا عليها تعديل ولعبوا "فين النهضة؟" مع الشعب المصري المتعب من عقود من الإجهاد والإنهاك. والجميع يعرف طبعا ماذا كانت محصلة لعبة "فين النهضة؟" مع شعب الذي أصبح أكثر نضوجا ووعيا وتحتوي ذاكرته المجمعة وضميره الثقافي والتراثي ما يمكنه من كشف اللعبة قبل الوصول لنهايتها وبذلك يفسد المفاجئة التي كانت معده للظهور بعد مزيد من عقود الضياع ليكتشف بعدها الشعب انه لم يكن هناك شيء، أي شيء!!!!!

صلح
هي لعبة جماعية يمارسها الاطفال والكبار لسهولتها وقلة قواعدها، اللعبة تعتمد أساسا على الحدس وقوة الملاحظة وسرعة البديهة، ولذلك تجد الجميع يلعبها في المتنزهات وخلال الرحلات الترفيهية وهي لعبة طريفة مليئة بالضحك وبالفكاهة وبالخداع وبالطرافة.
لعبة "صلح" تعتمد أساسا على الخداع، فيجب على شخص(الهدف) ان يقف معطيا ظهره لشخصين أو أكثر، ويقف هذا الشخص في وضع يمد فيه احد يداه تحت الإبط المعاكس مع فتح كف اليد، وينتظر حتى ان يقوم احد الأشخاص من خلفه بلمس أو نقر يده. ويجب على الشخص (لهدف) ان يتعرف على من حوله من خلال حاسة اللمس والقدرة على معرفة من الفاعل؟

وتجدر الإشارة ان غالبا ما تتطور لعبة "صلح" لأكثر من اللمس والنقر على كف اليد، فهناك من يخرق القواعد المتعارف عليها ويمارس العنف بالضرب أو باستخدام اي أدوات أو آلات لأحداث نوع من أنواع الأذى والضرر. ويتبادل الأطراف في الواقع المصري المعاصر لعب "صلح" على مستوى الحياة اليومية. وفي عصر الرئيس المخلوع حسني مبارك كانت لعبة صلح تمارس بشكل واسع في أقسام الشرطة مع المتهمين والمطلوبين والمظلومين أحيانا بما يتوافق مع من في السلطة والممسكين بزمام الأمور. ويمكن للعبة "صلح" أن تتحول من لعبة للضحك والترفيه إلى ممارسة قبيحة وظالمة وقمعية يضرب فيها الناس على ظهورهم ومؤخراتهم بدون القدرة عن الدفاع عن النفس أو حتى تفادي الأذى.

فأصبحت لعب "صلح" تقترن بالممارسات الوحشية والظالمة التي يمكن ان تقوم بها مجموعة في مواجهة أفراد أو مجموعات أخرى، ولعبة "صلح" قرينة بالتحضير من وراء ظهر الخصم وإعداد المفاجئات الغير متوقعة والاعتماد على خداع الخصم وإرباكه. ويمكن تشبيه أحداث عديدة مما جاءت بعد الثورة وكأن الشعب المصري الغالب كان طرفا وهدفا للعبة "صلح" كبيرة، صال فيها الطرف الثالث يقتل ويحرق ويحيك المؤامرات والمكائد، وأصبح هذا الطرف الخفي جزءا أساسيا من المشهد العام يعبث بالبلاد وبالمقدرات بدون قواعد أو حدود أو ضوابط.

استغماية
أحدهم يضع غمامة أو عصابة على عيناه فتحجب الرؤيا بالكامل، ويحاول الإمساك بمن هو من حوله، وهم مبصرين. فيجب على الشخص أن يركز كل حواسه ليمسك بمن يحاول التخفي من حوله. الاستغماية من أشهر اللعبات لتي يمارسها الأطفال من كل الأعمار وهي تعتمد أساسا أن يختبئ الجميع ويبحث أحدهم عن كل المختبئين محاولا الكشف عنهم قبل وصولهم لمنطقة الأمان أو الأمة كما كانت تلقب. وتعد هذه اللعبة ضمن الخطوات الأساسية في صقل مهارات الكثير من رجال الأعمال والفاسدين الذين يمارسون لعبة الاختباء هذه للابتعاد عن دفع الضرائب أو للهروب من الالتزام الوطني تجاه مجتمعاتهم وبلادهم. واللعبة تصقل مهارات آخرين ممن يعملوا في السياسة، فكثيرا ما يحاول السياسيين وصناع القرار التواري عن الأنظار والهروب من تبعات المسؤولية والواجب خاصة وقت الحساب! وفي ظل التغيرات الكبيرة التي اجتاحت العالم العربي مؤخرا، شاهدنا العديد من القادة يلعب مع شعبه
"الاستغماية" ومنهم من فر وهرب ومنهم من تم الإمساك به وضبطه.

دوخيني يا ليمونة
تلتف المجموعة حول شخص (الليمونة) ويعمل الجميع على دورانه حول نفسه مرارا وتكرارا حتى يفقد اتزانه ثم يترك فجأة ويهرب الجميع من حوله وعليه أن يمساك بأحدهم برغم حالة الدوار الشديدة التي يعاني منها. وهذه اللعبة بقدر ما كانت تضحكنا بقدر ما كانت تتسبب في إصابات كثيرة نتيجة لارتطام الشخص بالأرض والحوائط وبكل ما يوجد في المحيط، وفي اعتقادي أننا جميعا مارسنا ولعبنا دور الليمونة في أحد أو في كل مؤسسات الحكومية، حيث يستمتع بعض أفراد البيروقراطية بلعب "دوخيني يا ليمونة" بالمواطنين البسطاء ومن ليس له واسطة أو نفوذ. وشعبنا يا ما داخ وترنح وارتطم بجدران الفساد والفقر والظلم في سعيه الدائم للحياة الكريمة. والنظام القائم في الدولة منذ عقود لا يختلف كثيرا عن لعبة الصبا هذه، فالجميع يشكو من اللف والدوران لقضاء أبسط المصالح والاحتياجات بدون جدوى أو فائدة تذكر. فيا ويلك لو كنت تبحث عن علاج بالمجان أو على نفقة الدولة، أو كنت من الذين يبحثون عن حقوقهم المدنية أو من يبحث عن العدل والقسطاس، فيجب أن تكون مستعد للعبة "دوخيني يا ليمونة" ومتأهب لحالة الدوار الشديد التي ممكن أن تصيبك في نهاية المطاف.

مساكة بتنويعاتها عسكر وحرامية، عسكر وإخوان
أدرك الجدال الدائر حول استخدام كلمة "عسكر" وما قد توحي به من إساءة للقوات المسلحة، ولكن الكلمة كانت تستخدم بدون أي غضاضة أو استهزاء في إطار اللعبة الواضح، العسكر (ممكن شرطة أو جيش) تطارد اللصوص والحرامية وهو ما يعتبره الجميع أمرا طبيعيا بل حتميا، وفي هذا السياق فإن صفة العسكر كانت هي المرغوبة والمحبوبة من الأطفال، وكان من النادر أن يرغب الصغار في الانضمام لفرقة الحرامية واللصوص. أما اليوم فقد انتقدت بعض التيارات في المجتمع دور العسكر في الدولة المعاصرة وحدود وطبيعة علاقة هؤلاء بالدولة وبالشعب. ولعبة "المساكة" أو "عسكر و حرامية" من أبسط اللعب من جهة النظام والقوانين وهي تلعب كالتالي: فرقتان تحاول كل منها الكشف عن الآخر وأسر أفرادها والقبض عليهم وتحييدهم. اللعبة بكل بساطة تعتمد على التوافق داخل كل مجموعة وقدرتهم على خداع المجموعة المواجهة بالاحتيال أو الخدعة أو التغلب على الخصوم من خلال التحرك المنظم والسريع. وقد استفاد الكثير من شرائح المجتمع باللعب وصقل المهارات من خلال هذه اللعبة الشيقة التي امتدت معنا منذ الطفولة حتى أصبحت مطاردة الفرقة الأخرى واقع يومي نشاهده يتحقق يوميا. وقد انضمت جماعة الإخوان لهذه اللعبة منذ إنشائها وظلت تلعب مع من في السلطة بكل الطرق والأساليب ولم تتمكن من الفوز أبدا، وفي المقابل حافظ العسكر على تفوقهم على الإخوان وأثبتوا دوما قدرتهم على قراءة نوايا الإخوان وفهم أساليبهم وطرق الخداع التي أثبتت فشلها على مر العصور.

سكت الجميع وتكلم الحمار قائلا؟
هذه لعبة كنا نلعبها لنتعلم الانضباط في الحديث وفي التحكم في أنفسنا وهي تعتمد أن يقول شخص في لحظة من الصخب والحديث المفرط "سكت الجميع وتكلم الحمار قائلا!" حينها على الجميع أن يصمت، إلا القليل ممن يتحدث ولا يسمع، فينطق ويصبح هو طبعا الحمار. أما في هذه الحالة فقد سمعت ممن حولي أن الوقت والظروف الآن تشير لضرورة الصمت، لكنني لن أستطيع أبقى صامتا، ولا أقصد أن أهين تلك المخلوقات الوديعة الحمولة الجميلة لكنني فضلت أن أكون حمارا لا يصمت في حق البلاد والعباد وأن أتابع الحديث والمبادرة عسى أن تصل الرسالة.

وأرجوا من القارئ العفو لو لم أذكر لعبته المفضلة، فالكثير من اللعبات التراثية لم نأت على ذكرها لضيق الوقت والمساحة المتاحة.



#زياد_عبد_المنعم_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العالم العربي والمستقبل 2050 الفصل الثالث
- العالم العربي والمستقبل 2050 الفصل الثانى
- العالم العربي والمستقبل 2050 الفصل الرابع
- أين الخيال العلمي العربي؟
- قمة مجموعة العشرين في هانغتشو تعيد التفاؤل للعالم
- العالم العربي والمستقبل 2050
- آفاق ومحددات العلاقات العربية
- ماذا يحدث في بحر الصين الجنوبي؟


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - زياد عبد المنعم عبيد - الألعاب الشعبية والسياسة اليومية